الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَحِينَئِذٍ يَجِبُ عَلَيْهِ ضَرْبُ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْعُدُولُ عَنْهَا إلَى غَيْرِهَا فَهُوَ فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ إنَّمَا يَفْعَلُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ إبَاحَةٍ وَلَا خِيرَةٍ فِي ذَلِكَ بِهَذَا التَّفْسِيرِ وَكَذَلِكَ تَخْيِيرُهُ فِي حَدِّ الْحِرَابَةِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ بَذْلُ الْجَهْدِ فِيمَا هُوَ الْأَصْلَحُ لِلْمُسْلِمِينَ فَإِذَا تَعَيَّنَ لَهُ الْأَصْلَحُ وَجَبَ عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْعُدُولُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ الْمُحَارِبُ صَاحِبَ رَأْيٍ وَجَبَ عَلَيْهِ قَتْلُهُ.
وَإِنْ ظَهَرَ لَهُ فِي اجْتِهَادِهِ أَنَّهُ لَا رَأْيَ لَهُ بَلْ لَهُ قُوَّةٌ وَبَطْشٌ قَطَعَهُ مِنْ خِلَافٍ فَتَزُولُ مَفْسَدَتُهُ عَنْ الْمُسْلِمِينَ بِذَلِكَ.
وَإِنْ كَانَ يَعْرِفُ مِنْ حَالِهِ الْعَفَافَ وَإِنَّمَا وَقَعَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الْفَلْتَةِ وَالْمُوَافَقَةِ لِغَيْرِهِ مَعَ تَوَقُّعِ النَّدَمِ مِنْهُ عَلَى ذَلِكَ فَهَذَا يَجِبُ نَفْيُهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُهُ وَلَا قَطْعُهُ بَلْ يَفْعَلُ مَا هُوَ الْأَصْلَحُ لِلْمُسْلِمِينَ فَهُوَ أَبَدًا يَنْتَقِلُ مِنْ وَاجِبٍ إلَى وَاجِبٍ وَالْوُجُوبُ دَائِمًا عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ قَبْلَ الِاجْتِهَادِ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ وَحَالَةُ الِاجْتِهَادِ هُوَ سَاعٍ فِي أَدَاءِ الْوَاجِبِ فَفِعْلُهُ حِينَئِذٍ وَاجِبٌ وَبَعْدَ الِاجْتِهَادِ يَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُ مَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ فَلَا يَنْفَكُّ عَنْ الْوُجُوبِ أَبَدًا وَذَلِكَ هُوَ ضِدُّ التَّخْيِيرِ وَالْإِبَاحَةِ وَإِنَّمَا خِيرَتُهُ مُفَسَّرَةٌ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَتَحَتَّمْ عَلَيْهِ ذَلِكَ ابْتِدَاءً وَلَهُ النَّظَرُ وَفِعْلُ مَا ظَهَرَ رُجْحَانُهُ بَعْدَ الِاجْتِهَادِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ وَغَيْرِهَا مِمَّا عَيَّنَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ يَجْعَلْ لِأَحَدٍ فِيهِ اجْتِهَادًا كَالصَّلَاةِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَأَخْذِ الزَّكَاةِ وَتَعْيِينِ مَصْرِفِهَا فِي الْوُجُوهِ الثَّمَانِيَةِ وَرَجْمِ الزَّانِي وَقَطْعِ السَّارِقِ وَأَنْ لَا يَحُدَّ فِي الزِّنَا إلَّا بِأَرْبَعَةٍ وَفِي الْأَمْوَالِ وَالدِّمَاءِ بِشَاهِدَيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمُتَحَتِّمَاتِ فَهَذَا مَعْنَى التَّخْيِيرِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ إنَّ تَفْرِقَةَ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ مَوْكُولَةٌ إلَى خِيرَتِهِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَنْظُرَ فِي مَصَالِحِ الصَّرْفِ يَجِبُ عَلَيْهِ تَقْدِيمُ أَهَمِّهَا فَأَهَمِّهَا وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الْعُدُولُ عَنْ ذَلِكَ وَلَا خِيرَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ بِهَوَاهُ وَشَهْوَتِهِ بَلْ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ وَالْخَالِصَةِ بِخِلَافِ تَخْيِيرِ الْمُكَلَّفِ بَيْنَ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَتَخْيِيرِهِ فِي إخْرَاجِ شَاةٍ مِنْ أَرْبَعِينَ أَوْ دِينَارٍ مِنْ أَرْبَعِينَ فَلَهُ أَنْ يُعَيِّنَ شَاةً بِشَهْوَتِهِ وَكَذَلِكَ دِينَارٌ مِنْ الْأَرْبَعِينَ بِهَوَاهُ وَلَهُ أَنْ يُعَيِّنَ مِقْدَارًا مِنْ مِيَاهِ الدُّنْيَا لِلْوُضُوءِ وَلَمْ يَتَحَتَّمْ عَلَيْهِ مَاءٌ دُونَ مَاءٍ وَكَذَلِكَ خِيرَتُهُ فِي ثِيَابِ السُّتْرَةِ لِلصَّلَاةِ فَإِذَا اجْتَمَعَتْ ثِيَابٌ فَلَهُ تَعْيِينُ وَاحِدٍ مِنْهَا لِسُتْرَتِهِ بِهَوَاهُ وَشَهْوَتِهِ.
وَكَذَلِكَ خَيَّرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بُقْعَةٍ مِنْ بِقَاعِ الدُّنْيَا يُصَلِّي فِيهَا الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فَلَهُ أَنْ يُعَيِّنَ بُقْعَةً مِنْهَا إذَا اسْتَوَتْ بِهَوَاهُ وَشَهْوَتِهِ وَكَذَلِكَ خَيَّرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي صَوْمِ رَمَضَانَ فِي أَيِّ بُقْعَةٍ شَاءَ مِنْ وَلَدِهِ فَلَهُ أَنْ يَصُومَ فِي أَيِّ دَارٍ شَاءَ مِنْ ذَلِكَ الْبَلَدِ بِهَوَاهُ وَهَذَا جَمِيعُهُ تَخْيِيرٌ صِرْفٌ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا بِخِلَافِ تَخْيِيرِ الْأَئِمَّةِ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ وَأَكْثَرُ تَصَرُّفَاتِ الْأَئِمَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ تَحْرِيرُهُ فِي الْأُسَارَى وَغَيْرِهِمْ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
بِأَنَّ أَصْلَ الْأَرْزَاقِ يَصِحُّ أَنْ يَبْقَى فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلَا يُصْرَفُ فِي هَذِهِ الْجِهَةِ وَنَحْوِهَا وَإِنَّمَا يُصْرَفُ فِي الْمَصَالِحِ الَّتِي تَعْرِضُ لَهُ وَهَذَا يَجِبُ صَرْفُهُ أَمَّا فِي جِهَةِ الْمُجَاهِدِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ مِنْ الْجِهَاتِ الثَّمَانِ لِأَنَّ جِهَةَ هَذَا الْمَالِ عَيَّنَهَا اللَّهُ عز وجل فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ فَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ إخْرَاجُهَا فِيهَا إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مَانِعٌ وَكَذَلِكَ كُلُّ جِهَةٍ عَيَّنَهَا اللَّهُ تَعَالَى كَالْخُمُسِ يَتَعَيَّنُ الْمُبَادَرَةُ إلَى صَرْفِهِ فِي جِهَةٍ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ.
اهـ وَقَدْ مَرَّ عَنْ الْأَصْلِ أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَجُوزُ عَلَى الْقَضَاءِ وَإِمَامَةِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهِمَا وَأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْقَاضِي وَالْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ رِزْقٌ لَا أُجْرَةٌ وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْعَامِلُ فِي الصَّدَقَةِ يَسْتَحِقُّ يَعْنِي مِنْهَا كِفَايَتَهُ بِالْمَعْرُوفِ بِسَبَبِ الْعَمَلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَدَلًا عَنْ الْعَمَلِ حَتَّى لَمْ يَحِلَّ لِلْهَاشِمِيِّ وَالْأُجْرَةُ تَحِلُّ لَهُ وَسَيَأْتِي مِثْلُهُ لِلْأَصْلِ نَعَمْ أَجَابَ عَنْهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْأَحْكَامِ بِأَنَّ الْهَاشِمِيَّ إنَّمَا لَمْ يَدْخُلْ فِيهَا مَعَ أَنَّهَا أُجْرَةٌ صَحِيحَةٌ تَحَرِّيًا لِكَرَامَتِهِ وَتَبَاعُدًا عَنْ الزَّرِيعَةِ وَذَلِكَ مُبَيَّنٌ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ. اهـ فَتَأَمَّلْ بِإِمْعَانٍ
[الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ مَا يُصْرَفُ لِلْقَسَّامِ لِلْعَقَارِ بَيْنَ الْخُصُومِ مِنْ جِهَةِ الْحُكَّامِ]
(الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) مَا يُصْرَفُ مِنْ جِهَةِ الْحُكَّامِ لِقَسَّامِ الْعَقَارِ بَيْنَ الْخُصُومِ وَلِمُتَرْجِمِ الْكُتُبِ عِنْدَ الْحُكَّامِ وَلِكَاتِبِ الْحَاكِمِ وَلِأُمَنَاءِ الْحُكَّامِ عَلَى الْأَيْتَامِ وَلِلْخَرَّاصِ عَلَى خَرْصِ الْأَمْوَالِ الزَّكَوِيَّةِ مِنْ الدَّوَالِي أَوْ النَّخْلِ وَلِسُعَاةِ الْمَوَاشِي وَالْعُمَّالِ عَلَى الزَّكَاةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ رِزْقٌ يَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْأَرْزَاقِ دُونَ أَحْكَامِ الْإِجَارَاتِ أَيْ عَلَى خِلَافِ مَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِهِ مِنْ أَنَّ مَا يَدْفَعُ لِلْعَامِلِينَ مِنْهَا أُجْرَةٌ صَحِيحَةٌ لَا رِزْقٌ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِحْقَاقِ السَّلَبِ فِي الْجِهَادِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِقْطَاعِ]
(الْفَرْقُ السَّادِسَ عَشَرَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِحْقَاقِ السَّلَبِ فِي الْجِهَادِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِقْطَاعِ وَغَيْرِهِ مِنْ تَصَرُّفَاتِ الْأَئِمَّةِ وَإِنْ كَانَ الْجَمِيعُ مِنْ تَصَرُّفَاتِ الْإِمَامِ وَلَيْسَ بِإِجَارَةٍ)
وَهُوَ أَنَّ الْإِقْطَاعَ يَجُوزُ بِغَيْرِ سَبَبٍ يُوجِبُ اسْتِحْقَاقَهُ وَتَمْلِيكَهُ فَلَهُ فِي التَّمْلِيكِ حَالَةٌ مُتَوَسِّطَةٌ هِيَ الْإِعَانَةُ عَلَى أَحْوَالٍ تَقَعُ فِي مُسْتَقْبَلِ الزَّمَانِ لَا تَمْلِيكٌ حَقِيقِيٌّ فَلِذَلِكَ كَانَ لِلْإِمَامِ نَزْعُهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ وَلَهُ تَبْدِيلُهُ بِغَيْرِهِ.
وَأَمَّا السَّلَبُ فَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِ سَبَبٍ يُوجِبُ اسْتِحْقَاقَهُ وَتَمْلِيكَهُ فَقَبْلَ حُصُولِ سَبَبِهِ لَا يَكُونُ لِلْقَائِلِ بِهِ تَعَلُّقٌ
غَيْرَ أُمُورٍ قَلِيلَةٍ جِدًّا أُطْلِقَ فِيهَا التَّخْيِيرُ وَمُرَادُهُمْ التَّخْيِيرُ عَلَى بَابِهِ كَمَا هُوَ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى إنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي أَرْبَعِ حَقَائِقَ وَخَمْسٍ بَنَاتِ لَبُونٍ يَأْخُذُ أَيَّهَا شَاءَ مِنْ صَاحِبِ الْمَاشِيَةِ إذَا وَجَدَ إبِلَهُ مِائَتَيْنِ فَإِنَّ فِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَقَدْ وُجِدَ الْأَمْرَانِ فَإِنَّ الْمِائَتَيْنِ أَرْبَعُ خَمْسِينَاتٍ وَخَمْسُ أَرْبَعِينَاتِ فَيُخَيَّرُ هَاهُنَا إذَا اسْتَوَى الْأَمْرَانِ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَرْجَحَ لِلْفُقَرَاءِ فَمُقْتَضَى الْقَاعِدَةِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مَا هُوَ الْأَرْجَحُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَلَمْ يَجْتَهِدْ لَهُمْ وَلَمْ يَنْصَحْ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ» فَظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْأَرْجَحِ لِلْفُقَرَاءِ وَكَذَلِكَ بَيْعُ مَالِ الْيَتِيمِ مِنْ أَحَدِ مُشْتَرِيَيْنِ مُسْتَوِيَيْنِ أَوْ تَزْوِيجُ الْيَتِيمَةِ مِنْ كُفُوَيْنِ مُسْتَوِيَيْنِ أَوْ تَوْلِيَةُ الْقَضَاءِ لِأَحَدِ رَجُلَيْنِ مُسْتَوِيَيْنِ وَنَحْوُ هَذَا فَإِنَّ الْأَئِمَّةَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ مُسَاوُونَ لِغَيْرِهِمْ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ فِي الْخِيرَةِ الْمُخْتَصَّةِ وَلَا وُجُوبَ هَاهُنَا أَلْبَتَّةَ بَلْ لَهُمْ التَّرْجِيحُ بِمُجَرَّدِ إرَادَتِهِمْ مِنْ غَيْرِ ضَمِيمَةٍ إلَيْهَا كَالْمُكَلَّفِ فِي إخْرَاجِ شَاةٍ مِنْ أَرْبَعِينَ سَوَاءً بِسَوَاءٍ وَإِطْلَاقُ الْخِيرَةِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ حَقِيقَةٌ وَفِي تِلْكَ الصُّوَرِ فَهِيَ وُجُوبٌ مَحْضٌ بَلْ بِمَعْنَى عَدَمِ التَّحَتُّمِ ابْتِدَاءً وَكَوْنُ الِاجْتِهَادِ لَهُ مَدْخَلٌ فِي ذَلِكَ الْقِسْمِ الْمُحَتَّمِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ التَّخْيِيرَاتِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَخْيِيرِ الْأَئِمَّةِ وَقَاعِدَةِ تَخْيِيرِ آحَادِ الْمُكَلَّفِينَ وَأَنَّ الثَّانِيَ خِيرَةٌ حَقِيقَةً وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُهُ مَجَازٌ وَوُجُوبُ صَرْفٍ كَمَا تَقَدَّمَ مُفَصَّلًا مُمَثَّلًا.
(فَائِدَةٌ) يُطْلَقُ التَّخْيِيرُ فِي الشَّرِيعَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مُخْتَلِفَةٍ فَيُطْلَقُ التَّخَيُّرُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَاجِبٌ بِخُصُوصِهِ وَعُمُومِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي تَخْيِيرِ الْأَئِمَّةِ فِي الْأُسَارَى وَغَيْرِهِمْ فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ مِنْ ذَلِكَ يَقَعُ وَاجِبًا بِخُصُوصِهِ وَهُوَ كَوْنُهُ قَتْلًا أَوْ فِدَاءً مَثَلًا وَبِعُمُومِهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ أَحَدُ الْخِصَالِ الْخَمْسَةِ وَيَكُونُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ وَاجِبٍ بِخُصُوصِهِ وَلَا بِعُمُومِهِ كَالتَّخْيِيرِ بَيْنَ الْمُبَاحَاتِ مِنْ الْمَطَاعِمِ وَالْمَلَابِسِ وَنَحْوِهِمَا فَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ مَثَلًا فَالتَّمْرُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ لَا بِخُصُوصِهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ تَمْرٌ وَلَا بِعُمُومِهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ أَحَدُ الْمُتَنَاوَلَاتِ وَيَكُونُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ وَكِلَاهُمَا وَاجِبٌ مِنْ جِهَةِ عُمُومِهِ دُونَ خُصُوصِهِ كَالتَّخْيِيرِ فِي كَفَّارَةِ الْحِنْثِ فَإِنَّ الْعِتْقَ مَثَلًا وَاجِبٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ أَحَدُ الْخِصَالِ وَغَيْرُ وَاجِبٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ عِتْقٌ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْخَصْلَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الْكِسْوَةِ وَالْإِطْعَامِ فَقَدْ ظَهَرَ لَك أَنَّ الْمُخَيَّرَ بَيْنَهُمَا قَدْ يَتَّصِفَانِ بِالْوُجُوبِ مِنْ جِهَةِ خُصُوصِهِمَا وَعُمُومِهِمَا وَقَدْ لَا يَتَّصِفَانِ بِهِ لَا مِنْ جِهَةِ خُصُوصِهِمَا وَلَا عُمُومِهِمَا وَقَدْ يَتَّصِفَانِ بِهِ مِنْ جِهَةِ عُمُومِهَا دُونَ خُصُوصِهِمَا وَأَمَّا الِاتِّصَافُ بِالْوُجُوبِ مِنْ جِهَةِ الْخُصُوصِ دُونَ الْعُمُومِ فَمُحَالٌ شَرْعًا وَعَقْلًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخُصُوصَ يَتَوَقَّفُ عَلَى
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
أَلْبَتَّةَ وَبَعْدَ حُصُولِ سَبَبِهِ يَصِيرُ مَمْلُوكًا فَلَا تَحْصُلُ لَهُ فِي التَّمْلِيكِ الْحَالَةُ الْمُتَوَسِّطَةُ الْقَابِلَةُ لِلِانْتِزَاعِ وَالْإِبْدَالِ بِغَيْرِهِ أَلْبَتَّةَ فَهُوَ نَظِيرُ مَا حَازَهُ الْأَجْنَادُ وَالْأُمَرَاءُ مِنْ إقْطَاعَاتِهِمْ مِنْ خَرَاجٍ أَوْ غَيْرِهِ لِتَقَرُّرِ مِلْكِهِمْ عَلَيْهِ نَعَمْ وَقَعَ فِي سَبَبِهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ فَعِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى إنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِقَوْلِ الْإِمَامِ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ لَا بِمُجَرَّدِ الْقَتْلِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَابْنِ حَنْبَلٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يُسْتَحَقُّ بِمُجَرَّدِ الْقَتْلِ وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ مَا تَقَدَّمَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ تَصَرُّفَاتِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَنَّ مَا وَقَعَ مِنْهَا عَلَى أَنَّهُ بِالْأَمَانَةِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ إذْنِ الْإِمَامِ وَمَا وَقَعَ مِنْهَا بِتَصَرُّفِهِ صلى الله عليه وسلم بِطَرِيقِ الْقَضَاءِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ قَضَاءِ الْقَاضِي وَمَا وَقَعَ مِنْهَا بِطَرِيقِ الْفُتْيَا وَالتَّبْلِيغِ يُسْتَحَقُّ بِدُونِ قَضَاءِ قَاضٍ وَإِذْنِ إمَامٍ، فَمُسْتَنَدُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَابْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ يُسْتَحَقُّ بِفُتْيَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ لَا بِتَصَرُّفِهِ بِطَرِيقِ الْإِمَامَةِ فَهُوَ مِنْ بَابِ التَّبْلِيغِ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ عَلَى تَصَرُّفَاتِهِ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم رَسُولٌ وَالتَّبْلِيغُ شَأْنُ الرِّسَالَةِ وَحَمْلُ تَصَرُّفَاتِهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْغَالِبِ طَرِيقٌ حَسَنٌ وَبِذَلِكَ اسْتَنَدَا كَمَالِكٍ فِي حَمْلِ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ» وَقَالُوا إذْنُ الْإِمَامِ لَيْسَ شَرْطًا فِي الْمِلْكِ بِالْإِحْيَاءِ وَمَشَى أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي السَّلَبِ وَالْإِحْيَاءِ عَلَى قَاعِدَتِهِ فَجَعَلَهُمَا مِنْ بَابِ التَّصَرُّفِ بِالْإِمَامَةِ وَأَمَّا مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَهُوَ وَإِنْ مَشَى فِي الْإِحْيَاءِ عَلَى أَصْلِهِ فِي الْحَمْلِ عَلَى الْغَالِبِ فِي الْفُتْيَا وَالتَّبْلِيغِ دُونَ الْإِمَامَةِ إلَّا أَنَّهُ خَالَفَ فِي السَّلَبِ أَصْلَهُ الْمَذْكُورَ فَجَعَلَهُ مِنْ بَابِ التَّصَرُّفِ بِالْإِمَامَةِ بِسَبَبِ أُمُورٍ
(أَحَدُهُمَا) أَنَّ حَمْلَ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» عَلَى التَّصَرُّفِ بِالْإِمَامَةِ وَأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ حَتَّى يَقُولَ الْإِمَامُ تِلْكَ الْمَقَالَةَ أَبْلَغُ وَأَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْفُتْيَا وَالتَّبْلِيغِ وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِمُجَرَّدِ الْقَتْلِ فِي مُنَافَاتِهِ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] فَإِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْهُ أَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسَ لِلْغَانِمِينَ كَمَا أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11]
الْعُمُومِ وَأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ بِخِلَافِ الْعَكْسِ فَإِنَّ الْعُمُومَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْخُصُوصِ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْمَبَاحِثَ وَالْفُرُوقَ فَإِنَّهَا كُلُّهَا وَاقِعَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ وُقُوعًا كَثِيرًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْفَرْقُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَ هَلْ يُعَدُّ مَالِكًا أَمْ لَا وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ انْعَقَدَ لَهُ سَبَبُ الْمُطَالَبَةِ بِالْمِلْكِ هَلْ يُعَدُّ مَالِكًا أَمْ لَا)
اعْلَمْ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ مَشَايِخِ الْمَذْهَبِ رضي الله عنهم أَطْلَقُوا عِبَارَتَهُمْ بِقَوْلِهِمْ مَنْ مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَ هَلْ يُعَدُّ مَالِكًا أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ وَيُخَرِّجُونَ عَلَى ذَلِكَ فُرُوعًا كَثِيرَةً فِي الْمَذْهَبِ مِنْهَا إذَا وُهِبَ لَهُ الْمَاءُ فِي التَّيَمُّمِ هَلْ يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُعَدُّ مَالِكًا أَمْ لَا يَبْطُلُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يُعَدُّ مَالِكًا وَمَنْ عِنْدَهُ ثَمَنُ رَقَبَةٍ هَلْ يَجُوزُ لَهُ الِانْتِقَالُ لِلصَّوْمِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَ هَلْ يُعَدُّ مَالِكًا أَمْ لَا وَمَنْ قَدَرَ عَلَى الْمُدَاوَاةِ فِي السَّلَسِ أَوْ التَّزْوِيجِ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَنْ مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَ هَلْ يُعَدُّ مَالِكًا أَمْ لَا وَكَثِيرٌ مِنْ هَذِهِ الْفُرُوعِ زَعَمُوا أَنَّهَا مُخَرَّجَةٌ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ بَاطِلَةٌ وَتِلْكَ الْفُرُوعُ لَهَا مَدَارِكُ غَيْرُ مَا ذَكَرُوهُ.
وَبَيَانُ بُطْلَانِهَا أَنَّ الْإِنْسَانَ يَمْلِكُ أَنْ يَمْلِكَ أَرْبَعِينَ شَاةً فَهَلْ يَتَخَيَّلُ أَحَدٌ أَنَّهُ يُعَدُّ مَالِكًا الْآنَ قَبْلَ شِرَائِهَا حَتَّى تَجِبَ الزَّكَاةُ عَلَيْهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ.
وَإِذَا كَانَ الْآنَ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَ فَهَلْ يَجْرِي فِي وُجُوبِ الصَّدَاقِ وَالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ؟ قَوْلَانِ قَبْلَ أَنْ يَخْطُبَ الْمَرْأَةَ لِأَنَّهُ مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَ عِصْمَتَهَا وَالْإِنْسَانُ مَالِكٌ أَنْ يَمْلِكَ خَادِمًا أَوْ دَابَّةً فَهَلْ يَقُولُ أَحَدٌ إنَّهُ يُعَدُّ الْآنَ مَالِكًا لَهُمَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ كُلْفَتُهُمَا وَمَئُونَتُهُمَا عَلَى قَوْلٍ مِنْ الْأَقْوَالِ الشَّاذَّةِ أَوْ الْجَادَّةِ بَلْ هَذَا لَا يَتَخَيَّلُهُ مَنْ عِنْدَهُ أَدْنَى مِسْكَةٍ مِنْ الْعَقْلِ وَالْفِقْهِ وَكَذَلِكَ الْإِنْسَانُ يَمْلِكُ أَنْ يَشْتَرِيَ أَقَارِبَهُ فَهَلْ يُعَدُّهُ أَحَدٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ مَالِكًا لِقَرِيبِهِ فَيَعْتِقُهُ عَلَيْهِ قَبْلَ شِرَائِهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ عَلَى زَعْمِ مَنْ اعْتَقَدَهَا بَلْ هَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ بِالضَّرُورَةِ وَنَظَائِرُ هَذِهِ الْفُرُوعِ كَثِيرَةٌ لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى وَلَا يُمْكِنُ أَنْ نَجْعَلَ هَذِهِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَ هَلْ يُعَدُّ مَالِكًا أَمْ لَا وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ انْعَقَدَ لَهُ سَبَبُ الْمُطَالَبَةِ بِالْمِلْكِ هَلْ يُعَدُّ مَالِكًا أَمْ لَا)
قُلْت مَا نَسَبَهُ إلَى مَشَايِخَ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَاعْتَقَدَهُ فِيهِمْ مِنْ أَنَّهُمْ أَرَادُوا مُقْتَضَى عِبَارَتِهِمْ الْمُطْلَقَةِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَمَا اخْتَارَهُ مِنْ عَدَمِ إرَادَةِ مُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ هُوَ الصَّحِيحُ وَالظَّنُّ بِهِمْ أَنَّهُمْ إنَّمَا أَرَادُوا ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَمَا قَالَهُ فِي الْفَرْقَيْنِ بَعْدَ هَذَا صَحِيحٌ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
أَنَّ الثُّلُثَيْنِ لِلْأَبِ فَاكْتَفَى بِذِكْرِ الضِّدِّ الْمُقَابِلِ عَنْ ذِكْرِهِ فِي الْآيَتَيْنِ بِسَبَبِ أَنَّ ذِكْرَ الضِّدِّ الْمُقَابِلِ يَدُلُّ عَلَى مُقَابَلَةٍ وَوَجْهُ الْأَبْلَغِيَّةِ أَنَّ التَّوَقُّفَ عَلَى شَرْطٍ كَمَا فِي الْحَمْلِ عَلَى بَابِ التَّصَرُّفِ بِالْإِمَامَةِ أَبْعَدُ عَنْ التَّخْصِيصِ مِنْ الْإِخْرَاجِ بِغَيْرِ شَرْطٍ كَمَا فِي الْحَمْلِ عَلَى بَابِ الْفُتْيَا وَالتَّبْلِيغِ وَمَا كَانَ أَبْعَدَ عَنْ التَّخْصِيصِ فَهُوَ أَبْلَغُ وَأَوْلَى
(وَثَانِيهِمَا) أَنَّ حَمْلَ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ عَلَى الْفُتْيَا وَالتَّبْلِيغِ وَإِنْ كَانَ حَمْلًا عَلَى الْغَالِبِ عَلَى تَصَرُّفَاتِهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا عَلِمْت إلَّا أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُؤَدِّي إلَى مَفْسَدَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ يَكُونُ بَعِيدًا عَنْ قَوَاعِدِ الدِّينِ أَحَدُهُمَا إفْسَادُ النِّيَّاتِ وَأَنْ يُقَاتِلَ الْإِنْسَانُ مَنْ عَلَيْهِ سَلَبٌ طَمَعًا فِي سَلَبِهِ لَا نُصْرَةً لِدِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَرُبَّمَا أَوْقَعَ ذَلِكَ خَلَلًا عَظِيمًا فِي الْجَيْشِ فِيمَا إذَا كَانَ الْعَجَزَةُ وَالْجُبَنَاءُ هُمْ الْمُتَزَيِّنُونَ بِاللِّبَاسِ وَالْمُتَحَصِّنُونَ بِأَنْوَاعِ الْأَسْلِحَةِ دُونَ الشُّجْعَانِ فَيَشْتَغِلُ النَّاسُ بِالْجُبَنَاءِ عَنْ الشُّجْعَانِ رَغْبَةً فِي لِبَاسِهِمْ وَأَسْلِحَتِهِمْ فَيَسْتَوْلِي شُجْعَانُ الْأَعْدَاءِ عَلَى أَبْطَالِ الْمُسْلِمِينَ وَجَيْشِهِمْ فَيَهْلِكُونَ
(وَالْمَفْسَدَةُ الثَّانِيَةُ) ضَيَاعُ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاكْتِسَابِ الْعِقَابِ الْأَلِيمِ بِسَبَبِ الْمَقَاصِدِ الرَّدِيئَةِ وَأَمَّا إذَا حُمِلَ عَلَى التَّصَرُّفِ بِالْإِمَامَةِ وَصَارَ مَوْقُوفًا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ فَلَا مَفْسَدَةَ لِأَنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا يَقُولُ ذَلِكَ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ وَثَالِثُهَا إنَّ بَيْنَ لَفْظِ حَدِيثِ «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» وَلَفْظِ مَا غَنِمْتُمْ فِي الْآيَةِ عُمُومًا وَخُصُوصًا مِنْ وَجْهٍ بِسَبَبِ أَنَّ الْأَوَّلَ يَتَنَاوَلُ لُغَةً الْغَنِيمَةَ وَغَيْرَهَا كَمَا لَوْ قَتَلَهُ غِيلَةً فِي بَيْتِهِ وَالثَّانِي يَتَنَاوَلُ الْغَنِيمَةَ الصَّادِقَةَ لُغَةً حَتَّى عَلَى الْغَارَاتِ الْمُحَرَّمَةِ وَنَحْوِهَا غَيْرَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ انْعَقَدَ عَلَى تَخْصِيصِهَا بِالْجِهَادِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَالْخُصُوصُ وَالْعُمُومُ إنَّمَا يَكُونُ بِحَسَبِ مَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ لُغَةً وَالْعَامُّ وَالْخَاصُّ مِنْ وَجْهٍ لَا يُخَصِّصُ أَحَدَهُمَا الْآخَرُ لِحُصُولِ التَّعَارُضِ فَيُصَارُ لِلتَّرْجِيحِ وَلَفْظُ الْقُرْآنِ مُتَوَاتِرٌ فَيَكُونُ أَرْجَحَ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْخَبَرِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَقَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ إذَا قَالَ ذَلِكَ يَسْتَحِقُّ فَيَبْقَى فِيمَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ
(وَرَابِعُهَا) أَنَّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ لَوْ كَانَ فُتْيَا لَانْصَرَفَا بِطَرِيقِ الْإِمَامَةِ لَمَا تَرَكَهَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَعُمَرُ