الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْهِبَةِ فِي الْأَبِ لِلِابْنِ بِالِاعْتِصَارِ وَخِيَارِ الْعِتْقِ وَاللِّعَانِ وَالْكِتَابَةِ وَالطَّلَاقِ بِأَنْ يَقُولَ طَلَّقْت امْرَأَتِي مَتَى شِئْت فَيَمُوتُ الْمَقُولُ لَهُ وَسَلَّمَ الشَّافِعِيُّ جَمِيعَ مَا سَلَّمْنَاهُ وَسَلَّمَ خِيَارَ الْإِقَالَةِ وَالْقَبُولِ وَمَدَارِكَ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ عِنْدَنَا صِفَةٌ لِلْعَقْدِ فَيَنْتَقِلُ مَعَ الْعَقْدِ فَإِنَّ آثَارَ الْعَقْدِ انْتَقَلَتْ لِلْوَارِثِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ صِفَةٌ لِلْعَاقِدِ؛ لِأَنَّهَا مَشِيئَتُهُ وَاخْتِيَارُهُ فَتَبْطُلُ بِمَوْتِهِ كَمَا تَبْطُلُ سَائِرُ صِفَاتِهِ؛ وَلِأَنَّ الْأَجَلَ فِي الثَّمَنِ لَا يُورَثُ فَكَذَلِكَ فِي الْخِيَارِ؛ وَلِأَنَّ الْبَائِعَ رَضِيَ بِخِيَارٍ وَاحِدٍ وَأَنْتُمْ تُثْبِتُونَهُ لِجَمَاعَةٍ لَمْ يَرْضَ بِهِمْ وَهُمْ الْوَرَثَةُ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَتَعَدَّى الْخِيَارُ مَنْ اُشْتُرِطَ لَهُ كَمَا لَا يَتَعَدَّى الْأَجَلُ مَنْ اُشْتُرِطَ لَهُ.
(وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ) أَنَّ اخْتِيَارَهُ صِفَتُهُ، وَلَكِنْ صِفَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَالِ فَيَنْتَقِلُ كَاخْتِيَارِهِ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ وَأَنْوَاعَ الِانْتِفَاعِ فِي الْمَالِ فَإِنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ يَنْتَقِلُ تَبَعًا لِلْمَالِ (وَعَنْ الثَّانِي) أَنَّ الْأَجَلَ مَعْنَاهُ تَأْخِيرُ الْمُطَالَبَةِ، وَالْوَارِثُ لَا مُطَالَبَةَ عَلَيْهِ، بَلْ هُوَ صِفَةٌ لِلدَّيْنِ لَا جَرَمَ لِمَا انْتَقَلَ الدَّيْنُ لِلْوَارِثِ انْتَقَلَ مُؤَجَّلًا، وَكَذَلِكَ هَا هُنَا تَنْتَقِلُ الصِّفَةُ لِمَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ الْمَوْصُوفُ فَهَذَا لَنَا لَا عَلَيْنَا (وَعَنْ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
ثُمَّ قَالَ {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] فَلَوْ كَانَ الِافْتِدَاءُ طَلَاقًا لَكَانَ الطَّلَاقُ الَّذِي لَا تَحِلُّ لَهُ فِيهِ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ هُوَ الطَّلَاقُ الرَّابِعُ، وَعِنْدَ هَؤُلَاءِ إنَّ الْفُسُوخَ تَقَعُ بِالتَّرَاضِي قِيَاسًا عَلَى فُسُوخِ الْبَيْعِ أَعْنِي الْإِقَالَةَ، وَعِنْدَ الْمُخَالِفِ أَنَّ الْآيَةَ إنَّمَا تَضَمَّنَتْ حُكْمَ الِافْتِدَاءِ عَلَى أَنَّهُ شَيْءٌ يَلْحَقُ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الطَّلَاقِ لَا أَنَّهُ شَيْءٌ غَيْرُ الطَّلَاقِ فَسَبَبُ الِاخْتِلَافِ هَلْ اقْتِرَانُ الْعِوَضِ بِهَذِهِ الْفُرْقَةِ يُخْرِجُهَا مِنْ نَوْعِ فُرْقَةِ الطَّلَاقِ إلَى نَوْعِ فُرْقَةِ الْفَسْخِ أَمْ لَيْسَ يُخْرِجُهَا اهـ. كَلَامُهُ بِلَفْظِهِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْوَجْهَ عَدَمُ الْإِخْرَاجِ إذْ الْإِخْرَاجُ يُنَافِي الْإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِهِ بِغَيْرِ الصَّدَاقِ فَافْهَمْ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَقَاعِدَةِ خِيَارِ الشَّرْطِ]
(الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالتِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَقَاعِدَةِ خِيَارِ الشَّرْطِ)
أَمَّا عِنْدَ مَنْ قَالَ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ كَالشَّافِعِيِّ وَابْنِ حَنْبَلٍ رضي الله عنهما وَحَكَاهُ أَبُو الطَّاهِرِ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ مِنَّا فَهُوَ أَنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ مِنْ خَوَاصِّ عَقْدِ الْبَيْعِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ كَالْإِجَارَةِ وَالصَّرْفِ وَالسَّلَمِ وَالصُّلْحِ عَلَى غَيْرِ جِنْسِ الْحَقِّ وَهُوَ حَطِيطَةٌ لَا بَيْعٌ وَكَالْقِسْمَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا بَيْعٌ وَمِنْ اللَّوَازِمِ لَهُ بِحَيْثُ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ حُصُولِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَخِيَارُ الشَّرْطِ عَارِضٌ يَحْصُلُ عِنْدَ اشْتِرَاطِهِ وَيُنْفَى عِنْدَ انْتِفَاءِ الِاشْتِرَاطِ.
وَأَمَّا عِنْدَ مَنْ لَا يَقُولُ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ كَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنهما فَهُوَ إنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْغَرَرِ وَمُخَالَفَةُ الْقَوَاعِدِ وَالْأَدِلَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَخِيَارُ الشَّرْطِ لَيْسَ كَذَلِكَ أَمَّا اشْتِمَالُ خِيَارِ الْمَجْلِسِ عَلَى الْغَرَرِ فَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعُقُودِ اللُّزُومُ لِذَوِي الْحَاجَاتِ مِنْ الْأَعْوَاضِ فَإِنَّ الْعَقْدَ لَا يَقَعُ إلَّا لِحَاجَةٍ إذْ الْعُقُودُ أَسْبَابٌ لِتَحْصِيلِ الْمَقَاصِدِ مِنْ الْأَعْيَانِ وَالْأَصْلُ تَرْتِيبُ الْمُسَبَّبَاتِ عَلَى أَسْبَابِهَا حَتَّى تَنْدَفِعَ بِذَلِكَ الْحَاجَةُ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَنْدَفِعُ بِالتَّخْيِيرِ وَلِلُزُومِ ثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ إذْ لَا يَدْرِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ فَيَحْصُلُ الْغَرَرُ وَلَا تَنْدَفِعُ الْحَاجَةُ فَافْهَمْ.
وَأَمَّا اشْتِمَالُهُ عَلَى مُخَالَفَةِ الْقَوَاعِدِ وَالْأَدِلَّةِ فَهُوَ أَنَّ مَا فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ «الْمُتَعَاقِدَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا بِبَيْعِ الْخِيَارِ أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ اخْتَرْ» وَإِنْ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ، وَمَنْ وَافَقَهُ بِظَاهِرِهِ عَلَى ثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ إلَّا أَنَّ مُقْتَضَى الْبِنَاءِ عَلَى ثَلَاثِ قَوَاعِدَ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ عَكْسُ مَا تَدَّعِيهِ الشَّافِعِيَّةُ
(الْقَاعِدَةُ الْأُولَى) أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ مَجَازٌ إذَا مَضَى مَعْنَاهُ عَلَى الْأَصَحِّ
(الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ) أَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يَقْتَضِي عَلَيْهِ ذَلِكَ الْوَصْفَ لِذَلِكَ الْحُكْمِ نَحْوُ اُقْتُلُوا الْكَافِرَ وَارْجُمُوا الزَّانِيَ وَاقْطَعُوا السَّارِقَ وَنَحْوَهَا فَإِنَّ تَرْتِيبَ هَذِهِ الْأَحْكَامِ عَلَى هَذِهِ الْأَوْصَافِ يَقْتَضِي عَلَيْهِ تِلْكَ الْأَوْصَافَ الْمُتَقَدِّمَةَ لِهَذِهِ الْأَحْكَامِ
(الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ) أَنَّ عَدَمَ الْعِلَّةِ عِلَّةٌ لِعَدَمِ الْمَعْلُومِ فَعَدَمُ الْإِسْكَارِ عِلَّةٌ لِعَدَمِ التَّحْرِيمِ وَعَدَمُ الْكُفْرِ عِلَّةٌ لِعَدَمِ إبَاحَةِ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَعَدَمُ الْإِسْلَامِ فِي الرِّدَّةِ عِلَّةٌ لِعَدَمِ الْعِصْمَةِ وَهُوَ كَثِيرٌ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ حَقِيقَةٌ فِي حَالَةِ الْمُلَابَسَةِ عَمَلًا بِالْقَاعِدَةِ الْأُولَى وَوَصْفُ الْمُبَايَعَةِ هُوَ عِلَّةُ عَدَمِ الْخِيَارِ عَمَلًا بِالْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ فَإِذَا انْقَطَعَتْ أَصْوَاتُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ انْقَطَعَتْ الْمُبَايَعَةُ فَتَكُونُ الْعِلَّةُ قَدْ عُدِمَتْ فَيُعْدَمُ الْخِيَار الْمُرَتَّبُ عَلَيْهَا فَلَا يَبْقَى خِيَارٌ بَعْدَهَا عَمَلًا بِالْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ عَلَى أَنَّ لَنَا عَشَرَةَ أَوْجُهٍ تَسْقُطُ دَلَالَةُ الْخَبَرِ عَلَى ثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ
(الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) حَمْلُ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى الْمُتَفَاعِلَيْنِ بِالْبَيْعِ أَيْ الْمُتَسَاوِمَيْنِ مَجَازًا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْقَوَاعِدَ كَمَا دَلَّتْ عَلَى عَدَمِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَهِيَ تَدُلُّ عَلَى تَعَيُّنِ الْحَمْلِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّ الْخِيَارَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يَثْبُتُ إلَّا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَيَنْقَطِعُ بَعْدَهَا وَيَكُونُ الِافْتِرَاقُ الْأَقْوَالَ مَجَازًا أَيْضًا
(الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ أَحَدَ الْمَجَازَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لَازِمٌ فِي الْحَدِيثِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ إذَا لَمْ يُحْمَلَا عَلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ الْمَذْكُورِ، بَلْ عَلَى الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ حَالَةُ الْمُبَايَعَةِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ
الثَّالِثِ) أَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِخِيَارِ التَّعْيِينِ وَبِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْأَجْنَبِيِّ، وَقَدْ أَثْبَتُوهُ لِلْوَارِثِ وَبِمَا إذَا جَنَى فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى الْوَلِيِّ مَا لَمْ يَرْضَ بِهِ الْبَائِعُ فَهَذَا تَلْخِيصُ مُدْرِكِ الْخِلَافِ وَيَعْضُدُنَا فِي مَوْطِنِ الْخِلَافِ قَوْله تَعَالَى {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: 12] وَهُوَ عَامٌّ فِي الْحُقُوقِ فَيَتَنَاوَلُهُ صُورَةُ النِّزَاعِ وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ حُقُوقِ الْأَمْوَالِ إلَّا صُورَتَانِ فِيمَا عَلِمْت حَدُّ الْقَذْفِ وَقِصَاصُ الْأَطْرَافِ وَالْجَرْحِ وَالْمَنَافِعِ فِي الْأَعْضَاءِ فَإِنَّ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ تَنْتَقِلَانِ لِلْوَارِثِ وَهُمَا لَيْسَتَا بِمَالٍ لِأَجْلِ شِفَاءِ غَلِيلِ الْوَارِثِ بِمَا دَخَلَ عَلَى عِرْضِهِ مِنْ قَذْفِ مُوَرِّثِهِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا قِصَاصُ النَّفْسِ فَإِنَّهُ لَا يُورَثُ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَإِنَّمَا ثَبَتَ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ فَرْعُ زُهُوقِ النَّفْسِ فَلَا يَقَعُ إلَّا لِلْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ فَهَذَا تَلْخِيصُ هَذَا الْفَرْقِ بِبَيَانِ سِرِّهِ وَمَدَارِكِهِ وَالْخِلَافِ فِيهِ.
(الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالتِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ) قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ لَا يَتَوَقَّفُ شَيْءٌ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ عَلَى الْقَبْضِ إلَّا الْبَيْعُ فَيَمْتَنِعُ بَيْعُ الطَّعَامِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
حَقِيقَةٌ حَالَةَ الْمُلَابَسَةِ لَزِمَ حَمْلُ الِافْتِرَاقِ عَلَى مَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ وَهُوَ الِافْتِرَاقُ فِي الْأَقْوَالِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء: 130] .
وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «افْتَرَقَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَسَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي» الْحَدِيثَ أَيْ بِالْأَقْوَالِ وَالِاعْتِقَادَاتِ لَا عَلَى مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ الِافْتِرَاقُ فِي الْأَجْسَامِ نَحْوُ افْتِرَاقِ الْخَشَبَةِ وَفَرْقِ الْبَحْرِ، وَإِذَا حَمَلْنَا الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ الْمَذْكُورِ أَعْنِي مَنْ تَقَدَّمَ مِنْهُ الْبَيْعُ كَتَسْمِيَةِ الْإِنْسَانِ نُطْفَةً لَزِمَ كَوْنُ الِافْتِرَاقِ فِي الْأَجْسَامِ حَقِيقَةً وَحِينَئِذٍ فَإِمَّا أَنْ نَقُولَ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، فَيَكُونُ الْحَدِيثُ مُجْمَلًا فَيَسْقُطُ بِهِ الِاسْتِدْلَال وَإِمَّا أَنْ تُرَجِّحَ الْمَجَازَ الْأَوَّلَ أَعْنِي فِي الْمُتَبَايِعَيْنِ لِكَوْنِهِ مَعْضُودًا بِالْقِيَاسِ وَالْقَوَاعِدِ
(الْوَجْهُ الثَّالِثُ) قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ الطُّرُقِ فِي أَبِي دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيِّ «الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا أَنْ يَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبُهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ» فَلَوْ كَانَ الْمَجْلِسُ مَشْرُوعًا لَمْ يَحْتَجْ لِلْإِقَالَةِ فَإِنَّ مَنْ تَوَجَّهَتْ نَفْسُهُ يَخْتَارُ الْفَسْخَ، فَلَمَّا صَرَّحَ بِمَا يَقْتَضِي احْتِيَاجَهُ لِلْآخَرِ وَهُوَ الْإِقَالَةُ دَلَّ عَلَى بُطْلَانِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا هُوَ ثَابِتٌ قَبْلَ الْعَقْدِ وَأَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ هُمَا الْمُتَشَاغِلَانِ بِالْبَيْعِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَهَذَا دَلِيلُ ذَلِكَ الْمَجَازِ أَيْضًا
(الْوَجْهُ الرَّابِعُ) الْمُعَارَضَةُ بِنَهْيِهِ عليه الصلاة والسلام عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ، وَهَذَا مِنْ الْغَرَرِ كَمَا عَلِمْت
(الْوَجْهُ الْخَامِسُ) قَوْله تَعَالَى {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ الْمُنَافِي لِلْخِيَارِ
(الْوَجْهُ السَّادِسُ) لَوْ صَحَّ خِيَارُ الْمَجْلِسِ لِتَعَذُّرِ تَوَلِّي طَرَفَيْ الْعَقْدِ كَشِرَاءِ الْأَبِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ وَالْوَصِيِّ وَالْحَاكِمِ لَكِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُتَعَذِّرٍ، بَلْ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فَيَلْزَمُ عَلَى صِحَّةِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ تَرْكُ الْعَمَلِ بِالدَّلِيلِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى عَدَمِ صِحَّتِهِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ يَلْزَمُ عَلَى الصِّحَّةِ ذَلِكَ فِيمَا يَسْرُعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ مِنْ الْأَطْعِمَةِ كَالْهَرَائِسِ وَالْكَنَائِفِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى عَدَمِهَا فِيهِ ذَلِكَ
(الْوَجْهُ السَّابِعُ) أَنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ مَجْهُولُ الْعَاقِبَةِ إذْ لَيْسَ لَهُ ضَابِطٌ إلَّا الِافْتِرَاقُ، وَقَدْ يَطُولُ، وَقَدْ يَقْصُرُ وَكُلُّ مَجْهُولِ الْعَاقِبَةِ أَوْ النِّهَايَةِ فِي الزَّمَانِ مِنْ خِيَارِ الشَّرْطِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ مُجْمَعٌ عَلَى بُطْلَانِهِ فَأَوْلَى أَنْ يَقْتَضِيَ بُطْلَانَ مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ فِي الْعَقْدِ مِنْ خِيَارِ الْمَجْلِسِ
(الْوَجْهُ الثَّامِنُ) عَقْدٌ وَقَعَ الرِّضَى بِهِ فَيَبْطُلُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فِيهِ كَمَا بَعْدَ الْإِمْضَاءِ
(الْوَجْهُ) التَّاسِعُ أَنَّ الْحَدِيثَ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي بِعْنِي فَيَقُولُ الْبَائِعُ بِعْتُك فَإِنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ لَهُ الْخِيَارُ مَا دَامَ فِي الْمَجْلِسِ وَهَذِهِ صُورَةٌ تَفَرَّدَ بِهَا الْحَنَفِيَّةُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَهُمْ اشْتَرَيْت وَإِنْ كَانَ قَدْ اسْتَدْعَى الْبَيْعَ وَحَمَلُوا عَلَيْهِ قَوْلَهُ عليه الصلاة والسلام فِي الْبُخَارِيِّ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ «أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ اخْتَرْ» أَيْ اخْتَرْ الرُّجُوعَ عَنْ الْإِيجَابِ أَوْ الِاسْتِدْعَاءِ وَنَحْنُ نَحْمِلُهُ عَلَى اخْتِيَارِ شَرْطِ الْخِيَارِ، فَيَكُونُ مَعْنَى الْحَدِيثِ الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا فَلَا خِيَارَ أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ فَلَا تَنْفَعُ الْفُرْقَةُ وَلِذَلِكَ لَمْ يُرْوَ إلَّا بَيْعُ الْخِيَارِ مَعَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ
(الْوَجْهُ الْعَاشِرُ) عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ فَإِنْ تَكَرَّرَ الْبَيْعُ عِنْدَهُمْ مَعَ الْأَنْفَاسِ فَعَدَمُ الْمَجْلِسِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ مَشْرُوعِيَّتِهِ دَلَالَةً قَطْعِيَّةً وَالْقَطْعُ مُقَدَّمٌ عَلَى الظَّنِّ هَذَا مَا رَجَّحَ بِهِ الْأَصْلُ قَوْلَ مَالِكٍ، وَمَنْ وَافَقَهُ بِعَدَمِ صِحَّةِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَلَمْ يَرْتَضِ ابْنُ الشَّاطِّ مِنْ الْأَوْجُهِ الْعَشَرَةِ فِي إسْقَاطِ دَلَالَةِ الْخَبَرِ إلَّا الْعَاشِرَ فَقَدْ قَالَ لَيْسَ لِلْمَالِكِيَّةِ كَلَامٌ يَقْوَى غَيْرَ هَذَا أَيْ الْوَجْهِ الْعَاشِرِ فَإِذَا ثَبَتَ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ رُجِّحَ عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ قَالَ.
وَأَمَّا كَوْنُ الْأَصْلِ فِي الْعُقُودِ اللُّزُومُ إلَخْ فَيُقَالُ بِمُوجِبِهِ بَعْدَ خِيَارِ الْمَجْلِسِ لَا قَبْلَهُ وَاحْتِجَاجُ الشَّافِعِيِّ بِالْخَبَرِ الْمَذْكُورِ قَوِيٌّ وَالْعَادَةُ غَالِبًا لَا يَطُولُ مَجْلِسُ الْمُتَبَايِعَيْنِ طُولًا يُفَوِّتُ الْمَقْصُودُ مِنْ الْعِوَضَيْنِ كَيْفَ، وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم «أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ اخْتَرْ» أَيْ اخْتَرْ الْإِمْضَاءَ وَيَأْتِي جَوَابُ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ عِنْدَ ذِكْرِ دَلِيلِهِ أَيْ الَّذِي هُوَ الْوَجْهُ الثَّالِثُ وَالْوَجْهُ الثَّانِي صَحِيحٌ إذَا أُرِيدَ بِالْحَقِيقَةِ كَوْنُ الْفَاعِلِ مُلَابِسًا لِمَا صَدَرَ مِنْهُ أَوْ وُصِفَ بِهِ لَا إذَا أُرِيدَ بِالْحَقِيقَةِ كَوْنُ
قَبْلَ قَبْضِهِ لِقَوْلِهِ عليه السلام فِي الصَّحِيحِ «مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ» فَيَمْتَنِعُ فِيمَا فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ مِنْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدَدٍ إلَّا فِي غَيْرِ الْمُعَارَضَةِ كَالْقَرْضِ أَوْ الْبَدَلِ، ثُمَّ لَا يَجُوزُ لِمَنْ صَارَ إلَيْهِ هَذَا الطَّعَامُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ.
وَأَمَّا مَا بِيعَ جُزَافًا فَيَجُوزُ قَبْلَ النَّقْلِ إذَا خَلَّى الْبَائِعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ لِحُصُولِ الِاسْتِيفَاءِ وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ بَيْعَهُ قَبْلَ نَقْلِهِ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما مَا كُنَّا نَبْتَاعُ الطَّعَامَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيَبْعَثُ عَلَيْنَا مَنْ يَأْمُرُنَا بِنَقْلِهِ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي نَبْتَاعُهُ فِيهِ إلَى مَكَان سِوَاهُ، وَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه كُنَّا إذَا ابْتَعْنَا الطَّعَامَ جُزَافًا لَمْ نَبِعْهُ حَتَّى نُحَوِّلَهُ مِنْ مَكَانِهِ وَالْمَشْهُورُ اخْتِصَاصُ الْمَنْعِ بِالطَّعَامِ وَتَعْمِيمُهُ فِيهِ يَتَعَدَّى لِمَا فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ «لِنَهْيِهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ» خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَمْتَنِعُ التَّصَرُّفُ فِي الْبَيْعِ قَبْلَ قَبْضِهِ مُطْلَقًا وَاسْتَثْنَى أَبُو حَنِيفَةَ الْعَقَارَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يُخْشَى انْفِسَاخُهُ بِهَلَاكِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَوَافَقَ الْمَشْهُورَ ابْنُ حَنْبَلٍ.
وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنهما بِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ الْمُتَقَدِّمِ؛ وَلِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمَّا بَعَثَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
لَفْظِ مُتَبَايِعَيْنِ مَوْضُوعًا لِمُحَاوِلِي الْبَيْعِ وَالِابْتِيَاعِ فَإِنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ لَا يَكُونُ حَقِيقَةً إلَّا فِي حَالِ الْمُلَابَسَةِ، وَقَوْلُهُ وَإِنْ حَمَلْنَا الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ الْبَيْعِ إلَى قَوْلِهِ مَعْضُودًا بِالْقِيَاسِ وَالْقَوَاعِدِ مَبْنِيٌّ عَلَى ذَلِكَ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ وَهُوَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، بَلْ الصَّحِيحُ أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ حَقِيقَةً فِي الْمَاضِي وَفِي الْحَالِ وَفِي الِاسْتِقْبَالِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْأَزْمَانِ الثَّلَاثَةِ فِي اللِّسَانِ.
وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ وَلَا دَلِيلَ لِمَنْ ادَّعَى ذَلِكَ فِيمَا أَعْلَمُهُ غَيْرَ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ الْحَقِيقَةَ اللُّغَوِيَّةَ تَلْزَمُ الْحَقِيقَةَ الْوُجُودِيَّةَ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْحَقِيقَةَ اللُّغَوِيَّةَ الْمُرَادُ بِهَا أَنَّ اللَّفْظَ مَوْضُوعٌ لِلْمُعَيَّنِ لَا لِعَلَاقَةٍ بَيْنَ ذَلِكَ الْمَعْنَى وَمَعْنًى آخَرَ وُضِعَ لَهُ ذَلِكَ اللَّفْظُ قَبْلَ هَذَا وَالْحَقِيقَةُ الْوُجُودِيَّةُ الْمُرَادُ بِهَا كَوْنُ الصِّفَةِ بِالْمَوْصُوفِ مَوْجُودَةً فَالْمَعْنَيَانِ مُتَغَايِرَانِ لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَهُمَا بِوَجْهٍ اهـ.
قُلْت وَاَلَّذِي حَقَّقَهُ ابْنُ قَاسِمٍ فِي آيَاتِهِ عَلَى مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ التَّقِيِّ السُّبْكِيّ هُوَ أَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ عُلَمَاءِ الْمَعَانِي كَالشَّيْخِ عَبْدِ الْقَاهِرِ وَغَيْرِهِ أَنَّ أَصْلَ مَدْلُولِ الْوَصْفِ كَاسْمِ الْفَاعِلِ ذَاتُ مَا مُتَّصِفَةٌ بِمَعْنَى الْمُشْتَقِّ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ زَمَانٍ أَوْ حُدُوثٍ فِي ذَلِكَ الْمَدْلُولِ فَإِذَا أُطْلِقَ بِهَذِهِ الْحَالَةِ كَانَ مُتَنَاوِلًا حِينَ الْإِطْلَاقِ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا لِكُلِّ ذَاتٍ ثَبَتَ لَهَا ذَلِكَ الِاتِّصَافُ بِاعْتِبَارِ قِيَامِ تِلْكَ الصِّفَةِ بِالذَّاتِ بِالْفِعْلِ وَإِنْ تَأَخَّرَ الِاتِّصَافُ عَنْ الْإِطْلَاقِ أَوْ تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ الزَّمَانَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي مَدْلُولِهِ وَلَا يَتَنَاوَلُ ذَاتًا لَمْ يَثْبُتْ لَهَا ذَلِكَ الِاتِّصَافُ أَيْ حِينَ الْإِطْلَاقِ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ ثُبُوتِهِ لَهَا وَإِنْ سَبَقَ الِاتِّصَافُ الْإِطْلَاقَ أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهُ وَالْمُرَادُ لَا يَتَنَاوَلُهَا عَلَى سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ.
وَإِنْ تَنَاوَلَهَا عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ أَوْ يَكُونُ إنْ ثَبَتَ لَهَا ذَلِكَ الِاتِّصَافُ سَابِقًا أَوْ لَاحِقًا فَإِذَا قِيلَ الزَّانِي عَلَيْهِ الْحَدُّ كَانَ تَعَلُّقُ وُجُوبِ الْحَدِّ بِكُلِّ ذَاتٍ اتَّصَفَتْ بِالزِّنَى بِاعْتِبَارِ اتِّصَافِهَا بِهِ وَإِنْ تَأَخَّرَ اتِّصَافُهَا بِهِ عَنْ النُّطْقِ بِهَذَا الْكَلَامِ أَوْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ فَيَدْخُلُ فِيهِ زَيْدٌ الْمُتَّصِفُ بِالزِّنَى حَالَ النُّطْقِ بِاعْتِبَارِ اتِّصَافِهِ بِهِ الْآنَ وَالْمُتَّصِفُ بِهِ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ بِاعْتِبَارِ اتِّصَافِهِ بِهِ السَّابِقِ أَوْ اللَّاحِقِ وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِمْ اسْمُ الْفَاعِلِ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ إنَّهُ حَقِيقَةٌ بِاعْتِبَارِ حَالِ التَّلَبُّسِ أَيْ الِاتِّصَافِ بِالْوَصْفِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الِاتِّصَافُ سَابِقًا عَلَى التَّلَفُّظِ أَوْ مُقَارِنًا لَهُ أَوْ لَاحِقًا وَلَا يَتَنَاوَلُ ذَاتًا لَمْ تَتَّصِفْ بِهِ حَالَ النُّطْقِ أَوْ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ حَقِيقَةً، بَلْ إذَا لُوحِظَ نَحْوُ زَيْدٍ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ اتِّصَافِهِ بِهِ حِينَ النُّطْقِ بِهَذَا الْكَلَامِ وَجَعَلَ الْإِطْلَاقَ بِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ لَكِنْ بِسَبَبِ أَنَّهُ ذُو حَالَةٍ أُخْرَى سَابِقَةٍ أَوْ لَاحِقَةٍ كَانَ دَاخِلًا فِيهِ مَجَازًا لِعَلَاقَةِ مَا كَانَ أَوْ مَا يَكُونُ وَمِثْلُ هَذَا مَا إذَا لُوحِظَ زَيْدٌ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ اتِّصَافِهِ بِهِ فِي الْمَاضِي وَجَعْلُ الْإِطْلَاقِ بِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ لَكِنْ بِسَبَبِ أَنَّهُ ذُو حَالَةٍ أُخْرَى وَهِيَ اتِّصَافُهُ بِهِ الْآنَ وَفِي الْمُسْتَقْبَلِ.
فَيَكُونُ دَاخِلًا فِيهِ مَجَازًا لِعَلَاقَةٍ مَا يَكُونُ وَمَا إذَا لُوحِظَ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ اتِّصَافِهِ بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَجُعِلَ الْإِطْلَاقُ بِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ لَكِنْ بِسَبَبِ أَنَّهُ ذُو حَالَةٍ أُخْرَى وَهِيَ اتِّصَافُهُ بِهِ فِي الْمَاضِي أَوْ الْآنَ، فَيَكُونُ دَاخِلًا فِيهِ مَجَازًا لِعَلَاقَةِ مَا كَانَ وَإِنَّمَا كَانَ مَا ذُكِرَ مَجَازًا لِعَلَاقَةِ مَا يَكُونُ أَوْ مَا كَانَ لِمَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ السَّبْقَ وَاللُّحُوقَ الْمُعْتَبَرَ فِي الْمَجَازِ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ عَلَيْهِ وَبِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ بِالنَّظَرِ إلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ الْمَنْسُوبِ لَا بِالنَّظَرِ إلَى الْإِخْبَارِ بِذَلِكَ الْحُكْمِ كَمَا حَقَّقَهُ فِي التَّلْوِيح وَمُقْتَضَى كَلَامِ عُلَمَاءِ النَّحْوِ أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ وَنَحْوَهُ يُقْصَدُ بِهِ الْحُدُوثُ أَيْ حُدُوثُ مَعْنَى الْمُشْتَقِّ مِنْهُ مِنْ تِلْكَ الذَّاتِ بِمَعُونَةِ الْقَرَائِنِ فَهُوَ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقْصَدَ بِهِ الْحُدُوثُ بِالْوَضْعِ كَالْفِعْلِ يَجُوزُ قَصْدُ الْحُدُوثِ بِالْقَرَائِنِ؛ لِأَنَّهَا بِاعْتِبَارِ الْوَضْعِ لَا يُقْصَدُ بِهَا إلَّا مُجَرَّدُ الثُّبُوتِ أَيْ الْحُصُولِ دُونَ الْحُدُوثِ وَبِاعْتِبَارِ الْقَرَائِنِ لَا يُقْصَدُ بِهَا إلَّا مُجَرَّدُ الدَّوَامِ مَعَ الثُّبُوتِ دُونَ الْحُدُوثِ.
وَلَمْ يُقْصَدْ بِهَا الْحُدُوثُ مَعَ الْقَرَائِنِ فَإِذَا أُطْلِقَ اسْمُ الْفَاعِلِ وَنَحْوُهُ بِهَذِهِ الْحَالَةِ أَعْنِي أَنْ يُقْصَدَ بِهِ الْحُدُوثُ
عَتَّابَ بْنَ أَسِيدٍ أَمِيرًا عَلَى مَكَّةَ أَمَرَهُ أَنْ يَنْهَاهُمْ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يَقْبِضُوا أَوْ رِبْحِ مَا لَمْ يَضْمَنُوا وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الطَّعَامِ (وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي) أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الْمُرَادُ بِهَا نَهْيُهُ عليه السلام عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَك فَيُنْهَى الْإِنْسَانُ عَنْ بَيْعِ مِلْكِ غَيْرِهِ وَيَضْمَنُ تَخْلِيصَهُ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ عليه السلام «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ وَالْغَلَّةُ لِلْمُشْتَرِي» ، فَيَكُونُ الضَّمَانُ مِنْهُ فَمَا بَاعَ إلَّا مَضْمُونًا فَمَا يَتَنَاوَلُ الْحَدِيثُ مَحَلُّ النِّزَاعِ (وَعَنْ الثَّالِثِ) الْفَرْقُ بِأَنَّ الطَّعَامَ أَشْرَفُ مِنْ غَيْرِهِ لِكَوْنِهِ سَبَبَ قِيَامِ الْبِنْيَةِ وَعِمَادَ الْحَيَاةِ، فَشَدَّدَ الشَّرْعُ عَلَى عَادَاتِهِ فِي تَكْثِيرِ الشُّرُوطِ فِيمَا عَظُمَ شَرَفُهُ كَاشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ وَالصَّدَاقِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ دُونَ عَقْدِ الْبَيْعِ وَشَرَطَ فِي الْقَضَاءِ مَا لَمْ يَشْتَرِطْهُ فِي مَنْصِبِ الشَّهَادَةِ، ثُمَّ يَتَأَكَّدُ مَا ذَكَرْنَاهُ بِمَفْهُومِ نَهْيِهِ عليه السلام عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
فِي زَمَنٍ مَخْصُوصٍ كَانَ الزَّمَانُ مَلْحُوظًا فِيهِ وَمَدْلُولًا لَهُ الْتِزَامًا فَإِذَا قِيلَ الزَّانِي وَجَبَ حَدُّهُ فَإِنْ أُرِيدَ الَّذِي حَدَثَ زِنَاهُ فِي الزَّمَانِ الْحَاضِرِ لَمْ يَتَنَاوَلْ لَفْظًا مَنْ لَمْ يَحْدُثْ زِنَاهُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَلَوْ بِاعْتِبَارِ اتِّصَافِهِ فَالزِّنَا فِي غَيْرِهِ عَلَى سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُهُ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ، وَكَذَا يُقَالُ إذَا أُرِيدَ الَّذِي حَدَثُ زِنَاهُ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي أَوْ الْمُسْتَقْبَلِ وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ مَا فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِابْنِ السُّبْكِيّ مِمَّا حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا اُسْتُعْمِلَ الْوَصْفُ فِي الزَّمَانِ فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ ذَاتٌ ثَبَتَ لَهَا هَذَا الْوَصْفُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ كَانَ حَقِيقَةً كَمَا نُرِيدُهَا غَدًا أَوْ أَمْسِ إذَا أُرِيدَ بِضَارِبِ ذَاتٍ يَقَعُ مِنْهَا الضَّرْبُ غَدًا أَوْ وَقَعَ مِنْهَا الضَّرْبُ أَمْسِ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ ذَاتٌ ثَبَتَ لَهَا الْوَصْفُ الْآنَ أَيْ مُتَّصِفَةٌ الْآنَ بِهَذَا الْوَصْفِ الَّذِي سَيَقَعُ أَوْ وَقَعَ كَانَ مَجَازًا هُوَ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا أُرِيدَ بِالْوَصْفِ ذَاتٌ ثَبَتَ لَهَا الْآنَ وُقُوعُ الْحَدَثِ مِنْهَا فِي الِاسْتِقْبَالِ أَوْ فِي الْمَاضِي كَمَا إذَا قِيلَ زَيْدٌ ضَارِبٌ الْآنَ وَأُرِيدَ أَنَّهُ مُتَّصِفٌ الْآنَ بِأَنَّهُ يَضْرِبُ غَدًا أَوْ ضَرَبَ أَمْسِ وَهُوَ غَيْرُ ضَارِبٍ الْآنَ كَانَ مَجَازًا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَرِدْ بِهِ مَا وُضِعَ لَهُ وَهُوَ أَنَّهُ يَحْصُلُ مِنْهُ الْحَدَثُ الْآنَ إذْ وَصْفُ الذَّاتِ فِي هَذَا الزَّمَنِ الْحَالِّ بِوُقُوعِ الْحَدَثِ مِنْهَا إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ مَا يَكُونُ أَوْ مَا كَانَ وَمِثْلُ هَذَا مَا إذَا أُرِيدَ بِالْوَصْفِ ذَاتٌ ثَبَتَ لَهَا فِي الْمَاضِي وُقُوعُ الْحَدَثِ الْآنَ أَوْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنَّهُ مَجَازٌ بِاعْتِبَارِ مَا يَكُونُ وَمَا إذَا أُرِيدَ بِهِ ذَاتٌ ثَبَتَ لَهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ وُقُوعُ الْحَدَثِ فِي الْمَاضِي أَوْ الْآنَ فَإِنَّهُ مَجَازٌ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي بَيَانِيَّةِ الصَّبَّانِ والأنبابي عَلَيْهَا قَالَ الأنبابي وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ مُقْتَضَى كَلَامَيْ عُلَمَاءِ الْمَعَانِي وَعُلَمَاءِ النَّحْوِ بِأَنَّ لِلْوَصْفِ اسْتِعْمَالَيْنِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْأَكْثَرُ مَا قَالَهُ أَهْلُ الْمَعَانِي.
وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَقَلُّ مَا قَالَهُ أَهْلُ النَّحْوِ كَمَا يُشْعِرُ بِذَلِكَ قَوْلُ السَّيِّدِ، وَقَدْ يُقْصَدُ بِهِ الْحُدُوثُ بِمَعُونَةِ الْقَرَائِنِ انْتَهَتْ بِاخْتِصَارٍ لَكِنْ فِي كَلَامِ الرِّضَا التَّصْرِيحُ بِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ مَوْضُوعٌ لِلْحُدُوثِ وَالْحُدُوثُ فِيهِ أَغْلَبُ قَالَ وَلِهَذَا اطَّرَدَ تَحْوِيلُ الصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ إنْ قُصِدَ بِهَا الْحُدُوثُ إلَى صِيغَتِهِ كَحَاسِنٍ وَضَائِفٍ إلَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْهُ أُخِذَ بِظَاهِرِ كَلَامِ مُصَنِّفِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ حَيْثُ اُعْتُبِرَ فِي اسْمِ الْفَاعِلِ كَوْنُهُ بِمَعْنَى الْحُدُوثِ فَقَالَ اسْمُ الْفَاعِلِ مَا اُشْتُقَّ مِنْ فِعْلٍ لِمَنْ قَامَ بِهِ بِمَعْنَى الْحُدُوثِ اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ.
فَإِذَا عَلِمْت هَذَا ظَهَرَ لَك أَنَّ كَلَامَ الْأَصْلِ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ الْأَكْثَرِ فِي الْوَصْفِ الَّذِي لَا يَفْتَقِرُ لِلْقَرَائِنِ بِخِلَافِ مَا اخْتَارَهُ ابْنُ الشَّاطِّ فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ الْأَقَلِّ الْمُفْتَقِرِ لِلْقَرَائِنِ وَلَا يَتِمُّ قَوْلُهُ بِفَسَادِ الْقَاعِدَةِ الْأُولَى مِنْ الْقَوَاعِدِ الثَّلَاثِ الَّتِي قَالَ الْأَصْلُ إنَّ مُقْتَضَى الْبِنَاءِ عَلَيْهَا أَنَّ حَدِيثَ «الْمُتَعَاقِدَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ عَكْسُ مَا يَدَّعِيهِ الشَّافِعِيَّةُ فَيَسْقُطُ اهـ. قَوْلُ ابْنِ الشَّاطِّ أَنَّ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْأُولَى وَهِيَ فَاسِدَةٌ فَكُلُّ مَا بُنِيَ عَلَيْهَا فَاسِدٌ اهـ. وَحِينَئِذٍ فَلَا يُتَّجَهُ قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ فَتَأَمَّلْ بِإِنْصَافٍ.
وَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ فِي الْجَوَابِ عَنْ الْوَجْهِ الثَّالِثِ مَا نَصُّهُ لَا دَلَالَةَ لِلَفْظِ الْإِقَالَةِ عَلَى بُطْلَانِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ إنَّمَا هِيَ بِالضِّمْنِ لَا بِالصَّرِيحِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ لَفْظَ الْإِقَالَةِ حَقِيقَةٌ لَا مَجَازٌ وَيَلْزَمُ عَنْ ذَلِكَ مُخَالَفَةُ آخِرِ الْكَلَامِ أَوَّلَهُ فَإِنَّ أَوَّلَ الْكَلَامِ يَقْتَضِي صَرِيحًا ثُبُوتَ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَيَلْزَمُ عَنْ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ التَّأْكِيدُ لِمَا هُوَ مُقَرَّرٌ مِنْ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَوْ الْمُتَسَاوِمَيْنِ بِالْخِيَارِ وَذَلِكَ مَرْجُوحٌ فَإِنَّ حَمْلَ كَلَامِ الشَّارِعِ عَنْ التَّأْسِيسِ إذَا تَحَمَّلَهُ أَوْلَى وَيَلْزَمُ عَنْ ذَلِكَ أَيْضًا عَدَمُ الْفَائِدَةِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ فَإِنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ الْمُتَسَاوِمَيْنِ أَوْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِلْبَيْعِ وَالِابْتِيَاعِ مَا لَمْ يَقَعْ بَيْنَهُمَا الْعَقْدُ بِالْخِيَارِ فِي كُلِّ حَالٍ مِنْ أَحْوَالِهِمَا وَفِي صَفْقَةِ الْخِيَارِ وَغَيْرِهَا وَبِالْجُمْلَةِ فَفِي حَمْلِ لَفْظِ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى الْمَجَازِ وَحَمْلِ لَفْظِ الْإِقَالَةِ عَلَى الْحَقِيقَةِ ضُرُوبٌ مِنْ ضَعْفِ الْكَلَامِ وَتَعَارُضِهِ وَعَدَمِ الْفَائِدَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ غَيْرُ لَائِقٍ بِفَصَاحَةِ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَفِي حَمْلِ الْإِقَالَةِ عَلَى الْمَجَازِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا اخْتِيَارُ الْفَسْخِ وَحَمْلُ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى الْمُتَعَاقِدَيْنِ قُوَّةً لِلْكَلَامِ أَوْ اسْتِقَامَتُهُ وَثُبُوتُ فَائِدَتِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ بِلَفْظِهِ.
وَقَالَ فِي جَوَابِ الْوَجْهِ الرَّابِعِ أَنَّ الْغَرَرَ الْمَعْفُوَّ
وَمَفْهُومُهُ أَنَّ غَيْرَ الطَّعَامِ يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى وقَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275](فَإِنْ قُلْت) أَدِلَّةُ الْخُصُومِ عَامَّةٌ فِي الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ، وَالْقَاعِدَةُ الْأُصُولِيَّةُ أَنَّ اللَّفْظَ الْعَامَّ لَا يُخَصَّصُ بِذِكْرِ بَعْضِهِ فَالْحَدِيثُ الْخَاصُّ بِالطَّعَامِ لَا يُخَصِّصُ تِلْكَ الْعُمُومَاتِ فَإِنَّ مِنْ شَرْطِ الْمُخَصَّصِ أَنْ يَكُونَ مُنَافِيًا وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْجُزْءِ وَالْكُلِّ وَالْقَاعِدَةُ أَيْضًا أَنَّ الْخَاصَّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ عِنْدَ التَّعَارُضِ وقَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] عَامٌّ وَتِلْكَ الْأَحَادِيثُ خَاصَّةٌ فَتُقَدَّمُ عَلَى الْآيَةِ وَالِاعْتِمَادُ فِي تَخْصِيصِ تِلْكَ الْأَدِلَّةِ عَلَى عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّ الْخَصْمَ لَا يُسَلَّمُ أَنَّهُ حُجَّةٌ فَضْلًا عَنْ تَخْصِيصِ الْأَدِلَّةِ.
(قُلْت) أَسْئِلَةٌ صَحِيحَةٌ مُتَّجِهَةُ الْإِيرَادِ لَا يَحْضُرُنِي عَنْهَا جَوَابٌ نَظَائِرُ: قَالَ الْعَبْدُ يَجُوزُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ: الْهِبَةُ وَالْمِيرَاثُ عَلَى اخْتِلَافٍ وَالِاسْتِهْلَاكُ وَالْقَرْضُ وَالصُّكُوكُ، وَهِيَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
عَنْهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يَعْظُمُ فَإِنَّ الْمَجْلِسَ وَغَالِبَ الْعَادَةِ لَا يَطُولُ طُولًا يَقْتَضِي ذَلِكَ وَفِي جَوَابِ الْوَجْهِ الْخَامِسِ الْآيَةُ مُطْلَقَةٌ فَتُحْمَلُ عَلَى مَا بَعْدَ الْخِيَارِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَفِي جَوَابِ الْوَجْهِ السَّادِسِ إنَّمَا خَرَجَ كَلَامُ الشَّارِعِ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ عَلَى الْغَائِبِ.
وَحَيْثُ لَا يَتَعَذَّرُ أَيْ لَا مُطْلَقًا حَتَّى يُرَدَّ هَذَا الْوَجْهُ وَفِي جَوَابِ الْوَجْهِ السَّابِعِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ مَضْبُوطٌ بِالِاعْتِبَارِ وَمَا يَلْزَمُهُ غَالِبًا مِنْ التَّفَاوُتِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا نَظَرَ بِهِ مِنْ خِيَارِ الشَّرْطِ الْمَجْهُولِ الزَّمَانِ وَفِي جَوَابِ الْوَجْهِ الثَّامِنِ هَذَا قِيَاسٌ فَاسِدُ الْوَضْعِ فَإِنَّهُ فِي مُعَارَضَةِ النَّصِّ وَفِي جَوَابِ الْوَجْهِ التَّاسِعِ لَا خَفَاءَ بِضَعْفِ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ وُجُوهٍ أَيْسَرُهَا كَوْنُهُ بُنِيَ عَلَى مَذْهَبِ الْغَيْرِ اهـ.
قُلْت وَلَا يَخْفَاك أَنَّ الْبِنَاءَ عَلَى مَذْهَبِ الْغَيْرِ الْمُوَافِقِ لِلْمَذْهَبِ فِي أَصْلِ الدَّعْوَى مِنْ بُطْلَانِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَجَعْلِ الرَّدِّ عَلَى الْمُخَالِفِ الْقَائِلِ بِعَدَمِ بُطْلَانِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ مِنْ جِهَةِ مَذْهَبِ ذَلِكَ الْغَيْرِ لَا مِنْ جِهَةِ مَذْهَبِنَا لَا يَقْتَضِي ضَعْفَ هَذَا الْوَجْهِ أَصْلًا فَافْهَمْ
2 -
(وَصْلٌ) يَتَعَلَّقُ بِالنَّظَرِ فِي أُصُولِ بَابِ الْخِيَارِ أَيْ خِيَارِ الشَّرْطِ سَبْعُ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى)
قَالَ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ فِي جَوَازِهِ وَعَدَمِ جَوَازِهِ قَوْلَانِ وَعَلَى الْجَوَازِ الْجُمْهُورُ وَعُمْدَتُهُمْ حَدِيثُ حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ وَفِيهِ «وَلَك الْخِيَارُ ثَلَاثًا» وَمَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ» وَالثَّوْرِيُّ وَابْنُ أَبِي شُبْرُمَةَ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ وَعُمْدَتُهُمْ أَنَّهُ غَرَرٌ وَأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ اللُّزُومُ فِي الْبَيْعِ إلَّا أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ عَلَى الْخِيَارِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَوْ سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ أَوْ إجْمَاعٍ قَالُوا وَحَدِيثُ حِبَّانَ إمَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَإِمَّا أَنَّهُ لَمَّا شُكِيَ إلَيْهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ قَالُوا، وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، وَقَوْلُهُ فِيهِ «إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ» فَقَدْ فَسَّرَ الْمَعْنَى الْمُرَادَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَهُوَ مَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ لَفْظٍ آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ اهـ. .
2 -
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ)
قَالَ الْحَفِيدُ أَيْضًا فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ عِنْدَ مَنْ قَالُوا بِجَوَازِهِ خِلَافٌ فَرَأَى مَالِكٌ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ قَدْرٌ مَحْدُودٌ فِي نَفْسِهِ وَأَنَّهُ إنَّمَا يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ إلَى اخْتِلَافِ الْمَبِيعَاتِ وَذَلِكَ يَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ الْمَبِيعَاتِ قَالَ فَمِثْلُ الْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ فِي اخْتِيَارِ الثَّوْبِ وَالْجُمُعَةِ وَالْخَمْسَةِ الْأَيَّامِ فِي اخْتِيَارِ الْجَارِيَةِ وَالشَّهْرِ وَنَحْوِهِ فِي اخْتِيَارِ الدَّارِ وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ الْأَجَلُ الطَّوِيلُ الَّذِي فِيهِ فَضْلٌ عَنْ اخْتِيَارِ الْمَبِيعِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ أَجَلُ الْخِيَارِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ يَجُوزُ الْخِيَارُ لِأَيِّ مُدَّةٍ اُشْتُرِطَتْ وَبِهِ قَالَ دَاوُد وَاخْتَلَفُوا فِي الْخِيَارِ الْمُطْلَقِ دُونَ الْمُقَيَّدِ بِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ فَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ جِنِّي وَجَمَاعَةٌ بِجَوَازِ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ مُطْلَقًا وَيَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ أَبَدًا، وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ الْخِيَارُ الْمُطْلَقُ وَلَكِنَّ السُّلْطَانَ يَضْرِبُ فِيهِ أَجَلَ مِثْلِهِ وَعُمْدَةُ أَصْحَابِهِ هُوَ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ الْخِيَارِ هُوَ اخْتِيَارُ الْمَبِيعِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَحْدُودًا بِزَمَانِ إمْكَانِ اخْتِيَارِ الْمَبِيعِ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ مَبِيعٍ فَكَانَ النَّصُّ إنَّمَا وَرَدَ عِنْدَهُمْ تَنْبِيهًا عَلَى هَذَا الْمَعْنَى فَهُوَ عِنْدَهُمْ مِنْ بَابِ الْخَاصِّ أُرِيدَ بِهِ الْعَامُّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ بِحَالِ الْخِيَارِ الْمُطْلَقِ وَيَفْسُدُ الْمَبِيعُ.
وَاخْتَلَفَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ إنْ وَقَعَ الْخِيَارُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ جَازَ وَإِنْ مَضَتْ الثَّلَاثَةُ أَيَّامٍ فَسَدَ الْبَيْعُ وَعُمْدَتُهُ هُوَ أَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا يَجُوزَ الْخِيَارُ فَلَا يَجُوزُ مِنْهُ إلَّا مَا وَرَدَ فِيهِ فِي حَدِيثِ مُنْقِذِ بْنِ حِبَّانَ أَوْ حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْخَاصِّ أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ وَذَلِكَ كَسَائِرِ الرُّخْصِ الْمُسْتَثْنَاةِ مِنْ الْأُصُولِ مِثْلُ اسْتِثْنَاءِ الْعَرَايَا مِنْ الْمُزَابَنَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَالُوا، وَقَدْ جَاءَ تَحْدِيدُ الْخِيَارِ بِالثَّلَاثِ فِي حَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ وَهُوَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «مَنْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» .
وَأَمَّا حَدِيثُ مُنْقِذٍ فَأَشْبَهَ طُرُقُهُ الْمُتَّصِلَةُ مَا. رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «قَالَ لِمُنْقِذٍ وَكَانَ يُخْدَعُ فِي الْمَبِيعِ إذَا بِعْت فَقُلْ لَا خِلَابَةَ وَأَنْتَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا» ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، بَلْ هُوَ فَاسِدٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَدَلِيلُهُ مَا تَقَدَّمَ فَهَذِهِ هِيَ أَقَاوِيلُ فُقَهَاءِ
أُعْطِيَاتُ النَّاسِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَاخْتُلِفَ فِي طَعَامِ أَهْلِ الصُّلْحِ وَوَقَعَتْ الرُّخْصَةُ فِي الشَّرِكَةِ فِي الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَالْإِقَالَةِ وَالتَّوْلِيَةِ تَنْزِيلًا لِلثَّانِي مَنْزِلَةَ الْأَوَّلِ الْمُشْتَرِي عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَفْتَرِقَ الْعَقْدَانِ فِي أَجَلٍ أَوْ مِقْدَارٍ أَوْ غَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُشْعِرُ بِالْمُكَايَسَةِ، وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رضي الله عنهم الْجَمِيعَ نَظَرًا لِلنَّقْلِ وَالْمُعَاوَضَةِ فَهَذَا تَلْخِيصُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ.
(الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالتِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَتْبَعُ الْعَقْدَ عُرْفًا وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَتْبَعُهُ) قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ وَغَيْرُهُ إذَا قَالَ أَشْرَكْتُك مَعِي فِي السِّلْعَةِ يُحْمَلُ عَلَى النِّصْفِ وَبَيْعُ الْأَرْضِ يَنْدَرِجُ تَحْتَهُ الْأَشْجَارُ وَالْبِنَاءُ دُونَ الزَّرْعِ الظَّاهِرِ كَمَا بَوَّرَ الثِّمَارِ فَإِنْ كَانَ كَامِنًا فِي الْأَرْضِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْأَمْصَارِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَحَاصِلُهَا هَلْ يَجُوزُ مُطْلَقًا أَوْ مُقَيَّدًا وَإِنْ جَازَ مُقَيَّدًا فَكَمْ مِقْدَارُهُ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ مُطْلَقًا فَهَلْ مِنْ شَرْطِ ذَلِكَ أَنْ لَا يَقَعَ الْخِيَارُ فِي الثَّلَاثِ أَمْ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ وَإِنْ وَقَعَ فِي الثَّلَاثِ اهـ
2 -
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ الْحَفِيدُ أَيْضًا فِي جَوَازِ اشْتِرَاطِ النَّقْدِ فِيهِ وَعَدَمِ جَوَازِهِ قَوْلَانِ وَالْقَوْلُ بَعْدَ الْجَوَازِ عِنْدَ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ لِتَرَدُّدِهِ عِنْدَهُمْ بَيْنَ السَّلَفِ وَالْبَيْعِ وَفِيهِ ضَعْفٌ اهـ.
2 -
(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ)
قَالَ الْحَفِيدُ أَيْضًا اخْتَلَفُوا فِي ضَمَانِ الْمَبِيعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ مِمَّنْ يَكُونُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ مُصِيبَتُهُ مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي أَمِينٌ سَوَاءٌ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا وَعُمْدَتُهُمْ أَنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ فَلَمْ يَنْتَقِلْ الْمِلْكُ عَنْ الْبَائِعِ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْتُك وَلَمْ يَقُلْ الْمُشْتَرِي قَبِلْت، وَقَدْ قِيلَ فِي الْمَذْهَبِ إنَّهُ إنْ كَانَ هَلَكَ بِيَدِ الْبَائِعِ فَلَا خِلَافَ فِي ضَمَانِهِ إيَّاهُ وَإِنْ كَانَ هَلَكَ بِيَدِ الْمُشْتَرِي فَالْحُكْمُ كَالْحُكْمِ فِي الرَّهْنِ وَالْعَارِيَّةِ إنْ كَانَ مِمَّا يَغْلِبُ عَلَيْهِ فَضَمَانُهُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ فَضَمَانُهُ مِنْ الْبَائِعِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ شَرْطُ الْخِيَارِ لِكِلَيْهِمَا أَوْ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ فَضَمَانُهُ مِنْ الْبَائِعِ وَالْمَبِيعُ عَلَى مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُشْتَرِطُ وَحْدَهُ وَمَعَ الْمُشْتَرِي.
وَأَمَّا إنْ كَانَ شَرَطَهُ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ فَقَدْ خَرَجَ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَلَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَبَقِيَ مُعَلَّقًا حَتَّى يَنْقَضِيَ بِالْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَشْتَرِطْ الْبَائِعُ خِيَارًا كَانَ خَارِجًا عَنْ مِلْكِهِ وَلَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَدْخُلَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فِي رَدِّ الْآخَرِ لَهُ وَلَكِنَّ هَذَا الْقَوْلَ يُمَانِعُ الْحُكْمَ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مُصِيبَةً مِنْ أَحَدِهِمَا، وَقَدْ قِيلَ عَنْهُ الْمُشْتَرِي الثَّمَنُ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ دَخَلَ عِنْدَهُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ هُوَ الْمُشْتَرِطُ فَقَطْ كَانَ الْبَائِعُ قَدْ صَرَفَهُ عَنْ مِلْكِهِ وَأَبَانَهُ فَوَجَبَ أَنْ يَدْخُلَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ أَشْهَرُهُمَا أَنَّ الضَّمَانَ مِنْ الْمُشْتَرِي لِأَيِّهِمَا كَانَ الْخِيَارُ تَشْبِيهًا لِبَيْعِ الْخِيَارِ بِالْبَيْعِ اللَّازِمِ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِقِيَاسِهِ مَوْضِعَ الْخِلَافِ عَلَى مَوْضِعِ الِاتِّفَاقِ، وَهَذَا الْخِلَافُ آيِلٌ إلَى أَنَّ الْخِلَافَ هَلْ هُوَ مُشْتَرَطٌ لِإِيقَاعِ الْفَسْخِ فِي الْبَيْعِ أَوْ لِتَتْمِيمِ الْبَيْعِ فَإِذَا قُلْنَا بِفَسْخِ الْبَيْعِ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ، وَإِذَا قُلْنَا بِتَتْمِيمِهِ فَهُوَ فِي ضَمَانِهِ اهـ.
2 -
(الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) قَالَ الْحَفِيدُ أَيْضًا هَلْ يُورَثُ خِيَارُ الْبَيْعِ أَمْ لَا فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا يُورَثُ وَإِنَّهُ إذَا مَاتَ صَاحِبُ الْخِيَارِ فَلِوَرَثَتِهِ مِنْ الْخِيَارِ مِثْلُ مَا كَانَ لَهُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ يَبْطُلُ الْخِيَارُ بِمَوْتِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ وَيَتِمُّ الْبَيْعُ وَهَكَذَا عِنْدَهُ خِيَارُ الشُّفْعَةِ وَخِيَارُ قَبُولِ الْوَصِيَّةِ وَخِيَارُ الْإِقَالَةِ وَسَلَّمَ لَهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ خِيَارَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ أَعْنِي أَنَّهُ قَالَ يُورَثُ.
وَكَذَلِكَ خِيَارُ اسْتِحْقَاقِ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْقَسْمِ وَخِيَارُ الْقِصَاصِ وَخِيَارُ الرَّهْنِ وَسَلَّمَ لَهُمْ مَالِكٌ خِيَارَ رَدِّ الْأَبِ مَا وَهَبَهُ لِابْنِهِ أَعْنِي أَنَّهُ لَمْ يَرَ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ مِنْ الْخِيَارِ فِي رَدِّ مَا وَهَبَهُ لِابْنِهِ مَا جَعَلَ الشَّرْعُ مِنْ ذَلِكَ لَهُ أَيْ لِلْأَبِ الْمَيِّتِ، وَكَذَلِكَ خِيَارُ الْكِتَابَةِ وَالطَّلَاقِ وَاللِّعَانِ وَمَعْنَى خِيَارِ الطَّلَاقِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِرَجُلٍ آخَرَ طَلِّقْ امْرَأَتِي مَتَى شِئْت فَيَمُوتُ الرَّجُلُ الْمَجْعُولُ لَهُ الْخِيَارُ فَإِنَّ وَرَثَتَهُ لَا يَتَنَزَّلُونَ مَنْزِلَتَهُ عِنْدَ مَالِكٍ وَسَلَّمَ الشَّافِعِيُّ مَا سَلَّمَتْ الْمَالِكِيَّةُ لِلْحَنَفِيَّةِ مِنْ هَذِهِ الْخِيَارَاتِ وَسَلَّمَ زَائِدَ خِيَار الْإِقَالَةِ وَالْقَبُولِ قَالَ لَا يُورَثَانِ وَمَوْضِعُ الْخِلَافِ هَلْ الْأَصْلُ أَنْ تُورَثَ الْحُقُوقُ كَالْأَمْوَالِ أَوْ أَنْ تُورَثَ الْأَمْوَالُ دُونَ الْحُقُوقِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ يُشْبِهُ مِنْ هَذَا مَا لَمْ يُسَلِّمْهُ لَهُ خَصْمُهُ مِنْهَا بِمَا يُسَلِّمُهُ مِنْهَا لَهُ وَيَحْتَجُّ عَلَى خَصْمِهِ فَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ تَحْتَجُّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ وِرَاثَةَ خِيَارِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَيُشْبِهُ سَائِرَ الْخِيَارَاتِ الَّتِي يُورَثُهَا بِهِ وَالْحَنَفِيَّةُ تَحْتَجُّ أَيْضًا عَلَى الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ بِمَا تَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَرُومُ أَنْ يُعْطِيَ فَارِقًا يَخْتَلِفُ فِيهِ.
قَوْلُهُ وَمُشَابِهًا فِيمَا يَتَّفِقُ فِيهِ قَوْلُهُ وَيَرُومُ فِي قَوْلِهِ خَصْمُهُ بِالضِّدِّ أَعْنِي أَنْ يُعْطِيَ فَارِقًا فِيمَا يَمْنَعُهُ الْخَصْمُ مُتَّفِقًا وَيُعْطِي اتِّفَاقًا فِيمَا يَضَعُهُ الْخَصْمُ مُتَبَايِنًا مَثَلًا تَقُولُ الْمَالِكِيَّةُ إنَّمَا قُلْنَا إنَّ خِيَارَ الْأَبِ فِي رَدِّ هِبَتِهِ لَا يُورَثُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ خِيَارٌ رَاجِعٌ إلَى صِفَةٍ فِي الْأَبِ لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ وَهِيَ الْأُبُوَّةُ فَوَجَبَ أَنْ لَا تُورَثَ إلَى لَا صِفَةَ فِي الْعَقْدِ، وَهَذَا هُوَ سَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي خِيَارٍ أَعْنِي: أَنَّهُ مَنْ انْقَدَحَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا أَنَّهُ صِفَةٌ لِلْعَقْدِ وَرِثَهُ، وَمَنْ انْقَدَحَ لَهُ أَنَّهُ صِفَةٌ خَاصَّةٌ بِذِي الْخِيَارِ لَمْ يُوَرَّثْهُ هُوَ سَيَأْتِي تَوْضِيحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْفَرْقِ الَّذِي تِلْوُ هَذَا الْفَرْقِ فَتَرَقَّبْ
2 -