الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَهُوَ مُشْتَرِكٌ فِيهِ فِي الْخَارِجِ وَإِنْ قُلْنَا وُجُودُ كُلِّ شَيْءٍ نَفْسُ مَاهِيَّتِه فَنُرِيدُ نَفْسَ مَاهِيَّتِه فِي الْخَارِجِ وَأَمَّا فِي الذِّهْنِ فَنَحْنُ نَتَصَوَّرُ مِنْ مَعْنَى الْوُجُودِ مَعْنًى عَامًّا يَشْمَلُ الْوَاجِبَ وَالْمُمْكِنَ فَتِلْكَ الصُّورَةُ الذِّهْنِيَّةُ وَقَعَتْ الشَّرِكَةُ فِيهَا فَعَلِمْنَا أَنَّ التَّوْحِيدَ فِي أَصْلِ الْوُجُودِ غَيْرُ وَاقِعٍ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ وَكَذَلِكَ مَفْهُومُ الْعِلْمِ مِنْ حَيْثُ هُوَ عِلْمٌ وَقَعَتْ الشَّرِكَةُ فِيهِ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْمُمْكِنِ وَكَذَلِكَ مَفْهُومُ الْحَيَاةِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْإِرَادَةِ وَالْكَلَامِ النَّفْسَانِيِّ وَأَنْوَاعُهُ مِنْ الطَّلَبِ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْخَبَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْكَلَامِ النَّفْسَانِيِّ وَلَوْلَا الشَّرِكَةُ فِي أُصُولِ هَذِهِ الْمَفْهُومَاتِ لَتَعَذَّرَ عَلَيْنَا قِيَاسُ الْغَائِبِ عَلَى الشَّاهِدِ فَإِنَّ الْقِيَاسَ بِغَيْرِ مُشْتَرِكٍ مُتَعَذِّرٌ وَقِيَاسُ الْمُبَايِنِ عَلَى مُبَايِنِهِ لَا يَصِحُّ.
وَقَدْ أَوْرَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ هَذَا السُّؤَالَ فَقَالَ إنْ كَانَ الْقِيَاسُ صَحِيحًا لِمَعْنًى مُشْتَرَكٍ بَيْنَ الشَّاهِدِ وَالْغَائِبِ فَقَدْ وَقَعَتْ الْمُشَابَهَةُ بَيْنَ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِ الْبَشَرِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى لَا تُشْبِهُ ذَاتُهُ ذَاتًا وَلَا صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ صِفَةً مِنْ صِفَاتِ غَيْرِهِ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] وَالسَّلْبُ الَّذِي فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَامٌّ فِي الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْقِيَاسُ صَحِيحًا تَعَذَّرَ إثْبَاتُ الصِّفَاتِ فَإِنَّ مُسْتَنَدَهَا قِيَاسُ الْغَائِبِ عَلَى الشَّاهِدِ.
وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ أَنَّ السَّلْبَ لِلْمِثْلِيَّةِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الْآيَةِ صَحِيحٌ وَالْقِيَاسُ أَيْضًا صَحِيحٌ وَوَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَعَانِيَ لَهَا صِفَاتٌ نَفْسِيَّةٌ تَقَعُ الشَّرِكَةُ فِيهَا فَبِهَا يَقَعُ الْقِيَاسُ وَتِلْكَ الصِّفَاتُ النَّفِيسَةُ حُكْمٌ لِذَلِكَ الْمَعْنَى وَحَالٌ مِنْ أَحْوَالِهِ النَّفْسِيَّةِ وَهِيَ حَالَةٌ غَيْرُ مُعَلَّلَةٍ وَذَلِكَ كَمَا نَقُولُ كَوْنُ السَّوَادِ سَوَادًا وَكَوْنُ الْبَيَاضِ بَيَاضًا حَالَةٌ لِلسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ وَهِيَ حَالَةٌ غَيْرُ مُعَلَّلَةٍ وَهَذِهِ الْحَالُ لَا مَوْجُودَةٌ وَلَا مَعْدُومَةٌ فَلَيْسَ خُصُوصُ السَّوَادِ الَّذِي امْتَازَ بِهِ عَلَى جَمِيعِ الْأَعْرَاضِ صِفَةً وُجُودِيَّةً قَائِمَةً بِالسَّوَادِ وَكَذَلِكَ كَوْنُهُ عَرَضًا لَيْسَ بِصِفَةٍ وُجُودِيَّةٍ قَائِمَةٍ بِالسَّوَادِ بَلْ السَّوَادُ فِي نَفْسِهِ بَسِيطٌ لَا تَرْكِيبَ فِيهِ وَحَقِيقَةٌ وَاحِدَةٌ فِي الْخَارِجِ لَيْسَ لَهَا صِفَةٌ بَلْ يُوصَفُ بِهَا وَلَا تُوصَفُ بِصِفَةٍ وُجُودِيَّةٍ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
الْقَوْلُ بِعَدَمِ التَّوْحِيدِ وَالتَّوَحُّدِ لِاخْتِصَاصِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْغَيْرَيْنِ بِحَالِهِ كَمَا سَبَقَ فِي الْوُجُودِ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْلَا الشَّرِكَةُ فِي أُصُولِ هَذِهِ الْمَفْهُومَاتِ لَتَعَذَّرَ عَلَيْنَا قِيَاسُ الْغَائِبِ عَلَى الشَّاهِدِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ مِنْ حَيْثُ إنَّ الشَّرِكَةَ فِي أُصُولِ هَذِهِ الْمَفْهُومَاتِ لَمْ تَثْبُتْ فَيَتَعَذَّرُ قِيَاسُ الْغَائِبِ عَلَى الشَّاهِدِ
وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ أَوْرَدَهُ وَارِدٌ وَجَوَابُهُ بِالْتِزَامِ بُطْلَانِ قِيَاسِ الْغَائِبِ عَلَى الشَّاهِدِ وَعَدَمِ تَعَذُّرِ إثْبَاتِ الصِّفَاتِ لِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لِإِثْبَاتِهَا قِيَاسُ الْغَائِبِ عَلَى الشَّاهِدِ وَمَا أَجَابَ هُوَ بِهِ عَنْ ذَلِكَ السُّؤَالِ لَا يَصِحُّ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالْأَحْوَالِ وَلَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ قِيَاسِ الْغَائِبِ عَلَى الشَّاهِدِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الصِّفَاتِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
وَمَا قَالَهُ فِي الْقِسْمِ بَعْدَهُ صَحِيحٌ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَقَالَ اللَّخْمِيُّ إنْ زَنَى بِالْمُسْلِمَةِ طَوْعًا لَمْ يُنْتَقَضْ عَهْدُهُ عِنْدَ مَالِكٍ رضي الله عنه وَانْتَقَضَ عِنْدَ رَبِيعَةَ وَابْنِ وَهْبٍ وَإِنْ غَرَّهَا بِأَنَّهُ مُسْلِمٌ فَتَزَوَّجَهَا فَهُوَ نَقْضٌ عِنْدَ ابْنِ نَافِعٍ وَإِنْ عَلِمَتْ بِهِ لَمْ يَكُنْ نَقْضًا وَإِنْ طَاوَعَتْهُ الْأَمَةُ لَمْ يَكُنْ نَقْضًا وَإِنْ اغْتَصَبَهَا قَالَ مُحَمَّدٌ لَيْسَ بِنَقْضٍ وَقِيلَ نَقْضٌ قَالَ فَإِنْ عُوهِدَ عَلَى أَنَّهُ مَتَى أَتَى بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ نَقْضٌ انْتَقَضَ عَهْدُهُ بِذَلِكَ قَالَ الْأَصْلُ وَهَذِهِ الْفُرُوعُ بَعْضُهَا أَقْرَبُ مِنْ بَعْضٍ لِلْقَاعِدَةِ فِي النَّقْضِ فَإِكْرَاهُ الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ عَلَى الزِّنَا وَجَعْلُهُ نَاقِضًا دُونَ الْحِرَابَةِ مُشْكِلٌ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِالْحِرَابَةِ فَلَا يُنْتَقَضُ أَوْ تُلْحَقُ الْحِرَابَةُ فِيهِ فَيُنْتَقَضُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِعُمُومِ مُفْسِدَةِ الْحِرَابَةِ فِي النُّفُوسِ وَالْأَبْضَاعِ وَالْأَمْوَالِ وَعَدَمُ اخْتِصَاصِ ذَلِكَ بِوَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ.
اهـ فَإِذَا عَلِمْت هَذِهِ الْأَقْسَامَ الثَّلَاثَةَ وَتَوَضَّحَتْ عِنْدَك مَسَائِلُهَا ظَهَرَ لَك تَحْرِيرُ الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُوجِبُ النَّقْضَ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُوجِبُهُ فَتَعْتَبِرُ مَا يَقَعُ لَك مِنْ غَيْرِ الْمَنْصُوصِ بِالْمَنْصُوصِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ بِرِّ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ التَّوَدُّدِ لَهُمْ]
(الْفَرْقُ التَّاسِعَ عَشَرَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ بِرِّ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ التَّوَدُّدِ لَهُمْ) مِنْ حَيْثُ إنَّ بِرَّهُمْ وَالْإِحْسَانَ إلَيْهِمْ مَأْمُورٌ بِهِ {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ} [الممتحنة: 8] الْآيَةَ وَقَالَ صلى الله عليه وسلم «اسْتَوْصُوا بِأَهْلِ الذِّمَّةِ خَيْرًا» وَقَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ «اسْتَوْصُوا بِالْقِبْطِ خَيْرًا» وَوُدُّهُمْ وَتُوَلِّيهِمْ مَنْهِيٌّ عَنْهُ قَالَ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ} [الممتحنة: 1] الْآيَةَ.
وَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 9] الْآيَةَ حَتَّى اُحْتِيجَ لِلْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ النُّصُوصِ بِمَا هُوَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ بِرِّهِمْ وَالتَّوَدُّدِ لَهُمْ مِنْ أَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ لَمَّا كَانَ عَقْدًا عَظِيمًا فَيُوجِبُ عَلَيْنَا حُقُوقًا لَهُمْ مِنْهَا مَا حَكَى ابْنُ حَزْمٍ فِي مَرَاتِبِ الْإِجْمَاعِ وَنَجْعَلُهُمْ فِي جِوَارِنَا وَفِي حَقِّ رَبِّنَا وَفِي ذِمَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَذِمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَذِمَّةِ دِينِ الْإِسْلَامِ اهـ.
وَاَلَّذِي إجْمَاعُ الْأَمَةِ عَلَيْهِ أَنَّ مَنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ وَجَاءَ أَهْلُ الْحَرْبِ إلَى بِلَادِنَا يَقْصِدُونَهُ وَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نَخْرُجَ لِقِتَالِهِمْ بِالْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ وَنَمُوتَ دُونَ ذَلِكَ صَوْنًا لِمَنْ هُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ
حَقِيقَةٍ تَقُومُ بِهَا وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي بَقِيَّةِ الْمَعَانِي.
فَكَذَلِكَ كَوْنُ الْعِلْمِ عِلْمًا صِفَةٌ نَفْسِيَّةٌ وَحَالَةٌ لَهُ لَيْسَتْ صِفَةً مَوْجُودَةً فِي الْخَارِجِ قَائِمَةً بِالْعِلْمِ فَالْقِيَاسُ وَقَعَ بِهَذِهِ الْحَالَةِ النَّفْسِيَّةِ وَالْحُكْمُ النَّفْسِيُّ لَا بِصِفَةٍ وُجُودِيَّةٍ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْإِرَادَةِ وَالْحَيَاةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ بَقِيَّةِ الصِّفَاتِ وَإِذَا كَانَ الْقِيَاسُ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ الشَّاهِدِ وَالْغَائِبِ وَهُوَ حُكْمٌ نَفْسِيٌّ وَحَالَةٌ ذَاتِيَّةٌ لَيْسَتْ بِمَوْجُودَةٍ فِي الْخَارِجِ فَالسَّلْبُ الَّذِي فِي الْآيَةِ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمِثْلِيَّةَ مَنْفِيَّةٌ بَيْنَ الذَّاتِ وَجَمِيعِ الذَّوَاتِ.
وَكُلُّ صِفَةٍ لَهُ تَعَالَى وَبَيْنَ جَمِيعِ صِفَاتِ الْمَخْلُوقَاتِ فِي أَمْرٍ وُجُودِيٍّ فَإِنَّهُ لَا صِفَةَ وُجُودِيَّةً مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ اللَّهِ وَخَلْقِهِ أَلْبَتَّةَ بَلْ الشَّرِكَةُ إنَّمَا وَقَعَتْ فِي أُمُورٍ لَيْسَتْ مَوْجُودَةً فِي الْخَارِجِ كَالْأَحْوَالِ وَالْأَحْكَامِ وَالنِّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ كَالتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ وَالْقَبْلِيَّةِ وَالْبَعْدِيَّةِ وَالْمَعِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النِّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ أَمَّا فِي صِفَةٍ وُجُودِيَّةٍ فَلَا فَهَذَا وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ قِيَاسِ الشَّاهِدِ عَلَى الْغَائِبِ وَبَيْنَ نَفْيِ الْمُشَابَهَةِ وَبُسِطَ هَذَا فِي كُتُبِ أُصُولِ الدِّينِ وَقَدْ بَسَطْته فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ وَأَوْرَدْت هَذَا السُّؤَالَ وَأَجَبْت عَنْهُ هُنَالِكَ مَبْسُوطًا فَهَذَا الْقِسْمُ وَنَحْوُهُ لَا يَجِبُ التَّوْحِيدُ فِيهِ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ إجْمَاعًا فَيَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ الْمَخْلُوقُ بِأَنَّهُ عَالِمٌ وَمُرِيدٌ وَحَيٌّ وَمَوْجُودٌ وَمُخْبِرٌ وَسَمِيعٌ وَبَصِيرٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاكٍ فِي اللَّفْظِ بَلْ بِاعْتِبَارِ مَعْنًى عَامٍّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ.
الْقِسْمُ الثَّالِثُ الَّذِي اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ يَجِبُ تَوْحِيدُ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ أَمْ لَا فَهَذَا هُوَ التَّعْظِيمُ بِالْقَسَمِ فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقْسِمَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَكُونُ مِنْ التَّعْظِيمِ الَّذِي وَجَبَ التَّوْحِيدُ فِيهِ أَوْ لَا يَجُوزُ فَيَكُونُ مِنْ التَّعْظِيمِ الَّذِي وَجَبَ التَّوْحِيدُ فِيهِ وَهَذَا الْقِسْمُ هُوَ الَّذِي سِيقَ الْفَرْقُ لِأَجْلِهِ لِأَنَّهُ الْمُتَعَلِّقُ بِالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ فَقَالَ الشَّيْخُ الْفَقِيهُ أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ هُوَ مُبَاحٌ كَالْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَبِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَبِصِفَاتِهِ الْعُلَا وَمُحَرَّمٌ كَالْحَلِفِ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى وَمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْحَلِفَ تَعْظِيمٌ وَتَعْظِيمُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَدْ يَكُونُ كُفْرًا وَأَقَلُّهُ التَّحْرِيمُ وَمَكْرُوهٌ وَهُوَ الْحَلِفُ بِمَا عَدَا ذَلِكَ.
وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِمَا فِي مُسْلِمٍ قَالَ صلى الله عليه وسلم «أَلَا إنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» وَمِنْ الْمَكْرُوهِ الْحَلِفُ بِالرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم أَوْ بِالْكَعْبَةِ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيُّ بِالْمَخْلُوقَاتِ كَالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَمْنُوعٌ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَعَالَى وَاخْتُلِفَ فِي جَوَازِ الْحَلِفِ بِصِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى كَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ وَالْعِلْمِ وَنَحْوِهَا مِنْ الصِّفَاتِ السَّبْعَةِ فَالْمَشْهُورُ الْجَوَازُ وَلُزُومُ الْكَفَّارَةِ فِي ذَلِكَ إذَا حَنِثَ وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ رحمه الله الْكَرَاهَةُ فِي لَعَمْرُ اللَّهِ وَأَمَانَةِ اللَّهِ وَإِنْ حَلَفَ بِالْقُرْآنِ وَالْمُصْحَفِ لَيْسَ بِيَمِينٍ وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ جَلَالُ الدِّينِ فِي الْجَوَاهِرِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
تَعَالَى وَذِمَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّ تَسْلِيمَهُ دُونَ ذَلِكَ إهْمَالٌ لِعَقْدِ الذِّمَّةِ وَمِنْهَا أَنَّ مَنْ اعْتَدَى عَلَيْهِمْ وَلَوْ بِكَلِمَةِ سُوءٍ أَوْ غِيبَةٍ فِي عِرْضِ أَحَدِهِمْ أَوْ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَذِيَّةِ أَوْ أَعَانَ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ ضَيَّعَ ذِمَّةَ اللَّهِ تَعَالَى وَذِمَّةَ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَذِمَّةَ دِينِ الْإِسْلَامِ تَعَيَّنَ عَلَيْنَا أَنْ نَبَرَّهُمْ بِكُلِّ أَمْرٍ لَا يُؤَدِّي إلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا يَدُلُّ ظَاهِرُهُ عَلَى مَوَدَّاتِ الْقُلُوبِ وَثَانِيهِمَا مَا يَدُلُّ ظَاهِرُهُ عَلَى تَعْظِيمِ شَعَائِرِ الْكُفْرِ وَذَلِكَ كَالرِّفْقِ بِضَعِيفِهِمْ وَسَدِّ خُلَّةِ فَقِيرِهِمْ وَإِطْعَامِ جَائِعِهِمْ وَإِكْسَاءِ عَارِيهِمْ وَلِينِ الْقَوْلِ لَهُمْ عَلَى سَبِيلِ اللُّطْفِ لَهُمْ وَالرَّحْمَةِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْخَوْفِ وَالذِّلَّةِ وَاحْتِمَالِ أَذِيَّتِهِمْ فِي الْجِوَارِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى إزَالَتِهِ لُطْفًا مِنَّا بِهِمْ لَا خَوْفًا وَتَعْظِيمًا وَالدُّعَاءِ لَهُمْ بِالْهِدَايَةِ وَأَنْ يُجْعَلُوا مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ وَنَصِيحَتِهِمْ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِمْ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ وَحِفْظِ غَيْبَتِهِمْ إذَا تَعَرَّضَ أَحَدٌ لِأَذِيَّتِهِمْ وَصَوْنِ أَمْوَالِهِمْ وَعِيَالِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ وَجَمِيعِ حُقُوقِهِمْ وَمَصَالِحِهِمْ وَأَنْ يُعَانُوا عَلَى دَفْعِ الظُّلْمِ عَنْهُمْ وَإِيصَالِهِمْ لِجَمِيعِ حُقُوقِهِمْ وَكُلِّ خَيْرٍ يَحْسُنُ مِنْ الْأَعْلَى مَعَ الْأَسْفَلِ أَنْ يَفْعَلَهُ وَمِنْ الْعَدُوِّ أَنْ يَفْعَلَهُ مَعَ عَدُوِّهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ.
إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَا عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ لَهُمْ وَتَحْقِيرِ أَنْفُسِنَا بِذَلِكَ الصَّنِيعِ لَهُمْ بَلْ امْتِثَالًا مِنَّا لِأَمْرِ رَبِّنَا عز وجل وَأَمْرِ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم مَعَ كَوْنِنَا نَسْتَحْضِرُ فِي قُلُوبِنَا مَا جُبِلُوا عَلَيْهِ مِنْ بُغْضِنَا وَتَكْذِيبِ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم وَأَنَّهُمْ لَوْ قَدَرُوا عَلَيْنَا لَاسْتَأْصَلُوا شَأْفَتَنَا وَاسْتَوْلَوْا عَلَى دِمَائِنَا وَأَمْوَالِنَا وَأَنَّهُمْ مِنْ أَشَدِّ الْعُصَاةِ لِرَبِّنَا وَمَالِكِنَا عز وجل لِيَمْنَعَنَا ذَلِكَ الِاسْتِحْضَارُ مِنْ الْوُدِّ الْبَاطِنِ لَهُمْ الْمُحَرَّمِ عَلَيْنَا خَاصَّةً لَا لَأَنْ نُظْهِرَ آثَارَ تِلْكَ الْأُمُورِ الَّتِي نَسْتَحْضِرُهَا فِي قُلُوبِنَا مِنْ صِفَاتِهِمْ الذَّمِيمَةِ لِأَنَّ عَقْدَ الْعَهْدِ يَمْنَعُنَا مِنْ ذَلِكَ كَمَا هُوَ مَحْمَلُ الْآيَةِ الْأُولَى وَالْحَدِيثَيْنِ.
أَمَّا بِرُّنَا لَهُمْ بِمَا يُؤَدِّي إلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ كَإِخْلَاءِ الْمَجَالِسِ لَهُمْ عِنْدَ قُدُومِهِمْ عَلَيْنَا وَالْقِيَامِ لَهُمْ حِينَئِذٍ وَنِدَائِهِمْ بِالْأَسْمَاءِ الْعَظِيمَةِ الْمُوجِبَةِ لِرَفْعِ شَأْنِ الْمُنَادَى بِهَا وَكَإِخْلَائِنَا لَهُمْ أَوْسَعَ الطُّرُقِ إذَا تَلَاقَيْنَا مَعَهُمْ وَرَحْبَهَا وَالسَّهْلَ مِنْهَا وَتَرْكِنَا أَنْفُسَنَا فِي خَسِيسِهَا وَحَزَنِهَا وَضَيِّقِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ
لَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِصِفَاتِ اللَّهِ الْفِعْلِيَّةِ كَالرِّزْقِ وَالْخَلْقِ وَلَا يَجِبُ فِيهِ كَفَّارَةٌ وَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْحَلِفِ بِصِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الْقَدِيمَةِ مَا فِي الْبُخَارِيِّ أَنَّ أَيُّوبَ عليه الصلاة والسلام قَالَ بَلَى وَعِزَّتِك لَا غِنَى لِي عَنْ بَرَكَتِك فَإِنْ قُلْت فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ السَّائِلِ عَمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ «أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إنْ صَدَقَ» فَقَدْ حَلَفَ عليه الصلاة والسلام بِأَبِي الْأَعْرَابِيِّ وَهُوَ مَخْلُوقٌ قُلْت قَدْ اُخْتُلِفَ فِي صِحَّةِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي الْحَدِيثِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ فِي الْمُوَطَّإِ بَلْ أَفْلَحَ إنْ صَدَقَ فَلَنَا مَنْعُهَا عَلَى الْخِلَافِ فِي زِيَادَةِ الْعَدْلِ فِي رِوَايَتِهِ أَوْ نُجِيبُ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِالْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ قَالَهُ صَاحِبُ الِاسْتِذْكَارِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَوْ نَقُولُ هَذَا خَرَجَ مَخْرَجَ تَوْطِئَةِ الْكَلَامِ لَا الْحَلِفَ نَحْوُ قَوْلِهِمْ قَاتَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَا أَشْجَعَهُ وَلَا يُرِيدُونَ الدُّعَاءَ عَلَيْهِ بَلْ تَوْطِئَةَ الْكَلَامِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام لِعَائِشَةَ رضي الله عنها «تَرِبَتْ يَدَاك وَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ» وَلَمْ يُرِدْ الدُّعَاءَ عَلَيْهَا بِالْفَقْرِ الَّذِي يُكَنَّى بِالْإِلْصَاقِ بِالتُّرَابِ تَقُولُ الْعَرَبُ الْتَصَقَتْ يَدُهُ بِالْأَرْضِ وَبِالتُّرَابِ إذَا افْتَقَرَ بَلْ أَرَادَ عليه الصلاة والسلام تَوْطِئَةَ الْكَلَامِ.
فَإِذَا تَقَرَّرَ الْقَسَمُ الْمُخْتَلِفُ فِي تَوْحِيدِ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ فِي الْحَلِفِ فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُشْرِكَ مَعَهُ غَيْرَهُ بِأَنْ يُقْسِمَ عَلَيْهِ بِبَعْضِ مَخْلُوقَاتِهِ بِأَنْ يَقُولَ بِحَقِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْك أَوْ بِحُرْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ إلَّا غَفَرْت لَنَا أَوْ بِحَقِّ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ إلَّا سَتَرْت عَلَيْنَا أَوْ بِحُرْمَةِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ وَالطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ إلَّا هَدَيْتنَا هَدْيَهُمْ وَسَلَكْت بِنَا سَبِيلَهُمْ فَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ أَوْ يَمْتَنِعُ لِأَنَّهُ قَسَمٌ وَتَعْظِيمُ الْقَسَمِ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ تَوَقَّفَ فِي هَذَا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَرُجِّحَ عِنْدَهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ وَبَيْنَ الْحَلِفِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِغَيْرِهِ وَقَالَ الْكُلُّ قَسَمٌ وَتَعْظِيمٌ فَإِنْ قُلْت قَدْ حَلَفَ اللَّهُ تَعَالَى بِالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ فَكَيْفَ يُخْتَلَفُ فِي الْجَوَازِ مَعَ وُرُودِهِ فِي الْقُرْآنِ مُتَكَرِّرًا.
قُلْت: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْوَاقِعِ فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: فِيهِ كُلُّهُ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ أَقْسِمُ بِرَبِّ الشَّمْسِ أُقْسِمُ بِرَبِّ التِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَكَذَا الْبَوَاقِي فَمَا وَقَعَ الْحَلِفُ إلَّا بِاَللَّهِ تَعَالَى دُونَ خَلْقِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّمَا أَقَسَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا تَنْبِيهًا لِعِبَادِهِ عَلَى عَظَمَتِهَا عِنْدَهُ فَيُعَظِّمُونَهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْحَجْرِ عَلَى الْخَلْقِ فِي شَيْءٍ أَنْ يَثْبُتَ ذَلِكَ الْحَجْرُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ الْمَلِكُ الْمَالِكُ عَلَى الْإِطْلَاقِ يَأْمُرُ بِمَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ بِمَا يُرِيدُ مِنْ غَيْرِ اعْتِرَاضٍ وَلَا نَكِيرٍ فَيُحَرِّمُ عَلَى عِبَادِهِ مَا يَشَاءُ وَلَا يَحْرُمُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَإِنْ قُلْت إذَا قُلْنَا بِالْحَلِفِ بِصِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَعْنَوِيَّةِ كَالْعِلْمِ وَالْكَلَامِ وَنَحْوِهِمَا فَهَلْ الْقُرْآنُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَكَذَلِكَ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ وَالزَّبُورُ وَسَائِرُ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ؟ أَمْ لَيْسَ كَذَلِكَ قُلْت قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَيْسَتْ مِنْهَا وَإِنْ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
يَفْعَلَهُ الْمَرْءُ مَعَ الرَّئِيسِ وَالْوَلَدُ مَعَ الْوَالِدِ وَالْحَقِيرُ مَعَ الشَّرِيفِ وَكَتَمْكِينِهِمْ مِنْ الْوِلَايَاتِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الْأُمُورِ الْمُوجِبَةِ لِقَهْرِ مَنْ هِيَ عَلَيْهِ أَوْ ظُهُورِ الْعُلُوِّ وَسُلْطَانِ الْمُطَالَبَةِ وَإِنْ كَانُوا فِي غَايَةِ الْأَنَاةِ وَالرِّفْقِ لِأَنَّ الرِّفْقَ وَالْأَنَاةَ فِي هَذَا الْبَابِ نَوْعٌ مِنْ الرِّئَاسَةِ وَالسِّيَادَةِ وَعُلُوِّ الْمَنْزِلَةِ مِنْ الْمَكَارِمِ فَهِيَ دَرَجَةٌ رَفِيعَةٌ أَوْصَلْنَاهُمْ إلَيْهَا وَعَظَّمْنَاهُمْ بِسَبَبِهَا وَرَفَعْنَا قَدْرَهُمْ بِإِيثَارِهِمْ بِهَا وَكَأَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُ خَادِمًا عِنْدَهُمْ أَوْ أَجِيرًا يُؤْمَرُ عَلَيْهِ وَيُنْهَى أَوْ يَكُونَ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَكِيلًا فِي الْمُحَاكَمَاتِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ وُلَاةِ الْأُمُورِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَيْضًا إثْبَاتٌ لِسُلْطَانِهِمْ عَلَى ذَلِكَ الْمُسْلِمِ فَهَذَا كُلُّهُ حَرَامٌ وَهُوَ مَحْمَلُ النَّهْيِ فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَغَيْرِهِمَا.
فَلِذَا لَمَّا أَتَى الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيُّ رحمه الله الْخَلِيفَةَ بِمِصْرَ وَوَجَدَ عِنْدَهُ وَزِيرًا رَاهِبًا قَدْ سَلَّمَ إلَيْهِ قِيَادَهُ وَأَخَذَ يَسْمَعُ رَأْيَهُ وَيُنَفِّذُ كَلِمَاتِهِ الْمَسْمُومَةَ فِي الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ الشَّيْخُ مِمَّنْ يَسْمَعُ الْخَلِيفَةُ قَوْلَهُ فِي مِثْلِ هَذَا دَخَلَ عَلَيْهِ فِي صُورَةِ الْمُغْضَبِ وَالْوَزِيرُ الرَّاهِبُ جَالِسٌ بِإِزَائِهِ وَأَنْشَدَهُ:
يَا أَيُّهَا الْمَلِكُ الَّذِي جُودُهُ
…
يَطْلُبُهُ الْقَاصِدُ وَالرَّاغِبُ
إنَّ الَّذِي شُرِّفْت مِنْ أَجْلِهِ
…
يَزْعُمُ هَذَا أَنَّهُ كَاذِبٌ
فَاشْتَدَّ غَضَبُ الْخَلِيفَةِ عِنْدَ سَمَاعِ الْأَبْيَاتِ وَأَمَرَ بِالرَّاهِبِ فَسُحِبَ وَضُرِبَ وَقُتِلَ وَأَقْبَلَ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ فَأَكْرَمَهُ وَعَظَّمَهُ بَعْدَ عَزْمِهِ عَلَى إيذَائِهِ لَكِنَّهُ لَمَّا اسْتَحْضَرَ تَكْذِيبَ الرَّاهِبِ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي هُوَ سَبَبُ شَرَفِهِ وَشَرَفِ آبَائِهِ وَأَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِينَ بَعَثَهُ ذَلِكَ عَلَى الْبُعْدِ عَنْ السُّكُونِ إلَيْهِ وَالْمَوَدَّةِ لَهُ وَأَبْعَدَهُ عَنْ مَنَازِلِ الْعِزِّ إلَى مَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ الذُّلِّ وَالصَّغَارِ وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ أَهِينُوهُمْ وَلَا تَظْلِمُوهُمْ وَكَتَبَ إلَيْهِ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا نَصْرَانِيًّا بِالْبَصْرَةِ لَا يُحْسِنُ ضَبْطَ خَرَاجِهَا إلَّا هُوَ وَقَصَدَ وِلَايَتَهُ عَلَى جِبَايَةِ الْخَرَاجِ لِضَرُورَةِ تَعَذُّرِ غَيْرِهِ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يَنْهَاهُ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ لَهُ فِي الْكِتَابِ مَاتَ النَّصْرَانِيُّ وَالسَّلَامُ قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ يَعْنِي هَبْ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ فَمَا كُنْت صَانِعًا فَأَصْنَعْهُ السَّاعَةَ وَاسْتَغْنِ عَنْهُ وَاصْرِفْ اهـ.
قِيلَ يُفِيدُ أَنَّ قَوْلَ عُمَرَ رضي الله عنه -
كَانَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى النَّفْسِيِّ مِنْهَا لِاشْتِهَارِ لَفْظِ الْقُرْآنِ فِي الْأَصْوَاتِ الْمَسْمُوعَةِ عُرْفًا وَأَنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْ إطْلَاقِ لَفْظِ الْقُرْآنِ إلَّا هَذِهِ الْأَصْوَاتِ وَالْحُرُوفِ وَالْأَصْوَاتُ وَالْحُرُوفُ مَخْلُوقَةٌ فَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ اللَّفْظُ إلَيْهَا وَالْحَلِفُ بِالْمَخْلُوقِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ.
وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ لَا يُوجِبُ كَفَّارَةً فَلَا يَجِبُ بِالْحَلِفِ بِالْقُرْآنِ كَفَّارَةٌ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْكُتُبِ وَقَالَ مَالِكٌ يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إذَا حَلَفَ بِالْقُرْآنِ لِانْصِرَافِهِ عِنْدَهُ لِلْكَلَامِ الْقَدِيمِ النَّفْسِيِّ وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه فَإِنَّا لَا نَفْهَمُ مِنْ قَبُولِ الْقَائِلِ: الْقُرْآنَ وَهُوَ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ، وَكَتَبَ الْقُرْآنَ إلَّا هَذِهِ الْأَصْوَاتِ وَالرُّقُومَ الْمَكْتُوبَةَ بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ نَهْيِهِ عليه الصلاة والسلام عَنْ أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ فَإِنَّ الْمُسَافَرَةَ مُتَعَذِّرَةٌ بِالْقَدِيمِ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ مِثْلُ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَمِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي نَصَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ تَعَالَى بِهَا لَفْظُ اللَّهِ وَالرَّحْمَنِ فَلَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُمَا عَلَى غَيْرِهِ وَلَا يُسَمَّى بِهِمَا غَيْرُهُ وَمِنْ ذَلِكَ لَفْظُ تَبَارَكَ فَتَقُولُ تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ وَلَا تَقُولُ تَبَارَكَ زَيْدٌ وَكَذَلِكَ كُلُّ لَفْظٍ اُشْتُهِرَ اسْتِعْمَالُهُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى خَاصَّةً لَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ عَلَى غَيْرِهِ وَهَذِهِ الْأُمُورُ مِنْ الْقُرْآنِ وَتَبَارَكَ وَنَحْوُهَا مِمَّا يَقْبَلُ الْحُكْمُ فِيهَا التَّغَيُّرَ إذَا تَغَيَّرَ الْعُرْفُ فَإِذَا جَاءَ عُرْفٌ بِكَوْنِ أَهْلِهِ لَا يُرِيدُونَ بِلَفْظِ الْقُرْآنِ إلَّا الْكَلَامَ الْقَدِيمَ تَعَيَّنَ لُزُومُ الْكَفَّارَةِ بِهِ وَجُوِّزَ الْحَلِفُ بِهِ فَإِنَّ الْأَحْكَامَ الْمُرَتَّبَةَ عَلَى الْعَوَائِدِ تَتْبَعُ الْعَوَائِدَ وَتَتَغَيَّرُ عِنْدَ تُغَيِّرُهَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَهَذَا تَلْخِيصُ الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجِبُ تَوْحِيدُ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ وَتَوَحُّدُهُ وَبَيْنَ مَا لَا يَجِبُ
(الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا مَدْلُولُهُ قَدِيمٌ مِنْ الْأَلْفَاظِ فَيَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا مَدْلُولُهُ حَادِثٌ فَلَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَلَا تَجِبُ بِهِ كَفَّارَةٌ)
اعْلَمْ أَنَّ الْأَلْفَاظَ انْقَسَمَتْ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْمَطْلَبِ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ قِسْمٌ عُلِمَ أَنَّ مَدْلُولَهُ قَدِيمٌ كَلَفْظِ اللَّهِ وَنَحْوِهِ وَقِسْمٌ عُلِمَ أَنَّ مَدْلُولَهُ حَادِثٌ كَلَفْظِ الْكَعْبَةِ وَنَحْوِهَا فَهَذَانِ الْقِسْمَانِ لَا يُقْصَدَانِ بِهَذَا الْفَرْقِ لِوُضُوحِهِمَا وَقِسْمٌ مُشْكِلٌ عَلَى أَكْثَرِ الطَّلَبَةِ فَهُوَ الْمَقْصُودُ بِهَذَا الْفَرْقِ وَهُوَ سَبْعَةُ أَلْفَاظٍ اللَّفْظُ الْأَوَّلُ أَمَانَةُ اللَّهِ تَعَالَى مَنْ حَلَفَ بِهَا جَازَ وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ بِهَا إذَا حَنِثَ لِأَنَّ أَمَانَتَهُ تَعَالَى تَكْلِيفُهُ وَهُوَ أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ بِالْكَلَامِ النَّفْسِيِّ وَهُوَ قَدِيمٌ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ} [الأحزاب: 72]
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا مَدْلُولُهُ قَدِيمٌ مِنْ الْأَلْفَاظِ فَيَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا مَدْلُولُهُ حَادِثٌ فَلَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَلَا تَجِبُ بِهِ كَفَّارَةٌ إلَى قَوْلِهِ فَهَذَانِ الْقِسْمَانِ لَا يُقْصَدَانِ بِهَذَا الْفَرْقِ لِوُضُوحِهِمْ)
قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ قَالَ (وَقِسْمٌ مُشْكِلٌ عَلَى أَكْثَرِ الطَّلَبَةِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ إلَى قَوْلِهِ وَتَلْزَمُ بِهِ الْكَفَّارَةُ صَحِيحٌ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
مَاتَ خَبَرٌ اُسْتُعْمِلَ فِي إنْشَاءٍ فَيَكُونُ مِنْ الْمَجَازِ الْمُرَكَّبِ وَقَالَ الشِّهَابُ الْخَفَاجِيُّ يُفِيدُ إنَّ فِي قَوْلِهِ رضي الله عنه مَاتَ اسْتِعَارَةٌ فِي الْفِعْلِ غَيْرُ مَا عُرِفَ فِيهَا بِتَشْبِيهِ الْحَدَثِ الْمَفْرُوضِ فِي الْمَاضِي بِالْحَدَثِ الْمُحَقَّقِ فِيهِ فَاتَّحَدَا حَدَثًا وَزَمَانًا وَنِسْبَةً وَاخْتَلَفَا تَحَقُّقًا وَتَقْدِيرًا فَاسْتُعِيرَ الْحَدَثُ الْمُحَقَّقُ لِلْحَدَثِ الْمَفْرُوضِ وَاشْتُقَّ مِنْهُ مَاتَ بِمَعْنَى فُرِضَ مَوْتُهُ
، أَوْ فَسَرَى التَّشْبِيهُ لِمَا فِي ضِمْنَيْ الْفِعْلَيْنِ وَاسْتُعِيرَ الْفِعْلُ الدَّالُّ عَلَى الْحَدَثِ الْمُحَقَّقِ لِلْمَفْرُوضِ وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى أَحَدِهِمَا مَا يُرَتَّبُ عَلَى الْآخَرِ فَيَعْزِلَ الْكَاتِبَ الْمَفْرُوضَ مَوْتُهُ وَيَسْتَغْنِي عَنْهُ كَمَا يَفْعَلُ فِيمَنْ تَحَقَّقَ مَوْتُهُ وَهَذَا مِنْ قَضَايَا عُمَرَ الْعَجِيبَةِ كَمَا فِي بَيَانِهِ الصَّبَّانِ وَالْأُنْبَابِيِّ عَلَيْهَا قَالَ الْأُنْبَابِيُّ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْأَلْفَاظِ فِي مَعَانِيهَا الْفَرْضِيَّةِ مَجَازِيٌّ وَهُوَ إنَّمَا يَظْهَرُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَدْلُولَاتِ الْأَلْفَاظِ الْأُمُورُ الْخَارِجِيَّةُ إمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَدْلُولَهَا الْأُمُورُ الذِّهْنِيَّةُ فَلَا يَظْهَرُ إلَّا إنْ قُلْنَا إنَّ مُرَادَهُ أَنَّ اسْتِعْمَالَ مَاتَ فِي الْمَوْتِ الْفَرْضِيِّ مَجَازٌ بِالِاسْتِعَارَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِيهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَوْضُوعٌ لَهُ بَلْ مِنْ حَيْثُ مُلَاحَظَةُ عَلَاقَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوْتِ الْمُحَقَّقِ لِيُرَتَّبَ عَلَى الْأَوَّلِ مَا يُرَتَّبَ عَلَى الثَّانِي فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ لَوْ اُسْتُعْمِلَ فِي الْمَوْتِ الْفَرْضِيِّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَوْضُوعٌ لَهُ لِتَحَقُّقِ الْمَاهِيَّةِ الذِّهْنِيَّةِ فِيهِ فَيَكُونُ اسْتِعْمَالًا حَقِيقِيًّا نَظِيرُ مَا قَالَهُ حَفِيدُ السَّعْدِ فِي اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ اللَّفْظِيِّ فِي أَحَدِ مَعَانِيهِ وَإِنْ كَانَ مَا هُنَا مِنْ قَبِيلِ الْمُشْتَرَكِ الْمَعْنَوِيِّ لِوَضْعِهِ لِلْحَقِيقَةِ الذِّهْنِيَّةِ الْمُتَحَقِّقَةِ فِي الْأَفْرَادِ الْحَاصِلَةِ بِالْفِعْلِ فِي الْخَارِجِ وَفِي الْأَفْرَادِ الْفَرْضِيَّةِ اهـ بِتَصَرُّفٍ.
قُلْت: وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَدْلُولَ الْأَلْفَاظِ الْأُمُورُ الذِّهْنِيَّةُ لَا يَظْهَرُ كَوْنُهُ فِي الْمَوْتِ الْفَرْضِيِّ مَجَازًا بِالِاسْتِعَارَةِ نَظِيرُ مَا لِحَفِيدِ السَّعْدِ فِي الْمُشْتَرَكِ اللَّفْظِيِّ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ الْمَعْنَوِيَّ فِي أَفْرَادِهِ حَقِيقَةً مُطْلَقًا أَمَّا عَلَى مَا قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ إنَّهُ مَذْهَبُ الْأُصُولِيِّينَ الَّذِي لَا يَعْرِفُونَ خِلَافَهُ مِنْ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ الْمَعْنَوِيَّ فِي أَفْرَادِهِ مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهَا مَجَازٌ وَمِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا أَفْرَادٌ حَقِيقَةً فَلَا يَظْهَرُ إلَّا أَنَّ كَوْنَهُ فِي الْمَوْتِ الْفَرْضِيِّ مَجَازٌ مُرْسَلٌ عَلَاقَتُهُ الْإِطْلَاقُ فَتَأَمَّلْ بِإِنْصَافٍ هَذَا وَبِالْجُمْلَةِ فَبِرُّ الْكُفَّارِ