الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَضَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ الْبُرْهَانِ وَالْغَزَالِيِّ فِي الْبَسِيطِ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَضَعَ لَفْظًا لِمَعْنًى أَلْبَتَّةَ، بَلْ ذَلِكَ مَوْكُولٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَضَعَ لَفْظَ السَّقْيِ أَوْ الْأَكْلِ أَوْ غَيْرَهُمَا لِلطَّلَاقِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصْدُقَ أَلْفًا وَيُعَبِّرَ عَنْهُ بِأَلْفَيْنِ لِلتَّجَمُّلِ بَيْنَ النَّاسِ كَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الْغَزَالِيُّ فِي مَسْأَلَةِ الصَّدَاقِ فِي كِتَابِهِ الْبَسِيطِ قَالَ.
وَإِنْ فَرَّعْنَا عَلَى أَنَّ اللُّغَاتِ اصْطِلَاحِيَّةٌ جَازَ جَمِيعُ ذَلِكَ وَلَمَّا كَانَ مَذْهَبُ الْمُحَقِّقِينَ عَدَمَ الْجَزْمِ بِالتَّوْقِيفِ وَالِاصْطِلَاحِ جَوَّزَ مَالِكٌ أَنْ يُعَبَّرَ بِلَفْظِ التَّسْبِيحِ أَوْ أَيِّ لَفْظٍ كَانَ عَنْ الطَّلَاقِ إمَّا وَضْعًا لِلطَّلَاقِ وَإِمَّا تَعْبِيرًا مِنْ غَيْرِ وَضْعٍ وَلَا يَكُونُ هَذَا التَّعْبِيرُ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا، وَقَدْ نَصَّ الْأُصُولِيُّونَ عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ فِي اسْتِعْمَالِهِ قَدْ يُعَرَّى عَنْ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَمَثَّلُوهُ بِالتَّعْبِيرِ عَنْ الْأَرْضِ بِالسَّمَاءِ وَبِالسَّمَاءِ عَنْ الْأَرْضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا أَطْلَقَ الْمُسْتَعْمِلُ لَفْظَ الْأَكْلِ وَأَرَادَ بِهِ الطَّلَاقَ وَغَايَتُهُ أَنْ يُقَالَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ كَلَامًا عَرَبِيًّا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (وَلَمَّا كَانَ مَذْهَبُ الْمُحَقِّقِينَ عَدَمَ الْجَزْمِ بِالتَّوْقِيفِ وَالِاصْطِلَاحِ جَوَّزَ مَالِكٌ أَنْ يُعَبَّرَ بِلَفْظِ التَّسْبِيحِ أَوْ أَيِّ لَفْظٍ كَانَ عَنْ الطَّلَاقِ إمَّا وَضْعًا لِلطَّلَاقِ وَإِمَّا تَعْبِيرًا مِنْ غَيْرِ وَضْعٍ) ، قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ كَوْنِ مَالِكٍ إنَّمَا جَوَّزَ التَّعْبِيرَ بِلَفْظِ التَّسْبِيحِ عَنْ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الْمُحَقِّقِينَ مَذْهَبُهُمْ عَدَمُ الْجَزْمِ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ لَيْسَ بِالْبَيِّنِ، بَلْ اللَّائِقُ بِتَحَرِّي مَالِكٍ وَاحْتِيَاطِهِ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ عَلَى تَقْدِيرِ بِنَائِهِ عَلَى عَدَمِ الْجَزْمِ أَنْ لَا يُجَوِّزَ التَّعْبِيرَ بِذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُتَوَقَّفَ، وَأَمَّا أَنْ يُجَوِّزَ بِنَاءَهُ عَلَى عَدَمِ الْجَزْمِ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ لَا أَرَاهُ صَحِيحًا.
وَالصَّحِيحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مَالِكًا وَإِنْ لَمْ يَجْزِمْ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ فَلَمْ يَقُمْ عِنْدَهُ دَلِيلٌ عَلَى الْمَنْعِ أَوْ جَزَمَ بِأَنَّهَا اصْطِلَاحِيَّةٌ أَوْ جَزَمَ بِأَنَّهَا تَوْقِيفِيَّةٌ لَكِنَّهُ لَمْ يَقُمْ عِنْدَهُ دَلِيلُ الْمَنْعِ مِنْ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَا وَضَعَهُ اللَّهُ إذْ لَيْسَ مَعْنَى كَوْنِهَا تَوْقِيفِيَّةً أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَنَعَ مِنْ وَضْعِنَا إيَّاهَا لِمَعْنًى غَيْرِ مَا لَهُ وَضْعُهَا وَلَا مِنْ اسْتِعْمَالِهَا فِي ذَلِكَ، بَلْ مَعْنَى كَوْنِهَا تَوْقِيفِيَّةً أَنَّ اللَّهَ وَضَعَ الْأَلْفَاظَ كُلَّهَا لِمَعَانِيهَا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ مَنَعَنَا مِنْ وَضْعِ كُلِّ لَفْظٍ مِنْهَا لِغَيْرِ مَا وَضَعَهُ لَهُ أَوْ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ أَوْ النَّقْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ (وَلَا يَكُونُ هَذَا التَّعْبِيرُ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا إلَى قَوْلِهِ وَهُوَ غَيْرُ مَوْضُوعٍ لِلطَّلَاقِ) ، قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَكَذَلِكَ مَا قَالَهُ بَعْدَهُ صَحِيحٌ أَيْضًا
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
يُؤَوَّلُ لِأَجْلِهِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ فَافْهَمْ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ قِيَافَتِهِ عليه السلام وَبَيْنَ قَاعِدَةِ قِيَافَةِ الْمُدْلِجِيِّينَ]
(الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ قِيَافَتِهِ عليه السلام وَبَيْنَ قَاعِدَةِ قِيَافَةِ الْمُدْلِجِينَ)
وَذَلِكَ أَنَّهُ جَاءَ فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي حَدِيثِ اللِّعَانِ الْمَشْهُورُ «لَمَّا لَاعَنَ بَيْنَ عُوَيْمِرٍ الْعَجْلَانِيِّ وَامْرَأَتِهِ وَكَانَتْ حَامِلًا إنْ جَاءَتْ بِهِ أَحْمَرَ قَصِيرًا كَأَنَّهُ وَحَرَةٌ فَلَا أَرَاهَا إلَّا قَدْ صَدَقَتْ وَكَذَبَ عَلَيْهَا وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَسْوَدَ أَعْيَنَ ذَا أَلْيَتَيْنِ فَلَا أَرَاهُ إلَّا قَدْ صَدَقَ عَلَيْهَا فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى الْمَكْرُوهِ مِنْ ذَلِكَ» وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ فِي الْبُخَارِيِّ «كَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مُصْفَرًّا قَلِيلَ اللَّحْمِ سَبْطَ الشَّعْرِ وَكَانَ الَّذِي ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ وَجَدَهُ عِنْدَ أَهْلِهِ خَدْلًا آدَمَ كَثِيرَ اللَّحْمِ جَعْدًا قَطَطًا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ بَيِّنْ فَجَاءَتْ بِهِ شَبِيهًا بِالرَّجُلِ الَّذِي ذَكَرَ زَوْجُهَا أَنَّهُ وَجَدَهُ عِنْدَهَا» وَالْوَحَرَةُ: بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ دُوَيْبَّةٌ حَمْرَاءُ تَلْصَقُ بِالْأَرْضِ. وَالْأَعْيَنُ: الْوَاسِعُ الْعَيْنَيْنِ: وَالْآدَمُ: الشَّدِيدُ الْأُدْمَةِ وَهِيَ سُمْرَةٌ بِحُمْرَةٍ.
وَالْخَدْلُ: الْكَثِيرُ اللَّحْمِ فِي السَّاقَيْنِ يُقَالُ رَجُلٌ خَدْلٌ وَامْرَأَةٌ خَدْلَاءُ. وَالْقَطَطُ الشَّدِيدُ: الْجُعُودَةِ كَشُعُورِ السُّودَانِ فَهَذَا الْحَدِيثُ كَالْحَدِيثِ الَّذِي جَاءَ فِي الصَّحِيحِ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ رضي الله عنها لَمَّا قَالَتْ أَوَ تَجِدُ الْمَرْأَةُ مَا يَجِدُ الرَّجُلُ يَعْنِي مِنْ إنْزَالِ الْمَنِيِّ وَاللَّذَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلْغُسْلِ فَقَالَ لَهَا عليه السلام تَرِبَتْ يَدَاك وَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ» يَقْتَضِي أَنَّ مَنِيَّ الْمَرْأَةِ وَمَنِيَّ الرَّجُلِ يُحْدِثُ شَبَهًا فِي الْوَلَدِ بِالْأَبَوَيْنِ فَيَأْتِي فِي الْخِلْقَةِ وَالْأَعْضَاءِ وَالْمَحَاسِنِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْأَنْسَابِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى عَلَى خِلْقَةٍ مَخْصُوصَةٍ أَنَّهَا تُوجِبُ أَنَّهُ مِنْ وَاطِئٍ مَخْصُوصٍ وَأَنَّهُ يُوجِبُ النَّسَبَ إنْ جَاءَتْ بِهِ يُشْبِهُ صَاحِبَ الْفِرَاشِ وَجَاءَ فِي مُسْلِمٍ أَنَّ «عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ مَسْرُورًا فَقَالَ يَا عَائِشَةُ أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا الْمُدْلِجِيَّ دَخَلَ عَلَيَّ فَرَأَى أُسَامَةَ وَزَيْدًا وَعَلَيْهِمَا قَطِيفَةٌ قَدْ غَطَّيَا رُءُوسَهُمَا وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا فَقَالَ إنَّ هَذِهِ الْأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ» وَسَبَبُ سُرُورِهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا قَالَ أَبُو دَاوُد وَهُوَ عِلْمُهُ بِذَلِكَ صلى الله عليه وسلم بِتَرْكِ الْجَاهِلِيَّةِ عِنْدَ ذَلِكَ الطَّعْنِ عَلَى زَيْدٍ بِسَبَبِ أَنَّهُ كَانَ شَدِيدَ الْبَيَاضِ وَابْنُهُ أُسَامَةُ كَانَ شَدِيدَ السَّوَادِ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يُسَرُّ إلَّا بِسَبَبٍ حَقٍّ فَتَكُونُ الْقِيَافَةُ حَقًّا فَالْقَافَةُ كَمَا تَثْبُتُ بِحَدِيثِ مُجَزِّزٍ الْمُدْلِجِيِّ كَذَلِكَ تَثْبُتُ بِحَدِيثِ اللِّعَانِ وَحَدِيثِ عَائِشَةَ بَلْ ثُبُوتُهَا بِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ أَوْلَى ضَرُورَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم -
لَيْسَ عَرَبِيًّا أَنْ لَا يَقَعَ بِهِ الطَّلَاقُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقًا بِالنَّصْبِ أَوْ الْخَفْضِ لَمْ يَكُنْ كَلَامًا عَرَبِيًّا وَمَعَ ذَلِكَ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا إذَا تَحَرَّرَ هَذَا ظَهَرَ أَنَّ اللَّفْظَ قَدْ يَكُونُ صَرِيحًا، وَقَدْ يَكُونُ كِنَايَةً، وَقَدْ يَعْرَى عَنْهُمَا إذَا فُقِدَتْ الْعَلَاقَةُ فِيهِ وَهُوَ غَيْرُ مَوْضُوعٍ لِلطَّلَاقِ، ثُمَّ الْكِنَايَةُ تَنْقَسِمُ إلَى مَا غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْعُرْفِ فِي الطَّلَاقِ فَيُلْحِقُهُ بِالصَّرِيحِ فِي اسْتِغْنَائِهِ عَنْ النِّيَّةِ قَالَ فِي الْكِتَابِ كَالْخَلِيَّةِ وَالْبَرِيَّةِ وَجُمْلَةِ مَا تَقَدَّمَ إلَى قَوْلِهِ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ لِقِيَامِ الْوَضْعِ الْعُرْفِيِّ مَقَامَ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ وَالنِّيَّةُ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا لِتَمْيِيزِ الْمُرَادِ مِنْ اللَّفْظِ عَنْ غَيْرِ الْمُرَادِ فِي اللَّفْظِ الْمُتَرَدِّدِ أَمَّا مَا هُوَ صَرِيحٌ بِوَضْعٍ لُغَوِيٍّ أَوْ عُرْفِيٍّ فَيَنْصَرِفُ بِصَرَاحَتِهِ لِمَا وُضِعَ لَهُ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى نِيَّةٍ وَمَا لَمْ يَغْلِبْ اسْتِعْمَالُهُ مِنْ الْكِنَايَاتِ فَهُوَ مَجَازٌ عَلَى أَصْلِهِ وَالْمَجَازُ يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ النَّاقِلَةِ عَنْ الْحَقِيقَةِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ وَلَمْ يَنْسَخْهَا عُرْفٌ.
وَاللَّفْظُ يَنْصَرِفُ إلَيْهَا بِصَرَاحَةٍ، ثُمَّ الْمَنْقُولُ مِنْ الْكِنَايَاتِ قَدْ يَنْتَقِلُ لِأَصْلِ الطَّلَاقِ فَقَطْ فَيَصِيرُ فِي الْوَضْعِ الْعُرْفِيِّ مِثْلَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي اللُّغَةِ فَيَلْزَمُ بِهَذِهِ الْكِنَايَةِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَقَدْ يَنْتَقِلُ لِأَصْلِ الطَّلَاقِ مَعَ الْبَيْنُونَةِ مِنْ غَيْرِ عَدَدٍ فَيَلْزَمُ بِهِ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ؛ لِأَنَّهَا مُسَمَّاهُ الْعُرْفِيُّ، وَقَدْ يَنْتَقِلُ لِلطَّلَاقِ وَالْبَيْنُونَةِ مَعَ وَصْفِ الْعَدَدِ الثَّلَاثِ وَيَصِيرُ النُّطْقُ بِذَلِكَ اللَّفْظِ عُرْفًا كَالنُّطْقِ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لُغَةً، ثُمَّ إنَّهُ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ الثَّلَاثِ غَالِبًا وَفِي الثَّلَاثِ نَادِرًا فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقْصِدُ الِاحْتِيَاطَ فَيُحْمَلُ عَلَى الثَّلَاثِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَحْمِلْهُ عَلَى الْغَالِبِ فَيَلْزَمُ بِهِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَحَيْثُ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الصِّيَغِ فَلِاخْتِلَافِهِمْ فِي الضَّوَابِطِ هَلْ وُجِدَتْ أَمْ لَا وَإِلَّا فَكُلُّ مَنْ سَلَّمَ ضَابِطًا سُلِّمَ حُكْمُهُ وَيَكُونُ الْمَذْهَبُ الْحَقُّ مَنْ صَادَفَ الضَّابِطَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَالضَّعِيفُ الْفِقْهِ مَنْ تَوَهَّمَ وُجُودَهُ أَوْ عَدَمَهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَعَلَى الْفَقِيهِ اسْتِيفَاءُ النَّظَرِ فِي ذَلِكَ وَمِنْ ذَلِكَ اخْتِلَافُهُمْ فِي مَسْأَلَةِ الْحَرَامِ فَمِنْ قَائِلٍ لَمْ يَحْصُلْ فِيهَا نَقْلٌ أَلْبَتَّةَ فَهِيَ كَذِبٌ فَلَا يَلْزَمُ بِهَا شَيْءٌ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَمِنْ قَائِلٍ يَقُولُ حَصَلَ فِيهَا النَّقْلُ وَلَكِنَّ الْأَصْلَ الطَّلَاقُ فَيَلْزَمُ بِهَا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ وَمِنْ قَائِلٍ يَقُولُ حَصَلَ فِيهَا النَّقْلُ لِلطَّلَاقِ الثَّلَاثِ وَعَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ تَتَخَرَّجُ جَمِيعُ الصِّيَغِ هَذَا تَلْخِيصُ مَا عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ
(تَنْبِيهٌ) الطَّلَاقُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ
(تَنْبِيهٌ الطَّلَاقُ لِإِزَالَةِ مُطْلَقِ الْقَيْدِ كَمَا تَقَدَّمَ إلَى قَوْلِهِ؛ وَلِأَنَّا عِنْدَ سَمَاعِ طَالِقٍ لَا نَفْهَمُ انْتِفَاءَ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ قَدْ صَرَّحَ بِالْقِيَافَةِ وَصَدَرَتْ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم قَوْلًا وَفِعْلًا وَفِي حَدِيثِ الْمُدْلِجِيِّ إنَّمَا صَدَرَ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم الْإِقْرَارُ عَلَى مَا قَالَهُ الْمُدْلِجِيُّ وَأَيْنَ إقْرَارُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى قَوْلِ رَجُلٍ مِنْ آحَادِ النَّاسِ مُعَرَّضٍ لِلصَّوَابِ وَالْخَطَأِ مِمَّا فَعَلَهُ هُوَ بِنَفْسِهِ وَتَكَرَّرَ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مَعْصُومٌ مِنْ الْخَطَأِ وَمَعَ هَذَا فَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رضي الله عنهما لَمَّا قَالَا بِالْقَافَةِ فِي لُحُوقِ الْأَنْسَابِ وَخَصَّصَهُ مَالِكٌ فِي مَشْهُورِ مَذْهَبِهِ بِالْإِمَاءِ دُونَ الْحَرَائِرِ مُخَالِفَيْنِ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه لَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَى الْقَافَةِ أَصْلًا فِي صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ لِأَنَّهُ حَزْرٌ وَتَخْمِينٌ وَالْحَزْرُ وَالتَّخْمِينُ كَالِاعْتِمَادِ عَلَى النُّجُومِ وَعَلَى عِلْمِ الرَّمْلِ وَالْفَأْلِ وَالزَّجْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْحَزْرِ وَالتَّخْمِينِ لَا يَجُوزُ وَالْكُبْرَى لَا شَكَّ فِي ظُهُورِهَا.
وَدَلِيلُ الصُّغْرَى أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِالْخَلْقِ عَلَى الْأَنْسَابِ اسْتِدْلَالٌ بِمَا لَمْ يَطَّرِدْ وَلَمْ يَنْعَكِسْ إذْ مَعَ طُولِ الْأَيَّامِ قَدْ يُولَدُ لِلشَّخْصَيْنِ مَنْ لَا يُشْبِهُهُمَا فِي خَلْقٍ وَلَا فِي خُلُقٍ أَلَا تَرَى إلَى «قَوْلِهِ عليه السلام لِلَّذِي أَنْكَرَ وَلَدَهُ مِنْ لَوْنِهِ لَعَلَّهُ عِرْقٌ نَزَعَ بَعْدَ أَنْ قَالَ لَهُ هَلْ لَك مِنْ إبِلٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَمَا أَلْوَانُهَا قَالَ بِيضٌ قَالَ هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَمِنْ أَيْنَ ذَلِكَ الْأَوْرَقُ قَالَ لَعَلَّهُ عِرْقٌ نَزَعَ قَالَ لَهُ عليه السلام لَعَلَّهُ عِرْقٌ نَزَعَ» يُشِيرُ إلَى أَنَّ صِفَاتِ الْأَجْدَادِ وَأَجْدَادِ الْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ قَدْ تَظْهَرُ فِي الْأَبْنَاءِ فَيَأْتِي الْوَلَدُ يُشْبِهُ غَيْرَ أَبَوَيْهِ وَقَدْ يَأْتِي الْوَلَدُ يُشْبِهُ أَبَوَيْهِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْوَاطِئَ الزَّانِيَ بِأُمِّهِ كَانَ يُشْبِهُ أَبَاهُ وَجَدًّا مِنْ أَجْدَادِهِ أَوْ خَالًا مِنْ أَخْوَالِهِ يُشْبِهُ أَبَاهُ الَّذِي أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِهِ وَلَيْسَ هُوَ بِأَبٍ لَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَالِاسْتِدْلَالُ بِمَا لَمْ يَطَّرِدْ وَلَمْ يَنْعَكِسْ مِنْ بَابِ الْحَزْرِ وَالتَّخْمِينِ الْبَعِيدِ فَلَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ لَمْ يَحْتَجَّا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي ثُبُوتِ الْقَافَةِ بِحَدِيثِ اللِّعَانِ وَحَدِيثِ عَائِشَةَ بَلْ إنَّمَا احْتَجَّا بِحَدِيثِ مُجَزِّزٍ الْمُدْلِجِيِّ فَعَدَلَا عَنْ مُدْرَكٍ فِي غَايَةِ الْقُوَّةِ وَالشُّهْرَةِ إلَى مَا هُوَ أَضْعَفُ بِكَثِيرٍ بَلْ لَمْ يُعَرِّجْ أَحَدٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ الْقَائِلِينَ بِصِحَّةِ الْقِيَافَةِ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِالْقَوِيِّ أَلْبَتَّةَ وَمَا ذَلِكَ إلَّا لِمُوجِبٍ حَسَنٍ هُوَ سِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ وَهُوَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْطَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ وُفُورِ الْعَقْلِ وَصَفَاءِ الذِّهْنِ وَجَوْدَةِ الْفِرَاسَةِ أَمْرًا عَظِيمًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ أُمَّتِهِ فِي ذَلِكَ فَرْقٌ لَا يُدَانَى وَلَا يُقَارَبُ وَكَذَلِكَ فِي حَوَاسِّهِ وَقُوَى جَسَدِهِ وَجَمِيعِ أَحْوَالِهِ فَكَانَ يَرَى مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ وَيَرَى فِي الثُّرَيَّا أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَنَحْنُ لَا نَرَى فِيهَا إلَّا سِتَّةً فَلَوْ اسْتَدَلَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ بِقِيَافَتِهِ عليه السلام لَمْ تَقُمْ الْحُجَّةُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ إذْ كَانَ لَهُ
لِإِزَالَةِ مُطْلَقِ الْقَيْدِ كَمَا تَقَدَّمَ وَمُطْلَقُ الْقَيْدِ أَعَمُّ مِنْ قَيْدِ النِّكَاحِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الدَّالَّ عَلَى إزَالَةِ الْأَعَمِّ دَالٌّ عَلَى إزَالَةِ الْأَخَصِّ بِالِالْتِزَامِ لَا بِاللَّفْظِ، فَلَيْسَ الطَّلَاقُ مَوْضُوعًا لِإِزَالَةِ خُصُوصِ قَيْدِ النِّكَاحِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ.
بَلْ التَّحْقِيقُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الطَّلَاقَ مَوْضُوعٌ لِإِزَالَةِ مُطْلَقِ الْقَيْدِ يَعْنِي أَيَّ قَيْدٍ كَانَ؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِإِزَالَةِ كُلِّ قَيْدٍ حَتَّى يَنْدَرِجَ فِيهِ قَيْدٌ النِّكَاحِ، وَإِذَا كَانَ مَوْضُوعًا لِأَيِّ قَيْدٍ كَانَ مِنْ غَيْرِ عُمُومٍ فَيُصَدَّقُ أَنَّهَا طَالِقٌ بِاعْتِبَارِ قَيْدِ الْحَدِيدِ وَإِنْ بَقِيَتْ فِي الْعِصْمَةِ لِأَنَّ طَالِقٌ اسْمُ فَاعِلٍ وَاسْمَ الْفَاعِلِ يَكْفِي فِيهِ فَرْدٌ وَاحِدٌ مِنْ الْمُسَمَّى الَّذِي اُشْتُقَّ مِنْهُ فَلَا يَدُلُّ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى إزَالَةِ الْعِصْمَةِ مُطَابَقَةً وَلَا الْتِزَامًا، بَلْ لَا إشْعَارَ لَهُ بِهِ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ أَلْبَتَّةَ وَوِزَانُ الطَّلَاقِ الْخُرُوجُ؛ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا انْتِقَالٌ مِنْ إحَاطَةٍ فَكَمَا أَنَّ الْخُرُوجَ يَصْدُقُ عَلَيْهَا بِأَيِّ فَرْدٍ كَانَ فَيَصْدُقُ أَنَّهَا خَارِجَةٌ بِاعْتِبَارِ حَيِّزٍ مُعَيَّنٍ وَإِنْ بَقِيَتْ فِي غَيْرِهِ كَذَلِكَ يَصْدُقُ عَلَيْهَا أَنَّهَا طَالِقٌ بِاعْتِبَارِ قَيْدٍ مُعَيَّنٍ.
وَإِنْ بَقِيَتْ فِي غَيْرِهِ نَعَمْ لَوْ كَانَ طَالِقٌ مُفِيدَ الْعُمُومِ لَحَصَلَ مَقْصُودُ الْأَصْحَابِ أَوْ يُفِيدُ إزَالَةَ الْقَيْدِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ جَمِيعِ الْقُيُودِ حَتَّى يَلْزَمَ مِنْهُ انْتِفَاءُ كُلِّ قَيْدٍ حَصَلَ أَيْضًا، وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَمَا صَدَقَ عَلَى الْمُنْطَلِقَةِ مِنْ قَيْدِ الْحَدِيدِ أَوْ مِنْ طَلْقِ الْوَلَدِ أَنَّهَا طَالِقٌ؛ لِأَنَّ الْعُمُومَ لَمْ يَحْصُلْ وَإِزَالَةُ الْمُشْتَرَكِ الَّذِي يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ كُلِّ قَيْدٍ لَمْ يَحْصُلْ لَكِنَّا نَجِدُ أَهْلَ اللُّغَةِ وَأَهْلَ الْعُرْفِ يَسْتَعْمِلُونَهُ بِاعْتِبَارِ قَيْدٍ مَخْصُوصٍ وَإِنْ بَقِيَتْ جَمِيعُ الْقُيُودِ فَيُقَالُ لِمَنْ طَلِقَتْ مِنْ وَلَدٍ طَالِقٌ وَمِنْ قَيْدِ الْحَدِيدِ طَالِقٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمَجَازِ؛ وَلِأَنَّ عِنْدَ سَمَاعِ طَالِقٌ لَا نَفْهَمُ انْتِفَاءَ كُلِّ قَيْدٍ أَلْبَتَّةَ، بَلْ قَيْدًا مَخْصُوصًا لَا لُغَةً وَلَا عُرْفًا وَلِهَذَا الْمُدْرَكِ لَمْ يَعْتَبِرْ ابْنُ الْقَصَّارِ خُصُوصَ لَفْظِ الطَّلَاقِ، بَلْ أَعْرَضَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
كُلِّ قَيْدٍ أَلْبَتَّةَ، بَلْ قَيْدًا مَخْصُوصًا لَا لُغَةً وَلَا عُرْفًا) ، قُلْت مَا قَالَهُ فِي هَذَا التَّنْبِيهِ فَاسِدٌ جِدًّا، بَلْ لَفْظُ طَالِقٍ مَوْضُوعٌ لِإِزَالَةِ قَيْدِ الْعِصْمَةِ لُغَةً، وَقَدْ تَقَدَّمَ الرَّدُّ عَلَيْهِ قَبْلَ هَذَا فِي مِثْلِ هَذَا الْقَوْلِ وَكُلُّ مَا ذَكَرَهُ فِي تَقْرِيرِ ذَلِكَ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا غَيْرُ مَا اسْتَرْوَحَ مِنْ الِاشْتِقَاقِ الْكَبِيرِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ (قَالَ وَلِهَذَا الْمُدْرَكِ لَمْ يَعْتَبِرْ ابْنُ الْقَصَّارِ خُصُوصَ لَفْظِ الطَّلَاقِ إلَى قَوْلِهِ وَاعْتُبِرَ مَا وُضِعَ فِي الْعُرْفِ لِإِزَالَةِ الْعِصْمَةِ) ، قُلْت لَا دَلِيلَ لَهُ عَلَى أَنَّ ابْنَ الْقَصَّارِ اعْتَبَرَ مَا وُضِعَ فِي الْعُرْفِ لِإِزَالَةِ الْعِصْمَةِ بِنَاءً عَلَى مَا زَعَمَ، بَلْ إنَّمَا اعْتَبَرَ ذَلِكَ تَسْوِيَةً بَيْنَ اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ وَذَلِكَ هُوَ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
أَنْ يَقُولَ إذَا صَحَّتْ الْقِيَافَةُ مِنْ تِلْكَ الْفِرَاسَةِ النَّبَوِيَّةِ الْقَوِيَّةِ الْمَعْصُومَةِ عَنْ الْخَطَأِ فَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّ فِرَاسَةَ الْخَلْقِ الضَّعِيفَةِ تُدْرِكُ مِنْ الْخَلْقِ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْأَنْسَابِ وَلَعَلَّهَا عَمْيَاءُ عَنْ ذَلِكَ بِالْكُلِّيَّةِ لِقُصُورِهَا وَلَمْ يَبْقَ فِيهَا إلَّا حَزْرٌ وَتَخْمِينٌ بَاطِلٌ كَمَا أَنَّا عَمِينَا فِي بَقِيَّةِ كَوَاكِبِ الثُّرَيَّا لَا نُدْرِكُهَا أَلْبَتَّةَ لِضَعْفِنَا وَالْبَصَرِ وَكَيْفَ يَتَأَتَّى لَكُمْ مَا تَقْصِدُونَهُ بِهَذَا الِاسْتِدْلَالِ مِنْ ثُبُوتِ حُكْمِ الْقِيَافَةِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وَإِذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ذَلِكَ تَعَذَّرَ جَوَابُهُ وَبَطَلَ الِاسْتِدْلَال عَلَيْهِ أَلْبَتَّةَ أَمَّا إذَا اسْتَدَلَّ الْفُقَهَاءُ عَلَيْهِ بِقَضِيَّةِ مُجَزِّزٍ الْمُدْلِجِيِّ فَقَدْ اسْتَدَلُّوا بِشَيْءٍ يُمْكِنُ وُجُودُهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَإِنَّ الْأُمَّةَ يُمْكِنُ فِيهَا ذَلِكَ لَا سِيَّمَا فِي هَذِهِ الْقَبِيلَةِ فَكَانَ الِاسْتِدْلَال بِذَلِكَ عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْقِيَافَةِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ اسْتِدْلَالًا صَحِيحًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لِتَعَذُّرِ مِثْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمِثْلِ فِرَاسَتِهِ الْقَوِيَّةِ نَعَمْ بَحَثَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِحَدِيثِ مُجَزِّزٍ الْمُدْلِجِيِّ بِوَجْهَيْنِ
(الْأَوَّلُ) أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سُرُورُهُ صلى الله عليه وسلم لِقِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَى الْجَاهِلِيَّةِ بِمَا كَانُوا يَعْتَقِدُونَهُ وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا وَقَدْ يُؤَيِّدُ اللَّهُ الْحَقَّ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ وَبِمَا شَاءَ فَإِخْمَالُ الْبَاطِلِ وَدَحْضُهُ يُوجِبُ السُّرُورَ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ
(الثَّانِي) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُرَّ بِوُجُودِ آيَةِ الرَّجْمِ فِي التَّوْرَاةِ وَهُوَ يَعْتَقِدُ صِحَّتَهَا بَلْ لِقِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَى الْكُفَّارِ وَظُهُورِ كَذِبِهِمْ وَافْتِرَائِهِمْ فَلِمَ لَا يَكُونُ سُرُورُهُ صلى الله عليه وسلم بِقَضِيَّةِ مُجَزِّزٍ الْمُدْلِجِيِّ كَذَلِكَ
(وَأَجَابَ) الْفُقَهَاءُ
(عَنْ الْأَوَّلِ) بِحَدِيثِ اللِّعَانِ وَحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - لِدَلَالَتِهَا عَلَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَدْ اسْتَدَلَّ الْخَلْقُ الَّتِي لَمْ تُوجَدْ عَلَى الْأَنْسَابِ فَيَكُونُ ثُبُوتُ الِاسْتِدْلَالِ بِالْخَلْقِ الْمُشَاهَدِ أَوْلَى ضَرُورَةَ أَنَّ الْحِسَّ أَقْوَى مِنْ الْقِيَاسِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَثْبَتَ هَذَا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ فِي صُورَةٍ لَيْسَ فِيهَا غَرَضٌ لِلْمُشْرِكِينَ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْقَاعِدَةَ حَقٌّ فِي نَفْسِهَا وَأَنَّ سُرُورَهُ عليه السلام لَمْ يَكُنْ إلَّا بِحَقٍّ لَا لِأَجْلِ إقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ
(وَعَنْ الثَّانِي) بِأَنَّ رَجْمَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْيَهُودِيَّيْنِ بَيِّنٌ إنَّمَا كَانَ بِوَحْيٍ وَصَلَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعَدَمِ صِحَّةِ التَّوْرَاةِ فِي آيَةِ الرَّجْمِ وَتَجْوِيزِ أَنَّهَا مِنْ الْمُحَرَّفَاتِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إخْبَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ أَنَّ فِي التَّوْرَاةِ آيَةَ الرَّجْمِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ صَحِيحًا لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ إنَّمَا أَخْبَرَ بِأَنَّهُ رَآهَا مَكْتُوبَةً فِي نُسَخِ التَّوْرَاةِ وَلَمْ يُخْبِرْ أَنَّهَا مَرْوِيَّةٌ عِنْدَهُ بِالطَّرِيقِ الصَّحِيحِ إلَى مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ عليه السلام وَلَا يَلْزَمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي النُّسَخِ شَيْءٌ مَكْتُوبٌ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا فَإِنَّ الْإِنْسَانَ مِنَّا يَقْطَعُ بِأَنَّهُ وَجَدَ فِي كُتُبِ التَّوَارِيخِ