الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَمَّا لَوْ فَرَضْنَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ صَمَّمَ عَلَى الْإِنْشَاءِ فِيمَا سَمِعَهُ كَانَتْ الْأَقْوَالُ كَالْأَفْعَالِ فِي مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَمُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ، فَيَكُونُ سِرُّ الْفَرْقِ عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّهُ أَنْشَأَ أَوَّلًا وَأَخْبَرَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
إنْشَاءٍ كَالْأَوَّلِ فَهَا هُنَا لَا يَصِحُّ ضَمُّ الشَّهَادَتَيْنِ الْمُخْتَلِفَتَيْ التَّارِيخِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ عَلَى عَقْدِ الْعِتْقِ إلَّا شَاهِدٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْأَوَّلُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنَّمَا شَهِدَ بِمَا لَا يَصِحُّ عَقْدُ الْعِتْقِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْعَقِدُ فِيمَنْ تَقَدَّمَ عِتْقُهُ.
قَالَ (أَمَّا لَوْ فَرَضْنَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ صَمَّمَ عَلَى الْإِنْشَاءِ فِيمَا سَمِعَهُ كَانَتْ الْأَقْوَالُ كَالْأَفْعَالِ إلَى قَوْلِهِ كَالْقَوْلِ فِي أَلْفَاظِ الْإِنْشَاءَاتِ حَرْفًا بِحَرْفٍ) ، قُلْت لَا أَحْسِبُ مَا بُنِيَ عَلَيْهِ الْفَرْقُ مِنْ كَوْنِ الْقَوْلِ الثَّانِي خَبَرًا عَنْ الْأَوَّلِ صَحِيحًا، بَلْ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَصْلًا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ سَوَاءٌ كَانَتْ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا أَمْ كَيْفَمَا كَانَ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا فَإِنْ قَبِلَتْ الضَّمَّ ضُمَّتْ وَإِلَّا فَلَا فَفِي الْقَوْلِ كَمَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ بِمَالٍ كَمَنْ يَقُولُ فِي رَمَضَانَ لِفُلَانٍ عِنْدِي دِينَارٌ فَسَمِعَهُ شَاهِدٌ، ثُمَّ يَقُولُ فِي شَوَّالٍ لِفُلَانٍ عِنْدِي دِينَارٌ فَسَمِعَهُ آخَرُ فَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْمَوْضِعَ يَقْبَلُ الضَّمَّ فَتَكْمُلُ الشَّهَادَةُ وَيُقْضَى عَلَيْهِ بِالدِّينَارِ وَفِي الْفِعْلِ كَمَنْ يَشْرَبُ الْخَمْرَ فِي شَوَّالٍ فَيُشَاهِدُهُ شَاهِدٌ.
ثُمَّ يَشْرَبُهَا فِي ذِي الْقَعْدَةِ فَيُشَاهِدُهُ آخَرُ فَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْمَوْضِعَ يَقْبَلُ الضَّمَّ، فَإِنَّ الشَّاهِدَيْنِ مَعًا قَدْ اجْتَمَعَا مَعًا عَلَى مُشَاهَدَتِهِمَا إيَّاهُ يَشْرَبُ الْخَمْرَ فَتَكْمُلُ الشَّهَادَةُ فَيَلْزَمُهُ الْحَدُّ.
وَأَمَّا الْقَوْلُ الَّذِي لَا يَقْبَلُ الضَّمَّ فَكَمَا إذَا قَالَ فِي رَمَضَانَ عَبْدِي فُلَانٌ حُرٌّ عَلَى قَصْدِ تَأْسِيسِ الْإِنْشَاءِ لِعِتْقِهِ فَشَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
دَارِي بِمِائَةٍ عَلَى أَنْ تَهَبَنِي ثَوْبَك فَالدَّارُ مَبِيعَةٌ بِالْمِائَةِ وَالثَّوْبِ، وَالتَّسْمِيَةُ لَا أَثَرَ لَهُ وَكَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ فِي مَوَاضِعَ شَاهِدٌ لِذَلِكَ مِنْهَا قَوْلُهَا فِي كِتَابِ الْغَرَرِ وَمَنْ قَالَ أَبِيعُك سُكْنَى دَارِي سَنَةً فَذَلِكَ غَلَطٌ فِي اللَّفْظِ وَهُوَ كِرَاءٌ صَحِيحٌ. اهـ
وَمِنْهَا قَوْلُهَا فِي كِتَابِ الصَّرْفِ وَلَوْ صَرَفْت مِنْهُ دِينَارًا بِدَرَاهِمَ عَلَى أَنْ تَأْخُذَ بِهَا مِنْهُ سَمْنًا أَوْ زَيْتًا نَقْدًا وَمُؤَجَّلًا أَوْ عَلَى أَنْ تَنِضَّهَا ثُمَّ تَشْتَرِيَ بِهَا هَذِهِ السِّلْعَةَ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَإِنْ رُدَّتْ السِّلْعَةُ بِعَيْبٍ رَجَعْت بِدِينَارِك لِأَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا وَقَعَ بِالسِّلْعَةِ وَاللَّفْظُ لَغْوٌ وَإِنَّمَا يَنْظُرُ مَالِكٌ إلَى فِعْلِهِمَا لَا إلَى قَوْلِهِمَا وَلَيْسَ هَذَا مَنْ يَتَعَيَّنُ فِي بَيْعَةِ اهـ مِنْهَا بِلَفْظِهَا وَمِنْهَا قَوْلُهَا فِيهِ أَيْضًا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ الثَّوْبَ مُعَجَّلًا بِدِينَارٍ إلَى شَهْرٍ وَالدِّينَارَ بِكَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا إلَى شَهْرَيْنِ لِأَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا وَقَعَ بِالدَّرَاهِمِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى قُبْحِ كَلَامِهِمَا إذَا صَحَّ الْعَمَلُ بَيْنَهُمَا كَمَا لَا يُنْظَرُ إلَى حَقِّ كَلَامِهِمَا إذَا قَبُحَ الْعَمَلُ بَيْنَهُمَا. اهـ
إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ الْمُوَافِقَةِ لِهَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ هُوَ عَيْنُ الْحَقِّ وَالصَّوَابِ وَيَكْفِي فِي رَدِّ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الشَّبْرَاخِيتِيُّ كَلَامُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ عَلَى الْمُحَابَاةِ اُنْظُرْ نُصُوصَهُمْ فِيمَا يَأْتِي آخِرَ الْحَجْرِ إنْ شَاءَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْبَيْعِ وَقَاعِدَةُ النِّكَاحِ]
(الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْبَيْعِ تَوَسَّعَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ حَتَّى جَوَّزَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ حَنْبَلٍ الْبَيْعَ بِالْمُعَاطَاةِ وَهِيَ الْأَفْعَالُ دُونَ شَيْءٍ مِنْ الْأَقْوَالِ وَزَادُوا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى قَالُوا: كُلُّ مَا عَدَّهُ النَّاسُ بَيْعًا فَهُوَ بَيْعٌ نَعَمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَكْفِي الْمُعَاطَاةُ دُونَ قَوْلٍ وَقَاعِدَةُ النِّكَاحِ وَوَقَعَ التَّشْدِيدُ فِيهَا فَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى اشْتِرَاطِ الصِّيَغِ فِيهِ حَتَّى لَا يُعْلَمَ أَنَّهُ وُجِدَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ قَوْلٌ بِالْمُعَاطَاةِ فِيهِ أَلْبَتَّةَ)
وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا هَلْ يَنْعَقِدُ بِغَيْرِ لَفْظِ التَّزْوِيجِ وَالنِّكَاحِ أَوْ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِخُصُوصِ لَفْظِهِمَا فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى الْأَوَّلِ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْقَبَسِ جَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ بِكُلِّ لَفْظٍ يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ عَلَى التَّأْبِيدِ قَالَ الْأَصْلُ وَلَمْ يَسْتَثْنِ غَيْرَ الْإِجَارَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْإِحْلَالِ وَجَوَّزَهُ بِالْعَجَمِيَّةِ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ وَجَوَّزَ الْجَوَابَ مِنْ الزَّوْجِ بِقَوْلِهِ فَعَلْت وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ إلَى الثَّانِي فَقَالَا لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظِ التَّزْوِيجِ وَالنِّكَاحِ كَمَا فِي الْقَبَسِ لِابْنِ الْعَرَبِيِّ وَاخْتَلَفَ النَّقْلُ عَنْ مَالِكٍ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظِ النِّكَاحِ أَوْ التَّزْوِيجِ دُونَ غَيْرِهِمَا مِنْ أَلْفَاظِ الْعُقُودِ وَفِي الْهِبَةِ قَوْلَانِ الْمَنْعُ كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِالصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ فَكَذَلِكَ النِّكَاحُ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْهِبَةَ لَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ النِّكَاحِ فَكَذَلِكَ النِّكَاحُ لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَأَنَّ النِّكَاحَ مُفْتَقِرٌ إلَى الصَّرِيحِ لِيَقَعَ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ بَلْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِحْلَالِ وَالْإِبَاحَةِ فَيُقَاسُ عَلَيْهِ الْهِبَةُ وَقَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ يَنْعَقِدُ بِكُلِّ لَفْظٍ يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ عَلَى التَّأْبِيدِ كَالنِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ وَالتَّمْلِيكِ وَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَلَفْظُ الصَّدَقَةِ. وَقَالَ الْأَصْحَابُ إنْ قَصَدَ بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ النِّكَاحَ صَحَّ وَيَضْمَنُ الْمَهْرَ فَيَكْفِي قَوْلُ الزَّوْجِ قَبِلْت بَعْدَ الْإِيجَابِ مِنْ الْوَلِيِّ وَلَا يُشْتَرَطُ قَبِلْت نِكَاحَهَا وَلَوْ قَالَ لِلْأَبِ فِي الْبِكْرِ أَوْ بَعْدَ الْإِذْنِ فِي الثَّيِّبِ زَوِّجْنِي فَقَالَ فَعَلْت أَوْ زَوَّجْتُك فَقَالَ لَا أَرْضَى لَزِمَهُ النِّكَاحُ لِاجْتِمَاعِ جُزْأَيْ الْعَقْدِ فَإِنَّ السُّؤَالَ رِضًى فِي الْعَادَةِ أَيْضًا وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ أَمْرَانِ
(الْأَوَّلُ) تَعَارُضُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَذَلِكَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] وقَوْله تَعَالَى {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37] لَمْ يَذْكُرْ فِيهِمَا إلَّا لَفْظَ التَّزْوِيجِ وَالنِّكَاحِ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «مَلَّكْتُكهَا
ثَانِيًا عَنْ ذَلِكَ الْإِنْشَاءِ وَلَمَّا كَانَ لَفْظُ الْإِنْشَاءِ وَلَفْظُ الْخَبَرِ صُورَتُهُمَا وَاحِدَةٌ شُرِّعَ ضَمُّ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ فَيَجْتَمِعُ النِّصَابُ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ فَيَلْزَمُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ، وَأَمَّا الْفِعْلُ الثَّانِي فَلَا يُمْكِنُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
شَاهِدٌ، ثُمَّ قَالَ فِي شَوَّالٍ عَبْدِي فُلَانٌ حُرٌّ عَلَى ذَلِكَ الْقَصْدِ بِعَيْنِهِ فَيَشْهَدُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ شَاهِدٌ آخَرُ وَتَعَذَّرَ قَبُولُ الضَّمِّ هُنَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ عَقْدَ الْعِتْقِ لَا يَتَعَدَّدُ، وَأَمَّا الْفِعْلُ الَّذِي لَا يَقْبَلُ الضَّمَّ فَكَمَا إذَا شَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّهُ شَاهَدَ زَيْدًا قَتَلَ عَمْرًا فِي شَوَّالٍ وَشَهِدَ شَاهِدٌ آخَرُ أَنَّهُ شَاهَدَ قَتْلَهُ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَتَعَذَّرَ قَبُولُ الضَّمِّ هُنَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْقَتْلَ لَا يَتَعَدَّدُ وَعَلَى مَا تَقَرَّرَ تُشْكِلُ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ رحمه الله مِنْ أَنَّهُ إذَا شَهِدَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا بِمَكَّةَ فِي رَمَضَانَ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا بِمِصْرَ فِي صَفَرٍ طَلُقَتْ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُدَّةَ الَّتِي بَيْنَ رَمَضَانَ وَصَفَرٍ أَكْثَرُ مِنْ مُدَّةِ الْعِدَّةِ فَعَلَى تَقْدِيرِ قَصْدِهِ تَأْسِيسُ الْإِنْشَاءِ فَالْقَوْلُ الثَّانِي لَا يَنْعَقِدُ بِهِ طَلَاقٌ؛ لِأَنَّهَا قَدْ انْحَلَّتْ عِصْمَتُهُ عَنْهَا قَبْلَ هَذَا التَّارِيخِ بِمُقْتَضَى شَهَادَةِ الْأَوَّلِ وَعَلَى تَقْدِيرِ قَصْدِ الْخَبَرِ فَالْقَوْلُ الثَّانِي يَبْعُدُ إطْلَاعُ الشَّاهِدِ عَلَى هَذَا الْقَصْدِ لِاحْتِمَالِ الْقَوْلِ الثَّانِي قَصْدَ تَأْسِيسِ الْإِنْشَاءِ وَقَصْدَ تَأْكِيدِهِ وَقَصْدَ الْخَبَرِ وَتَرْجِيحُ قَصْدِ الْخَبَرِ بِأَنَّهُ الْأَصْلُ لَا يَخْفَى ضَعْفُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَمَا قَالَهُ بَعْدُ حِكَايَةُ أَقْوَالٍ وَلَا كَلَامَ فِيهَا وَمَا قَالَهُ مِنْ الْحَمْلِ عَلَى الْخَبَرِ فَهُوَ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ وَمَا قَالَهُ فِيمَا إذَا شَهِدَ لَهُ الْإِنْشَاءُ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْفَرْقِ بَعْدَهُ صَحِيحٌ أَيْضًا.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ» وَزِدْ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ فَاحْتَجَّ بِالْحَدِيثِ مَنْ قَالَ يَنْعَقِدُ بِغَيْرِ لَفْظِهِمَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْقُرْآنِ إلَّا لَفْظُهُمَا وَالْحَدِيثُ وَرَدَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ وَالْقِصَّةُ وَاحِدَةٌ فَيَسْتَحِيلُ اجْتِمَاعُهَا بَلْ الْوَاقِعُ أَحَدُهَا وَالرَّاوِي رَوَى بِالْمَعْنَى فَلَا حُجَّةَ فِيهِ
(الْأَمْرُ الثَّانِي) تَعَارُضُ قَاعِدَتَيْنِ
(الْقَاعِدَةُ الْأُولَى) كُلُّ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ وَإِبَاحَةُ الْمَرْأَةِ حُكْمٌ فَلَهُ سَبَبٌ يَجِبُ تَلَقِّيهِ مِنْ السَّمْعِ فَمَا لَمْ يُسْمَعْ مِنْ الشَّرْعِ لَا يَكُونُ سَبَبًا
(الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ) الشَّرْعُ قَدْ يُنَصِّبُ خُصُوصَ الشَّيْءِ سَبَبًا كَالزَّوَالِ لِوُجُوبِ الظُّهْرِ وَرُؤْيَةِ الْهِلَالِ لِوُجُوبِ الصَّوْمِ وَالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ لِلْقِصَاصِ وَقَدْ يُنَصَّبُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ أَشْيَاءَ سَبَبًا وَيُلْغِي خُصُوصَاتِهَا كَأَلْفَاظِ الطَّلَاقِ فَإِنَّ الْمَنْصُوبَ مِنْهَا سَبَبًا مَا دَلَّ عَلَى انْطِلَاقِ الْمَرْأَةِ مِنْ عِصْمَةِ الرَّجُلِ وَأَلْفَاظِ الْقَذْفِ فَإِنَّ الْمَنْصُوبَ مِنْهَا سَبَبًا مَا دَلَّ عَلَى نِسْبَةِ الْمَقْذُوفِ إلَى الزِّنَى أَوْ اللِّوَاطِ وَأَلْفَاظِ الدُّخُولِ فِي السَّلَامِ فَإِنَّ الْمَنْصُوبَ مِنْهَا سَبَبًا مَا دَلَّ عَلَى مَقْصُودِ الرِّسَالَةِ النَّبَوِيَّةِ فَعَلَى الْقَاعِدَةِ الْأُولَى اعْتَمَدَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ وَالْمُغِيرَةُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ عَنْ الْمَذْهَبِ وَالنِّكَاحُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَنَا عَلَى مَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ مِنْ الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ وَرَدَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْأَصْلُ فِيهَا عَدَمُ اعْتِبَارِ الْخُصُوصِ فَيَتَعَيَّنُ الْعُمُومُ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْبَيْعِ وَقَاعِدَةِ النِّكَاحِ عَلَى هَذَا بِأَرْبَعَةِ وُجُوهٍ مَبْنِيَّةٍ عَلَى أَرْبَعِ قَوَاعِدَ
(الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) أَنَّ النِّكَاحَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ لَفْظٍ يَشْهَدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَزْوِيجٌ لَا زِنًى وَسِفَاحٌ بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الشَّهَادَةَ شَرْطٌ فِي النِّكَاحِ إمَّا مُقَارِنَةً لِلْعَقْدِ كَمَا قَالَ الثَّلَاثَةُ أَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ كَمَا قَالَ مَالِكٌ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ إلَخْ وَلَيْسَ الْإِشْهَادُ شَرْطًا فِي الْبَيْعِ فَلِذَا جَوَّزُوا فِيهِ الْمُنَاوَلَةَ
(الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ النِّكَاحَ عَظِيمُ الْخَطَرِ جَلِيلُ الْمِقْدَارِ لِأَنَّهُ سَبَبُ بَقَاءِ النَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ الْمُكَرَّمِ الْمُفَضَّلِ عَلَى جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ قَالَ تَعَالَى {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70] وَسَبَبٌ لِلْعَفَافِ الْحَاسِمِ لِمَادَّةِ الْفَسَادِ وَاخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ وَسَبَبٌ لِلْمَوَدَّةِ وَالْمُوَاصَلَةِ وَالسُّكُونِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَصَالِحِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الشَّيْءَ إذَا عَظُمَ قَدْرُهُ شُدِّدَ فِيهِ وَكَثُرَتْ شُرُوطُهُ وَبُولِغَ فِي أَبْعَادِهِ إلَّا لِسَبَبٍ قَوِيٍّ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ وَرَفْعًا لِقَدْرِهِ وَهُوَ شَأْنُ الْمُلُوكِ فِي الْعَوَائِدِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرْأَةَ النَّفِيسَةَ فِي مَالِهَا وَجَمَالِهَا وَدِينِهَا وَنَسَبِهَا لَا يُوصَلُ إلَيْهَا إلَّا بِالْمَهْرِ الْكَثِيرِ وَالتَّوَسُّلِ الْعَظِيمِ وَأَنَّ الْمَنَاصِبَ الْجَلِيلَةَ وَالرُّتَبَ الْعَلِيَّةَ كَذَلِكَ فِي الْعَادَةِ وَأَنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ لَمَّا كَانَ رُءُوسَ الْأَمْوَالِ وَقِيَمَ الْمُتْلَفَاتِ شَدَّدَ الشَّرْعُ فِيهِمَا فَاشْتِرَاطُ الْمُسَاوَاةِ وَالتَّنَاجُزِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي لَمْ يَشْتَرِطْهَا فِي الْبَيْعِ فِي سَائِرِ الْعُرُوضِ وَأَنَّ الطَّعَامَ لَمَّا كَانَ قِوَامَ بِنْيَةِ الْإِنْسَانِ مَنَعَ الشَّرْعُ بَيْعَهُ نَسِيئَةً بَعْضَهُ بِبَعْضٍ وَمَنَعَ مَالِكٌ بَيْعَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ السِّلَعِ فَلِذَلِكَ شَدَّدَ الشَّرْعُ فِي النِّكَاحِ فَاشْتَرَطَ الصَّدَاقَ وَالشَّهَادَةَ وَالْوَلِيَّ وَخُصُوصَ الْأَلْفَاظِ دُونَ الْبَيْعِ
(وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّ الْأَصْلَ فِي السِّلَعِ الْإِبَاحَةُ حَتَّى تُمْلَكَ وَالْأَصْلُ فِي النِّسَاءِ التَّحْرِيمُ حَتَّى يُعْقَدَ عَلَيْهِنَّ بِمِلْكٍ أَوْ نِكَاحٍ (وَالْقَاعِدَةُ) أَنَّ الشَّرْعَ يَحْتَاطُ فِي الْخُرُوجِ مِنْ الْحُرْمَةِ إلَى الْإِبَاحَةِ أَكْثَرَ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ الْإِبَاحَةِ إلَى الْحُرْمَةِ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ يَعْتَمِدُ الْمَفَاسِدَ فَيَتَعَيَّنُ الِاحْتِيَاطُ لَهُ فَلَا يُقَدَّمُ عَلَى مَحَلٍّ فِيهِ الْمَفْسَدَةُ إلَّا بِسَبَبٍ قَوِيٍّ يَدُلُّ عَلَى زَوَالِ تِلْكَ الْمَفْسَدَةِ أَوْ يُعَارِضُهَا وَيَمْنَعُ الْإِبَاحَةَ مَا فِيهِ مَفْسَدَةٌ بِأَيْسَرِ الْأَسْبَابِ دَفْعًا لِلْمَفْسَدَةِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرْأَةَ حَرُمَتْ بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الْأَبِ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ عَنْ إبَاحَةٍ إلَى حُرْمَةٍ وَأَنَّ الْمَبْتُوتَةَ لَا تَحِلُّ إلَّا بِعَقْدٍ وَوَطْءٍ حَلَالٍ وَطَلَاقٍ وَانْقِضَاءِ عِدَّةٍ مِنْ عِدَدِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ مِنْ حُرْمَةٍ