الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الذِّمَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ أَهْلِيَّةِ الْمُعَامَلَةِ) اعْلَمْ أَنَّ الذِّمَّةَ قَدْ أُشْكِلَتْ مَعْرِفَتُهَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَجَمَاعَةٌ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا أَهْلِيَّةُ الْمُعَامَلَةِ فَإِذَا
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
صَحِيحٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ فَفَعَلْت أَيْ مَلَّكْته الْأَلْفَ بِشَرْطِ التَّمْلِيكِ الَّذِي هُوَ التَّلَفُّظُ بِمَا يَقْتَضِيهِ فَيَنْدَفِعُ الْإِلْزَامُ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الذِّمَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ أَهْلِيَّةِ الْمُعَامَلَةِ]
قَالَ (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الذِّمَّةِ وَقَاعِدَةِ أَهْلِيَّةِ الْمُعَامَلَةِ إلَى قَوْلِهِ، وَهَذَا هُوَ ضَابِطُ الْأَعَمِّ وَالْأَخَصِّ مِنْ وَجْهٍ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ وَمَا قَالَهُ بَعْدُ مِنْ حِكَايَةِ أَقْوَالٍ لَا كَلَامَ فِيهِ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الصَّبِيَّ لَا ذِمَّةَ لَهُ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنْ كَانَتْ الذِّمَّةُ كَوْنَ الْإِنْسَانِ قَابِلًا لِلُزُومِ الْحُقُوقِ وَالْتِزَامِهَا شَرْعًا فَالصَّبِيُّ لَا ذِمَّةَ لَهُ وَإِنْ كَانَتْ الذِّمَّةُ كَوْنَهُ قَابِلًا لِلُزُومِ الْحُقُوقِ دُونَ الْتِزَامِهَا فَالصَّبِيُّ لَهُ ذِمَّةٌ لِلُزُومِ أُرُوشِ الْجِنَايَاتِ وَقِيَم الْمُتْلَفَاتِ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
لِخَوْفِهِمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَوْ وَلَدَيْهِمَا أَوْ فِطْرٌ لِإِكْرَاهٍ أَوْ نِسْيَانٍ أَوْ لِخَطَأٍ لَا لِجَهْلٍ أَوْ وَطِئَ غَيْرَ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا لَيْلًا، وَلَوْ عَمْدًا أَوْ نَهَارًا نَاسِيًا لِلصَّوْمِ أَوْ لِعُذْرٍ يُبِيحُ الْفِطْرَ لَمْ يَنْقَطِعْ التَّتَابُعُ أَيْ بِجَمِيعِ ذَلِكَ فَيُبْنَى عَلَى مَا قَدَّمَهُ وَيُتِمُّهُ اهـ مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْفِطْرُ لِمَرَضٍ لَا يُبْطِلُهُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ إلَّا أَنَّهُ قَالَ الْإِغْمَاءُ كَالْمَرَضِ وَالْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ كَالْمَرِيضِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ حَفِيدِ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْبِدَايَةِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ إنْ وَطِئَ الْمُظَاهَرَ مِنْهَا لَا يَسْتَأْنِفُ عَلَى حَالٍ نَظَرًا لِكَوْنِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ تَرْفَعُ الْحِنْثَ بَعْدَ وُقُوعِهِ بِاتِّفَاقٍ وَحَكَى الْأَصْلُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ إنْ وَطِئَ الْمُظَاهَرَ مِنْهَا لَيْلًا لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ. اهـ.
فَحَرِّرْ هَذَا تَوْضِيحُ الْفَتَاوَى عَلَى الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ حَاصِلٌ عَلَى كُلِّ فَتْوَى مَذْهَبٍ مِنْهَا إلَّا أَنَّ سِرَّهُ لَا يَظْهَرُ إلَّا عَلَى الْفَتْوَى مِنْ مَذْهَبَيْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَذَلِكَ أَنَّهُمَا جَعَلَا وَطْءَ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا مُطْلَقًا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا أَوَّلَ الصَّوْمِ أَوْ آخِرَهُ نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا مُوجِبًا لِابْتِدَاءِ الصَّوْمِ، وَوَطْءَ غَيْرِ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا وَالْأَكْلَ نَهَارًا عَمْدًا فَقَطْ مُوجِبًا لِابْتِدَائِهِ، وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَعَلَى عَكْسِ ذَلِكَ فَقَدْ جَعَلَا وَطْءَ غَيْرِ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا وَالْأَكْلَ نَهَارًا مُطْلَقًا أَيْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا مُوجِبًا لِابْتِدَاءِ الصَّوْمِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَطْءَ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا عَمْدًا فَقَطْ لِابْتِدَائِهِ وَالشَّافِعِيُّ وَطْؤُهَا إمَّا لَا يُوجِبُ الِابْتِدَاءَ عَلَى حَالٍ، وَأَمَّا لَيْلًا فَقَطْ لَا يُوجِبُهُ كَمَا تَوَضَّحَ وَسِرُّ الْفَرْقِ هُوَ أَنَّ التَّتَابُعَ صِفَةُ الصَّوْمِ الْمُكَلَّفِ بِوُجُوبِهِ وَصِفَةَ الْمُكَلَّفِ بِوُجُوبِهِ مُكَلَّفٌ بِوُجُوبِهَا وَعَدَمَ وَطْءِ الْمُظَاهِرِ مِنْهَا قَبْلَ التَّكْفِيرِ عَنْ الظَّاهِرِ شَرْطٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] فَإِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ افْعَلْ كَذَا أَنَّ التَّقَدُّمَ شَرْطٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَالْقَاعِدَةُ الَّتِي تَقَدَّمَتْ مَبْسُوطَةٌ أَنَّ الْوُجُوبَ كَسَائِرِ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ مِنْ قَبِيلِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ يُشْتَرَطُ فِيهِ عِلْمُ الْمُكَلَّفِ وَقُدْرَتُهُ وَإِرَادَتُهُ فَمَا لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ لَا يُكَلَّفُ لَك وَكَذِبُهُ مَا لَمْ يَبْلُغْهُ لَا يَلْزَمُهُ حَتَّى يَعْلَمَ بِهِ.
غَيْرَ أَنَّ التَّمَكُّنَ مِنْ الْعِلْمِ يَقُومُ مَقَامَ الْعِلْمِ فِي التَّكْلِيفِ فَيَسْقُطُ بِالنِّسْيَانِ وَالْإِكْرَاهِ وَالْمَرَضِ وَالْإِغْمَاءِ وَنَحْوِهَا لِمُنَافَاتِهَا التَّكْلِيفَ بِمُنَافَاتِهَا لِشَرْطِهِ لُطْفًا مِنْ اللَّهِ بِالْعِبَادِ وَأَنَّ الشَّرْطَ كَالسَّبَبِ وَالْمَانِعِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ قَبِيلِ خِطَابِ الْوَضْعِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ عِلْمٌ وَلَا قُدْرَةٌ وَلَا إرَادَةٌ كَالتَّوْرِيثِ بِالْأَنْسَابِ وَالْإِنْسَانُ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ وَلَا هُوَ مِنْ قُدْرَتِهِ وَلَا إرَادَتِهِ فَيَقْدَحُ فِيهِ النِّسْيَانُ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ مَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ يَثْبُتُ مُطْلَقًا وَمَا يَثْبُتُ مُطْلَقًا اُعْتُبِرَ مُطْلَقًا، فَيَكُونُ شَرْطًا فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فَالْمَفْهُومُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 4] أَنَّهُ بَعْدَ الظِّهَارِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ شَهْرَيْنِ لَيْسَ قَبْلَهُمَا وَطْءٌ وَلَا فِي أَثْنَائِهِمَا وَطْءٌ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ إمَّا خَبَرٌ مَعْنَاهُ الْأَمْرُ أَيْ لِيَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ وَإِمَّا خَبَرٌ بَاقٍ عَلَى حَقِيقَتِهِ حُذِفَ مِنْهُ إمَّا الْمُبْتَدَأُ أَيْ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ وَإِمَّا الْخَبَرُ أَيْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَكَوْنُهُمَا لَيْسَ قَبْلَهُمَا وَطْءٌ وَلَا فِي أَثْنَائِهِمَا وَطْءٌ أَمْرَانِ قَدْ يَتَغَيَّرُ أَحَدُهُمَا بِتَقَدُّمِ الْوَطْءِ فَيَسْتَحِلُّ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْ بَعْدَ تَغَيُّرِ أَحَدِهِمَا بِتَقَدُّمِ الْوَطْءِ أَنْ يُصَدَّقَ أَنَّهُ يَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لَيْسَ قَبْلَهُمَا وَطْءٌ وَيَبْقَى الْآخَرُ وَهُوَ أَنْ يَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لَيْسَ فِي خِلَالِهِمَا وَطْءٌ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْمُتَعَذِّرَ يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ وَالْمُمْكِنَ يُسْتَصْحَبُ فِيهِ التَّكْلِيفُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] ، وَلِقَوْلِهِ عليه السلام «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» فَلِذَلِكَ قُلْنَا نَحْنُ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَبْتَدِئُ الصَّوْمَ مُتَتَابِعَيْنِ إذَا وَطِئَهَا قَبْلَهُ مُطْلَقًا وَأَبُو حَنِيفَةَ عَمْدًا فَقَطْ.
وَإِنْ كَانَ وَصْفُ تَقَدَّمْ عَدَمِ الْوَطْءِ قَدْ تَعَذَّرَ؛ لِأَنَّهُ أَيْ التَّتَابُعَ هُوَ الْمُمْكِنُ الْبَاقِي، وَأَمَّا فِي فِطْرِهِ نَاسِيًا النَّذْرُ الْمُتَتَابِعَ وَنَحْوَهُ مِنْ أَنْوَاعِ الصَّوْمِ الْمُتَتَابِعِ فَيَأْتِي بِيَوْمٍ غَيْرِ الْيَوْمِ الَّذِي أَفْطَرَ فِيهِ نَاسِيًا يَصِلُهُ بِآخِرِ صِيَامِهِ تَكْمِلَةً لِلْعِدَّةِ لَا لِتَحْصِيلِ وَصْفِ التَّتَابُعِ فِي جَمِيعِ الصَّوْمِ، بَلْ فِي آخِرِهِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ تَحْصِيلَهُ فِي أَثْنَاءِ الصَّوْمِ قَدْ تَعَذَّرَ وَبَقِيَ تَحْصِيلُهُ فِي آخِرِهِ مُمْكِنًا فَوَجَبَ الْمُمْكِنُ وَسَقَطَ الْمُتَعَذِّرُ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ الْوَارِدُ هُنَا عَلَى الْفَتَاوَى الْمَذْكُورَةِ كُلِّهَا مِنْ جِهَةِ
قُلْنَا زَيْدٌ لَهُ ذِمَّةٌ مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَهْلٌ لَأَنْ يُعَامَلَ وَهُمَا حَقِيقَتَانِ مُتَبَايِنَتَانِ بِمَعْنَى أَنَّهُمَا مُتَغَايِرَتَانِ وَتَحْقِيقُ التَّغَايُرِ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ الْحَقِيقَتَيْنِ أَعَمُّ مِنْ الْأُخْرَى مِنْ وَجْهٍ وَأَخَصُّ مِنْ وَجْهٍ فَإِنَّ التَّصَرُّفَ يُوجَدُ بِدُونِ الذِّمَّةِ، وَالذِّمَّةُ تُوجَدُ بِدُونِ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ وَيَجْتَمِعَانِ مَعًا كَالْحَيَوَانِ وَالْأَبْيَضِ يُوجَدُ الْحَيَوَانُ وَلَا أَبْيَضُ كَالْأَسْوَدَانِ وَالْأَبْيَضِ وَلَا حَيَوَانَ كَالْجِيرِ وَالثَّلْجِ وَيَجْتَمِعَانِ مَعًا كَالصَّقَالِبَةِ وَالطُّيُورِ الْبِيضِ، وَهَذَا هُوَ ضَابِطُ الْأَعَمِّ وَالْأَخَصِّ مِنْ وَجْهٍ فَالصِّبْيَانُ عِنْدَنَا الْمُمَيِّزُونَ يَصِحُّ بَيْعُهُمْ وَشِرَاؤُهُمْ وَيَقِفُ اللُّزُومُ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله لَا يَنْعَقِدُ أَصْلًا وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ وَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ فَإِنْ عَقَدَ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ وَقَفَ عَلَى إجَازَتِهِ، وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ إنْ عَقَدَهُ بِإِذْنٍ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا وَاتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى عَدَمِ الذِّمَّةِ فِي حَقِّهِ فَهَذَا الْقِسْمُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
أَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [المجادلة: 4] عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ مِنْ التَّقَادِيرِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَعْنِي كَوْنَهُ خَبَرًا بِمَعْنَى الْأَمْرِ أَوْ عَلَى حَقِيقَتِهِ حُذِفَ مِنْهُ الْمُبْتَدَأُ أَوْ الْخَبَرُ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِطَلَبٍ لَا يُدْفَعُ فَكَيْفَ يُتَخَيَّلُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ النَّهْيِ عَنْ التَّفْرِيقِ، فَيَكُونُ مُحَرَّمًا.
وَالْمُحَرَّمُ لَا يَأْثَمُ الْإِنْسَانُ بِمُلَابَسَتِهِ مَعَ عَدَمِ الْقَصْدِ كَمَا هُوَ عَلَى أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ عَنْ ابْنِ بَشِيرٍ وَيَبْعُدُ الِاعْتِمَادُ فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّ التَّتَابُعَ إذَا كَانَ وَاجِبًا كَانَ تَرْكُهُ مُحَرَّمًا فَإِنَّ كُلَّ وَاجِبٍ تَرْكُهُ مُحَرَّمٌ وَكُلَّ مُحَرَّمٍ تَرْكُهُ وَاجِبٌ فَالْوُجُوبُ مِنْ لَوَازِمِ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْرِيمُ مِنْ لَوَازِمِ الْوُجُوبِ فِي النَّقِيضِ الْمُقَابِلِ فَاَلَّذِي يَصِحُّ فِي الْآيَةِ أَنَّ التَّتَابُعَ مِنْ بَابِ الْوَاجِبِ وَأَنَّ الْمَطْلُوبَ طَلَبًا أَكِيدًا صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ وَالْمُكَلَّفُ النَّاسِيَ وَالْمُجْتَهِدُ وَالْمَكْرُوهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَدْ فَرَّقَ وَلَمْ يَقَعْ فِعْلُهُ مُطَابِقًا لِمُقْتَضَى الطَّلَبِ فَوَجَبَ الْبَقَاءُ فِي الْعُهْدَةِ كَمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى طَلَبَ الصَّلَاةَ بِالنِّيَّةِ وَالطَّهَارَةِ وَالسِّتَارَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ الشُّرُوطِ فَمَنْ نَسِيَ أَحَدَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَوْ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فِيهَا أَوْ أُكْرِهَ عَلَى عَدَمِهَا بَطَلَتْ الصَّلَاةُ، وَكَذَلِكَ إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْأَكْلِ أَوْ الشُّرْبِ فِي رَمَضَانَ أَوْ نَسِيَ أَوْ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَإِنَّ صَوْمَهُ يَبْطُلُ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ فَمَا بَالُ التَّتَابُعِ خَرَجَ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ هَذَا النَّمَطِ فِي الْكَفَّارَاتِ وَالْمَنْذُورَاتِ، وَكَذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ فِي الْإِغْمَاءِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْطُلَ التَّتَابُعُ كَمَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ بِالْإِغْمَاءِ، وَكَذَلِكَ عِنْدَهُ فِي الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُبْطِلَا التَّتَابُعَ كَمَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ بِهِمَا، وَكَذَلِكَ عِنْدَهُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِمَا فِي الْمَرَضِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ أَنَّ التَّفْرِيقَ مَتَى حَصَلَ أَيَّ طَرِيقٍ كَانَ وَجَبَ ابْتِدَاءُ الصَّوْمِ كَمَا قُلْنَا فِي جَمِيعِ النَّظَائِرِ الْمُتَقَدِّمَةِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ بِوَصْفِ التَّتَابُعِ لَمْ يَحْصُلْ وَمَتَى لَمْ يَحْصُلْ الْمَطْلُوبُ الشَّرْعِيُّ مَعَ إمْكَانِ الْإِتْيَانِ بِهِ وَجَبَ الْإِتْيَانُ بِهِ هَذِهِ هِيَ الْقَاعِدَةُ وَحَاصِلُ الدَّفْعِ أَنَّ النَّظَائِرَ الْمَذْكُورَةَ شُرُوطٌ مِنْ قَبِيلِ خِطَابِ الْوَضْعِ الَّذِي لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ عِلْمُ الْمُكَلَّفِ وَلَا قُدْرَتُهُ وَلَا إرَادَتُهُ فَهِيَ شُرُوطٌ فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ فَيُؤَثِّرُ فَقْدُهَا وَالتَّتَابُعُ الْمَذْكُورُ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ صِفَةُ الصَّوْمِ الْمُكَلَّفِ بِوُجُوبِهِ وَصِفَةُ الْمُكَلَّفِ بِوُجُوبِهِ مُكَلَّفٌ بِوُجُوبِهَا فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ الَّذِي يُشْتَرَطُ فِيهِ عِلْمُ الْمُكَلَّفِ وَقُدْرَتُهُ وَإِرَادَتُهُ.
وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْمُتَعَذِّرَ مِنْهُ يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ وَالْمُمْكِنَ مِنْهُ يُسْتَصْحَبُ فِيهِ التَّكْلِيفُ لِمَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ (مَسْأَلَةٌ)
قَالَ مَالِكٌ رحمه الله إذَا تَطَوَّعَ بِالصَّوْمِ أَوْ بِالصَّلَاةِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَجِبُ بِالشُّرُوعِ أَيْ مِنْ النَّوَافِلِ السَّبْعِ الْمَجْمُوعَةِ فِي قَوْلِ ابْنِ كَمَالِ بَاشَا:
مِنْ النَّوَافِلِ سَبْعٌ تَلْزَمُ الشَّارِعَ
…
أَخْذًا لِذَلِكَ مِمَّا قَالَهُ الشَّارِعُ
صَوْمٌ صَلَاةٌ عُكُوفٌ حَجَّهُ الرَّابِعُ
…
طَوَافُهُ عُمْرَةٌ إحْرَامُهُ السَّابِعُ
وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ إحْرَامُهُ السَّابِعُ الِائْتِمَامُ فِي قَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ السَّابِقِ:
صَلَاةٌ وَصَوْمٌ ثُمَّ حَجٌّ وَعُمْرَةٌ
…
طَوَافٌ عُكُوفٌ وَائْتِمَامٌ تَحَتُّمًا
وَفِي غَيْرِ ذَا كَالْوَقْفِ وَالطُّهْرِ خَيِّرْنَ
…
فَمَنْ شَاءَ فَلْيَقْطَعْ وَمَنْ شَاءَ تَمَّمَا
وَعَرَضَ عَارِضٌ يَقْتَضِي فَسَادَهُ نَاسِيًا أَوْ مُجْتَهِدًا لَمْ يَجِبْ قَضَاءُ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَإِنْ أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا أَوْ أَبْطَلَ الصَّلَاةَ وَجَبَ الْقَضَاءُ اهـ.
وَهَذَا وَإِنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ إشْكَالٌ كَبِيرٌ هُوَ أَنَّ قَاعِدَةَ الْوُجُوبِ بِالشُّرُوعِ تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَا يَجِبُ بِالشُّرُوعِ نَظِيرَ الْوَاجِبِ الْمُتَّصِلِ كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ فِي كَوْنِ مَا فَسَدَ مِنْ كُلٍّ يَقْضِي بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ فَإِنَّ الْوَاجِبَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَخْتَلِفَ حَالُهُ إلَّا أَنَّ وَجْهَهُ هُوَ أَنَّ وُجُوبَ التَّطَوُّعَاتِ عِنْدَهُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] حَيْثُ نَهَى سبحانه وتعالى عَنْ الْإِبْطَالِ، فَيَكُونُ الْإِكْمَالُ وَاجِبًا مُكَلَّفًا بِهِ وَالتَّكْلِيفُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقُدْرَةُ وَالْعِلْمُ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَلَا يَجِبُ الْإِتْمَامُ حَالَةَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ.
وَإِذَا لَمْ يَجِبْ الْإِتْمَامُ حَالَةَ الْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ فَإِذَا تَعَمَّدَ الْإِفْسَادَ وَلَمْ يَحْصُلْ الْإِتْمَامُ حَالَةَ الْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ وَجَبَ