الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ النَّقْلِ الْعُرْفِيِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِعْمَالِ الْمُتَكَرِّرِ فِي الْعُرْفِ)
اعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ قَدْ يَتَكَرَّرُ فِي الْعُرْفِ وَلَا يَكُونُ اللَّفْظُ مَنْقُولًا أَلَا تَرَى أَنَّ لَفْظَ الْأَسَدِ قَدْ تَكَرَّرَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الرَّجُلِ الشُّجَاعِ وَلَمْ يَصِرْ مَنْقُولًا وَنَعْنِي بِالْمَنْقُولِ هُوَ الَّذِي يُفْهَمُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ بِغَيْرِ قَرِينَةٍ صَارِفَةٍ لَهُ عَنْ الْحَقِيقَةِ وَلَفْظُ الْأَسَدِ لَا يَنْصَرِفُ عَنْ الْحَقِيقَةِ إلَى الْمَجَازِ الَّذِي هُوَ الرَّجُلُ الشُّجَاعُ إلَّا بِقَرِينَةٍ صَارِفَةٍ إلَيْهِ وَكَذَلِكَ تَكَرُّرُ لَفْظِ الْغَزَالِ فِي الْمَرْأَةِ الْجَمِيلَةِ وَلَفْظِ الشَّمْسِ وَالْبَدْرِ وَكَذَلِكَ تَكَرُّرِ لَفْظِ الْغَيْثِ وَالْبَحْرِ وَالْغَمَامِ فِي الرَّجُلِ السَّخِيِّ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَصِرْ اللَّفْظُ مَنْقُولًا فَظَهَرَ حِينَئِذٍ أَنَّ النَّقْلَ أَخَصُّ مِنْ التَّكَرُّرِ وَأَنَّ التَّكَرُّرَ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ النَّقْلُ لِأَنَّ الْأَعَمَّ لَا يَسْتَلْزِمُ الْأَخَصَّ وَإِذَا لَمْ يَصِرْ اللَّفْظُ مَنْقُولًا بِمُجَرَّدِ التَّكَرُّرِ لَا يَجُوزُ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى شَيْءٍ تَكَرَّرَ اللَّفْظُ فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ اللَّفْظُ مَوْضُوعًا لَهُ إلَّا بِقَرِينَةٍ وَلَا يَعْتَمِدُ عَلَى مُطْلَقِ التَّكَرُّرِ وَبِهَذَا الْفَرْقِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ يَظْهَرُ بُطْلَانُ مَا وَقَعَ فِي مَذْهَبِنَا فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا حِينًا أَوْ زَمَنًا أَوْ دَهْرًا فَذَلِكَ كُلُّهُ سَنَةٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ حَنْبَلٍ ذَلِكَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: 25] أَيْ فِي سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَاهُ بَلْ النَّخْلَةُ مِنْ ابْتِدَاءِ حَمْلِهَا إلَى نِهَايَتِهِ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ وَحِينَئِذٍ تُعْطِي ثَمَرَهَا وَهُوَ أَحَدُ الْوُجُوهِ الَّتِي وَقَعَتْ الْمُشَابَهَةُ فِيهَا بَيْنَ النَّخْلَةِ وَبَيْنَ بَنَاتِ آدَمَ وَقَدْ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ عليه السلام «أَكْرِمُوا عَمَّتَكُمْ النَّخْلَةَ قَالُوا لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ فَضْلَةِ طِينَةِ آدَمَ فَهِيَ عَمَّةٌ» بِهَذَا الْمَعْنَى وَقَدْ حَصَلَتْ الْمُشَابَهَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ بَنِي آدَمَ مِنْ أَرْبَعَةَ عَشْرَ وَجْهًا أَحَدُهَا هَذَا الْوَجْهُ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ تَرَدُّدًا فِي الدَّهْرِ هَلْ هُوَ سَنَةٌ أَمْ لَا وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ سَنَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: 25] إشَارَةً إلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ إذَا حَمَلَتْ فِي وَقْتٍ لَا تَحْمِلُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَهَذِهِ الْإِشَارَاتُ كُلُّهَا إلَى أَصْلِ وُجُودِ الِاسْتِعْمَالِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِ أَصْلِ الِاسْتِعْمَالِ أَنْ يُحْمَلَ اللَّفْظُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ صَارِفَةٍ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ الْمُتَوَاطِئِ فِي بَعْضِ أَفْرَادِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً أَوْ مَرَّاتٍ أَنْ يُقَالَ لَهُ شَرْعِيٌّ وَلَا عُرْفِيٌّ بَلْ ذَلِكَ شَأْنُ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ الْمُتَوَاطِئِ يَنْتَقِلُ فِي أَفْرَادِهِ وَالْمَنْقُولُ فِي اللُّغَةِ أَنَّ الْحِينَ اسْمٌ لِجُزْءٍ مَا مِنْ الزَّمَانِ وَإِنْ قَلَّ فَهُوَ يَصْدُقُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَالْمُتَّجَهُ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فَقَدْ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ كَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَقَاعِدَةِ النَّقْلِ وَظَهَرَ بِظُهُورِهِ الْحَقُّ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهَا مَعَ عَدَمِ النِّيَّةِ.
(الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَعَذُّرِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ عَقْلًا وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَعَذُّرِهِ عَادَةً أَوْ شَرْعًا)
اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ كَذَا وَتَعَذَّرَ الْفِعْلُ عَقْلًا لَمْ يَحْنَثْ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الْفِعْلُ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنْ أَمْكَنَهُ ثُمَّ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
فِي اسْمِ الْعَدَدِ الَّذِي هُوَ الثَّلَاثُ وَإِنَّمَا دَخَلَ التَّغْيِيرُ وَالْمَجَازُ فِي مَعْدُودِهِ الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ لِكَوْنِهِ اسْمَ جِنْسٍ مِنْ الظَّوَاهِرِ فَتَغَيَّرَ مِنْ الطَّلَاقِ الَّذِي هُوَ إزَالَةُ الْعِصْمَةِ إلَى جِنْسٍ آخَرَ وَهُوَ طَلْقُ الْوَلَدِ فَسَقَطَ اسْتِشْكَالُ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ بِأَنَّهُ كَيْفَ أَثَّرَتْ النِّيَّةُ فِي الْكُلِّ وَلَمْ تُؤَثِّرْ فِي الْبَعْضِ وَذَلِكَ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ فَإِنَّ النِّيَّةَ أَبْطَلَتْ الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثَ كُلَّهَا إذَا نَوَى طَلْقَ الْوَلَدِ وَهَذَا هُوَ جُمْلَةُ مَدْلُولِ اللَّفْظِ فَأَوْلَى أَنْ تُبْطِلَ بَعْضَ مَدْلُولِ اللَّفْظِ إذَا نَوَى بِالثَّلَاثِ اثْنَتَيْنِ أَوْ وَاحِدَةً فَتَأَمَّلْ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ)
إذَا قَالَ وَاَللَّهِ أَوْ وَالرَّحْمَنِ لَا فَعَلْت كَذَا وَقَالَ أَرَدْت بِلَفْظِ الْجَلَالَةِ أَوْ بِلَفْظِ الرَّحْمَنِ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى وَعَبَّرْت بِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ بَعْضِ الْمَخْلُوقَاتِ لِلَّهِ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ الْفَاعِلِ عَلَى أَثَرِهِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْعَلَاقَةِ وَالْحَلِفُ بِالْمَخْلُوقِ لَا تَلْزَمُ بِهِ كَفَّارَةٌ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ هَذَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ إذَا حَنِثَ وَأَنَّ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُمَا لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا امْتَنَعَ شَرْعًا فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ حِسًّا وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَرَدْت بِقَوْلِي وَالْعَلِيمِ وَالْعَزِيزِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِقَوْلِي كَفَالَةُ اللَّهِ وَعَهْدُ اللَّهِ وَعِلْمُ اللَّهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِهِ الَّتِي تَقَدَّمَ بَسْطُهَا بَعْضَ مَخْلُوقَاتِهِ مِمَّنْ هُوَ عَلِيمٌ أَوْ عَزِيزٌ أَوْ بَعْضَ صِفَاتِ الْبَشَرِ مِنْ الْعِلْمِ وَالْكَفَالَةِ وَالْعَهْدِ فَأَضَفْتُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى إضَافَةَ الْخَلْقِ لِلْخَالِقِ فَإِنَّا نَسْمَعُ هَذِهِ النِّيَّةَ وَتُفِيدُهُ فِي إسْقَاطِ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لَيْسَتْ نُصُوصًا بَلْ أَسْمَاءَ أَجْنَاسٍ وَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إنَّهَا كِنَايَاتٌ لَا تَكُونُ يَمِينًا إلَّا بِالنِّيَّةِ لِقُوَّةِ التَّرَدُّدِ وَالِاحْتِمَالِ عِنْدَهُمْ وَقَدْ حُكِيَ فِيمَا مَضَى عَنْ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَقَالُوا ذَلِكَ أَيْضًا فِي الصِّفَاتِ وَاشْتَرَطُوا فِيهَا الشُّهْرَةَ الْعُرْفِيَّةَ وَنَحْنُ وَإِنْ لَمْ نُوَافِقْهُمْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنَّا أَلْزَمْنَاهُ الْكَفَّارَةَ بِنَاءً عَلَى الظُّهُورِ وَالصَّرَاحَةِ لَا بِنَاءً عَلَى النُّصُوصِيَّةِ الَّتِي لَا تَقْبَلُ الْمَجَازَ فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْمَوَاطِنَ وَاضْبُطْ مَا تُفِيدُ فِيهِ نِيَّةُ الْمَجَازِ وَمَا لَا تُفِيدُ فِيهِ فَإِنَّهُ فَرْقٌ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ فِي الْفُتْيَا وَالْقَضَاءِ حَاجَةً شَدِيدَةً وَقَدْ اتَّضَحَ أَيْضًا حَسَنًا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عز وجل وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَقَاعِدَةِ الْمَجَازِ فِي الْأَيْمَانِ وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِمَا]
(الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَقَاعِدَةِ الْمَجَازِ فِي الْأَيْمَانِ وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِمَا)
تَعَذَّرَ حَنِثَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّعَذُّرِ الْعَقْلِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ النَّاسَ إنَّمَا يَقْصِدُونَ بِأَيْمَانِهِمْ الْحِنْثَ عَلَى الْفِعْلِ الْمُمْكِنِ لَهُمْ أَمَّا الْمُتَعَذِّرُ عَقْلًا فَلَمْ يُوضَعْ اللَّفْظُ فِي الْقِسْمِ حَاثًّا عَلَيْهِ فَلِذَلِكَ الْمُتَعَذِّرُ عَقْلًا لَا يُوجِبُ حِنْثًا لِأَنَّ الْحَلِفَ عَلَى الشَّيْءِ مَشْرُوطٌ بِإِمْكَانِهِ وَفَوَاتُ الشَّرْطِ يَقْتَضِي عَدَمَ الْمَشْرُوطِ فَلَا يَبْقَى الْفِعْلُ مَحْلُوفًا عَلَيْهِ فَلَا يَضُرُّهُ عَدَمُ فِعْلِهِ أَمَّا التَّعَذُّرُ الْعَادِيُّ أَوْ الشَّرْعِيُّ الَّذِي يَكُونُ الْفِعْلُ مَعَهُ مُمْكِنًا عَادَةً فَهَذَا مُنْدَرِجٌ فِي الْيَمِينِ عَمَلًا بِظَاهِرِ اللَّفْظِ فَإِنَّ الْحَلِفَ اقْتَضَى الْفِعْلَ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ إلَّا مَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى إخْرَاجِهِ وَقِيلَ الْمُتَعَذِّرَاتُ كُلُّهَا سَوَاءٌ وَفِي الْفَرْقِ عِدَّةُ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى)
إذَا حَلَفَ لَيَذْبَحَنَّ الْحَمَامَةَ فَقَامَ مَكَانَهُ فَوَجَدَهَا مَيِّتَةً قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَالشَّافِعِيُّ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ لَوْ حَلَفَ لَيَبِيعَنَّ أَمَتَهُ فَيَجِدُهَا حَامِلًا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ يَحْنَثُ لِأَنَّ الْمَانِعَ شَرْعِيٌّ وَسَوَّى بَيْنَهُمَا سَحْنُونٌ فِي عَدَمِ الْحِنْثِ قَالَ مَالِكٌ الْحَالِفُ لَيَضْرِبَنَّ امْرَأَتَهُ إلَى سَنَةٍ فَتَمُوتُ قَبْلَ السَّنَةِ لَمْ يَحْنَثْ بِمَوْتِهَا وَهُوَ عَلَى بِرٍّ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ إنْ حَلَفَ لَيَرْكَبَنَّ الدَّابَّةَ فَتُسْرَقُ يَحْنَثُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّ الْفِعْلَ مُمْكِنٌ عَادَةً وَإِنَّمَا مَنَعَهُ السَّارِقُ بِخِلَافِ مَوْتِ الْحَمَامِ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ مُتَعَذِّرٌ بِسَبَبِ السَّرِقَةِ فَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ التَّمَكُّنِ بَرَّ لِتَعَذُّرِ الْفِعْلِ عَقْلًا وَمَنْعُ الْغَاصِبِ وَالْمُسْتَحِقِّ كَالسَّارِقِ وَإِنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ فَكَاتَبَهُ أَوْ لَيَبِيعَنَّ أَمَتَهُ فَوَجَدَهَا حَامِلًا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْمَانِعَ شَرْعِيٌّ وَالْفِعْلُ مُمْكِنٌ وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ مُتَعَذِّرٌ وَإِنْ حَلَفَ لَيَطَأَهَا فَوَجَدَهَا حَائِضًا يُخَرَّجُ الْحِنْثُ عَلَى الْخِلَافِ.
وَقَالَ أَشْهَبُ إنْ حَلَفَ لَيَصُومَنَّ رَمَضَانَ وَشَوَّالًا إنْ صَامَ يَوْمَ الْفِطْرِ بَرَّ وَإِلَّا حَنِثَ
(تَنْبِيهٌ) وَمَعْنَى قَوْلِ الْأَصْحَابِ الْفِعْلُ مُتَعَذِّرٌ عَقْلًا يُرِيدُونَ أَنَّ فِعْلَهُ مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ وَإِلَّا فَيُمْكِنُ عَقْلًا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحْيِي الْحَمَامَ وَالْحَيَوَانَ حَتَّى يَتَأَتَّى فِيهِ أَفْعَالُ الْأَحْيَاءِ لَكِنَّ ذَلِكَ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ بِخِلَافِ السَّارِقِ وَنَحْوِهِ لَا يُقَالُ إنَّ الْفِعْلَ مُسْتَحِيلٌ عَادَةً فَإِنَّ مِنْ الْمُمْكِنِ عَادَةً الْقُدْرَةُ عَلَى السَّارِقِ وَالْغَاصِبِ وَيَفْعَلُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَهَذَا تَحْرِيرُ الْقَاعِدَتَيْنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا.
(الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ يَجِبُ الْمَشْيُ إلَيْهَا وَالصَّلَاةُ فِيهَا إذَا نَذَرَهَا وَقَاعِدَةِ غَيْرِهَا مِنْ الْمَسَاجِدِ لَا يَجِبُ الْمَشْيُ إلَيْهَا إذَا نَذَرَ الصَّلَاةَ فِيهِمَا)
قَالَ مَالِكٌ رحمه الله فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا قَالَ عَلَيَّ أَنْ آتِيَ إلَى الْمَدِينَةِ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَوْ الْمَشْيُ إلَيْهَا فَلَا يَأْتِي إلَيْهِمَا حَتَّى يَنْوِيَ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدَيْهِمَا أَوْ مَا يُلَازِمُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ يَجِبُ الْمَشْيُ إلَيْهَا وَالصَّلَاةُ فِيهَا إذَا نَذَرَهَا وَقَاعِدَةِ غَيْرِهَا مِنْ الْمَسَاجِدِ لَا يَجِبُ الْمَشْيُ إلَيْهَا إذَا نَذَرَ الصَّلَاةَ فِيهَا) قُلْت مَا حَكَاهُ لَا كَلَامَ فِيهِ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْحَدِيثَ يَقْتَضِي عَدَمَ لُزُومِ الْمَشْيِ إلَى غَيْرِهَا لَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ يَقْتَضِي عَدَمَ إعْمَالِ الْمُطِيِّ إلَى غَيْرِهَا.
وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ لَا يَتَحَمَّلَ مَشَقَّةَ السَّفَرِ الَّذِي يُحْوِجُ إلَى إعْمَالِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الِاسْتِثْنَاءُ هُوَ إخْرَاجُ مَا دَخَلَ لُغَةً لَا قَصْدًا فِي مَفْهُومِ اللَّفْظِ الْعَامِّ بِإِلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا وَهِيَ إحْدَى عَشْرَةً أَدَاةً مُسْتَوْعَبَةً فِي كُتُبِ النَّحْوِ، وَالْمَجَازُ هُوَ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ فِي اصْطِلَاحٍ بِهِ التَّخَاطُبُ لِعَلَاقَةٍ بَيْنَهُمَا وَقَرِينَةٍ مَانِعَةٍ مِنْ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ وَالنِّسْبَةُ بَيْنَهُمَا بِحَسَبِ مَوَارِدِهِمَا الَّتِي يَرِدَانِ عَلَيْهَا الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ الْوَجْهِيُّ بِحَيْثُ يَجْتَمِعَانِ فِي صُورَةٍ يَجُوزُ دُخُولُهُمَا مَعًا فِيهَا كَالْعُمُومَاتِ وَالظَّوَاهِرِ كُلِّهَا تَقُولُ فِي الْعُمُومِ رَأَيْت إخْوَتَك إلَّا زَيْدًا وَرَأَيْت إخْوَتَك تُرِيدُ دَارَ إخْوَتِهِ أَوْ أَمِيرَ إخْوَتِهِ لِمَا بَيْنَ الدَّارِ وَالْأَمِيرِ وَبَيْنَ الْإِخْوَةِ مِنْ الْمُلَابَسَةِ وَتَقُولُ فِي الظَّوَاهِرِ الَّتِي لَيْسَتْ بِعُمُومٍ كَلَفْظِ الْأَسَدِ وَالْفَرَسِ رَأَيْت أَسَدًا إلَّا يَدَهُ أَوْ فَرَسًا إلَّا رَأْسَهُ وَرَأَيْت أَسَدًا فِي الْحِمَامِ تُرِيدُ رَجُلًا شُجَاعًا وَرَكِبَتْ فَرَسَك تُرِيدُ حِمَارَهُ الْفَارِهَ الشَّبِيهَ بِالْفَرَسِ فِي سُرْعَةِ الْجَرْيِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَجَازِ وَالِاسْتِثْنَاءِ فِي هَذَا الْقِسْمِ الْحَاصِلِ فِيهِ اجْتِمَاعُهُمَا هُوَ أَنَّ الْمَجَازَ يَجُوزُ فِيهِ التَّجَوُّزُ بِجُمْلَةِ الِاسْمِ عَنْ جَمِيعِ الْمُسَمَّى إلَى غَيْرِهِ كَمَا عَدَلْت عَنْ الْأَسَدِ بِجُمْلَتِهِ إلَى الرَّجُلِ الشُّجَاعِ وَالِاسْتِثْنَاءُ لَا يَجُوزُ فِيهِ اسْتِثْنَاءُ جُمْلَةِ الْأَسَدِ بَلْ بَعْضُهُ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَبْقَى بَعْدَهُ شَيْءٌ مِمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ الِاسْتِثْنَاءُ (وَيَنْفَرِدُ) الِاسْتِثْنَاءُ عَنْ الْمَجَازِ فِي صُورَةٍ لَا يَدْخُلُهَا إلَّا هُوَ دُونَ الْمَجَازِ كَأَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْفَرْقِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا تَقْرِيرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إطْلَاقُ الْعَشَرَةِ مُرَادًا بِهَا التِّسْعَةَ وَلَا مُرَادًا بِهَا الْعُشْرُ بِضَمِّ الْعَيْنِ مَجَازًا وَتَقْرِيرُ مَا عَلَيْهِ.
وَأَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهَا فَقَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ الشَّيْخُ أَبُو الْوَلِيدِ ابْنُ رُشْدٍ لَا يَجُوزُ الِاسْتِثْنَاءُ بِإِلَّا مِنْ الْأَعْدَادِ وَإِنْ اتَّصَلَ مَا لَمْ يَبْنِ كَلَامَهُ عَلَيْهِ نَحْوُ وَاَللَّهِ لَأُعْطِيَنَّكَ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ إلَّا دِرْهَمًا وَكَذَلِكَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً بِخِلَافِ الْعُمُومِ وَبِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ يَكْفِي فِيهِ الِاتِّصَالُ وَإِنْ لَمْ يَبْنِ الْكَلَامَ عَلَيْهِ اهـ وَيَنْفَرِدُ الْمَجَازُ عَنْ الِاسْتِثْنَاءِ فِي صُورَةٍ لَا يَدْخُلُهَا إلَّا هُوَ دُونَ الِاسْتِثْنَاءِ كَالْمَعْطُوفَاتِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ فِيهَا لُغَةً الِاسْتِثْنَاءُ بِأَنْ تَقُولَ رَأَيْت عَمْرًا وَزَيْدًا إلَّا زَيْدًا لِمَا فِيهِ مِنْ اسْتِثْنَاءِ جُمْلَةِ مَا نَطَقْت بِهِ