الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنَّمَا يَقَعُ الْوَرَعُ مِنْ جِهَةِ قِيَامِهِ بِالْوَظِيفَةِ خَاصَّةً فَإِنَّ الْأَرْزَاقَ لَا يَجُوزُ تَنَاوُلُهَا إلَّا لِمَنْ قَامَ بِذَلِكَ الْوَجْهِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ فِي إطْلَاقِهِ لِتِلْكَ الْأَرْزَاقِ
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ
الْإِقْطَاعَاتُ الَّتِي تُجْعَلُ لِلْأُمَرَاءِ وَالْأَجْنَادِ مِنْ الْأَرَاضِيِ الْخَرَاجِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الرِّبَاعِ وَالْعَقَارِ وَهِيَ أَرْزَاقٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَلَيْسَتْ إجَارَةً لَهُمْ وَلِذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا مِقْدَارٌ مِنْ الْعَمَلِ وَلَا أَجَلٌ تَنْتَهِي إلَيْهِ الْإِجَارَةُ وَلَيْسَ الْإِقْطَاعُ مُقَدَّرًا كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا وَكُلَّ سَنَةٍ بِكَذَا حَتَّى تَكُونَ إجَارَةً بَلْ هُوَ إعَانَةٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ نَعَمْ لَا يَجُوزُ تَنَاوُلُهُ إلَّا بِمَا قَالَهُ الْإِمَامُ مِنْ الشَّرْطِ مِنْ التَّهَيُّؤِ لِلْحَرْبِ وَلِقَاءِ الْأَعْدَاءِ وَالْمُنَاضَلَةِ عَلَى الدِّينِ وَنُصْرَةِ كَلِمَةِ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالِاسْتِعْدَادِ بِالْخَيْلِ وَالسِّلَاحِ وَالْأَعْوَانِ عَلَى ذَلِكَ.
وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا شَرَطَهُ عَلَيْهِ الْإِمَامُ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّنَاوُلُ لِأَنَّ مَالَ بَيْتِ الْمَالِ لَا يُسْتَحَقُّ إلَّا بِإِطْلَاقِ الْإِمَامِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ الَّذِي أَطْلَقَهُ وَهُوَ لَوْ أَطْلَقَ لَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَوْقَ مَا يَسْتَحِقُّهُ عَلَى تِلْكَ الْوَظِيفَةِ إمَّا غَلَطًا مِنْ الْإِمَامِ وَإِمَّا جَوْرًا مِنْهُ فَإِنَّ ذَلِكَ الزَّائِدَ لَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُطْلَقُ لَهُ بَلْ يَبْقَى فِي يَدِهِ أَمَانَةً شَرْعِيَّةً يَجِبُ رَدُّهَا لِبَيْتِ الْمَالِ وَلِلْإِمَامِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَنْزِعَهُ مِنْهُ وَلِمَنْ ظَفَرَ بِهِ مِمَّنْ لَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ حَقٌّ أَنْ يَتَنَاوَلَهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ إنْ كَانَ عَدْلًا أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ إنْ كَانَ جَائِرًا وَلَوْ كَانَ إجَارَةً لَمْ يَزُلْ مِلْكُ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْعَقِدُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَبِأَكْثَرَ مِنْهَا وَإِذَا عُقِدَتْ بِأَكْثَرَ مِنْهَا اسْتَحَقَّهَا الْمَعْقُودُ لَهُ وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ انْتِزَاعُ الزَّائِدِ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ إذَا كَانَ الْحَالُ وَالِاجْتِهَادُ اقْتَضَى ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِمَّنْ لَهُ حَقٌّ فِي بَيْتِ الْمَالِ أَنْ يَتَنَاوَلَ ذَلِكَ الزَّائِدَ مِنْ الْأُجْرَةِ لِكَوْنِهِ مُسْتَحَقًّا بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ لِمَنْ عُقِدَ لَهُ وَكَأَنْ يُشْتَرَطَ فِيهَا الْأَجَلُ وَمِقْدَارُ الْمَنْفَعَةِ وَنَوْعُهَا عَلَى قَوَاعِدِ الْإِجَارَةِ فَهَذَا أَيْضًا يُوَضِّحُ لَك الْفَرْقَ بَيْنَ الْأَرْزَاقِ وَالْإِجَارَاتِ.
وَإِذَا قَطَعَ الْأَمِيرُ أَوْ الْجُنْدِيُّ أَرْضًا خَرَاجِيَّةً أَوْ غَيْرَ خَرَاجِيَّةٍ فَآجَرَهَا ثُمَّ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْعَقْدِ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يُقِرّ وَرَثَتَهُ عَلَى تِلْكَ الْأُجْرَةِ وَيُمْضِيَ لَهُمْ تِلْكَ الْإِجَارَةَ إلَى حَلِّ أَجَلِهَا وَلَهُ دَفْعُ جَمِيعِ تِلْكَ الْأُجْرَةِ لِلْمُقْطِعِ الثَّانِي إذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ لِلْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ وَلَا تَسْتَقِرُّ الْأُجْرَةُ الْأُولَى لِلْأَوَّلِ إلَّا بِمُضِيِّ الْعَقْدِ وَانْقِضَاءِ أَجَلِ الْإِجَارَةِ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى ذَلِكَ الْإِقْطَاعِ وَلَوْ كَانَتْ إجَارَةً مِنْ الْإِمَامِ لَهُ بِذَلِكَ الْإِقْطَاعِ لَاسْتَحَقَّهَا وَرَثَتُهُ وَلَتَعَذَّرَ عَلَى الْإِمَامِ انْتِزَاعُهَا مِنْهُمْ فِي مُدَّةِ عَقْدِ الْإِجَارَةِ وَيُمْكِنُ تَخْرِيجُ هَذِهِ الْإِجَارَةِ مِنْ الْمُقْطَعِ عَلَى قَاعِدَةِ الْوَقْفِ إذَا آجَرَ الْبَطْنَ الْأَوَّلَ زَمَانَ اسْتِحْقَاقِهِ وَغَيْرَ زَمَانِ اسْتِحْقَاقِهِ فَإِنَّهُ هَلْ يَبْطُلُ فِي غَيْرِ زَمَانِ اسْتِحْقَاقِهِ أَمْ لَا خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَهَذَا الْمُقْطِعُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ الزَّمَانَ الَّذِي هُوَ فِيهِ مُقْطِعٌ لِتِلْكَ الْأَرْضِ فَإِذَا مَاتَ أَوْ حُوِّلَ عَنْهَا لِغَيْرِهَا فَقَدْ آلَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَلِئَلَّا تَدْخُلَ التُّهْمَةُ فِي الْحُكْمِ بِمُعَاوَضَةِ صَاحِبِ الْعِوَضِ فَيَكُونَ الْقَاضِي كَالْوَكِيلِ يَأْخُذُ عَلَى الْوَكَالَةِ عِوَضًا لِيَكُونَ عَاضِدًا وَنَاصِرًا لِمَنْ بَذَلَ لَهُ الْعِوَضَ.
[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ أَرْزَاقُ الْمَسَاجِدِ وَالْجَوَامِعِ]
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ)
مَا يَدْفَعُهُ الْإِمَامُ مِنْ الْخَرَاجِ وَالطِّينِ لِمَنْ يَتَوَلَّى الْمَسَاجِدَ وَالْجَوَامِعَ بِالْقِيَامِ فِيهَا بِوَظِيفَةِ إمَامَةٍ أَوْ أَذَانٍ أَوْ خَطَابَةٍ أَوْ تَدْرِيسٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَإِنْ شَارَكَ مَا يُدْفَعُ لَهُمْ أُجْرَةٌ أَوْ وَقْفًا لِلْقِيَامِ بِتِلْكَ الْوَظَائِفِ فِي حُكْمَيْنِ أَحَدُهُمَا عَدَمُ جَوَازِ التَّنَاوُلِ إذَا لَمْ يَقُومُوا بِتِلْكَ الْوَظَائِفِ بِأَنْفُسِهِمْ عَلَى مُقْتَضَى شَرْطِ الْإِمَامِ وَالْوَاقِفِ وَمَا وَقَعَ عَلَيْهِ عَقْدُ الْإِجَارَةِ لِأَنَّهُ كَمَا لَا يَجُوزُ عَدَمُ الْوَفَاءِ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ وَشَرْطِ الْوَاقِفِ كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ اسْتِبَاحَةُ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ بِدُونِ أَذَانِ الْإِمَامِ فَافْهَمْ، ثَامِنُهُمَا جَوَازُ كُلٍّ مِنْ الْأَرْزَاقِ وَالْوَقْفِ فِي الْمَدَارِسِ إلَّا أَنَّهُ يُخَالِفُهُمَا فِي أَحْكَامٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَنْقُلَ مَا يَدْفَعُهُ لَهُمْ إذَا تَعَطَّلَتْ الْمَسَاجِدُ أَوْ وُجِدَتْ جِهَةٌ هِيَ أَوْلَى بِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ جِهَتِهَا بِخِلَافِ الْمَجْعُولِ لَهُمْ أُجْرَةً أَوْ وَقْفًا فَإِنَّهُ لَا يُنْقَلُ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى غَيْرِ جِهَةِ الْمَسَاجِدِ وَإِنْ كَانَتْ أَوْلَى مِنْ جِهَتِهَا لِوُجُوبِ الْوَفَاءِ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ وَشَرْطِ الْوَاقِفِ فَإِذَا وَقَفَ الْوَاقِفُ حَوَانِيتَ أَوْ دُورًا أَوْ غَيْرَهَا عَلَى مَنْ يَقُومُ بِوَظِيفَةٍ مِنْ الْوَظَائِفِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْجَوَامِعِ لَمْ يَجُزْ لِلْإِمَامِ وَلَا غَيْرِهِ إطْلَاقُهُ لِمَنْ لَمْ يَقُمْ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ فِي اسْتِحْقَاقِهِ.
وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْ رِيعِ ذَلِكَ الْوَقْفِ شَيْئًا إلَّا إذَا قَامَ بِذَلِكَ الشَّرْطِ عَلَى مُقْتَضَاهُ بِنَفْسِهِ فَإِنْ اسْتَنَابَ عَنْهُ غَيْرَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِلَا عُذْرٍ يَمْنَعُهُ مِنْ الْقِيَامِ بِهِ بِنَفْسِهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ هُوَ وَلَا نَائِبُهُ شَيْئًا مِنْ رِيعِ ذَلِكَ الْوَقْفِ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ أَوْ غَيْرُهُ فِي ذَلِكَ أَمَّا النَّائِبُ فَلِأَنَّ صِحَّةَ وِلَايَتِهِ مَشْرُوطَةٌ بِأَنْ تَكُونَ مِمَّنْ لَهُ النَّظَرُ وَهَذَا الْمُسْتَنِيبُ لَيْسَ لَهُ نَظَرٌ إنَّمَا هُوَ إمَامٌ أَوْ مُؤَذِّنٌ أَوْ مُدَرِّسٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَلَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ الصَّادِرَةُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَتْ بِإِذْنٍ لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ شَرْطِ الْوَاقِفِ وَأَمَّا الْمُسْتَنِيبُ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَإِنْ اسْتَنَابَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِعُذْرِ أَيَّامِهِ فَقَطْ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَنَاوَلَ رِيعَ الْوَقْفِ وَأَنْ يُطْلِقَ لِنَائِبِهِ مَا أَحَبَّ مِنْ ذَلِكَ الرِّيعِ نَعَمْ فِي شَرْحِ الشَّيْخِ مَنْصُورِ بْنِ إدْرِيسَ الْحَنْبَلِيِّ كَشَّافَ الْقِنَاعِ عَلَى مَتْنِ الْإِقَنَاعِ
الِاسْتِحْقَاقُ لِغَيْرِهِ كَالْبَطْنِ الثَّانِي إذَا طَرَأَ بَعْدَ الْأَوَّلِ وَهَذَا أَيْضًا يُوَضِّحُ لَك الْفَرْقَ بَيْنَ الْإِجَارَةِ وَالْوَقْفِ وَالْأَرْزَاقِ وَالْإِقْطَاعِ وَمِمَّا يُوَضِّحُ لَك الْفَرْقَ أَيْضًا أَنَّ الْإِمَامَ إذَا قَطَعَ أَمِيرًا أَوْ جُنْدِيًّا إقْطَاعًا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُحَوِّلَهُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ عَلَى حَسَبِ مَا تَقْتَضِيه الْمَصْلَحَةُ وَلَوْ كَانَ عَقْدَ إجَارَةٍ لَامْتَنَعَ نَقْلُهُ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ
وَقَعَ فِي كِتَابِ الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ لِأَبِي الْوَلِيدِ بْنِ رُشْدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا رحمه الله مَا ظَاهِرُهُ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُوقِفَ وَقْفًا عَلَى جِهَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ وَوَقَعَ لِلشَّافِعِيَّةِ رحمهم الله مِثْلُ ذَلِكَ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ أَوْقَافَهُمْ أَعْنِي الْمُلُوكَ وَالْخُلَفَاءَ إذَا وَقَعَتْ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ وَالْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهَا تَنْفُذُ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْهَا شَيْئًا إلَّا إذَا قَامَ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُطْلِقَ ذَلِكَ الْوَقْفَ بَعْدَ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَقُمْ بِذَلِكَ الْوَقْفِ فَقَدْ صَارَ ذَلِكَ الشَّرْطُ لَازِمًا لِلنَّاسِ وَلِلْإِمَامِ كَسَائِرِ الْأَوْقَافِ فَلَيْسَ لِلْإِمَامِ تَحْوِيلُهُ عَنْ تِلْكَ الْجِهَةِ وَإِطْلَاقُهُ لِمَنْ لَمْ يَقُمْ بِتِلْكَ الْوَظِيفَةِ فَإِنْ وَقَفُوا عَلَى أَوْلَادِهِمْ أَوْ جِهَاتِ أَقَارِبِهِمْ لِهَوَاهُمْ وَحِرْصِهِمْ عَلَى حَوْزِ الدُّنْيَا لَهُمْ وَذَرَارِيِّهِمْ وَاتِّبَاعًا لِغَيْرِ الْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ لَمْ يَنْفُذْ هَذَا الْوَقْفُ وَحَرُمَ عَلَى مَنْ وُقِفَ عَلَيْهِ تَنَاوُلُهُ بِهَذَا الْوَقْفِ وَلِلْإِمَامِ انْتِزَاعُهُ مِنْهُ وَصَرْفُهُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ عَلَى حَسَبِ مَا تَقْتَضِيه مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ.
وَأَمَّا الْوَقْفُ الْأَوَّلُ فَهُوَ بَاطِلٌ وَمَنْ تَنَاوَلَ مِنْهُ شَيْئًا بِهَذَا الْوَقْفِ كَانَ لِلْإِمَامِ أَخْذُهُ مِنْهُ وَلَهُ وَقْفُ هَذِهِ الْجِهَةِ عَلَى جِهَةٍ أُخْرَى عَلَى الْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَوْ صَحَّ الْوَقْفُ الْأَوَّلُ لِمُصَادَفَتِهِ لِلْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ تَحْوِيلُهُ.
فَإِنْ قُلْت فَإِنْ وَقَفَ عَلَى وَلَدٍ، بِنَصٍّ أَرَاضِيِ الْمُسْلِمِينَ وَقُرَاهُمْ أَوْ أَحَدٍ مِنْ أَقَارِبِهِ وَاشْتَرَى ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ الَّذِي اكْتَسَبَهُ فِي زَمَنِ مَمْلَكَتِهِ هَلْ يَصِحُّ ذَلِكَ الْوَقْفُ أَمْ لَا قُلْت الْمُلُوكُ فُقَرَاءُ مَدِينُونَ بِسَبَبِ مَا جَنَوْهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِمْ فِي أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ بِالْهَوَاءِ فِي أَبْنِيَةِ الدُّورِ الْعَالِيَةِ الْمُزَخْرَفَةِ وَالْمَرَاكِبِ النَّفِيسَةِ وَالْأَطْعِمَةِ الطَّيِّبَةِ وَإِعْطَاءِ الْأَصْدِقَاءِ وَالْمُزَاحِ بِالْبَاطِلِ مِنْ أَمْوَالٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا شَرْعًا فَهَذِهِ كُلُّهَا دُيُونٌ عَلَيْهِمْ فَتَكْثُرُ مِنْ تَطَاوُلِ الْأَيَّامِ فَيَتَعَذَّرُ بِسَبَبِهَا أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا الْأَوْقَافُ وَالتَّبَرُّعَاتُ وَالْبُيُوعَاتُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ رحمه الله وَمَنْ وَافَقَهُ فَإِنَّ تَبَرُّعَاتِ الْمَدْيُونِ الْمُتَأَخِّرَةِ عَنْ تَقَرُّرِ الدَّيْنِ بَاطِلَةٌ فَيَتَخَرَّجُ ذَلِكَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَثَانِيهمَا الْإِرْثُ لِأَنَّهُ لَا مِيرَاثَ مَعَ الدَّيْنِ إجْمَاعًا فَلَا يُورَثُ عَنْهُمْ شَيْءٌ وَمَا تَرَكُوهُ مِنْ الْمَمَالِيكِ لَا يَنْفُذُ عِتْقُ الْوَارِثِ فِيهِمْ بَلْ هُمْ أَمْوَالُ بَيْتِ الْمَالِ مُسْتَحَقُّونَ بِسَبَبِ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ الدَّيْنِ فَلَا يَنْفُذُ فِيهِمْ إلَّا عِتْقُ مُتَوَلِّي بَيْتِ الْمَالِ عَلَى الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ وَإِعْتَاقُهُمْ لِغَيْرِ مَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ لَا يَجُوزُ فَإِنْ وَقَفُوا وَقْفًا عَلَى جِهَاتِ الْبِرِّ وَالْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَنَسَبُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَالَ الَّذِي فِي بَيْتِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
فِي مَذْهَبِ ابْنِ حَنْبَلٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا نَصُّهُ مَعَ الْمَتْنِ قَالَ الشَّيْخُ وَالنِّيَابَةُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَعْمَالِ الْمَشْرُوطَةِ مِنْ تَدْرِيسٍ وَإِمَامَةٍ وَخَطَابَةٍ وَأَذَانٍ وَغَلْقِ بَابٍ وَنَحْوِهَا جَائِزَةٌ وَلَوْ عَيَّنَهُ الْوَاقِفُ وَفِي عِبَارَةٍ أُخْرَى لَهُ وَلَوْ نَهَى الْوَاقِفُ عَنْهُ إذَا كَانَ النَّائِبُ مِثْلُ مُسْتَنِيبِهِ فِي كَوْنِهِ أَهْلًا لِمَنْ اُسْتُنِيبَ فِيهِ وَقَدْ يَكُونُ هَكَذَا فِي الْفُرُوعِ وَالِاخْتِيَارَاتِ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ صَوَابُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مَفْسَدَةٌ رَاجِحَةٌ هَكَذَا هُوَ فِي فَتَاوَى الشَّيْخِ اهـ وَكَذَا ذَكَرَ مَعْنَاهُ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ وَجَوَازُ النِّيَابَةِ بِهِ فِي هَذِهِ الْأَعْمَالِ كَالْأَعْمَالِ الْمَشْرُوطَةِ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى عَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ كَخِيَاطَةِ الثَّوْبِ وَبِنَاءِ الْحَائِطِ.
اهـ بِلَفْظِهِ وَهُوَ فُسْحَةٌ فِي الدِّينِ وَسَيَأْتِي فِي الْفَرْقِ السَّادِسَ عَشَرَ وَالْمِائَتَيْنِ بِزِيَادَةِ بَيَانٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالنِّسْبَةِ لِمَذْهَبِنَا فَتَرَقَّبْ وَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ فِيمَا يَدْفَعُهُ لِمُتَوَلِّيهَا مِنْ الْخَرَاجِ وَالطِّينِ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ دَائِمًا وَيَكُونَ لَهُ ذَلِكَ عَلَى النَّظَرِ لَا عَلَى الْقِيَامِ بِالْوَظِيفَةِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِمَنْ تَقَدَّمَهُ عَلَى الْقِيَامِ بِالْوَظِيفَةِ لِمَصْلَحَةٍ أُخْرَى رَآهَا.
(وَمِنْهَا) أَنَّ تَنَاوُلَ الْأُجْرَةِ عَلَى إمَامَةِ الصَّلَاةِ قَدْ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي جَوَازِهِ وَمَنْعِهِ وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدُ مُكَايَسَةٍ وَمُغَابَنَةٍ وَمِنْ بَابِ الْمُعَاوَضَاتِ الَّتِي لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ الْعِوَضَانِ فِيهَا لِشَخْصٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ إنَّمَا شُرِعَتْ لِيَنْتَفِعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاوِضَيْنِ بِمَا بُذِلَ لَهُ وَأَجْرُ الصَّلَاةِ لِلْإِمَامِ فَلَوْ أَخَذَ الْعِوَضَ عَنْهَا لَاجْتَمَعَ لَهُ الْعِوَضَانِ وَتَنَاوُلُ الْأَرْزَاقِ عَلَى الْإِمَامَةِ مُجْمَعٌ عَلَى جَوَازِهِ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ الْمَعْرُوفِ كَمَا مَرَّ لَا مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ كَمَا ظَنَّهُ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ فَقَالَ إنَّمَا يَجُوزُ تَنَاوُلُ الرِّزْقِ عَلَى الْإِمَامَةِ فِي الصَّلَاةِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الْإِجَارَةِ عَلَيْهَا وَتَوَرَّعَ عَنْ تَنَاوُلِهِ بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ فِي جَوَازِ الْإِجَارَةِ عَلَيْهَا وَلَمْ يَفْهَمْ أَنَّ جَوَازَ الْأَرْزَاقِ عَلَيْهَا كَجَوَازِ الْوَقْفِ عَلَيْهَا بِدُونِ أَدْنَى خِلَافٍ إذْ الرِّزْقُ لَيْسَ بِمُعَاوَضَةٍ أَلْبَتَّةَ وَكَيْفَ يَكُونُ كَذَلِكَ وَقَدْ أَجَازُوا تَنَاوُلَهُ فِي أَضْيَقِ الْمَوَاضِعِ الَّذِي تَمْتَنِعُ فِيهِ الْمُعَاوَضَةُ قَطْعًا وَهُوَ الْقَضَاءُ وَالْحُكْمُ بَيْنَ النَّاسِ فَحِينَئِذٍ لَا وَرَعَ فِي تَنَاوُلِ الْأَرْزَاقِ عَلَى الْإِمَامَةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَإِنَّمَا الْوَرَعُ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَنَاوَلَ