الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلَى هَذَا الْمَفْهُومِ فَصَارَ صَرِيحًا فِيهِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُتَّجَهُ وَهُوَ سِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ غَيْرَ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ قَدْ بَطَل وَتَغَيَّرَتْ الْفُتْيَا وَيَجِبُ الرُّجُوعُ إلَى اللُّغَةِ كَمَا قَالَهُ الْأَئِمَّةُ وَتَصِيرُ كِنَايَةً مَحْضَةً بِسَبَبِ أَنَّ الْعُرْفَ قَدْ تَغَيَّرَ حَتَّى لَمْ يَصِرْ أَحَدٌ يَسْتَعْمِلُ هَذَا اللَّفْظَ إلَّا فِي غَايَةِ النُّدْرَةِ فَضْلًا عَنْ كَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ الَّتِي تُصَيِّرُهُ مَنْقُولًا وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ اللَّفْظَ مَتَى كَانَ الْحُكْمُ فِيهِ مُضَافًا لِنَقْلٍ عَادِيٍّ بَطَلَ ذَلِكَ الْحُكْمُ عِنْدَ بُطْلَانِ تِلْكَ الْعَادَةِ وَتَغَيَّرَ إلَى حُكْمٍ آخَرَ إنْ شَهِدَتْ لَهُ عَادَةٌ أُخْرَى فَهَذَا هُوَ الْفِقْهُ الْمُتَّجَهُ.
(الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ ضَمِّ الشَّهَادَتَيْنِ فِي الْأَقْوَالِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ عَدَمِ ضَمِّهَا فِي الْأَفْعَالِ)
اعْلَمْ أَنَّ مَالِكًا رحمه الله قَالَ إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ الدَّارَ وَأَنَّهُ دَخَلَ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا وَأَنَّهُ كَلَّمَهُ حَلَفَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ فَإِنْ نَكَلَ سُجِنَ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى مُتَعَلِّقٍ وَاحِدٍ.
وَكَذَلِكَ إذَا اخْتَلَفَا فِي الْعِتْقِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ، وَقَالَ إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا بِمَكَّةَ فِي رَمَضَانَ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا بِمِصْرَ فِي صَفَرٍ طَلُقَتْ، وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَيُشْتَرَطُ أَنْ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ ضَمِّ الشَّهَادَةِ فِي الْأَقْوَالِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ عَدَمِ ضَمِّهَا فِي الْأَفْعَالِ)
، قُلْت مَا قَالَهُ هُنَا حِكَايَةُ أَقْوَالٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَا كَلَامَ فِيهِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
ثُبُوتُهُ عِنْدَ ثُبُوتِ الْمَشْرُوطِ فَلِذَا قَالَ فِي الْمَشْهُورِ بِعَدَمِ التَّقَرُّرِ مُطْلَقًا إلَّا بِالدُّخُولِ أَوْ بِالْمَوْتِ لِأَنَّ الصَّدَاقَ إنَّمَا الْتَزَمَ إلَى أَقْصَرِ الزَّوْجَيْنِ عُمْرًا أَوْ بِالْفِرَاقِ وَلَمْ يَجْعَلْهُ كَالثَّمَنِ
(وَأَمَّا الْأَمْرُ الثَّانِي) فَهُوَ أَنَّ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ يُعَارِضُهَا قَاعِدَتَانِ أُخْرَيَانِ
(الْقَاعِدَةُ الْأُولَى) أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَعْوَاضِ وُجُوبُهَا بِالْعُقُودِ فَإِنَّهَا أَسْبَابُهَا وَالْأَصْلُ تَرَتُّبُ الْمُسَبَّبَاتِ عَلَى أَسْبَابِهَا فَمَنْ لَاحَظَ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ قَالَ يَجِبُ الْجَمِيعُ بِالْعَقْدِ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ
(وَالْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ) أَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يَدُلُّ عَلَى سَبِيبَتِهِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] فَرَتَّبَ النِّصْفَ عَلَى الطَّلَاقِ فَيَكُونُ سَبَبُهُ فَمَنْ لَاحَظَ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ قَالَ يَجِبُ النِّصْفُ بِالطَّلَاقِ خَاصَّةً وَيَبْقَى التَّكْمِيلُ مَوْقُوفًا عَلَى سَبَبٍ آخَرَ وَهُوَ الْمَوْتُ أَوْ الدُّخُولُ كَذَا فِي الْأَصْلِ
(وَأَمَّا الْأَمْرُ الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ فِي بِدَايَتِهِ مَا يَعْرِضُ لِلصَّدَاقِ مِنْ التَّغْيِيرَاتِ قَبْلَ الطَّلَاقِ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مِنْ قِبَلِهَا أَوْ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ فَمَا كَانَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ تَلَفًا لِلْكُلِّ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ نَقْصًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ زِيَادَةً وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ زِيَادَةً وَنَقْصًا مَعًا وَمَا كَانَ مِنْ قِبَلِهَا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ تَصَرُّفُهَا فِيهِ بِتَفْوِيتٍ مِثْلُ الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ وَالْهِبَةِ أَوْ يَكُونَ تَصَرُّفُهَا فِيهِ فِي مَنَافِعِهَا الْخَاصَّةِ بِهَا أَوْ فِيمَا تَتَجَهَّزُ بِهِ إلَى زَوْجِهَا فَعِنْدَ مَالِكٍ أَنَّهُمَا فِي التَّلَفِ وَفِي الزِّيَادَةِ وَفِي النُّقْصَانِ شَرِيكَانِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي النُّقْصَانِ وَالتَّلَفِ عَلَيْهَا بِالنِّصْفِ وَلَا يَرْجِعُ بِنِصْفِ الزِّيَادَةِ وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: هَلْ تَمْلِكُ الْمَرْأَةُ الصَّدَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ الْمَوْتِ مِلْكًا مُسْتَقِرًّا أَوْ لَا تَمْلِكُهُ فَمَنْ قَالَ إنَّهَا لَا تَمْلِكُهُ مِلْكًا مُسْتَقِرًّا قَالَ هُمَا فِيهِ شَرِيكَانِ مَا لَمْ تَتَعَدَّ فَتُدْخِلُهُ فِي مَنَافِعِهَا وَمَنْ قَالَ تَمْلِكُهُ مِلْكًا مُسْتَقِرًّا وَالتَّشْطِيرُ حَقٌّ وَاجِبٌ تَعَيَّنَ عَلَيْهَا عِنْدَ الطَّلَاقِ وَبَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ أَوْجَبَ الرُّجُوعَ عَلَيْهَا بِجَمِيعِ مَا ذَهَبَ عِنْدَهَا وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهَا إذَا صَرَفَتْهُ فِي مَنَافِعِهَا ضَامِنَةً لِلنِّصْفِ وَاخْتَلَفُوا إذَا اشْتَرَتْ بِهِ مَا يُصْلِحُهَا لِلْجِهَازِ مِمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ هَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ مَا اشْتَرَتْهُ أَمْ بِنِصْفِ الصَّدَاقِ الَّذِي هُوَ الثَّمَنُ فَقَالَ مَالِكٌ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ مَا اشْتَرَتْهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الثَّمَنِ الَّذِي هُوَ الصَّدَاقُ اهـ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُ مَعَ الْبَيْعِ وَقَاعِدَةُ مَا لَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُ مَعَهُ]
(الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُ مَعَ الْبَيْعِ مِنْ نَحْوِ الْإِجَارَةِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُ مَعَهُ)
مِنْ الْعُقُودِ السِّتَّةِ الَّتِي رَمَزَ الْفُقَهَاءُ لَهَا بِقَوْلِهِمْ جِصّ مُشْنِق فَالْجِيمُ لِلْجَعَالَةِ وَالصَّادُ لِلصَّرْفِ وَالْمِيمُ لِلْمُسَاقَاةِ وَالشَّيْنُ لِلشَّرِكَةِ وَالنُّونُ لِلنِّكَاحِ وَالْقَافُ لِلْقِرَاضِ وَالسِّرُّ فِي الْفَرْقِ هُوَ أَنَّ الْعُقُودَ أَسْبَابٌ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى تَحْصِيلِ حِكْمَتِهَا فِي مُسَبَّبَاتِهَا الْمُتَنَافِيَةِ بِطَرِيقِ الْمُنَاسَبَةِ وَالشَّيْءُ الْوَاحِدُ بِاعْتِبَارِ الْوَاحِدِ لَا يُنَاسِبُ الْمُتَضَادَّيْنِ لِأَنَّ تَنَافِيَ اللَّوَازِمِ يَدُلُّ عَلَى تَنَافِي الْمَلْزُومَاتِ وَكُلُّ عَقْدٍ مِنْ هَذِهِ الْعُقُودِ السِّتَّةِ يُضَادُّ الْبَيْعَ فَلِذَا اخْتَصَّتْ فِي الْمَشْهُورِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ وَاحِدًا مِنْهُمَا مَعَ الْبَيْعِ عَقْدٌ وَاحِدٌ بَلْ قَالَ الشَّيْخُ مَيَّارَةُ كَمَا لَا يَجْتَمِعُ الْبَيْعُ مَعَ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ السَّبْعِ بِزِيَادَةِ الْقَرْضِ فَكَذَلِكَ لَا يَجْتَمِعُ اثْنَانِ مِنْهَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ لِافْتِرَاقِ أَحْكَامِهَا قَالَ وَقَدْ قُلْت فِي ذَلِكَ:
عُقُودٌ مَنَعْنَا اثْنَيْنِ مِنْهَا بِعُقْدَةٍ
…
لِكَوْنِ مَعَانِيهَا مَعًا تَتَفَرَّقُ
يَكُونَ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ مَسَافَةٌ يُمْكِنُ قَطْعُهَا فِي الْأَجَلِ الَّذِي بَيْنَ الشَّهَادَتَيْنِ وَتُضْبَطُ عِدَّتُهَا مِنْ يَوْمِ شَهَادَةِ الْأَخِيرِ، قُلْت وَيَنْبَغِي حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى الْعِدَّةِ فِي الْقَضَاءِ أَمَّا فِي الْحُكْمِ فَمَا تَعْتَقِدُهُ الزَّوْجَةُ فِي تَارِيخِ الطَّلَاقِ.
وَقَالَ اللَّخْمِيُّ قِيلَ تُضَمُّ الشَّهَادَتَانِ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ أَوْ إحْدَاهُمَا قَوْلٌ وَالْأُخْرَى فِعْلٌ وَيَقْضِي بِهَا، وَقِيلَ لَا يُضَمَّانِ مُطْلَقًا، وَقِيلَ يُضَمَّانِ فِي الْأَقْوَالِ فَقَطْ، وَقِيلَ يُضَمَّانِ إذَا كَانَتَا عَلَى فِعْلٍ فَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى قَوْلٍ وَالْأُخْرَى عَلَى فِعْلٍ لَمْ يُضَمَّا وَالْأَقْوَالُ كُلُّهَا لِمَالِكٍ رحمه الله وَاعْتَمَدَ الْأَصْحَابُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ أَنَّ الْأَقْوَالَ يُمْكِنُ تَكَرُّرُهَا وَيَكُونُ الثَّانِي خَبَرًا عَنْ الْأَوَّلِ وَالْأَفْعَالَ لَا يُمْكِنُ تَكَرُّرُهَا إلَّا مَعَ التَّعَدُّدِ، وَهَذَا الْفَرْقُ فِيهِ بَحْثٌ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْإِنْشَاءُ وَتَجْدِيدَ الْمَعَانِي بِتَجَدُّدِ الِاسْتِعْمَالَاتِ وَالتَّأْسِيسِ حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى التَّأْكِيدِ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودُ الْوَضْعِ وَمُقْتَضَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ عَدَمُ ضَمِّ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ لِعَدَمِ وُجُودِ النِّصَابِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ مِنْهَا لَكِنْ عَارَضَ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ قَاعِدَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ أَصْلَ قَوْلِنَا أَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتَ حُرٌّ الْخَبَرُ عَنْ وُقُوعِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (وَاعْتَمَدَ الْأَصْحَابُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ أَنَّ الْأَقْوَالَ يُمْكِنُ تَكَرُّرُهَا وَيَكُونُ الثَّانِي خَبَرًا عَنْ الْأَوَّلِ وَالْأَفْعَالَ لَا يُمْكِنُ تَكَرُّرُهَا إلَّا مَعَ التَّعَدُّدِ إلَى قَوْلِهِ وَالْحَمْلُ عَلَى الْأَصْلِ أَوْلَى) ، قُلْت مَا قَالَهُ صَحِيحٌ بِنَاءً عَلَى مَا أُصِّلَ إلَّا مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ أَصْلَ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتَ حُرٌّ الْخَبَرُ عَنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ قَبْلَ زَمَانِ النُّطْقِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الْخَبَرَ بِاسْمِ الْفَاعِلِ الْمُطْلَقِ لَا يَكُونُ إلَّا لِلْحَالِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
فَجُعْلٌ وَصَرْفٌ وَالْمُسَاقَاةُ شَرِكَةٌ
…
نِكَاحٌ قِرَاضٌ قَرْضٌ بَيْعٌ مُحَقَّقُ
وَصَرَّحَ بِذَلِكَ أَبُو الْحَسَنِ وَابْنُ نَاجِي وَنَقَلَهُ الْحَطَّابُ كَذَا فِي الْبُنَانِيِّ عَلَى عبق وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الدَّرْدِيرُ فِي شَرْحِ أَقْرَبِ الْمَسَالِكِ، لَك أَنْ تَزِيدَ عَلَى هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ:
فَهَذِي عُقُودٌ سَبْعَةٌ قَدْ عَلِمْتهَا
…
وَيَجْمَعُهَا فِي الرَّمْزِ جبص مُشْنِق
اهـ
وَأَشَارَ بِالْبَاءِ فِي جَبْصِ لِلْبَيْعِ وَالصَّوَابُ أَنْ يُبْدِلَهَا بِقَافٍ بِأَنْ يَقُولَ جَقْصٌ لِتَكُونَ إشَارَةً لِلْقَرْضِ وَتَكُونَ السَّبْعَةُ الْمَرْمُوزُ لَهَا هِيَ مَا عَدَا الْبَيْعِ مِنْ الْعُقُودِ الَّتِي يَمْتَنِعُ جَمْعُهَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ مَعَهُ كَمَا يَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُ اثْنَيْنِ مِنْهَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ لِتَضَادِّ أَحْكَامِهَا أَمَّا تَضَادُّ الْجَعَالَةِ لِلْبَيْعِ فَمِنْ جِهَةِ لُزُومِ الْجَهَالَةِ فِي عَمَلِهَا وَلُزُومِ عَدَمِهَا فِي عَمَلِهِ وَأَمَّا تَضَادُّ النِّكَاحِ لَهُ فَمِنْ جِهَةِ لُزُومِ الْمُسَامَحَةِ فِي الْبَيْعِ دُونَ النِّكَاحِ فَتَجُوزُ فِيهِ الْمُكَايَسَةُ فِي الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ بِالْمُسَامَحَةِ وَيَكُونُ حَاصِلُ الصُّوَرِ الْعَقْلِيَّةِ أَرْبَعًا وَسِتِّينَ مِنْ ضَرْبِ ثَمَانِيَةٍ فِي مِثْلِهَا الْمُكَرَّرُ مِنْهَا سِتٌّ وَثَلَاثُونَ وَالْبَاقِي ثَمَانٍ وَعِشْرُونَ لِأَنَّك تَأْخُذُ كُلَّ وَاحِدٍ مَعَ مَا بَعْدَهُ يَبْلُغُ ذَلِكَ الْعَدَدَ فَلْيُفْهَمْ. وَأَمَّا تَضَادُّ الصَّرْفِ لَهُ فَمِنْ جِهَةِ بِنَاءِ الصَّرْفِ عَلَى التَّشْدِيدِ وَامْتِنَاعِ الْخِيَارِ وَالتَّأْخِيرِ وَأُمُورٍ كَثِيرَةٍ لَا تُشْتَرَطُ فِي الْبَيْعِ وَأَمَّا تَضَادُّ الْمُسَاقَاةِ وَالْقِرَاضِ لَهُ فَمِنْ جِهَةِ أَنَّ فِيهِمَا الْغَرَرَ وَالْجَهَالَةَ كَالْجَعَالَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَأَمَّا تَضَادُّ الشَّرِكَةِ لَهُ فَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ عَلَى وَفْقِ الْأُصُولِ وَفِي الشَّرِكَةِ مُخَالَفَةُ الْأُصُولِ وَأَمَّا تَضَادُّ الْقِرَاضِ لَهُ فَلِقَوْلِ الْخَرَشِيِّ الَّذِي يُفِيدُهُ كَلَامُ الْغِرْيَانِيِّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْحُكْمَ فِي التَّصْدِيقِ إذَا وَقَعَ فِي الْقَرْضِ الْفَسْخُ عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ وَفِي الْبَيْعِ لِأَجَلٍ عَدَمُ الْفَسْخِ عَلَى ظَاهِرِهَا كَمَا قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ إنَّهُ الْأَشْبَهُ بِظَاهِرِهَا. اهـ
يَعْنِي أَنَّ الْأَرْجَحَ فِي الْقَرْضِ الْفَسْخُ إذَا وَقَعَ التَّصْدِيقُ فِي الْمُقْرَضِ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَفِي الْبَيْعِ لِأَجَلٍ الْأَرْجَحُ عَدَمُهُ إذَا وَقَعَ التَّصْدِيقُ فِي الْمَبِيعِ وَمِمَّا ذُكِرَ يُعْلَمُ وَجْهُ تَضَادِّ أَحْكَامِ كُلٍّ مِمَّا عَدَا الْبَيْعِ مِنْ الْعُقُودِ السَّبْعَةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَحْكَامِ الْآخَرِ مِنْهَا نَعَمْ الْقِرَاضُ وَالْمُسَاقَاةُ وَالْجَعَالَةُ وَإِنْ عُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ اتِّحَادُهَا فِي جَوَازِ الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ إلَّا أَنَّهُ يُعْلَمُ مِنْ أَبْوَابِهَا أَنَّ عَقْدَ الْمُسَاقَاةِ لَازِمٌ وَلَا يَنْعَقِدُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَّا بِلَفْظِ سَاقَيْت وَعِنْدَ سَحْنُونٍ إلَّا بِهِ وَبِلَفْظِ آجَرْت أَوْ عَامَلْت دُونَ لَفْظِ شَرِكَةٍ أَوْ بَيْعٍ بِخِلَافِهِمَا وَأَنَّ لِصِحَّةِ الْقِرَاضِ شُرُوطًا غَيْرَ شُرُوطِ صِحَّةِ الْجَعَالَةِ فَافْهَمْ وَأَمَّا نَحْوُ الْإِجَارَةِ وَالْهِبَةِ مِمَّا يُمَاثِلُ الْبَيْعَ فِي الْأَحْكَامِ وَالشُّرُوطِ وَلَا يُضَادُّهُ فِيهِ بِأَنَّهُ يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُ مَعَ الْبَيْعِ كَمَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُ أَحَدِهِمَا مَعَ الْآخَرِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ لِعَدَمِ التَّنَافِي فَهَذَا وَجْهُ الْفَرْقِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ
(وَصْلٌ) فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْفَرْقِ وَتُوَضِّحُهُ
(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَالَ الرَّهُونِيُّ ابْنُ عَرَفَةَ الصَّرْفُ وَالْبَيْعُ فِي جَوَازِهِ وَمَنْعِهِ ثَالِثُهَا بِقَيْدِ التَّبَعِيَّةِ لِأَشْهَبَ مَعَ اللَّخْمِيِّ عَنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ جَوَازُ بَيْعِ مِائَةِ ثَوْبٍ كُلُّ ثَوْبٍ بِدِينَارٍ إلَّا ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ وَسَمَاعُ عِيسَى رِوَايَةَ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَجُوزُ صَرْفٌ وَبَيْعٌ وَلَا نِكَاحٌ وَبَيْعٌ وَالْمَشْهُورُ ثُمَّ قَالَ فَفِي تَبَعِيَّةِ الصَّرْفِ بِكَوْنِهِ أَقَلَّ مِنْ دِينَارٍ أَوْ دِينَارًا فَأَقَلَّ الْمَشْهُورُ وَقَوْلُ الصَّقَلِّيِّ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ اهـ مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ بِلَفْظِهِ. اهـ
وَقُدِّمَ قَوْلُ أَشْهَبَ بِالْجَوَازِ مُطْلَقًا عَلَى الْمَشْهُورِ لِقَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ وَقَوْلُ أَشْهَبَ أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ وَإِنْ
الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ قَبْلَ زَمَنٍ مِنْ النُّطْقِ، وَكَذَلِكَ بِعْت وَاشْتَرَيْت وَسَائِرُ صِيَغِ الْعُقُودِ وَإِنَّمَا يَنْصَرِفُ لِاسْتِحْدَاثِ هَذِهِ الْمَعَانِي بِالْقَرَائِنِ أَوْ النَّقْلِ الْعُرْفِيِّ.
وَإِنَّمَا الْأَصْلُ الْخَبَرُ فَشَهَادَتُهُمَا بِالْقَرَائِنِ شَهَادَةٌ بِقَوْلٍ يَصْلُحُ لِلْإِخْبَارِ وَالْإِنْشَاءِ فَيُحْمَلُ الْقَوْلُ الثَّانِي عَلَى الْإِخْبَارِ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ عَمَلًا بِقَاعِدَةِ تَرْجِيحِ الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ الْخَبَرُ وَالْحَمْلُ عَلَى الْأَصْلِ أَوْلَى وَلِذَلِكَ شَبَّهَ الْأَصْحَابُ بِمَا لَوْ أَقَرَّ بِمَالٍ فِي مَجَالِسَ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَدَّدُ عَلَيْهِ مَا أَقَرَّ بِهِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (وَلِذَلِكَ شَبَّهَ الْأَصْحَابُ بِمَا لَوْ أَقَرَّ بِمَالٍ فِي مَجَالِسَ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَدَّدُ عَلَيْهِ مَا أَقَرَّ بِهِ) ، قُلْت إنَّمَا لَمْ يَتَعَدَّدْ عَلَيْهِ مَا أَقَرَّ بِهِ لِاحْتِمَالِ تَكَرُّرِ الْإِقْرَارِ بِمَالٍ وَاحِدٍ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْ الزَّائِدِ، وَكَذَلِكَ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ قَوْلِهِ عَبْدِي فُلَانٌ حُرٌّ، ثُمَّ كَرَّرَ ذَلِكَ الْقَوْلَ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الثَّانِيَ خَبَرٌ عَنْ الْأَوَّلِ بِنَاءً عَلَى مَا أُصِّلَ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ الْخَبَرُ، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ الشَّاهِدَانِ شَهِدَا عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ وَهُوَ إنْشَاءُ الْعِتْقِ فِي الْعَبْدِ الَّذِي سُمِّيَ، قُلْت لَا أَدْرِي مَا الْحَامِلُ عَلَى تَكَلُّفِ تَقْدِيرِهِ كَوْنَ الْقَوْلِ الثَّانِي خَبَرًا عَنْ الْأَوَّلِ مَعَ أَنَّهُ لَوْ بَيَّنَ بِقَرِينَةِ مَقَالِهِ أَوْ بِقَرِينَةِ حَالِهِ أَنَّهُ يُرِيدُ بِالْقَوْلِ الثَّانِي تَأْكِيدَ الْإِنْشَاءِ لِعِتْقِ ذَلِكَ الْعَبْدِ لَكَمُلَتْ شَهَادَةُ الشَّاهِدَيْنِ بِذَلِكَ الْعِتْقِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ تَبَيَّنَ بِالْقَرَائِنِ أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ خَبَرٌ عَنْ أَنَّهُ كَانَ عَقْدَ عِتْقِهِ وَالْقَوْلَ الثَّانِي أَيْضًا كَذَلِكَ لَحَصَلَتْ شَهَادَةُ شَاهِدَيْنِ عَلَى إقْرَارِهِ بِعِتْقِهِ فَلَا فَرْقَ إذًا بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْقَوْلَانِ إنْشَاءً أَوْ كَانَا خَبَرًا أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا خَبَرًا وَالْآخَرُ إنْشَاءً مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ وُقُوعُ عِتْقِهِ إيَّاهُ قَدْ حَصَلَ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ مِنْ تِلْكَ التَّقَادِيرِ نَعَمْ إذَا تَبَيَّنَ بِالْقَرَائِنِ أَوْ احْتَمَلَ أَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ تَأْسِيسُ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
كَانَ خِلَافَ الْمَشْهُورِ. اهـ
أَيْ لَا نَظَرَ إلَى أَنَّ الْعَقْدَ الَّذِي جَمَعَهُمَا احْتَوَى عَلَى أَمْرَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا جَائِزٌ عَلَى انْفِرَادِهِ وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ مَالِكٌ حَرَّمَهُ قَالَ وَإِنَّمَا الَّذِي حَرَّمَهُ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مَعَ كُلٍّ مِنْهُمَا سِلْعَةٌ وَالْوَرِقُ بِالْوَرِقِ مَعَ كُلٍّ مِنْهُمَا سِلْعَةٌ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الصَّاوِيِّ عَلَى شَرْحِ أَقْرَبِ الْمَسَالِكِ ثُمَّ قَالَ الرَّهُونِيُّ وَلَمَّا ذُكِرَ فِي التُّحْفَةِ مَنْعُ اجْتِمَاعِ السِّتَّةِ الَّتِي فِي الْمَوَّاقِ وَالْحَطَّابِ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ مَعَ الْبَيْعِ أَيْ وَفِي الْأَصْلِ وَهِيَ الرُّمُوزُ لَهَا بِقَوْلِهِمْ جِصّ مُشْنِق قَالَ. وَأَشْهَبُ الْجَوَازُ عَنْهُ مَاضٍ قَالَ: قَالَ التَّاوَدِيُّ فِي شَرْحِهَا مَا نَصُّهُ وَمُفَادُ النَّاظِمِ أَنَّ خِلَافَهُ جَارٍ فِي الْجَمِيعِ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُهُ وَفِي الْحَطَّابِ عَنْ اللَّخْمِيِّ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ. اهـ
مِنْهُ بِلَفْظِهِ قُلْت وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْحَطَّابِ هُوَ كَذَلِكَ فِيهِ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ فِي اجْتِمَاعِ الْبَيْعِ وَالْمُسَاقَاةِ مَنْصُوصٌ وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي ابْنِ نَاجِي عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّهُ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي جَمِيعِهَا إلَّا أَنَّ اجْتِمَاعَ الْبَيْعِ وَالْمُسَاقَاةِ الْخِلَافُ بِالتَّخْرِيجِ خَرَّجَهُ اللَّخْمِيُّ فِي بَيْعِ بَتٍّ وَخِيَارٍ فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ اهـ بِلَفْظِهِ.
وَنَصُّ اللَّخْمِيِّ وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ الثَّانِي ذِكْرُ الِاخْتِلَافِ فِي النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ وَفِي كِتَابِ الْجُعْلِ ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ فِي الْبَيْعِ وَالْجُعْلَ وَفِي كِتَابِ الْبَيِّعَيْنِ بِالْخِيَارِ الِاخْتِلَافُ فِي بَيْعِ بَتٍّ وَخِيَارٍ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ وَيُخْتَلَفُ فِي الْبَيْعِ وَالْمُسَاقَاةِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ مِنْهُ بِلَفْظِهِ. اهـ
كَلَامُ الرَّهُونِيُّ وَفِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِحَفِيدِ ابْنِ رُشْدٍ وَاخْتَلَفُوا أَيْ الْفُقَهَاءُ إذَا اقْتَرَنَ بِالْمَهْرِ بَيْعٌ مِثْلُ أَنْ تَدْفَعَ إلَيْهِ عَبْدًا وَيَدْفَعَ أَلْفَ دِرْهَمٍ عَنْ الصَّدَاقِ وَعَنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ وَلَا يُسَمِّي الثَّمَنَ مِنْ الصَّدَاقِ فَمَنَعَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَأَجَازَهُ أَشْهَبُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَفَرَّقَ عَبْدُ اللَّهِ فَقَالَ إنْ كَانَ الْبَاقِي بَعْدَ الْبَيْعِ رُبْعُ دِينَارٍ فَصَاعِدًا بِأَمْرٍ فَصَاعِدًا بِأَمْرٍ لَا يَشُكُّ فِيهِ جَازَ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَمَرَّةً قَالَ ذَلِكَ جَائِزٌ وَمَرَّةً قَالَ فِيهِ مَهْرُ الْمِثْلِ وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ هَلْ النِّكَاحُ فِي ذَلِكَ شَبِيهٌ بِالْبَيْعِ أَمْ لَيْسَ بِشَبِيهٍ فَمَنْ شَبَّهَهُ فِي ذَلِكَ بِالْبَيْعِ مَنَعَهُ وَمَنْ جَوَّزَ فِي النِّكَاحِ مِنْ الْجَهْلِ مَا لَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ قَالَ يَجُوزُ اهـ بِلَفْظِهَا.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ كَنُونِ وَأَوْلَى مِنْ مَنْعِ بَيْعٍ وَصَرْفٍ مَنْعِ بَيْعٍ وَبَدَلٍ وَكَمَا اسْتَثْنَوْا مِنْ الْأَوَّلِ مَا أَشَارَ لَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْجَمِيعُ دِينَارًا أَوْ يَجْتَمِعَا فِيهِ كَذَلِكَ يُسْتَثْنَى مِنْ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْجَمِيعُ دِرْهَمًا كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ أَيْ خَلِيلٍ وَبِخِلَافِ دِرْهَمٍ أَيْ بِنِصْفٍ وَفُلُوسٍ أَوْ غَيْرِهِ فِي بَيْعٍ وَسَكًّا وَاتَّحَدَتْ وَعَرَفَ الْوَزْنَ وَانْتَقَدَ الْجَمِيعَ اهـ بِتَوْضِيحٍ وَقَالَ عبق عَلَى خَلِيلٍ وَمِنْ الْجُعْلِ الْمُفَارَسَةُ. اهـ
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ كنون وَقَوْلُ الزَّرْقَانِيِّ وَالْهِبَةُ كَالْبَيْعِ أَيْ فَلَا يَجُوزُ جَمْعُهَا مَعَ الصَّرْفِ وَأَمَّا مَعَ الْبَيْعِ فَيَجُوزُ وَمَا فِي الشَّبْرَخِيتِيِّ مِنْ الْمَنْعِ مَرْدُودٌ عَقْلًا وَنَقْلًا اُنْظُرْ الْأَصْلَ أَيْ الرَّهُونِيِّ حَيْثُ قَالَ أَمَّا نَقْلًا فَلِقَوْلِ اللَّخْمِيِّ أَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ سَلَّمَ فُسْطَاطِيَّةً فِي فُسْطَاطِيَّتَيْنِ مِثْلِهَا إحْدَاهُمَا مُعَجَّلَةٌ وَالْأُخْرَى مُؤَجَّلَةٌ جَعَلَ الْمُعَجَّلَةَ فِي مُقَابَلَةِ الْمُعَجَّلَةِ وَالْمُؤَجَّلَةَ هِبَةً. اهـ
وَنَقَلَهُ الْمَوَّاقُ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَمُؤَخَّرٌ فِقْهًا مُسَلَّمًا وَفِي الْمُفِيدِ أَثْنَاءَ كَلَامِهِ عَلَى مَنْ بَاعَ دَارًا بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ حَيَاتَهُ مَا نَصُّهُ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ يَنْبَغِي عِنْدِي إنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ سَرَفًا أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَى النَّفَقَةِ الْمُتَوَسِّطَةِ إنَّمَا هُوَ كَهِبَةٍ مِنْ أَجْلِ الْبَيْعِ جَائِزَةٌ فَإِذَا انْتَقَضَ الْبَيْعُ وَجَبَ الرُّجُوعُ فِيهَا وَكَذَلِكَ هُنَا. اهـ مِنْهُ بِلَفْظِهِ.
وَأَمَّا مَعْنًى أَيْ عَقْلًا فَإِنَّ الْهِبَةَ الْمُقَارِنَةَ لِلْبَيْعِ إنَّمَا هِيَ مُجَرَّدُ تَسْمِيَةٍ فَإِذَا قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ أَشْتَرِي مِنْك دَارَك بِمِائَةٍ عَلَى أَنْ تَهَبَنِي ثَوْبَك فَفَعَلَ فَالدَّارُ وَالثَّوْبُ مَبِيعَانِ مَعًا بِمِائَةٍ وَإِذَا قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ أَبِيعُك