الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنْ نَوَى بِهَا الطَّلَاقَ الَّذِي هُوَ إزَالَةُ قَيْدِ النِّكَاحِ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ التَّصْدِيقِ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُ تَقْدِيرُ صِدْقِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْإِخْبَارَ عَنْ زَوَالِ الْعِصْمَةِ وَيَلْزَمُ عَلَى رَأْيِنَا الْقَائِلِينَ بِالْإِنْشَاءِ أَنْ يَكُونَ ضَابِطُ الصَّرِيحِ مَا نُقِلَ لِإِنْشَاءِ إزَالَةِ الْقَيْدِ وَصَارَ مُسْتَغْنِيًا عَنْ النِّيَّةِ وَمَا لَمْ يَصِرْ بِالنَّقْلِ كَذَلِكَ وَيُمْكِنُ اسْتِعْمَالُهُ فِي إزَالَةِ الْعِصْمَةِ مَجَازًا لِعَلَاقَةٍ بَيْنَهُمَا فَهُوَ كِنَايَةٌ وَمَا لَا عَلَاقَةَ فِيهِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالتَّسْبِيحِ وَنَحْوِهَا يَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ أَوْ يَكُونُ لَا صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُتَّجَهُ وَيَكُونُ لَفْظُ الْحَرَامِ وَالْخَلِيَّةِ وَالْبَرِيَّةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا اُدُّعِيَ فِيهِ النَّقْلُ صَرِيحًا فَلَا يُقَالُ فِيهِ إنَّهُ كِنَايَةٌ أُلْحِقَتْ بِالصَّرِيحِ؛ لِأَنَّهُ لَا صَرِيحَ إلَّا بِالنَّقْلِ حِينَئِذٍ فَأَيُّ لَفْظٍ نُقِلَ كَانَ هُوَ الصَّرِيحُ مِنْ غَيْرِ امْتِيَازِ لَفْظٍ عَنْ لَفْظٍ فِي ذَلِكَ لِاسْتِوَاءِ الْجَمِيعِ فِي عَدَمِ إفَادَةِ زَوَالِ الْعِصْمَةِ لُغَةً.
وَفِي إفَادَةِ زَوَالِهَا بِالنَّقْلِ فَلَا مَزِيَّةَ لِبَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ إذَا حَصَلَ فِيهَا النَّقْلُ وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَيْضًا بَحْثٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ النَّقْلَ إنَّمَا هُوَ مِنْ قِبَلِ الْعُرْفِ فَإِذَا تَحَوَّلَ الْعُرْفُ إلَى الضِّدِّ فَصَارَ الْمُشْتَهِرُ خَفِيًّا وَالْخَفِيُّ مُشْتَهِرًا أَنْ يَكُونَ مَا قَضَيْنَا بِأَنَّهُ صَرِيحٌ يَصِيرُ كِنَايَةً وَمَا قَضَيْنَا بِأَنَّهُ كِنَايَةٌ يَصِيرُ صَرِيحًا بِحَسَبِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (وَيَلْزَمُ عَلَى رَأْيِنَا الْقَائِلِينَ بِالْإِنْشَاءِ إلَى قَوْلِهِ فَلَا مَزِيَّةَ لِبَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ إذَا حَصَلَ فِيهَا النَّقْلُ) ، قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ لَفْظَ طَالِقٍ يُفِيدُ زَوَالَ الْعِصْمَةِ إمَّا لُغَةً عَلَى مَذْهَبِ غَيْرِهِ وَإِمَّا عُرْفًا عَلَى مَذْهَبِهِ، وَلَفْظُ أَنْتِ طَالِقٌ يُفِيدُ إنْشَاءَ الطَّلَاقِ عُرْفًا أَيْضًا وَلَفْظُ الْخَلِيَّةِ لَا يُفِيدُ ذَلِكَ عُرْفًا، بَلْ مَجَازًا وَلَفْظُ أَنْتِ خَلِيَّةٌ وَإِنْ كَانَ عُرْفًا فِي الْإِنْشَاءِ مَعَ أَنَّ لَفْظَ خَلِيَّةٍ لَيْسَ عُرْفًا فِي الطَّلَاقِ لَا يُفِيدُ بِجُمْلَتِهِ إنْشَاءَ الطَّلَاقِ عُرْفًا فَبَيْنَ لَفْظِ أَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ خَلِيَّةٌ فَرْقٌ ظَاهِرٌ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ أَنْتِ طَالِقٌ صَرِيحًا؛ لِأَنَّ لَفْظَ طَالِقٍ عَلَى انْفِرَادِهِ وَلَفْظَ أَنْتِ طَالِقٌ بِجُمْلَتِهِ كِلَاهُمَا مَنْقُولٌ عُرْفًا هَذَا لِزَوَالِ قَيْدِ الْعِصْمَةِ بِخُصُوصِهِ وَالْآخَرُ لِإِنْشَاءِ زَوَالِ ذَلِكَ الْقَيْدِ وَلَفْظُ خَلِيَّةٍ عَلَى انْفِرَادِهِ لَمْ يَنْقُلْهُ الْعُرْفُ لِزَوَالِ قَيْدِ الْعِصْمَةِ وَإِنْ كَانَ لَفْظُ أَنْتِ قَدْ نَقَلَهُ الْعُرْفُ لِلْإِنْشَاءِ، فَيَكُونُ كِنَايَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(قَالَ)(وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَيْضًا بَحْثٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ النَّقْلَ إنَّمَا هُوَ مِنْ قِبَلِ الْعُرْفِ)(قُلْت) مَا قَالَهُ إلَى آخِرِ الْفَرْقِ صَحِيحٌ، وَكَذَلِكَ مَا قَالَ فِي الْفَرْقِ بَعْدَهُ إلَّا مَا قَالَهُ فِي الْإِنْشَاءَاتِ فَفِيهِ نَظَرٌ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَغَيْرُ الْمَخْصُوصِ أَرْجَحُ مِمَّا أُجْمِعَ عَلَى تَخْصِيصِهِ
(وَثَالِثُهَا) أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْفُرُوجِ التَّحْرِيمُ حَتَّى يُتَيَقَّنَ الْحِلُّ فَتَكُونَ الْأُولَى عَلَى وَفْقِ الْأَصْلِ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ رُجْحَانُ الثَّانِيَةِ عَلَيْهَا فَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَى الْأُولَى مُوَافَقَةً لِلْأَصْلِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِبَاحَةِ الْمُطْلَقَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِبَاحَةِ الْمَنْسُوبَةِ إلَى سَبَبٍ مَخْصُوصٍ]
(الْفَرْقُ الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِبَاحَةِ الْمُطْلَقَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِبَاحَةِ الْمَنْسُوبَةِ إلَى سَبَبٍ مَخْصُوصٍ)
اعْلَمْ أَنَّ الْأَسْبَابَ إذَا تَعَلَّقَ بِهَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ مِنْ إبَاحَةٍ أَوْ نَدْبٍ أَوْ مَنْعٍ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ أَحْكَامِ التَّكْلِيفِ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ تَتَعَلَّقَ تِلْكَ الْأَحْكَامُ بِمُسَبَّبَاتِهَا بِحَيْثُ إنَّ الْأَمْرَ بِالسَّبَبِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْأَمْرَ بِالْمُسَبَّبِ وَالنَّهْيَ عَنْ السَّبَبِ لَا يَسْتَلْزِمُ النَّهْيَ عَنْ الْمُسَبَّبِ وَالتَّخْيِيرَ فِي السَّبَبِ لَا يَسْتَلْزِمُ التَّخْيِيرَ فِي الْمُسَبَّبِ مَثَلًا الْأَمْرُ بِإِبَاحَةِ الِانْتِفَاعِ بِالْمَبِيعِ وَالْأَمْرُ بِالنِّكَاحِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْأَمْرَ بِحِلِّيَّةِ الْبُضْعِ وَالْأَمْرُ بِالْقَتْلِ فِي الْقِصَاصِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْأَمْرَ بِإِزْهَاقِ الرُّوحِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْقَتْلِ الْعُدْوَانِ لَا يَسْتَلْزِمُ النَّهْيَ عَنْ الْإِزْهَاقِ وَالنَّهْيُ عَنْ التَّرَدِّي فِي الْبِئْرِ لَا يَسْتَلْزِمُ النَّهْيَ عَنْ تَهَتُّكِ الْمُرْدِي فِيهَا وَالنَّهْيُ عَنْ جَعْلِ الثُّبُوتِ فِي النَّارِ لَا يَسْتَلْزِمُ النَّهْيَ عَنْ نَفْسِ الْإِحْرَاقِ وَالْإِبَاحَةُ لِلْأَجْنَبِيَّةِ بِالْعَقْدِ لَا يَسْتَلْزِمُ إبَاحَةَ وَطْئِهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَمْرَانِ
(الْأَوَّلُ) عَقْلِيٌّ وَهُوَ مَا ثَبَتَ فِي الْكَلَامِ مِنْ أَنَّ الَّذِي لِلْمُكَلَّفِ تَعَاطِيَ الْأَسْبَابِ لَا الْمُسَبَّبَاتِ لِأَنَّهَا مِنْ فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُكْمِهِ وَلَا كَسْبَ فِيهِ لِلْمُكَلَّفِ
(وَالثَّانِي) سَمْعِيٌّ وَهُوَ أَنَّ اسْتِقْرَاءَ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَقْطُوعٌ بِهِ أَمَّا الْكِتَابُ فَمِنْهُ مَا هُوَ عَامٌّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96]{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: 62] وَمِنْهُ مَا هُوَ خَاصٌّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ} [طه: 132] وقَوْله تَعَالَى {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6] وقَوْله تَعَالَى {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات: 22] إلَى آخِرِ الْآيَةِ وقَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2] الْآيَةَ وقَوْله تَعَالَى {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ - أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} [الواقعة: 58 - 59]{أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ} [الواقعة: 63]{أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ} [الواقعة: 68]{أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ} [الواقعة: 71] وَأَمَّا السُّنَّةُ فَكَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَوْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ» الْحَدِيثَ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «قَيِّدْهَا وَتَوَكَّلْ» وَلَا يَرِدُ أَنَّ إبَاحَةَ عُقُودِ الْبُيُوعِ وَالْإِجَارَاتِ تَسْتَلْزِمُ إبَاحَةَ الِانْتِفَاعِ الْخَاصِّ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَأَنَّهُ إذَا تَعَلَّقَ بِهَا التَّحْرِيمُ كَبَيْعِ الرِّبَا وَالْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ اسْتَلْزَمَ تَحْرِيمَ الِانْتِفَاعِ الْمُسَبَّبِ عَنْهَا وَأَنَّ التَّعَدِّيَ وَالْغَصْبَ وَالسَّرِقَةَ وَنَحْوَهَا وَالذَّكَاةَ فِي الْحَيَوَانِ إذَا كَانَتْ عَلَى وَفْقِ الْمَشْرُوعِ تَكُونُ
الْعُرْفِ الطَّارِئِ.
وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَنْتَقِلْ الْعُرْفُ لِلضِّدِّ، بَلْ بَطَلَ فَقَطْ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَصِيرَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ صَرِيحًا، بَلْ تَحْتَاجُ جَمِيعُ الْأَلْفَاظِ فِي لُزُومِ الطَّلَاقِ بِهَا إلَى النِّيَّةِ وَيَلْزَمُ أَمْرٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنَّ الْمُفْتِي لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ أَحَدًا بِالطَّلَاقِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ بَلَدِ ذَلِكَ الْعُرْفِ الَّذِي رُتِّبَتْ الْفُتْيَا عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ بَلَدٍ آخَرَ لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ الْعُرْفُ أَفْتَاهُ بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِاعْتِبَارِ حَالِ عُرْفِ بَلَدِهِ مِنْ صَرِيحٍ أَوْ كِنَايَةٍ عَلَى الضَّابِطِ الْمُتَقَدِّمِ فَإِنَّ الْعَوَائِدَ لَا يَجِبُ الِاشْتِرَاكُ فِيهَا بَيْنَ الْبِلَادِ خُصُوصًا الْبَعِيدَةِ الْأَقْطَارِ وَيَكُونُ الْمُفْتِي فِي كُلِّ زَمَانٍ يَتَبَاعَدُ عَمَّا قَبْلَهُ يَتَفَقَّدُ الْعُرْفَ هَلْ هُوَ بَاقٍ أَمْ لَا فَإِنْ وَجَدَهُ بَاقِيًا أَفْتَى بِهِ وَإِلَّا تَوَقَّفَ عَنْ الْفُتْيَا، وَهَذَا هُوَ الْقَاعِدَةُ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْعَوَائِدِ كَالنُّقُودِ وَالسِّكَكِ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَالْمَنَافِعِ فِي الْإِجَارَاتِ وَالْأَيْمَانِ وَالْوَصَايَا وَالنُّذُورِ فِي الْإِطْلَاقَاتِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَقَدْ غَفَلَ عَنْهُ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَوَجَدُوا الْأَئِمَّةَ الْأُوَلَ قَدْ أَفْتَوْا بِفَتَاوَى بِنَاءً عَلَى عَوَائِدَ لَهُمْ وَسَطَّرُوهَا فِي كُتُبِهِمْ بِنَاءً عَلَى عَوَائِدِهِمْ، ثُمَّ الْمُتَأَخِّرُونَ وَجَدُوا تِلْكَ الْفَتَاوَى فَأَفْتَوْا بِهَا.
وَقَدْ زَالَتْ تِلْكَ الْعَوَائِدُ فَكَانُوا مُخْطِئِينَ خَارِقِينَ لِلْإِجْمَاعِ فَإِنَّ الْفُتْيَا بِالْحُكْمِ الْمَبْنِيِّ عَلَى مُدْرِكٍ بَعْدَ زَوَالِ مُدْرِكِهِ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَمِنْ ذَلِكَ لَفْظُ الْحَرَامِ وَالْخَلِيَّةِ وَالْبَرِيَّةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا هُوَ مَسْطُورٌ لِمَالِكٍ أَنَّهُ يَلْزَمُ بِهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ بِنَاءً عَلَى عَادَةٍ كَانَتْ فِي زَمَانِهِ فَأَكْثَرُ الْمَالِكِيَّةِ الْيَوْمَ يُفْتِي بِلُزُومِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ بِنَاءً عَلَى الْمَنْقُولِ فِي الْكُتُبِ عَنْ مَالِكٍ وَتِلْكَ الْعَوَائِدُ قَدْ زَالَتْ فَلَا نَجِدُ الْيَوْمَ أَحَدًا يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ بِالْخَلِيَّةِ وَلَا بِالْبَرِيَّةِ وَلَا بِحَبْلِك عَلَى غَارِبِك وَلَا بِوَهَبْتُكِ لِأَهْلِك، وَلَوْ وَجَدْنَاهُ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ مَرَّاتٍ كَثِيرَةً لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نَقْلًا يُوجِبُ لُزُومَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ أَلَا تَرَى أَنَّ لَفْظَ الْأَسَدِ كَثِيرُ الِاسْتِعْمَالِ فِي الرَّجُلِ الشُّجَاعِ وَلَا يَقُولُ أَحَدٌ إنَّهُ مَنْقُولٌ إلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَفْظُ الشَّمْسِ وَالْبَدْرِ فِي ذَوَاتِ الْجَمَالِ وَالْبَحْرِ وَالْغَيْثِ وَالنَّدَى وَنَحْوِهَا فِي الْكِرَامِ الْبَاذِلِينَ لِلْمَالِ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ تَصِرْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ مَنْقُولَةً لِهَذِهِ الْمَعَانِي، بَلْ ضَابِطُ الْمَنْقُولِ أَنْ يَصِيرَ اللَّفْظُ يُفْهَمُ مِنْهُ الْمَعْنَى بِغَيْرِ قَرِينَةٍ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ لَا تُفْهَمُ مِنْهَا هَذِهِ الْمَعَانِي إلَّا بِالْقَرِينَةِ فَلِذَلِكَ لَمْ تَصِرْ مَنْقُولَةً فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَيَظْهَرُ لَك مَا عَلَيْهِ هَؤُلَاءِ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ الْفَتَاوَى الْفَاسِدَةِ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَيَظْهَرُ لَك بِهَذِهِ الْمَبَاحِثِ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الصَّرِيحِ وَقَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ عَلَى
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
مُبَاحَةً وَتَسْتَلْزِمُ إبَاحَةَ الِانْتِفَاعِ وَإِذَا وَقَعَتْ عَلَى غَيْرِ الْمَشْرُوعِ كَانَتْ مَمْنُوعَةً وَمُسْتَلْزِمَةً مَنْعَ الِانْتِفَاعِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ كَثِيرٌ مِنْ هَذَا النَّحْوِ لِأَنَّا نَقُولُ مَا ذُكِرَ فِي حُكْمِ الْإِنْفَاقِ لَا عَلَى حُكْمِ الِالْتِزَامِ بِدَلِيلِ تَخَلُّفِهِ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْأَمْثِلَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ كُلًّا مِنْ النَّفَقَةِ عَلَى الْمَبِيعِ إذَا كَانَ حَيَوَانًا وَحِفْظِ الْأَمْوَالِ الْمُتَمَلَّكَةِ وَاجِبٌ وَمُسَبَّبٌ عَنْ عَقْدِ الْمَبِيعِ الْمُبَاحِ وَأَنَّ الذَّكَاةَ إذَا وَقَعَتْ فِي غَيْرِ الْمَأْكُولِ كَالْخِنْزِيرِ وَالسِّبَاعِ الْعَادِيَةِ وَالْكَلْبِ وَنَحْوِهَا لَا تُوصَفُ بِالتَّحْرِيمِ مَعَ الِانْتِفَاعِ إمَّا مُحَرَّمٌ جَمِيعُهَا وَإِمَّا مُحَرَّمٌ فِي بَعْضِهَا وَمَكْرُوهٌ فِي الْبَعْضِ الْآخَرِ هَذَا فِي الْأَسْبَابِ الْمَشْرُوعَةِ وَأَسْهَلُ مِنْهَا الْأَسْبَابُ الْمَمْنُوعَةِ لِأَنَّ مَعْنَى تَحْرِيمِهَا أَنَّهَا فِي الشَّرْعِ لَيْسَتْ بِأَسْبَابٍ فَلَمْ تَكُنْ لَهَا مُسَبَّبَاتٌ فَبَقِيَ الْمُسَبَّبُ عَنْهَا عَلَى أَصْلِهَا مِنْ الْمَنْعِ لَا أَنَّ الْمَنْعَ تَسَبَّبَ عَنْ وُقُوعِ أَسْبَابٍ مَمْنُوعَةٍ فَثَبَتَ اطِّرَادُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَيَنْبَنِي عَلَيْهَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ فِي تَعَاطِي الْأَسْبَابِ مِنْ جِهَةِ الْمُكَلَّفِ الِالْتِفَاتُ إلَى الْمُسَبَّبَاتِ وَلَا الْقَصْدِ إلَيْهَا بَلْ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْجَرَيَانُ تَحْتَ الْأَحْكَامِ الْمَوْضُوعَةِ لَا غَيْرُ، أَسْبَابًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَ أَسْبَابٍ مُعَلَّلَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مُعَلَّةٍ وَلِلْمُكَلَّفِ تَرْكُ الْقَصْدِ إلَى الْمُسَبَّبِ وَلَهُ الْقَصْدُ إلَيْهِ بِاعْتِبَارِ الْمَصَالِحِ الَّتِي تُوجَدُ عَنْ السَّبَبِ لِأَنَّهُ الْتِفَاتٌ إلَى الْعَادَاتِ الْجَارِيَةِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [الجاثية: 12] وَقَالَ تَعَالَى {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ} [الطلاق: 11] وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ وَلِلِالْتِفَاتِ إلَى الْمُسَبَّبَاتِ بِالْأَسْبَابِ الَّذِي هُوَ الْقِسْم الثَّانِي ثَلَاثُ مَرَاتِبَ
(إحْدَاهَا) أَنْ يَدْخُلَ فِيهَا عَلَى أَنَّ السَّبَبَ فَاعِلٌ لِلْمُسَبَّبِ أَوْ مَدْلُولِهِ وَهَذَا شِرْكٌ أَوْ مُضَاهٍ لَهُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى إذْ السَّبَبُ وَالْعِلَّةُ فِي الشَّرْعِ غَيْرُ فَاعِلٍ بِنَفْسِهِ بَلْ دَلِيلٌ وَأَمَارَةٌ فَلِذَا قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْأَحْكَامِ لَا تُمْنَعُ فِي الشَّرْعِ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ عَامَّةً وَالْحُكْمُ خَاصًّا أَوْ أُرِيدَ مِنْ الْعِلَّةِ. اهـ
(وَالثَّانِيَةُ) أَنْ يَدْخُلَ فِي السَّبَبِ عَلَى أَنَّ الْمُسَبَّبَ يَكُونُ عِنْدَهُ عَادَةً كَمَا هُوَ الْجَارِي عَلَى مُقْتَضَى عَادَةِ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ وَهُوَ غَالِبُ أَحْوَالِ الْخَلْقِ فِي الدُّخُولِ فِي الْأَسْبَابِ
(وَالثَّالِثَةُ) أَنْ يَدْخُلَ فِي السَّبَبِ عَلَى أَنَّ الْمُسَبَّبَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ الْمُسَبِّبُ وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ السَّبَبِ فِي الْمُسَبِّبِ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ وَاعْتِبَارِهِ فِيهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ اللَّهَ مُسَبِّبٌ وَذَلِكَ صَحِيحٌ وَلِتَرْكِ الِالْتِفَاتِ إلَى الْمُسَبِّبِ الَّذِي هُوَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ ثَلَاثُ مَرَاتِبَ أَيْضًا
(إحْدَاهَا) أَنْ يَدْخُلَ فِي السَّبَبِ مِنْ حَيْثُ هُوَ ابْتِلَاءٌ لِلْعِبَادِ وَامْتِحَانٌ لَهُمْ فَإِنَّهَا طَرِيقٌ إلَى السَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ وَالْآخِذُ لَهَا مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ آخِذٌ لَهَا مِنْ حَيْثُ وُضِعَتْ مَعَ التَّحَقُّقِ بِذَلِكَ فِيهَا وَهَذَا صَحِيحٌ وَصَاحِبُ هَذَا الْقَصْدِ مُتَعَبِّدٌ لِلَّهِ بِمَا تَسَبَّبَ بِهِ مِنْهَا حِينَئِذٍ تَسَبَّبَ بِالْإِذْنِ فِيمَا أُذِنَ فِيهِ لِيُظْهِرَ عُبُودِيَّتَهُ لِلَّهِ فِيهِ
الْقَوَاعِدِ الصَّحِيحَةِ.
(الْفَرْقُ الثَّانِي وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الطَّلَاقِ مِنْ النِّيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُشْتَرَطُ)
اعْلَمْ أَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ فِي الصَّرِيحِ إجْمَاعًا، وَلَيْسَتْ شَرْطًا فِيهِ إجْمَاعًا وَفِي اشْتِرَاطِهَا قَوْلَانِ، وَهَذَا هُوَ مُتَحَصِّلُ الْكَلَامِ الَّذِي فِي كُتُبِ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ ظَاهِرُ التَّنَاقُضِ وَلَا تَنَاقُضَ فِيهِ فَحَيْثُ قَالَ الْفُقَهَاءُ إنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ فِي الصَّرِيحِ فَيُرِيدُونَ الْقَصْدَ لِإِنْشَاءِ الصِّيغَةِ احْتِرَازًا مِنْ سَبْقِ اللِّسَانِ لِمَا لَمْ يَقْصِدْ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ اسْمُهَا طَارِقًا فَيُنَادِيهَا فَيَسْبِقُ لِسَانُهُ فَيَقُولُ لَهَا يَا طَالِقُ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ اللَّفْظَ وَحَيْثُ قَالُوا النِّيَّةُ لَيْسَتْ شَرْطًا فِي الصَّرِيحِ فَمُرَادُهُمْ الْقَصْدُ لِاسْتِعْمَالِ الصِّيغَةِ فِي مَعْنَى الطَّلَاقِ فَإِنَّهَا لَا تُشْتَرَطُ فِي الصَّرِيحِ إجْمَاعًا وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ الْكِنَايَاتِ أَنْ يَقْصِدَ بِهَا مَعْنَى الطَّلَاقِ.
وَأَمَّا الصَّرِيحُ فَلَا وَحَيْثُ قَالُوا فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي الصَّرِيحِ قَوْلَانِ فَيُرِيدُونَ بِالنِّيَّةِ هَاهُنَا الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ وَأَنَّهُمْ يُطْلِقُونَ النِّيَّةَ وَيُرِيدُونَ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ وَإِلَّا فَمَنْ قَصَدَ وَعَزَمَ عَلَى طَلَاقِ امْرَأَتِهِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ لَا يَلْزَمُ بِذَلِكَ طَلَاقٌ إجْمَاعًا وَإِنَّمَا الْمُرَادُ إذَا أَنْشَأَ طَلَاقَهَا بِكَلَامِهِ النَّفْسِيِّ كَمَا يُنْشِئُهُ بِكَلَامِهِ اللِّسَانِيِّ فَيُعَبِّرُونَ عَنْهُ بِالنِّيَّةِ وَعَبَّرَ عَنْهُ ابْنُ الْجَلَّابِ بِاعْتِقَادٍ بِقَلْبِهِ فَقَالَ، وَمَنْ اعْتَقَدَ الطَّلَاقَ بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَلْفِظْ بِلِسَانِهِ فَفِي لُزُومِ الطَّلَاقِ لَهُ قَوْلَانِ وَالِاعْتِقَادُ لَا يَلْزَمُ بِهِ طَلَاقٌ إجْمَاعًا
فَلَوْ اعْتَقَدَ الْإِنْسَانُ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ. ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ بُطْلَانُ اعْتِقَادِهِ بَقِيَتْ لَهُ زَوْجَةً إجْمَاعًا وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ فَالْمَشْهُورُ اشْتِرَاطُهُ كَمَا قَالَهُ أَبُو الْوَلِيدِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَأَنَّهُ إذَا طَلَّقَ بِلِسَانِهِ لَا بُدَّ أَنْ يُطَلِّقَ أَيْضًا بِقَلْبِهِ فَظَهَرَ أَنَّهُ لَا تَنَاقُضَ فِي كَلَامِهِمْ وَأَنَّهَا أَحْوَالٌ مُخْتَلِفَةٌ وَفِي الْفَرْقِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ تُوَضِّحُهُ
(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَوْ أَرَادَ التَّلَفُّظَ بِالطَّلَاقِ فَقَالَ اشْرَبِي أَوْ نَحْوَهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ حَتَّى يَنْوِيَ طَلَاقَهَا بِمَا تَلَفَّظَ بِهِ فَيَجْتَمِعُ اللَّفْظُ وَالنِّيَّةُ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ وَنِيَّتُهُ وَاحِدَةٌ فَسَبَقَ لِسَانُهُ لِلْبَتَّةِ لَزِمَهُ الثَّلَاثُ قَالَ سَحْنُونٌ إذَا كَانَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلِذَلِكَ لَمْ يَنْوِهِ يُرِيدُ أَنَّ اللَّفْظَ وَحْدَهُ لَا يَلْزَمُ بِهِ الطَّلَاقُ وَهُوَ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ نِيَّةٌ مَعَ لَفْظِ الثَّلَاثِ فَلِذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ ثَلَاثٌ فِي الْفُتْيَا وَيَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ فِي الْقَضَاءِ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَنَوَى مِنْ وَثَاقِ وِلَايَتِهِ وَجَاءَ مُسْتَفْتِيًا طَلُقَتْ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ بَرِيَّةٌ وَلَمْ يَنْوِ بِهِ طَلَاقًا وَيُؤْخَذُ النَّاسُ بِأَلْفَاظِهِمْ وَلَا تَنْفَعُهُمْ نِيَّتُهُمْ إلَّا أَنْ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
لَا مُلْتَفِتًا إلَى مُسَبَّبَاتِهَا وَإِنْ انْجَرَّتْ مَعَهَا فَهُوَ كَالْمُتَسَبِّبِ بِسَائِرِ الْعِبَادَاتِ الْمَحْضَةِ
(وَالثَّانِيَةُ) أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ بِحُكْمِ قَصْدِ التَّجَرُّدِ عَنْ الِالْتِفَاتِ إلَى الْمُسَبَّبَاتِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَفْرِيدَ الْمَعْبُودِ بِالْعِبَادَةِ أَنْ لَا يُشْرَكَ مَعَهُ فِي قَصْدِهِ سِوَاهُ وَاعْتِمَادًا عَلَى أَنَّ التَّشْرِيكَ خُرُوجٌ عَنْ خَالِصِ التَّوْحِيدِ بِالْعِبَادَةِ لِأَنَّ بَقَاءَ الِالْتِفَاتِ إلَى ذَلِكَ كُلِّهِ بَقَاءٌ مِنْ الْمُحْدَثَاتِ وَرُكُونٌ إلَى الْأَعْيَانِ وَهُوَ تَدْقِيقٌ فِي نَفْيِ الشِّرْكَةِ وَهَذَا أَيْضًا فِي مَوْضِعِهِ صَحِيحٌ
(وَالثَّالِثَةُ) أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ بِحُكْمِ الْإِذْنِ الشَّرْعِيِّ مُجَرَّدًا عَنْ النَّظَرِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا تَوَجَّهَهُ إلَى السَّبَبِ تَلْبِيَةً لِلْآمِرِ لِتَحْقِيقِهِ بِمَقَامِ الْعُبُودِيَّةِ وَهَذَا شَامِلٌ لِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ لَمَّا عَلِمَ قَصْدَ الشَّارِعِ فِي تِلْكَ الْأُمُورِ تَوَخَّى قَصْدَهُ مِنْ غَيْرِ نَظِيرٍ فِي غَيْرِهِ فَحَصَلَ لَهُ كُلُّ مَا فِي ضِمْنِ ذَلِكَ الْمُتَسَبَّبِ مِمَّا عُلِمَ وَمِمَّا لَمْ يُعْلَمْ فَهُوَ طَالِبٌ لِلْمُسَبَّبِ مِنْ طَرِيقِ السَّبَبِ وَعَالِمٌ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَبِّبُ وَهُوَ الْمُبْتَلِي بِهِ وَمُتَحَقِّقٌ فِي صِدْقِ التَّوَجُّهِ بِهِ إلَيْهِ فَقَصْدُهُ مُطْلَقٌ وَإِنْ دَخَلَ فِيهِ قَصْدُ الْمُسَبَّبِ لَكِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ الْأَغْيَارِ مُصَفًّى مِنْ الْأَكْدَارِ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ الْمُسَبَّبَاتِ مُرَتَّبَةٌ عَلَى فِعْلِ الْأَسْبَابِ شَرْعًا وَأَنَّ الشَّارِعَ يَعْتَبِرُ الْمُسَبَّبَاتِ فِي الْخِطَابِ بِالْأَسْبَابِ وَيَتَرَتَّبُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُكَلَّفِ إذَا اعْتَبَرَهُ أُمُورٌ: (مِنْهَا) أَنَّ اللَّهَ عز وجل جَعَلَ الْمُسَبَّبَاتِ فِي الْعَادَةِ تَجْرِي عَلَى وِزَانِ الْأَسْبَابِ فِي الِاسْتِقَامَةِ أَوْ الِاعْوِجَاجِ فَإِذَا كَانَ السَّبَبُ تَامًّا وَالتَّسَبُّبُ عَلَى مَا يَنْبَغِي كَانَ الْمُسَبَّبُ كَذَلِكَ وَبِالضِّدِّ (وَمِنْهَا) أَنَّ الْمُسَبَّبَاتِ قَدْ تَكُونُ خَاصَّةً بِمَعْنَى أَنْ تَكُونَ بِحَسَبِ وُقُوعِ السَّبَبِ كَالْبَيْعِ الْمُتَسَبَّبِ بِهِ إلَى إبَاحَةِ الِانْتِفَاعِ بِالْمَبِيعِ وَالنِّكَاحِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ حِلِّيَّةٌ الِاسْتِمَاعِ وَالذَّكَاةِ الَّتِي بِهَا يَحْصُلُ حِلُّ الْأَكْلِ وَكَالسُّكْرِ النَّاشِئِ عَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَإِزْهَاقِ الرُّوحِ الْمُسَبَّبِ عَنْ حَزِّ الرَّقَبَةِ وَقَدْ تَكُونُ عَامَّةً كَالطَّاعَةِ الَّتِي هِيَ سَبَبٌ بِالْفَوْزِ فِي النَّعِيمِ وَالْمَعَاصِي الَّتِي هِيَ سَبَبٌ فِي دُخُولِ الْجَحِيمِ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمُسَبَّبُ إنْ كَانَ مِنْ شَأْنِ الِالْتِفَاتِ إلَيْهِ التَّقْوِيَةُ لِلسَّبَبِ وَالتَّكْمِلَةُ لَهُ وَالتَّحْرِيضُ فِي الْمُبَالَغَةِ فِي إكْمَالِهِ فَهُوَ الَّذِي يَجْلِبُ الْمَصْلَحَةَ وَإِنْ كَانَ مِنْ شَأْنِ الِالْتِفَاتِ إلَيْهِ أَنْ يَكِرَّ عَلَى السَّبَبِ بِالْإِبْطَالِ أَوْ بِالْإِضْعَافِ أَوْ بِالتَّهَاوُنِ بِهِ فَهُوَ الَّذِي يَجْلِبُ الْمَفْسَدَةَ وَهَذَانِ الْقِسْمَانِ عَلَى ضَرْبَيْنِ
(أَحَدُهُمَا) مَا شَأْنُهُ ذَلِكَ بِإِطْلَاقٍ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُقَوِّي السَّبَبَ أَوْ يُضَعِّفُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ وَبِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ زَمَانٍ وَبِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ حَالٍ يَكُونُ عَلَيْهَا الْمُكَلَّفُ
(وَالثَّانِي) مَا شَأْنُهُ ذَلِكَ لَا بِإِطْلَاقٍ بَلْ بِالنِّسْبَةِ إلَى بَعْضِ الْمُكَلَّفِينَ دُونَ بَعْضٍ أَوْ بِالنِّسْبَةِ إلَى بَعْضِ الْأَزْمِنَةِ دُونَ بَعْضٍ أَوْ بِالنِّسْبَةِ إلَى بَعْضِ أَحْوَالِ الْمُكَلَّفِ دُونَ بَعْضٍ فَإِنَّهُ يَنْقَسِمُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى قِسْمَيْنِ
(أَحَدُهُمَا) مَا يَكُونُ فِي التَّقْوِيَةِ وَالتَّضْعِيفِ مَقْطُوعًا بِهِ
(وَالثَّانِي) مَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ مَظْنُونًا
تَكُونَ قَرِينَةٌ مُصَدِّقَةٌ قَالَ صَاحِبُ التَّنْبِيهَاتِ فِي التَّحَدُّثِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قِيلَ يُدَيَّنُ، وَقِيلَ لَا إلَّا أَنْ يَكُونَ جَوَابًا وَهُوَ مَذْهَبُ الْكِتَابِ قَالَ وَيَتَخَرَّجُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلْزَامُ الطَّلَاقِ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ وَمِنْ قَوْلِهِ فِي الَّذِي أَرَادَ وَاحِدَةً فَسَبَقَ لِسَانُهُ لِلْبَتَّةِ وَمِنْ هَزْلِ الطَّلَاقِ أَيْضًا وَيُؤْخَذُ اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ مَعَ اللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ فِي الْكِتَابِ يَعْنِي مِنْ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَأَرَادَ تَعْلِيقَهُ.
ثُمَّ بَدَا لَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَهُ نَظَائِرُ فِي الْمَذْهَبِ وَوَافَقَ صَاحِبُ التَّنْبِيهَاتِ اللَّخْمِيَّ عَلَى أَنَّ مَسْأَلَةَ الْوَثَاقِ طَلَاقٌ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ، وَإِلْزَامُ الطَّلَاقِ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ إنَّمَا هُوَ إذَا طَلَّقَ بِلِسَانِهِ غَيْرَ مُطَلِّقٍ بِكَلَامِهِ النَّفْسِيِّ كَمَا قَالَ فِي مَسْأَلَةِ أَلْبَتَّةَ أَمَّا إذَا صَرَفَ اللَّفْظَ بِقَصْدِهِ عَنْ إزَالَةِ الْعِصْمَةِ إلَى غَيْرِهِ نَحْوَ مَسْأَلَةِ الْوَثَاقِ فَإِلْزَامُ الطَّلَاقِ بِهِ لَوْ قِيلَ إنَّهُ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ لَمْ يَبْعُدْ؛ لِأَنَّهُ نَظِيرُ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَقِيلَ لَهُ مَا صَنَعْت فَقَالَ هِيَ طَالِقٌ وَأَرَادَ الْإِخْبَارَ قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ لَا يَلْزَمُهُ فِي الْفُتْيَا إجْمَاعًا وَنَظِيرُهُ أَيْضًا مَنْ لَهُ أَمَةٌ وَزَوْجَةٌ اسْمُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حِكْمَةُ، وَقَالَ حِكْمَةُ طَالِقٌ، وَقَالَ نَوَيْت الْأَمَةَ لَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ فِي الْفُتْيَا اتِّفَاقًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ فِي مَسْأَلَةِ الْوَثَاقِ عَلَى اللُّزُومِ فِي الْقَضَاءِ دُونَ الْفُتْيَا.
وَأَمَّا قَوْلُهُ وَجَاءَ مُسْتَفْتِيًا وَإِنْ أَوْهَمَ اللُّزُومَ فِي الْفُتْيَا فَمُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ يُؤْخَذُ النَّاسُ بِأَلْفَاظِهِمْ وَلَا تَنْفَعُهُمْ نِيَّتُهُمْ وَالْأَخْذُ إنَّمَا يَكُونُ لِلْحَاكِمِ دُونَ الْمُفْتِي، وَكَذَلِكَ اشْتِرَاطُهُ الْقَرِينَةَ فَإِنَّ الْمُفْتِي يَتْبَعُ الْأَسْبَابَ وَالْمَقَاصِدَ دُونَ الْقَرَائِنِ وَإِلَّا فَيَلْزَمُ مُخَالَفَةُ الْقَوَاعِدِ وَيَتَعَذَّرُ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا ذَكَرَ مِنْ النَّظَائِرِ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ طَلَّقْتُك وَنَوَى عَدَدًا لَزِمَهُ وَوَافَقَنَا الشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنهما إذَا نَوَى الثَّلَاثَ لَزِمَهُ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ لِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ لَا يُفِيدُ إلَّا أَصْلَ الْمَعْنَى فَالزَّائِدُ يَكُونُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ وَالنِّيَّةُ لَا تُوجِبُ طَلَاقًا وَجَوَابُهُ أَنَّ لَفْظَ ثَلَاثًا إذَا لَفَظَ بِهَا تَبَيَّنَ الْمُرَادَ بِاللَّفْظِ نَحْوُ قَوْلِهِ قَبَضْت عِشْرِينَ دِرْهَمًا فَقَوْلُهُ دِرْهَمًا يُفِيدُ اخْتِصَاصَ الْعَدَدِ بِالدَّرَاهِمِ وَإِنْ كَانَ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لُغَةً فَكَذَلِكَ ثَلَاثًا يُخَصِّصُ اللَّفْظَ بِالْبَيْنُونَةِ وَكُلُّ مَا كَانَ يَحْصُلُ مَعَ الْمُفَسِّرِ وَجَبَ أَنْ يَحْصُلَ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْمُفَسَّرَ إنَّمَا جُعِلَ لِفَهْمِ السَّامِعِ لَا لِثُبُوتِ ذَلِكَ الْحُكْمِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى أُقِيمُوا الصَّلَاةَ الشَّرْعِيَّةَ لَكِنْ لَمَّا وَرَدَ الْبَيَانُ مِنْ السُّنَّةِ فِي خُصُوصِيَّاتِهَا وَهَيْئَاتِهَا وَأَحْوَالِهَا عُدَّ ذَلِكَ ثَابِتًا بِلَفْظِ الْقُرْآنِ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ مَشْرُوعَةٌ بِالْقُرْآنِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ كُلَّ بَيَانٍ لِمُجْمَلٍ يُعَدُّ مَنْطُوقًا
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
أَوْ مَشْكُوكًا فِيهِ مَوْضِعُ نَظَرٍ وَتَأَمُّلٍ فَيُحْكَمُ بِمُقْتَضَى الظَّنِّ وَيُوقَفُ عِنْدَ تَعَارُضِ الظُّنُونِ اُنْظُرْ الْمُوَافَقَاتِ لِلْإِمَامِ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيِّ فَإِذَا عَلِمْت هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ الْإِبَاحَةَ إنْ كَانَتْ مَنْسُوبَةً إلَى سَبَبٍ تَامٍّ وَتَسَبُّبُهَا عَنْهُ عَلَى مَا يَنْبَغِي ثَبَتَتْ بِهِ مُطْلَقَةً أَيْ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ بِحَيْثُ لَا يَجْتَمِعُ مَعَهَا التَّحْرِيمُ أَصْلًا فَلَا يَكُونُ عَلَى الْمُكَلَّفِ حَرَجٌ فِي الْإِقْدَامِ عَلَى الْفِعْلِ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَتْ مَنْسُوبَةً إلَى سَبَبٍ مُعَيَّنٍ غَيْرِ تَامٍّ وَسَبَبُهَا عَنْهُ لَيْسَ عَلَى مَا يَنْبَغِي ثَبَتَتْ بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ السَّبَبِ الْمُعَيَّنِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ عَلَيْهِ حَرَجٌ فِي الْإِقْدَامِ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ مِنْ جِهَةِ ذَلِكَ السَّبَبِ وَيَكُونُ عَلَيْهِ حَرَجٌ فِي الْإِقْدَامِ بِاعْتِبَارِ سَبَبٍ آخَرَ فَيَجْتَمِعُ التَّحْرِيمُ مَعَهَا وَسِرُّ ذَلِكَ أَنَّ أَسْبَابَ التَّحْرِيمِ قَدْ يَجْتَمِعُ.
وَقَدْ تَفْتَرِقُ وَإِنْ اجْتَمَعَتْ وَلَمْ يَرْتَفِعْ مِنْهَا وَاحِدٌ ثَبَتَ التَّحْرِيمُ مُطْلَقًا وَإِنْ ارْتَفَعَتْ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا وَاحِدٌ ثَبَتَتْ الْإِبَاحَةُ الْمُطْلَقَةُ وَإِنْ ارْتَفَعَ مِنْ سَبَبَيْ التَّحْرِيمِ أَوْ أَسْبَابِهِ وَاحِدٌ ثَبَتَتْ الْإِبَاحَةُ بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ السَّبَبِ الْمُرْتَفِعِ خَاصَّةً وَبَقِيَ الْفِعْلُ مُحَرَّمًا بِاعْتِبَارِ مَا بَقِيَ مِنْ السَّبَبَيْنِ وَالْأَسْبَابِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ لِلتَّحْرِيمِ سَبَبٌ وَاحِدٌ فَزَالَ وَخَلَفَهُ سَبَبٌ آخَرُ صَدَقَتْ الْإِبَاحَةُ بِاعْتِبَارِ زَوَالِ ذَلِكَ السَّبَبِ الْأَوَّلِ وَصَدَقَ التَّحْرِيمُ بِاعْتِبَارِ الْمُتَجَدِّدِ وَلِذَلِكَ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَبِمَعْرِفَةِ هَذَا الْفَرْقِ وَالِالْتِفَاتِ إلَى الْمُسَبَّبَاتِ مَعَ أَسْبَابِهَا تَنْدَفِعُ إشْكَالَاتٌ تَرِدُ فِي الشَّرِيعَةِ عَلَى الْفِقْهِ وَعَلَى النُّصُوصِ بِسَبَبِ تَعَارُضِ أَحْكَامِ أَسْبَابٍ تَقَدَّمَتْ مَعَ أَسْبَابٍ أُخَرٍ حَاضِرَةٍ (مِنْهَا) أَنَّ مُقْتَضَى حَتَّى الَّتِي هِيَ حَرْفُ غَايَةٍ أَنْ يَكُونَ مَا قَبْلَهَا مُخَالِفًا لِمَا بَعْدَهَا وَيَكُونَ مَا بَعْدَهَا نَقِيضَ مَا قَبْلَهَا وَيَظْهَرُ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ حَلَالًا إذَا عَقَدَ عَلَيْهَا زَوْجٌ آخَرُ وَوَطِئَهَا مَعَ أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَذَلِكَ إجْمَاعًا بَلْ هِيَ حَرَامٌ عَلَى حَالِهَا حَتَّى يُطَلِّقَهَا هَذَا الزَّوْجُ.
وَإِذَا طَلَّقَهَا لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا وَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ حَتَّى يَعْقِدَ عَلَيْهَا وَإِذَا عَقَدَ عَلَيْهَا أَيْ الزَّوْجُ الْأَوَّلُ لَا تَحِلُّ حَتَّى تَنْتَفِي مَوَانِعُ الْوَطْءِ مِنْ الْحَيْضِ وَالصِّيَامِ وَالْإِحْرَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَمْ يَحْصُلْ مُقْتَضَى الْغَايَةِ وَحَاصِلُ دَفْعِهِ أَنَّ مُقْتَضَى الْغَايَةِ قَدْ حَصَلَ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا قَدْ زَالَ تَحْرِيمُهَا الْحَاصِلُ بِكَوْنِهَا مُطَلَّقَةً ثَلَاثًا لَمَّا تَزَوَّجَهَا الزَّوْجُ الثَّانِي إلَّا أَنَّهُ بَقِيَ تَحْرِيمُهَا النَّاشِئُ عَنْ كَوْنِهَا أَجْنَبِيَّةً وَتَجَدَّدَ مَعَهُ سَبَبٌ آخَرُ لِلتَّحْرِيمِ صَارَ خَلَفًا عَنْ السَّبَبِ الزَّائِلِ وَهُوَ كَوْنُهَا زَوْجَةً لِغَيْرِهِ وَإِذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ الثَّانِي زَالَ السَّبَبُ الْمُتَجَدِّدُ وَخَلَفَهُ سَبَبٌ آخَرُ مُتَجَدِّدٌ مَعَ سَبَبِ كَوْنِهَا أَجْنَبِيَّةً وَهُوَ كَوْنُهَا فِي الْعِدَّةِ وَإِذَا كَمَّلَتْ الْعِدَّةَ وَعَقَدَ عَلَيْهَا الزَّوْجُ الْأَوَّلُ زَالَ سَبَبَا التَّحْرِيمِ وَبَقِيَتْ مُحَرَّمَةً بِسَبَبِ مَا تَجَدَّدَ مِنْ حَيْضٍ أَوْ صَوْمٍ أَوْ إحْرَامٍ أَوْ غَيْرِهَا
بِهِ فِي ذَلِكَ الْمُجْمَلِ كَذَلِكَ هَاهُنَا وَإِنْ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله وَافَقَنَا عَلَى قَوْلِهِ أَنْتِ بَائِنٌ وَأَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا وَطَلَّقْتُك وَطَلِّقِي نَفْسَك أَنَّهُ إذَا نَوَى بِهَا الثَّلَاثَ لَزِمَتْهُ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ حَكَى صَاحِبُ كِتَابِ مَجَالِسِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الرَّشِيدَ كَتَبَ إلَى قَاضِيهِ أَبِي يُوسُفَ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ وَبَعَثَ بِهَا إلَيْهِ يَمْتَحِنُهُ بِهَا:
فَإِنْ تَرْفُقِي يَا هِنْدُ فَالرِّفْقُ أَيْمَنُ
…
وَإِنْ تَخْرِقِي يَا هِنْدُ فَالْخَرْقُ أَشْأَمُ
فَأَنْتَ طَالِقٌ وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ
…
ثَلَاثًا وَمَنْ يَخْرِقْ أَعَقُّ وَأَظْلَمُ
فَبِينِي بِهَا أَنْ كُنْتِ غَيْرَ رَفِيقَةٍ
…
وَمَا لِامْرِئٍ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ مُقَدَّمُ
وَقَالَ لَهُ إذَا نَصَبْنَا ثَلَاثًا كَمْ يَلْزَمُهُ، وَإِذَا رَفَعْنَا كَمْ يَلْزَمُهُ فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَحَمَلَ الرُّقْعَةَ لِلْكِسَائِيِّ وَكَانَ مَعَهُ فِي الدَّرْبِ فَقَالَ لَهُ الْكِسَائِيُّ اُكْتُبْ لَهُ فِي الْجَوَابِ يَلْزَمُهُ بِالرَّفْعِ وَاحِدَةٌ وَبِالنَّصْبِ ثَلَاثٌ يَعْنِي أَنَّ الرَّفْعَ يَقْتَضِي أَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ الْمُبْتَدَأِ الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ الثَّانِي وَيَكُونُ مُنْقَطِعًا عَنْ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ فَتَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ وَبِالنَّصْبِ يَكُونُ تَمْيِيزًا لِقَوْلِهِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَيَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ فَإِنْ، قُلْت إذَا نَصَبْنَاهُ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ تَمْيِيزًا عَنْ الْأَوَّلِ كَمَا، قُلْت وَأَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا عَلَى الْحَالِ مِنْ الثَّانِي أَيْ الطَّلَاقُ مَعْزُومٌ عَلَيْهِ فِي حَالِ كَوْنِهِ ثَلَاثًا أَوْ تَمْيِيزًا لَهُ فَلِمَ خَصَصْته بِالْأَوَّلِ، قُلْت: الطَّلَاقُ الْأَوَّلُ مُنَكَّرٌ يَحْتَمِلُ بِسَبَبِ تَنْكِيرِهِ جَمِيعَ مَرَاتِبِ الْجِنْسِ وَأَعْدَادِهِ وَأَنْوَاعِهِ مِنْ غَيْرِ تَنْصِيصٍ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِأَجْلِ التَّنْكِيرِ فَاحْتَاجَ لِلتَّمْيِيزِ لِيَحْصُلَ الْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ الْمُنَكَّرِ الْمَجْهُولِ.
وَأَمَّا الثَّانِي فَمُعَرِّفُهَا اسْتَغْنَى بِتَعْرِيفِهِ وَاسْتِغْرَاقِهِ النَّاشِئِ عَنْ لَامِ التَّعْرِيفِ عَنْ الْبَيَانِ فَهَذَا هُوَ الْمُرَجَّحُ وَيُحْكَى أَنَّ الرَّشِيدَ بَعَثَ لَهُ بِهَذِهِ الرُّقْعَةِ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَبَعَثَ أَبُو يُوسُفَ الْجَوَابَ بِهَا أَوَّلَ اللَّيْلِ عَلَى حَالِهِ وَجَاءَهُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ بِغَالٌ مُوسَقَةٌ قُمَاشًا وَتُحَفًا جَائِزَةً عَلَى جَوَابِهِ فَبَعَثَ بِهَا أَبُو يُوسُفَ إلَى الْكِسَائِيّ وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئًا بِسَبَبِ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَعَانَهُ عَلَى الْجَوَابِ فِيهَا.
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
فَإِذَا زَالَ ذَلِكَ أَيْضًا ثَبَتَتْ الْإِبَاحَةُ الْمُطْلَقَةُ وَكَانَ الثَّابِتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْإِبَاحَةَ الْمَنْسُوبَةَ إلَى سَبَبٍ مَخْصُوصٍ فَظَهَرَ أَنَّ الْغَايَةَ عَلَى بَابِهَا لَمْ تُخَالِفْ مُقْتَضَاهَا بَلْ هِيَ مَعْمُولٌ بِهَا وَانْدَفَعَ الْإِشْكَالُ عَنْ الْآيَةِ وَمِنْهَا أَنَّهُ قَدْ اجْتَمَعَ عَلَى الْمُكَلَّفِ الِامْتِثَالُ مَعَ بَقَاءِ الْعِصْيَانِ إمَّا فِي الْفِعْلِ الْوَاحِدِ وَإِمَّا فِي فِعْلٍ مُتَعَدِّدٍ فَكَانَ عَاصِيًا مُمْتَثِلًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَمَأْمُورًا مَنْهِيًّا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَذَلِكَ تَكْلِيفٌ بِالْمُحَالِ لَا يُمْكِنُهُ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا بِالْخُرُوجِ وَالتَّوْبَةِ فِي وَجْهٍ يُمْكِنُهُ وَلَا يُمْكِنُ مَعَ بَقَاءِ حُكْمِ النَّهْيِ فِي نَفْسِ الْخُرُوجِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَرْتَفِعَ حُكْمُ النَّهْيِ فِي الْخُرُوجِ وَذَلِكَ فِي مَسَائِلَ
(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) مَنْ تَوَسَّطَ أَرْضًا مَغْصُوبَةً بِهِ ثُمَّ تَابَ وَأَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْهَا قَالَ أَبُو هَاشِمٍ هُوَ عَلَى حُكْمِ الْمَعْصِيَةِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ إلَّا بِانْفِصَالِهِ عَنْ الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ، وَرَدَّ النَّاسُ عَلَيْهِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) مَنْ تَابَ عَنْ الْقَتْلِ بَعْدَ رَمْيِ السَّهْمِ عَنْ الْقَوْسِ وَقَبْلَ وُصُولِهِ إلَى الرَّمِيَّةِ
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) مَنْ تَابَ مِنْ بِدْعَتِهِ بَعْدَمَا بَثَّهَا فِي النَّاسِ وَقَبْلَ أَخْذِهِمْ بِهَا أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَبْلَ رُجُوعِهِمْ عَنْهَا
(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) مَنْ رَجَعَ عَنْ شَهَادَتِهِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِهَا وَقَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ وَبِالْجُمْلَةِ بَعْدَ تَعَاطِي السَّبَبِ عَلَى كَمَالِهِ وَقَبْلَ تَأْثِيرِهِ وَوُجُودِ مَفْسَدَتِهِ أَوْ بَعْدَ وُجُودِهَا وَقَبْلَ ارْتِفَاعِهَا إنْ أَمْكَنَ ارْتِفَاعُهَا فَقَدْ اجْتَمَعَ عَلَى الْمُكَلَّفِ هُنَا الِامْتِثَالُ مَعَ بَقَاءِ الْعِصْيَانِ وَقَدْ أَشَارَ الْإِمَامُ فِي الْبُرْهَانِ إلَى تَصْوِيرِ هَذَا الِاجْتِمَاعِ وَصِحَّتِهِ بِاعْتِبَارِ أَصْلِ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ عِصْيَانٌ فَانْسَحَبَ عَلَيْهِ حُكْمُ التَّسَبُّبِ وَإِنْ ارْتَفَعَ بِالتَّوْبَةِ لِأَنَّ أَصْلَ التَّسَبُّبِ أَنْتَجَ مُسَبَّبَاتٍ خَارِجَةً عَنْ نَظَرِهِ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ عَاصِيًا مُمْتَثِلًا هُنَا إلَّا أَنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ لَا يَتَوَارَدَانِ عَلَيْهِ فِي هَذَا التَّصْوِيرِ لِأَنَّهُ مِنْ جِهَةِ الْعِصْيَانِ غَيْرُ مُكَلَّفٍ بِهِ لِأَنَّهُ مُسَبَّبٌ غَيْرُ دَاخِلٍ تَحْتَ قُدْرَتِهِ فَلَا نَهْيَ إذْ ذَاكَ، وَمِنْ جِهَةِ الِامْتِثَالِ مُكَلَّفٌ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَيْهِ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِالْخُرُوجِ وَمُمْتَثِلٌ بِهِ فَلَوْ نَظَرَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ الْمُسَبَّبَ خَارِجٌ عَنْ نَظَرِ الْمُكَلَّفِ لَمْ يَسْتَبْعِدُوا اجْتِمَاعَ الِامْتِثَالِ مَعَ اسْتِصْحَابِ حُكْمِ الْمَعْصِيَةِ إلَى الِانْفِصَالِ عَنْ الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ بَلْ وَجَدُوا نَفْسَ الْخُرُوجِ ذَا وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا) وَجْهُ كَوْنِهِ سَبَبًا فِي الْخُلُوصِ عَنْ التَّعَدِّي بِالدُّخُولِ فِي الْأَرْضِ وَهُوَ مِنْ كَسْبِهِ
(وَالثَّانِي) كَوْنُهُ نَتِيجَةَ دُخُولِهِ ابْتِدَاءً وَلَيْسَ مِنْ كَسْبِهِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ إذْ لَيْسَ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى الْكَفِّ عَنْهُ فَاتَّضَحَ حِينَئِذٍ مَعْنَى مَا أَرَادَهُ الْإِمَامُ وَأَبُو هَاشِمٍ وَأَنَّ مَا اعْتَرَضَ بِهِ عَلَيْهِمَا لَا يَرِدُ مَعَ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ إذَا تَأَمَّلَهَا أَفَادَهُ الْإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيُّ فِي الْمُوَافَقَاتِ (وَمِنْهَا) أَنَّ الْمُكَلَّفَ إذَا تَرَكَ الصَّلَاةَ وَزَنَى وَهُوَ مُحْصَنٌ وَارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ وَقَتَلَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ فَقَدْ أُبِيحَ دَمُهُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَسْبَابِ فَإِذَا