الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللَّفْظُ الرَّابِعُ قَوْلُنَا عَلَيَّ ذِمَّةُ اللَّهِ قَالَ مَالِكٌ تَلْزَمُ بِهِ الْكَفَّارَةُ وَمَعْنَى ذِمَّةِ اللَّهِ تَعَالَى الْتِزَامُهُ لِأَنَّ مَعْنَى الذِّمَّةِ فِي اللُّغَةِ هُوَ هَذَا وَمِنْهُ عَقْدُ الذِّمَّةِ لِلْكُفَّارِ أَيْ الْتِزَامُنَا لَهُمْ عِصْمَةَ النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ وَمَا مَعَهَا وَمِنْهُ الذِّمَامُ إذَا وَعَدَهُ وَالْتَزَمَ لَهُ أَنْ لَا يَخْذُلَهُ وَأَنْ يَنْصُرَهُ عَلَى مَنْ يَقْصِدُهُ بِسُوءٍ وَمِنْهُ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ دِينَارٌ وَالْعَقْدُ وَارِدٌ عَلَى الذِّمَّةِ فَإِنَّ الذِّمَّةَ فِي الشَّرِيعَةِ مَعْنًى مُقَدَّرٌ فِي الْمُكَلَّفِ يَقْبَلُ الْإِلْزَامَ وَالِالْتِزَامَ وَلِذَلِكَ إذَا اتَّصَفَ بَعْدَ الرُّشْدِ بِالسَّفَهِ يُقَالُ خَرِبَتْ ذِمَّتُهُ وَذَهَبَتْ ذِمَّتُهُ وَإِذَا مَاتَ خَرِبَتْ ذِمَّتُهُ أَيْ الْمَعْنَى الَّذِي كَانَ يُقَدَّرُ لَمْ يَبْقَ مُقَدَّرًا وَتَقُولُ الْعَرَبُ فُلَانٌ يَفِي بِذِمَّتِهِ أَيْ بِمَا الْتَزَمَهُ وَخَفَرَ ذِمَّةَ فُلَانٍ إذَا خَانَهَا وَهَذَا كُلُّهُ رَاجِعٌ لِلْإِخْبَارِ عَنْ الِالْتِزَامِ أَوْ مَعْنَاهُ.
وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ مَنْ قَالَ كَذَا وَكَذَا كَانَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ أَيْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى الْتَزَمَ لَهُ عِنْدَ هَذَا الْقَوْلِ حِفْظَهُ مِنْ الْمَكَارِهِ وَالْتِزَامُ اللَّهِ تَعَالَى رَاجِعٌ إلَى خَبَرِهِ فَهُوَ نَوْعٌ آخَرُ مِنْ الْكَلَامِ غَيْرُ نَوْعِ الْعَهْدِ فَإِنَّ الْعَهْدَ يَرْجِعُ إلَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالذِّمَّةُ إلَى الْخَبَرِ وَالْكُلُّ كَلَامٌ نَفْسِيٌّ فَهُمَا نَوْعَانِ مِنْهُ فَافْهَمْ ذَلِكَ غَيْرَ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْقَسَمُ بِهِ وَذِمَّةِ اللَّهِ بِوَاوِ الْقَسَمِ فَيَكُونُ صَرِيحًا فِي الْقَسَمِ لُغَةً.
وَيَبْقَى إشْكَالُ الْإِضَافَةِ فِيهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ ذِمَّةَ اللَّهِ تَعَالَى تَصْدُقُ الْمَعْنَى الْقَدِيمَ كَمَا تَقَدَّمَ وَتَصْدُقُ أَيْضًا بِإِضَافَةِ الْمَعْنَى الْمُحْدَثِ إلَيْهِ تَعَالَى بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ شَرَعَهُ لِأَنَّ الذِّمَّةَ تَارَةً تَكُونُ مَأْمُورًا بِهَا وُجُوبًا كَعَقْدِ الْجِزْيَةِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَتَارَةً لَا يُؤْمَرُ بِهَا وُجُوبًا بَلْ نَدْبًا كَالْتِزَامِ أَنْوَاعِ الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ وَقَدْ يُخْبِرُنَا فِيهَا مِنْ غَيْرِ وُجُوبٍ وَلَا نَدْبٍ مِنْ قِبَلِهِ كَالْتِزَامِ الْأَثْمَانِ فِي الْبِيَاعَاتِ وَالْإِجَارَةِ فِي الْإِجَارَاتِ وَعَلَى التَّقَادِيرِ الثَّلَاثَةِ فَهِيَ مَشْرُوعَةٌ مِنْ قِبَلِهِ تَعَالَى فَتُضَافُ إلَيْهِ إضَافَةَ الْمَشْرُوعِيَّةِ كَقَوْلِنَا عِبَادَةُ اللَّهِ وَطَاعَةُ اللَّهِ وَإِذَا احْتَمَلَتْ الْإِضَافَةُ الْمَعْنَيَيْنِ لَمْ يُقْضَ بِأَحَدِهِمَا إلَّا بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ وَهَذَا الْإِشْكَالُ قَائِمٌ فِيمَا قَالَهُ مَالِكٌ أَيْضًا مِنْ قَوْلِهِ عَلَيَّ ذِمَّةُ اللَّهِ مُضَافًا لِعَدَمِ وُجُودِ أَدَاةِ الْقَسَمِ.
وَأَمَّا عَلَيَّ فَإِيجَابُهَا لِلْكَفَّارَةِ مُشْكِلٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ نَقْلٌ عُرْفِيٌّ مِنْ الْإِخْبَارِ إلَى الْقَسَمِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ عَلَيَّ عِلْمُ اللَّهِ أَوْ عَلَيَّ إرَادَةُ اللَّهِ أَوْ عَلَيَّ بَصَرُ اللَّهِ أَوْ عَلَيَّ سَمْعُ اللَّهِ لَمْ يُتَّجَهْ إيجَابُ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّيَغَ لَيْسَتْ قَسَمًا وَإِنَّمَا هِيَ خَبَرٌ وَالْخَبَرُ لَيْسَ بِقَسَمٍ إجْمَاعًا وَالْإِنْشَاءُ الْعُرْفِيُّ بِغَيْرِ الْقَسَمِ لَا يُوجِبُ كَفَّارَةً فَلَا بُدَّ مِنْ النَّقْلِ عَنْ الْخَبَرِ إلَى إنْشَاءِ الْقَسَمِ وَإِلَّا فَلَا يُتَّجَهُ إلْزَامُ الْكَفَّارَةِ وَاعْتِقَادُ أَنَّ هَذَا يَمِينٌ أَلْبَتَّةَ فَتَأَمَّلْ هَذِهِ التَّنْبِيهَاتِ فَالْفَقِيهُ يَحْتَاجُ إلَيْهَا حَاجَةً شَدِيدَةً فِي الْفِقْهِ وَالْفَتَاوَى وَالْفُرُوقِ وَتَحْرِيرِ مَعَانِي الْأَلْفَاظِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (اللَّفْظُ الرَّابِعُ عَلَيَّ ذِمَّةُ اللَّهِ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ) قُلْت وَالْأَظْهَرُ فِي هَذَا اللَّفْظِ وَشَبَهِهِ أَنَّهُ إنْشَاءٌ لِلْقَسَمِ عُرْفًا وَلِذَلِكَ رَأَى مَالِكٌ فِيهِ الْكَفَّارَةَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
حَقَائِقَ وَخَمْسٍ بَنَاتِ لَبُونٍ يَأْخُذُ أَيَّهَا شَاءَ مِنْ صَاحِبِ الْمَاشِيَةِ إذَا وَجَدَ إبِلَهُ مِائَتَيْنِ فَإِنَّ فِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةً وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتَ لَبُونٍ وَقَدْ وُجِدَ الْأَمْرَانِ فَإِنَّ الْمِائَتَيْنِ أَرْبَعُ خَمْسِينَاتٍ وَخَمْسُ أَرْبَعِينَاتِ فَيُخَيَّرُ هَاهُنَا إذَا اسْتَوَى الْأَمْرَانِ أَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا أَرْجَحَ لِلْفُقَرَاءِ فَمُقْتَضَى الْقَاعِدَةِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مَا هُوَ الْأَرْجَحُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَلَمْ يَجْتَهِدْ لَهُمْ وَلَمْ يَنْصَحْ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ» فَهَذَا الْحَدِيثُ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْأَرْجَحِ لِلْفُقَرَاءِ وَمِنْهَا بَيْعُ مَالِ الْيَتِيمِ مِنْ أَحَدِ مُشْتَرِيَيْنِ مُسْتَوِيَيْنِ أَوْ تَزْوِيجُ الْيَتِيمَةِ مِنْ كُفُوَيْنِ مُسْتَوِيَيْنِ أَوْ تَوْلِيَةُ الْقَضَاءِ لِأَحَدِ مُسْتَوِيَيْنِ وَنَحْوِهِمَا فَإِنَّ الْأَئِمَّةَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ مُسَاوُونَ لِغَيْرِهِمْ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ فِي الْخِيرَةِ الْمُخْتَصَّةِ وَلَا وُجُوبَ هَاهُنَا أَلْبَتَّةَ بَلْ لَهُمْ التَّرْجِيحُ بِمُجَرَّدِ إرَادَتِهِمْ مِنْ غَيْرِ ضَمِيمَةٍ إلَيْهَا كَالْمُكَلَّفِ فِي إخْرَاجِ شَاةٍ مِنْ أَرْبَعِينَ سَوَاءً بِسَوَاءٍ وَالتَّخْيِيرُ فِي هَذَا الْقِسْمِ بِنَوْعَيْهِ صِرْفُ حَقِيقَةٍ لَا مَجَازٍ كَهُوَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي بِخِلَافِهِ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ مَجَازٌ لَا حَقِيقَةٌ بَلْ هُوَ وُجُوبٌ مَحْضٌ أُطْلِقَ عَلَيْهِ التَّخْيِيرُ بِمَعْنَى عَدَمِ التَّحَتُّمِ ابْتِدَاءً وَكَوْنُ الِاجْتِهَادِ لَهُ مَدْخَلٌ فِي ذَلِكَ الْقِسْمِ الْمُحَتَّمِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَخْيِيرِ الْأَئِمَّةِ وَقَاعِدَةِ تَخْيِيرِ آحَادِ الْمُكَلَّفِينَ وَأَنَّ الثَّانِيَ خِيرَةٌ حَقِيقَةً وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُهُ مَجَازٌ وَوُجُوبٌ صِرْفٌ كَمَا عَلِمْته مُفَصَّلًا مُمَثَّلًا وَبَقِيَ مِنْ أَقْسَامِ التَّخْيِيرِ.
(قِسْمٌ رَابِعٌ) وَهُوَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ يَتَّصِفَانِ بِالْوُجُوبِ مِنْ جِهَةِ الْخُصُوصِ دُونَ الْعُمُومِ لَكِنَّ هَذَا مُحَالٌ شَرْعًا وَعَقْلًا بِخِلَافِ الثَّالِثِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخُصُوصَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعُمُومِ وَأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ بِخِلَافِ الْعَكْسِ فَإِنَّ الْعُمُومَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْخُصُوصِ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْمَبَاحِثَ وَالْفُرُوقَ فَإِنَّهَا كُلَّهَا وَاقِعَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ وُقُوعًا كَثِيرًا وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَ هَلْ يُعَدُّ مَالِكًا أَمْ لَا وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ انْعَقَدَ لَهُ سَبَبُ الْمُطَالَبَةِ بِالْمِلْكِ هَلْ يُعَدُّ مَالِكًا أَمْ لَا]
الْفَرْقُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَ هَلْ يُعَدُّ مَالِكًا أَمْ لَا وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ انْعَقَدَ لَهُ سَبَبُ الْمُطَالَبَةِ بِالْمِلْكِ هَلْ يُعَدُّ مَالِكًا أَمْ لَا) الْقَاعِدَةُ الْأُولَى وَإِنْ أَطْلَقَهَا جَمَاعَةٌ مِنْ مَشَايِخِ الْمَذْهَبِ رضي الله عنهم بِقَوْلِهِمْ مَنْ مَلَكَ أَنْ
اللَّفْظُ الْخَامِسُ كَفَالَةُ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ مَالِكٌ إذَا قَالَ عَلَيَّ كَفَالَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَحَنِثَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَمَعْنَى الْكَفَالَةِ لُغَةً الْخَبَرُ الدَّالُّ عَلَى الضَّمَانِ وَهِيَ الْقَبَالَةُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلا} [الإسراء: 92] أَيْ ضَامِنًا وَالْحَمَالَةُ وَالْأَذَانَةُ وَالزَّعَامَةُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى عَنْ مُنَادِي يُوسُفَ عليه السلام {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] أَيْ ضَامِنٌ وَالصَّبِيرُ قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ هِيَ سَبْعَةُ أَلْفَاظٍ مُتَرَادِفَةٍ الْحَمِيلُ وَالزَّعِيمُ وَالْكَفِيلُ وَالْقَبِيلُ وَالْأَذِينُ وَالصَّبِيرُ وَالضَّامِنُ حَمَلَ يَحْمِلُ حَمَالَةً فَهُوَ حَمِيلٌ وَزَعَمَ يَزْعُمُ زَعَامَةً فَهُوَ زَعِيمٌ وَكَفَلَ يَكْفُلُ كَفَالَةً فَهُوَ كَفِيلٌ وَقَبِلَ يَقْبَلُ قَبَالَةً فَهُوَ قَبِيلٌ وَأَذِنَ يَأْذَنُ أَذَانَةً فَهُوَ أَذِينٌ وَصَبَرَ يَصْبِرُ صَبْرًا فَهُوَ صَبِيرٌ وَضَمِنَ يَضْمَنُ ضَمَانَةً فَهُوَ ضَامِنٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلا} [النحل: 91] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِهِ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ بَيْتِهِ إلَّا الْجِهَادُ وَابْتِغَاءُ مَرْضَاتِهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ يَرُدَّهُ إلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ مَعَ مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ وَغَنِيمَةٍ» وَالْأَذَانَةُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} [الأعراف: 167] أَيْ الْتَزَمَ ذَلِكَ {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ} [إبراهيم: 7] وَأَصْلُ الْأَذَانَةِ وَالْإِذْنِ وَالْأَذِينِ وَالْإِذْنِ وَمَا تَصَرَّفَ مِنْ هَذَا الْبَابِ الْإِعْلَامُ وَالتَّكْفِيلُ مُعْلِمٌ بِأَنَّ الْحَقَّ فِي جِهَتِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْحَمَالَةِ {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ} [فاطر: 18] .
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي التَّنْبِيهَاتِ وَمِثْلُ حَمِيلٍ عَذِيرٌ وكدين قَالَ وَأَصْلُ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ الْحِفْظِ وَالْحِيَاطَةِ قَالَ وَالْكَفَالَةُ اشْتِقَاقُهَا مِنْ الْكِفْلِ وَهُوَ الْكِسَاءُ الَّذِي يُحَزَّمُ حَوْلَ سَنَامِ الْبَعِيرِ لِيُحْفَظَ بِهِ الرَّاكِبُ وَالْكَفِيلُ حَافِظًا الْتَزَمَهُ وَالضَّامِنُ مِنْ الضِّمْنِ وَهُوَ الْحِرْزُ وَكُلُّ شَيْءٍ أَحْرَزْته فِي شَيْءٍ فَقَدْ ضَمَّنْته إيَّاهُ وَالْقَبَالَةُ الْقُوَّةُ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ مَا لِي بِهَذَا الْأَمْرِ قِبَلٌ وَلَا طَاقَةٌ وَالْقَبِيلُ قُوَّةٌ فِي اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ وَالزَّعَامَةُ السِّيَادَةُ فَكَأَنَّهُ لَمَّا تَكَفَّلَ بِهِ صَارَ لَهُ عَلَيْهِ سِيَادَةٌ وَحُكْمٌ عَلَيْهِ وَالصَّبِيرُ مِنْ الصَّبْرِ وَهُوَ الثَّبَاتُ.
وَالْحَبْسُ وَمِنْهُ الْمَصْبُورَةُ وَهِيَ الْمَحْبُوسَةُ الْمَرْمَى بِالسِّهَامِ وَمِنْهُ قَتَلَهُ صَبْرًا أَيْ حَبَسَهُ حَتَّى مَاتَ جُوعًا وَعَطَشًا وَالضَّامِنُ حَبَسَ نَفْسَهُ لِأَدَاءِ الْحَقِّ وَالْكَدِينُ مِنْ كَدَنْت لَك بِكَذَا وَكَذَا وَقَالُوا عَذِيرُك أَيْ كَفِيلُك وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ الْكَفَالَةُ أَصْلُهَا الضَّمُّ وَمِنْهُ سُمِّيَتْ الْخَشَبَةُ الَّتِي تُعْمَلُ فِي الْحَائِطِ كِفْلًا وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [آل عمران: 37] أَيْ ضَمَّهَا لِنَفْسِهِ وَالْكَفَالَةُ هِيَ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ أُخْرَى فَصَدَقَ الْمَعْنَى فَتَحَرَّرَ أَنَّ الْأَلْفَاظَ الْمُتَرَادِفَةَ فِي هَذَا الْبَابِ تِسْعَةٌ وَتَكُونُ كَفَالَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَعْدُهُ بِمَا الْتَزَمَهُ وَوَعْدُهُ خَبَرُهُ وَخَبَرُهُ كَلَامُهُ النَّفْسِيُّ فَيَكُونُ الْحَالِفُ قَدْ حَلَفَ بِكَلَامِهِ النَّفْسَانِيِّ فَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ إذَا حَنِثَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (اللَّفْظُ الْخَامِسُ كَفَالَةُ اللَّهِ) قُلْت وَهَذَا اللَّفْظُ أَيْضًا كَلَفْظِ الذِّمَّةِ وَمَا اشْتَغَلَ بِهِ مِنْ ذِكْرِ مُرَادِفَاتِهِ وَاشْتِقَاقِهَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ فِي الْفِقْهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
يَمْلِكَ هَلْ يُعَدُّ مَالِكًا أَمْ لَا قَوْلَانِ وَخَرَّجُوا عَلَيْهَا فُرُوعًا كَثِيرَةً فِي الْمَذْهَبِ.
(مِنْهَا) إذَا وُهِبَ لَهُ الْمَاءُ فِي التَّيَمُّمِ هَلْ يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُعَدُّ مَالِكًا أَمْ لَا يَبْطُلُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يُعَدُّ مَالِكًا وَمِنْهَا مَنْ عِنْدَهُ ثَمَنُ رَقَبَةٍ هَلْ يَجُوزُ لَهُ الِانْتِقَالُ لِلصَّوْمِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يُعَدُّ مَالِكًا أَمْ لَا يَجُوزُ لَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُعَدُّ مَالِكًا وَمِنْهَا مَنْ قَدَرَ عَلَى الْمُدَاوَاةِ فِي السَّلَسِ أَوْ التَّزْوِيجِ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُعَدُّ مَالِكًا أَمْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يُعَدُّ مَالِكًا إلَّا أَنَّهَا بَاطِلَةٌ إذْ لَا يُمْكِنُ جَعْلُ مُجَرَّدِ الْإِمْكَانِ وَالْقَبُولِ لِلْمِلْكِ بِدُونِ أَنْ يَشْتَمِلَ عَلَى مُوجِبِ الِاعْتِبَارِ قَاعِدَةً شَرْعِيَّةً أَلَا تَرَى أَنَّ أَحَدًا لَا يَتَخَيَّلُ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَمْلِكَ أَرْبَعِينَ شَاةً هَلْ يُعَدُّ قَبْلَ شِرَائِهَا مَالِكًا لَهَا فَتَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَيْهِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ أَوْ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَ هَلْ يُعَدُّ قَبْلَ أَنْ يَخْطُبَ الْمَرْأَةَ مَالِكًا عِصْمَتَهَا أَمْ لَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَاقُ وَالنَّفَقَةُ أَمْ لَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ أَوْ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَمْلِكَ خَادِمًا أَوْ دَابَّةً هَلْ يُعَدُّ قَبْلَ شِرَائِهِمَا مَالِكًا لَهُمَا أَمْ لَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ كُلْفَتُهُمَا وَمُؤْنَتُهَا أَمْ لَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ أَوْ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ أَقَارِبَهُ هَلْ يَعُدُّهُ أَحَدٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ مَالِكًا لِقَرِيبِهِ فَيُعْتِقَهُ عَلَيْهِ قَبْلَ شِرَائِهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ عَلَى زَعْمِ مَنْ اعْتَقَدَهَا بَلْ هَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ بِالضَّرُورَةِ لَا يَتَخَيَّلُهُ مَنْ عِنْدَهُ أَدْنَى مِسْكَةٍ مِنْ الْعَقْلِ وَالْفِقْهِ وَالظَّنُّ بِالْمَشَايِخِ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّهُمْ لَمْ يُرِيدُوا مُقْتَضَى عِبَارَتِهِمْ الْمُطْلَقَةِ وَأَنَّ مَنْ مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ جَرَيَانِ سَبَبٍ يَقْتَضِي مُطَالَبَتَهُ بِالتَّمْلِيكِ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْقُيُودِ لِأَنَّ جَعْلَ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ شَرْعِيَّةً ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ لِضَعْفِ الْمُنَاسَبَةِ جِدًّا أَوْ لِعَدَمِهَا أَلْبَتَّةَ وَإِنَّمَا أَرَادُوا أَنَّ مَنْ مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَ مَعَ جَرَيَانِ سَبَبٍ يَقْتَضِي مُطَالَبَتَهُ بِالتَّمْلِيكِ أَيْ مَنْ انْعَقَدَ لَهُ سَبَبُ الْمُطَالَبَةِ بِالْمِلْكِ فَيَرْجِعُ بِذَلِكَ إلَى الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ حَتَّى يَكُونَ مُنَاسِبًا لَأَنْ يُعَدَّ مَالِكًا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ تَنْزِيلًا لِسَبَبِ السَّبَبِ مَنْزِلَةَ السَّبَبِ وَإِقَامَةً لِلسَّبَبِ الْبَعِيدِ مَقَامَ السَّبَبِ الْقَرِيبِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُتَخَيَّلَ وُقُوعُهُ قَاعِدَةً مِنْ الشَّرِيعَةِ عَلَى أَنَّ فِي تَمْشِيَةِ الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ مَعَ مَا فِيهَا
وَهُنَا أَرْبَعُ تَنْبِيهَاتٍ الْأَوَّلُ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيَّ يُشْعِرُ بِالِالْتِزَامِ وَخَبَرُ اللَّهِ تَعَالَى كَيْفَ يَصِحُّ الْتِزَامُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ عَلَيَّ عِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَإِرَادَتُهُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ بَعُدَ فِي الْفِقْهِ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ بِهَذَا كَفَّارَةٌ وَوَجَبَ أَيْضًا أَنْ يُفْهَمَ لِهَذَا الْكَلَامِ مَعْنًى صَحِيحٌ فَإِنَّ الْتِزَامَ الْقَدِيمِ الَّذِي هُوَ وَاجِبُ الْوُجُودِ كَيْفَ يَصِحُّ وَإِنَّمَا يَلْتَزِمُ الْإِنْسَانُ فِعْلًا مِنْ كَسْبِهِ وَقُدْرَتِهِ فَإِنْ قُلْت الِالْتِزَامُ إنَّمَا جَاءَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْحَانِثَ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَالْكَفَّارَةُ مَقْدُورَةٌ يُمْكِنُ الْتِزَامُهَا وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا قَالَ عَلَى عَشْرُ كَفَّارَاتٍ أَوْ مَوَاثِيقَ أَوْ نُذُورٌ لَزِمَهُ عَدَدُ مَا ذَكَرَ كَفَّارَاتٍ وَهَذَا الْتِزَامٌ صَحِيحٌ.
قُلْت كَفَّارَةُ الْيَمِينِ غَيْرُ يَمِينٍ وَلَا حِنْثٍ لَا تَلْزَمُ الْمُكَلَّفَ لِأَنَّ لُزُومَ الْمُسَبَّبِ بِدُونِ سَبَبِهِ غَيْرُ وَاقِعٍ شَرْعًا وَحِينَئِذٍ لَا تَكُونُ هَذِهِ الْكَفَّارَاتُ لَازِمَةً لَهُ مِنْ حَيْثُ هِيَ كَفَّارَاتٌ بَلْ مِنْ حَيْثُ هِيَ نُذُورٌ وَكَأَنَّهُ نَذْرٌ وَالْتَزَمَ بِطَرِيقِ النَّذْرِ عَشْرَ كَفَّارَاتٍ فَهَذَا صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ بَابِ الْحَلِفِ وَالْأَيْمَانِ فِي شَيْءٍ وَلَا يَكُونُ اللَّفْظُ يُعْطِي ذَلِكَ حَقِيقَةً بَلْ مَجَازًا فَإِنَّ اسْتِعْمَالَ لَفْظِ الْكَفَالَةِ فِيمَا يَلْزَمُ عَنْهَا إذَا حَلَفَ بِهَا وَحَنِثَ مَجَازٌ وَالْمَجَازُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا نِيَّةُ الْمُتَكَلِّمِ أَوْ عُرْفٌ اقْتَضَى نَقْلًا لِهَذَا الْمَجَازِ فَأَغْنَى عَنْ النِّيَّةِ فَإِنْ كَانَ الْوَاقِعُ هُوَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْزَمَ شَيْءٌ بِهَذِهِ الصِّيَغِ وَبِهَذَا اللَّفْظِ وَمَا تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ قَبْلَ هَذَا إلَّا بِالنِّيَّةِ وَلَا يَتَحَرَّرُ الَّذِي يَلْزَمُ الْمُتَكَلِّمَ بِهَا فِي الْكَفَّارَةِ بَلْ يَحْسِبُ مَا يَنْوِيه مِنْ كَفَّارَةٍ أَوْ كَفَّارَاتٍ أَوْ بَعْضِ كَفَّارَةٍ أَوْ شَيْءٍ آخَرَ مِنْ بَابِ الْمَعْرُوفِ الْمَنْدُوبِ إلَيْهِ شَرْعًا مِمَّا يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُ الْكَفَالَةِ فِيهِ مَجَازًا فَالْقَوْلُ بِأَنَّ اللَّازِمَ الْكَفَّارَةُ وَتَعْيِينُ ذَلِكَ اللُّزُومِ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَإِنْ كَانَ الْوَاقِعُ الْقِسْمَ الثَّانِيَ وَهُوَ النَّقْلُ الْعُرْفِيُّ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَلْزَمَ بِهِ فِي زَمَانِنَا شَيْءٌ فَإِنَّا لَا نَجِدُ هَذَا النَّقْلَ فِيهِ فَإِنَّ النَّقْلَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ عَلَيْهِ حَتَّى يَصِيرَ اللَّفْظُ يُفْهَمُ مِنْهُ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ بِغَيْرِ قَرِينَةٍ.
وَنَحْنُ لَا نَجِدُ ذَلِكَ فِي زَمَانِنَا وَيَلْزَمُ أَيْضًا إذَا وُجِدَ هَذَا الْعُرْفُ وَهَذَا النَّقْلُ أَنْ يُرَاقِبَ فِيهِ اخْتِلَافَ الْأَزْمِنَةِ وَاخْتِلَافَ الْأَقَالِيمِ وَالْبُلْدَانِ فَكُلُّ زَمَانٍ تَغَيَّرَ فِيهِ هَذَا الْعُرْفُ بَطَلَ فِيهِ هَذَا الْحُكْمُ وَكُلُّ بَلَدٍ لَا يَكُونُ فِيهِ هَذَا الْعُرْفُ لَا يَلْزَمُ فِيهِ هَذَا الْحُكْمُ فَتَأَمَّلْ هَذَا فَهُوَ أَمْرٌ لَازِمٌ فِي قَوَاعِدِ الْفِقْهِ أَمَّا الْفُتْيَا بِلُزُومِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَغَيْرُ مُتَّجَهٍ أَصْلًا وَلَعَلَّ مَالِكًا رحمه الله أَفْتَى بِذَلِكَ لِمَنْ سَأَلَ أَنَّهُ كَانَ نَوَاهُ أَوْ كَانَ عُرْفُ زَمَانِهِ يَتَقَاضَى ذَلِكَ وَهُوَ الْأَقْرَبُ فَإِنَّ الْفُتْيَا.
لَوْ كَانَتْ مَبْنِيَّةً عَلَى نِيَّةٍ لَذُكِرَتْ مَعَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (وَهُنَا أَرْبَعُ تَنْبِيهَاتٍ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِيهَا) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ مَالِكٍ رحمه الله أَنَّهُ كَانَ يَرَى ذَلِكَ عُرْفًا فِي زَمَانِهِ أَوْ عَرْفًا شَرْعِيًّا فَأَمَّا إنْ كَانَ عُرْفًا زَمَانِيًّا فَإِنَّهُ إذَا تَغَيَّرَ تَغَيَّرَ الْحُكْمُ وَأَمَّا إنْ كَانَ عُرْفًا شَرْعِيًّا فَلَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ وَإِنْ تَغَيَّرَ الْعُرْفُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
مِنْ الْقُوَّةِ عُسْرًا مِنْ جِهَةِ قَوْلِنَا جَرَى لَهُ سَبَبُ التَّمْلِيكِ لِأَجْلِ كَثْرَةِ النُّقُوضِ عَلَيْهَا فَلِذَا لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى إلَّا فِي بَعْضِ فُرُوعِهَا كَمَا يَتَّضِحُ لَك ذَلِكَ بِمَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى)
إذَا حِيزَتْ الْغَنِيمَةُ وَانْعَقَدَ لِلْمُجَاهِدِينَ سَبَبُ الْمُطَالَبَةِ بِالْقِسْمَةِ وَالتَّمْلِيكِ فَقِيلَ يَمْلِكُونَ بِمُجَرَّدِ الْحَوْزِ وَالْأَخْذِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَقِيلَ لَا يَمْلِكُونَ إلَّا بِالْقِسْمَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ)
إذَا وَجَدَ الظُّهُورَ بِالْعَمَلِ فِي حَقِّ عَامِلِ الْقِرَاضِ وَانْعَقَدَ لَهُ سَبَبُ الْمُطَالَبَةِ بِالْقِسْمَةِ وَإِعْطَاءِ نَصِيبِهِ مِنْ الرِّبْحِ فَهَلْ يُعَدُّ مَالِكًا بِمُجَرَّدِ الظُّهُورِ أَمْ لَا يَمْلِكُ إلَّا بِالْقِسْمَةِ؟ قَوْلَانِ فِي الْمَذْهَبِ وَالْمَشْهُورُ الثَّانِي (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ)
إذَا وُجِدَ ظُهُورُ عَامِلِ الْمُسَاقَاةِ بِالْعَمَلِ وَانْعَقَدَ لَهُ سَبَبُ الْمُطَالَبَةِ بِالْقِسْمَةِ وَتَمْلِيكِ نَصِيبِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَهَلْ يُعَدُّ مَالِكًا بِمُجَرَّدِ الظُّهُورِ أَوْ لَا يَمْلِكُ إلَّا بِالْقِسْمَةِ قَوْلَانِ فِي الْمَذْهَبِ الْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ عَلَى عَكْسِ الْقِرَاضِ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ)
قَالَ الْأَصْلُ لَمْ أَرَ خِلَافًا فِي أَنَّ الشَّرِيكَ إذَا بَاعَ شَرِيكَهُ شِقْصَهُ عَلَى الْغَيْرِ وَتَحَقَّقَ لَهُ مَا يَقْتَضِي سَبَبَ الْمُطَالَبَةِ بِأَنْ يَمْلِكَ الشِّقْصَ الْمَبِيعَ بِالشُّفْعَةِ لَا يَكُونُ مَالِكًا إلَّا بِأَخْذِهِ بِالشُّفْعَةِ بِالْفِعْلِ (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ)
مَنْ لَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ سَبَبٌ يَقْتَضِي أَنْ يَمْلِكَ بِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ بِأَنْ يَتَّصِفَ بِصِفَةٍ مِنْ الصِّفَاتِ الْمُوجِبَةِ لِلِاسْتِحْقَاقِ مِنْهُ كَالْفَقْرِ وَالْجِهَادِ وَالْقَضَاءِ وَالْفُتْيَا وَالْقِسْمَةِ بَيْنَ النَّاسِ أَمْلَاكَهُمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا شَأْنُ الْإِنْسَانِ أَنْ يُعْطَى لِأَجْلِهِ فَإِذَا سَرَقَ هَلْ يُعَدُّ كَالْمَالِكِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِوُجُودِ سَبَبِ الْمُطَالَبَةِ بِالتَّمْلِيكِ أَوْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَطْعُ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مَالِكًا وَهُوَ الْمَشْهُورُ قَوْلَانِ.
وَأَمَّا الْفُرُوعُ الْمُخَرَّجَةُ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْأُولَى فَلَهَا مَدَارِكُ غَيْرُ ذَلِكَ التَّخْرِيجِ بِأَنْ يُلَاحِظَ فِي الثَّوْبِ لِلسُّتْرَةِ قُوَّةَ الْمَالِيَّةِ فَلَا يَلْزَمُهُ أَوْ أَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى دِينِ اللَّهِ تَعَالَى عز وجل لَيْسَ مِنْ بَابِ تَحْصِيلِ الْأَمْوَالِ فَيَلْزَمُهُ وَيُكَافِئُ عَنْهُ إنْ شَاءَ وَفِي الْمَاءِ يُوهَبُ لَهُ إمَّا يَسَارَتُهُ فَلَا مِنَّةَ وَإِمَّا الْمَالِيَّةُ الْمُؤَدِّيَةُ لِلْمِنَّةِ وَهِيَ ضَرَرٌ وَالضَّرَرُ مَنْفِيٌّ عَنْ الْمُكَلَّفِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» وَلِقَوْلِهِ عز وجل {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]