الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المجموعة» (ص 434 رقم 13) .
وله
شواهد بمعانٍ مقاربة من المرفوع والموقوف
، أورد منها السيوطي (1) وتبعه ابن عرَّاق (2) ثلاثة: واحد مرفوع، واثنان موقوفان؛ وهذا البيان (3) :
أولاً: أخرج الطبراني في «الأوسط» (6/167 رقم 6095 - ط. الحرمين) ،
(1) في «اللآلئ المصنوعة» (2/468-469) .
(2)
في «تنزيه الشريعة» (2/51 رقم 15) .
(3)
مع التنويه إلى زياداتنا في مصادر التخريج على ما ذكراه -رحمهما الله-، ووجدت شاهداً مرفوعاً رابعاً عن علي رضي الله عنه، أشار إليه ياقوت في «معجم البلدان» (1/436) ، ثم ظفرتُ به بعد بحث عند ابن قتيبة في «عيون الأخبار» (1/315-316) -ولم يعزه يوسف أوزبك في «مسند علي» (2/569) إلا له-، قال: حدثني محمد بن عبد العزيز، قال: حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن ميمون الحرّاني، عن عوف بن أبي جميلة، عن الحسن البصري، قال: لما قدم عليٌّ رضي الله عنه البصرة ارتقى على منبرها، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا أهل البصرة، يا بقايا ثمود، ويا جند المرأة [يعني بالمرأة: عائشة] . ويا أتباع البهيمة [يعني بالبهيمة: الجمل الذي ركبته عائشة، وبه سمي هذا اليوم، وهو معروف مشهور] ، رَغَا فاتّبَعتم، وعُقر فانهزمتم، أما إني لا أقول رغبة فيكم ولا رهبة منكم، غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«تفتح أرض يقال لها البصرة أقوم الأرضين قبلةً، قارئها أقرأ الناس، وعابدها أعبد الناس، وعالمها أعلم الناس، ومتصدقها أعظم الناس صدقة، وتاجرها أعظم الناس تجارة، منها إلى قرية يقال لها الأُبُلَّة [بلدة قديمة على شاطئ دجلة البصرة العظمى في زاوية الخليج الذي يدخل إلى مدينة البصرة، ويبعد عنها أربعة فراسخ، وإليها ينسب نهر الأُبُلَّة، الذي هو أحد متنزهات الدنيا الأربعة، وهي من جنات الدنيا. انظر: «وفيات الأعيان» (1/418، 425) ، و «معجم البلدان» ، و «نهاية الأرب» (9/179) ] أربعة فراسخ، يُستشهد عند مسجد جامعها أربعون ألفاً، الشهيد منهم يومئذ كالشهيد معي يوم بدر» .
وإسناده المذكور هكذا وقع في طبعتي «عيون الأخبار» ، والذي يروي عن عوف خالد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد الطحان الواسطي، وهو غير المذكور هنا.
وأما يزيد بن خالد، فشيخ لبقية مجهول.
ولعل صواب الإسناد: (عن عبد الله بن ميمون) ، وترجم في «الميزان» (2/512) لاثنين؛ أحدهما مجهول، والآخر متروك؛ فالإسناد لم يصح.
قال:
حدثني محمد بن عبد الرحمن -ثعلبٌ- البصري، قال: نا عليُّ بن الحسين الدرهمي، قال: نا عبدُالخالق أبو هانئ، قال: حدثني زياد بن (1) الأبْرَص.
عن أنس بن مالك، قال: كانت أمّ سُليْم تُداوي الجرحىفي عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله! لو دعوتَ الله لابني (2)، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أُنيس؟» قالت: نعم، فأقعدني بين يديه، ومسح على رأسي، فقال:«يا أُنيس، إن المسلمين يتمصَّرون بعدي أمصاراً، مما يُمَصِّرون مصراً يقال لها: البصرة، فإن أنت وردْتَها فإياك وفيضها وسوقَها وبابَ سلطانِها، فإنها سيكون بها خسفٌ ومسْخٌ وقذف، آيةُ ذلك الزمان أن يموت العدل، ويَفشُو فيه الجَوْر ويكثر فيه الزِّنا، ويفشو فيه شهادة الزور» .
قال الطبراني عقبه: «لا يُروى هذا الحديث عن زياد الأبرص إلا بهذا الإسناد» .
وإسناده مظلم، قال الهيثمي في «المجمع» (8/11) :«فيه جماعة لم أعرفهم» .
قلت: لعله يريد: محمد بن عبد الرحمن (ثعلب البصري)(3) ،
(1) كذا في «الأوسط» ، وبدونها في «مجمع البحرين» (7/297 رقم 4484) ، وبوب عليه (باب في الخسف والمسخ والقذف)، وقال:«قلت: في «الصحيح» طرف منه» ؛ يريد آخره لا أصل الحديث، و «اللآلئ» (2/468) ووضعه في (مناقب البلدان والأيام) .
(2)
ثبت دعاؤه صلى الله عليه وسلم لأنس بأكثر من شيء؛ منها: تكثير المال والولد، وثبت -أيضاً- دعاؤه بذلك على من لم يؤمن به ويصدّقه، وللسخاوي «السر المكتوم» في الجمع بين الحديثين، ثم رأيت له في دار الكتب المصرية جواباً بخطه على الجمع بين هذين الحديثين، وقد فرغتُ -ولله الحمد- من تحقيقهما، وهما قيد النشر عن دار الإمام مالك بن أنس، بالإمارات العربية.
(3)
له ذكر في كتب التراجم -وهو غير صاحب «الأمالي» المطبوعة-: ترجمه السيوطي في «بغية الوعاة» (1/159 رقم 266)، وقال:«روى عن عبد الله بن أيوب المخزومي وغيره، وحدّث عنه الطبراني» ، قال:«كذا رأيت بخط ابن أم مكتوم من غير زيادة» ، فهو غير معروف، وانظر:«بلغة القاصي والداني» (1/494 رقم 579) .
وعبد الخالق أبو هانئ، وزياد الأبرص، فإني لم أظفر بكلام لأئمة الجرح والتعديل فيهم. ووجدتُ المعلمي يقول عن عبد الخالق وزياد:«لم أجدهما» (1) .
ثانياً: أخرج ابن أبي شيبة في «المصنف» (8/640 رقم 305) بسندٍ صحيح إلى غالب بن عجرد، قال: أتيتُ عبد الله بن عمرو أنا وصاحب لي، وهو يحدث الناس، فقال: ممن أنتما؟ فقلنا: من أهل البصرة، قال: فعليكما إذاً بضواحيها، فلما تفرق الناس عنه دَنوْنا منه، فقلنا: رأيتَ قولك: ممن أنتما، وقولك: عليكما بضواحيها إذاً؟ قال: إن دار مملكتها وما حولها مشوب بهم، قال ثابت (الراوي عن غالب) : فكان غالب بن عجرد إذا دخل على الرحبة سعى حتى يخرج منها.
وأخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (11/252 رقم 20464) عن معمر، عن قتادة، أن عبد الله بن عمرو قال:«البصرة أخبث الأرض تراباً، وأسرعه خراباً» (2)، قال:«ويكون في البصرة خسف، فعليك بضواحيها، وإياك وسباخها» وإسناده منقطع؛ قتادة لم يسمع عبد الله بن عمرو، ولم يسمع إلا من أنس، كما قال أئمة هذا الشأن، وبعضهم يزيد معه سماعه من عبد الله بن سرجس.
ثالثاً: وأخرج ابن أبي شيبة في «المصنف» (8/640 رقم 306 - ط. دار الفكر) قال: حدثنا أبو معاوية عن عاصم، عن أبي عثمان، قال: جاء رجل إلى حذيفة، فقال: إني أريدُ الخروجَ إلى البصرة، فقال: إنْ كنتَ لا بد لك من
(1) التعليق على «الفوائد المجموعة» (ص 434/هامش 2) .
(2)
وأخرج ابن قتيبة في «عيون الأخبار» (1/316) عن خالد بن ميمون، قال:«البصرة أشد الأرض عذاباً، وشرها تراباً، وأسرعها خراباً» .
وعلق عن علي رضي الله عنه قوله: «يا أهل البصرة والبُصيرة والسُّبيخة والحُرَيبة، أرضكم أبعد الأرض من السماء، وأبعدها من الماء، وأسرعها خراباً وغرقاً» .
الخروج؛ فانزل عَزَواتِها، ولا تنزل سُرَّتها.
وإسناده صحيح، أبو معاوية محمد بن خازم الضرير، وعاصم هو ابن سليمان الأحول، وأبو عثمان هو عبد الرحمن بن مَلّ النهدي، أدرك حذيفة، وكلهم ثقات.
ثم وجدته في موطن آخر من «مصنف ابن أبي شيبة» (7/555 رقم 4 - ط. الفكر، أو 12/189-190 رقم 12505 - ط. الهندية) بالسند واللفظ نفسه، وفيه:«فانزل عدوتها ولا تنزل سربها» .
وكلاهما تصحيف (1)، وصوابه:«عَذَواتها» .
أخرج أبو محمد السرقسطي في «الدلائل في غريب الحديث» (2/926 رقم 500) : حدثنا إبراهيم -هو ابن نصر، ثقة- قال: أنا أبو الحسن -هو أحمد ابن عبد الله، ثقة إمام- قال: نا أبو حذيفة، قال: نا سفيان، عن عاصم الأحول، به، ولفظه:
«إن كنتَ لا بد فاعلاً (2) ، فانزل بسُرَّتها، وتجنب عَذَواتها» .
وقال: «وروى هذا الحديث عن شعبة عن عاصم، عن أبي عثمان، إلا أنه قال: فانزل عَذَواتها، ولا تنزل سُرَّتها» .
وإسناده حسن لغيره (3) ، وأبو حذيفة، موسى بن مسعود النهدي، قال العجلي: ثقة صدوق، وقال الترمذي: يضعّف في الحديث، وقال ابن حبان: يخطئ، وقال الفلاس: لا يحدّث عنه من يبصر الحديث، وقال الذهبي في «السير» (13/406) :«هو صدوق في نفسه، وليس بمتقن» . وقال ابن حجر:
(1) وصحفت في مطبوع «اللآلئ» (2/469) إلى «غدوتها
…
سوقها» !!
(2)
أي: نازلاً إلى البصرة.
(3)
وكذا قال محقق «الدلائل» الدكتور محمد بن عبد الله القناص (2/927) .
صدوق سيئ الحفظ (1) .
وأفاد السرقسطي: أنه يقال: أرض عذاة وعَذِية (2) ؛ وهي: البعيدة من الماء، قال:«ومن ثم يقال: زرع عِذْي يشرب بماء السماء، ولا يدنو من المياه ولا من الأنهار» ، قال:«وقد روي هذا الحرف بلفظ آخر: «فانزل عُدُواتها» ، كأنه جمع عُدْوة
…
» ، قال:«وقال بعضهم: عَدولاتها» فإن كان محفوظاً؛ فإنه أراد كلاءها ومرسى سفنها» .
قلت: لفظ حديث أنس عند أبي داود (3) يرجح أن المراد (العذية: البعيدة من الماء) ، وله شواهد أوردها السرقسطي (4) .
وقد ورد بلفظ آخر، أخرجه أبو الحسين الحنائي في «الفوائد المنتقاة الصحاح والغرائب» (5)(3/941 رقم 287 - بتحقيقي)، قال:
أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن عثمان بن أبي الحديد السلمي (6)، قال: أنبأ محمد بن جعفر بن محمد بن هشام بن ملاّس النُّمَيري، قثنا أبو جعفر محمد بن عمرو السوسي النميري، قثنا أبو معاوية، عن عاصم، عن أبي
(1) انظر: «تهذيب الكمال» (29/145) -والتعليق عليه-، و «الميزان» (4/221 رقم 8923) ، و «اللسان» (2/328-329) .
(2)
انظر: «إصلاح المنطق» (181) و «القاموس المحيط» (ص 1689 - مادة (عذا)) .
(3)
المتقدم قريباً (ص 333) .
(4)
انظرها عنده في «الدلائل في غريب الحديث» (2/927، 928) .
(5)
هو المسمى بـ «الحنائيات» ، وقد فرغتُ -ولله الحمد والمنة- من التعليق عليه، وتخريج أحاديثه وآثاره، وعملته على سبع نسخ خطية، وهو قيد النشر عن مكتبة المعارف-الرياض، يسّر الله ذلك بمنّه وكرمه.
(6)
له كتاب «الفوائد» ، محفوظ في الظاهرية، ضمن مجموع (80-ج2 - ق 8-28)، انظر:«فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية، المنتخب من مخطوطات الحديث» (ص 24 رقم 8 - بمراجعتي) لشيخنا الألباني -رحمه الله تعالى-.
عثمان، قال: جاء رجل إلى حذيفة، فقال: إني أريد الخروج إلى البصرة، فقال: لا تخرج إليها، قال: إن لي بها حاجة، قال: لا تخرج، قال: لا بد لي من الخروج، قال: إن لي بها قرابة، قال:«إن كان لا بدَّ من الخروج، فانزل غربيها، ولا تنزل شرقيها» .
وإسناده حسن لغيره، فيه محمد بن عمرو السوسي، قال العقيلي في «الضعفاء الكبير» (4/111) :«كان بمصر يذهب إلى الرفض، وحدّث بمناكير» ، ونقله عنه الذهبي في «الميزان» (3/675) وابن حجر في «اللسان» (5/370)، ولخّص حاله في «ديوان الضعفاء» (3914) بقوله:«صاحب مناكير يترفض» (1) .
ويشهد للفظ الأخير: «انزل غربيها ولا تنزل شرقيها» أثرٌ لجرير بن عبد الله البجلي.
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (13/363) عن وكيع، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير، قال:«إن أول الأرض خراباً يُسراها ثم تتبعها يُمناها» (2) .
وإسناده صحيح.
وهكذا رواه يحيى القطان، ويعلى، وأبو أسامة، عن إسماعيل، عن قيس، عن جرير قوله، وهو الصواب، أفاده الدارقطني فيما حكاه ابن الجوزي في «العلل المتناهية» (2/853 رقم 1427) .
وقد خالف حفص بن عمر الرقي فرواه عن أبي حذيفة موسى بن
(1) انظر: «المغني» (2/621) ، و «الكاشف» (3/84) .
(2)
تجد أمثلة من خراب الجانب الشرقي من بغداد في (نزاع المأمون مع أخيه الأمين) ، وكذا في (اجتياح هولاكو) ، وفي (الحروب الحديثة) -أيضاً-، وانظر في ذلك:«أطراف بغداد» (285-286، 288) .
مسعود النَّهدي، عن سفيان الثوري، عن إسماعيل، به، رفعه.
أخرجه الطبراني في «الأوسط» (3519) -وعنه أبو نعيم في «الحلية» (7/112) -، وتمام في «الفوائد» (5/145 رقم 1724 - ترتيبه «الروض البسام» ) -ومن طريقه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (15/ق257) أو (52/45 و53/333 - ط. دار الفكر) -، وأبو يعلى الخليلي في «الإرشاد» (2/474 رقم 131) ، والدارقطني في «العلل» -ومن طريقه ابن الجوزي في «الواهيات» (2/853 رقم 1427) -، وابن جميع الصيداوي في «معجم الشيوخ» (ص 258) ، وابن المقرئ (1) في «معجمه» (ص 283 رقم 929) ؛ جميعهم من طريق حفص بن عمر الرّقّي، المعروف بـ (سِنْجَة) (2) : نا أبو حذيفة، به.
قال الطبراني: «لم يرو هذا الحديث موصولاً إلا أبو حذيفة» ، وقال أبو نعيم:«غريب» ، وقال الهيثمي في «المجمع» (7/289) :«فيه حفص بن عمر ابن الصباح الرّقّي، وثّقه ابن حبان، وبقية رجاله رجال الصحيح» .
قلت: ليس كذلك، موسى بن مسعود سيئ الحفظ، وتقدم الكلام عليه قريباً، وكذا لم يخرج له البخاري إلا في المتابعات، وحفص بن عمر، قال الخليلي:«كان يحفظ وينفرد برفع الحديث» ، وقال أبو أحمد الحاكم:«حدث بغير حديث لم يتابع عليه» ، وقال ابن حبان:«ربما أخطأ» (3) ، والمحفوظ في هذا اللفظ الوقف، وإن كان له حكم الرفع.
(1) سقط من روايته ذكر (قيس بن أبي حازم) ، ولعله من ناسخ الأصل، والكتاب حقق على نسخة واحدة، محفوظة في دار الكتب المصرية، ولم يذكر بروكلمان (2/76) ولا «فهرس مخطوطات آل البيت» (3/1530 رقم 877) غير هذه النسخة.
(2)
ترجمته في «تاريخ الرقة» (ص 181 رقم 110) و «الميزان» (1/566) وفيه: «قال أبو أحمد الحاكم: حدث بغير حديث لم يتابع عليه» .
(3)
انظر: «الإرشاد» (2/474) ، «تاريخ الرقة» (ص 161) ، «الميزان» (1/566) ، «المغني» (1/181) ، و «اللسان» (2/328-329) .
ثم وجدتُ أبا يعلى الخليلي أسنده في «الإرشاد» (2/474) من طريق هلال بن العلاء الرّقّي، عن أبي حذيفة موقوفاً، وقال:«وهذا أصح» (1) .
ومما يستفاد من هذا الأثر؛ أن الجهة اليسرى أو جهة الشرق من الأرض تخرب قبل اليمنى أو الغرب (2)، وهذا يشهد لما ورد في حديث أبي هريرة: «منعت العراق
…
منعت الشام
…
منعت مصر
…
» ، وأيّدنا هذا فيما مضى بقول جابر في «صحيح مسلم» : «يوشك أهل العراق أن لا يجبى إليهم قفيز ولا درهم
…
يوشك أهل الشام أن لا يجبى إليهم دينار ولا مُدْي
…
» ، و «يوشك» ؛ معناه:«يسرع» ، ففيه معنى الحدوث في الزمان، وذكرها قبل لفظة (خليفة) في آخر الزمان، يؤيّد ويقوي الترتيب، وتكاد تُجمع الآثار على الترتيب المذكور، ولا يوجد فيها ما يخالف ذلك، فضلاً على العموم الوارد في أثر حذيفة هذا، وظفرتُ بحديث وقع التصريح فيه بتأخير الفتن عن (مصر) ؛ وهو:
ما أخرجه الطبراني في «الأوسط» (9/337-338 رقم 8735) و «الكبير» (3) ، والفسوي في «المعرفة والتاريخ» (2/483) -ومن طريقه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (45/492-493) -، وابن عبد الحكم في «فتوح مصر» (ص 528 رقم 217 - ط. محمد الحجيري)، والبزار في «مسنده» (6/287 رقم 2311) أو (2/261 رقم 1656 - زوائده:«كشف الأستار» ،
(1) ثم ظفرتُ بعد تخريج الحديث المذكور بكلام لشيخنا الألباني رحمه الله عليه في «السلسلة الضعيفة» (رقم 1659) ، واقتصر على ذكر (المرفوع) ، وعزاه لبعض المصادر التي سردتُها، وقال عنه:«ضعيف» .
(2)
بوب الهيثمي في «مجمع البحرين» (7/217)(باب أسرع الأرض خراباً يُسراها)، وبوب عليه صاحب «الروض البسام» (5/145) :(باب أول الأرضين خراباً)، وفي رواية عند الديلمي: «أسرع الأرضين
…
» . انظر: «فيض القدير» (1/505 و3/81) .
(3)
عزاه له الهيثمي في «المجمع» (5/281 و7/304) -وأورد كلام الذهبي الآتي في (عَميرة) - وابن حجر في «الإصابة» (4/624) .
أو 1/701 رقم 1297 - «مختصر الزوائد» ) ، وابن قانع في «معجم الصحابة» (10/3711 رقم 1222) من طريق عبد الله بن صالح، نا أبو شريح، أنه سمع عميرة بن عبد الله المعافري يقول: حدثني أبي، أنه سمع عمرو بن الحَمِق يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«تكون فتنة أسلم الناس فيها -أو قال: خير الناس فيها- الجند الغربي» ، قال عمرو بن الحمق: فلذلك قدمت عليكم مصر (1) .
وعلقه البخاري في «التاريخ الكبير» (6/314) عن عبد الله بن صالح، به، بلفظ:«ستكون فتنة، خير الناس فيها الجند الغربي» .
وإسناده ضعيف، فيه عبد الله بن صالح، كاتب الليث بن سعد، صدوق كثير الغلط، ولم ينفرد به، بل توبع عليه.
أخرجه الحاكم في «المستدرك» (4/448) وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (45/492) من طريق ابن وهب (2) : حدثني أبو شريح، عن عمير (3) بن عبد الله المعافري، عن أبيه، به.
وقال: «صحيح الإسناد ولم يخرجاه» ، ووافقه الذهبي في «التلخيص» .
قلت: أبو شريح هو عبد الرحمن (4) بن شريح، وقع التصريح به عند
(1) أسرع رضي الله عنه في وضع الحديث في غير محلّه! ولذا قال الليث بن سعد: «فكان معهم -أي: مع أهل مصر- في أشرِّ أمورهم» . نقله ابن شبة في «تاريخ المدينة» (4/117) ؛ أي: في سيرهم في قتل عثمان رضي الله عنه.
(2)
له «الجامع» ، منه نسخة عتيقة وحسنة جدّاً، محفوظة في الزيتونة بتونس، فيها (باب أشراط الساعة) ، وكثير من نقولات العلماء منه، وبظهوره تحصل فوائد زوائد فرائد، ولا سيما في أحاديث الفتن! يسر الله ذلك في أحسن حال، وأهدأ بال.
(3)
وكذا في «إتحاف المهرة» (12/472 رقم 15949) .
(4)
في مطبوع «كشف الأستار» (2/261) -وبوب عليه (باب فضل الرباط) ! -: «عبد الله ابن شريح» ؛ وهو خطأ، ووقع على الصواب في «البحر الزخار» .
الفسوي والطبراني والبزار وابن عساكر، وليس هو (ضبارة بن مالك) المجهول، كما عينه الأستاذ حمدي الدمرداشي في تحقيقه لـ «معجم الصحابة» لابن قانع!
وعبد الرحمن بن شريح المعافري؛ ثقة من رجال الشيخين.
وعميرة بن عبد الله المعافري؛ قال الذهبي في «الميزان» (3/297 رقم 6494) : «مصري، لا يُدرى من هو» ، وساق هذا الحديث في ترجمته، ولم يزد ابن حجر في «اللسان» (6/237 رقم 5867) عليه شيئاً، وأقرّه، والعجب أن محقق «معجم الصحابة» لابن قانع قال عنه:«مقبول، تقدم في الحديث (14) » ! ولم يتقدم، ولا أدري ما هو مستنده في حكمه؟! وله مثله كثير! ولا قوة إلا بالله!
وقال البزار: «لا نعلم له طريقاً إلا هذا الطريق، ولا نعلم رواه عن ابن شريح إلا عبد الله بن صالح» !!
وقال الطبراني: «لا يروى هذا الحديث عن ابن الحَمِق إلا بهذا الإسناد، تفرد به أبو شريح» !
قال أبو عبيدة: ظفرتُ له بطريق أخرى:
أخرج ابن شبة في «تاريخ المدينة» (3/1116-1117) :
حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي، قال: حدثنا عبد الله بن وهب، قال: حدثنا الليث بن سعد، عن عبد الكريم بن الحارث، عمن حدثه، عن عمرو بن الحَمِق الخُزَاعي: أنه قام عند المنبر بمصر -وذاك عند فتنة عثمان رضي الله عنه، فقال: أيها الناس، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنها ستكون فتنة، خيرُ الناس فيها الجند الغزَّى، وأنتم الجند الغُزَّى، فجئتكم لأكون معكم فيما أنتم فيه. قال الليث: فكان معهم في أشرِّ أمورهم.
قال أبو عبيدة: كذا فيه: «الغزّى» في الموطنين، وهو خطأ، صوابه:
الغربي، وهذا الإسناد ضعيف؛ للإبهام الذي فيه، ويحتمل أن يكون هو المجهول في الإسناد الذي قبله، وسائر رواته ثقات.
وأخرج نعيم بن حماد في «الفتن» (1/54 رقم 54) عن الوليد، قال: قال ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب، قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تكون فتنة، تشمل الناس كلَّهم، لا يسلم منها إلا الجند الغربي» (1) .
ويغني عن هذا المعنى:
ما أخرجه مسلم في «صحيحه» (1925) ، وأبو عوانة (5/109-110) وأبو يعلى (783) والشاشي (1/204 رقم 159) والبزار (152 - مسند سعد) أو «البحر الزخار» (رقم 1222) في «مسانيدهم» ، والدّورقي في «مسند سعد» (ص 195 رقم 116) ، وابن الأعرابي في «معجمه» (1/174و3/586-587 رقم 298، 1156) ، والسهمي في «تاريخ جرجان» (ص 467) ، وأبو العرب في «طبقات علماء إفريقيا» (ص 10) ، وأبو عمرو الداني في «الفتن» (3/740-741 رقم 362)، وأبو نعيم في «الحلية» (3/95-96) -وقال:«حديث ثابت مشهور» - من طرق عن داود بن أبي هند، عن أبي عثمان، عن سعد بن أبي وقاص، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق إلى يوم القيامة» .
واختلف الشراح في المراد بأهل الغرب: «قيل: أراد به: غرب الأرض. وهو ظاهر حديث سعد. ورواه عبد بن حميد وبقي بن مخلد: «لا يزال أهل المغرب» ، لكن؛ أول المغرب بالنسبة إلى المدينة -مدينة النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو الشام، وآخره: حيث تنقطع الأرض من المغرب الأقصى وما بينهما، كلُّ ذلك يقال له: مغرب. فهل أراد المغرب كلَّه، أو أوله؟ كلُّ ذلك محتمل؛ لا جرم
(1) ذكره ابن رجب في «فضائل الشام» (ص 51/رقم 45) ، ولم يعزه إلا لنُعيم، وسكت عنه!
قال معاذ في الحديث الآخر: هم أهل الشام. رواه الطبري وقال: هم ببيت المقدس. وقال أبو بكر الطرطوشي في رسالة بعث بها إلى أقصى المغرب، بعد أن أورد حديثاً في هذا المعنى قال -والله تعالى أعلم-: هل أرادكم رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أراد بذلك جملةَ أهل المغرب؛ لما هم عليه من التمسُّك بالسُّنَّة والجماعة، وطهارتهم من البِدَع والإحداث في الدين، والاقتفاء لآثار من مضى من السلف الصالح؟ والله -تعالى- أعلم» (1) .
وساق السيوطي رواية عبد بن حميد وبقي بن مخلد، وزاد رواية للدارقطني بلفظ:«في الغرب» ، وقال:
«قلت: لا يبعد أن يراد بالمغرب «مصر» فإنها معدودة في الخط الغربي بالاتفاق، وقد روى الطبراني والحاكمُ وصححه عن عمرو بن الحمق، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تكون فتنة، أسلم الناس فيها الجند الغربي» . قال ابنُ الحمق: «فلذلك قدمت عليكم مصر» . وأخرجه محمد بن الربيع الجيزي في «مسند الصحابة الذين دخلوا مصر» ، وزاد فيه:«وأنتم الجند الغربي» . فهذه منقبة لمصر في صدر الملة، واستمرت قليلة الفتن معافاةً طول الملة، لم يعترها ما اعترى غيرها من الأقطار، وما زالت معدن العلم والدين، ثم صارت في آخر الأمر دار الخلافة ومحط الرحال، ولا بلد الآن في سائر الأقطار بعد مكة والمدينة يظهر فيها من شعائر الدين ما هو ظاهر في مصر» (2) .
قال أبو عبيدة: حفظ الله مصرَ وأهلَها المتَّقين إلى يوم الدين، ولا شك
(1)«المفهم» (3/763-764) لأبي العباس القرطبي، بتصرف يسير.
(2)
«الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج» (4/514) . وانظر كلاماً للسخاوي على الحديث في جزئه «جواب عن تزوير اليهود كنيسة بيت المقدس» المنشور في مجلتنا «الأصالة» (عدد 20) ، السنة الخامسة، 15/شوال/سنة 1421هـ، (ص 34-44) ، وهو مضمن في «الأجوبة المرضية» (3/1015-1032)، وانظر عنه: كتابنا «مؤلفات السخاوي» (رقم 178 - الطبعة الثانية) .
أنّ المراد بـ (الغرب) أصالةً (الشَّام) ، وسلامتها هي علامة (خير) ، وعافيتها شارة (نصر) للأمة المرحومة، كما صرحت به الأحاديث الكثيرة الشهيرة الصريحة الصحيحة، وألّفت في هذا الباب كثير من المصنفات المفردة المليحة (1) .
قال شيخنا أسد السنة، ومحدث العصر الألباني -رحمه الله تعالى- بعد تخريجه حديث سعد بن أبي وقاص السابق، وبيان صحّته ما نصه:
«واعلم أن المراد بأهل الغرب في هذا الحديث أهل الشام؛ لأنهم يقعون في الجهة الغربية الشمالية بالنسبة للمدينة المنورة التي فيها نطق -عليه
(1) طبع منها الكثير؛ وهذا أهمّها: «فضائل الشام» للرَّبعي، خرج أحاديثه شيخنا الألباني، و «فضائل الشام» للسمعاني، و «ترغيب أهل الإسلام في سكنى الشام» للعز بن عبد السلام، و «فضائل الشام» لمحمد عبد الهادي، و «فضائل الشام» للإمام ابن رجب، و «الإعلام بسنّ الهجرة إلى الشام» للبقاعي، و «حدائق الإنعام في فضائل الشام» لعبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي، و «إتحاف الأنام في فضائل المسجد الأقصى والشام» لصديقنا هشام العارف.
ومن بديع كلام ابن رجب في «فضائل الشام» (ص 74-75) قوله:
ودلل على ذلك بالأحاديث النبوية، فرحمه الله -تعالى-، فقد أجاد وأفاد.
وكذلك صنع السخاوي في «الأجوبة المرضية» (2/452-457 سؤال 114) ؛ فإنه سئل عن مصر والشام: أيهما أفضل؟ فساق الأحاديث والآثار في فضل كلٍّ منهما، وقال في آخر الجواب:
«وبالجملة؛ فالأحاديث في فضل الشام أشهر، وفخرها أظهر وأكثر. ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء» .
ومن تأويل الإمام مالك لقوله -تعالى-: {زَيتُونَةٍ لا شَرقِيَّةٍ ولا غَربِيَّةٍ} [النور: 35]، قال:
«هي الشام، العراق شرق، ومصر غرب» . أخرجه عنه بسندٍ حسن: الدورقي في «مسند سعد بن أبي وقاص» (ص 196 رقم 117)، وذكره عنه ابن العربي في «أحكام القرآن» (3/1387) . وانظر:«الإمام مالك مفسراً» (ص 297 رقم 660) .
الصلاة والسلام- بهذا الحديث الشريف، وبهذا فسر الحديث الإمام أحمد رحمه الله، وأيده شيخ الإسلام ابن تيمية في عدة مواضع من «الفتاوى» (7/446 و27/41، 507 و28/531، 552) ، وقد أبعد النجعة من فسره من المعاصرين ببلاد (المغرب) المعروفة اليوم في شمال إفريقيا؛ لأنه مما لا سلف له؛ مع مخالفته لإمام السنة وشيخ الإسلام.
وإذا عرفت هذا ففي الحديث بشارة عظيمة لمن كان في الشام من أنصار السنة المتمسكين بها، والذابين عنها، والصابرين في سبيل الدعوة إليها. نسأل الله -تعالى- أن يجعلنا منهم، وأن يحشرنا في زمرتهم تحت لواء صاحبها محمد صلى الله عليه وسلم» (1) .
قال أبو عبيدة: لا يبعد عندي أنّ (مصر) يتأخر خرابها عن (الشام) ؛
…
-أعني: مَنْعَها إردبَّها ودينارها (2) -، ولم يذكر جابر (3)(مصر) ألبتة، واقتصر على ذكر (العراق) و (الشام) ، وأن (الشام) تخرب بعد منع مصر خيراتها مرة أخرى على وجه فيه ظهور، حتى تشتد الفتن بالمسلمين جدّاً، وحتى يرسل إلى المهدي جيش منها للمقاتلة، وبعد ذلك تعود (العافية) و (الإيمان) للشام، وعلى هذه الفترة تحمل النصوص التي فيها (هلاك العرب)(4) ، ولم يبق منهم إلا بقية هم بالشام (5) .
(1)«سلسلة الأحاديث الصحيحة» (2/654 رقم 965) .
(2)
المراد: حديث أبي هريرة عند مسلم: «منعت العراق درهمها وقفيزها
…
» . ومضى بتمامه مع تخريجه وكلام الأئمة عليه.
(3)
المراد: قوله الذي أخرجه مسلم: «يوشك أهل العراق أن لا يجبى إليهم
…
» . ومضى بتمامه مع تخريجه وكلام الأئمة عليه.
(4)
هل هم من حيث الكثرة إلا العراق ومصر؟! فهم من حيث العدد أكثر من النصف، فكيف إذا ضممت لهم أهل الشام؟
(5)
انظر بعضاً منها في: «التاريخ الكبير» (4/344) ، و «مصنف ابن أبي شيبة» =
قال ابن رجب شارحاً حديث سعد: «لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق..» ما نصه:
«وقد وردت الأحاديث بأنّ العرب تهلك في آخر الزمان، فلا يبقى منهم بقية إلا بالشام، فيرجع الأمر إلى تفسير الحديث بأهل الشام» (1) وساق جملة منها.
ويستأنس بتأخير مصر بما أخرجه ابن عبد الحكم في «فتوح مصر والمغرب» (ص 95-96 - ط. الحجيري، أو ص 49 - ط. عبد المنعم عامر)، قال:
«حدثنا أبي عبد الله بن عبد الحكم، أبو الأسود، قالا: حدثنا ابن لهيعة، [عن أبي قبيل](2) ، عن عبد الرحمن بن غَنم (3) الأشعري،......................
= (12/195) ، و «جامع الترمذي» (5/724) ، و «سنن ابن ماجه» (4077) ، و «المعجم الكبير» (8/370) ، و «معجم ابن قانع» (308) ، و «تاريخ دمشق» (1/186، 243-244، 296-297) ، و «كنز العمال» (14/252-253 رقم 38618-38621)، وكتب (فضائل الشام) ؛ منها:«فضائل الشام» للربعي (ص 38) ، و «فضائل الشام» لابن رجب (ص 66-74، 109-127) ، و «السلسلة الصحيحة» (3079) ، و «تخريج الأحاديث المرفوعة المسندة في كتاب التاريخ الكبير» (3/1215-1216 رقم 1044) ، ودراستي عن (العجم) و (الروم) في أحاديث الفتن، يسر الله إتمامها ونشرها بخير وعافية.
(1)
«فضائل الشام» (ص 66)، وكان هذا المعنى مركوزاً في نفوس الصحابة والتابعين. انظر:«تاريخ دمشق» (1/276) ، وانظر فيه -أيضاً- (1/275) قصة وضع فيها تابعي أثراً لابن مسعود في غير وقته، وإنما محله آخر الزمان!
(2)
سقطت من طبعة عبد المنعم عامر!
(3)
في طبعة الحجيري: «غانم» ! وهو خطأ.
أنه قدم من الشام (1) إلى عبد الله بن عمرو بن العاص، فقال له عبد الله بن عمرو (2) : ما أقدمك إلى بلادنا؟ قال: أنت. قال: لماذا؟ قال: كيف تحدثنا أن مصر أسرع الأرضين خراباً، ثم أراك قد اتخذت فيها الرباع، وبنيت فيها القصور، واطمأننت فيها؟!
فقال: إن مصر قد أوفت خرابها، حَطَمها بخت نصر، فلم يدع فيها إلا السباع والضباع، وقد مضى خرابها، فهي اليومَ أطيبُ الأرضين تراباً، وأبعده خراباً، ولن تزالَ فيها بركةٌ ما دام في شيء من الأرضين بركة (3) .
و (أبو قبيل) ؛ هو: حيي بن هانئ المعافري، صدوق يهم، وابن غَنْم من كبار ثقات التابعين، وهذا الإسناد لا بأس به.
والشاهد منه: أنّ البركةَ فيها ما زالت في الشام بركةٌ، فإن زالتْ مِنَ الشام ذهبت عنها.
والمتأمل في مجموع ما ورد من أحاديث وآثار يتيقّن بما قدمناه، من أن الهلاك يبدأ بالمشرق (أهل العراق) ، ثم ينتقل إلى (المغرب)(الشام ومصر) ، والذي أُراه أن اقتران خراب (مصر) مع (البصرة) ، الوارد في بعض الأخبار (4) -إن صحت- إنما كان للتداخل الذي يجري في الأحداث عند هلاك (العراق) ، فإنه يجعل (العجم) أو (الروم)(5) يطمعون في (مصر) مطمعهم
(1) مع مروان سنة خمس وستين. انظر: «تاريخ دمشق» (35/317، 318) .
(2)
في طبعة عبد المنعم عامر: «عبد الله بن عُمر» !.
(3)
الخبر في: «مروج الذهب» (2/93-94) ، «الخطط» للمقريزي (3/63) ، «حسن المحاضرة» (1/18) ، «الأجوبة المرضية» للسخاوي (2/454) .
(4)
سيأتي ذكر ما وقفتُ عليه منها في فصل مفرد قريباً.
(5)
مع مراعاة أنه لم يبيِّن جابر في كلامه المتقدم -وهو في «صحيح مسلم» - مَن الذي يمنع مصر خيراتها، بينما صرح أن العراق يمنعها العجم، وأن الشام يمنعها الروم، وقدمنا (ص 251-252) الفرق بين (العجم) و (الروم) ، والله الموفق.
بـ (الشام) ، بعد استيلائهم على خيرات (العراق) .
أخرج نعيم بن حماد في «الفتن» (1/248 رقم 710)، قال: حدثنا عبد القدوس، عن عُفَير بن معدان، عن قتادة، عن أبي ذر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:
«أول الخراب بمصر والعراق، فإذا بلغ البناء لسَلْع (1)
فعليك يا أبا ذر بالشام» (2) .
(1) سَلْع: جبل بسوق المدينة، وهو أشهر جبال المدينة على صغره، وأصبح الآن يحيط به عمرانها من كل اتجاه. انظر:«معجم البلدان» (3/236) ، «معجم المعالم الجغرافية» (ص 160) .
وتحرف في مطبوع «الفتن» إلى: «يسلع» ؛ فلتصحح.
(2)
للحديث أصل محفوظ، وهذا البيان:
أخرج ابن أبي شيبة في «مسنده» -كما في «المطالب العالية» (17/561 رقم 4338 - ط. العاصمة) - من طريق طلحة بن عمرو: ثنا عاصم بن كليب، عن أبي الجويرية الجرمي، عن زيد ابن خالد الجهني، عن أبي ذر
…
وذكر قصة، ورفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم قوله:«إذا رأيت البناء على جبل سلع، فالحق بالعرب أرض قضاعة، فإنه سيأتي يوم قاب قوس أو قوسين، أو رمح أو رمحين» .
وإسناده ضعيف جدّاً، طلحة بن عمرو متروك، إلا أنه توبع، فقد أخرجه ابن الأعرابي في «المعجم» (1/75 رقم 109) من طريق صالح بن عمر -وهو ثقة-، عن عاصم، به. ولفظه: «
…
فألحق بالمغرب أرض قضاعة، فإنه سيأتي يوم قاب قوسين أو رمح أو رمحين؛ يعني: خير من كذا وكذا» .
وهذا إسناد حسن.
والمراد: الشام؛ فإنها الغرب. ووقع التصريح بذلك في الحديث نفسه من حديثي معاوية ابن حيدة، وأبي أسيد الأنصاري، انظرهما في «تاريخ دمشق» (1/91، 98) .
وورد نحوه في أحاديث عديدة تدلل على فضل الشام، ذكرتُ بعضها في تعليقي على «الحنائيات» (رقم 172) .
وحديث أبي الدرداء، ذكره الذهبي في «السير» (2/70) معلقاً عن عاصم، ولم يعزه لأحد، وعزاه المتّقي الهندي في «كنز العمال» (11/187 رقم 311159) لابن عساكر. =
وإسناده واهٍ بمرة، عبد القدوس بن حبيب الكلاعي، كذبه ابن المبارك، وقال الفلاس: أجمعوا على ترك حديثه (1) .
وعفير بن معدان ضعيف (2) .
ولم ينسبه في «كنز العمال» (5/788 رقم 14388) إلا لنعيم، وقال السيوطي:«وفيه عبد القدوس، متروك» .
وأخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (11/334) عن معمر، عن قتادة، قال: لقي النبيُّ صلى الله عليه وسلم أبا ذر وهو يحرك رأسه، فقال: يا رسول الله! أتعجب مني؟ قال: لا، ولكن مما تلقون من أمرائكم بعدي..» وساق حديثاً، في آخره:«واعلم أنّ أسرع أرض العرب خراباً الجناحان: مصر والعراق» . وإسناده منقطع، قتادة لم يسمع من أحد من الصحابة، إلا من أنس.
وأخرج أبو عمرو الداني في «الفتن» (4/907-908، 915 رقم 470، 476) بسندٍ فيه مجاهيل إلى عبد الله بن الصامت، قال: خرجتُ أنا وأبيٌّ من المسجد، فقال عبد الله: إنّ أسرعَ الأرَضينَ خراباً البصرةُ ومصرُ. فقلت: وما يخربهما، وفيهما عيون الرجال والأموال؟ فقال: يخربهما القتل الأحمر، والجوع الأغبر، كأني بالبصرة، كأنها نعامة جاثمة (3) ، وأما مصر فإن نيلها
= قلت: انظر له: «تاريخ دمشق» (66/198، 200) .
وأخرج الفاكهي في كتاب «مكة» من طريق مجاهد، قال: قال عبد الله بن عمر: يا مجاهد! إذا رأيت الماء بطريق مكة، ورأيت البناء يعلو أخشابها، فخذ حذرك» ، وفي رواية:«فاعلم أنّ الأمر قد أظلّك» . أفاده ابن حجر في «الفتح» (3/507) . والمراد «يعلو أخشابها» ؛ أي: منى في مكة، كما هو حاصل الآن.
(1)
انظر: «الميزان» (3/643) .
(2)
انظر: «الأحاديث المسندة المرفوعة من كتاب الفتن» لموسى البسيط (ص 134 رقم 157) .
(3)
يقال: جثم الطير جثوماً، وهو بمنزلة البروك للإبل. انظر:«النهاية» (1/239) .
ينضُب (1) . أو قال: ييبس. فيكون ذلك خرابها» (2) .
وأخرج الديلميُّ من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:
«ويبدأ الخراب في أطراف الأرض حتى تخربَ مصر، ومصر آمنة من الخراب حتى تخرب البصرة، وخراب البصرة من العراق، وخراب مصر من جفاف النيل» ، وفيه:«وخراب الأُبُلَّة من الحصار» ، وآخره:«وخراب العراق من القحط» (3) .
ووجدته معزوّاً للديلمي في «تنزيه الشريعة» (2/351 رقم 19
(1) نضب الماء: إذا غار ونفد. انظر: «النهاية» (5/68) .
(فائدة) : أخرج نعيم بن حماد في «الفتن» (2/642 رقم 1795) بسند واهٍ جدّاً عن سعيد ابن مسروق رفعه -وهو معضل-: «تغور المياه كلها، وترجع إلى أماكنها إلى نهر الأردن ونيل مصر» .
(2)
وذكره المقريزي في «خططه» (1/334) .
(3)
لم أظفر به في طبعتَيِ «الفردوس» ، ونسبه للديلمي أبو الفرج بن الجوزي في «روضة المشتاق، والطريق إلى الملك الخلاق» ، ونقله عنه القرطبي في «التذكرة» (3/356 - ط. دار ابن كثير، و2/683-684 رقم 2270 - ط. دار الصحابة) ، وقد وجدته منسوباً للديلمي -أيضاً- عند السيوطي في «رفع شأن الحبشان» (ص 378-379)، وأوله عنده:«يبدو الخراب» .
ثم ظفرتُ به على طوله عن كعب قوله بألفاظ متغايرة، انظرها عند: نعيم بن حماد في «الفتن» (1/308 رقم 892) ، والحاكم (4/462) ، وأبي عمرو الداني (4/880-881 رقم 454، 455) ، وأورده المقريزي في «خططه» (1/334)، ولفظ الداني:«الجزيرة آمنة من الخراب حتى تخرب أرمينية، ومصر آمنة من الخراب حتى تخرب الجزيرة، والكوفة آمنة من الخراب حتى تكون الملحمة» . وأرمينية هي الآن إحدى الجمهوريات السوفياتية، وقد أصيبت بزلزال عظيم من نحو بضع سنوات!
ونحوه عند الداني (456، 611) عن وهب بن منبه قوله.
وظفرتُ بنحوه عن أبي هريرة عن رسول الله أو كعب، أخرجه إسحاق بن راهويه في «مسنده» (1/347-348 رقم 344) .
مختصراً) بلفظ: «خراب الري من قبل الديلم، وخراب الديلم من قبل الأرض» ، وقال:«قلت: لم يبيّن علته» .
وأخرج أبو نعيم في «الحلية» (6/50) بسند حسن عن نوف البكالي، قال:«إنّ الدنيا مُثِّلَتْ على طير، فإذا انقطع جناحاه وقع، وإنَّ جناحَيِ الأرض: مصر والبصرة، فإذا خربتا ذهبت الدنيا» .
وبنحوه عن إياس بن معاوية (1) عند: ابن أبي الدنيا في «الإشراف» (رقم 213) ، ووكيع في «أخبار القضاة» (1/355) ، والدينوري في «المجالسة» (رقم 318) -ومن طريقه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (1/192-193) -.
وأخرج ابن أبي شيبة في «المصنف» (8/639 رقم 303) بسند رجاله ثقات عن عبد الله بن عمرو، قال:«ويل للجناحين من الرأس، ويل للرأس من الجناحين» . قال شعبة: فقلت: وما الجناحان؟ قال -أي: يعلى بن عطاء-: العراق (2) ومصر، والرأس: الشام.
وإن كان الطمع في العراق يكون بالفرات، فإنما الخراب بمصر يقع
(1) الخبر في «تاريخ صنعاء» (ص 46، 99، 391) ، و «محاضرة الأبرار» (2/348) ، و «عيون الأخبار» (1/216)، وفي «بهجة المجالس» (3/181) : «كان يقال
…
» ، وأورده أبو حيان التوحيدي في «البصائر والذخائر» (3/145) عن أبي هريرة!! ثم ظفرتُ به مسنداً عنه عند ابن قتيبة في «عيون الأخبار» (1/316) .
(2)
هذا يؤكّد أن (البصرة) ذكرت لكونها عَلَماً على (العراق) آنذاك، وإلا فـ (الكوفة)
…
-مثلاً، وكانت معروفة -أيضاً- آنذاك- مثلها، فأسند ابن قتيبة في «عيون الأخبار» (1/318) بسند صحيح عن إبراهيم التيمي، قال: لما أُمِرت الأرض أن تغيض غاضت، إلا أرض الكوفة فلغيت، فجميع الأرض تُكربُ على ثورين، وأرض الكوفة تُكرب على أربعة ثيران.
وذكر -أيضاً- (1/316) عن شعيب بن صخر، قال: تذاكرت عند زياد البصرة والكوفة، فقال زياد: لو ضلّتِ البصرة لجعلتُ الكوفة لمن دلّني عليها. ونقل عن ابن سيرين، قال: كان الرجل يقول: غضب الله عليك كما غضب أمير المؤمنين على المغيرة، عزله عن البصرة، واستعمله على الكوفة.