الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذَكَاةِ أُمِّهِ فَحُذِفَ مِثْلُ الَّذِي هُوَ نَعْتٌ لِلْمَصْدَرِ الْمَحْذُوفِ وَهُوَ مُضَافٌ لِذَكَاةِ أُمِّهِ فَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَقَامَهُ فَأُعْرِبَ كَإِعْرَابِهِ بِالنَّصْبِ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْمُضَافَ إلَيْهِ مَتَى أُقِيمَ مَقَامَ الْمُضَافِ أُعْرِبَ كَإِعْرَابِهِ وَحُذِفَ النَّاصِبُ لِهَذَا الْمَصْدَرِ مَعَ الْمَصْدَرِ وَنَعْتِهِ وَبَقِيَ الْكَلَامُ كَمَا تَرَى فَهَذَا تَقْرِيرُ مَذْهَبِهِمْ.
وَوَجْهُ الْحُجَّةِ لَهُمْ مِنْ الْحَدِيثِ وَلَنَا عَنْهُ جَوَابٌ حَسَنٌ وَذَلِكَ أَنْ نَقُولَ مَا يَتَعَيَّنُ التَّقْدِيرُ فِيمَا ذَكَرْتُمُوهُ بَلْ يَصِحُّ النَّصْبُ بِتَقْدِيرٍ آخَرَ وَهُوَ قَوْلُنَا ذَكَاةُ الْجَنِينِ دَاخِلَةٌ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ فَيَكُونُ ذَكَاةُ أُمِّهِ مَنْصُوبًا عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ عَلَى السِّعَةِ أَوْ عَلَى الظَّرْفِ بِإِسْقَاطِ حَرْفِ الْجَرِّ وَكَانَ الْأَصْلُ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ فَحُذِفَ حَرْفُ الْجَرِّ فَانْتَصَبَ الْمَجْرُورُ وَهَذَا التَّقْدِيرُ أَوْلَى لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمَحْذُوفَ حِينَئِذٍ يَكُونُ كَلِمَةً وَاحِدَةً وَهِيَ قَوْلُنَا دَاخِلَةٌ وَحَرْفُ الْجَرِّ إنْ قُلْنَا بِهِ وَأَمَّا عَلَى تَقْدِيرِكُمْ فَيَكُونُ الْمَحْذُوفُ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ وَلَا خِلَافَ أَنَّ قِلَّةَ الْحَذْفَ أَوْلَى فَيَكُونُ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوْلَى وَثَانِيهِمَا أَنَّ تَقْدِيرَنَا يُؤَدِّي إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ رِوَايَةِ النَّصْبِ وَالرَّفْعِ وَعَدَمِ التَّعَارُضِ وَمَا ذَكَرْتُمُوهُ يُفْضِي إلَى التَّعَارُضِ وَمَا أَفْضَى إلَى عَدَمِ التَّعَارُضِ كَانَ أَوْلَى فَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوْلَى (مَسْأَلَةٌ)
قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الدَّابَّةُ الَّتِي لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا إذَا طَالَ مَرَضُهَا أَوْ تَعِبَتْ مِنْ السَّيْرِ فِي أَرْضٍ لَا عَلَفَ فِيهَا ذَبْحُهَا أَوْلَى مِنْ بَقَائِهَا لِتَحْصُلَ رَاحَتُهَا مِنْ الْعَذَابِ وَقِيلَ تُعْقَرُ لِئَلَّا يُغْرِيَ النَّاسَ ذَبْحُهَا عَلَى أَكْلِهَا وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ لَا تُذْبَحُ وَلَا تُعْقَرُ لِنَهْيِهِ عليه السلام عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ لِغَيْرِ مَأْكَلَةِ
(فَرْعٌ) مُرَتَّبٌ إذَا تَرَكَهَا صَاحِبُهَا فَعَلَفَهَا غَيْرُهُ ثُمَّ وَجَدَهَا قَالَ مَالِكٌ هُوَ أَحَقُّ بِهَا لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ عَلَى تَرْكِهَا بِالِاضْطِرَارِ لِذَلِكَ وَيَدْفَعُ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا وَقِيلَ هِيَ لِعَالِفِهَا لِإِعْرَاضِ الْمَالِكِ عَنْهَا فَهَذَا هُوَ اسْتِيعَابُ هَذَا الْبَابِ بِعِلَلِهِ وَمَقَاصِدِهِ إذَا كَانَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ أَمَّا غَيْرُ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ وَهُوَ الصَّيْدُ فَلَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ فِي الْحَيَوَانِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ الْقَصْدَ إلَى اسْتِخْرَاجِ الدَّمِ الْحَرَامِ الْمُسْتَخْبَثِ مِنْ اللَّحْمِ الْحَلَالِ الطَّيِّبِ بِأَسْهَلِ الطُّرُقِ عَلَى تِلْكَ الْحَيَوَانَاتِ وَهُوَ فِيهَا مُمْكِنٌ بِآلَةٍ تَصْلُحُ لِذَلِكَ وَهَذَا كُلُّهُ مُتَيَسِّرٌ فِي الْإِنْسِيِّ.
وَقَدْ تَعَذَّرَ فِي الْوَحْشِيِّ اسْتِخْرَاجُ الدَّمِ وَسُهُولَةُ الطَّرِيقِ وَبَقِيَ الْقَصْدُ وَالْآلَةُ وَنَزَلَ السَّهْمُ مَنْزِلَةَ الْمُدْيَةِ لِضَرُورَةِ الْفِرَارِ وَالتَّوَحُّشُ فَهُوَ فِي الرُّتْبَةِ الثَّانِيَةِ وَيَلِيهِ فِي الرُّتْبَةِ الثَّالِثَةِ الْجَارِحُ لِأَنَّهُ لَهُ اخْتِيَارٌ يَبْعُدُ بِسَبَبِهِ عَنْ كَوْنِهِ آلَةً لِأَنَّهُ يَجُوزُ لِنَفْسِهِ لَكِنْ عَارَضَ كَوْنُهُ مُخْتَارًا عَدَمَ الْعَقْلِ فِيهِ فَعَدَمُ عَقْلِهِ مُخِلٌّ بِاخْتِيَارِهِ مُضَافًا إلَى التَّعْلِيمِ الْحَاصِلِ فِيهِ وَالْأَوْهَامُ الَّتِي حَصَّلَهَا فِيهِ الْآدَمِيُّ بِسَبَبِ التَّعْلِيمِ وَالسِّيَاسَةِ الْخَاصَّةِ فَصَارَ ذَلِكَ مُقَرَّبًا لِكَوْنِهِ آلَةً لَهُ وَلِذَلِكَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الْمَجُوسِيُّ آلَةً لِعَقْلِهِ وَكَمَالِ اخْتِيَارِهِ وَإِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى جَعَلَ ذَبِيحَتَهُ مَيْتَةً كَافْتِرَاسِ الْوُحُوشِ كَمَا جَعَلَ نِسَائَهُمْ كَالْبَهَائِمِ يَحْرُمُ وَطْؤُهُنَّ بِسَبَبِ عَدَمِ تَعْظِيمِهِمْ الْكُتُبَ الْإِلَهِيَّةَ وَالرُّسُلَ الرَّبَّانِيَّةَ فَاهْتُضِمُوا إلَى حَيْثُ جُعِلُوا كَالْبَهَائِمِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الفرق بَيْن قَاعِدَةِ مُخَالَفَةِ النَّهْيِ إذَا تَكَرَّرَتْ يَتَكَرَّرُ التَّأْثِيمُ وَبَيْن قَاعِدَة مُخَالِفَةِ الْيَمِينِ إذَا تَكَرَّرَتْ لَا تَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهَا الْكَفَّارَةُ وَالْجَمِيعُ مُخَالَفَةٌ]
الْفَرْقُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مُخَالَفَةِ النَّهْيِ إذَا تَكَرَّرَتْ بِتَكَرُّرِ التَّأْثِيمِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مُخَالَفَةِ الْيَمِينِ إذَا تَكَرَّرَتْ لَا يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهَا الْكَفَّارَةُ بَلْ تَنْحَلُّ الْيَمِينُ بِالْمُخَالَفَةِ الْأُولَى وَيَسْقُطُ حُكْمُ الْيَمِينِ فِيمَا عَدَاهَا وَالْجَمِيعُ مُخَالَفَةٌ) مَعَ عُمُومِ الصِّيغَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَإِنَّ قَوْلَهُ فِي الْيَمِينِ وَاَللَّهِ لَا فَعَلْت نَفْيٌ لِلْفِعْلِ فِي جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ فَإِنَّ لَا مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ نَصَّ عَلَيْهِ سِيبَوَيْهِ مَعَ لَنْ وَقَالَ لَنْ أَشَدُّ عُمُومًا وَذَلِكَ هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا} [الأعلى: 13] أَيْ فِي جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ لَا يَحْصُلُ لَهُ مَوْتٌ وَلَا حَيَاةٌ وَكَذَلِكَ النَّهْيُ إذَا قِيلَ لِلْمُكَلَّفِ لَا تَكْذِبْ أَوْ لَا تَشْرَبْ الْخَمْرَ هُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ فَحَيْثُ كَانَ الْجَامِعُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ الْمُخَالَفَةَ وَعُمُومَ صِيغَةِ لَا فِي مُسْتَقْبَلِ الزَّمَانِ كَانَ يَنْبَغِي عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَأَنْ يَلْزَمَ بِتَكَرُّرِ الْكَفَّارَةِ إذَا تَكَرَّرَتْ مُخَالَفَةُ الْيَمِينِ كَمَا تَكَرَّرَ عَلَيْهِ الْإِثْمُ بِتَكَرُّرِ الْمُخَالَفَةِ فِي النَّهْيِ لَكِنَّ الْأَصْلَ.
قَالَ لَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا مِنْ الْفُقَهَاءِ قَالَ بِعَدَمِ الْفَرْقِ بَلْ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَأَنَّهُ إذَا خَالَفَ مَرَّةً وَفَعَلَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ حَصَلَ لَهُ الْإِثْمُ فَإِنْ تَكَرَّرَتْ مِنْهُ تِلْكَ الْمُخَالَفَةُ تَكَرَّرَ الْإِثْمُ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ بِقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أَكَلْت لَحْمًا فَخَالَفَ يَمِينَهُ وَأَكَلَ اللَّحْمَ مُتَكَرِّرًا فَإِنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَلَا تَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ أَكْلِ اللَّحْمِ وَمُخَالَفَةُ يَمِينِهِ حِينَئِذٍ مُشْكِلٌ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ سِرِّ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَبَيَانُ سِرِّهِ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّ صِيغَةَ الْيَمِينِ وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهَا سَالِبَةٌ كُلِّيَّةٌ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ نَفْسَ هَذِهِ السَّالِبَةَ الْكُلِّيَّةَ هِيَ سَبَبُ الْكَفَّارَةِ أَوْ شَرْطُ وُجُوبِهَا بَلْ الْكَفَّارَةُ مَا وَجَبَتْ إلَّا لِمُخَالَفَةِ هَذِهِ السَّالِبَةِ الْكُلِّيَّةِ.
وَمُخَالَفَتُهَا عِبَارَةٌ عَنْ نَقِيضِهَا وَنَقِيضُ السَّالِبَةِ الْكُلِّيَّةِ هِيَ الْمُوجَبَةُ الْجُزْئِيَّةُ فَهَذِهِ الْمُوجَبَةُ الْجُزْئِيَّةُ هِيَ سَبَبُ الْكَفَّارَةِ أَوْ شَرْطُ وُجُوبُهَا عَلَى الْخِلَافِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي الْحِنْثِ هَلْ هُوَ شَرْطُ الْكَفَّارَةِ أَوْ سَبَبُهَا وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ سَبَبَ الْكَفَّارَةِ إنَّمَا هُوَ نَقِيضُ ذَلِكَ السَّلْبِ الْكُلِّيِّ لَا ذَلِكَ السَّلْبُ الْكُلِّيُّ إنَّ الشَّارِعَ قَالَ {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: 89] فَجَعَلَ الْكَفَّارَةَ لِلْيَمِينِ لَا لِلسَّلْبِ الْكُلِّيِّ الَّذِي هُوَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَتَوْضِيحُ ذَلِكَ أَنَّ فِي قَوْلِ
وَمَيَّزَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَلَيْهِمْ لِتَعْظِيمِهِمْ الرُّسُلَ وَالرَّسَائِلَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ
(الْفَرْقُ الْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَنْكِحَةِ الصِّبْيَانِ تَنْعَقِدُ إذَا كَانُوا مُطِيقِينَ لِلْوَطْءِ وَلِلْوَلِيِّ الْإِجَازَةُ وَالْفَسْخُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ طَلَاقِهِمْ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ)
وَوَجْهُ الْإِشْكَالِ فِيهِمَا وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ خِطَابَ الْوَضْعِ كَمَا تَقَدَّمَ هُوَ الْخِطَابُ بِالْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ وَالْمَوَانِعِ وَالتَّقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُهَا وَإِنَّهَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّكْلِيفُ وَلَا الْعِلْمُ وَلِذَلِكَ نُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ وَنُطَلِّقُ بِالْإِعْسَارِ وَإِنْ كَانَ مَعْجُوزًا عَنْهُ وَغَيْرَ مَشْعُورٍ بِهِ وَكَذَلِكَ بِالْإِضْرَارِ وَنُوَرِّثُ بِالْأَنْسَابِ وَإِنْ لَمْ يَشْعُرْ بِهِ الْوَارِثُ وَلَا هُوَ مِنْ مَقْدُورِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ الَّذِي مَعْنَاهُ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ قَالَ إذَا وَقَعَ هَذَا فِي الْوُجُودِ فَاعْلَمُوا أَنِّي قَدْ حَكَمْت بِهَذَا بِخِلَافِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقُدْرَةُ عَلَى الْمُكَلَّفِ بِهِ وَالْعِلْمُ بِهِ وَالطَّلَاقُ سَبَبٌ لِلْبَيْنُونَةِ وَالنِّكَاحُ سَبَبٌ لِلْإِبَاحَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْعَقِدَ الْجَمِيعُ فِي حَقِّهِ كَمَا انْعَقَدَ الْإِتْلَافُ سَبَبَ الضَّمَانِ وَالْبَيْعُ بِسَبَبِ الْعَقْدِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ الْفِعْلِيَّةِ وَالْقَوْلِيَّةِ فَهَذَا وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ فِي أَنَّ الصِّبْيَانَ تَنْعَقِدُ أَنْكِحَتُهُمْ دُونَ طَلَاقِهِمْ أَنَّ عَقْدَ الْأَنْكِحَةِ سَبَبُ إبَاحَةِ الْوَطْءِ وَهُوَ أَهْلٌ لِلْخِطَابِ بِالْإِبَاحَةِ وَالنَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ دُونَ الْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ لِأَنَّهُمَا تَكْلِيفٌ وَمَشَقَّةٌ مِنْ جِهَةِ لُزُومِ اسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ الْمَحْمُولِ عَنْ الصِّبْيَانِ لِضَعْفِ عُقُولِهِمْ وَالطَّلَاقُ سَبَبُ تَحْرِيمِ الْوَطْءِ بِإِسْقَاطِ الْعِصْمَةِ فِي الزَّوْجَةِ وَهُوَ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّحْرِيمِ فَلَمْ يَنْعَقِدُ سَبَبًا فِي حَقِّهِ مَعَ اشْتِرَاكِ السَّبَبَيْنِ فِي أَنَّهُمَا خِطَابُ وَضْعٍ وَانْضَافَ إلَى أَحَدِهِمَا تَكْلِيفٌ فَلَا جَرَمَ انْتَفَى انْعِقَادُهُ فِي حَقِّهِ، فَإِنْ قُلْت الْإِتْلَافُ سَبَبُ وُجُوبِ الضَّمَانِ وَالْوُجُوبُ تَكْلِيفٌ.
وَقَدْ انْعَقَدَ فِي حَقِّهِ فَيَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ الْإِخْرَاجُ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ الْمُتْلِفِ فَإِنْ تَأَخَّرَ ذَلِكَ لِلْبُلُوغِ وَجَبَ عَلَى الصَّبِيِّ فِي مَالِهِ وَخُوطِبَ حِينَئِذٍ فَقَدْ تَأَخَّرَ الْوُجُوبُ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْإِتْلَافِ إلَى بَعْدِ الْبُلُوغِ فَلِمَ لَا يَنْعَقِدُ الطَّلَاقُ فِي حَقِّهِ وَيَتَأَخَّرُ التَّحْرِيمُ إلَى بَعْدِ الْبُلُوغِ عِنْدَ حُصُولِ أَهْلِيَّةِ التَّكْلِيفِ كَمَا قُلْتُمْ ذَلِكَ فِي الْإِتْلَافِ وَكِلَاهُمَا سَبَبٌ وَضْعِيٌّ يَقْتَضِي التَّكْلِيفَ قُلْت الْأَصْلُ تَرَتُّبُ الْمُسَبَّبَاتِ عَلَى أَسْبَابِهَا وَتَأَخُّرُهَا عَنْهَا خِلَافُ الْقَوَاعِدِ وَالْإِتْلَافُ لَمْ يَتَعَيَّنْ فِيهِ تَأْخِيرُ مُسَبَّبِهِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْفَرْقُ الْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَنْكِحَةِ الصِّبْيَانِ تَنْعَقِدُ إذَا كَانُوا مُطِيقِينَ لِلْوَطْءِ وَلِلْوَلِيِّ الْإِجَارَةُ وَالْفَسْخُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ طَلَاقِهِمْ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ)
قُلْت فِيمَا فَرَّقَ بِهِ هُنَا نَظَرٌ وَأَمَّا مَا قَالَهُ فِي الْفَرْقَيْنِ بَعْدَهُ الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ وَالْمِائَةِ وَالثَّانِي وَالْأَرْبَعِينَ وَالْمِائَةِ فَصَحِيحٌ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْحَالِفِ وَاَللَّهِ لَا أَكَلْت لَحْمًا مَثَلًا أُمُورًا ثَلَاثَةً السَّلْبُ الْعَامُّ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَالْيَمِينُ الْمُؤَكِّدَةُ لَهُ وَمُخَالَفَةُ هَذَا السَّلْبُ الْعَامُّ.
وَالْكَفَّارَةُ مِنْ الْأُمُورِ الْوَضْعِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ فَصَاحِبُ الشَّرْعِ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ مُطْلَقَ الْمُلَابَسَةِ لِلْفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ سَبَبَ الْكَفَّارَةِ وَحِينَئِذٍ تَتَكَرَّرُ الْكَفَّارَةُ بِتَكَرُّرِ الْمُخَالَفَةِ وَمُلَابَسَةِ الْفِعْلِ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ بَلْ جَعَلَ سَبَبَ الْكَفَّارَةِ مُخَالَفَةَ هَذَا السَّلْبِ الْعَامِّ لَا هَذَا السَّلْبِ الْعَامِّ وَمُخَالَفَةُ هَذَا السَّلْبِ الْعَامِّ إنَّمَا هُوَ مُطْلَقُ الثُّبُوتِ فَيَصِيرُ مَعْنَى وَضْعِ صَاحِبِ الشَّرْعِ الْكَفَّارَةَ أَنَّهُ قَالَ جَعَلْت نَقِيضَ السَّلْبِ الْكُلِّيِّ سَبَبَ الْكَفَّارَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ مَنْ أَتَى بِنَقِيضِ السَّلْبِ الْكُلِّيِّ فِي يَمِينِهِ وَحَنِثَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ عُمُومٌ يُفْهَمُ أَلْبَتَّةَ بَلْ هُوَ مِثْلُ قَوْلِ الْقَائِلِ مَنْ دَخَلَ دَارِي فَلَهُ دِرْهَمٌ وَقَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَلَاقٌ فِي كَوْنِهِ مِنْ بَابِ تَعْلِيقِ مُطْلَقٍ عَلَى مُطْلَقٍ فَيَقْتَضِي الِاكْتِفَاءَ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ لِضَرُورَةِ لُزُومِ تَحْصِيلِ مُقْتَضَى التَّعْلِيقِ وَلَا أَقَلَّ مِنْ الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ فِي التَّحْصِيلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُ هَذِهِ التَّعَالِيقِ أَوَّلَ الْكِتَابِ وَنَظِيرُ هَذِهِ الْكَفَّارَةِ كَفَّارَةُ الْمُفْسِدِ لِصَوْمِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ إنْ عَادَ فَأَكَلَ أَوْ جَامَعَ لَمْ تَلْزَمْهُ كَفَّارَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّ الصَّوْمَ فِي مَعْنَى السَّلْبِ الْعَامِّ لِلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَالْكَفَّارَةُ مُرَتَّبَةٌ عَلَى نَقِيضِ هَذَا السَّلْبِ الْعَامِّ وَهُوَ مُطْلَقُ الثُّبُوتِ فَإِذَا حَصَلَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ فَإِذَا عَادَ فَتَكَرَّرَ لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا كَدُخُولِ الدَّارِ فَإِنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ إنَّمَا جَعَلَ الثُّبُوتَ بِوَصْفِ الْإِطْلَاقِ لَا بِوَصْفِ الْعُمُومِ مُوجِبًا لِلْكَفَّارَةِ وَالْمُطْلَقُ يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَتِهِ بِصُورَةِ إجْمَاعًا كَإِعْتَاقِ رَقَبَةٍ وَإِخْرَاجِ شَاةٍ مِنْ أَرْبَعِينَ وَنَظِيرُ هَذِهِ الْكَفَّارَةِ أَيْضًا كَفَّارَةُ الْمُظَاهِرِ فَإِنَّهُ إذَا قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي كَانَ مُقْتَضَى هَذَا التَّشْبِيهِ التَّحْرِيمُ الدَّائِمُ لِأَنَّ هَذَا هُوَ شَأْنُ تَحْرِيمِ الْأُمِّ الْمُشَبَّهِ بِهَا فَتَكُونُ هَذِهِ الزَّوْجَةُ مُحَرَّمَةً دَائِمًا تَحْقِيقًا لِلتَّشْبِيهِ فَإِنْ عَادَ وَعَزَمَ عَلَى إمْسَاكِهَا أَوْ عَلَى وَطْئِهَا عَلَى الْخِلَافِ فِي الْعَوْدِ مَا هُوَ فَقَدْ أَتَى بِنَقِيضِ ذَلِكَ السَّلْبِ الْكُلِّيِّ وَهُوَ مُطْلَقُ الثُّبُوتِ الْمُنَاقِضِ لَهُ فَصَاحِبُ الشَّرْعِ جَعَلَ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ عِنْدَهُ كَالْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ فَإِذَا كَفَرَ ثُمَّ عَادَ فَعَزَمَ عَلَى إمْسَاكِهَا أَوْ وَطْئِهَا مَرَّةً أُخْرَى
عَنْهُ لِإِمْكَانِ الْإِخْرَاجِ حَالَةَ الْإِتْلَافِ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ أَوْ مِمَّنْ يَتَبَرَّعُ بِهِ عَنْهُ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ أُخِّرَ مُسَبَّبُهُ عَنْهُ وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَيَتَعَيَّنُ تَأْخِيرُ التَّحْرِيمِ فِيهِ الْأَمَدَ الطَّوِيلَ وَالسِّنِينَ الْكَثِيرَةَ إلَى حِينِ الْبُلُوغِ فَلَا جَرَمَ لَمْ يَنْعَقِدْ فِي حَقِّهِ وَلِهَذَا الْفَرْقِ أَيْضًا انْعَقَدَ سَبَبُ الْبَيْعِ فِي حَقِّهِ لِأَنَّهُ سَبَبُ إبَاحَةٍ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مُسَبَّبُهُ فِي الْحَالِ وَكَذَلِكَ الْإِرْثُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَسْبَابِ جَمِيعِهَا تَتَرَتَّبُ آثَارُهَا فِي حَقِّ الصِّبْيَانِ وَالتَّأْخِيرُ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ إنَّمَا وَقَعَ عَارِضًا بِسَبَبِ الْعِزِّ عَنْ إخْرَاجِهِ مِنْ مَالِهِ فِي الْحَالِ وَقَدْ لَا يَتَّفِقُ ذَلِكَ وَهُوَ الْغَالِبُ فَأُلْحِقَ النَّادِرُ بِالْغَالِبِ وَانْعَقَدَ سَبَبًا مُطْلَقًا
(الْفَرْقُ الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ لَا يَلُونَ عَقْدَ الْأَنْكِحَةِ وَهُمْ أَخُو الْأُمِّ وَعَمُّ الْأُمِّ وَجَدُّ الْأُمِّ وَبَنُو الْأَخَوَاتِ وَالْبَنَاتِ وَالْعَمَّاتِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ يُدْلِي بِأُنْثَى وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْعَصَبَةِ فَإِنَّهُمْ يَلُونَ الْعَقْدَ فِي النِّكَاحِ وَهُمْ الْآبَاءُ وَالْأَبْنَاءُ وَالْجُدُودُ وَالْعُمُومَةُ وَالْإِخْوَةُ الشَّقَائِقُ وَإِخْوَةُ الْأَبِ)
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْفَرْقَيْنِ أَنَّ الْوَلَاءَ شُرِعَ لِحِفْظِ النَّسَبِ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ إلَّا مَنْ يَكُونُ لَهُ نَسَبٌ حَتَّى تَحْصُلَ الْحِكْمَةُ لِمُحَافَظَتِهِ عَلَى مَصْلَحَةِ نَفْسِهِ فَذَلِكَ يَكُونُ أَبْلَغَ فِي اجْتِهَادِهِ فِي نَظَرِهِ فِي تَحْصِيلِ الْإِكْفَاءِ وَدَرْءِ الْعَارِ عَنْ النَّسَبِ وَخَالَفَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي الِابْنِ فَقَالَ لَا وِلَايَةَ لَهُ وَاحْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِوُجُوهٍ
(أَحَدُهَا) قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أُنْكِحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ مَوَالِيهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» وَالِابْنُ لَا يُسَمَّى مَوْلًى
(وَثَانِيهَا) أَنَّهُ يُدْلِي بِهَا فَلَا يُزَوِّجُهَا كَتَزْوِيجِهَا لِنَفْسِهَا فَإِنَّ الْفَرْعَ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْ الْأَصْلِ وَلَمَّا أَدْلَى بِهَا صَارَ فِي مَعْنَاهَا
(وَثَالِثُهَا) أَنَّهُ شَخْصٌ لَا تَصِحُّ مِنْ أَبِيهِ الْوِلَايَةُ فَلَا تَصِحُّ مِنْهُ كَابْنِ الْخَالِ مَعَ الْخَالِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ رُوِيَ «بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا» وَهُوَ وَلِيُّهَا لِأَنَّ الْوِلَايَةَ مِنْ الْقُرْبِ لِقَوْلِ الْعَرَبِ هَذَا يَلِي هَذَا أَيْ يَقْرُبُ مِنْهُ وَابْنُهَا أَقْرَبُ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ جُزْؤُهَا وَجُزْءُ الشَّيْءِ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ الْأُمُورِ الْخَارِجَةِ عَنْهُ هَذَا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى نَقُولُ الْمَوْلَى لَهُ مَعَانٍ كَثِيرَةٌ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ مِنْهَا النَّاصِرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} [التحريم: 4] أَيْ نَاصِرُهُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد: 11] أَيْ لَا نَاصِرَ لَهُمْ وَهُوَ كَثِيرٌ وَالِابْنُ نَاصِرُ أُمِّهِ فَيَكُونُ هُوَ مَوْلَاهُ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ أَوْلَى لِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَعَنْ الثَّانِي الْفَرْقُ بِقُوَّةِ عَقْلِهِ النَّاشِئِ عَنْ الذُّكُورِيَّةِ وَضَعْفِ عَقْلِهَا النَّاشِئِ عَنْ الْأُنُوثَةِ وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا فَيَتَعَلَّقُ بِهِ عَارُهَا بِخِلَافِ أَبِيهِ وَابْنِ الْخَالِ فَإِنَّ ابْنَ الْخَالِ بَعِيدٌ عَنْهَا لَا تَنْكِيهِ فَضِيحَتُهَا كَمَا تَنْكِي ابْنَهَا بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الِابْنُ مُقَدَّمًا عَلَى جَمِيعِ الْأَوْلِيَاءِ لِأَنَّهُ جُزْؤُهَا وَجُزْؤُهَا أَمَسُّ بِهَا مِنْ الْأُمُورِ الْخَارِجَةِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّهُ يُقَدَّمُ فِي كُلِّ وِلَايَةٍ مَنْ هُوَ أَقْوَمُ بِمَصَالِحِهَا وَلِذَلِكَ قُدِّمَ فِي الْقَضَاءِ مَنْ هُوَ أَيْقَظُ وَأَكْثَرُ تَفَطُّنًا لِوُجُوهِ الْحِجَاجِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
لَا تَتَكَرَّرُ الْكَفَّارَةُ بِتَكَرُّرِ الْعَوْدِ إجْمَاعًا فِيمَا عَلِمْت لِأَنَّهَا مُرَتَّبَةٌ عَلَى الثُّبُوتِ بِوَصْفِ الْإِطْلَاقِ لَا بِوَصْفِ الْعُمُومِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ مُرَتَّبَةٌ عَلَى الثُّبُوتِ بِوَصْفِ الْإِطْلَاقِ الْمُنَاقِضِ لِلسَّلْبِ الْكُلِّيِّ الْعَامِّ لَا عَلَى الثُّبُوتِ بِوَصْفِ الْعُمُومِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَأَمَّا مُخَالَفَةُ النَّهْيِ فَتَقْتَضِي تَكَرُّرَ الْإِثْمِ وَالتَّعْزِيرِ بِسَبَبِ أَنَّ الْإِثْمَ رَتَّبَهُ الشَّرْعُ عَلَى تَحْقِيقِ الْمَفْسَدَةِ فِي الْوُجُودِ لِأَنَّ النَّوَاهِيَ تَعْتَمِدُ الْمَفَاسِدَ كَمَا أَنَّ الْأَوَامِرَ تَعْتَمِدُ الْمَصَالِحَ فَكُلُّ فَرْدٍ يُكَرَّرُ تُكَرَّرُ الْمَفْسَدَةُ مَعَهُ فَيَتَكَرَّرُ الْإِثْمُ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِمُطْلَقِ الْمَفْسَدَةِ فِي جَمِيعِ صُوَرِهَا بِوَصْفِ الْعُمُومِ فَعَمَّ الْإِثْمَ أَيْضًا وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِحَسْمِ مَادَّةِ الْمَفْسَدَةِ إذْ لَوْ أَثَّمْنَاهُ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَبَحْنَا لَهُ مَا بَعْدَهَا أَدَّى ذَلِكَ لِوُقُوعِ مَفَاسِدَ لَا نِهَايَةَ لَهَا فَكَانَتْ الْحِكْمَةُ الشَّرْعِيَّةُ تَقْتَضِي تَعْمِيمَ الْإِثْمِ فِي جَمِيعِ صُوَرِ الْمَفَاسِدِ
(وَثَانِيهَا) أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَوْ كَانَتْ تَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْمُخَالَفَاتِ لِلْيَمِينِ لَشُقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ فِي الصُّوَرِ الَّتِي يَحْتَاجُونَ لِلْمُخَالَفَاتِ فِيهَا وَتَكَرُّرِهَا فَتَتَرَتَّبُ عَلَى الْإِنْسَانِ كَفَّارَاتٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ عَنْهَا إلَّا بِفِعْلِهَا وَذَلِكَ حَرَجٌ عَظِيمٌ تَأْبَاهُ الشَّرِيعَةُ الْحَنَفِيَّةُ السَّمْحَةُ السَّهْلَةُ وَأَمَّا الْأَثَامُ إذَا اجْتَمَعَتْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَتِهَا بِالتَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ وَهِيَ مُتَيَسِّرَةٌ عَلَى الْمُتَّقِينَ
(وَثَالِثُهَا) أَنَّ الْيَمِينَ مُبَاحَةٌ لِأَنَّهَا تَعْظِيمٌ لِلْمُقْسَمِ بِهِ وَالْحِنْثُ أَيْضًا مُبَاحٌ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «وَاَللَّهِ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إلَّا كَفَّرْت وَفَعَلْت الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يُقْدِمُ عَلَى الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَفْعَلَهُ وَإِذَا كَانَ الْحَلِفُ وَالْحِنْثُ مُبَاحَيْنِ نَاسَبَ ذَلِكَ التَّخْفِيفَ فِي إلْزَامِ الْكَفَّارَةِ الْمُتَكَرِّرَةِ بِخِلَافِ النَّهْيِ فَإِنَّهُ لِلتَّحْرِيمِ وَالْمُقْدِمُ عَلَى مُخَالَفَتِهِ أَيْ النَّهْيِ عَاصٍ بَعِيدٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَنَاسَبَ التَّغْلِيظَ بِتَكَرُّرِ الْآثَامِ وَتَظَافُرِ أَنْوَاعِ الْوَعِيدِ وَالتَّعَاذِيرِ عَلَيْهِ حَسْمًا لِمَادَّةِ الْمَعْصِيَةِ
(وَرَابِعُهَا) أَنَّ الْقَسَمَ وَقَعَ عَلَى جُمْلَةٍ خَبَرِيَّةٍ فَإِنَّ لَا أَفْعَلُ خَبَرٌ عَنْ عَدَمِ الْفِعْلِ فِي الزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنْ صَدَقَ فِيهِ وَحَقَّقَ السَّلْبَ الْعَامَّ كَمَا أَخْبَرَ عَنْهُ فَلَا كَفَّارَةَ.
وَإِنْ خَالَفَ هَذَا الْخَبَرَ كَانَتْ مُخَالَفَتُهُ تَكْذِيبًا لِذَلِكَ الْخَبَرِ وَالصِّدْقُ وَالْكَذِبُ نَقِيضَانِ وَلِذَلِكَ قَالَ أَرْبَابُ الْمَعْقُولِ إنَّ نَقِيضَ السَّالِبَةِ الْكُلِّيَّةِ هِيَ الْمُوجَبَةُ
وَسِيَاسَةِ الْخُصُومِ وَأَضْبَطُ لِلْفِقْهِ وَيُقَدَّمُ فِي الْحُرُوبِ مَنْ هُوَ أَعْرَفُ بِمَكَايِدِ الْحُرُوبِ وَسِيَاسَةِ الْجُنْدِ وَالْجُيُوشِ.
وَيُقَدَّمُ فِي الْفُتْيَا مَنْ هُوَ أَوْرَعُ وَأَضْبَطُ لِمَنْقُولَاتِ الْفِقْهِ وَفِي أَمَانَةِ الْحُكْمِ عَلَى الْأَيْتَامِ مَنْ هُوَ أَعْرَفُ بِتَنْمِيَةِ الْأَمْوَالِ وَأَعْرَفُ بِمَقَادِيرِ النَّفَقَاتِ وَالْكُلَفِ وَالْجِدَالِ فِي الْخِصَامِ لِيُنَاضِلَ عَنْ الْأَيْتَامِ وَيُقَدَّمُ فِي سِعَايَةِ الزَّكَاةِ مَنْ هُوَ أَعْرَفُ بِنُصُبِهَا وَالْوَاجِبِ فِيهَا وَأَحْكَامِ الزَّكَاةِ مِنْ الِاخْتِلَاطِ وَالِافْتِرَاقِ وَأَقْوَى خَرْصًا لِلثِّمَارِ وَرُبَّمَا كَانَ الْمُقَدَّمُ فِي بَابٍ مُؤَخَّرًا فِي بَابٍ آخَرَ كَمَا قُدِّمَ الرِّجَالُ فِي الْحُرُوبِ وَالْإِمَامَةِ وَأُخِّرُوا فِي الْحَضَانَةِ وَقُدِّمَ النِّسَاءِ عَلَيْهِمْ بِسَبَبِ مَزِيدِ شَفَقَتِهِنَّ وَصَبْرِهِنَّ عَلَى الْأَطْفَالِ فَكُنَّ لِذَلِكَ أَكْمَلَ فِي الْحَضَانَةِ مِنْ الرِّجَالِ فَإِنَّ مَزِيدَ إنْفَاقِهِمْ يَمْنَعُهُمْ مِنْ تَحْصِيلِ مَصَالِحِ الْأَطْفَالِ فَلِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ قُدِّمَ الِابْنُ عَلَى غَيْرِهِ فَإِنَّا نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ ابْنَ الْإِنْسَانِ أَشْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ ابْنِ عَمِّهِ لَا سِيَّمَا إذَا بَعُدَ وَيُقَدَّمُ كُلُّ وَلِيٍّ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ إذَا كَانَتْ صِفَتُهُ أَقْرَبَ وَحَالُهُ عَلَى حُسْنِ النَّظَرِ أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهِ فَيُقَدَّمُ لِذَلِكَ.
(الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَجْدَادِ فِي الْمَوَارِيثِ يُسَوُّونَ بِالْإِخْوَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَتِهِمْ فِي النِّكَاحِ وَمِيرَاثِ الْوَلَاءِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ تُقَدَّمُ الْإِخْوَةُ عَلَيْهِمْ)
وَسِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَوَاطِنِ وَالْمَوَارِيثِ أَنَّ الْجَدَّ فِي بَابِ الْمَوَارِيثِ يَقُولُ أَنَا أَبُو أَبِيهِ وَالْأَخُ يُدْلِي بِالْبُنُوَّةِ فَيَقُولُ أَنَا ابْنُ أَبِيهِ وَالْبُنُوَّةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْأُبُوَّة فَحَجَبَ الِابْنَ الْأَبُ عَنْ جُمْلَةِ الْمَالِ إلَى سُدُسِهِ فَهَذِهِ الْعُمْدَةُ فِي الْأَبْوَابِ الْأَرْبَعَةِ كُلِّهَا وَيَفْتَرِقُ الْمِيرَاثُ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْأَبْوَابِ الْأُخَرِ بِأَنَّ الْجَدَّ تَسْقُطُ الْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ بِهِ وَلَا نُقَدِّرُ الْإِخْوَةَ الْأَشِقَّاءَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ وَيَرِثُ مَعَ الِابْنِ بِخِلَافِ الْإِخْوَةِ فَلَمَّا عَارَضَ بِهَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ حُجَّةُ الْإِخْوَةِ بِالْبُنُوَّةِ سَوَّى بِالْإِخْوَةِ فِي بَابِ مِيرَاثِ النَّسَبِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي حَصَلَ فِيهِ التَّعَارُضُ وَهَذَا التَّعَارُضُ مَنْفِيٌّ فِي الْأَبْوَابِ الثَّلَاثَةِ بِسَبَبِ أَنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ لَا مَدْخَلَ لَهُمْ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ وَلَا مِيرَاثِ الْوَلَاءِ وَلَا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ حَتَّى يَقُولَ الْجَدُّ لِلْإِخْوَةِ أَنْتُمْ عَاجِزُونَ عَنْ دَفْعِ هَؤُلَاءِ وَأَنَا لَا أَعْجَزُ عَنْ دَفْعِهِمْ وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُعَارِضَهُمْ بِذَلِكَ بَقِيَتْ حُجَّتُهُمْ بِالْبُنُوَّةِ وَتَقْدِيمُهَا عَلَى الْأُبُوَّةِ سَالِمَةً عَنْ الْمُعَارِضِ فَقُدِّمُوا فِي الْأَبْوَابِ الثَّلَاثَةِ بِخِلَافِ مِيرَاثِ النَّسَبِ.
(الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَكَالَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْوِلَايَةِ فِي النِّكَاحِ)
أَنَّ الرَّجُلَ إذَا وَكَّلَ وَكِيلَيْنِ فِي بَيْعِ سِلْعَةٍ فَبَاعَاهَا مِنْ رَجُلَيْنِ كَانَ النَّافِذُ مِنْ الْبَيْعَيْنِ هُوَ الْأَوَّلُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَكَالَةِ وَقَاعِدَةِ الْوِلَايَةِ فِي النِّكَاحِ إلَى قَوْلِهِ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ عِتْقُ زَوْجِهَا قَبْلَهَا رُدَّتْ إلَيْهِ وَقِيلَ يُفِيتُهَا)
قُلْت هَذَا الْفَرْقُ عِنْدِي فَاسِدُ الْوَضْعِ فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ مِنْ حَيْثُ إنَّ السِّلْعَةَ إذَا هَلَكَتْ كَانَ هَلَاكُهَا فَوْتًا وَنُفُوذًا لِلْعَقْدِ الثَّانِي وَكَذَلِكَ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْجُزْئِيَّةُ وَبِهِمَا يَقَعُ التَّكَاذُبُ لِمَنْ يَقْصِدُ تَكْذِيبَ مَنْ ادَّعَى الْأُخْرَى كَمَا أَنَّ نَقِيضَ الْمُوجَبَةِ الْكُلِّيَّةِ السَّالِبَةُ الْجُزْئِيَّةَ وَالصِّدْقُ وَالْكَذِبُ عِنْدَنَا نَقِيضَانِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فَإِنَّ الْخَبَرَ إنْ طَابَقَ الْوَاقِعَ فَصِدْقٌ وَإِنْ لَمْ يُطَابِقْ الْوَاقِعَ فَكَذِبٌ وَلَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الْمُطَابَقَةِ وَعَدَمِ الْمُطَابَقَةِ فَالْكَفَّارَةُ وَجَبَتْ لِمُخَالَفَةِ الصِّدْقِ وَهُوَ الْكَذِبُ أَيْ الْخَبَرُ الْمُنَاقِضُ لِلصِّدْقِ الْمَانِعِ مَعَ تَحَقُّقِهِ وَمَتَى ارْتَفَعَ الصِّدْقُ بِصُورَةٍ وَاحِدَةٍ اسْتَحَالَ ثُبُوتُهُ فَقَدْ تَحَقَّقَتْ مَفْسَدَةُ تَعَذُّرِ الصِّدْقِ وَهَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ تَعَذُّرُ الصِّدْقِ لَا يَتَكَرَّرُ فَلَمْ تَتَكَرَّرْ الْكَفَّارَةُ وَيَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ هَذَا الْمَعْنَى أَنَّ الْحَالِفَ لَوْ جَعَلَ يَمِينَهُ خَبَرًا عَنْ مُوجَبَةٍ كُلِّيَّةٍ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَأَصُومَنَّ الدَّهْرَ فَأَفْطَرَ يَوْمًا وَاحِدًا فَقَدْ كَذَبَ خَبَرُهُ عَنْ صَوْمِ الدَّهْرِ وَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ بِإِفْطَارِهِ ذَلِكَ الْيَوْمَ الْوَاحِدَ وَلَا يُنْجِيهِ مِنْ لُزُومِ الْكَفَّارَةِ صَوْمُ بَقِيَّةِ الدَّهْرِ وَتَضِيعُ بَقِيَّةِ الْمُوجَبَةِ الْكُلِّيَّةِ عَنْ الِاعْتِبَارِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتَكَرَّرَ مِنْهُ الْفِطْرُ فِي يَوْمَيْنِ مَثَلًا أَوْ يَقْتَصِرُ عَلَى فِطْرِ يَوْمٍ وَاحِدِ.
وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فِي جِهَةِ الثُّبُوتِ وَهُوَ الْمُوجَبَةُ الْكُلِّيَّةُ وَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ مِثْلُهُ فِي السَّالِبَةِ الْكُلِّيَّةِ الَّتِي هِيَ خَبَرٌ عَنْ النَّفْيِ فَيَتَحَقَّقُ الْكَذِبُ بِفَرْدٍ وَاحِدٍ مِنْ الثُّبُوتِ بِأَنْ يَفْعَلَ مَرَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَنْفَعُهُ بَقِيَّةُ السَّالِبَةِ الْكُلِّيَّةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ ثُبُوتٍ وَاحِدٍ تَقَعُ بِهِ الْمُخَالَفَةُ وَبَيْنَ ثُبُوتَيْنِ أَوْ أَكْثَرُ كَمَا لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ فِي الْمُوجَبَةِ الْكُلِّيَّةِ بَيْنَ سَلْبَيْنِ فَأَكْثَرَ تَسْوِيَةً بَيْنَ طَرَفَيْ الثُّبُوتِ وَالسَّلْبِ فِي الْخَبَرِ عَنْهَا وَإِثْبَاتِ نَقِيضِهَا، وَالِاكْتِفَاءُ بِفَرْدٍ فِي الْمُنَاقَضَةِ لَا يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى ثَانٍ وَيَكُونُ الثَّانِي وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ وَأَمَّا النَّهْي فَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَوْ اجْتَنَبَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ مِائَةَ مَرَّةٍ لِلَّهِ تَعَالَى أُثِيبَ عَلَى الْمِائَةِ.
ثُمَّ إنْ خَالَفَ بَعْدَ ذَلِكَ اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ بِعَدَدِ الْمَرَّاتِ الَّتِي خَالَفَ فِيهَا بِالْفِعْلِ وَالثُّبُوتِ وَتَتَكَرَّرُ الْمَثُوبَاتُ بِتَكَرُّرِ الِاجْتِنَابِ أَوْ الْعُقُوبَاتِ بِتَكَرُّرِ الْمُخَالَفَاتِ فَدَلَّ ذَاكَ عَلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ هُوَ اجْتِنَابُ مَفْسَدَةِ ذَلِكَ الْفِعْلِ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَأَنَّ كُلَّ زَمَانٍ مَطْلُوبٌ لِنَفْسِهِ فِي التَّرْكِ لِتِلْكَ الْمَفْسَدَةِ وَيُؤَكِّدُ الْأَمْرَ الْمُقْتَضِيَ لِلتَّكْرَارِ أَنَّهُ إذَا فَعَلَ مِائَةَ مَرَّةٍ أُثِيبَ مِائَةَ مَثُوبَةٍ وَإِنْ تَرَكَهُ مِائَةَ مَرَّةٍ اسْتَحَقَّ مِائَةَ عُقُوبَةٍ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ حُصُولُ تِلْكَ الْمَصْلَحَةِ فِي كُلِّ زَمَانٍ بِعَيْنِهِ فَكُلُّ زَمَانٍ مُعَيَّنٍ حَقَّقَ
وَإِذَا جَعَلَتْ الْمَرْأَةُ أَمْرَهَا لِوَلِيَّيْنِ فَزَوَّجَاهَا مِنْ رَجُلَيْنِ كُفْأَيْنِ فَالْمُعْتَبَرُ أَوَّلُهُمَا إنْ عُرِفَ كَالْبَيْعِ إلَّا أَنْ يَدْخُلَ بِهَا الْأَخِيرُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ فِيهَا سَبْعُ مَسَائِلَ يُفِيتُهُنَّ الدُّخُولُ مَسْأَلَةُ الْوَلِيَّيْنِ وَامْرَأَةُ الْمَفْقُودِ تَتَزَوَّجُ بَعْدَ الْأَجَلِ الْمَضْرُوبِ يُفِيتُهَا الدُّخُولُ فَإِنْ قَدِمَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، وَالْمَرْأَةُ تَعْلَمُ بِالطَّلَاقِ دُونَ الرَّجْعَةِ فَتَتَزَوَّجُ ثُمَّ تَثْبُتُ رَجْعَةُ الْأَوَّلِ فَإِنْ دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ الثَّانِي كَانَ أَحَقَّ بِهَا وَأُلْغِيَتْ الرَّجْعَةُ.
وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا طَلَّقَ زَوْجُ الْأَمَةِ الْأَمَةَ طَلَاقًا رَجْعِيًّا فَرَاجَعَهَا فِي السَّفَرِ فَلَمْ تَعْلَمْ بِذَلِكَ فَوَطِئَهَا السَّيِّدُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ مَعَ عِلْمِهِ بِالرَّجْعَةِ كَانَ وَطْءُ السَّيِّدِ مُفِيتًا لَهَا كَالْوَطْءِ بِالزَّوْجِ وَتَكُونُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ثَامِنَةً لِهَذِهِ الْمَسَائِلِ، وَامْرَأَةُ الرَّجُلِ يَرْتَدُّ فَيُشَكُّ فِي كُفْرِهِ بِالْأَرْضِ الْبَعِيدَةِ هَلْ هُوَ إكْرَاهٌ أَوْ اخْتِيَارٌ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ إكْرَاهٌ وَقَدْ تَزَوَّجَتْ امْرَأَتُهُ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ كُفْرِهِ فَإِنْ دَخَلَ بِهَا الثَّانِي فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَهِيَ لِلْأَوَّلِ، وَالرَّجُلُ يُسَلِّمُ عَلَى عَشَرَةٍ نِسْوَةٍ فَاخْتَارَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا فَوَجَدَهُنَّ ذَوَاتِ مَحَارِمَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ وَيَخْتَارُ مِنْ الْبَوَاقِي مَا لَمْ يَتَزَوَّجْنَ وَيَدْخُلْ بِهِنَّ أَزْوَاجُهُنَّ فَمَنْ دَخَلَ بِهَا فَاتَ الْأَمْرُ فِيهَا بِالدُّخُولِ وَمَنْ لَمْ يُدْخَلْ بِهَا كَانَ لَهُ أَخْذُهَا وَقِيلَ لَا يُفِيتُهُنَّ الدُّخُولُ وَالْمَرْأَةُ تَطْلُقُ لِلْغَيْبَةِ ثُمَّ يُقْدِمُ بِحِجَّةٍ.
فَإِنْ وَجَدَهَا تَزَوَّجَتْ وَدَخَلَ بِهَا فَاتَتْ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا لَمْ تَفُتْ عَلَيْهِ، وَالْمَرْأَةُ تُسْلِمُ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ يُبَيِّنُ تَقَدُّمَ إسْلَامِهِ عَلَيْهَا، وَخُولِفَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ فِي الْمَذْهَبِ أَيْضًا الْمَرْأَةُ يُنْعَى لَهَا زَوْجُهَا ثُمَّ يَتَبَيَّنُ حَيَاتُهُ وَقَدْ تَزَوَّجَتْ فَإِنَّهَا لَا يُفِيتُهَا الدُّخُولُ وَقِيلَ يُفِيتُهَا الدُّخُولُ، وَالْمُطَلَّقَةُ بِسَبَبِ الْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ أَنَّهَا أَسْقَطَتْهَا عَنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَقَدْ تَزَوَّجَتْ فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إلَيْهِ وَإِنْ دَخَلَ بِهَا الثَّانِي، وَالرَّجُلُ يَقُولُ عَائِشَةُ طَالِقٌ وَلَهُ امْرَأَةٌ حَاضِرَةٌ اسْمُهَا عَائِشَةُ وَقَالَ لَمْ أُرِدْهَا وَلِي امْرَأَةٌ أُخْرَى تُسَمَّى عَائِشَةَ بِبَلَدٍ آخَرَ وَهِيَ الَّتِي أَرَدْت فَإِنَّهَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ هَذِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ امْرَأَةٍ أُخْرَى فَإِنْ تَبَيَّنَ صِدْقُهُ وَقَدْ تَزَوَّجَتْ وَدَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا رُدَّتْ إلَيْهِ وَلَا يُفْتِيهَا الدُّخُولُ وَالْأَمَةُ تَخْتَارُ نَفْسَهَا تَتَزَوَّجُ وَيَدْخُلُ بِهَا زَوْجُهَا ثُمَّ يَتَبَيَّنُ عِتْقُ زَوْجِهَا قَبْلَهَا رُدَّتْ إلَيْهِ وَقِيلَ يُفِيتُهَا فَالشَّافِعِيُّ رضي الله عنه يُسَوِّي بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ وَجَعَلَ الْعَقْدَ السَّابِقَ هُوَ الْمُعْتَبَرُ وَمَا بَعْدَهُ بَاطِلٌ حَصَلَ دُخُولٌ أَمْ لَا فَهَذَا
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
فِي النِّكَاحِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّمَانِي الَّتِي ذَكَرَ الْفَرْقَ فِيهَا وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَالْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ الَّتِي ذَكَرَ عَدَمَ الْفَوْتِ فِيهَا وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ تَيْنِكَ الْقَاعِدَتَيْنِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ (فَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُسَوِّي بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ إلَى قَوْلِهِ يَصْلُحُ لِلتَّرْجِيحِ لَا لِلِاسْتِقْلَالِ) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ يُسَوِّي بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ يُشْعِرُ بِأَنَّ مَالِكًا لَا يُسَوِّي
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
فِيهِ الْمَصْلَحَةَ اسْتَحَقَّ الْمَثُوبَةَ وَكُلُّ زَمَانٍ مُعَيَّنٍ ضَيَّعَ فِيهِ تِلْكَ الْمَصْلَحَةَ اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ وَتُعْتَبَرُ الْقِلَّةُ فِي ذَلِكَ وَالْكَثْرَةُ فَقَدْ شَهِدَتْ قَاعِدَةُ الْأَمْرِ لِقَاعِدَةِ النَّهْيِ كَمَا شَهِدَتْ قَاعِدَةُ خَبَرِ الثُّبُوتِ فِي الْيَمِينِ لِقَاعِدَةِ خَبَرِ النَّفْيِ فِيهِ فَأَوْضَحَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْأُخْرَى وَاتَّضَحَ لَك أَنَّ سِرَّ الْفَرْقِ فِي هَذَا الْوَجْهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْخَبَرِ الصَّادِقِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ هُوَ نَقِيضُهُ الْكَاذِبُ دُونَ أَفْرَادِ الْفِعْلِ وَأَفْرَادِ التَّرْكِ بِشَهَادَةِ النَّفْيِ لِلْإِيجَابِ وَالْإِيجَابِ لِلنَّفْيِ وَالْمُعْتَبَرُ لِلنَّهْيِ وَالْأَمْرِ أَفْرَادُ الْأَفْعَالِ وَالتُّرُوكِ دُونَ النَّقِيضِ بِشَهَادَةِ كُلٍّ مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ لِلْآخَرِ
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) كَوْنُ الْحِنْثِ كَذِبًا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى مَا تَقَرَّرَ فِي هَذَا الْوَجْهِ الْأَخِيرِ لَيْسَ فِيهِ تَقْوِيَةٌ لِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ مِنْ أَنَّ الْحِنْثَ مُحَرَّمٌ وَأَنَّ الْكَفَّارَةَ وَجَبَتْ سَاتِرَةً لِذَنْبِ تَحْرِيمِ الْمُخَالَفَةِ بِسَبَبِ أَنَّ الْحِنْثَ وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا أَنَّهُ لَيْسَ بِكَذِبٍ شَرْعِيٍّ مِنْ جِهَةِ الْإِثْمِ وَالنَّهْيِ الشَّرْعِيِّ حَتَّى يُقَالَ إنَّهُ مُحَرَّمٌ بِالْإِجْمَاعِ فَيُتَّجَهُ بِهِ مَذْهَبُهُمْ بَلْ إنَّمَا هُوَ كَذِبٌ مِنْ جِهَةِ مُسَمَّى الْكَذِبِ لُغَةً وَذَلِكَ أَنَّ الْخَبَرَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ فِي الْيَمِينِ خَبَرُ وَعْدٍ وَخَبَرُ الْوَعْدِ لَا يَأْثَمَ حَالِفُهُ وَإِلَّا لَوَجَبَ الْوَفَاءُ بِكُلِّ وَعْدٍ وَلَيْسَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «عِدَّةُ الْمُؤْمِنِ دَيْنٌ» يُرِيدُ مِثْلَ الدَّيْنِ وَلِذَلِكَ قَيَّدَ الْحُكْمَ بِوَصْفِ الْإِيمَانِ الْحَاثِّ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَافِ وَلَوْ كَانَ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ مُطْلَقًا وَاجِبًا لَقَالَ عليه الصلاة والسلام الْوَعْدُ دَيْنٌ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُخَالَفَةَ هَذِهِ الْإِخْبَارَاتِ فِي الْوَعْدِ وَالْحَلِفِ لَيْسَتْ بِكَذِبٍ مُحَرَّمٍ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ» فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْخَبَرُ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ لَمَا جَازَ تَرْكُهُ لِمُجَرَّدِ الْخَيْرِيَّةِ الَّتِي يَكْفِي فِيهَا مُطْلَقُ الْمَصْلَحَةِ بَلْ كَانَتْ مُخَالَفَةً تَتَوَقَّفُ عَلَى مَصْلَحَةٍ عَظِيمَةٍ تُسَاوِي مَفْسَدَةَ التَّحْرِيمِ كَفَوَاتِ أَمْرٍ وَاجِبٍ عَظِيمٍ فَإِنَّ الْمُحَرَّمَ لَا يُعَارَضُ إلَّا بِالْوَاجِبِ وَلَا يُعَارَضُ بِمُطْلَقِ الْخَيْرِيَّةِ الَّتِي هِيَ تَصْدُقُ بِأَدْنَى مَرَاتِبِ النَّدْبِ فَلَيْسَ الْحِنْثُ حِينَئِذٍ بِمُحَرَّمٍ وَيُؤَكِّدُهُ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «حَلَفَ لِأُولَئِكَ النَّفَرِ لَا يَحْمِلُهُمْ ثُمَّ حَمَلَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّك حَلَفْت فَقَالَ وَاَللَّهِ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ
هُوَ الْقِيَاسُ فَإِنَّ مِنْ شَرْطِ عَقْدِ النِّكَاحِ أَنْ تَكُونَ خَالِيَةً عَنْ زَوْجٍ وَهَذِهِ ذَاتُ زَوْجٍ فَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَيْهَا وَاعْتَمَدَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى قَضَاءِ عُمَرَ رضي الله عنه فِي مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ وَقَضَاءِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فِي مَسْأَلَةِ الرَّجْعَةِ وَأَفَاتُوا الْمَرْأَةَ بِالدُّخُولِ وَهَذَا مُدْرَكٌ عِنْدَ مَالِكٍ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه لَيْسَ بِمُدْرَكٍ لِأَنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ يَصْلُحُ لِلتَّرْجِيحِ لَا لِلِاسْتِقْلَالِ وَوَجْهُ الْحُجَّةِ عَلَى الشَّافِعِيِّ وَهُوَ سِرُّ الْفَرْقِ الْمَقْصُودِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ أَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَهُوَ إبْطَالُ أَثَرِ الْعَقْدِ السَّابِقِ وَتَسْلِيطُ الشَّفِيعِ عَلَى إبْطَالِهِ لِأَجْلِ الضَّرَرِ الدَّاخِلِ عَلَى الشَّرِيكِ مِنْ تَوَقُّعِ الْقِسْمَةِ.
وَإِذَا قَضَى بِتَقْدِيمِ الضَّرَرِ عَلَى الْقَعَدِ هُنَالِكَ وَجَبَ أَنْ يَقْضِيَ هَهُنَا بِتَقْدِيمِ الضَّرَرِ عَلَى الْعَقْدِ السَّابِقِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى مِنْ وَجْهَيْنِ
(الْأَوَّلُ) أَنَّ ضَرَرَ الشُّفْعَةِ مُتَوَقَّعٌ فَإِنَّ الْقِسْمَةَ قَدْ تَحْصُلُ وَقَدْ لَا تَقَعُ أَلْبَتَّةَ وَأَمَّا الضَّرَرُ هَهُنَا فَنَاجِزٌ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا طَلَعَ عَلَى الْمَرْأَةِ حَصَلَ لَهُ بِهَا تَعَلُّقٌ فِي الْغَالِبِ وَحَصَلَ لَهَا هِيَ أَيْضًا تَعَلُّقٌ فَإِنَّ الرَّجُلَ إنَّمَا يَتَزَوَّجُ فِي الْغَالِبِ مَنْ مَالَتْ نَفْسُهُ إلَيْهَا وَإِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا مَعَ الْمَيْلِ الْمُتَقَدِّمِ وُجِدَتْ الرُّؤْيَةُ وَالْمُبَاشَرَةُ فَالْغَالِبُ حُصُولُ الْمَيْلِ كَذَا هِيَ أَيْضًا إنَّمَا رَضِيَتْ بِهِ بَعْدَ مَيْلِ نَفْسِهَا إلَيْهِ فَإِذَا بَاشَرَتْهُ مَعَ الْمَيْلِ الْمُتَقَدِّمِ وَحُصُولِ الْإِرْبِ فَالْغَالِبُ حُصُولُ الْمَيْلِ وَإِذَا كَانَ الظَّاهِرُ حُصُولَ الْمَيْلِ إمَّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَإِمَّا مِنْ أَحَدِهِمَا فَلَوْ قَضَيْنَا بِالْفِرَاقِ بَعْدَ هَذَا الْمَيْلِ النَّاشِئِ مِنْ الدُّخُولِ وَقَضَاءِ الْأَوْطَارِ لَحَصَلَ الضَّرَرُ النَّاجِزُ لِمَنْ حَصَلَ لَهُ الْمَيْلُ بِأَلَمِ الْفِرَاقِ فَعُلِمَ أَنَّ ضَرَرَ الشُّفْعَةِ مُتَوَقَّعٌ وَضَرَرُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَاقِعٌ وَالْوَاقِعُ أَقْوَى مِنْ الْمُتَوَقَّعِ الْوَجْهُ
(الثَّانِي) فِي مُوجِبِ الْقِيَاسِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى أَنَّ الشَّرِيكَ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ بِغَيْرِ عَقْدٍ أُضِيفَ إلَيْهِ بَلْ بِمُجَرَّدِ الضَّرَرِ وَهَهُنَا الزَّوْجُ الثَّانِي مَعَهُ عَقْدٌ يُقَابِلُ بِهِ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ فَصَارَ دَفْعُ ضَرَرِهِ مَعْضُودًا بِعَقْدٍ وَدَفْعُ ضَرَرِ الشَّرِيكِ غَيْرُ مَعْضُودٍ بِعَقْدٍ فَكَانَ الْمَعْضُودُ أَوْلَى فَإِنْ قُلْت وُجُودُ هَذَا الْعَقْدِ كَعَدَمِهِ لِأَنَّ الْمَحَلَّ غَيْرُ قَابِلٍ لَهُ فَلَا يَصِحُّ لِلتَّرْجِيحِ قُلْت كَوْنُ وُجُودِهِ كَعَدَمِهِ هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ نَحْنُ نَقُولُ لَيْسَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ بَلْ اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
بَيْنَهُمَا وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ مَالِكٌ أَيْضًا يُسَوِّي بَيْنَهُمَا غَيْرَ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ مَسَائِلَ مِنْ فُرُوعِ الْقَاعِدَتَيْنِ فَيُطْلَبُ وَجْهُ ذَلِكَ الْفَرْقِ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْقِيَاسَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ صَحِيحٌ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إلَّا كَفَّرْت وَأَتَيْت الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» فَلَوْ كَانَ هَذَا كَذِبًا مُحَرَّمًا لَمَا أَقْدَمَ عليه الصلاة والسلام عَلَيْهِ فَإِنَّ مَنْصِبَهُ عليه الصلاة والسلام يَأْبَى ذَلِكَ إبَاءً شَدِيدًا فَيَقْطَعُ الْفَقِيهُ حِينَئِذٍ بِأَنَّ هَذِهِ الْمُخَالَفَةَ فِي الْأَيْمَانِ لَيْسَتْ كَذِبًا مُحَرَّمًا بَلَّ يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ لِلْكَذِبِ وَلَا يَكُونُ مُحَرَّمًا كَمَا أَنَّ الْكَذِبَ الَّذِي يَقَعُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ كَمَنْ أَخْبَرَ بِالشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ مُعْتَقِدًا مَا أَخْبَرَ بِهِ وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ وَإِنْ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ كَذِبٌ لُغَةً خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي اشْتِرَاطِهِمْ الْقَصْدَ فِي حَقِيقَةِ الْكَذِبِ وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَذْهَبِ أَهْلِ السَّنَةِ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ فَجَعَلَهُ عليه السلام كَذِبًا مَعَ أَنَّهُ يَعْتَقِدُ صِدْقَ مَا سَمِعَهُ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَذِبَ قَدْ يَقَعُ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْعَمْدِ فَظَهَرَ أَنَّ الْكَذِبَ يَكُونُ لَا مَعَ الْإِثْمِ وَأَنَّ مُخَالَفَةَ الْأَيْمَانِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ
(التَّنْبِيهُ الثَّانِي) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا إذَا خَالَفَ مُقْتَضَى الْيَمِينِ حَالَةَ النِّسْيَانِ أَوْ حَالَةَ الْجَهْلِ أَوْ حَالَةَ الْإِكْرَاهِ فَمَذْهَبُ مَالِكٍ اعْتِبَارُ الْحِنْثِ حَالَةَ النِّسْيَانِ وَالْجَهْلِ دُونَ الْإِكْرَاهِ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْحِنْثِ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ اعْتِبَارُ الْحِنْثِ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ فَوَافَقَنَا الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَلَى الْإِكْرَاهِ وَخَالَفَانَا فِي النِّسْيَانِ وَالْجَهْلِ وَأَبُو حَنِيفَةَ بِعَكْسِ ذَلِكَ، وَتَلْخِيصُ مُدْرَكِ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْحَالَاتِ أَنَّ مُقْتَضَى اللُّغَةِ حُصُولُ الْحِنْثِ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ لِحُصُولِ مُسَمَّى الْمُخَالَفَةِ بِمُقْتَضَى مَا أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ فِي الِاسْتِقْبَالِ لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ الْيَمِينُ إنَّمَا يَقْصِدُ بِهَا النَّاسُ حَثَّهُمْ عَلَى الْإِقْدَامِ أَوْ الْإِحْجَامِ وَالْحَثُّ إنَّمَا يَقَعُ فِي الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَحُثُّ نَفْسَهُ عَلَى مَا هُوَ مِنْ اخْتِيَارِهِ وَصُنْعِهِ.
وَأَمَّا الْمَعْجُوزُ عَنْهُ فَلَا يَلِيقُ بِالْعَاقِلِ حَثُّ نَفْسِهِ عَلَى الصُّعُودِ إلَى السَّمَاءِ وَلَا عَلَى أَنْ يَعْمَلَ لِنَفْسِهِ يَدًا زَائِدَةً أَوْ عَيْنًا زَائِدَةً وَلَا يَحُثُّ نَفْسَهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ آدَمِيًّا أَوْ مُنْتَصِبَ الْقَامَةِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُتَعَذِّرٌ عَلَيْهِ وَالثَّانِي وَاقِعٌ بِغَيْرِ صُنْعِهِ وَإِنَّمَا يَحُثُّ نَفْسَهُ عَلَى مَا هُوَ مِنْ صُنْعِهِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ حِينَئِذٍ فَتَخْرُجُ حَالَةُ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْحِنْثِ لِأَنَّ الدَّاعِيَةَ حَالَةَ الْإِكْرَاهِ لَيْسَتْ لِلْفَاعِلِ عَلَى الْحَقِيقَةِ بَلْ نَشَأَتْ عَنْ أَسْبَابِ الْإِكْرَاهِ فَهِيَ مِنْ غَيْرِ صَنْعَةٍ فِي الْمَعْنَى فَلَا جَرَمَ لَمْ تَنْدَرِجْ هَذِهِ الْحَالَةُ فِي الْيَمِينِ وَأَمَّا الْجَهْلُ وَالنِّسْيَانُ فَالْإِنْسَانُ فِي الْجَهْلِ يَفْعَلُ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ جَاهِلًا بِأَنَّهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ كَمَنْ يَحْلِفُ أَنْ لَا يَلْبَسَ ثَوْبًا فَيَلْتَبِسُ ذَلِكَ الثَّوْبُ عَلَيْهِ بِغَيْرِهِ فَيَلْبَسُهُ
مِثْلَ هَذِهِ الصُّورَةِ مِنْ الْعَقْدِ مُوجِبَةٌ لِلْعِصْمَةِ فِي غَيْرِ صُورَةِ النِّزَاعِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ عَمَلًا بِوُجُودِ الصُّورَةِ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَرِضَى الْوَلِيِّ وَالْمَرْأَةِ وَكَوْنُ تُقَدَّمْ الْعَقْدِ مَانِعًا صُورَةَ النِّزَاعِ.
وَهَذَا وَجْهُ التَّرْجِيحِ فَإِنْ قُلْت مَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ وَمَسْأَلَةِ الْوَكِيلَيْنِ وَكُلًّا عَلَى أَنْ يُزَوِّجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِامْرَأَةٍ فَزَوَّجَاهُ بِامْرَأَتَيْنِ فَدَخَلَ بِإِحْدَاهُمَا فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا خَامِسَةٌ فَإِنَّهَا لَا يُفْتِيهَا الدُّخُولُ إجْمَاعًا فَكَذَلِكَ هَهُنَا وَالْجَامِعُ بُطْلَانُ الْعَقْدِ قُلْت بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مِنْ عَشْرِ أَوْجُهٍ
(أَحَدُهَا) الْمَانِعُ مِنْ الصِّحَّةِ فِي الْخَامِسَةِ هُوَ عَقْدُ الرَّابِعَةِ مَعَ مَا تَقَدَّمَهُ مِنْ الْعُقُودِ وَالْمَانِعُ فِي الْوَلِيَّيْنِ عَقْدٌ وَاحِدٌ فَهُوَ أَخَفُّ فَسَادًا وَأَقَلُّ مَوَانِعَ فَفَاتَتْ بِالدُّخُولِ بِخِلَافِ الْخَامِسَةِ
(الثَّانِي) أَنَّ الْأَوْلِيَاءَ الْغَالِبُ عَلَيْهِمْ الْكَثْرَةُ دُونَ الْوَلَاءِ فَصُورَةُ الْوَلِيَّيْنِ مِمَّا يَكْثُرُ وُقُوعُهَا فَالْقَوْلُ بِبُطْلَانِ الْعَقْدِ الثَّانِي بَعْدَ الدُّخُولِ يُؤَدِّي إلَى كَثْرَةِ الْفَسَادِ وَالْخَامِسَةُ نَادِرَةٌ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِيهَا النَّاشِئَ عَنْ الِاطِّلَاعِ وَالْكَشْفِ قَلِيلٌ
(الثَّالِثُ) أَنَّ الزَّوْجَ كَالْمُشْتَرِي الَّذِي هُوَ صَاحِبُ الصَّدَاقِ الَّذِي هُوَ الثَّمَنُ وَالْمَرْأَةُ كَالْبَائِعِ لِأَنَّهَا صَاحِبَةُ السِّلْعَةِ وَالسِّلَعُ مَقَاصِدُ وَالْأَثْمَانُ وَسَائِلُ وَرُتْبَتُهَا أَخْفَضُ مِنْ رُتْبَةِ الْمَقَاصِدِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَبْطُلْ عَقْدُ الرَّابِعَةِ لِأَنَّهُ إبْطَالٌ لِمَقْصِدٍ وَإِبْطَالُ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ إبْطَالٌ لِصَاحِبِ وَسِيلَةِ التَّعَارُضِ إنَّمَا وَقَعَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا صَاحِبَا وَسِيلَةٍ وَبَيْنَ الرَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ فِي صَاحِبَيْ مَقْصِدٍ فَاجْتَمَعَ فِي الرَّابِعَةِ كَوْنُهُ مَقْصِدًا وَمُوَافَقَةُ الْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ فَامْتَنَعَ إبْطَالُهُ لِقُوَّتِهِ بِخِلَافِ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ
(الرَّابِعُ) أَنَّ وَلُوعَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَشَغَفَهُمْ بِهِنَّ أَكْثَرُ مِنْهُنَّ بِهِمْ وَالْعَادَةُ شَاهِدَةٌ بِذَلِكَ فَإِنَّ الرِّجَالَ هُمْ الْبَاذِلُونَ وَالْخَاطِبُونَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الدَّلَائِلِ عَلَى فَرْطِ الْمَيْلِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي النِّسَاءِ لِضَعْفِ طَبْعِهِنَّ وَغَلَبَةِ الْحَيَاءِ عَلَيْهِنَّ وَإِذَا كَانَ شَغَفُ الرِّجَالِ بِهِنَّ أَعْظَمَ صَعُبَ التَّفْرِيقُ فِي مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ بِالزَّوْجِ الثَّانِي الَّذِي حَصَلَ لَهُ الشَّغَفُ بِالدُّخُولِ وَالْخَامِسَةُ إنَّمَا يُتَوَقَّعُ فِيهَا دَاعِيَةٌ ضَعِيفَةٌ فَكَانَ الْفَسَادُ أَقَلَّ
(الْخَامِسُ) أَنَّ دَاعِيَةَ الرِّجَالِ فِي السُّؤَالِ عَنْ الْوَاقِعِ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْمَرْأَةِ ضَعِيفٌ وَعَنْ الْوَاقِعِ مِنْ الْوُكَلَاءِ فِي التَّزْوِيجِ قَوِيٌّ فَكَثُرَ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي فَكَانَ مُخَالَفَةُ الْقَاعِدَةِ فِي
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (وَوَجْهُ الْحُجَّةِ عَلَى الشَّافِعِيِّ إلَى مَا ذَكَرَ فِي الْفَرْقِ) قُلْت مَا قَالَهُ يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ وَنَظَرٍ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلْيَمِينِ جَاهِلٌ بِعَيْنِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَفِي النِّسْيَانِ عَلَى الْعَكْسِ مِنْ الْجَهْلِ يَفْعَلُ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ عَالِمًا بِحَقِيقَتِهِ نَاسِيًا لِلْيَمِينِ وَفِي الْإِكْرَاهِ قَدْ يَكُونُ ذَاكِرًا لَهُمَا فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَقَائِقِ الثَّلَاثِ فَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ إنَّ الْحِنْثَ الْمَقْصُودَ مِنْ الْيَمِينِ إنَّمَا يَكُونُ مَعَ ذِكْرِ الْيَمِينِ وَالْمَعْرِفَةِ بِعَيْنِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِأَنْ يَقْصِدَ الْحَالِفُ بِالْيَمِينِ تَرْكَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْيَمِينِ وَهَذَا لَا يَتَصَوَّرُ إلَّا مَعَ الْقَصْدِ إلَى الْيَمِينِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَالْمَعْرِفَةِ بِهِمَا فَلَمَّا جَهِلَ الْيَمِينَ فِي صُورَةِ النِّسْيَانِ وَالْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ فِي صُورَةِ الْجَهْلِ خَرَجَ هَاتَانِ الْحَالَتَانِ عَمَّا يَقْصِدُهُ النَّاسُ بِالْإِيمَانِ وَهُوَ التَّرْكُ لِأَجْلِ الْيَمِينِ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَإِذَا خَرَجَا عَنْ ذَلِكَ خَرَجَا عَنْ الْيَمِينِ وَالْخَارِجُ عَنْ الْيَمِينِ لَا يَقَعُ فِيهِ حِنْثٌ وَحَالَةُ الْإِكْرَاهِ قَدْ خَرَجَتْ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا طَلَاقَ فِي إغْلَاقٍ» أَيْ فِي إكْرَاهٍ فَيُقَاسُ عَلَى الطَّلَاقِ غَيْرُهُ فَلَا يَلْزَمُ فَخَرَجَتْ الْأَحْوَالُ الثَّلَاثَة: الْإِكْرَاهُ وَالنِّسْيَانُ وَالْجَهْلُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَإِذَا خَالَفَ الْحَالِفُ الْيَمِينَ فِي حَالَةٍ مِنْ هَذِهِ الْحَالَاتِ لَا يَلْزَمُهُ بِذَلِكَ كَفَّارَةٌ بَلْ لَا بُدَّ فِي لُزُومِهَا مِنْ الْمُخَالَفَةِ مَرَّةً أُخْرَى فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ وَاسْتِحْضَارِ الْيَمِينِ وَالْعِلْمِ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ.
فَاشْتَرَطَ الشَّافِعِيُّ التَّكَرُّرَ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ وَمَالِكٌ يَقُولُ الْحَلِفُ وَقَعَ عَلَى الْفِعْلِ الْمُخْتَارِ الْمُكْتَسَبِ وَمُقْتَضِي ذَلِكَ أَنْ يَخْرُجَ الْإِكْرَاهُ وَحْدَهُ.
وَيَبْقَى النِّسْيَانُ وَالْجَهْلُ لِأَنَّ النَّاسِيَ لِلْيَمِينِ مُخْتَارٌ لِلْفِعْلِ غَيْرَ أَنَّهُ نَسِيَ الْيَمِينَ وَالْجَاهِلُ مُخْتَارٌ لِلْفِعْلِ غَيْرَ أَنَّهُ جَهِلَ أَنَّ هَذَا غَيْرُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَإِذَا وُجِدَ الِاخْتِيَارُ وَالْفِعْلُ الْمُكْتَسِبُ فَقَدْ وُجِدَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَوُجِدَتْ حَقِيقَةُ الْمُخَالَفَةِ فَتَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ فَإِذَا وَقَعَ الْفِعْلُ فِي حَالَةِ النِّسْيَانِ أَوْ حَالَةِ الْجَهْلِ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ وَلَزِمَتْ الْكَفَّارَةُ وَلَا يُشْتَرَطُ التَّكَرُّرُ مَرَّةً أُخْرَى وَرَأَى أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الْحِنْثِ لَا يُؤَثِّرَ فَيَحْنَثُ الْمُكْرَهُ كَمَا يَحْنَثُ النَّاسِي وَالْجَاهِلُ قَالَ الْأَصْلُ وَالظَّاهِرُ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ عِنْدَنَا بِسَبَبِ أَنَّ الْبَاعِثَ لِلْحَالِفِ عَلَى الْحَلِفِ إنَّمَا هُوَ أَنْ تَكُونَ الْيَمِينُ حَاثَّةً لَهُ عَلَى التَّرْكِ وَإِلَّا كَانَ يَكْفِيهِ الْعَزْمُ عَلَى عَدَمِ الْفِعْلِ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ وَكَانَ يَسْتَرِيحُ مِنْ لُزُومِ الْكَفَّارَةِ وَإِنَّمَا أَقْدَمَ عَلَى الْيَمِينِ لِيَكُونَ اسْتِحْضَارُهَا فِي نَفْسِهِ مَانِعًا مِنْ الْإِقْدَامِ وَالْإِحْجَامِ فَإِذَا نَسِيَهَا لَمْ يَقْصِدْ بِهَذِهِ الْحَالَةِ حَالَةَ الْحَلِفِ الَّتِي هِيَ حَالَةُ حُضُورِهَا فِي نَفْسِهِ حَتَّى تَمْنَعَهُ مِنْ الْإِقْدَامِ أَوْ الْإِحْجَامِ وَكَذَلِكَ الْعِلْمُ بِعَيْنِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ شَرْطٌ فِي الْحِنْثِ بِهِ فَإِذَا جَهِلَهُ اسْتَحَالَ مَعَ الْجَهْلِ الْحِنْثُ عَلَى مَا لَمْ يَعْلَمْهُ فَهَاتَانِ الْحَالَتَانِ يُعْلَمُ خُرُوجُهُمَا عَنْ الْيَمِينِ بِقَصْدِ الْحَالِفِينَ فَلَا يُلْتَزَمُ فِيهِمَا حِنْثٌ وَيُشْتَرَطُ التَّكَرُّرُ.
وَأَمَّا