الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ يَثْبُتُ مَعَهُ؛ لِأَنَّ التَّقَدُّمَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَالضَّرُورَةُ دَعَتْ لِوُقُوعِ الْعِتْقِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَالْمُقَارَنَةُ تَكْفِي فِي دَفْعِ تِلْكَ الضَّرُورَةِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ غَيْرُ مُتَّجَهٍ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ مُضَادٌّ لِلْمِلْكِ وَاجْتِمَاعُ الضِّدَّيْنِ مُحَالٌ وَتَنْقَسِمُ أَيْضًا الْأَسْبَابُ الشَّرْعِيَّةُ إلَى مَا يَقْتَضِي ثُبُوتًا كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَإِلَى مَا يَقْتَضِي إبْطَالًا لِمُسَبِّبِ سَبَبٍ آخَرَ كَفَوَاتِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَقْتَضِي إبْطَالَ مُسَبِّبِ السَّبَبِ السَّابِقِ وَهُوَ الْمَبِيعُ، وَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ يَقْتَضِيَانِ إبْطَالَ الْعِصْمَةِ السَّابِقَةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى النِّكَاحِ، وَالْمِلْكُ الْمُرَتَّبُ فِي الرَّقِيقِ عَلَى سَبَبِهِ، وَإِذَا قُلْنَا بِأَنَّ الْفَوَاتَ يُوجِبُ الْفَسْخَ فَهَلْ يَقْتَضِيهِ مَعَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّقَدُّمِ عَلَى
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ يَثْبُتُ مَعَهُ إلَى قَوْلِهِ وَاجْتِمَاعُ الضِّدَّيْنِ مُحَالٌ) قُلْت مَا قَالَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ صَحِيحٌ، وَقَوْلُهُ هُوَ أَنَّ الْعِتْقَ مُضَادُّ الْمِلْكِ إنْ أَرَادَ بِالْعِتْقِ دُخُولَ الْحُرِّيَّةِ فِي الْعَبْدِ فَلِذَلِكَ صَحِيحٌ وَلَا يَلْزَمُ عَنْهُ مَقْصُودُهُ وَإِنْ أَرَادَ بِالْعِتْقِ إنْشَاءَ الصِّيغَةِ الَّتِي هِيَ سَبَبُ حُصُولِ حُرِّيَّةِ الْعَبْدِ فَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ كَيْفَ، وَقَدْ قَالَ هُوَ قُبَيْلَ هَذَا حَاكِيًا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يُقَدِّرُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ قَبْلَ الْعِتْقِ حَتَّى يَقَعَ الْعِتْقُ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ وَصَوَّبَ هُوَ قَوْلَهُمْ فِي اللَّهِ مَا أَسْرَعَ مَا نَسِيَ.
قَالَ (وَتَنْقَسِمُ أَيْضًا الْأَسْبَابُ الشَّرْعِيَّةُ إلَى مَا يَقْتَضِي ثُبُوتًا كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَإِلَى مَا يَقْتَضِي إبْطَالًا لِمُسَبِّبِ سَبَبٍ آخَرَ كَفَوَاتِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ) قُلْت مَا قَالَهُ صَحِيحٌ وَبِمَا سَلَفَ مِنْ الْقَوْلِ يَتَبَيَّنُ أَيُّ مَذْهَبَيْ الْعُلَمَاءِ فِي الْمَعِيَّةِ أَوْ الْقَبْلِيَّةِ أَصَحُّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
قَالَ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
إلَّا بِهَا وَمَا تَعَذَّرَ تَصْحِيحُ الْكَلَامِ إلَّا بِهِ وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ صَوْنًا لِلْكَلَامِ عَنْ الْإِلْغَاءِ اهـ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَسْأَلَةَ إذَا بُنِيَتْ عَلَى قَاعِدَةِ جَوَازِ النِّيَابَةِ فِي الْأُمُورِ الْمَالِيَّةِ لَا يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى تَقْدِيرٍ وَلَا غَيْرِهِ كَمَا لِابْنِ الشَّاطِّ فَهَذَا تَحْرِيرُ مَسَائِلِ هَذَا الْفَرْقِ الَّذِي سَبَقَ تَحْرِيرُهُ فِي الْفَرْقِ الْعَاشِرِ وَالْمِائَةِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَصِلُ إلَى الْمَيِّتِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَصِلُ إلَيْهِ]
(الْفَرْقُ الثَّانِي وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَصِلُ ثَوَابُهُ إلَى الْمَيِّتِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَصِلُ ثَوَابُهُ إلَيْهِ)
الْقُرُبَاتُ بِاعْتِبَارِ وُصُولِ ثَوَابِهَا لِلْغَيْرِ اتِّفَاقًا وَعَدَمِ وُصُولِ ثَوَابِهَا لِلْغَيْرِ اتِّفَاقًا وَالْخِلَافُ فِي وُصُولِهِ لَهُ وَعَدَمِ وُصُولِهِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ
(الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) مَا اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ حَجَرَ عَلَى عِبَادِهِ فِي ثَوَابِهِ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ نَقْلَهُ لِغَيْرِهِمْ كَالْإِيمَانِ وَالتَّوْحِيدِ وَالْإِجْلَالِ وَالتَّعْظِيمِ لِلَّهِ سبحانه وتعالى، وَكَذَلِكَ حُكِيَ فِي الصَّلَاةِ الْإِجْمَاعُ نَظَرًا فِي الْخِلَافِ الَّذِي نُقِلَ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِيهَا عَنْ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ قَدْ يُقَالُ إنَّهُ مَسْبُوقٌ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا تَقَدَّمَ
(الْقِسْمُ الثَّانِي) مَا اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَذِنَ فِي نَقْلِ ثَوَابِهِ لِلْمَيِّتِ وَهُوَ الدُّعَاءُ وَالْقُرُبَاتُ الْمَالِيَّةُ كَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ
(الْقِسْمُ الثَّالِثُ) مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ فِيهِ حَجْرٌ أَمْ لَا كَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَقِيلَ لَا يَصِلُ ثَوَابُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِمَنْ أَهْدَى لَهُ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَكَذَا هُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقِرَاءَةِ فَقَطْ، وَقِيلَ يَصِلُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي الْحَجِّ عَنْ الْمَيِّتِ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ.
وَكَذَا حَجُّ تَطَوُّعٍ أَوْصَى بِهِ وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَهُ فِي الصَّوْمِ عَمَّنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ، وَقَالَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقِرَاءَةِ فَقَطْ قَالَ كَنُونٍ قَالَ أَبُو زَيْدٍ الْفَاسِيُّ وَلَعَلَّ قَوْلَ الشَّيْخِ عَبْدِ اللَّهِ الْوَرْيَاجِلِيِّ.
وَأَمَّا الْإِجَارَةُ عَلَى الْقِرَاءَةِ فَلَا تَجُوزُ وَذَلِكَ جُرْحَةٌ فِي آكِلِهَا إلَّا أَنْ يَقْرَأَ الْقَارِئُ عَلَى وَجْهِ التَّطَوُّعِ وَيُعْطِيَهُ وَلِيَّ الْمَيِّتِ عَلَى وَجْهِ الصِّلَةِ وَالْعَطِيَّةِ لَا عَلَى وَجْهِ الْإِجَارَةِ اهـ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ النَّفْعِ كَمَا حَكَاهُ عَنْ مَعْرُوفِ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَفِي جَوَابٍ لِلْعَبْدِينِيِّ الْمَيِّتُ يَنْتَفِعُ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَالْخِلَافُ فِيهِ مَشْهُورٌ وَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ جَائِزَةٌ اهـ.
وَحُجَّةُ الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْوُصُولِ الْقِيَاسُ عَلَى الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا هُوَ عَمَلٌ بَدَنِيٌّ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنْ لَا يَنُوبَ فِيهِ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39] وَحَدِيثِ «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ عِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ وَصَدَقَةٌ جَارِيَةٌ وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ» وَحُجَّةُ الْقَوْلِ بِالْوُصُولِ أَوَّلًا الْقِيَاسُ عَلَى الدُّعَاءِ الْمُجْمَعِ عَلَى وَصْلِهِ لِلنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ الَّتِي مِنْهَا حَدِيثُ «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ» إلَخْ إذْ الْكُلُّ عَمَلٌ بَدَنِيٌّ وَثَانِيًا قَوْلُهُ عليه السلام «صَلِّ لَهُمَا مَعَ صَلَاتِك وَصُمْ لَهُمَا مَعَ صِيَامِك يَعْنِي أَبَوَيْهِ» ، وَقَوْلُهُ أَيْضًا «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» وَنَصُّ السُّنَّةِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْحَجَّ الْمَفْرُوضَ يَسْقُطُ عَنْ الْمَيِّتِ بِحَجِّ وَلِيِّهِ، وَكَذَا الْحَجُّ الْمَنْذُورُ يَسْقُطُ عَنْ الْمَيِّتِ بِعَمَلِ غَيْرِهِ وَظَاهِرُ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ وَغَيْرِهَا، «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْك فَكَمْ أَجْعَلُ لَك مِنْ صَلَاتِي قَالَ مَا شِئْت، قُلْت الرُّبْعَ قَالَ مَا شِئْت وَإِنْ زِدْت فَهُوَ خَيْرٌ لَك. قُلْت النِّصْفَ قَالَ مَا شِئْت وَإِنْ زِدْت فَهُوَ خَيْرٌ لَك، قُلْت أَجْعَلُ صَلَاتِي كُلَّهَا لَك قَالَ إذًا تُكْفَى هَمَّك وَيُغْفَرَ ذَنْبُك»
وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْعُهُودِ الْمُحَمَّدِيَّةِ عَنْ أَبِي الْمَوَاهِبِ الشَّاذِلِيِّ مِنْ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَنَامِ عَنْ مَعْنَاهُ فَقَالَ لَهُ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيَّ
السَّبَبِ أَوْ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الِانْقِلَابَ وَالْفَسْخَ يَقْتَضِي تَحَقُّقَ مَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فَهَذِهِ الْوُجُوهُ تُحَصِّلُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ عَلَى بَعْضِ الْمَذَاهِبِ فَبَطَلَ الشَّبَهُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ وَعَلَى الْمَذْهَبِ الْآخَرِ يَحْصُلُ الشَّبَهُ بَيْنَهُمَا.
(الْفَرْقُ الثَّانِي وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَتَقَدَّمُ مُسَبَّبُهُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ مُسَبَّبُهُ) اعْلَمْ أَنَّ أَزْمِنَةَ ثُبُوتِ الْأَحْكَامِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ، مَا يَتَقَدَّمُ وَمَا يَتَأَخَّرُ وَمَا يُقَارِنُ وَمَا يُخْتَلَفُ فِيهِ فَأَمَّا مَا يُقَارِنُ فَكَالْأَسْبَابِ الْفِعْلِيَّةِ فِي حِيَازَةِ الْمُبَاحِ كَالْحَشِيشِ وَالصَّيْدِ وَالسَّلَبِ فِي الْجِهَادِ حَيْثُ سَوَّغْنَاهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ عَلَى رَأْيِنَا أَوْ مُطْلَقًا عَلَى رَأْيِ الشَّافِعِيَّةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالزِّنَى وَالسَّرِقَةِ لِلْحُدُودِ وَمِنْ ذَلِكَ التَّعَالِيقُ اللُّغَوِيَّةُ فَإِنَّهَا كُلُّهَا أَسْبَابٌ فَإِذَا عُلِّقَ عَلَى شَرْطِ الطَّلَاقِ أَوْ غَيْرِهِ، وَأَمَّا مَا يَتَقَدَّمُ أَحْكَامُهُ عَلَيْهِ فَكَإِتْلَافِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّك تُقَدِّرُ الِانْفِسَاخَ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ تَلَفِهِ لِيَكُونَ الْمَحَلُّ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
(الْفَرْقُ الثَّانِي وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَتَقَدَّمُ مُسَبَّبُهُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَتَقَدَّمُ مُسَبَّبُهُ إلَى آخِرِ هَذَا الْقِسْمِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِيهِ صَحِيحٌ قَالَ (وَأَمَّا مَا تَتَقَدَّمُ أَحْكَامُهُ عَلَيْهِ فَكَإِتْلَافِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ إلَى قَوْلِهِ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي الْفَرْقِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْفَرْقِ) قُلْت لَا يَصِحُّ تَقْدِيرُ الِانْفِسَاخِ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ تَلَفِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ أَمَّا عَدَمُ صِحَّتِهِ فَلِأَنَّ الصَّحِيحَ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَتُهْدِيَ ثَوَابَ ذَلِكَ إلَيَّ لَا إلَى نَفْسِك وَثَالِثًا دُخُولُ أَوْلَادِ الْمُؤْمِنِينَ الْجَنَّةَ بِعَمَلِ آبَائِهِمْ وَانْتِفَاعِ الْغُلَامَيْنِ الْيَتِيمَيْنِ اللَّذَيْنِ قَالَ اللَّهُ فِي قِصَّتِهِمَا {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} [الكهف: 82] بِصَلَاحِ أَبِيهِمَا وَالنَّفْعُ بِالْجَارِ الصَّالِحِ فِي الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ كَمَا فِي الْأَثَرِ وَرَحْمَةُ جَلِيسِ أَهْلِ الذِّكْرِ وَهُوَ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ وَلَمْ يَجْلِسْ لِذَلِكَ، بَلْ لِحَاجَةٍ عَرَضَتْ لَهُ وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وقَوْله تَعَالَى لِنَبِيِّهِ {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} [الأنفال: 33] وقَوْله تَعَالَى {وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ} [الفتح: 25] وقَوْله تَعَالَى {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} [البقرة: 251] فَقَدْ رَفَعَ اللَّهُ الْعَذَابَ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ بِسَبَبِ بَعْضٍ وَمَا ذَلِكَ إلَّا لِانْتِفَاعِهِمْ بِأَعْمَالِ غَيْرِهِمْ الصَّالِحَةِ وَأَجَابَ أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ عَنْ الْقِيَاسِ عَلَى الصَّلَاةِ بِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِهَذِهِ الْأَدِلَّةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاعِ الْإِنْسَانِ بِعَمَلِ غَيْرِهِ، وَعَنْ الْآيَةِ إمَّا بِأَنَّهَا عَامَّةٌ قَدْ خُصِّصَتْ بِأُمُورٍ كَثِيرَةٍ وَإِمَّا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِنْسَانِ الْكَافِرِ وَالْمَعْنَى لَيْسَ لَهُ مِنْ الْخَيْرِ إلَّا مَا عَمِلَ هُوَ فَيُثَابُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا بِأَنْ يُوَسَّعَ عَلَيْهِ فِي رِزْقِهِ وَيُعَافَى فِي بَدَنِهِ حَتَّى لَا يَبْقَى لَهُ فِي الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَإِلَّا بِأَنَّ قَوْلَهُ {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39] مِنْ بَابِ الْعَدْلِ، وَأَمَّا مِنْ بَابِ الْفَضْلِ فَجَائِزٌ أَنْ يَزِيدَهُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ مِنْ فَضْلِهِ، وَأَمَّا بِغَيْرِ ذَلِكَ الْجَمْلِ عَلَى الْجَلَالَيْنِ، وَعَنْ حَدِيثِ «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ» إلَخْ وَنَحْوُهُ مِمَّا وَرَدَ فِي ذَلِكَ بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَقُلْ انْقَطَعَ انْتِفَاعُهُ.
وَإِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ انْقِطَاعِ عَمَلِهِ، وَأَمَّا عَمَلُ غَيْرِهِ فَهُوَ لِعَامِلِهِ فَإِنْ وَهَبَهُ لَهُ فَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ ثَوَابُ عَمَلِ الْعَامِلِ لَا ثَوَابُ عَمَلِهِ هُوَ فَالْمُنْقَطِعُ شَيْءٌ وَالْوَاصِلُ إلَيْهِ شَيْءٌ آخَرُ، وَكَذَلِكَ الْحَدِيثُ الْآخَرُ وَهُوَ قَوْلُهُ عليه السلام «إنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمَيِّتَ مِنْ حَسَنَاتِهِ وَعَمَلِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عَمَلًا عَمِلَهُ وَنَشَرَهُ أَوْ وَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ أَوْ مُصْحَفًا وَرَّثَهُ أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ أَوْ نَهْرًا أَكْرَاهُ أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ تَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ» فَإِنَّهُ لَمْ يَنْفِ أَنْ يَلْحَقَهُ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِ غَيْرِهِ وَحَسَنَاتِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِ الرُّوحِ وَأَجَابَ أَصْحَابُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ عَنْ الْقِيَاسِ عَلَى الدُّعَاءِ بِأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ فِي الدُّعَاءِ أَمْرَيْنِ
(أَحَدَهُمَا) مُتَعَلِّقُهُ كَالْمَغْفِرَةِ فِي قَوْلِك اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُرْجَى حُصُولُهُ لِلْمَدْعُوِّ لَهُ إذْ لَهُ طُلِبَ لَا لِلدَّاعِي وَإِنْ وَرَدَ أَنَّ الْمَلَكَ يَقُولُ لَهُ وَلَك مِثْلُهُ
(وَالْأَمْرُ الثَّانِي) ثَوَابُهُ وَهُوَ لِلدَّاعِي فَقَطْ وَعَمَّا وَرَدَ مِنْ الْأَحَادِيثِ بِالِانْتِفَاعِ بِعَمَلِ الْغَيْرِ الْبَدَنِيِّ مِنْ الصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالصَّلَاةِ بِأَنَّهَا مَعَ احْتِمَالِهَا التَّأْوِيلَ مُعَارَضَةٌ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَدِلَّةِ الْمَعْضُودَةِ بِأَنَّهَا عَلَى وَفْقِ الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ الِانْتِقَالِ فَتَقَدَّمَ، وَعَنْ الْأَحَادِيثِ وَالْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى دُخُولِ الْجَنَّةِ وَحُصُولِ الرَّحْمَةِ وَرَفْعِ الْعَذَابِ بِعَمَلِ الْغَيْرِ الصَّالِحِ بِأَنَّ الْحَاصِلَ فِي نَحْوِ هَذَا بَرَكَةُ الْمُؤْمِنِينَ لَا ثَوَابُ أَعْمَالِهِمْ وَبَرَكَةُ صَلَاحِ الْأَبِ لَا ثَوَابُ عَمَلِهِ وَبَرَكَةُ أَهْلِ الذِّكْرِ لَا ثَوَابُ عَمَلِهِمْ وَبَرَكَةُ الرَّسُولِ لَا ثَوَابُ عَمَلِهِ وَهَكَذَا وَالْبَرَكَاتُ لِعَدَمِ تَوَقُّفِهَا عَلَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ لَا يُنْكَرُ حُصُولُهَا لِلْغَيْرِ حَتَّى لِلْبَهَائِمِ الَّتِي لَا يَتَأَتَّى فِيهَا أَمْرٌ وَلَا نَهْيٌ فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَحْصُلُ بَرَكَتُهُ لِلْخَيْلِ وَالْحَمِيرِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْبَهَائِمِ كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ ضَرَبَ فَرَسًا بِسَوْطٍ فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُسْبَقُ.
وَقَدْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ بَطِيءَ الْحَرَكَةِ وَرُوِيَ أَنَّ حِمَارَهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَذْهَبُ إلَى بُيُوتِ أَصْحَابِهِ عليه السلام فَيَنْطَحُ بِرَأْسِهِ الْبَابَ يَسْتَدْعِيهِمْ إلَيْهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَرْوِيٌّ فِي مُعْجِزَاتِهِ وَكَرَامَاتِهِ عليه السلام مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا الثَّوَابُ فَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ بِأَنَّهُ يَتْبَعُ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ بِدَلِيلِ الْمُبَاحَاتِ وَأَهْلِ الْفَتَرَاتِ لَا يَحْصُلُ إلَّا لِمَنْ تَوَجَّهَ لَهُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ فَمِنْ هُنَا يَتَّضِحُ
قَابِلًا لِلِانْفِسَاخِ؛ لِأَنَّ الْمَعْدُومَ الصَّرْفُ لَا يَقْبَلُ انْقِلَابَهُ لِمِلْكِ الْبَائِعِ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي الْفَرْقِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْفَرْقِ وَكَمِثْلِ الْخَطَأِ فَإِنَّ لَهُ حُكْمَيْنِ
(أَحَدُهُمَا) يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ وَهُوَ وُجُوبُ الدِّيَةِ فَإِنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ بِالزُّهُوقِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِهَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا مَوْرُوثَةٌ وَالْإِرْثُ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا تَقَدَّمَ فِيهِ مِلْكُ الْمَيِّتِ فَيَجِبُ أَنْ يُقَدَّرَ مِلْكُهُ لَهَا حَالَةَ حَيَاتِهِ فِي حَالَةٍ تَقْبَلُ الْمِلْكَ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَقْبَلُهُ،
وَثَانِيهِمَا يَقْتَرِنُ بِهِ وَهُوَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ فَإِنَّهُ لَا ضَرُورَةَ لِتَقْدِيمِهَا عَلَى الْقَتْلِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الدِّيَةِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
فِي الْأَسْبَابِ الْمُطَّرِدِ فِيهَا أَنَّ تَعَقُّبَهَا مُسَبَّبَاتُهَا أَوْ تُقَارِنُهَا.
وَأَمَّا عَدَمُ الْحَاجَةِ إلَيْهِ فَلِأَنَّ انْقِلَابَ الْمَبِيعِ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الدَّاعِيَ إلَى ادِّعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى انْقِلَابِهِ إلَى مِلْكِهِ إنَّمَا هُوَ كَوْنُ ضَمَانِهِ مِنْهُ وَكَوْنُ ضَمَانِهِ مِنْهُ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنُهُ عَلَى مِلْكِهِ لِلُزُومِ الضَّمَانِ بِدُونِ الْمِلْكِ كَمَا فِي الْمُعْتَدِي وَإِنَّمَا كَانَ ضَمَانُهُ مِنْ الْبَائِعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ فِيهِ حَقُّ التَّوْفِيَةِ.
قَالَ (وَكَقَتْلِ الْخَطَأِ فَإِنَّ لَهُ حُكْمَيْنِ إحْدَاهُمَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ وَهُوَ وُجُوبُ الدِّيَةِ فَإِنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا بِالزَّهُوقِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِهَا) قُلْت مَا قَالَهُ غَيْرُ مُسْلِمٍ، بَلْ تَجِبُ بِإِنْفَاذِ الْمَقَاتِلِ الَّذِي يَئُولُ إلَى الزُّهُوقِ قَالَ (وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهَا مَوْرُوثَةٌ إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَقْبَلُهُ) قُلْت لَا حَاجَةَ إلَى تَقْدِيرِ مِلْكِ الدِّيَةِ، بَلْ هُوَ مُحَقَّقٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْإِنْفَاذُ لَا الزَّهُوق قَالَ
(وَثَانِيهمَا يَقْتَرِنُ بِهِ وَهُوَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ فَإِنَّهُ لَا ضَرُورَةَ لِتَقْدِيمِهَا عَلَى الْقَتْلِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الدِّيَةِ) قُلْت قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ فِيهِمَا
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
عَدَمُ صِحَّةِ قَوْلِ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ يَعْنِي أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَأَبَا حَنِيفَةَ كَمَا فِي الْمِعْيَارِ إذَا قُرِئَ عِنْدَ الْقَبْرِ حَصَلَ لِلْمَيِّتِ أَجْرُ الْمُسْتَمِعِ إذْ الْمَوْتَى قَدْ انْقَطَعَتْ عَنْهَا الْأَوَامِرُ وَالنَّوَاهِي فَكَمَا أَنَّ الْبَهَائِمَ تَسْمَعُ أَصْوَاتَنَا بِالْقِرَاءَةِ وَلَا ثَوَابَ لَهَا لِعَدَمِ الْأَمْرِ لَهَا بِالِاسْتِمَاعِ كَذَلِكَ الْمَوْتَى لَا يَكُونُ لَهُمْ ثَوَابٌ وَإِنْ كَانُوا مُسْتَمِعِينَ لِعَدَمِ الْأَمْرِ لَهُمْ بِالِاسْتِمَاعِ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ وَلَا يَقَعُ فِيهِ خِلَافٌ أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُمْ بَرَكَةُ الْقِرَاءَةِ لَا ثَوَابُهَا كَمَا تَحْصُلُ لَهُمْ بَرَكَةُ الرَّجُلِ الصَّالِحِ يُدْفَنُ عِنْدَهُمْ أَوْ يُدْفَنُونَ عِنْدَهُ فَإِنَّ الْبَرَكَةَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ بِخِلَافِ الثَّوَابِ كَمَا عَلِمْت لَكِنَّ الَّذِي يَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ لَا يُهْمِلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَلَعَلَّ الْحَقَّ هُوَ الْوُصُولُ إلَى الْمَوْتَى فَإِنَّ هَذِهِ أُمُورٌ مَغِيبَةٌ عَنَّا، وَلَيْسَ فِيهَا اخْتِلَافٌ فِي حُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَإِنَّمَا هُوَ فِي أَمْرٍ وَاقِعٍ هَلْ هُوَ كَذَلِكَ أَمْ لَا، وَكَذَلِكَ التَّهْلِيلُ الَّذِي جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ يَعْمَلُونَهُ الْيَوْمَ يَنْبَغِي أَنْ يُعْمَلَ، وَيُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ عَلَى فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا يُيَسِّرُهُ وَيُلْتَمَسُ فَضْلُ اللَّهِ بِكُلِّ سَبَبٍ مُمْكِنٍ وَمِنْ اللَّهِ الْجُودُ وَالْإِحْسَانُ اهـ.
قَالَ الرَّهُونِيُّ وَكَنُونٌ وَنُقِلَ هَذَا عَنْ الْقَرَافِيِّ صَاحِبِ الْمِعْيَارِ وَابْنِ الْفُرَاتِ وَالشَّيْخِ مُصْطَفَى الرَّمَاصِيِّ قَالَ كَنُونِ وَنَقَلَ أَبُو زَيْدٍ الْفَاسِيُّ فِي بَابِ الْحَجِّ مِنْ جَوَابٍ لِلْفَقِيهِ الْمُحَدِّثِ أَبِي الْقَاسِمِ الْعَبْدُوسِيِّ، وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ عَلَى الْقَبْرِ فَقَدْ نَصَّ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْأَجْوِبَةِ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَالْقُرْطُبِيِّ فِي التَّذْكِرَةِ عَلَى أَنَّ الْمَيِّتَ يَنْتَفِعُ بِالْقِرَاءَةِ قُرِئَتْ عَلَى الْقَبْرِ أَوْ فِي الْبَيْتِ أَوْ فِي بِلَادٍ إلَى بِلَادٍ وَوُهِبَ الثَّوَابُ اهـ مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَمَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ صَحِيحٌ نَعَمْ قَالَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي الْمَدْخَلِ مَنْ أَرَادَ وُصُولَ قِرَاءَتِهِ بِلَا خِلَافٍ فَلْيَجْعَلْ ذَلِكَ دُعَاءً بِأَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ أَوْصِلْ ثَوَابَ مَا أَقْرَأُ إلَى فُلَانٍ اهـ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الرَّهُونِيِّ وَكَنُونٍ قَالَ الرَّهُونِيُّ وَالتَّهْلِيلُ الَّذِي قَالَ فِيهِ الْقَرَافِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يُعْمَلَ هُوَ فِدْيَةُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ سَبْعِينَ أَلْفِ مَرَّةٍ حَسْبَمَا ذَكَرَهُ السَّنُوسِيُّ وَغَيْرُهُ هَذَا الَّذِي فَهِمَهُ مِنْهُ الْأَئِمَّةُ اُنْظُرْ الْحَطَّابَ هُنَا أَيْ فِي بَابِ الْجَنَائِزِ وَمُصْطَفَى الرَّمَاصِيَّ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ، وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ الْيَوْمَ مِنْ التَّهْلِيلِ عِنْدَ حَمْلِ الْمَيِّتِ وَتَوَجُّهِهِمْ بِهِ إلَى الدَّفْنِ فَجَزَمَ فِي الْمِعْيَارِ فِي الْفَصْلِ الَّذِي عَقَدَهُ فِي الْبِدَعِ قُبَيْلَ نَوَازِلِ النِّكَاحِ أَنَّهُ بِدْعَةٌ وَنُقِلَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ مِنْ الْمِعْيَارِ مِنْ كَلَامِ شَيْخِ الشُّيُوخِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ لُبٍّ وَأَبِي مُحَمَّدٍ سَيِّدِي عَبْدِ اللَّهِ الْعَبْدُوسِيِّ مَا هُوَ شَاهِدٌ لِمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْفَصْلِ الْمَذْكُورِ وَانْظُرْ تَقْيِيدَهُ الْمُسَمَّى بِالتَّحَصُّنِ وَالْمَنَعَةِ مِمَّنْ اعْتَقَدَ أَنَّ السُّنَّةَ بِدْعَةٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ.
(فَائِدَةٌ)
قَالَ الرَّهُونِيُّ وَكَنُونٌ فِي الْمِعْيَارِ عَنْ الْإِمَامِ الْمَنْثُورِيِّ مَا نَصُّهُ حَدَّثَنِي الْأُسْتَاذُ ابْنُ عُمَرَ عَنْ الْأُسْتَاذِ أَبِي الْحَسَنِ الْقُرْطُبِيِّ عَنْ الرَّاوِيَةِ أَبِي عَمْرِ بْنِ حَوْطِ اللَّهِ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الْخَطَّابِ عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ بَشْكُوَالَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ يَرْبُوعٍ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْخَزْرَجِيِّ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقَرَوِيُّ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ بِقُرْطُبَةَ قَالَ كُنْت بِمِصْرَ فَأَتَانِي نَعْيُ أَبِي فَوَجَدْت عَلَيْهِ وَجْدًا شَدِيدًا فَبَلَغَ ذَلِكَ الشَّيْخَ أَبَا الطَّيِّبِ بْنَ غَلْبُونٍ الْمُقْرِي فَوَجَّهَ لِي فَأَتَيْته فَجَعَلَ يُصَبِّرُنِي وَيَذْكُرُ ثَوَابَ الصَّبْرِ عَنْ الْمُصِيبَةِ وَالرَّزِيَّةِ، ثُمَّ قَالَ لِي ارْجِعْ إلَى مَا هُوَ أَعْوَدُ عَلَيْك وَعَلَى الْمَيِّتِ مِنْ أَفْعَالِ الْبِرِّ وَالْخَيْرِ مِثْلُ الصَّدَقَةِ وَمَا شَاكَلَهَا وَأَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَنْهُ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] عَشْرَ مَرَّاتٍ كُلَّ لَيْلَةٍ.
ثُمَّ قَالَ لِي أُحَدِّثُك فِي ذَلِكَ بِحَدِيثٍ قَالَ كَانَ رَجُلٌ مَعْرُوفٌ بِالْخَيْرِ وَالْفَضْلِ فَرَأَى فِي مَنَامِهِ كَأَنَّهُ فِي مَقْبَرَةِ مِصْرَ وَكَأَنَّ النَّاسَ نُشِرُوا مِنْ مَقَابِرِهِمْ وَكَأَنَّهُ مَشَى خَلْفَهُمْ لِيَسْأَلَهُمْ عَمَّا أَوْجَبَ نُهُوضَهُمْ إلَى الْجِهَةِ الَّتِي تَوَجَّهُوا إلَيْهَا فَوَجَدَ