الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَمَا أَبَاحَ اللَّهُ السَّمَكَ فِي الْمَاءِ وَالطَّيْرَ فِي الْهَوَاءِ وَالْحَشِيشَ وَالصَّيْدَ فِي الْفَلَاةِ لِمَنْ أَرَادَ تَنَاوُلَهُ وَلَا يُقَالُ إنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ مَمْلُوكَةٌ لِلنَّاسِ كَذَلِكَ الضَّيْفُ جُعِلَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ إنْ أَرَادَ أَوْ يَتْرُكَ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَمْلِكُ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الْمِلْكَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ سُلْطَانِ التَّصَرُّفِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَبَعْدُ إنْ بَلَعَ الطَّعَامَ كَيْفَ يَبْقَى سُلْطَانٌ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِتِلْكَ الْأَعْيَانِ؛ لِأَنَّهَا فَسَدَتْ عَادَةً وَلَمْ تَبْقَ مَقْصُودَةَ التَّصَرُّفِ أَلْبَتَّةَ فَالْحَقُّ إذًا أَنَّهَا إبَاحَاتٌ لَا تَمْلِيكَاتٌ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
ارْتَضَاهُ هُوَ أَمَّا عَلَى الْحَدِّ الَّذِي ارْتَضَيْته فَلِأَنَّ مُقَدَّمَ الضِّيَافَةِ قَدْ مَكَّنَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِأَكْلِهَا، وَأَمَّا عَلَى الْحَدِّ الَّذِي ارْتَضَاهُ هُوَ فَلِأَنَّهُ قَالَ حُكْمٌ مُقَدَّرٌ فِي الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ يَقْتَضِي تَمْكِينَ مَنْ يُضَافُ إلَيْهِ مِنْ انْتِفَاعِهِ بِالْمَمْلُوكِ وَبِالْعِوَضِ عَنْهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي الِانْتِفَاعَ بِهِمَا فَيَبْقَى الِانْتِفَاعُ مُطْلَقًا.
قَالَ (كَمَا أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى السَّمَكَ فِي الْمَاءِ إلَى قَوْلِهِ وَلَا يُقَالُ إنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ مَمْلُوكَةٌ لِلنَّاسِ) قُلْت هِيَ مَمْلُوكَةٌ بَعْدَ التَّنَاوُلِ وَإِبَاحَةُ التَّنَاوُلِ سَبَبُ مِلْكِهَا قَالَ (كَذَلِكَ الضَّيْفُ جُعِلَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ إنْ أَرَادَ أَوْ يَتْرُكَ) قُلْت إبَاحَةُ صَاحِبِ الطَّعَامِ لِلضَّيْفِ أَنْ يَأْكُلَ سَبَبُ مِلْكِهِ أَنْ يَأْكُلَ وَمِلْكُهُ أَنْ يَأْكُلَ هُوَ تَمَكُّنُهُ شَرْعًا مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ (وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَمْلِكُ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الْمَالِكَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ سُلْطَانِ التَّصَرُّفِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ إلَى قَوْلِهِ فَالْحَقُّ إذًا أَنَّهَا إبَاحَاتٌ لَا تَمْلِيكَاتٌ) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْمِلْكَ مُشْكِلٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ وَتَعْلِيلُهُ بِأَنَّ الْمِلْكَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ سُلْطَانِ التَّصَرُّفِ لَيْسَ كَمَا.
قَالَ بَلْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ سُلْطَانِ الِانْتِفَاعِ لَا
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
إنَّمَا يَتَأَتَّى لَهَا إذَا حَصَلَتْ عَلَى حَالٍ لَا يَبْقَى لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا حُكْمٌ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي إيقَاعِ الثَّلَاثِ، نَظَرَ ضَيْح وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ اهـ.
وَقَالَ الْأَصْلُ وَالصَّحِيحُ الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ قَوْلَ الْأَئِمَّةِ هُوَ مُقْتَضَى اللَّفْظِ لُغَةً لَا مِرْيَةَ فِي ذَلِكَ وَأَنَّ مَالِكًا رحمه الله أَفْتَى بِالثَّلَاثِ وَالْبَيْنُونَةِ كَمَا تَقَدَّمَ بِنَاءً عَلَى عَادَةٍ كَانَتْ فِي زَمَانِهِ أَوْجَبَتْ نَقْلَ اللَّفْظِ عَنْ مُسَمَّاهُ اللُّغَوِيِّ إلَى هَذَا الْمَفْهُومِ فَصَارَ صَرِيحًا فِيهِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُتَّجَهُ وَهُوَ سِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّخْيِيرِ وَقَاعِدَةِ التَّمْلِيكِ غَيْرَ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ بُطْلَانُ هَذَا الْحُكْمِ الْيَوْمَ وَوُجُوبُ الرُّجُوعِ إلَى اللُّغَةِ وَيَكُونُ كِنَايَةً مَحْضَةً كَمَا قَالَهُ الْأَئِمَّةُ بِسَبَبِ أَنَّ الْعُرْفَ قَدْ تَغَيَّرَ حَتَّى لَمْ يَصِرْ أَحَدٌ يَسْتَعْمِلُ هَذَا اللَّفْظَ إلَّا فِي غَايَةِ النُّدْرَةِ فَضْلًا عَنْ كَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ الَّتِي تُصَيِّرُهُ مَنْقُولًا وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ اللَّفْظَ مَتَى كَانَ الْحُكْمُ فِيهِ مُضَافًا لِحُكْمٍ عَادِيٍّ بَطَلَ ذَلِكَ الْحُكْمُ عِنْدَ بُطْلَانِ تِلْكَ الْعَادَةِ وَتَغَيَّرَ إلَى حُكْمٍ آخَرَ إنْ شَهِدَتْ لَهُ عَادَةٌ أُخْرَى فَهَذَا هُوَ الْفِقْهُ الْمُتَّجَهُ اهـ وَكَتَبَ عَلَيْهِ ابْنُ الشَّاطِّ مَا نَصُّهُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ مَالِكًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إنَّمَا بَنَى عَلَى عُرْفِ زَمَانِهِ هُوَ الظَّاهِرُ وَمَا قَالَهُ مِنْ لُزُومِ تَغَيُّرِ الْفَتْوَى عِنْدَ تَغَيُّرِ الْعُرْفِ صَحِيحٌ اهـ مِنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(مَسْأَلَةٌ) قَالَ الْخَرَشِيُّ عِنْدَ قَوْلِ خَلِيلٍ فِي جَوَازِ التَّخْيِيرِ قَوْلَانِ أَيْ وَكَرَاهَتِهِ، وَهَذَا يَجْرِي فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ مَوْضِعَهُ الثَّلَاثُ.
وَأَمَّا كَوْنُهُ يُنَاكِرُ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا فَهَذَا شَيْءٌ آخَرُ وَلَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى كَرَاهَتِهِ مَعَ أَنَّ مَوْضِعَهُ الثَّلَاثُ نَظَرًا لِمَقْصُودِهِ إذْ هُوَ الْبَيْنُونَةُ الَّتِي قَدْ تَكُونُ بِوَاحِدَةٍ كَمَا فِي الْخُلْعِ وَالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَإِنْ كَانَتْ بِحَسَبِ مَا هُنَا إنَّمَا تَكُونُ بِالثَّلَاثِ وَيَنْبَغِي جَرْيُ الْخِلَافِ فِي التَّمْلِيكِ إذَا قُيِّدَ بِالثَّلَاثِ وَإِلَّا فَهُوَ مُبَاحٌ وَانْظُرْ التَّوْكِيلَ إذَا قُيِّدَ بِالثَّلَاثِ، وَالظَّاهِرُ الْكَرَاهَةُ قَطْعًا اهـ.
قَالَ الْعَدَوِيُّ عَلَيْهِ وَوَجْهُهُ إمَّا أَنَّ الْمُوَكِّلَ دَاخِلٌ عَلَى الثَّلَاثِ بِخِلَافِ الْمُخَيَّرِ، وَكَذَا الْمِلْكُ إذَا قُيِّدَ بِالثَّلَاثِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَخْيِيرِهَا أَوْ تَمْلِيكِهَا كَوْنُهَا تُوقِعُ الطَّلَاقَ؛ لِأَنَّ الشَّأْنَ أَنَّ النِّسَاءَ لَا يَرَيْنَ الْفِرَاقَ فَلِذَا كَانَ الرَّاجِحُ فِيهِمَا الْإِبَاحَةَ وَيُكْرَهُ فِي حَقِّهَا قَطْعًا وُقُوعُ الثَّلَاثِ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ، وَإِمَّا أَنَّ الْمُوَكِّلَ لَمَّا كَانَ لَهُ الْعَزْلُ فِي التَّوْكِيلِ صَارَ كَأَنَّهُ الْمُوقِعُ لِلثَّلَاثِ فَلِذَا كُرِهَ قَطْعًا بِخِلَافِ التَّمْلِيكِ فَإِنَّهَا الْمُوقِعَةُ لَهَا اهـ بِبَعْضِ تَصَرُّفٍ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ ضَمِّ الشَّهَادَتَيْنِ فِي الْأَقْوَالِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ عَدَمِ ضَمِّهَا فِي الْأَفْعَالِ]
الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ ضَمِّ الشَّهَادَةِ فِي الْأَقْوَالِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ عَدَمِ ضَمِّهَا فِي الْأَفْعَالِ)
عَلَى مَشْهُورِ مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَقَدْ قَالَ إذَا شَهِدَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ أَنَّهُ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ الدَّارَ وَأَنَّهُ دَخَلَ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا وَأَنَّهُ كَلَّمَهُ حَلَفَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ فَإِنْ نَكَلَ سُجِنَ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى مُتَعَلِّقٍ وَاحِدٍ، وَكَذَلِكَ إذَا اخْتَلَفَا فِي الْعِتْقِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ.
وَقَالَ إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا بِمَكَّةَ فِي رَمَضَانَ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا بِمِصْرَ فِي صَفَرٍ طَلُقَتْ، وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ مَسَافَةٌ يُمْكِنُ قَطْعُهَا فِي الْأَجَلِ الَّذِي بَيْنَ الشَّهَادَتَيْنِ وَتُضْبَطُ عِدَّتُهَا مِنْ يَوْمِ شَهَادَةِ الْأَخِيرِ اهـ.
قَالَ الْأَصْلُ وَيَنْبَغِي حَمْلُ كَلَامِهِ أَيْ ابْنِ يُونُسَ عَلَى الْعِدَّةِ فِي الْقَضَاءِ أَمَّا فِي الْحُكْمِ فَمَا تَعْتَقِدُهُ الزَّوْجَةُ تَارِيخُ الطَّلَاقِ اهـ. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالثَّلَاثِ قَبْلَ أَمْسِ وَالثَّانِي بِاثْنَتَيْنِ أَمْسِ وَالثَّالِثُ بِوَاحِدَةٍ الْيَوْمَ لَزِمَ الثَّلَاثُ؛ لِأَنَّ ضَمَّ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ يُوجِبُ اثْنَتَيْنِ قَبْلَ سَمَاعِ الثَّالِثِ، فَلَمَّا سَمِعَهُ الثَّالِثُ ضُمَّ لِلْبَاقِي مِنْ الْأَوَّلِ، وَكَذَلِكَ
(وَأَمَّا) السُّؤَالُ الثَّانِي فَقَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ إنَّ مَنْ مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَ هَلْ يُعَدُّ مَالِكًا أَوْ لَا قَوْلَانِ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ رَدِيئَةٌ جِدًّا وَأَنَّهَا لَا حَقِيقَةَ لَهَا فَلَا يَصِحُّ إيرَادُ النَّقْضِ بِهَا عَلَى الْحَدِّ؛ لِأَنَّا نَمْنَعُ الْحُكْمَ فِيهَا (وَأَمَّا) السُّؤَالُ الثَّالِثُ وَهُوَ مَالِكُ الِانْتِفَاعِ دُونَ الْمَنْفَعَةِ فَهُوَ يَرْجِعُ إلَى الْإِذْنِ وَالْإِبَاحَةِ كَمَا فِي الضِّيَافَةِ، فَتِلْكَ الْمَسَاكِنُ مَأْذُونٌ فِيهَا لِمَنْ قَامَ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
التَّصَرُّفُ وَالسُّلْطَانُ هُوَ التَّمَكُّنُ بِعَيْنِهِ، وَقَدْ بَيَّنَ هُوَ قَبْلَ هَذَا أَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِمْ لَا يَتَصَرَّفُونَ مَعَ أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ فَكَيْفَ يَقُولُ لَا بُدَّ فِي الْمِلْكِ مِنْ سُلْطَانِ التَّصَرُّفِ هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا بَلَعَ الطَّعَامَ كَيْفَ يَبْقَى سُلْطَانٌ بَعْدَ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ اسْتِبْعَادٌ لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ يَمْلِكُ، الْبَلْعِ وَهُوَ بَعِيدٌ كَمَا قَالَ، بَلْ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَمْلِكُ الطَّعَامَ بِالتَّنَاوُلِ حَتَّى إذَا تَنَاوَلَ لُقْمَةً لَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ انْتِزَاعُهَا مِنْ يَدِهِ فَإِنْ قَالَ ابْتَلَعَهَا فَقَدْ كَانَ سَبَقَ مِلْكُهُ لَهَا قَبْلَ الْبَلْعِ وَإِنْ لَمْ يَبْتَلِعْهَا وَنَبَذَهَا مِنْ يَدِهِ فَقَدْ عَادَتْ إلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا وَجَازَ لِغَيْرِهِ تَنَاوُلُهَا؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا لَمْ يُمَكِّنْهُ مِنْهَا إلَّا لِيَأْكُلَهَا، فَلَمَّا لَمْ يَأْكُلْهَا بَقِيَتْ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا وَإِنْ كَانَ تَنَاوَلَهَا عَادَتْ إلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَمَا قَالَ مِنْ إنَّهَا إبَاحَاتٌ لَا تَمْلِيكَاتٌ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، بَلْ الْإِبَاحَاتُ هِيَ التَّمْلِيكَاتُ أَوْ أَسْبَابٌ لِلتَّمْلِيكَاتِ.
قَالَ (وَأَمَّا السُّؤَالُ الثَّانِي فَقَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ إنَّ مَنْ مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَ هَلْ يُعَدُّ مَالِكًا أَوْ لَا قَوْلَانِ إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّا نَمْنَعُ الْحُكْمَ فِيهَا) قُلْت قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ (وَأَمَّا السُّؤَالُ الثَّالِثُ وَهُوَ مِلْكُ الِانْتِفَاعِ دُونَ الْمَنْفَعَةِ إلَى قَوْلِهِ لِمَنْ قَامَ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ) قُلْت وَإِذَا
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
لَوْ شَهِدَ الثَّانِي بِوَاحِدَةٍ وَالْأَخِيرُ بِاثْنَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ مَعَ الْأَوَّلِ طَلْقَتَانِ يَضُمُّ إلَيْهِمَا طَلْقَةً أُخْرَى، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ الْأَوَّلُ بِاثْنَتَيْنِ وَالثَّانِي بِثَلَاثٍ وَالْأَخِيرُ بِوَاحِدَةٍ هَذَا إذَا عُلِمَتْ التَّوَارِيخُ فَإِنْ جُهِلَتْ يُخْتَلَفُ فِي لُزُومِ الثَّلَاثِ أَوْ اثْنَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَيْهِمَا مِنْ بَابِ الطَّلَاقِ بِالشَّكِّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِطَلْقَةٍ وَالْآخَرُ بِاثْنَتَيْنِ لَمْ يُحْكَمْ بِشَيْءٍ لِعَدَمِ حُصُولِ النِّصَابِ فِي شَهَادَةٍ مِنْهُمَا فَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِبَائِنَةٍ وَالْآخَرُ بِرَجْعِيَّةٍ ضُمَّتْ الشَّهَادَتَانِ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ هَا هُنَا إنَّمَا هُوَ فِي الصِّفَةِ قَالَ الْأَصْلُ وَاعْتَمَدَ الْأَصْحَابُ فِي الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ بَيْنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ عَلَى أَنَّ الْأَقْوَالَ يُمْكِنُ تَكَرُّرُهَا وَيَكُونُ الثَّانِي خَبَرًا عَنْ الْأَوَّلِ وَالْأَفْعَالَ لَا يُمْكِنُ تَكَرُّرُهَا إلَّا مَعَ التَّعَدُّدِ وَقَاعِدَةُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْإِنْشَاءُ وَتَجْدِيدَ الْمَعَانِي بِتَجَدُّدِ الِاسْتِعْمَالَاتِ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودُ الْوَضْعِ حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى التَّأْكِيدِ وَإِنْ كَانَتْ مُقْتَضَى عَدَمِ ضَمِّ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ لِعَدَمِ وُجُودِ نِصَابِ الشَّهَادَةِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا أَنَّهُ قَدْ عَارَضَ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ قَاعِدَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ أَصْلَ قَوْلِنَا أَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتَ حُرٌّ الْخَبَرُ عَنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ قَبْلَ زَمَنِ النُّطْقِ، وَكَذَلِكَ بِعْت وَاشْتَرَيْت وَسَائِرُ صِيَغِ الْعُقُودِ فَإِذَا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى الَّذِي فِي شَهَادَةِ الشَّاهِدِ الْأَوَّلِ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِنْشَاءِ لَا عَلَى الْخَبَرِ ضَرُورَةَ الْقَضَاءِ فِيهِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَلَوْ كَانَ الْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْخَبَرَ دُونَ الْإِنْشَاءِ أَوْ أَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ لَمْ يُقْضَ بِطَلَاقٍ وَلَا بِعَتَاقٍ أَلْبَتَّةَ كَمَا نَفْعَلُهُ فِي جَمِيعِ الْأَلْفَاظِ الْمُتَرَدِّدَةِ كَانَ الْقَوْلُ الثَّانِي فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ الَّذِي فِي شَهَادَةِ الشَّاهِدِ الْآخَرِ صَالِحًا لِلْإِخْبَارِ وَالْإِنْشَاءِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْصَرِفُ عَنْ أَصْلِهِ الَّذِي هُوَ الْخَبَرُ إلَى إنْشَاءِ هَذِهِ الْمَعَانِي وَاسْتِحْدَاثِهَا بِالْقَرَائِنِ أَوْ النَّقْلِ الْعُرْفِيِّ، وَشَهَادَتُهُمَا بِالْقَرَائِنِ شَهَادَةٌ بِقَوْلٍ يَصْلُحُ لَهُمَا فَيُحْمَلُ عَلَى الْإِخْبَارِ عَمَلًا بِقَاعِدَةِ تَرْجِيحِ الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ الْخَبَرُ وَالْحَمْلُ عَلَى الْأَصْلِ أَوْلَى وَلِذَلِكَ شَبَّهَهُ الْأَصْحَابُ بِمَا لَوْ أَقَرَّ بِمَالٍ فِي مَجَالِسَ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَدَّدُ عَلَيْهِ مَا أَقَرَّ بِهِ أَيْ لِاحْتِمَالِ تَكَرُّرِ الْإِقْرَارِ بِمَالٍ وَاحِدٍ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْ الزَّائِدِ.
وَكَذَلِكَ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ قَوْلِهِ عَبْدِي فُلَانٍ حُرٌّ، ثُمَّ كَرَّرَ ذَلِكَ الْقَوْلَ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الثَّانِيَ خَبَرٌ عَنْ الْأَوَّلِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ الْخَبَرُ، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ الشَّاهِدَانِ شَهِدَا عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ وَهُوَ إنْشَاءُ الْعِتْقِ فِي الْعَبْدِ الَّذِي سُمِّيَ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَلَمَّا كَانَ لَفْظُ الْإِنْشَاءِ وَلَفْظُ الْخَبَرِ صُورَتُهُمَا وَاحِدَةٌ شُرِّعَ ضَمُّ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ فَيَجْتَمِعُ نِصَابُ الشَّهَادَةِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ فَيَلْزَمُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ.
وَأَمَّا الْفِعْلُ الثَّانِي فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَيْنَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَنْهُ فَإِنَّ الْخَبَرَ مِنْ خَصَائِصِ الْأَقْوَالِ فَصَارَ مَشْهُودًا بِهِ غَيْرَ الْأَوَّلِ فَيَحْتَاجُ إلَى نِصَابٍ كَامِلٍ فِي نَفْسِهِ هَذَا هُوَ سِرُّ الْفَرْقِ نَعَمْ لَوْ فَرَضْنَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ صَمَّمَ عَلَى الْإِنْشَاءِ فِيمَا سَمِعَهُ كَانَتْ الْأَقْوَالُ كَالْأَفْعَالِ فِي مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَمُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ اهـ كَلَامُ الْأَصْلِ بِتَهْذِيبٍ وَتَعَقَّبَهُ الْإِمَامُ ابْنُ الشَّاطِّ بِوُجُوهٍ (الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) أَنَّ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ أَصْلَ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتَ حُرٌّ الْخَبَرُ عَنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ قَبْلَ زَمَانِ النُّطْقِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الْخَبَرَ بِاسْمِ الْفَاعِلِ الْمُطَلِّقِ لَا يَكُونُ إلَّا لِلْحَالِ اهـ بِلَفْظِهِ وَفِيهِ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ اتِّفَاقًا فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ لِقَوْلِ الْعَلَّامَةِ الْخَفَاجِيِّ فِي طِرَازِ الْمَجَالِسِ ذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ أَيْ لِاسْمِ الْفَاعِلِ عَلَى زَمَانٍ أَصْلًا وَآخَرُونَ
إلَّا أَنَّهَا فِيهَا مِلْكٌ لِغَيْرِ الْوَاقِفِ بِخِلَافِ مَا يُطْلَقُ مِنْ الْجَامَكِيَّاتِ فَإِنَّ الْمَالِكَ فِيهَا يَحْصُلُ لِمَنْ حَصَلَ لَهُ شَرْطُ الْوَاقِفِ فَلَا جَرَمَ صَحَّ أَخْذُ الْعَرْضِ بِهَا أَوْ عَنْهَا (فَإِنْ، قُلْت) إذَا اتَّضَحَ حَدُّ الْمِلْك فَهَلْ هُوَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ أَوْ مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ الَّذِي هُوَ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ (قُلْت) الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ مِنْ أَحَدِ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ وَهُوَ إبَاحَةٌ خَاصَّةً فِي تَصَرُّفَاتٍ خَاصَّةٍ، وَأَخْذُ الْعِوَضِ عَنْ ذَلِكَ الْمَمْلُوكِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
كَانَتْ مَأْذُونًا فِيهَا فَمَنْ أَذِنَ فَتَمَكَّنَ مِنْ الِانْتِفَاعِ فَهُوَ مَالِكٌ لِلِانْتِفَاعِ قَالَ (لَا أَنَّهَا فِيهَا مِلْكٌ لِغَيْرِ الْوَاقِفِ) قُلْت أَمَّا الِانْتِفَاعُ فَفِيهِ الْمِلْكُ لِغَيْرِ الْوَاقِف وَهُوَ مَنْ تَوَفَّرَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْوَقْفِ، وَأَمَّا عَيْنُ الْمَوْقُوفِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا مَالِكَ عَلَيْهِ لَا لِلْوَاقِفِ وَلَا لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ أَحَدٌ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِتِلْكَ الْعَيْنِ وَلَا مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهَا وَلَا مِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ عَنْهَا وَإِذْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَلَا مِلْكَ إذْ لَا مَعْنَى لِلْمِلْكِ إلَّا التَّمَكُّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَمِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ أَوْ مِنْ الِانْتِفَاعِ خَاصَّةً.
قَالَ (بِخِلَافِ مَا يُطْلَقُ مِنْ الْجَامَكِيَّاتِ إلَى قَوْلِهِ صَحَّ أَخْذُ الْعِوَضِ بِهَا أَوْ عَنْهَا) قُلْت إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْوَقْفِ إنْ كَانَ سُكْنَى الْمَوْضِعِ الْمَوْقُوفِ فَلَا يَتَعَدَّى الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ السُّكْنَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَوَّغْ لَهُ غَيْرُهُ وَإِنْ كَانَ الِاسْتِغْلَالُ فَالْعِلَّةُ مُسَوَّغَةٌ بِعَيْنِهَا فَيَصِحُّ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهَا.
قَالَ (فَإِنْ، قُلْت إذَا اتَّضَحَ حَدُّ الْمِلْكِ فَهَلْ هُوَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ أَوْ مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ الَّذِي هُوَ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ إلَى قَوْلِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّهُ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ وَهُوَ بَعِيدٌ) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
إلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ وَالْمَاضِي مَجَازٌ فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَآخَرُونَ إلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ وَالْمُسْتَقْبَلِ وَقَوْمٌ إلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ فَقَطْ وَهُوَ الْمَشْهُورُ.
ثُمَّ إنَّهُ هَلْ هُوَ كَذَلِكَ مُطْلَقًا أَمْ إذَا رُكِّبَ مَعَ غَيْرِهِ أَمْ إذَا كَانَ مَحْمُولًا ذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّهُ كَذَلِكَ إذَا عَمِلَ النَّصْبَ فَقَطْ، وَآخَرُونَ فَرَّقُوا بَيْنَ الْأَعْرَاضِ السَّيَّالَةِ وَالْقَارَّةِ وَفَرَّقَ قَوْمٌ بَيْنَ صِفَاتِ اللَّهِ وَغَيْرِهَا اهـ كَمَا فِي حَاشِيَةِ كَنُونٍ عَلَى عبق قَالَ وَعَلَى قَوْلِهِ أَمْ إذَا كَانَ مَحْمُولًا يَأْتِي مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْخَطِيبِ فِي الْإِحَالَةِ وَالسُّودَانِيُّ فِي نَيْلِ الِابْتِهَاجِ وَالْمُقْرِي فِي نَفْحِ الطِّيبِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْمُقْرِي قَالَ شَهِدْت مَجْلِسًا بَيْنَ يَدَيْ السُّلْطَانِ ابْنِ تَاشِفِينَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُوسَى بْنِ حَمُّو سُلْطَانِ تِلِمْسَانَ الَّذِي اسْتَوْلَى عَلَى مِلْكِهِ أَبُو الْحَسَنِ الْمَرِينِيُّ بَعْدَ قَتْلِهِ قَرَأَ عَلَى أَبِي زَيْدٍ ابْنِ الْإِمَامِ حَدِيثَ مُسْلِمٍ «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ» إلَخْ فَقَالَ لَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقُ بْنُ حَكَمٍ السَّلْوَى هَذَا الْمُلَقَّنُ مُحْتَضَرٌ حَقِيقَةً مَيِّتٌ مَجَازًا فَمَا وَجْهُ تَرْكِ مُحْتَضَرِيكُمْ إلَى مَوْتَاكُمْ وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ فَأَجَابَهُ أَبُو زَيْدٍ بِجَوَابٍ لَمْ يُقْنِعْهُ وَكُنْت قَرَأْت عَلَى الْأُسْتَاذِ بَعْضَ التَّنْقِيحِ فَقُلْت زَعَمَ الْقَرَافِيُّ أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ حَقِيقَةً فِي الْحَالِ مَجَازًا فِي الِاسْتِقْبَالِ مُخْتَلَفًا فِيهِ فِي الْمَاضِي إذَا كَانَ مَحْكُومًا بِهِ أَمَّا إذَا كَانَ مُتَعَلِّقَ الْحُكْمِ كَمَا هُنَا فَهُوَ حَقِيقَةٌ مُطْلَقًا إجْمَاعًا وَعَلَى هَذَا لَا مَجَازَ فَلَا سُؤَالَ لَا يُقَالُ إنَّهُ احْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِمَا فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّهُ نُقِلَ الْإِجْمَاعُ وَهُوَ أَحَدُ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي لَا يُطَالَبُ مُدَّعِيهَا بِالدَّلِيلِ كَمَا ذَكَرَهُ أَيْضًا، بَلْ نَقُولُ إنَّهُ أَسَاءَ حَيْثُ احْتَجَّ فِي مَوْضِعِ الْوِفَاقِ كَمَا أَسَاءَ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى وُجُوبِ الطَّهَارَةِ وَنَحْوِهَا، بَلْ هَذَا أَشْنَعُ لِكَوْنِهِ مِمَّا عُلِمَ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ.
ثُمَّ إنَّا لَوْ سَلَّمْنَا نَفْيَ الْإِجْمَاعِ فَلَنَا أَنْ نَقُولَ إنَّ ذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى ظُهُورِ الْعَلَامَاتِ الَّتِي يَعْقُبُهَا الْمَوْتُ عَادَةً؛ لِأَنَّ تَلْقِينَهُ قَبْلَ ذَلِكَ إنْ لَمْ يُدْهِشْ فَهُوَ يُوحِشُ فَهُوَ تَنْبِيهٌ عَلَى وَقْتِ التَّلْقِينِ أَيْ لَقِّنُوا مَنْ تَحْكُمُونَ بِأَنَّهُ مَيِّتٌ أَوْ نَقُولَ إنَّمَا عَدَلَ عَنْ الِاحْتِضَارِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِبْهَامِ أَلَا تَرَى إلَى اخْتِلَافِهِمْ فِيهِ هَلْ أُخِذَ مِنْ حُضُورِ الْمَلَائِكَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ حَالَةٌ خَفِيَّةٌ نَحْتَاجُ فِي نَصْبِهَا دَلِيلَ الْحُكْمِ إلَى وَصْفٍ ظَاهِرٍ يَضْبِطُهَا وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوْ مِنْ حُضُورِ الْمَوْتِ وَهُوَ أَيْضًا مِمَّا لَا يُعْرَفُ بِنَفْسِهِ، بَلْ بِالْعَلَامَاتِ، فَلَمَّا وَجَبَ اعْتِبَارُهَا وَجَبَ كَوْنُ تِلْكَ التَّسْمِيَةِ إشَارَةً إلَيْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ.
وَذَكَرَ هَذِهِ الْحِكَايَةَ أَيْضًا فِي نَوَازِلِ الْجَنَائِزِ مِنْ الْمِعْيَارِ وَزَادَ مَا نَصُّهُ: وَقَالَ سَيِّدِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مق لَعَلَّهُ مِنْ الْإِيمَاءِ إلَى عِلَّةِ الْحُكْمِ وَالْإِشَارَةِ إلَى وَقْتِ نَفْعِ تِلْكَ الْكَلِمَةِ النَّفْعَ التَّامَّ وَهُوَ الْمَوْتُ عَلَيْهَا لَا حَالَ الْحَيَاةِ مِنْ احْتِضَارٍ أَوْ غَيْرِهِ أَيْ لَقِّنُوهُمْ إيَّاهَا لِيَمُوتُوا عَلَيْهَا وَتَنْفَعُ، وَمِثْلُهُ وَلَا تَمُوتُونَ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ أَيْ دُومُوا عَلَيْهِ لِتَمُوتُوا عَلَيْهِ فَيَتِمَّ نَفْعُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ.
انْتَهَى كَلَامُ كنون بِلَفْظِهِ وَإِنْ أَرَادَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَرَدَ أَنَّ الْمُرَادَ حَالُ التَّلَبُّسِ لَا حَالُ النُّطْقِ كَمَا زَعَمَ الْقَرَافِيُّ فَفِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى اشْتِرَاطِ بَقَاءِ الْمُشْتَقِّ مِنْهُ فِي كَوْنِ الْمُشْتَقِّ حَقِيقَةً إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَآخِرُ جُزْءٍ وَثَالِثُهَا الْوَقْفُ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ اسْمُ الْفَاعِلِ حَقِيقَةً فِي الْحَالِ أَيْ حَالِ التَّلَبُّسِ لَا النُّطْقِ خِلَافًا لِلْقَرَافِيِّ اهـ. كَمَا فِي حَاشِيَةِ كنون عَلَى عبق وَلَا شَكَّ أَنَّ حَالَ تَلَبُّسِهَا بِالطَّلَاقِ وَالْحُرِّيَّةِ هُوَ الزَّمَنُ الْمَاضِي الَّذِي أَنْشَأَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ فِيهِ فَتَأَمَّلْ بِإِنْصَافٍ.
(الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا الْحَامِلُ عَلَى تَكَلُّفِ تَقْدِيرِهِ كَوْنَ الْقَوْلِ الثَّانِي خَبَرًا عَنْ الْأَوَّلِ مَعَ أَنَّهُ لَوْ بَيَّنَ بِقَرِينَةِ حَالِهِ أَنَّهُ يُرِيدُ بِالْقَوْلِ الثَّانِي تَأْكِيدَ الْإِنْشَاءِ لِعِتْقِ ذَلِكَ الْعَبْدِ لَكَمُلَتْ شَهَادَةُ الشَّاهِدَيْنِ بِذَلِكَ الْعِتْقِ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَبَيَّنَ بِالْقَرَائِنِ أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ خَبَرٌ عَنْ أَنَّهُ كَانَ
عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ كَمَا تَقَرَّرَتْ قَوَاعِدُ الْمُعَاوَضَاتِ فِي الشَّرِيعَةِ وَشُرُوطِهَا وَأَرْكَانِهَا وَخُصُوصِيَّاتُ هَذِهِ الْإِبَاحَةِ هِيَ الْمُوجِبَةُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْمَالِكِ وَغَيْرِهِ مِنْ جَمِيعِ الْحَقَائِقِ وَلِذَلِكَ قُلْنَا إنَّهُ مَعْنًى شَرْعِيٌّ مُقَدَّرٌ يُرِيدُ أَنَّهُ مُتَعَلِّقُ الْإِبَاحَةِ.
وَالتَّعْلِيقُ عَدَمِيٌّ مِنْ بَابِ النِّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ الَّتِي لَا وُجُودَ لَهَا فِي الْأَعْيَانِ، بَلْ فِي الْأَذْهَانِ فَهِيَ أَمْرٌ يَفْرِضُهُ الْعَقْلُ كَسَائِرِ النِّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ كَالْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ وَالتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ لَنَا أَنْ نُغَيِّرَ عِبَارَةَ الْحَدِّ فَنَقُولَ إنَّ الْمِلْكَ إبَاحَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِي عَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ تَقْتَضِي تَمَكُّنَ صَاحِبِهَا مِنْ الِانْتِفَاعِ بِتِلْكَ الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ أَوْ أَخْذَ الْعِوَضِ عَنْهُمَا مِنْ حَيْثُ هِيَ كَذَلِكَ وَيَسْتَقِيمُ الْحَدُّ بِهَذَا اللَّفْظِ أَيْضًا وَيَكُونُ الْمِلْكُ مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ؛ لِأَنَّ الِاصْطِلَاحَ أَنَّ خِطَابَ التَّكْلِيفِ هُوَ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ الْمَشْهُورَةُ وَخِطَابُ الْوَضْعِ هُوَ نَصْبُ الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ وَالْمَوَانِعِ وَالتَّقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْهَا، بَلْ هُوَ إبَاحَةٌ خَاصَّةٌ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّهُ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ وَهُوَ بَعِيدٌ (فَإِنْ قُلْت) الْمِلْكُ سَبَبُ الِانْتِفَاعِ، فَيَكُونُ سَبَبًا، فَيَكُونُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
إنَّهُ إبَاحَةٌ لَيْسَ عِنْدِي بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الْإِبَاحَةَ هِيَ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَالْحُكْمُ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ خِطَابُ اللَّهِ تَعَالَى وَخِطَابُهُ كَلَامُهُ فَكَيْفَ يَكُونُ الْمِلْكُ الَّذِي هُوَ صِفَةٌ لِلْمَالِكِ عَلَى مَا ارْتَضَيْته أَوْ صِفَةٌ لِلْمَمْلُوكِ عَلَى مَا ارْتَضَاهُ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى هَذَا مَا لَا يَصِحُّ بِوَجْهٍ أَصْلًا فَالصَّحِيحُ أَنَّ مُسَبِّبَ الْإِبَاحَةِ هُوَ التَّمَكُّنُ وَالْإِبَاحَةُ هِيَ التَّمْكِينُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ (فَإِنْ، قُلْت الْمِلْكُ سَبَبُ الِانْتِفَاعِ إلَى
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
عَقْدَ عِتْقِهِ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَيْضًا كَذَلِكَ لَحَصَلَتْ شَهَادَةُ شَاهِدَيْنِ عَلَى إقْرَارِهِ بِعِتْقِهِ فَلَا فَرْقَ إذًا بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْقَوْلَانِ إنْشَاءً أَوْ كَانَا خَبَرًا أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا خَبَرًا وَالْآخَرُ إنْشَاءً مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ وُقُوعُ عِتْقِهِ إيَّاهُ قَدْ حَصَلَ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ مِنْ تِلْكَ التَّقَادِيرِ نَعَمْ إذَا تَبَيَّنَ بِالْقَرَائِنِ أَوْ احْتَمَلَ أَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ تَأْسِيسُ إنْشَاءٍ كَالْأَوَّلِ فَهَا هُنَا لَا يَصِحُّ ضَمُّ الشَّهَادَتَيْنِ الْمُخْتَلِفَتَيْ التَّارِيخِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ عَلَى عَقْدِ الْعِتْقِ إلَّا شَاهِدٌ وَهُوَ الْأَوَّلُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنَّمَا شَهِدَ بِمَا لَا يَصِحُّ عَقْدُ الْعِتْقِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَنْعَقِدُ فِيمَنْ تَقَدَّمَ عِتْقُهُ اهـ.
وَفِيهِ أَنَّ قَوْلَهُ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا خَبَرًا وَالْآخَرُ إنْشَاءً يَصْدُقُ بِمَا إذَا كَانَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ خَبَرًا عَنْ أَنَّهُ كَانَ عَقْدَ عِتْقِهِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي إنْشَاءً لِعِتْقِ ذَلِكَ الْعَبْدِ كَمَا يَصْدُقُ بِالْعَكْسِ مَعَ أَنَّ كَمَالَ نِصَابِ الشَّهَادَةِ إنَّمَا يَظْهَرُ عَلَى صِدْقِهِ عَلَى الثَّانِي أَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَلَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ الثَّانِي عَلَيْهِ تَأْسِيسَ إنْشَاءٍ فَتَكُونُ الشَّهَادَةُ بِهِ شَهَادَةً بِمَا لَا يَصِحُّ عَقْدُ الْعِتْقِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ إلَخْ نَعَمْ لَوْ قَامَتْ قَرِينَةُ مَقَالِهِ أَوْ حَالِهِ عَلَى أَنَّهُ يُرِيدُ بِالْقَوْلِ الثَّانِي تَأْكِيدَ الْإِنْشَاءِ لِعِتْقِ ذَلِكَ الْعَبْدِ الَّذِي شَهِدَ الشَّاهِدُ الْأَوَّلُ بِإِقْرَارِهِ بِهِ لَكَمُلَتْ شَهَادَةُ الشَّاهِدَيْنِ بِذَلِكَ الْعِتْقِ عَلَى الْأَوَّلِ وَلَك أَنْ تَقُولَ إنَّ قَوْلَهُ نَعَمْ إنْ تَبَيَّنَ بِالْقَرَائِنِ أَوْ احْتَمَلَ أَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ تَأْسِيسُ إلَخْ يَشْمَلُ احْتِمَالَ التَّأْسِيسِ عَلَى هَذَا الْأَوَّلِ أَيْضًا فَتَأَمَّلْ بِإِمْعَانٍ وَإِنْصَافٍ
(الْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّ مَا بُنِيَ عَلَيْهِ الْفَرْقُ مِنْ كَوْنِ الْقَوْلِ الثَّانِي خَبَرًا عَنْ الْأَوَّلِ لَا أَحْسَبُهُ صَحِيحًا، بَلْ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَصْلًا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ سَوَاءٌ كَانَتْ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا أَمْ كَيْفَمَا كَانَ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا فَإِنْ قَبِلَتْ الضَّمَّ ضُمَّتْ وَإِلَّا فَلَا فَبَقِيَ الْقَوْلُ كَمَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ بِمَالٍ كَمَنْ يَقُولُ فِي رَمَضَانَ لِفُلَانٍ عِنْدِي دِينَارٌ فَسَمِعَهُ شَاهِدٌ، ثُمَّ يَقُولُ فِي شَوَّالٍ لِفُلَانٍ عِنْدِي دِينَارٌ فَسَمِعَهُ آخَرُ فَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْمَوْضِعَ يَقْبَلُ الضَّمَّ فَتَكْمُلُ الشَّهَادَةُ وَيُقْضَى عَلَيْهِ بِالدِّينَارِ وَفِي الْفِعْلِ كَمَنْ يَشْرَبُ الْخَمْرَ فِي شَوَّالٍ فَيُشَاهِدُهُ شَاهِدٌ، ثُمَّ يَشْرَبُهَا فِي ذِي الْقَعْدَةِ فَيُشَاهِدُهُ آخَرُ فَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْمَوْضِعَ يَقْبَلُ الضَّمَّ فَإِنَّ الشَّاهِدَيْنِ مَعًا قَدْ اجْتَمَعَا عَلَى مُشَاهَدَتِهِمَا إيَّاهُ يَشْرَبُ الْخَمْرَ فَتُمْكِنُ الشَّهَادَةُ فَيَلْزَمُهُ الْحَدُّ.
وَأَمَّا الْقَوْلُ الَّذِي لَا يَقْبَلُ الضَّمَّ فَكَمَا إذَا قَالَ فِي رَمَضَانَ عَبْدِي فُلَانٌ حُرٌّ عَلَى قَصْدِ تَأْسِيسِ الْإِنْشَاءِ لِعَقْدِهِ فَشَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ شَاهِدٌ، ثُمَّ قَالَ فِي شَوَّالٍ عَبْدِي فُلَانٌ حُرٌّ عَلَى ذَلِكَ الْقَصْدِ بِعَيْنِهِ فَيَشْهَدُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ شَاهِدٌ آخَرُ وَتَعَذَّرَ قَبُولُ الضَّمِّ هُنَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ عَقْدَ الْعِتْقِ لَا يَتَعَدَّدُ، وَأَمَّا الْفِعْلُ الَّذِي لَا يَقْبَلُ الضَّمَّ فَكَمَا إذَا شَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّهُ شَاهَدَ زَيْدًا قَتَلَ عَمْرًا فِي شَوَّالٍ وَشَهِدَ شَاهِدٌ آخَرُ أَنَّهُ شَاهَدَ قَتْلَهُ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَتَعَذَّرَ قَبُولُ الضَّمِّ هُنَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْقَتْلَ لَا يَتَعَدَّدُ
(الْوَجْهُ الرَّابِعُ) أَنَّ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي نَقَلَهَا عَنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ أَنَّهُ إذَا شَهِدَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا بِمَكَّةَ فِي رَمَضَانَ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا بِمِصْرَ فِي صَفَرٍ طَلُقَتْ تُشْكِلُ عَلَى مَا تَقَرَّرَ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُدَّةَ الَّتِي بَيْنَ رَمَضَانَ وَصَفَرٍ أَكْثَرُ مِنْ مُدَّةِ الْعِدَّةِ فَعَلَى تَقْدِيرِ قَصْدِهِ تَأْسِيسَ الْإِنْشَاءِ، فَالْقَوْلُ الثَّانِي لَا يَنْعَقِدُ بِهِ طَلَاقٌ؛ لِأَنَّهَا قَدْ انْحَلَّتْ عِصْمَتُهُ عَنْهَا قَبْلَ هَذَا التَّارِيخِ بِمُقْتَضَى شَهَادَةِ الْأَوَّلِ وَعَلَى تَقْدِيرِ قَصْدِ الْخَبَرِ فَالْقَوْلُ الثَّانِي يُبْعِدُ اطِّلَاعَ الشَّاهِدِ عَلَى هَذَا الْقَصْدِ لِاحْتِمَالِ الْقَوْلِ الثَّانِي قَصْدَ تَأْسِيسِ الْإِنْشَاءِ وَقَصْدَ تَأْكِيدِهِ وَقَصْدَ الْخَبَرِ وَتَرْجِيحُ قَصْدِ الْخَبَرِ بِأَنَّهُ الْأَصْلُ