الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَغَرَائِبِ مُخْتَرَعَاتِهِ وَيَنْدَرِجُ فِي الثَّانِي جَمِيعُ السُّلُوبِ لِلنَّقَائِصِ فَيَصْدُقُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَلَّ عَنْ الشَّرِيكِ وَعَنْ الْحَيِّزِ وَالْجِهَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ سبحانه وتعالى وَلَمَّا كَانَ لَفْظُ الْجَلَالِ وَالْعَظَمَةِ يَحْتَمِلُ جَلَّ بِكَذَا وَجَلَّ عَنْ كَذَا وَعَظُمَ بِكَذَا وَعَظُمَ عَنْ كَذَا انْدَرَجَ الْجَمِيعُ فِي اللَّفْظِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَكَانَتْ هَذِهِ الصِّفَاتُ شَامِلَةً لِجَمِيعِ الصِّفَاتِ الثُّبُوتِيَّةِ وَالسَّلْبِيَّةِ وَالْقَدِيمَةِ وَالْمُحْدَثَةِ فَيَكُونُ الْحَلِفُ بِهَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْمُوجِبِ لِلْكَفَّارَةِ وَهُوَ الصِّفَاتُ الْقَدِيمَةُ وَغَيْرُ الْمُوجِبِ وَهُوَ الصِّفَاتُ الْمُحْدَثَةُ وَإِذَا اجْتَمَعَ الْمُوجِبُ وَغَيْرُ الْمُوجِبِ كَانَ اللَّازِمُ الْإِيجَابَ عَمَلًا بِالْمُوجِبِ وَالْقِسْمُ الْآخَرُ كَمَا أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي كَفَّارَةً لَا يَمْنَعُ الْمُوجِبَ لِلْكَفَّارَةِ مِنْ إيجَابِهِ لِلْكَفَّارَةِ وَهَاهُنَا ثَلَاثُ مَسَائِلُ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) إذَا قَالَ الْقَائِلُ سُبْحَانَ مَنْ تَوَاضَعَ كُلُّ شَيْءٍ لِعَظَمَتِهِ هَلْ يَجُوزُ هَذَا الْإِطْلَاقُ أَمْ لَا فَقَالَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْعَصْرِ لَا يَجُوزُ هَذَا الْإِطْلَاقُ لِأَنَّ عَظَمَةَ اللَّهِ تَعَالَى صِفَتُهُ وَالتَّوَاضُعُ لِلصِّفَةِ عِبَادَةٌ لَهَا وَعِبَادَةُ الصِّفَةِ كُفْرٌ بَلْ لَا يُعْبَدُ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ عَبَدَ عَابِدٌ عِلْمَ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ إرَادَتَهُ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِهِ كَفَرَ بَلْ الْمَعْبُودُ وَاحِدٌ وَهُوَ ذَاتُ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الذَّاتُ الْمَوْصُوفَةُ بِصِفَاتِ الْجَلَالِ وَنُعُوتِ الْكَمَالِ وَالْمُرَادُ بِالْعِبَارَتَيْنِ وَاحِدٌ.
وَقَالَ قَوْمٌ يَجُوزُ هَذَا الْإِطْلَاقُ وَهُوَ الصَّحِيحُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
وَغَرَائِبِ مُخْتَرَعَاتِهِ) .
قُلْت هَذَا الْكَلَامُ أَقْبَحُ وَفِي الْكُفْرِ أَوْضَحُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي افْتِقَارَ الْبَارِي تَعَالَى إلَى بَدَائِعِ مَصْنُوعَاتِهِ وَغَرَائِبِ مُخْتَرَعَاتِهِ فَيَزْدَادُ كَمَالًا بِوُجُودِهَا وَذَلِكَ بَاطِلٌ قَطْعًا بَلْ هُوَ الْغَنِيُّ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَحَائِزُ غَايَةِ الْكَمَالِ بِالِاسْتِحْقَاقِ قَبْلَ ابْتِدَاعِ الْمُبْتَدَعَاتِ وَاخْتِرَاعِ الْمُخْتَرَعَاتِ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَبْتَدِعْ الْمُبْتَدَعَاتِ وَلَمْ يَخْتَرِعْ الْمُخْتَرَعَاتِ لَمَا كَانَ ذَلِكَ نَقْصًا فِي كَمَالِهِ وَلَا غَضًّا مِنْ جَلَالِهِ وَلَا حَطًّا عَنْ رُتْبَةِ انْفِرَادِهِ بِالْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَاسْتِقْلَالِهِ وَمَا ذَلِكَ الْكَلَامُ إلَّا كَلَامَ مَنْ لَمْ يُحَصِّلْ عِلْمَ الْكَلَامِ بَلْ عِلْمَ الِاعْتِقَادِ عَلَى وَجْهِ الصَّوَابِ وَالسَّدَادِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ مِنْ الْهُدَى وَالْإِرْشَادِ قَالَ (وَيَنْدَرِجُ فِي الثَّانِي جَمِيعُ السُّلُوبِ لِلنَّقَائِصِ إلَى قَوْلِهِ وَهَاهُنَا ثَلَاثُ مَسَائِلُ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ إلَّا مَا فِي قَوْلِهِ الْقَدِيمَةُ وَالْمُحْدَثَةُ كَمَا تَقَدَّمَ.
قَالَ (إذَا قَالَ الْقَائِلُ سُبْحَانَ مَنْ تَوَاضَعَ كُلُّ شَيْءٍ لِعَظَمَتِهِ هَلْ يَجُوزُ هَذَا الْإِطْلَاقُ أَمْ لَا فَقَالَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْعَصْرِ لَا يَجُوزُ هَذَا الْإِطْلَاقُ إلَى قَوْلِهِ وَقَالَ قَوْمٌ يَجُوزُ هَذَا الْإِطْلَاقُ وَهُوَ الصَّحِيحُ) قُلْت مَا صَحَّحَ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْعَظَمَةَ كَمَا سَبَقَ جَامِعَةٌ لِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَالتَّوَاضُعُ التَّصَاغُرُ وَالتَّضَاؤُلُ وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مَا عَدَا الذَّاتَ الْكَرِيمَةَ وَالصِّفَاتِ الْعَظِيمَةَ مُتَصَاغِرٌ مُتَضَائِلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى تِلْكَ الصِّفَاتِ وَقَوْلُ ذَلِكَ الْفَقِيهِ الْعَصْرِيِّ إنَّ التَّوَاضُعَ عِبَادَةٌ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَهُوَ دَعْوَى عَرِيَّةٌ عَنْ الْحُجَّةِ فَلَا اعْتِبَارَ بِقَوْلِهِ قَالَ شِهَابُ الدِّينِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْمَذْكُورَةِ عَلَى مَا ذَكَرُوا وَبُطْلَانَهَا رَأْسًا أَنَّ زَرُّوقًا نَفْسَهُ فِي شَرْحِهِ لِحِزْبِ الْبَحْرِ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَخْيَارِ اللَّهُمَّ إنَّا نَتَوَسَّلُ إلَيْك بِهِمْ فَإِنَّهُمْ أَحَبُّوك وَمَا أَحَبُّوك حَتَّى أَحْبَبْتهمْ فِيك إيَّاهُمْ وَصَلُوا إلَى حُبِّك وَنَحْنُ لَمْ نَصِلْ إلَى حُبِّهِمْ فِيك فَتَمِّمْ لَنَا ذَلِكَ مَعَ الْعَافِيَةِ الْكَامِلَةِ الشَّامِلَةِ حَتَّى نَلْقَاك يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَلَهُ فِي التَّوَسُّلِ قَصِيدَةٌ مَشْهُورَةٌ فَمِنْ هُنَا قَالَ الْعَلَّامَةُ الزَّرْقَانِيُّ عَلَى الْمَوَاهِبِ وَقَوْلُ ابْنِ تَيْمِيَّةَ: وَمَالِكٌ مِنْ أَعْظَمِ الْأَئِمَّةِ كَرَاهِيَةً لِذَلِكَ خَطَأٌ قَبِيحٌ فَإِنَّ كُتُبَ الْمَالِكِيَّةِ طَافِحَةٌ بِاسْتِحْبَابِ الدُّعَاءِ عِنْدَ الْقَبْرِ مُسْتَقْبِلًا لَهُ مُسْتَدْبَرًا لِلْقِبْلَةِ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ فِي مَنْسَكِهِ وَنَقَلَهُ فِي الشِّفَاءِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ إذَا سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَدَعَا يَقِفُ وَوَجْهُهُ إلَى الْقَبْرِ لَا إلَى الْقِبْلَةِ وَيَدْنُو وَيُسَلِّمُ وَلَا يَمَسُّ الْقَبْرَ بِيَدِهِ اهـ.
فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَهَذَا تَحْقِيقُ الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجِبُ تَوْحِيدُ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ وَتَوَحُّدُهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَجِبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا مَدْلُولُهُ قَدِيمٌ مِنْ الْأَلْفَاظِ فَيَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا مَدْلُولُهُ حَادِثٌ فَلَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَلَا تَجِبُ بِهِ كَفَّارَةٌ]
(الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا مَدْلُولُهُ قَدِيمٌ مِنْ الْأَلْفَاظِ فَيَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا مَدْلُولُهُ حَادِثٌ فَلَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَلَا تَجِبُ بِهِ كَفَّارَةٌ) الْأَلْفَاظُ بِاعْتِبَارِ جَوَازِ الْحَلِفِ بِهَا وَعَدَمِ جَوَازِهِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ
(الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) مَا عُلِمَ أَنَّ مَدْلُولَهُ قَدِيمٌ فَيَجُوزُ وَيَنْعَقِدُ الْقَسَمُ بِذَاتِهِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى إرَادَةٍ وَتَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ كَلَفْظِ اللَّهِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى وَإِنْ قَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ إنَّهَا أَلْفَاظٌ وَهِيَ حَادِثَةٌ وَقَسَّمَهَا الشَّمْسُ السَّمَرْقَنْدِيُّ فِي الصَّحَائِفِ إلَى قَدِيمٍ وَحَادِثٍ وَالْحَادِثُ إلَى مُشْتَقٍّ مِنْ فِعْلِهِ تَعَالَى كَالْخَلَّاقِ الرَّزَّاقِ الْمُحْيِي الْمُمِيتِ وَمُشْتَقٌّ مِنْ فِعْلِنَا كَالْمَعْبُودِ وَالْمَشْكُورِ لِأَنَّ مَعْنَى قِدَمِهَا مَا نَقَلَهُ الْعَلَّامَةُ الْمَلَوِيُّ عَنْ سَيِّدِي مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَغْرِبِيِّ مِنْ أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى الْقَدِيمِ أَسْمَاءٌ لَهُ هِيَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهَا بِالْقِدَمِ كَمَا أَنَّ مِنْهُ أَمْرًا وَنَهْيًا إلَخْ وَالْمُرَادُ بِالتَّسْمِيَةِ الْقَدِيمَةِ دَلَالَةُ الْكَلَامِ أَزَلًا عَلَى مَعَانِي الْأَسْمَاءِ وَذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَبْعِيضٍ وَلَا تَجْزِئَةٍ فِي نَفْسِ الْكَلَامِ مَعَ تَفْوِيضِ كُنْهِ ذَلِكَ لَهُ تَعَالَى وَاقْتَصَرُوا فِي أَقْسَامِ الْكَلَامِ الِاعْتِبَارِيَّةِ عَلَى الْأَهَمِّ
وَعَظَمَةُ اللَّهِ تَعَالَى هِيَ الْمَجْمُوعُ مِنْ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ وَهَذَا الْمَجْمُوعُ هُوَ الْمَعْبُودُ وَهُوَ الْإِلَهُ وَهُوَ الَّذِي يَجِبُ تَوْحِيدُهُ وَتَوَحُّدُهُ وَلَا ثَانِيَ لَهُ وَهُوَ الَّذِي يَجِبُ التَّوَاضُعُ لَهُ كَمَا تَقُولُ عَظَمَةُ الْمَلِكِ جَيْشُهُ وَأَمْوَالُهُ وَأَقَالِيمُهُ الَّتِي اسْتَوْلَى عَلَيْهَا وَسَطْوَتُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا وَقَعَتْ بِهِ الْعَظَمَةُ فِي دَوْلَتِهِ كَذَلِكَ عَظَمَةُ اللَّهِ تَعَالَى هِيَ هَذِهِ الْأُمُورِ كُلِّهَا مَعَ ذَاتِهِ تَعَالَى فَهِيَ أَيْضًا مِنْ مُوجِبَاتِ عَظَمَتِهِ فَإِنْ أَرَادَ هَذَا الْمُطْلِقُ هَذَا الْمَعْنَى أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَرَادَ صِفَةً وَاحِدَةً مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهَا حَصَلَ التَّوَاضُعُ لَهَا وَهُوَ الْعِبَادَةُ امْتَنَعَ وَرُبَّمَا كَانَ كُفْرًا وَهُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ أَرَادَ بِالتَّوَاضُعِ غَيْرَ الْعِبَادَةِ وَهُوَ الْقَهْرُ وَالِانْقِيَادُ لِإِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ وَقُدْرَتِهِ فَهَذَا أَيْضًا مَعْنًى صَحِيحٌ فَإِنَّ جَمِيعَ الْعَالَمِ مَقْهُورٌ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدَرِهِ فَالتَّوَاضُعُ بِهَذَا التَّفْسِيرِ أَيْضًا سَائِغٌ لَا مَحْذُورَ فِيهِ بَلْ يَجِبُ اعْتِقَادُهُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
(وَعَظَمَةُ اللَّهِ تَعَالَى هِيَ الْمَجْمُوعُ مِنْ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ وَهَذَا الْمَجْمُوعُ هُوَ الْمَعْبُودُ إلَى قَوْلِهِ وَهُوَ الَّذِي يَجِبُ التَّوَاضُعُ لَهُ) قُلْت لَيْسَ مَا قَالَهُ هُنَا بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الْعَظَمَةَ لَيْسَتْ مَجْمُوعَ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ بَلْ هِيَ مَجْمُوعُ الصِّفَاتِ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ تَقْرِيرِهِ هُوَ ذَلِكَ قَبْلَ هَذَا وَعَلَى تَسْلِيمِ أَنْ تَكُونَ الْعَظَمَةُ مَجْمُوعَ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ فَلَيْسَ الْمَجْمُوعُ هُوَ الْمَعْبُودُ بَلْ الْمَعْبُودُ الْمَوْصُوفُ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ لَا الصِّفَاتُ وَلَا مَجْمُوعُ الْمَوْصُوفِ وَالصِّفَاتِ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْمَعْبُودَ مَجْمُوعُ الْمَوْصُوفِ وَالصِّفَاتِ مُضَاهٍ لِقَوْلِ النَّصَارَى فِي الْأَقَالِيمِ وَهُوَ بَاطِلٌ لَا شَكَّ فِي بُطْلَانِهِ وَكَلَامُهُ هُنَا كَلَامُ مَنْ لَمْ يُحَقِّقْ مَبَاحِثَ هَذَا الْعِلْمِ عَلَى وَجْهِ الصَّوَابِ.
قَالَ (كَمَا تَقُولُ عَظَمَةُ الْمَلِكِ جَيْشُهُ وَأَمْوَالُهُ إلَى قَوْلِهِ فِي دَوْلَتِهِ) قُلْت لَا يُسَوَّغُ مِثْلُ هَذَا التَّمْثِيلِ فَإِنَّ الْمَلِكَ مُفْتَقِرٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَاَللَّهُ تَعَالَى مُسْتَغْنٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَكَيْفَ يَصِحُّ التَّمْثِيلُ.
قَالَ (كَذَلِكَ عَظَمَةُ اللَّهِ تَعَالَى هِيَ هَذِهِ الْأُمُورُ كُلُّهَا مَعَ ذَاتِهِ تَعَالَى فَهِيَ أَيْضًا مِنْ مُوجِبَاتِ عَظَمَتِهِ) قُلْت هَذَا كَلَامٌ غَثٌّ لَا يَصْدُرُ إلَّا عَنْ جَهْلٍ بِهَذَا الْعِلْمِ وَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الذَّاتُ مِنْ مُوجِبَاتِ الْعَظَمَةِ وَالْعَظَمَةُ مَجْمُوعُ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ فَالذَّاتُ عَلَى هَذَا مُوجِبَةٌ لِلذَّاتِ وَكَيْفَ يَكُونُ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ مُوجِبًا وَمُوجَبًا هَذَا كُلُّهُ تَخْلِيطٌ فَاحِشٌ.
قَالَ (فَإِنْ أَرَادَ الْمُطْلِقُ هَذَا الْمَعْنَى أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) قُلْت بَلْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّهُ مُخْطِئٌ فِي ذَلِكَ حَيْثُ اعْتَقَدَ أَنَّ الذَّاتَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَظَمَةِ قَالَ (وَإِنْ أَرَادَ صِفَةً وَاحِدَةً مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى إلَى قَوْلِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ) قُلْت مَا حَكَمَ بِأَنَّهُ ظَاهِرٌ هُوَ كَمَا قَالَ.
قَالَ (وَإِنْ أَرَادَ بِالتَّوَاضُعِ غَيْرَ الْعِبَادَةِ إلَى قَوْلِهِ بَلْ يَجِبُ اعْتِقَادُهُ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
بِاعْتِبَارِ مَا ظَهَرَ لَهُمْ إذْ ذَاكَ فَلَا يَرِدُ عَدَمُ ذِكْرِهِمْ أَسْمَاءَ مِنْهَا كَيْفَ وَمَدْلُولُهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُصْرِ وَلَيْسَ مَعْنَى الْقِدَمِ هُنَا عَدَمُ الْأَوَّلِيَّةِ كَمَا تَقُولُ الْمُعْتَزِلَةُ بَلْ مَعْنَاهُ إنَّهَا مَوْضُوعَةٌ قَبْلَ الْخَلْقِ أَيْ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَضَعَهَا لِنَفْسِهِ قَبْلَ إيجَادِنَا ثُمَّ أَلْهَمَهَا لِلنُّورِ الْمُحَمَّدِيِّ ثُمَّ لِلْمَلَائِكَةِ ثُمَّ لِلْخَلْقِ كَمَا فِي الْأَمِيرِ عَلَى عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى جَوْهَرَةِ التَّوْحِيدِ فَافْهَمْ وَكَالْوُجُودِ وَنَحْوِ الْقُدْرَةِ وَالِاقْتِدَارِ أَيْ الْكَوْنِ قَادِرًا وَالْقِدَمُ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى النَّفِيسَةِ وَالْمَعَانِي وَالْمَعْنَوِيَّةِ وَالسَّلْبِيَّةِ كَمَا مَرَّ عَنْ الْعَلَّامَةِ الْأَمِيرِ
(الْقِسْمُ الثَّانِي) مَا عُلِمَ أَنَّ مَدْلُولَهُ حَادِثٌ كَلَفْظِ الْكَعْبَةِ وَنَحْوِهَا فَلَا يَجُوزُ وَلَا يَنْعَقِدُ الْقَسَمُ بِهِ أَصْلًا قَالَ الْعَلَّامَةُ الْأَمِيرُ فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ.
وَأَمَّا الْأَلْفَاظُ الْأَجْنَبِيَّةُ بِالْمَرَّةِ نَحْوُ وَالْحَيَوَانِ فَلَا يَنْعَقِدُ عَلَى الصَّحِيحِ وَلَوْ نَوَى بِهِ مَعْنًى قَدِيمًا وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فَلَيْسَ كَالطَّلَاقِ إنْ نَوَى بِأَيِّ لَفْظٍ لَزِمَ نَعَمْ إنْ جَعَلَهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ وَرَبِّ الْحَيَوَانِ وَلَا يَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِالنِّيَّةِ وَلَا بِالْكَلَامِ النَّفْسِيِّ بِالْأَوْلَى مِنْ الطَّلَاقِ اهـ بِلَفْظِهِ
(الْقِسْمُ الثَّالِثُ) مَا لَمْ يُعْلَمْ قِدَمُ مَدْلُولِهِ وَلَا حُدُوثُهُ فَلَا يَنْعَقِدُ الْحَلِفُ بِذَاتِهِ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِرَادَةِ لِلْمَعْنَى الْقَدِيمِ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا كَمَا فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ فَافْهَمْ وَهَذَا الْقِسْمُ لِعَدَمِ وُضُوحِهِ هُوَ الْمَقْصُودُ بِهَذَا الْفَرْقِ دُونَ الْأَوَّلَيْنِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْأَصْلُ مِنْ أَلْفَاظِ هَذَا الْقِسْمِ تِسْعَةٌ (اللَّفْظُ الْأَوَّلُ) أَمَانَةُ اللَّهِ فَإِنَّهُ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى الْقَدِيمِ وَهُوَ أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ بِالْكَلَامِ النَّفْسِيِّ الَّذِي هُوَ صِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ} [الأحزاب: 72] إلَى قَوْلِهِ ظَلُومًا جَهُولًا قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَرَضَ التَّكَالِيفَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ وَقَالَ لَهُنَّ إنْ حَمَلْتُنَّ التَّكَالِيفَ وَأَطَعْتُنَّ فَلَكُنَّ الثَّوَابُ الْجَزِيلُ وَإِنْ عَصَيْتُنَّ فَلَكُنَّ الْعَذَابُ الْوَبِيلُ فَقُلْنَ لَا نَعْدِلُ بِالسَّلَامَةِ شَيْئًا ثُمَّ عُرِضَتْ عَلَى الْإِنْسَانِ فَالْتَزَمَ ذَلِكَ فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ كَانَ ظَلُومًا لِنَفْسِهِ جَهُولًا بِالْعَوَاقِبِ فَلَا جَرَمَ هَلَكَ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعُمِائَةٍ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ وَسَلِمَ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ وَاحِدٌ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ كَذَلِكَ يُطْلَقُ عَلَى الْحَادِثِ وَهُوَ فِعْلُنَا فِي حِفْظِ الْوَدَائِعِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَمَانَاتِ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] .
فَهَذَا تَلْخِيصُ الْحَقِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْفُتْيَا فِيهَا (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ)
قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ الْحَالِفُ بِعِزَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَظَمَتِهِ وَجَلَالِ اللَّهِ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ.
وَهُوَ مُتَّجَهٌ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ وَاتِّحَادِهَا لَا فِي الْجَوَازِ وَعَدَمِ النَّهْيِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ لِعَدَمِ النَّهْيِ بَلْ لِلُزُومِ كَفَّارَةٍ أَمَّا لُزُومُ الْكَفَّارَةِ فَلِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْمُوجِبِ وَعَلَى غَيْرِ الْمُوجِبِ فَتَجِبُ وَأَمَّا اتِّحَادُهُمَا فَلِأَنَّ الْعَظَمَةَ وَالْجَلَالَ وَالْعُلَا وَنَحْوَ ذَلِكَ هُوَ الْمَجْمُوعُ وَالْمَجْمُوعُ وَاحِدٌ فَتَعَدَّدَتْ الْأَلْفَاظُ وَاتَّحَدَ الْمَعْنَى فَاتَّحَدَتْ الْكَفَّارَةُ وَأَمَّا أَنَّهُ دَخَلَ فِيهِ النَّهْيُ فَلِانْدِرَاجِ الْمُحْدَثَاتِ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فَيَكُونُ قَدْ حَلَفَ بِقَدِيمٍ وَمُحْدَثٍ فَفَعَلَ مَأْمُورًا بِهِ وَمَنْهِيًّا عَنْهُ وَمَنْ فَعَلَ مَأْمُورًا بِهِ وَمَنْهِيًّا عَنْهُ فَقَدْ ارْتَكَبَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ وَهَذَا ظَاهِرٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْحَالِفُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْقَدِيمَ وَحْدَهُ فَلَا نَهْيَ حِينَئِذٍ أَوْ يَكُونَ هُنَاكَ عُرْفٌ اقْتَضَى تَخْصِيصَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ بِالْقَدِيمِ خَاصَّةً فَلَا نَهْيَ حِينَئِذٍ أَمَّا مُجَرَّدُ اللَّفْظِ اللُّغَوِيِّ فَمُوجِبٌ لِانْدِرَاجِ الْمُحْدَثِ مَعَ الْقَدِيمِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ)
أَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ تَارَةً تَكُونُ بِلَفْظِ التَّذْكِيرِ كَقَوْلِنَا وَجَلَالِ اللَّهِ وَعَلَاءِ اللَّهِ وَتَارَةً تَكُونُ بِلَفْظِ التَّأْنِيثِ كَقَوْلِنَا وَعِزَّةِ اللَّهِ وَعَظَمَةِ اللَّهِ فَأَمَّا لَفْظُ التَّذْكِيرِ فَلَا كَلَامَ فِيهِ هَاهُنَا وَأَمَّا لَفْظُ التَّأْنِيثِ بِالْهَاءِ فَإِنَّهُ مُشْعِرٌ بِشَيْءٍ وَاحِدٍ مِمَّا يَصْدُقُ عَلَيْهِ وَلِذَلِكَ تُفَرِّقُ الْعَرَبُ بَيْنَ قَوْلِ الْقَائِلِ عَزَّ زَيْدٌ عِزًّا وَعَزَّ عِزَّةً فَالْأَوَّلُ يَحْتَمِلُ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْعِزِّ مُفْرَدَةً وَمَجْمُوعَةً فَإِذَا وَجَدْتَ الْإِضَافَةَ أَوْ الْأَلِفَ وَاللَّامَ الْمُوجِبَتَيْنِ الْعُمُومَ كَانَ الْعُمُومُ فِي جَمِيعِ أَفْرَادِ ذَلِكَ النَّوْعِ وَإِنْ فُقِدَتْ الْإِضَافَةُ وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ بَقِيَ مُطْلَقًا وَأَمَّا اللَّفْظُ الثَّانِي وَهُوَ عَزَّ زَيْدٌ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (فَهَذَا تَلْخِيصُ الْحَقِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْفُتْيَا فِيهَا) قُلْت قَدْ تَبَيَّنَ تَلْخِيصُ الْحَقِّ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي زَعَمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ الْحَالِفُ بِعِزَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْت لَا يَنْدَرِجُ حَادِثٌ تَحْتَ لَفْظِ الْعِزَّةِ وَنَحْوِهِ فَمَا أَشْعَرَ بِهِ كَلَامُهُ بِأَنَّ عَبْدَ الْحَقِّ أَغْفَلَ التَّنْبِيهَ عَلَيْهِ لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلَا مَحْذُورَ فِي الْيَمِينِ بِعِزَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَحْوِ ذَلِكَ فَبِحَقٍّ إنْ أَعْرَضَ عَنْ ذَلِكَ عَبْدُ الْحَقِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ تَارَةً تَكُونُ بِلَفْظِ التَّذْكِيرِ وَتَارَةً تَكُونُ بِلَفْظِ التَّأْنِيثِ إلَى آخِرِهَا) قُلْت الصَّحِيحُ عَلَى مَا سَبَقَ أَنَّ لَفْظَ الْعِزَّةِ وَنَحْوِهَا لَا يَتَنَاوَلُ مُحْدَثًا فَلَا يَصِحُّ مَا قَالَهُ فِي لَفْظِ الْعِزَّةِ مِنْ احْتِمَالِهِ الْمُحْدَثَ وَمَا حَكَاهُ عَنْ صَاحِبِ اللُّبَابِ مِنْ نَقْلِهِ عَنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي لُزُومِ الْكَفَّارَةِ لِلْحَالِفِ بِذَلِكَ رِوَايَتَيْنِ لَيْسَ مُدْرَكُ اخْتِلَافِ قَوْلِهِ عِنْدِي مَا ذَكَرَهُ الشِّهَابُ مِنْ احْتِمَالِ الْمُحْدَثِ بَلْ الْمُدْرَكُ عِنْدِي احْتِمَالُ لَفْظِ الْعِزَّةِ أَنْ يَكُونَ مَدْلُولُهُ أَمْرًا ثُبُوتِيًّا وَأَمْرًا سَلْبِيًّا فَإِنَّهُ عَزَّ بِصِفَاتِ كَمَالِهِ الثُّبُوتِيَّةِ كَمَا عَزَّ بِصِفَاتِ تَنْزِيهِهِ السَّلْبِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
فَيَتْبَعُ الْحَلِفُ بِهِ الْعُرْفَ وَالْعَادَةَ وَقَدْ جَرَى بِإِطْلَاقِهِ عَلَى الْقَدِيمِ الْعُرْفُ فَيَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَتَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْحَالِفُ بِهِ الْمَعْنَى الْحَادِثَ فَحِينَئِذٍ يُمْنَعُ الْحَلِفُ بِهِ وَتَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ كَمَا إذَا تَغَيَّرَ الْعُرْفُ وَجَرَى بِإِطْلَاقِهِ عَلَى الْحَادِثِ فِي قُطْرٍ مِنْ الْأَقْطَارِ فَلَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ أَوْ يُكْرَهُ عَلَى الْخِلَافِ وَتَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ الْحَالِفُ الْقَدِيمَ فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ الْحَلِفُ بِهِ وَتَلْزَمُ بِالْحِنْثِ الْكَفَّارَةُ وَفِي مَجْمُوعِ الْأَمِيرِ وَشَرْحِهِ انْعِقَادُ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ إنْ لَمْ يَنْوِ مَعْنًى حَادِثًا أَيْ مَا جَعَلَهُ بَيْنَ عِبَادِهِ بِأَنْ نَوَى قَدِيمًا أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا اهـ.
(اللَّفْظُ الثَّانِي) قَوْلُنَا عَمْرِ اللَّهِ أَوْ لَعَمْرُ اللَّهِ أَفْتَى مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِانْعِقَادِ الْيَمِينِ بِهِ وَلُزُومِ الْكَفَّارَةِ بِالْحِنْثِ نَظَرًا لِجَرَيَانِ الْعُرْفِ بِإِطْلَاقِهِ عَلَى الْقَدِيمِ وَهُوَ بَقَاءُ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي هُوَ مِنْ صِفَاتِ السُّلُوبِ الْقَدِيمَةِ فَإِنْ تَغَيَّرَ الْعُرْفُ وَجَرَى بِإِطْلَاقِهِ عَلَى أَمْرٍ حَادِثٍ فِي قُطْرٍ مِنْ الْأَقْطَارِ لَمْ يَنْعَقِدْ الْيَمِينُ بِهِ بَلْ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَمِثْلُ ذَلِكَ يُقَالُ فِي قَبْلِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَعِيَّتِه وَبَعْدِيَّته فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَبْلَ كُلِّ حَادِثٍ وَمَعَ كُلِّ حَادِثٍ وَبَعْدَ كُلِّ حَادِثٍ إذَا فَنِيَ الْحَادِثُ فَهِيَ نِسَبٌ وَإِضَافَاتٌ وَالنِّسَبُ سُلُوبٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْأَسْرَارَ الْمُضَافَةَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مَتَى عُنِيَ بِهَا أَمْرٌ قَدِيمٌ سَوَاءٌ كَانَتْ إثْبَاتًا أَوْ سَلْبًا فَالْيَمِينُ بِهَا مُنْعَقِدَةٌ وَمَتَى عُنِيَ بِهَا أَمْرٌ حَادِثٌ فَالْيَمِينُ غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ بِهَا وَقَصْدُ الْأَمْرِ الْقَدِيمِ بِهَا هُوَ عُرْفُ الشَّرْعِ وَلَمْ يَحْدُثْ عُرْفٌ يُنَاقِضُهُ فَيَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ لِذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قُلْت: وَانْظُرْ قَوْلَهُ وَقَصْدُ الْأَمْرِ الْقَدِيمِ بِهِ هُوَ عُرْفُ الشَّرْعِ إلَخْ مَعَ مَا سَيَأْتِي لَهُ مِنْ أَنَّ الْعُرْفَ الشَّرْعِيَّ لَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُهُ وَإِنْ تَغَيَّرَ الْعُرْفُ بِخِلَافِ الْعُرْفِ الزَّمَانِيِّ وَحَرِّرْ.
اللَّفْظُ الثَّالِثُ) عَهْدُ اللَّهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيُّ الْعَهْدُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ تَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ فِي وَاحِدٍ وَهُوَ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ كَمَا أَفْتَى بِذَلِكَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَتَسْقُطُ فِي اثْنَيْنِ وَهُمَا لَك عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَأُعْطِيك عَهْدَ اللَّهِ وَيَخْتَلِفُ فِي الرَّابِعِ وَهُوَ أُعَاهِدُك اللَّهَ اعْتَبَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَأَسْقَطَهُ ابْنُ شَعْبَانَ قَالَ وَهُوَ أَحْسَنُ اهـ.
قَالَ الْأَصْلُ وَبَقِيَ خَامِسٌ وَهُوَ قَوْلُهُ وَعَهْدِ اللَّهِ لَقَدْ كَانَ كَذَا بِوَاوِ الْقَسَمِ فَهَذَا وَإِنْ لَمْ أَرَهُ لِأَصْحَابِنَا وَكَانَ مُشَارِكًا لِلْأَوَّلِ الَّذِي أَفْتَى مَالِكٌ بِلُزُومِ الْكَفَّارَةِ بِهِ فِي أَنَّ عَهْدَ اللَّهِ فِيهَا لَمْ يَدُلَّ عَلَى
عِزَّةً فَإِنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ لُغَةً إلَّا فَرْدًا وَاحِدًا مِنْ الْعِزَّةِ إمَّا بِمَالِهِ أَوْ بِجَاهِهِ أَوْ بِسَطْوَتِهِ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ الْعِزَّةِ وَإِنْ كَانَ مَوْضُوعُهُ لُغَةً فَرْدًا وَاحِدًا مِنْ الْعِزَّةِ وَأُضِيفَتْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَتَعَيَّنْ الْعُمُومُ فِيهِ فَاحْتُمِلَ الْمُحْدَثُ فَإِنَّ الْعِزَّةَ تَصْدُقُ بِالْمُحْدَثِ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْعَزِيزَ هُوَ الَّذِي امْتَنَعَ مِنْ نَيْلِ الْمَكَارِهِ وَالْعَزِيزُ أَيْضًا هُوَ الَّذِي لَا نَظِيرَ لَهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ الْمَعْنَيَيْنِ فِي تَفْسِيرِ اسْمِهِ تَعَالَى الْعَزِيزِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ تَعَالَى لَا نَظِيرَ لَهُ فِي مُبْتَدَعَاتِهِ وَمَخْلُوقَاتِهِ.
فَإِنْ كَانَتْ الْعِزَّةُ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ كَانَ فِيهَا إشَارَةٌ إلَى الْمَخْلُوقَاتِ الْمُحْدَثَاتِ فَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَلِهَذِهِ الْإِشَارَةُ، نَقَلَ صَاحِبُ اللُّبَابِ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْحَلِفِ بِعِزَّةِ اللَّهِ تَعَالَى هَلْ تُوجِبُ كَفَّارَةً أَمْ لَا فِيهِ رِوَايَتَانِ لِأَجْلِ التَّرَدُّدِ فِي لَفْظِ الْعِزَّةِ وَأَمَّا لَفْظُ الْعَظَمَةِ فَإِنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ لَفْظِ الْعِزَّةِ فَرْقًا فَإِنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ عَظُمَ زَيْدٌ عَظَمَةً فِي غَالِبِ اسْتِعْمَالِهِمْ فَكَأَنَّهُ هُوَ الْمَصْدَرُ الْمُتَعَيِّنُ دُونَ عِظَمًا بِغَيْرِ تَاءِ التَّأْنِيثِ وَأَمَّا عَزَّ عِزًّا فَمَشْهُورٌ وَلَا يُنْطَقُ بِهَاءِ التَّأْنِيثِ إلَّا إذَا قُصِدَتْ الْوَحْدَةُ نَحْوُ ضَرَبَ ضَرْبَةً فَلَا يَتَنَاوَلُ إلَّا ضَرْبَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ عِزَّةً لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا عِزَّةً وَاحِدَةً فَإِذَا أُضِيفَ لَا يَكُونُ الْمُضَافُ عَامًّا بَلْ فَرْدًا وَاحِدًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَقَدْ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى إنَّ اللَّامَ فِي هَذَا الْجِنْسِ لَا تُفِيدُ تَعْمِيمًا بَلْ إنَّمَا تُفِيدُ اللَّامُ التَّعْرِيفَ تَعْمِيمًا فِيمَا لَيْسَ مَحْدُودًا بِالتَّاءِ نَحْوُ الرَّجُلِ وَالْبَيْعِ فَكَذَلِكَ لَا تُفِيدُهُ الْإِضَافَةُ عُمُومًا اعْتِبَارًا فَاللَّامُ التَّعْرِيفِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُمَا أَدَاتَا تَعْرِيفٍ فَهَذَا بَحْثٌ يُمْكِنُ أَنْ يُلَاحَظَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ إذَا حَلَفَ بِهِ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُوجِبُ)
اعْلَمْ أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ تَعَالَى تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا مِائَةٌ إلَّا وَاحِدًا خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَهِيَ إمَّا لِمُجَرَّدِ الذَّاتِ كَقَوْلِنَا اللَّهُ فَإِنَّهُ اسْمٌ لِلذَّاتِ عَلَى الصَّحِيحِ وَكَذَلِكَ إنْ اخْتَارَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ أَنَّهُ اسْمٌ لِلذَّاتِ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ وَهُوَ عَلَمٌ عَلَيْهَا وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِجَرَيَانِ النُّعُوتِ عَلَيْهِ فَتَقُولُ اللَّهُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ وَقِيلَ هُوَ اسْمٌ لِلذَّاتِ مَعَ جُمْلَةِ الصِّفَاتِ فَإِذَا قُلْنَا اللَّهُ فَقَدْ ذَكَرْنَا جُمْلَةَ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُلْنَا الذَّاتُ الْمَوْصُوفَةُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ) قُلْت جَمِيعُ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ لَا بَأْسَ بِهِ إلَّا مَا قَالَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إضَافَةَ مَخْلُوقٍ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ فِي اسْمٍ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الِاسْمَ الَّذِي هُوَ اللَّفْظُ أَوْ الْمُسَمَّى الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى فَلَا يَتَعَيَّنُ لِمَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ إلَّا بِعُرْفٍ أَوْ نِيَّةٍ
فَإِنَّ فِي ذَلِكَ نَظَرًا فَإِنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ فِيهِ عُرْفٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمَا قَالَهُ فِي الْفَرْقَيْنِ بَعْدَ هَذَا صَحِيحٌ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
خُصُوصِ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ بَلْ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ وَهُوَ إلْزَامُهُ تَعَالَى لِخَلْقِهِ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ بِكَلَامِهِ النَّفْسِيِّ الْقَدِيمِ الَّذِي هُوَ صِفَتُهُ تَعَالَى كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} [البقرة: 40] فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَوْفُوا بِتَكْلِيفِي أُوفِ لَكُمْ بِثَوَابِي الْمَوْعُودِ بِهِ عَلَى الطَّاعَةِ وَبَيْنَ الْعَهْدِ الْحَادِثِ وَهُوَ الَّذِي شَرَعَهُ لِخَلْقِهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا} [البقرة: 177] أَيْ بِمَا الْتَزَمُوهُ وقَوْله تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 4] وَنَحْوُهُ مِنْ الْعُهُودِ الَّتِي بَيْنَ خَلْقِهِ كَالْعُهْدَةِ فِي الْبَيْعِ أَيْ مَا يَلْزَمُ مِنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَرَدِّ الثَّمَنِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَعُهْدَةِ الرَّقِيقِ أَيْ مَا يَلْزَمُ فِيهِ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي مَوْرِدِ الِاسْتِعْمَالِ أُضِيفَ إلَيْهِ تَعَالَى لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ وَهِيَ مُلَابَسَةُ تَشْرِيعِهِ لِعِبَادِهِ وَقَدْ اتَّفَقَ النُّحَاةُ عَلَى أَنَّهَا إضَافَةٌ حَقِيقِيَّةٌ إلَّا أَنَّهُ عِنْدِي قَسَمٌ صَرِيحٌ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَنْبَغِي أَنْ تَلْزَمَ بِهِ الْكَفَّارَةُ كَمَا لَوْ قَالَ وَأَمَانَةِ اللَّهِ وَكَفَالَتُهُ بَلْ هَذَا عِنْدِي بِسَبَبِ حَرْفِ الْقَسَمِ الَّذِي هُوَ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ صَرِيحَةٌ فِي إنْشَاءِ الْقَسَمِ اهـ.
أَصْرَحُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْعَهْدِ الْقَدِيمِ مِنْ الْقَسَمِ الْأَوَّلِ الَّذِي نَصَّ مَالِكٌ عَلَى لُزُومِ الْكَفَّارَةِ بِهِ أَعْنِي قَوْلَهُ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ بِالْتِزَامِ مَا لَا يُنْذَرُ مِنْ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ وَالْإِخْبَارُ بِذَلِكَ كَذِبٌ فَلَا يَصِيرُ مُوجِبًا لِلْكَفَّارَةِ إلَّا بِإِنْشَاءٍ عُرْفِيٍّ وَنَقْلٍ عَادِيٍّ أَلَا تَرَى إلَى اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ الطَّلَاقُ أَوْ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي هَلْ هُوَ صَرِيحٌ أَوْ كِنَايَةٌ نَظَرًا لِكَوْنِ الطَّلَاقِ لَا يَلْزَمُ أَحَدًا فَالْإِخْبَارُ عَنْ لُزُومِهِ كَذِبٌ فَلَا يَصِيرُ مُوجِبًا إلَّا بِإِنْشَاءٍ عُرْفِيٍّ وَنَقْلٍ عَادِيٍّ اهـ مُلَخَّصًا.
وَفِي الْمَجْمُوعِ وَشَرْحِهِ انْعِقَادُ الْيَمِينِ بِعَهْدِ اللَّهِ إنْ لَمْ يَنْوِ مَعْنًى حَادِثًا أَيْ مَا عَاهَدَ بِهِ إبْرَاهِيمُ مِنْ تَطْهِيرِ الْبَيْتِ بِأَنْ نَوَى قَدِيمًا أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَقَوْلُ اللَّخْمِيِّ بِعَدَمِ انْعِقَادِ الْيَمِينِ وَسُقُوطِ الْكَفَّارَةِ بِقَوْلِ الْقَائِلِ لَك عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَأُعْطِيك عَهْدَ اللَّهِ ضَعِيفٌ وَالرَّاجِحُ أَنَّ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَجْرِيَا مَجْرَى عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ لِقَرِينَةِ الْحَالِ الْمُشْعِرَةِ بِتَأْكِيدِ الِالْتِزَامِ بِالْيَمِينِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجْرِيَا مَجْرَى أُعَاهِدُك اللَّهَ فَعَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ وَتَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ الْحِنْثِ وَعَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّانِي يَقَعُ التَّرَدُّدُ اهـ.
(اللَّفْظُ الرَّابِعُ) قَوْلُهُ
بِالصِّفَاتِ الْخَاصَّةِ وَهَذَا الْمَفْهُومُ الْإِلَهُ الْمَعْبُودِ وَهُوَ الذَّاتُ الْمَوْصُوفَةُ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَنُعُوتِ الْجَلَالِ وَهَذَا الْمَعْلُومُ هُوَ الَّذِي نَدَّعِي تَوَحُّدَهُ وَتَنَزُّهَهُ عَنْ الشَّرِيكِ وَالْمُمَاثَلَةِ أَيْ هَذَا الْمَجْمُوعُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلٌ، وَقَدْ يَكُونُ الِاسْم مَوْضُوعًا لِلذَّاتِ مَعَ مَفْهُومٍ زَائِدٍ وُجُودِيٍّ قَائِمٍ بِذَاتِ اللَّهِ سبحانه وتعالى نَحْوُ قَوْلِنَا عَلِيمٌ فَإِنَّهُ اسْمٌ لِلذَّاتِ مَعَ الْعِلْمِ الْقَائِمِ بِذَاتِهِ تَعَالَى أَوْ وُجُودِيٍّ مُنْفَصِلٍ عَنْ الذَّاتِ نَحْوُ خَالِقٍ فَإِنَّهُ اسْمٌ لِلذَّاتِ مَعَ اعْتِبَارِ الْخَلْقِ فِي التَّسْمِيَةِ وَهُوَ مَفْهُومٌ وُجُودِيٌّ مُنْفَصِلٌ عَنْ الذَّاتِ، أَوْ مَوْضُوعًا لِلذَّاتِ مَعَ مَفْهُومٍ عَدَمِيٍّ نَحْوُ قُدُّوسٍ فَإِنَّهُ اسْمٌ لِلذَّاتِ مَعَ الْقُدُسِ الَّذِي هُوَ التَّطْهِيرُ عَنْ النَّقَائِصِ وَالْبَيْتُ الْمُقَدَّسُ أَيْ طَهُرَ مَنْ فِيهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ عَنْ الْمَعَاصِي وَالْمُخَالَفَاتِ، أَوْ يَكُونُ مَوْضُوعًا لِلذَّاتِ مَعَ نِسْبَةٍ وَإِضَافَةٍ كَالْبَاقِي فَإِنَّهُ اسْمٌ لِلذَّاتِ مَعَ وَصْفِ الْبَقَاءِ وَهُوَ نِسْبَةٌ بَيْنَ الْوُجُودِ وَالْأَزْمِنَةِ فَإِنَّ الْبَقَاءَ اسْتِمْرَارُ الْوُجُودِ فِي الْأَزْمِنَةِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْأَبَدِيِّ لِصِدْقِ الْبَاقِي فِي زَمَانَيْنِ فَأَكْثَرَ وَأَمَّا الْأَبَدِيُّ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِمْرَارِهِ مَعَ جُمْلَةِ الْأَزْمِنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ كَمَا أَنَّ الْأَزَلِيَّ هُوَ الَّذِي قَارَنَ وُجُودُهُ جَمِيعَ الْأَزْمِنَةِ الْمَاضِيَةِ مُتَوَهَّمَةً أَوْ مُحَقَّقَةً فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ ثُمَّ هِيَ تَنْقَسِمُ بِحَسَبِ مَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ وَبِحَسَبِ مَا لَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ، مَا وَرَدَ السَّمْعُ بِهِ وَلَا يُوهِمُ نَقْصًا نَحْوُ الْعَلِيمِ فَيَجُوزُ إطْلَاقُهُ إجْمَاعًا فِي مَوْرِدِ النَّصِّ وَفِي غَيْرِهِ، وَمَا لَمْ يُرِدْ السَّمْعُ بِهِ وَهُوَ يُوهِمُ نَقْصًا فَيَمْتَنِعُ إطْلَاقُهُ إجْمَاعًا نَحْوُ مُتَوَاضِعٍ وَدَارٍ وَعَلَّامَةٍ فَإِنَّ التَّوَاضُعَ يُوهِمُ الذِّلَّةَ وَالْمَهَانَةَ وَالدِّرَايَةُ لَا تَكُونُ إلَّا بَعْدَ تَقَدُّمِ شَكٍّ كَذَا نَقَلَهُ أَبُو عَلِيٍّ وَالْعَلَّامَةُ مَنْ كَثُرَتْ مَعْلُومَاتُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى كَذَلِكَ غَيْرَ أَنَّ هَاءَ التَّأْنِيثِ تُوهِمُ تَأْنِيثَ الْمُسَمَّى وَالتَّأْنِيثُ نَقْصٌ فَلَا يَجُوزُ إطْلَاقُ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَنَحْوِهَا أَلْبَتَّةَ
(الْقِسْمُ الثَّالِثُ) مَا وَرَدَ السَّمْعُ بِهِ وَهُوَ يُوهِمُ نَقْصًا فَيُقْتَصَرُ بِهِ عَلَى مَحَلِّهِ نَحْوُ مَاكِرٍ وَمُسْتَهْزِئٍ فَإِنَّ الْمَكْرَ وَالِاسْتِهْزَاءَ فِي مَجْرَى الْعَادَةِ سُوءُ خَلْقٍ وَقَدْ وَرَدَ السَّمْعُ بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [آل عمران: 54]{اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة: 15] وَالْمُحَسِّنُ لِذَلِكَ الْمُقَابَلَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ - قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} [البقرة: 54 - 14]{اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة: 15] فَحَصَلَتْ الْمُقَابَلَةُ بَيْنَ الْمَكْرَيْنِ والاستهزاءين نِ فَكَانَ ذَلِكَ حَسَنًا لِأَنَّهُ اللَّائِقُ بِفَصَاحَةِ الْقُرْآنِ وَبَلَاغَتِهِ فَيُقْتَصَرُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَلَى مَوَارِدِ السَّمْعِ وَلَا يُذْكَرُ فِي غَيْرِ هَذِهِ التِّلَاوَةِ فَلَا نَقُولُ اللَّهُمَّ اُمْكُرْ بِفُلَانٍ وَلَا مَكَرَ اللَّهُ بِهِ وَلَا اللَّهُمَّ اسْتَهْزِئْ بِفُلَانٍ وَلَا اسْتَهْزَأَ اللَّهُ بِهِ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ هَذَا الْبَابِ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ لَمْ أَعْلَمْ فِيهَا خِلَافًا وَحُكِيَ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ الْإِجْمَاعُ
(الْقِسْمُ الرَّابِعُ) مَا لَمْ يَرِدْ السَّمْعُ بِهِ وَهُوَ غَيْرُ مُوهِمٍ فَلَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَيَجُوزُ إطْلَاقُهُ عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ نَحْوُ قَوْلِنَا يَا سَيِّدَنَا هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُنَادَى اللَّهُ تَعَالَى بِهَذَا الِاسْمِ أَمْ لَا قَوْلَانِ وَمُدْرَكُ الْخِلَافِ هَلْ يُلَاحَظُ انْتِفَاءُ الْمَانِعِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
عَلَيَّ ذِمَّةُ اللَّهِ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ رَأَى مَالِكٌ فِيهِ الْكَفَّارَةَ نَظَرًا لِكَوْنِهِ وَشَبَهُهُ أَيْ كَعَلَيَّ عِلْمُ اللَّهِ أَوْ عَلَيَّ إرَادَةُ اللَّهِ أَوْ عَلَيَّ بَصَرُ اللَّهِ أَوْ عَلَيَّ سَمْعُ اللَّهِ إنْشَاءٌ لِلْقَسَمِ عُرْفًا اهـ.
قَالَ الْأَصْلُ وَكَذَا تَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ بِقَوْلِهِ وَذِمَّةِ اللَّهِ بِوَاوِ الْقَسَمِ بَلْ هَذَا وَإِنْ شَارَكَ قَوْلَهُ عَلَيَّ ذِمَّةُ اللَّهِ فِي عَدَمِ دَلَالَةِ ذِمَّةِ اللَّهِ فِيهِمَا عَلَى خُصُوصِ الذِّمَّةِ الْقَدِيمَةِ بَلْ عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الذِّمَّةِ الْقَدِيمَةِ وَالذِّمَّةِ الْحَادِثَةِ وَذَلِكَ أَنَّ الذِّمَّةَ لُغَةً الِالْتِزَامُ.
وَالِالْتِزَامُ إمَّا قَدِيمٌ وَهُوَ إخْبَارُهُ تَعَالَى بِكَلَامِهِ النَّفْسِيِّ الْقَدِيمِ بِحِفْظِ عَبْدِهِ مِنْ الْمَكَارِهِ الَّذِي عَنَاهُ فِي حَدِيثِ مَنْ قَالَ كَذَا وَكَذَا كَانَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ أَيْ أَنَّ اللَّهَ الْتَزَمَ لَهُ عِنْدَ هَذَا الْقَوْلِ حِفْظَهُ مِنْ الْمَكَارِهِ فَإِنَّ الْتِزَامَ اللَّهِ تَعَالَى رَاجِعٌ إلَى خَبَرِهِ فَهُوَ نَوْعٌ آخَرُ مِنْ الْكَلَامِ غَيْرُ نَوْعِ الْعَهْدِ فَإِنَّ الْعَهْدَ يَرْجِعُ إلَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ كَمَا عَلِمْت وَإِمَّا حَادِثٌ وَهُوَ الَّذِي شَرَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِخَلْقِهِ كَعَقْدِ الذِّمَّةِ لِلْكُفَّارِ أَيْ الْتِزَامِنَا لَهُمْ عِصْمَةَ النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ وَمَا مَعَهَا مِمَّا أَمَرَ بِهِ وُجُوبًا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَكَالْتِزَامِ أَنْوَاعِ الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ مِمَّا يُؤْمَرُ بِهِ وُجُوبًا بَلْ نَدْبًا وَكَالْتِزَامِ الْإِنْسَانِ الْأَثْمَانَ فِي الْبِيَاعَاتِ وَالْأَجْرِ فِي الْإِجَارَاتِ مِمَّا يَرْجِعُ لِلْإِخْبَارِ عَنْ الِالْتِزَامِ أَوْ مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِ وُجُوبٍ فِيهِ وَلَا نَدْبٍ وَمِنْهُ الذِّمَامُ إذَا وَعَدَهُ وَالْتَزَمَ لَهُ أَنْ لَا يَخْذُلَهُ وَأَنْ يَنْصُرَهُ عَلَى مَنْ يَقْصِدَهُ بِسُوءٍ وَمِنْهُ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ دِينَارٌ وَالْعَقْدُ وَارِدٌ عَلَى الذِّمَّةِ فَإِنَّ الذِّمَّةَ فِي الشَّرِيعَةِ مَعْنًى مُقَدَّرٌ فِي الْمُكَلَّفِ يَقْبَلُ الْإِلْزَامَ وَالِالْتِزَامَ وَلِذَلِكَ إذَا اتَّصَفَ بَعْدَ الرُّشْدِ بِالسَّفَهِ يُقَالُ خَرِبَتْ ذِمَّتُهُ وَذَهَبَتْ ذِمَّتُهُ وَإِذَا مَاتَ خَرِبَتْ ذِمَّتُهُ أَيْ الْمَعْنَى الَّذِي كَانَ يُقَدَّرُ لَمْ يَبْقَ مُقَدَّرًا أُضِيفَ إلَيْهِ تَعَالَى لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ وَهِيَ مُلَابَسَةُ تَشْرِيعِهِ لِعِبَادِهِ.
وَقَدْ اتَّفَقَ النُّحَاةُ عَلَى أَنَّهَا إضَافَةٌ حَقِيقِيَّةٌ إلَّا أَنَّ هَذَا بِسَبَبِ أَدَاةِ الْقَسَمِ الَّتِي هِيَ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ صَرِيحَةٌ فِي إنْشَاءِ الْقَسَمِ أَصْرَحُ عِنْدِي فِي الدَّلَالَةِ عَلَى إنْشَاءِ الْقَسَمِ بِالذِّمَّةِ الْقَدِيمَةِ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيَّ ذِمَّةُ اللَّهِ الَّذِي رَأَى مَالِكٌ فِيهِ الْكَفَّارَةَ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ بِالْتِزَامِ مَا لَا يُنْذَرُ مِنْ الذِّمَّةِ الْقَدِيمَةِ وَالْإِخْبَارُ بِذَلِكَ كَذِبٌ فَلَا يَصِيرُ
وَهُوَ الْإِيهَامُ وَلَمْ يُوجَدْ فَيَجُوزُ أَوْ يَقُولُ الْأَصْلُ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَنْعُ إلَّا مَا وَرَدَ السَّمْعُ بِهِ وَلَمْ يَرِدْ السَّمْعُ فَيَمْتَنِعُ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ فَإِنَّ مُخَاطَبَةَ أَدْنَى الْمُلُوكِ تَفْتَقِرُ إلَى مَعْرِفَةِ مَا أَذِنُوا فِيهِ مِنْ تَسْمِيَتِهِمْ وَمُعَامَلَتِهِمْ حَتَّى يَعْلَمَ إذْنَهُمْ فِي ذَلِكَ فَاَللَّهُ تَعَالَى أَوْلَى بِذَلِكَ وَلِأَنَّهَا قَاعِدَةُ الْأَدَبِ وَالْأَدَبُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى مُتَعَيِّنٌ لَا سِيَّمَا فِي مُخَاطَبَاتِهِ بَلْ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُوقِعَ فِي صَلَاةٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ وَلَا عِبَادَةٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ إلَّا مَا عَلِمَ إذْنَ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ فَمُخَاطَبَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَتَسْمِيَتُهُ أَوْلَى بِذَلِكَ وَقَدْ كَانَ الشَّيْخُ زَكِيُّ الدِّينِ عَبْدُ الْعَظِيمِ الْمُحَدِّثُ رحمه الله يَقُولُ قَدْ وَرَدَ حَدِيثٌ فِي لَفْظِ السَّيِّدِ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ إجْمَاعًا وَقِسْ عَلَى هَذَا الْمَثَلِ مَا أَشْبَهَهَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الطَّاهِرِ بْنُ بَشِيرٍ فَكُلُّ مَا جَازَ إطْلَاقُهُ جَازَ الْحَلِفُ بِهِ وَأَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ، وَمَا لَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ لَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَلَا يُوجِبُ الْحَلِفُ بِهِ كَفَّارَةً فَتَنْزِلُ الْأَقْسَامُ الْأَرْبَعَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ عَلَى هَذِهِ الْفُتْيَا وَهَا هُنَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى)
قَالَ أَصْحَابُنَا مَنْ حَلَفَ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي يَجُوزُ إطْلَاقُهَا عَلَيْهِ تَعَالَى وَحَنِثَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى قِسْمَانِ مِنْهَا مَا هُوَ مُخْتَصٌّ بِهِ تَعَالَى فَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْحَلِفِ كَقَوْلِنَا وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ فَهَذَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ وَمِنْهَا مَا لَا يَخْتَصُّ بِهِ تَعَالَى كَالْحَكِيمِ وَالْعَزِيزِ وَالرَّشِيدِ وَالْقَادِرِ وَالْمُرِيدِ وَالْعَالِمِ فَهِيَ كِنَايَاتٌ لَا تَكُونُ يَمِينًا إلَّا بِالنِّيَّةِ لِأَجْلِ التَّرَدُّدِ بَيْنَ الْمُوجِبِ وَغَيْرِ الْمُوجِبِ وَهَذَا التَّرَدُّدُ أَجْمَعْنَا عَلَيْهِ فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ وَأَنَّ التَّرَدُّدَ لَا يَنْصَرِفُ لِلطَّلَاقِ وَلَا لِمَعْنًى يَقَعُ التَّرَدُّدُ فِيهِ إلَّا بِالنِّيَّةِ فَكَذَلِكَ هَا هُنَا وَوَجْهُ التَّرَدُّدِ فِي هَذِهِ الْأَسْمَاءِ الْمَذْكُورَةِ بَيْنَ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِهَا وَبَيْنَ الْمَخْلُوقِ وَاضِحٌ وَأَنَّ الْبَشَرَ يُسَمَّى بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ حَقِيقَةً وَأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُطْلَقُ عَلَى الْمَوْضِعَيْنِ بِالتَّوَاطُؤِ وَلَا يَتَعَيَّنُ اللَّفْظُ الْمُتَوَاطِئُ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَكَفَى بِهَذَا فِي بَيَانِ التَّرَدُّدِ وَالِاحْتِيَاجِ لِلنِّيَّةِ وَهَذَا كَلَامٌ حَسَنٌ قَوِيٌّ مُعْتَبَرٌ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ كَالظِّهَارِ وَالْعِتْقِ وَغَيْرِهِمَا وَلَنَا عَنْهُ جَوَابٌ حَسَنٌ.
وَهُوَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْأَلْفَاظَ الْمُفْرَدَةَ تَبْقَى عَلَى مَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ وَيَنْقُلُ أَهْلُ الْعُرْفِ الْمُرَكَّبَ مِنْ الْمُفْرَدَيْنِ لِبَعْضِ أَنْوَاعِ ذَلِكَ الْجِنْسِ كَمَا قُلْنَا فِي لَفْظِ الرُّءُوسِ تَصْدُقُ عَلَى رُءُوسِ جَمِيعِ الْحَيَوَانَاتِ وَلَفْظُ الْأَكْلِ يَصْدُقُ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْأَكْلِ فِي أَيِّ مَأْكُولٍ كَانَ وَإِذَا رَكَّبْنَا هَاتَيْنِ اللَّفْظَتَيْنِ فَقُلْنَا وَاَللَّهِ لَا أَكَلْت رُءُوسًا أَوْ أَكَلْت رُءُوسًا لَا يَفْهَمُ أَحَدٌ إلَّا رُءُوسَ الْأَنْعَامِ دُونَ غَيْرِهَا بِسَبَبِ أَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ نَقَلُوا هَذَا الْمُرَكَّبَ لِهَذِهِ الرُّءُوسِ الْخَاصَّةِ دُونَ بَقِيَّةِ الرُّءُوسِ فَكَذَلِكَ لَفْظُ الْعَلِيمِ وَالْقَادِرِ وَالْمُرِيدِ يَصْدُقُ عَلَى كُلِّ عَالِمٍ وَقَادِرٍ وَمُرِيدٍ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ نَقَلَ أَهْلُ الْعُرْفِ قَوْلَنَا: وَحَقِّ الْعَلِيمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْمَاءِ مَعَ الْحَالِفِ إلَى خُصُوصِ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مِنْ الْمُرَكَّبَاتِ الْمَنْقُولَةِ فَلَا يَفْهَمُ أَحَدٌ عِنْدَ سَمَاعِهِ الْحَلِفَ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ إلَّا أَسْمَاءَ اللَّهِ تَعَالَى خَاصَّةً وَإِذَا صَارَتْ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
مُوجِبًا لِلْكَفَّارَةِ لَوْلَا ثُبُوتُ نَقْلِهِ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ نَحْوِ عَلَيَّ عِلْمُ اللَّهِ عُرْفًا مِنْ الْإِخْبَارِ بِالِالْتِزَامِ إلَى إنْشَاءِ الْقَسَمِ وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّيَغَ لَيْسَتْ قَسَمًا وَإِنَّمَا هِيَ خَبَرٌ وَالْخَبَرُ لَيْسَ بِقَسَمٍ إجْمَاعًا وَالْحَمْلُ عَلَى إنْشَاءِ الْقَسَمِ يَتَوَقَّفُ عَلَى نَقْلِ الصِّيغَةِ عَنْ الْخَبَرِ إلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا يُتَّجَهُ إلْزَامُ الْكَفَّارَةِ وَاعْتِقَادُ أَنَّ هَذَا يَمِينٌ أَلْبَتَّةَ اهـ.
(اللَّفْظُ الْخَامِسُ) قَوْلُهُ عَلَيَّ كَفَالَةُ اللَّهِ أَوْ عَلَيَّ ضَمَانَةُ اللَّهِ أَوْ حَمَالَةُ اللَّهِ أَوْ أَذَانَةُ اللَّهِ أَوْ زَعَامَةُ اللَّهِ أَوْ قَبَالَةُ اللَّهِ أَوْ صَبْرُ اللَّهِ أَوْ عَذَارَةُ اللَّهِ أَوْ كَدَانَةُ اللَّهِ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ التِّسْعَةُ مُتَرَادِفَةٌ لُغَةً عَلَى الْخَبَرِ الدَّالِّ عَلَى الضَّمَانِ قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ الْحَمِيلُ وَالزَّعِيمُ وَالْكَفِيلُ وَالْقَبِيلُ وَالْأَذِينُ وَالصَّبِيرُ وَالضَّامِنُ سَبْعَةُ أَلْفَاظٍ مُتَرَادِفَةٍ يُقَالُ حَمَلَ يَحْمِلُ حَمَالَةً فَهُوَ حَمِيلٌ وَزَعَمَ يَزْعُمُ زَعَامَةً فَهُوَ زَعِيمٌ وَكَفَلَ يَكْفُلُ كَفَالَةً فَهُوَ كَفِيلٌ وَقِبَلَ يَقْبَلُ قَبَالَةً فَهُوَ قَبِيلٌ وَأَذِنَ يَأْذَنُ أَذَانَةً فَهُوَ أَذِينٌ وَصَبَرَ يَصْبِرُ صَبْرًا فَهُوَ صَبِيرٌ وَضَمِنَ يَضْمَنُ ضَمَانَةً فَهُوَ ضَامِنٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ وَابْتِغَاءِ مَرْضَاتِهِ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ بَيْتِهِ إلَّا الْجِهَادُ وَابْتِغَاءُ مَرْضَاتِهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ يَرُدَّهُ إلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ مَعَ مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ وَغَنِيمَةٍ» وَالْأَذَانَةُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} [الأعراف: 167] أَيْ الْتَزَمَ ذَلِكَ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ وَأَصْلُ الْأَذَانَةِ وَالْأَذَانِ وَالْأَذِينِ وَالْإِذْنِ وَمَا تَصَرَّفَ مِنْ هَذَا الْبَابِ الْإِعْلَامُ وَالْكَفِيلُ مُعْلِمٌ بِأَنَّ الْحَقَّ فِي جِهَتِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْحَمَالَةِ {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ} [فاطر: 18] اهـ.
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقَبَالَةِ {أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلا} [الإسراء: 92] أَيْ ضَامِنًا وَقَالَ تَعَالَى فِي الزَّعَامَةِ حِكَايَةً عَنْ مُنَادِي يُوسُفَ عليه السلام {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي التَّنْبِيهَاتِ وَمِثْلُ حَمِيلٍ عَذِيرٌ وكدين قَالَ وَأَصْلُ ذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ الْحِفْظِ وَالْحِيَاطَةِ قَالَ وَالْكَفَالَةُ اشْتِقَاقُهَا مِنْ الْكِفْلِ وَهُوَ الْكِسَاءُ الَّذِي يُحَزَّمُ حَوْلَ سَنَامِ الْبَعِيرِ لِيُحْفَظَ بِهِ الرَّاكِبُ
الْكِنَايَةُ مَنْقُولَةً فِي الْعُرْفِ إلَى مَعْنًى آخَرَ صَارَتْ صَرِيحَةً فِيهِ فَلِذَلِكَ أَلْحَقْنَا كِنَايَاتٍ كَثِيرَةً فِي بَابِ الطَّلَاقِ فَكَذَلِكَ بِصَرِيحِهِ لِمَا اُشْتُهِرَتْ فِي الطَّلَاقِ بِسَبَبِ نَقْلِ الْعُرْفِ أَيَّاهَا لِلطَّلَاقِ فَكَذَلِكَ هَا هُنَا.
وَهَذَا الْجَوَابُ حَسَنٌ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَطَّرِدُ فِي جَمِيعِ الْأَسْمَاءِ وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ فِي الْأَسْمَاءِ الَّتِي جَرَتْ الْعَادَةُ بِالْحَلِفِ بِهَا فَيَنْفِي النَّقْلُ الْعُرْفِيُّ الِاحْتِمَالَ اللُّغَوِيَّ وَأَمَّا مَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِالْحَلِفِ بِهِ كَالْحَكِيمِ وَالرَّشِيدِ وَنَحْوِهِمَا فَلَعَلَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ لَا يَعْلَمُهَا أَسْمَاءً لِلَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يَشْتَهِرُ الْحَلِفُ بِهَا وَلَمْ أَعْلَمْ أَنِّي رَأَيْت مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الرَّشِيدَ إلَّا فِي التِّرْمِذِيِّ حَيْثُ عَدَّدَ أَسْمَاءَ اللَّهِ الْحُسْنَى مِائَةً إلَّا وَاحِدًا وَأَصْحَابُنَا عَمَّمُوا الْحُكْمَ فِي الْجَمِيعِ وَلَمْ يُفَصِّلُوا وَهُوَ مُشْكِلٌ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ عَادَةَ الْمُسْلِمِينَ لَا يَحْلِفُونَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَسْمَائِهِ فَتَنْصَرِفُ جَمِيعُ الْأَسْمَاءِ لِلَّهِ تَعَالَى بِقَرِينَةِ الْحَلِفِ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّا نَجِدَهُمْ يَحْلِفُونَ بِآبَائِهِمْ وَمُلُوكِهِمْ وَيَقُولُونَ وَنِعْمَةِ السُّلْطَانِ وَحَيَاتِك يَا زَيْدُ وَلَعَمْرِي لَقَدْ قَامَ زَيْدٌ فَيَحْلِفُ بِعَمْرِهِ وَحَيَاةِ مُخَاطَبِهِ طُولَ النَّهَارِ فَلَيْسَ ظَاهِرُ حَالِهِمْ الِانْضِبَاطَ وَلَا حَصَلَ فِي الْأَسْمَاءِ الْقَلِيلَةِ الِاسْتِعْمَالِ عُرْفٌ وَلَا نَقْلٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فَيُسْتَصْحَبُ فِيهَا حُكْمُ اللُّغَةِ وَأَنَّ اللَّفْظَ صَالِحٌ لِلْقَدِيمِ هَذَا هُوَ الْفِقْهُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ)
قَالَ صَاحِبُ الْخِصَالِ الْأَنْدَلُسِيِّ يَجُوزُ الْحَلِفُ وَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ قَوْلُك بِاسْمِ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيهَا غَوْرٌ بَعِيدٌ بِسَبَبِ أَنَّ الِاسْمَ هَا هُنَا إنْ أُرِيدَ بِهِ الْمُسَمَّى اسْتَقَامَ الْحُكْمُ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْمُسَمَّى فَقَدْ حَكَى ابْنُ السَّيِّدِ الْبَطَلْيُوسِيُّ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي لَفْظِ الِاسْمِ هَلْ هُوَ مَوْضُوعٌ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ أَسْمَاءِ الذَّوَاتِ فَلَا يَتَنَاوَلُ إلَّا لَفْظًا هُوَ اسْمٌ أَوْ وُضِعَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْمُسَمَّيَاتِ فَلَا يَتَنَاوَلُ إلَّا مُسَمًّى قَالَ وَهَذَا هُوَ تَحْقِيقُ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّ الِاسْمَ هُوَ الْمُسَمَّى أَمْ لَا وَأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي لَفْظِ " اسْمٍ " الَّذِي هُوَ أَلْفٌ سِينٌ مِيمٌ وَأَمَّا لَفْظُ نَارٍ وَذَهَبٍ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ عَاقِلٌ إنَّ لَفْظَ نَارٍ هُوَ عَيْنُ النَّارِ حَتَّى يَحْتَرِقَ فَمُ مَنْ نَطَقَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَلَا لَفْظُ ذَهَبٍ هُوَ عَيْنُ الذَّهَبِ الْمَعْدِنِيِّ حَتَّى يَحْصُلَ الذَّهَبُ الْمَعْدِنِيُّ فِي فَمِ مَنْ نَطَقَ بِلَفْظِ الذَّهَبِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي لَفْظِ الِاسْمِ خَاصَّةً وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى هَذَا وَقُلْنَا الِاسْمُ مَوْضُوعٌ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْأَسْمَاءِ وَأَنَّ مُسَمَّاهُ لَفْظٌ حِينَئِذٍ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَلْزَمَ بِهِ كَفَّارَةٌ وَلَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ كَمَا لَوْ قُلْنَا وَرِزْقِ اللَّهِ وَعَطَاءِ اللَّهِ فَإِنَّ إضَافَةَ الْمُحْدَثِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا تُصَيِّرُهُ مِمَّا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَلَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ كَذَلِكَ إذَا أُضِيفَ الِاسْمُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى يَكُونُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ إضَافَةُ لَفْظٍ مَخْلُوقٍ لِلَّهِ عز وجل فَلَا يُوجِبُ كَفَّارَةً.
وَإِنْ قُلْنَا هُوَ مَوْضُوعٌ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْمُسَمَّيَاتِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الدَّالَّ عَلَى الْأَعَمِّ غَيْرُ دَالٍّ عَلَى الْأَخَصِّ فَاللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ جَمِيعِ الْمُسَمَّيَاتِ لَا يَكُونُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَالْكَفِيلُ حَافِظٌ لِمَا الْتَزَمَهُ وَالضَّامِنُ مِنْ الضِّمْنِ وَهُوَ الْحِرْزُ وَكُلُّ شَيْءٍ أَحْرَزْته فِي شَيْءٍ فَقَدْ ضَمَّنْته إيَّاهُ وَالْقَبَالَةُ الْقُوَّةُ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ مَالِي بِهَذَا الْأَمْرِ قِبَلٌ وَلَا طَاقَةٌ وَالْقَبِيلُ قُوَّةٌ فِي اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ وَالزَّعَامَةُ السِّيَادَةُ فَكَأَنَّهُ لَمَّا تَكَفَّلَ بِهِ صَارَ لَهُ عَلَيْهِ سِيَادَةٌ وَحُكْمٌ عَلَيْهِ وَالصَّبِيرُ مِنْ الصَّبْرِ وَهُوَ الثَّبَاتُ وَالْحَبْسُ وَمِنْهُ الْمَصْبُورَةُ وَهِيَ الْمَحْبُوسَةُ لِلرَّمْيِ بِالسِّهَامِ وَمِنْهُ قَتَلَهُ صَبْرًا أَيْ حَبَسَهُ حَتَّى مَاتَ جُوعًا وَعَطَشًا وَالضَّامِنُ حَبَسَ نَفْسَهُ لِأَدَاءِ الْحَقِّ وَالْكَدِينُ مِنْ كَدَنْت لَك بِكَذَا وَكَذَا وَقَالُوا عَذِيرُك أَيْ كَفِيلُك وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ الْكَفَالَةُ أَصْلُهَا الضَّمُّ وَمِنْهُ سُمِّيَتْ الْخَشَبَةُ الَّتِي تُعْمَلُ فِي الْحَائِطِ كِفْلًا وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [آل عمران: 37] أَيْ ضَمَّهَا لِنَفْسِهِ وَالْكَفَالَةُ هِيَ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ أُخْرَى فَصَدَقَ الْمَعْنَى اهـ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَيْثُ قَالَ إذَا قَالَ عَلَيَّ كَفَالَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَحَنِثَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ اهـ.
أَنَّهُ كَانَ يَرَى ذَلِكَ عُرْفًا فِي زَمَانِهِ أَوْ عُرْفًا شَرْعِيًّا فَإِمَّا إنْ كَانَ عُرْفًا زَمَانِيًّا فَإِنَّهُ إذًا تَغَيَّرَ الْحُكْمُ وَإِمَّا إنْ كَانَ عُرْفًا شَرْعِيًّا فَلَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ وَإِنْ تَغَيَّرَ الْعُرْفُ فَلَفْظُ الْكَفَالَةِ كَلَفْظِ الذِّمَّةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ.
يَعْنِي أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيَّ كَفَالَةُ اللَّهِ فِي الْأَصْلِ خَبَرٌ بِالْتِزَامِ مَا لَا يُنْذَرُ مِنْ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْكَفَالَةِ الْقَدِيمَةِ وَهِيَ وَعْدُهُ تَعَالَى بِكَلَامِهِ النَّفْسِيِّ الْقَدِيمِ وَبَيْنَ الْحَادِثَةِ وَهِيَ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا وَعْدُهُ تَعَالَى بِالْكَلَامِ اللَّفْظِيِّ الْحَادِثِ الْمُنَزَّلِ فِي الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْكُتُبِ الدَّالِّ عَلَى الْكَلَامِ الْقَدِيمِ فَهُوَ كَفَالَةٌ حَادِثَةٌ دَالَّةٌ عَلَى تِلْكَ الْكِفَايَةِ الْقَدِيمَةِ كَمَا أَنَّ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّفْظِيِّ الَّذِي هُوَ {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة: 43] دَلِيلُ أَمْرِهِ النَّفْسِيِّ الْقَائِمِ بِذَاتِهِ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَحْكَامِ وَالْأَخْبَارِ وَثَانِيهِمَا الَّتِي نَدَبَهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ لِخَلْقِهِ مِنْ ضَمَانِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ الَّتِي هِيَ مِنْ فِعْلِهِمْ وَقَوْلِهِمْ أُضِيفَتْ إلَيْهِ تَعَالَى لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ وَهِيَ مُلَابَسَةٌ تَشْرِيعِيَّةٌ لِعِبَادِهِ إذْ الْإِنْسَانُ إنَّمَا يَلْتَزِمُ فِعْلًا مِنْ كَسْبِهِ وَقُدْرَتِهِ وَالْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْحَادِثَيْنِ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَوْ نَوَى خُصُوصَ الْقَدِيمِ لَكَانَ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِ عَلَيَّ عِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَبْعُدُ فِي الْفِقْهِ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ بِهَذَا كَفَّارَةٌ
دَالًا عَلَى خُصُوصِ وَاجِبِ الْوُجُودِ سبحانه وتعالى وَمَا لَا يَكُونُ دَالًا عَلَيْهِ لُغَةً لَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ إلَّا بِنِيَّةٍ أَوْ عُرْفٍ نَاقِلٍ وَلَا وَاحِدَ مِنْهُمَا فَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَلَا يَتَعَيَّنُ صَرْفُ اللَّفْظِ لِلَّهِ تَعَالَى فَهَذَا تَحْرِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ)
قَالَ اللَّخْمِيُّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ هَا اللَّهِ يَمِينُ تُوجِبُ الْكَفَّارَةَ مِثْلُ قَوْلِهِ تَاللَّهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ حَذْفُ حَرْفِ الْقَسَمِ وَإِقَامَةُ هَا التَّنْبِيهِ مَقَامَهُ وَقَدْ نَصَّ النُّحَاةُ عَلَى ذَلِكَ " فَائِدَةٌ " الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْكَمَالِ قَالَ سِيبَوَيْهِ تَكُونُ لَامُ التَّعْرِيفِ لِلْكَمَالِ تَقُولُ زَيْدٌ الرَّجُلُ تُرِيدُ الْكَامِلَ فِي الرُّجُولِيَّةِ وَكَذَلِكَ هِيَ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِذَا قُلْت الرَّحْمَنُ أَيْ الْكَامِلُ فِي مَعْنَى الرَّحْمَةِ أَوْ الْعَلِيمُ أَيْ الْكَامِلُ فِي مَعْنَى الْعِلْمِ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْأَسْمَاءِ فَهِيَ لَا لِلْعُمُومِ وَلَا لِلْعَهْدِ وَلَكِنْ لِلْكَمَالِ.
(الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَدْخُلُهُ الْمَجَازُ فِي الْأَيْمَانِ وَالتَّخْصِيصُ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَدْخُلُهُ الْمَجَازُ وَالتَّخْصِيصُ)
اعْلَمْ أَنَّ الْأَلْفَاظَ عَلَى قِسْمَيْنِ نُصُوصٌ وَظَوَاهِرُ فَالنُّصُوصُ هِيَ الَّتِي لَا تَقْبَلُ الْمَجَازَ وَلَا التَّخْصِيصَ وَالظَّوَاهِرُ هِيَ الَّتِي تَقْبَلُهَا، فَالنُّصُوصُ الَّتِي هِيَ كَذَلِكَ قِسْمَانِ أَسْمَاءٌ لِلْأَعْدَادِ نَحْوُ الْخَمْسَةِ وَالْعَشَرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ أَوَّلُهَا الِاثْنَانِ وَآخِرَهَا الْأَلْفُ وَلَمْ تَصْنَعْ الْعَرَبُ بَعْدَ ذَلِكَ لَفْظًا آخَرَ لِلْعَدَدِ بَلْ عَادَتْ إلَى رُتَبِ الْأَعْدَادِ فَقَالَتْ أَلْفَانِ وَهَذَا هُوَ التَّثْنِيَةُ فَتُكَرَّرُ مَرَاتِبُ الْأَعْدَادِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ: الْآحَادُ إلَى الْعَشَرَةِ وَالْعَشَرَاتُ إلَى الْمِائَةِ وَالْمِئَاتُ إلَى الْأَلْفِ ثُمَّ الْأُلُوفُ فَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ هِيَ رُتَبُ الْأَعْدَادُ وَهِيَ آحَادٌ وَعَشَرَاتٌ وَمِئَاتٌ وَأُلُوفٌ وَتُكَرَّرُ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ فِي مَرَاتِبِ الْأَعْدَادِ إلَى غَيْرِ النِّهَايَةِ مُكْتَفِيَةً بِهَا مِنْ غَيْرِ النِّهَايَةِ فَهَذِهِ عِنْدَ الْعَرَبِ نُصُوصٌ لَا يَدْخُلُهَا الْمَجَازُ وَلَا التَّخْصِيصُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُطْلِقَ الْعَشَرَةُ وَتُرِيدَ بِهَا التِّسْعَةَ وَلَا غَيْرَهَا مِنْ مَرَاتِبِ الْأَعْدَادِ فَهَذَا هُوَ الْمَجَازُ وَأَمَّا التَّخْصِيصُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ رَأَيْت عَشَرَةً ثُمَّ تُبَيِّنَ بَعْدَ ذَلِكَ مُرَادَك بِهَا وَتَقُولَ أَرَدْت خَمْسَةً فَإِنَّ التَّخْصِيصَ مَجَازٌ أَيْضًا لَكِنَّهُ يَخْتَصُّ بِبَقَاءِ بَعْضِ الْمُسَمَّى، وَالْمَجَازُ قَدْ لَا يَبْقَى مَعَهُ مِنْ الْمُسَمَّى شَيْءٌ كَمَا تَقُولُ رَأَيْت إخْوَتَك ثُمَّ تَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ أَرَدْت بِإِخْوَتِك نِصْفَهُمْ وَهُمْ فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَهَذَا تَخْصِيصٌ وَقَدْ بَقِيَ اللَّفْظُ مُسْتَعْمَلًا فِي بَعْضِ الْإِخْوَةِ وَالْمَجَازُ الَّذِي لَيْسَ بِتَخْصِيصٍ أَنْ تَقُولَ أَرَدْت بِإِخْوَتِك مَسَاكِنَهُمْ أَوْ دَوَابَّهُمْ وَوَجْهُ الْعَلَاقَةِ مَا بَيْنَ الْإِخْوَةِ وَهَذِهِ الْأُمُورِ مِنْ الْمُلَابَسَةِ وَلَيْسَ الْمَسَاكِنُ وَلَا الدَّوَابُّ بَعْضُ الْإِخْوَةِ فَلَمْ يَبْقَ مِنْ الْمُسَمَّى شَيْءٌ فَالْمَجَازُ أَعَمُّ مِنْ التَّخْصِيصِ فَكُلُّ تَخْصِيصٍ مَجَازٌ وَلَيْسَ كُلُّ مَجَازٍ تَخْصِيصًا فَالْأَعْدَادُ لَا يَدْخُلُهَا الْمَجَازُ.
وَلَا التَّخْصِيصُ فَالتَّخْصِيصُ أَنْ تُرِيدَ بِالْعَشَرَةِ بَعْضَهَا وَالْمَجَازُ أَنْ تُرِيدَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
إذْ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ بِغَيْرِ يَمِينٍ وَلَا حِنْثٍ لَا تَلْزَمُ الْمُكَلَّفَ لِأَنَّ لُزُومَ الْمُسَبَّبِ بِدُونِ سَبَبِهِ غَيْرُ وَاقِعٍ شَرْعًا وَجَعَلَهُ مِنْ قَبِيلِ مَا إذَا قَالَ عَلَيَّ عَشْرُ كَفَّارَاتٍ أَوْ مَوَاثِيقَ أَوْ نُذُورٍ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا قَالَ ذَلِكَ لَزِمَهُ عَدَدُ مَا ذَكَرَ كَفَّارَاتٍ اهـ.
غَايَتُهُ تَصْحِيحُ كَوْنِهِ مِنْ بَابِ الْكَفَّارَةِ مَجَازًا لَا تَصْحِيحُ كَوْنِهِ مِنْ بَابِ الْحَلِفِ وَالْأَيْمَانِ فِي شَيْءٍ الَّذِي كَلَامُنَا فِيهِ وَلَا يَصِحُّ كَوْنُهُ مِنْ بَابِ الْحَلِفِ إلَّا إذَا جَرَى الْعُرْفُ الزَّمَانِيُّ بِنَقْلِهِ مِنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ إلَى إنْشَاءِ الْقَسَمِ بِالْكَفَالَةِ الْقَدِيمَةِ بِحَيْثُ يَغْلِبُ الِاسْتِعْمَالُ عَلَيْهِ حَتَّى يَصِيرَ اللَّفْظُ يُفْهَمُ مِنْهُ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ بِغَيْرِ قَرِينَةٍ نَعَمْ ذَلِكَ وَإِنْ وُجِدَ فِي زَمَانِ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَمْ يُوجَدْ فِي زَمَانِنَا فَحِينَئِذٍ لَا تُتَّجَهُ الْفُتْيَا فِيهِ بِلُزُومِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ ضَرُورَةً تَغَيَّرَ الْحُكْمُ بِتَغَيُّرِ الْعُرْفِ الزَّمَانِيِّ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْإِمَامَ كَانَ يَرَى جَرَيَانَ الْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ بِنَقْلِهِ مِنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ إلَى الْإِنْشَاءِ الْمَذْكُورِ وَفِي الْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ لَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ وَإِنْ تَغَيَّرَ الْعُرْفُ فَحِينَئِذٍ تُتَّجَهُ الْفُتْيَا فِيهِ بِلُزُومِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَيَجْرِي مِثْلُ ذَلِكَ فِي عَلَيَّ ضَمَانُ اللَّهِ وَنَحْوِهِ مِنْ سَائِرِ الْمُرَادِفَاتِ الْمَذْكُورَةِ قَالَ الْأَصْلُ وَيَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ بِقَوْلِهِ وَكَفَالَةِ اللَّهِ أَوْ أُقْسِمُ بِكَفَالَةِ اللَّهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الصِّيَغِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْقَسَمِ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ النَّقْلُ إلَى إنْشَاءِ الْقَسَمِ مَجَازًا أَوْ عَلَيْهِ الِاسْتِعْمَالُ عُرْفًا فِي الْإِنْشَاءِ الْمَذْكُورِ كَمَا يُتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيَّ كَفَالَةُ اللَّهِ كَمَا عَلِمْت فَهُوَ أَصْرَحُ مِنْهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ قَسَمٌ مُسْتَغْنٍ عَمَّا ذُكِرَ وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي احْتِمَالِ الْكَفَالَةِ الْحَادِثَةِ وَكَوْنِ إضَافَتِهَا إلَيْهِ تَعَالَى لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ اهـ.
وَفِي الْمَجْمُوعِ وَشَرْحِهِ انْعِقَادُ الْيَمِينِ بِكَفَالَةِ اللَّهِ أَيْ الْتِزَامِهِ إنْ لَمْ يَنْوِ مَعْنًى حَادِثًا أَيْ الْتِزَامِهِ مَا الْتَزَمَهُ مِنْ الثَّوَابِ بِأَنْ نَوَى قَدِيمًا أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا اهـ.
وَيَجْرِي مِثْلُ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ وَضَمَانِ اللَّهِ أَوْ أُقْسِمُ بِضَمَانِ اللَّهِ وَنَحْوِهِ مِنْ الصِّيَغِ الْمَوْضُوعَةِ فِي سَائِرِ الْمُتَرَادِفَاتِ الْمَذْكُورَةِ فَافْهَمْ.
(اللَّفْظُ السَّادِسُ) قَوْلُهُ عَلَيَّ مِيثَاقُ اللَّهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ بِهِ إذَا حَنِثَ كَعَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَعَلَيَّ كَفَالَةُ اللَّهِ وَلَا يُتَّجَهُ إلَّا إذَا جَرَى بِنَقْلِهِ مِنْ الْإِخْبَارِ بِالِالْتِزَامِ الْمُؤَكَّدِ إلَى إنْشَاءِ
بِالْعَشَرَةِ مُسَمَّى الْعُشْرِ أَوْ بِالْخَمْسَةِ مُسَمَّى الْخُمُسِ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ نِسْبَةُ الْعُشْرِ لِأَنَّهَا عُشْرُ الْمِائَةِ وَالْخَمْسَةَ نِسْبَةُ الْخُمُسِ لِأَنَّهَا خُمُسُ الْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ فَهَذَا أَجْنَبِيٌّ عَنْهَا بِالْكُلِّيَّةِ
(الْقِسْمُ الثَّانِي) مِنْ النُّصُوصِ الْأَلْفَاظُ الَّتِي هِيَ مُخْتَصَّةٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى نَحْوُ لَفْظِ الْجَلَالَةِ وَلَفْظِ الرَّحْمَن فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا فِي غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ فَهَذَا الِامْتِنَاعُ شَرْعِيٌّ وَالِامْتِنَاعُ فِي الْإِعْدَادِ لُغَوِيٌّ وَأَمَّا الظَّوَاهِرُ فَهِيَ مَا عَدَا هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ مِنْ الْعُمُومَاتِ نَحْوُ الْمُشْرِكِينَ وَأَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ نَحْوُ الْأَسَدِ وَغَيْرِهِ مِمَّا وُضِعَ لِجِنْسٍ مِنْ الْجَمَادِ أَوْ النَّبَاتِ أَوْ الْحَيَوَانِ أَوْ جِنْسٍ مِنْ قَبِيلِ الْإِعْرَاضِ نَحْوُ الْعِلْمِ وَالظَّنِّ وَالْأَلْوَانِ وَالطُّعُومِ وَالرَّوَائِحِ فَيَجُوزُ الْمَجَازُ فِيهَا كَمَا يَجُوزُ إطْلَاقُ الْعِلْمِ وَيُرَادُ بِهِ الظَّنُّ مَجَازًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [الممتحنة: 10] أَيْ ظَنَنْتُمُوهُنَّ فَإِنَّ الْأَيْمَانَ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يُعْلَمُ وَلَكِنْ تَدُلُّ عَلَيْهِ ظَوَاهِرُ الْأَحْوَالِ وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا} [الكهف: 53] أَيْ قَطَعُوا وَعَلِمُوا هَذَا هُوَ الْمُقَرَّرُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَفِي أَبْوَابِ الْفِقْهِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فِي أَبْوَابِ الْأَيْمَانِ وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِمَا وَعَلَيْهِ سُؤَالٌ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ قَدْ تَسْتَعْمِلُ اسْمَ الْعَدَدِ مَجَازًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} [التوبة: 80] قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُرَادُ الْكَثْرَةُ كَيْفَ كَانَتْ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ سَبْعُونَ زِرَاعًا أَيْ طَوِيلَةً جِدًّا وَخُصُوصُ السَّبْعِينَ لَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْمُرَادُ الْكَثْرَةُ جِدًّا وَهَذَا مَجَازٌ قَدْ دَخَلَ فِي السَّبْعِينَ وَهُمْ اسْمُ الْعَدَدِ وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} [الملك: 4] .
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ الْمُرَادُ بِكَرَّتَيْنِ الْمُرَاجَعَةُ الْكَثِيرَةُ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ وَعَبَّرَ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ عَنْ أَصْلِ الْكَثْرَةِ وَهَذَا مَجَازٌ قَدْ دَخَلَ فِي لَفْظِ كَرَّتَيْنِ غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَسْمَاءِ الْعَدَدِ وَاسْمُ الْعَدَدِ إنَّمَا هُوَ اثْنَانِ لَكِنَّ كَرَّتَيْنِ فِي مَعْنَاهَا وَيَقُولُ أَهْلُ الْعُرْفِ سَأَلْتُك أَلْفَ مَرَّةٍ فَمَا قَضَيْت لِي حَاجَةً وَكَذَلِكَ زُرْتُك مِائَةَ مَرَّةٍ فَلَمْ تَرْعَ لِي ذَلِكَ وَلَا يُرِيدُونَ خُصُوصَ الْأَلْفِ وَالْمِائَةِ بَلْ الْكَثْرَةَ وَهَذَا مَجَازٌ قَدْ دَخَلَ فِي الْمِائَةِ وَالْأَلْفِ وَإِذَا انْفَتَحَ الْبَابُ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِي بَعْضِهَا انْخَرَمَ الْجَزْمُ فِي بَقِيَتْهَا فَلَمْ يَبْقَ لَنَا نُصُوصٌ أَلْبَتَّةَ فِي أَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ غَيْرَ أَنَّ الْفُقَهَاءَ مُطْبِقُونَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَالْوَاقِعُ كَمَا تَرَى فَتَأَمَّلْهُ وَعَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ صِحَّةِ الْقَاعِدَتَيْنِ وَالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا تَتَخَرَّجُ ثَلَاثُ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى)
إذَا حَلَفَ لَيُعْتِقَنَّ ثَلَاثَةَ عَبِيدٍ الْيَوْمَ فَأَعْتَقَ عَبْدَيْنِ وَقَالَ أَرَدْت بِلَفْظِ ثَلَاثَةِ الِاثْنَيْنِ لَمْ تُفِدْهُ نِيَّتُهُ وَحَنِثَ إنْ خَرَجَ الْيَوْمُ وَلَمْ يُعْتِقْ الثَّالِثَ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ لَفْظُ الثَّلَاثَةِ فِي الِاثْنَيْنِ مَجَازٌ وَهُوَ لَا يَدْخُلُ فِي أَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ أَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ لَا تُفِيدُ فِيهَا النِّيَّةُ فِي الْأَيْمَانِ وَلَا فِي الطَّلَاقِ وَلَا فِي غَيْرِهِمَا (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ)
إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَأُعْتِقَنَّ عَبِيدِي قَالَ أَرَدْت بَعْضَهُمْ عَلَى سَبِيلِ التَّخْصِيصِ أَوْ أَرَدْت بِعَبِيدِي دَوَابِّي وَأَرَدْت بِالْعِتْقِ بَيْعَهَا أَفَادَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الْعَبِيدِ مَجَازًا فِي الدَّوَابِّ وَالْعَلَاقَةُ الْمِلْكُ فِي الْجَمِيعِ وَاسْتِعْمَالُ الْعِتْقِ مَجَازٌ فِي الْبَيْعِ وَالْعَلَاقَةُ بُطْلَانِ الْمِلْك فَهَذَا تُفِيدُهُ فِيهِ النِّيَّةُ وَالْمَجَازُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ)
إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَأُعْتِقَنَّ ثَلَاثَةَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْقَسَمِ إمَّا عُرْفٌ زَمَانِيٌّ وَحِينَئِذٍ فَيَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ بِتَغَيُّرِ الْعُرْفِ وَإِمَّا عُرْفٌ شَرْعِيٌّ وَحِينَئِذٍ لَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ وَإِنْ تَغَيَّرَ الْعُرْفُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمِيثَاقَ لُغَةً الْعَهْدُ الْمُوَثَّقُ بِالْيَمِينِ الَّذِي هُوَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْإِنْشَاءِ مَأْخُوذٌ مِنْ التَّوَثُّقِ وَهُوَ التَّقْوِيَةُ وَهُوَ أَنَّ الْعَهْدَ لُغَةً الِالْتِزَامُ فَمِيثَاقُ اللَّهِ بِالْإِضَافَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الْتِزَامِهِ تَعَالَى الْمُقَوَّى بِالْقَسَمِ فَيَصْدُقُ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْقَدِيمِ وَهُوَ كَلَامُهُ تَعَالَى النَّفْسِيِّ الْقَدِيمِ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ أَلْفَاظُ الْمَوَاثِيقِ الْقُرْآنِيَّةِ الْأَتِيَّةِ وَبَيْنَ الْحَادِثَيْنِ أَحَدُهُمَا أَلْفَاظُ الْمَوَاثِيقِ الْقُرْآنِيَّةِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن: 7] وقَوْله تَعَالَى {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس: 1] إلَى قَوْلِهِ {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس: 9]{وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 10] مِنْ الِالْتِزَامَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ الْكَثِيرَةِ الْمُؤَكَّدَةِ بِالْحَلِفِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ الْتِزَامٌ لَفْظِيٌّ مُؤَكَّدٌ بِالْحَلِفِ أَيْ قَوْلُهُ وَرَبِّي وَالثَّانِي الْتِزَامٌ لَفْظِيٌّ مُؤَكَّدٌ بِالْحَلِفِ أَيْ قَوْلِهِ السَّابِقِ {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس: 1] إلَى قَوْلِهِ {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} [الشمس: 7] دَلَّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ الْتَزَمَ الْتِزَامًا مُؤَكَّدًا بِأَنَّ مَنْ زَكَّى نَفْسَهُ فَإِنَّهُ يَجِدُ عِنْدَهُ تَعَالَى فَلَاحًا وَأَنَّ مِنْ دَسَّا لَهَا أَيْ دَسَّسَهَا بِالْمَعَاصِي فَأُبْدِلَتْ إحْدَى السِّينَيْنِ أَلِفًا فَإِنَّهُ يَجِدُ عِنْدَهُ تَعَالَى خَيْبَةً
(وَثَانِيهِمَا) مَا شَرَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا بِأَنَّ مِنْ أَمْرِهِ لَنَا تُلْتَزَمُ الْحُقُوقُ الْوَاجِبَةُ عَلَيْنَا لِلْعِبَادِ وَأَنْ نُزِيلَ الرِّيبَةَ مِنْ صُدُورِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ هُمْ أَصْحَابُ تِلْكَ الْحُقُوقِ بِتَأْكِيدِ ذَلِكَ بِالْإِيمَانِ النَّافِي لِتِلْكَ الرِّيبَةِ أُضِيفَ إلَيْهِ تَعَالَى لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ وَهِيَ مُلَابَسَةُ الْمَشْرُوعِيَّةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ} [المائدة: 106] كَمَا مَرَّ فَلَفْظُ عَلَيَّ مِيثَاقُ اللَّهِ دَائِرٌ بَيْنَ مَا هُوَ مُوجِبٌ لِلْكَفَّارَةِ وَهُوَ الْمِيثَاقُ الْقَدِيمُ وَبَيْنَ مَا هُوَ لَيْسَ بِمُوجِبٍ لَهَا وَهُمَا الْمِيثَاقَانِ الْحَادِثَانِ أَعْنِي اللَّفْظِيَّ وَالْمَشْرُوعَ فِي حَقِّنَا وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي أَيِّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَقَعَ أَوْ كَانَ مُرَادًا وَالدَّائِرُ بَيْنَ الْمُوجِبِ وَغَيْرِ الْمُوجِبِ غَيْرُ مُوجِبٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْمُوجِبُ كَمَا هُوَ الْقَاعِدَةُ الشَّرْعِيَّةُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهَا فَمِنْ هُنَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه الْعَهْدُ وَالْكَفَالَةُ وَالْمِيثَاقُ كِنَايَاتٌ لَا صَرَائِحُ لِتَرَدُّدِهَا بَيْنَ الْمَعَانِي الْقَدِيمَةِ وَبَيْنَ الْمُحْدَثَاتِ فَإِنْ نَوَى الْقَدِيمَةَ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ وَإِلَّا فَلَا اهـ.
وَقَدْ مَرَّ عَنْ الْمَجْمُوعِ وَشَرْحِهِ انْعِقَادُ الْيَمِينِ بِكَفَالَةِ اللَّهِ وَعَهْدِ
عَبِيدٍ وَنَوَى أَنَّهُ يَبِيعُ ثَلَاثَ دَوَابَّ مِنْ دَوَابِّهِ صَحَّ لِأَنَّ لَفْظَ ثَلَاثَةٍ لَمْ يَدْخُلْهُ مَجَازٌ وَإِنَّمَا دَخَلَ الْمَجَازُ فِي الْمَعْدُودِ وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ أَعْنِي الْعَبِيدَ فَعَبَّرَ بِجِنْسِ الْعَبِيدِ عَنْ جِنْسِ الدَّوَابِّ وَذَلِكَ جَائِزٌ وَلَمْ يُعَبِّرْ بِلَفْظِ الثَّلَاثِ عَنْ غَيْرِ الثَّلَاثِ فَهُوَ عَلَى بَابِهِ وَنَظِيرُهُ مِنْ الطَّلَاقِ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَيُرِيدَ بِالثَّلَاثِ اثْنَتَيْنِ أَوْ وَاحِدَةً لَا يُفِيدُهُ ذَلِكَ وَإِنْ قَالَ أَرَدْت أَنَّك طَلُقْت ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ الْوَلَدِ أَفَادَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَلْزَمْهُ طَلَاقٌ فِي الْفُتْيَا وَلَا فِي الْقَضَاءِ إنْ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَوْ قَامَتْ لَكِنْ هُنَاكَ مِنْ الْقَرَائِنِ مَا يُعَضِّدُهُ وَإِلَّا لَزِمَهُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ فِي الْقَضَاءِ دُونَ الْفُتْيَا.
وَقَدْ أَشْكَلَ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِ الْفُقَهَاءِ فَقَالَ أَثَّرَتْ النِّيَّةُ فِي الْكُلِّ وَلَمْ تُؤَثِّرْ فِي الْبَعْضِ وَذَلِكَ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ فَإِنَّ النِّيَّةَ أَبْطَلَتْ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ كُلِّهَا إذَا نَوَى طَلْقَ الْوَلَدِ وَهَذَا هُوَ جُمْلَةُ مَدْلُولِ اللَّفْظِ فَأَوْلَى أَنْ يُبْطِلَ بَعْضَ مَدْلُولِ اللَّفْظِ وَهُوَ أَنْ يُرِيدَ بِالثَّلَاثِ اثْنَتَيْنِ وَجَوَابُهُ أَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا أَثَّرَتْ فِي لَفْظِ الْمَعْدُودِ فَقَطْ وَهُوَ الطَّلَاقُ وَأَمَّا اسْمُ الْعَدَدِ فَبَاقٍ عَلَى حَالِهِ ثَلَاثًا غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا تَغَيَّرَ الْمَعْدُودُ وَانْتَقَلَ انْتَقَلَ الْعَدَدُ مَعَهُ عَلَى حَالِهِ وَهُوَ ثَلَاثٌ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ لِمَفْهُومِ الثَّلَاثِ فَدَخَلَ التَّغْيِيرُ وَالْمَجَازُ فِي اسْمِ الْجِنْسِ الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ اسْمُ جِنْسٍ دُونَ الثَّلَاثِ لِأَنَّهُ اسْمُ عَدَدٍ فَلَمْ يَدْخُلْ فِيهِ مَجَازٌ أَلْبَتَّةَ غَيْرَ أَنَّ مَعْدُودَهُ تَغَيَّرَ مِنْ الطَّلَاقِ الَّذِي هُوَ إزَالَةُ الْعِصْمَةِ إلَى جِنْسٍ آخَرَ وَهُوَ طَلْقُ الْوَلَدِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَجْنَاسِ فَلَا إشْكَالَ حِينَئِذٍ فَإِنْ قُلْت لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ أَوْ وَالرَّحْمَنِ لَا فَعَلْت كَذَا وَقَالَ أَرَدْت بِلَفْظِ الْجَلَالَةِ أَوْ بِلَفْظِ الرَّحْمَنِ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى وَعَبَّرْت بِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ بَعْضِ الْمَخْلُوقَاتِ لِلَّهِ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ الْفَاعِلِ عَلَى أَثَرِهِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْعَلَاقَةِ وَالْحَلِفُ بِالْمَخْلُوقِ لَا تَلْزَمُ بِهِ كَفَّارَةٌ فَلَا تَلْزَمُنِي كَفَّارَةٌ هَلْ تَسْقُطُ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ بِنَاءً عَلَى هَذَا الْمَجَازِ قُلْت ظَاهِرُ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ هَذَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ إذَا حَنِثَ وَأَنَّ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُمَا لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَمَا امْتَنَعَ شَرْعًا فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ حِسًّا فَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَهَذَا بِخِلَافِ لَوْ قَالَ أَرَدْت بِقَوْلِي وَالْعَلِيمِ وَالْعَزِيزِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ كَفَالَةِ اللَّهِ وَعَهْدِ اللَّهِ وَعِلْمِ اللَّهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِهِ الَّتِي تَقَدَّمَ بَسْطُهَا بَعْضَ مَخْلُوقَاتِهِ مِمَّنْ هُوَ عَلِيمٌ أَوْ عَزِيزٌ أَوْ بَعْضَ صِفَاتِ الْبَشَرِ مِنْ الْعِلْمِ وَالْكَفَالَةِ وَالْعَهْدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَأَضَفْتُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى إضَافَةَ الْخَلْقِ لِلْخَالِقِ فَإِنَّا نَسْمَعُ هَذِهِ النِّيَّةَ وَتُفِيدُهُ فِي إسْقَاطِ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لَيْسَتْ نُصُوصًا بَلْ أَسْمَاءَ أَجْنَاسٍ وَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إنَّهَا كِنَايَاتٌ لَا تَكُونُ يَمِينًا إلَّا بِالنِّيَّةِ لِقُوَّةِ التَّرَدُّدِ عِنْدَهُمْ وَالِاحْتِمَالِ وَقَدْ حَكَيْته فِيمَا مَضَى عَنْ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَقَالُوا ذَلِكَ أَيْضًا فِي الصِّفَاتِ وَاشْتَرَطُوا فِيهَا الشُّهْرَةَ الْعُرْفِيَّةَ وَنَحْنُ وَإِنْ لَمْ نُوَافِقهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَنَحْنُ نُلْزِمُهُ الْكَفَّارَةَ بِنَاءً عَلَى الظُّهُورِ وَالصَّرَاحَةِ لَا بِنَاءً عَلَى النُّصُوصِيَّةِ الَّتِي لَا تَقْبَلُ الْمَجَازَ فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْمَوَاطِنَ وَمَا تُفِيدُ فِيهِ نِيَّةُ الْمَجَازِ وَمَا لَا تُفِيدُ فَإِنَّهُ فَرْقٌ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ فِي الْفُتْيَا وَالْقَضَاءِ حَاجَةً شَدِيدَةً وَقَدْ اتَّضَحَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
اللَّهِ إنْ لَمْ يَنْوِ مَعْنًى حَادِثًا بِأَنْ نَوَى قَدِيمًا أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا اهـ.
وَيَجْرِي فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ مَجْمُوعَةً كَعَلَيَّ عُهُودُ اللَّهِ أَوْ عَلَيَّ كَفَالَاتُ اللَّهِ أَوْ عَلَيَّ مَوَاثِيقُ اللَّهِ مَا جَرَى فِيهَا مُفْرَدَةً.
(اللَّفْظُ السَّابِعُ) قَوْلُنَا وَحَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ الرَّحْمَنِ وَحَقِّ الرَّحِيمِ وَحَقِّ الْعَلِيمِ وَالْجَبَّارِ قَالَ الشَّافِعِيُّ مِنْ الْكِنَايَاتِ لَا الصَّرَائِحِ لِأَنَّ لَفْظَ الْحَقِّ قَدْ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ مِنْ الطَّاعَةِ وَالْأَفْعَالِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْهُمْ وَهِيَ حَادِثَةٌ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَلَا يَجِبُ بِهِ كَفَّارَةٌ حَتَّى يَنْوِيَ الْقَدِيمَ وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي هُوَ أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ النَّفْسَانِيُّ الْمُوَظَّفُ عَلَى عِبَادِهِ وَفِي مَجْمُوعِ الْأَمِيرِ وَشَرْحِهِ انْعِقَادُ الْيَمِينِ بِحَقِّ اللَّهِ أَيْ اسْتِحْقَاقِهِ إنْ لَمْ يَنْوِ مَعْنًى حَادِثًا أَيْ الْحُقُوقُ الَّتِي عَلَى الْعِبَادِ مِنْ الْعِبَادَاتِ الَّتِي أُمِرَ بِهَا بِأَنْ نَوَى قَدِيمًا أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا اهـ.
وَفِي كنون عَلَى عبق وَحَقِّ اللَّهِ قُدْرَتِهِ وَعَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ قَالَهُ فِي الْبَيَانِ وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ الْقَابِسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا نَصُّهُ فِي جَوَابٍ لِلْوَنْشَرِيسِيِّ لَا يَلْزَمُ الْحَالِفَ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَفَّارَةٌ لِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ أَيْ أَنْ يُطِيعُوهُ وَلَا يُخَالِفُوهُ وَأَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْيَمِينَ فَيَجْرِيَ عَلَى الْخِلَافِ فِي انْعِقَادِ الْيَمِينِ بِالنِّيَّةِ اهـ.
(اللَّفْظُ الثَّامِنُ) ايْمُنُ اللَّهِ بِلُغَاتِهِ الْأَرْبَعَ عَشْرَةَ الَّتِي فِي قَوْلِ ابْنِ مَالِكٍ (:
هَمْزَ أَيْمُ أَيْمُنُ فَافْتَحْ وَاكْسِرَا وَأُمْ قُلْ أَوْ قُلْ
…
أَوْ مُنُ بِالتَّثْلِيثِ قَدْ شُكِلَا
وَأَيْمَنُ اخْتِمْ بِهِ وَاَللَّهُ كُلًّا أَضِفْ
…
إلَيْهِ فِي قَسَمٍ تُسَوَّفْ مَا نُقِلَا)
وَايَمَنُ الْأَخِيرُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْهَمْزَةِ فِي الرَّهُونِيِّ عَلَى عبق وَلِابْنِ رُشْدٍ فِي رَسْمِ أَوْصَى مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ مَا نَصُّهُ أَمَّا اَيْمُ اللَّهِ فَلَا إشْكَالَ فِي أَنَّهَا يَمِينٌ لِأَنَّ اَيْمُ اللَّهِ أَوْ ايْمُنُ اللَّهِ أَوْ مُنُ اللَّهِ كُلَّهَا جَاءَتْ لِلْعَرَبِ فِي الْقَسَمِ فَمِنْ النُّحَاةِ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا عِنْدَهُمْ أَيْمُنُ جَمْعُ يَمِينٍ ثُمَّ حَذَفُوا عَلَى عَادَتِهِمْ فِي الْحَذْفِ لِأَكْثَرِ اسْتِعْمَالِهِمْ فَقَالُوا اَيْمُ اللَّهِ لَا فَعَلْت أَوْ لَأَفْعَلَنَّ كَمَا قَالُوا يَمِينُ اللَّهِ لَا فَعَلْت أَوْ لَأَفْعَلَنَّ قَالَ الشَّاعِرُ:
فَقُلْت يَمِينُ اللَّهِ أَبْرَحُ قَاعِدًا
…
وَلَوْ قَطَعُوا رَأْسِي لَدَيْك وَأَوْصَالِي
إيضَاحًا حَسَنًا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عز وجل.
(الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَقَاعِدَةِ الْمَجَازِ فِي الْأَيْمَانِ وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِمَا)
اعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ هُوَ مَا كَانَ بِإِلَّا وَحَاشَا وَخَلَا وَعَدَا وَلَا يَكُونُ وَلَيْسَ وَبَقِيَّةُ أَخَوَاتِهَا وَهِيَ إحْدَى عَشَرَةَ أَدَاةً مُسْتَوْعَبَةً فِي كُتُبِ النَّحْوِ وَالْمَجَازُ هُوَ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ لِعَلَاقَةٍ بَيْنَهُمَا وَإِذَا عَلِمْت حَقِيقَتَهُمَا فَاعْلَمْ أَنَّهُمَا بِحَسَبِ مَوَارِدِهِمَا الَّتِي يَرِدَانِ عَلَيْهَا كُلُّ وَاحِدٍ أَعَمُّ مِنْ الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ وَأَخَصُّ مِنْ وَجْهٍ وَضَابِطُ الْأَعَمِّ مِنْ وَجْهٍ وَالْأَخَصِّ مِنْ وَجْهٍ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُوجَدُ مُنْفَرِدًا وَمَعَ الْآخَرِ فَيَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصُورَةٍ وَيَجْتَمِعَانِ فِي صُورَةٍ كَالْحَيَوَانِ وَالْأَبْيَضِ يُوجَدُ الْأَبْيَضُ بِدُونِ الْحَيَوَانِ فِي الْجِيرِ وَالثَّلْجِ وَالْحَيَوَانُ بِدُونِ الْأَبْيَضِ فِي الزَّنْجِ وَالْجَامُوسِ وَيَجْتَمِعَانِ مَعًا فِي كُلِّ حَيَوَانٍ أَبْيَضَ كَذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءُ وَالْمَجَازُ يُوجَدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي صُورَةٍ لَا يَجُوزُ وُجُودُ الْآخَرِ فِيهَا وَيَجُوزُ أَنْ يَجْتَمِعَا فِي صُورَةٍ يَجُوزُ دُخُولُهُمَا فِيهَا وَتَكُونُ قَابِلَةً لَهُمَا وَأُبَيِّنُ ذَلِكَ بِالْمِثْلِ مِثَالُ الصُّورَةِ الَّتِي يَدْخُلُهَا الِاسْتِثْنَاءُ دُونَ الْمَجَازِ وَيَمْتَنِعُ اسْتِعْمَالُ الْمَجَازِ فِيهَا أَسْمَاءُ الْأَعْدَادِ فَلَا يَجُوزُ إطْلَاقُ الْعَشَرَةِ وَيُرَادُ بِهَا تِسْعَةٌ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ وَمَا عَلَيْهِ فِي الْفَرْقِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ الشَّيْخُ أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ لَا يَجُوزُ الِاسْتِثْنَاءُ بِإِلَّا مِنْ الْأَعْدَادِ وَإِنْ اتَّصَلَ مَا لَمْ يَبْنِ كَلَامَهُ عَلَيْهِ نَحْوُ وَاَللَّهِ لَأُعْطِيَنَّكَ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ إلَّا دِرْهَمًا وَكَذَلِكَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً بِخِلَافِ الْعُمُومِ وَبِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَكْفِي فِيهِ الِاتِّصَالُ وَإِنْ لَمْ يَبْنِ الْكَلَامَ عَلَيْهِ وَمِثَالُ الصُّورَةِ الَّتِي يَدْخُلُهَا الْمَجَازُ دُونَ الِاسْتِثْنَاءِ الْمَعْطُوفَاتُ فَإِذَا قُلْت رَأَيْت زَيْدًا وَعَمْرًا إلَّا عَمْرًا لَمْ يَجُزْ لُغَةً لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حُكْمِ عَمْرٍو وَهُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فَأَنْتَ مُسْتَثْنٍ لِجُمْلَةِ مَا نَطَقْت بِهِ فِي الْمَعْطُوفَاتِ وَاسْتِثْنَاءُ جُمْلَة كَلَامٍ مَنْطُوقٍ بِهِ مَمْنُوعٌ وَكَذَلِكَ أَعْطِ زَيْدًا دِرْهَمًا وَدِرْهَمًا إلَّا دِرْهَمًا مُمْتَنِعٌ لِاسْتِثْنَاءِ جُمْلَةٍ مَنْطُوقٍ بِهَا بِخِلَافِ أَعْطِهِ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ إلَّا دِرْهَمًا وَيَجُوزُ الْمَجَازُ فِي الْمَعْطُوفَاتِ وَأَنْ يُرِيدَ بِالثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ فِي الصُّورَتَيْنِ إحْدَاهُمَا الْأَسْمَاءُ الْمُتَرَادِفَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 86] .
وَالْحُزْنُ هُوَ الْبَثُّ وَقَدْ أُرِيدَ بِهِ الْأَوَّلُ وَلَوْ قُلْت أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إلَّا حُزْنِي لَمْ يَجُزْ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ أَعْطِهِ بُرًّا وَحِنْطَةً وَتَعْطِفَ الشَّيْءَ عَلَى نَفْسِهِ إذَا اخْتَلَفَ اللَّفْظُ كَذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ النُّحَاةُ وَلَوْ قُلْت رَأَيْت بُرًّا وَحِنْطَةً إلَّا حِنْطَةً لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إنَّمَا جُعِلَ لِإِخْرَاجِ مَا الْتَفَّ فِي الْكَلَامِ وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ وَمَا قُصِدَ بِالْعَطْفِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مُرَادًا وَغَيْرَ مُرَادٍ وَهُوَ جَمَعَ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ تَكُونَ الْأَلْفَاظُ مُتَبَايِنَةً غَيْرَ مُتَرَادِفَةٍ وَيُرِيدَ بِالثَّانِي الْأَوَّلَ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ كَقَوْلِك
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ أَلِفَ ايْمُنُ اللَّهِ أَلِفُ وَصْلٍ وَإِنَّمَا فُتِحَتْ لِدُخُولِهَا عَلَى اسْمٍ غَيْرِ مُتَمَكِّنٍ وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ الْيُمْنِ وَالْبَرَكَةِ اهـ.
بِلَفْظِهِ وَقَوْلُ عبق وَارِدٌ بِالْبَرَكَةِ الْمَعْنَى الْقَدِيمُ قَالَ ح هُوَ إرَادَةُ الْبَرَكَةِ اهـ.
وَفِي مَجْمُوعِ الْأَمِيرِ وَشَرْحِهِ انْعِقَادُ الْيَمِينِ بِاَيْمِ اللَّهِ أَيْ بَرَكَتِهِ وَبَقِيَّةُ لُغَاتِهَا كَذَلِكَ إنْ لَمْ يَنْوِ حَادِثًا أَيْ بَرَكَةَ الذَّرَّةِ بِأَنْ نَوَى قَدِيمًا أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا اهـ.
وَفِي الْأَصْلِ قَالَ سِيبَوَيْهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ الْيُمْنِ وَالْبَرَكَةِ فَيَتَرَدَّدُ بَيْنَ الْمُحْدَثِ مِنْ تَسْمِيَةِ الْأَرْزَاقِ وَالْأَخْلَاقِ وَبَيْنَ الْقَدِيمِ الَّذِي هُوَ جَلَالُ اللَّهِ تَعَالَى وَعَظَمَتُهُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: 14] وَ {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك: 1] أَيْ كَثُرَ جَلَالُهُ وَعُلَاهُ وَصِفَاتُهُ الْعُلَى وَلِذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه هُوَ كِنَايَةٌ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الْمُحْدَثِ وَبَيْنَ الْقَدِيمِ أَيْ فَإِنْ نَوَى الْقَدِيمَ وَحَنِثَ لَزِمَتْ الْكَفَّارَةُ وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ الْفَرَّاءُ هُوَ جَمْعُ يَمِينٍ فَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ اهـ.
قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَالشَّخْصُ إنَّمَا يَقُولُ أَيْمَانُ الْمُسْلِمِينَ تَلْزَمُنِي أَوْ عَلَيَّ أَيْمَانُ الْمُسْلِمِينَ فِي حَالٍ يَقْتَضِي تَأْكِيدَ خَبَرِهِ الَّذِي يَحْلِفُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ قَرِينَةٌ تَصْرِفُ قَوْلَهُ ذَلِكَ إمَّا إلَى مَا يُؤَكِّدُ بِهِ الْخَبَرَ شَرْعًا فَيَلْزَمُهُ جَمْعُ يَمِينٍ بِاَللَّهِ تَعَالَى إذْ هُوَ الْيَمِينُ الشَّرْعِيُّ وَأَقَلُّ ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَيْمَانٍ فَإِذَا حَنِثَ يَلْزَمُهُ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ وَقَدْ قِيلَ بِذَلِكَ.
وَأَمَّا إلَى مَا يَلْزَمُ مُقْتَضَاهُ شَرْعًا فَيَلْزَمُهُ كُلُّ مَا يَلْزَمُهُ شَرْعًا مِنْ يَمِينٍ وَنَذْرٍ وَطَلَاقٍ وَعِتْقٍ وَصَدَقَةٍ وَقَدْ قِيلَ بِذَلِكَ فَهُوَ عَلَى كُلٍّ مِنْ بَابِ لُزُومِ الْأَحْكَامِ بِأَسْبَابِهَا لَا مِنْ بَابِ لُزُومِهَا بِدُونِ أَسْبَابِهَا كَمَا قِيلَ نَعَمْ لُزُومُ مَا ذُكِرَ بِمُجَرَّدِ أَنَّ الْقَرَائِنَ تُفْهِمُ أَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ عَنِي الْيَمِينَ الشَّرْعِيَّ أَوْ الْمُلْتَزَمَ الشَّرْعِيَّ إنَّمَا يَجْرِي عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ مُعَيَّنَاتِ الْأَلْفَاظِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ.
(اللَّفْظُ التَّاسِعُ) الْمُصْحَفُ أَوْ الْقُرْآنُ أَوْ كَلِمَةٌ مِنْهُ تَخُصُّهُ كَ {الم} [البقرة: 1] لَا نَحْوُ قَالَ: قَالَ كنون حَاصِلُ مَا لعبق وَالْبَنَّانِيِّ أَنَّ الْقُرْآنَ يُطْلَقُ عَلَى الْمَعْنَى النَّفْسِيِّ الْأَزَلِيِّ الْقَائِمِ بِذَاتِهِ تَعَالَى وَعَلَى الْعِبَارَاتِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ الْمَسْمُوعَةِ لَنَا وَعَلَى نُقُوشِ الْكِتَابَةِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ وَبَقِيَ أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الْمَحْفُوظِ فِي الصُّدُورِ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُتَخَيَّلَةِ كَمَا يُقَالُ حَفِظْت الْقُرْآنَ فَكَلَامُ اللَّهِ يُطْلَقُ بِالِاعْتِبَارَاتِ الْأَرْبَعَةِ وَالْقَدِيمُ مِنْ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ الْأَوَّلُ
قَالَ الْعَزِيزُ
رَأَيْت زَيْدًا وَالْأَسَدَ وَتُرِيدُ بِالْأَسَدِ زَيْدًا لِشَجَاعَتِهِ فَهَذَا يَجُوزُ، وَلَا يَجُوزُ دُخُولُ الِاسْتِثْنَاءِ فِيهِ لِأَنَّك أَتَيْت بِاللَّفْظِ الثَّانِي لِقَصْدِ الْمُبَالَغَةِ بِالْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ فَإِنَّ قَوْلَك لِزَيْدٍ أَسَدٌ أَبْلَغُ مِنْ قَوْلِك شُجَاعٌ.
وَإِذَا كَانَ هَذَا الْمَعْنَى مَقْصُودًا لِلْعُقَلَاءِ فِي مُخَاطَبَاتِهِمْ لَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ فَهَذَانِ مِثَالَانِ لِمَا يَنْفَرِدُ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ، وَمِثَالُ اجْتِمَاعِهِمَا فِي صِحَّةِ الدُّخُولِ فِيهِ وَالِاسْتِعْمَالِ الْعُمُومَاتُ وَالظَّوَاهِرُ كُلُّهَا يَجُوزُ دُخُولُ الِاسْتِثْنَاءِ فِيهَا وَالْمَجَازُ فَتَقُولُ فِي الْعُمُومِ رَأَيْت إخْوَتَك إلَّا زَيْدًا فَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ وَتَقُولُ رَأَيْت إخْوَتَك وَتُرِيدُ دَارَ إخْوَتِهِ أَوْ أَمِيرَ إخْوَتِهِ لِمَا بَيْنَ الدَّارِ وَالْأَمِيرِ مِنْ الْمُلَابَسَةِ هَذَا فِي الْعُمُومِ وَأَمَّا الظَّوَاهِرُ الَّتِي لَيْسَتْ بِعُمُومٍ نَحْوُ لَفْظِ الْأَسَدِ وَالْفَرَسِ وَجَمِيعِ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ يَجُوزُ دُخُولُ الْمَجَازِ فِيهَا إذَا وُجِدَتْ الْعَلَاقَةُ وَدُخُولُ الِاسْتِثْنَاءِ فَتَقُولُ رَأَيْت أَسَدًا إلَّا يَدَهُ وَإِلَّا رَأْسَهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَسْتَوْعِبَهُ.
وَكَذَلِكَ رَأَيْت فَرَسًا إلَّا رَأْسَهُ وَيَجُوزُ دُخُولُ الْمَجَازِ فَتُرِيدُ بِالْأَسَدِ زَيْدًا الشُّجَاعَ وَبِالْفَرَسِ حِمَارَهُ الْفَارِهَ لِشَبَهِهِ بِالْفَرَسِ فِي سُرْعَةِ جَرْيِهِ وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ بَقِيَّةَ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ فَهَذَا الْقِسْمُ يَدْخُلُ فِيهِ الْمَجَازُ وَالِاسْتِثْنَاءُ غَيْرَ أَنَّ الْمَجَازَ لَك أَنْ تَتَجَوَّزَ بِجُمْلَةِ الِاسْمِ عَنْ جَمِيعِ الْمُسَمَّى إلَى غَيْرِهِ كَمَا عَدَلْت عَنْ الْأَسَدِ بِجُمْلَتِهِ إلَى الرَّجُلِ الشُّجَاعِ وَلَيْسَ لَك اسْتِثْنَاءُ جُمْلَةِ الْأَسَدِ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ أَنْ يَبْقَى بَعْدَهُ شَيْءٌ مِمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ الِاسْتِثْنَاءُ فَهَذَا الْوَجْهُ يَقَعُ بِهِ الْفَرْقُ فِي هَذَا الْقِسْمِ لَا فِي جَوَازِ الدُّخُولِ، فَقَدْ ظَهَرَ لَك أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يُوجَدُ فِي صُورَةٍ لَا يُوجَدُ فِيهَا الْمَجَازُ وَيُوجَدُ الْمَجَازُ فِي صُورَةٍ لَا يُوجَدُ فِيهَا الِاسْتِثْنَاءُ وَيَجْتَمِعَانِ فِي صُورَةٍ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَعَمَّ مِنْ الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ وَأَخَصَّ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَبِهِ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْهِمَا حَتَّى يُعْلَمَ فِي أَيِّ صُورَةٍ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَفِي أَيِّ صُورَةٍ يَمْتَنِعُ وَيُفِيدُ ذَلِكَ نَفْعًا عَظِيمًا فِي الْأَيْمَانِ وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِمَا فَإِنَّ مَنْ اسْتَعْمَلَ وَاحِدًا مِنْهُمَا فِي مَكَان لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ بَطَلَ اسْتِعْمَالُهُ لَهُ وَلَزِمَهُ أَصْلُ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ بِمُقْتَضَى وَضْعِ اللُّغَةِ فَاعْلَمْ ذَلِكَ فَهِيَ قَاعِدَةُ الْفِقْهِ.
(الْفَرْقُ الثَّلَاثُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَكْفِي فِيهِ النِّيَّةُ فِي الْأَيْمَانِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا تَكْفِي فِيهِ النِّيَّةُ)
اعْلَمْ أَنَّ النِّيَّةَ تَكْفِي فِي تَقْيِيدِ الْمُطْلَقَاتِ وَتَخْصِيصِ الْعُمُومَاتِ وَتَعْمِيمِ الْمُطْلَقَاتِ وَتَعْيِينِ أَحَدِ مُسَمَّيَاتِ الْأَلْفَاظِ الْمُشْتَرِكَاتِ وَصَرْفِ اللَّفْظِ عَنْ الْحَقَائِقِ إلَى الْمَجَازَاتِ وَلَا تَكْفِي عَنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي هِيَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْفَرْقُ الثَّلَاثُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَكْفِي فِيهِ النِّيَّةُ فِي الْأَيْمَانِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا تَكْتَفِي فِيهِ النِّيَّةُ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
قِرَاءَةُ الْخَلْقِ صِفَاتٌ لَهُمْ
…
فَوَاجِبٌ حُدُوثُهَا مِثْلَهُمْ
وَقَوْلُهُ:
الْمَعْدُودُ مِنْ صِفَاتِهِ
…
فَوَاجِبٌ قِدَمُهُ كَذَاتِهِ
وَهَذِهِ الْحُرُوفُ وَالْأَصْوَاتُ
…
دَلَائِلٌ عَلَيْهِ مَوْضُوعَاتُ
وَإِيضَاحُ قَوْلِهِ دَلَائِلٌ عَلَيْهِ بِالْمِثَالِ أَنْ يُنَزِّلَ كَلَامَهُ مَنْزِلَةَ رَجُلٍ فَيَكْتُبُ الرَّجُلُ وَيَذْكُرُ بِاللِّسَانِ وَيَسْتَحْضِرُ فِي الذِّهْنِ وَهُوَ بِنَفْسِهِ غَيْرُ حَالٍّ فِي ذَلِكَ فَكَذَلِكَ كَلَامُهُ تَعَالَى الْقَدِيمُ يُلْفَظُ وَيُسْمَعُ بِالنَّظْمِ الدَّالِّ عَلَيْهِ وَيُحْفَظُ بِالْأَلْفَاظِ الْمُتَخَيَّلَةِ فِي الذِّهْنِ وَيُكْتَبُ بِأَشْكَالِ الْحُرُوفِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ وَهُوَ غَيْرُ حَالٍّ فِي ذَلِكَ وَكَمَا يُقَالُ النَّارُ جَوْهَرٌ مُحْرِقٌ فَيُذْكَرُ بِاللَّفْظِ وَيُسْمَعُ بِالْآذَانِ وَيُعْرَفُ بِالْقَلْبِ وَيُكْتَبُ بِالْقَلَمِ وَلَا يَلْزَمُ كَوْنُ حَقِيقَةٍ النَّارِ حَالَّةً فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ لِلشَّيْءِ وُجُودًا فِي الْأَعْيَانِ وَوُجُودًا فِي الْأَذْهَانِ وَوُجُودًا فِي الْعِبَارَةِ وَوُجُودًا فِي الْكِتَابَةِ فَالْكِتَابَةُ تَدُلُّ عَلَى الْعِبَارَةِ وَهِيَ عَلَى مَا فِي الْأَذْهَانِ وَهُوَ عَلَى مَا فِي الْأَعْيَانِ فَحَيْثُ يُوصَفُ بِمَا هُوَ مِنْ لَوَازِمِ الْقَدِيمِ كَقَوْلِنَا الْقُرْآنُ أَوْ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ فَالْمُرَادُ حَقِيقَتُهُ الْمَوْجُودَةُ فِي الْخَارِجِ أَعْنِي الْمَعْنَى النَّفْسِيَّ الْقَائِمَ بِالذَّاتِ الْعَلِيَّةِ وَحَدِيثٌ يُوصَفُ بِمَا هُوَ مِنْ لَوَازِمِ الْمَخْلُوقَاتِ وَالْمُحْدَثَاتِ يُرَادُ بِهِ الْأَلْفَاظُ الْمَنْطُوقَةُ الْمَسْمُوعَةُ
كَمَا فِي حَدِيثِ «مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ كَإِذْنِهِ لِنَبِيٍّ حَسَنِ التَّرَنُّمِ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ» أَوْ الْمُخَيِّلَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت: 49] وَكَحَدِيثِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ «مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ» أَوْ الْأَشْكَالِ الْمَنْقُوشَةِ كَحَدِيثِ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ «لَا يَمَسُّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ» .
وَقَدْ ذَكَرَ السَّعْدُ عَنْ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَلَا يُقَالُ الْقُرْآنُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ لِئَلَّا يَسْبِقَ إلَى الْفَهْمِ أَنَّ الْمُؤَلَّفَ مِنْ الْأَصْوَاتِ وَالْحُرُوفِ قَدِيمٌ وَكَانَ السَّلَفُ يَمْنَعُونَ أَنْ يُقَالَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ وَلَوْ أُرِيدَ بِهِ اللَّفْظُ إلَخْ دَفْعًا لِإِيهَامِ خَلْقِ الْمَعْنَى الْقَائِمِ لِلذَّاتِ الْعَلِيَّةِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا فِي مَقَامِ الْبَيَانِ وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ وَعَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ
أَسْبَابٌ وَلَا عَنْ لَفْظٍ مَقْصُودٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا شَرْعِيًّا وَيَتَّضِحُ ذَلِكَ بِذِكْرِ عَشْرِ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى)
تَقْيِيدُ الْمُطْلَقَاتِ إذَا حَلَفَ لَيُكْرِمَنَّ رَجُلًا وَنَوَى بِهِ زَيْدًا فَلَا يَبْرَأُ بِإِكْرَامِ غَيْرِهِ لِأَنَّ رَجُلًا مُطْلَقٌ وَقَدْ قَيَّدَهُ بِخُصُوصِ زَيْدٍ فَصَارَ مَعْنَى الْيَمِينِ لَأُكْرِمَنَّ زَيْدًا وَكَذَلِكَ إذَا قَيَّدَهُ بِصِفَةٍ فِي نِيَّتِهِ وَلَمْ يَلْفِظْ بِهَا كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَأُكْرِمَنَّ رَجُلًا وَيَنْوِي بِهِ فَقِيهًا أَوْ زَاهِدًا فَلَا يَبْرَأُ بِإِكْرَامِ غَيْرِ الْمَوْصُوفِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَهَذِهِ صُورَةُ تَقْيِيدِ الْمُطْلَقَاتِ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ)
تَخْصِيصُ الْعُمُومَاتِ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا لَبِسْت ثَوْبًا وَيَنْوِي إخْرَاجَ الْكَتَّانِ مِنْ يَمِينِهِ فَيَصِيرُ هَذَا الْعُمُومُ مَخْصُوصًا بِهَذِهِ النِّيَّةِ وَلَا يَحْنَثُ إذَا لَبِسَ الْكَتَّانَ لِأَنَّهُ قَدْ أَخْرَجَهُ بِنِيَّتِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ النِّيَّةِ الْمُخَصِّصَةِ وَالنِّيَّةِ الْمُؤَكِّدَةِ أَنَّ الْقَصْدَ لِلْكَتَّانِ دُونَ غَيْرِهِ لَا يُفِيدُ وَأَنَّ هُنَالِكَ فَرْقًا جَلِيلًا جَمِيلًا فَلْيُطَالَعْ مِنْ هُنَالِكَ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ)
الْمُحَاشَاةُ كَمَا قَالَ مَالِكٌ إذَا قَالَ كُلُّ حَلَالٍ عَلَيَّ حَرَامٌ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ إلَّا أَنْ يُحَاشِيَ زَوْجَتَهُ وَقَالَ الْأَصْحَابُ يَكْفِي فِي الْمُحَاشَاةِ مُجَرَّدُ النِّيَّةِ وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّهَا تَخْصِيصٌ بِعَيْنِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ وَالتَّخْصِيصُ يَكْفِي فِيهِ إرَادَةُ الْمُتَكَلِّمِ فَكَفَى فِي الْمُحَاشَاةِ مُجَرَّدُ إرَادَةِ الْمُتَكَلِّمِ فَلَيْسَتْ الْمُحَاشَاةُ شَيْئًا غَيْرَ التَّخْصِيصِ فَاعْلَمْ ذَلِكَ فَهَذِهِ هِيَ مَوَاطِنُ الِاكْتِفَاءِ بِالنِّيَّةِ إجْمَاعًا
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ تَخْصِيصُ الْعُمُومَاتِ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا لَبِسْت ثَوْبًا وَيَنْوِي إخْرَاجَ الْكَتَّانِ مِنْ يَمِينِهِ فَيَصِيرُ هَذَا الْعُمُومُ مَخْصُوصًا بِهَذِهِ النِّيَّةِ وَلَا يَحْنَثُ إذَا لَبِسَ الْكَتَّانَ لِأَنَّهُ قَدْ أَخْرَجَهُ بِنِيَّتِهِ)
قُلْت لَيْسَ هَذَا تَخْصِيصَ الْعُمُومِ بَلْ هُوَ الِاسْتِثْنَاءُ بِالنِّيَّةِ وَهُوَ مَحَلُّ خِلَافٍ وَأَمَّا التَّخْصِيصُ بِالنِّيَّةِ فَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ مَا عَدَا الْكَتَّانَ خَاصَّةً وَلَا أَرَاهُ إلَّا مَحَلَّ وِفَاقٍ قَالَ (وَقَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ النِّيَّةِ الْمُخَصَّصَةِ وَالنِّيَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ إلَى آخَرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْت وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ مَعَهُ هُنَاكَ بِمَا يَقْتَضِي أَنَّ الصَّحِيحَ خِلَافُ قَوْلِهِ فِي ذَلِكَ.
قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ الْمُحَاشَاةُ كَمَا قَالَ مَالِكٌ رحمه الله إذَا قَالَ كُلُّ حَلَالٍ عَلَيَّ حَرَامٌ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ إلَّا أَنْ يُحَاشِيَ زَوْجَتَهُ وَقَالَ الْأَصْحَابُ يَكْفِي فِي الْمُحَاشَاةِ مُجَرَّدُ النِّيَّةِ) قُلْت الْمُحَاشَاةُ هِيَ الِاسْتِثْنَاءُ بِعَيْنِهِ قَالَ (وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّهَا تَخْصِيصٌ بِعَيْنِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانَ إلَى قَوْلِهِ فَاعْلَمْ ذَلِكَ)
قُلْت الصَّحِيحُ أَنَّ الْمُحَاشَاةَ هِيَ الِاسْتِثْنَاءُ بِعَيْنِهِ لَا التَّخْصِيصُ وَلَكِنْ لَمَّا سَبَقَ لَهُ تَوَهُّمُ أَنَّ إخْرَاجَ بَعْضِ مُتَنَاوِلِ اللَّفْظِ الْعَامِّ هُوَ التَّخْصِيصُ قَالَ إنَّ الْمُحَاشَاةَ هِيَ التَّخْصِيصُ وَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ وَتَوَهُّمُهُ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ غَلَطَهُ حَيْثُ جَزَمَ بِأَنَّ نِيَّةَ التَّخْصِيصِ لَا تُفِيدُ مَعَ تَوَهُّمِهِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي التَّخْصِيصِ فِي النِّيَّةِ مَا يُشْتَرَطُ فِي التَّخْصِيصِ بِاللَّفْظِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ وَالْكَلَامُ مَعَهُ فِيهِ فِي الْفَرْقِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ
قَالَ (فَهَذِهِ هِيَ مَوَاطِنُ الِاكْتِفَاءِ بِالنِّيَّةِ إجْمَاعًا) قُلْت ذَلِكَ صَحِيحٌ إلَّا فِي الْمُحَاشَاةِ فَإِنَّ الْخِلَافَ فِيهَا مَعْلُومٌ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَالْأَكْثَرُ، أَوْ لَا؟ وَعَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَفِي حَاشِيَةِ الرِّسَالَةِ للح قَالَ فِي رَسْمِ أَوْصَى مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ النُّذُورِ إنَّ مَنْ حَلَفَ بِالْمُصْحَفِ وَأَرَادَ الْمُصْحَفَ نَفْسَهُ دُونَ الْمَفْهُومِ مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» اهـ.
وَفِي الْمَجْمُوعِ وَشَرْحِهِ انْعِقَادُ الْيَمِينِ بِالْمُصْحَفِ وَأَوْلَى الْقُرْآنُ أَوْ كَلِمَةٌ مِنْهُ تَخُصُّهُ عُرْفًا كَ {الم} [البقرة: 1] لَا نَحْوُ قَالَ إنْ لَمْ يَنْوِ مَعْنًى حَادِثًا أَيْ الْمَكْتُوبَ أَوْ اللَّفْظَ الْمُنَزَّلَ مِنْ غَيْرِ مُلَاحَظَةِ دَلَالَتِهِ عَلَى الْمَعْنَى الْقَدِيمِ بِأَنْ نَوَى قَدِيمًا أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا اهـ.
وَفِي الْأَصْلِ فِي الْفَرْقِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا وَهَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إذَا حَلَفَ بِالْقُرْآنِ أَوْ التَّوْرَاةِ أَوْ الْإِنْجِيلِ أَوْ الزَّبُورِ وَسَائِرِ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ وَحَنِثَ وَهُوَ لِمَالِكٍ رضي الله عنه لِانْصِرَافِهِ عِنْدَهُ لِلْكَلَامِ الْقَدِيمِ النَّفْسِيِّ أَمْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إذَا حَلَفَ بِذَلِكَ وَحَنِثَ وَهُوَ مَا لِأَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ إنَّ الْحَلِفَ بِالْقُرْآنِ وَالْمُصْحَفِ لَيْسَ بِيَمِينٍ وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَإِنَّا لَا نَفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ الْقُرْآنَ، وَهُوَ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ أَوْ يَكْتُبُ الْقُرْآنَ إلَّا هَذِهِ الْأَصْوَاتَ وَالرُّقُومَ الْمَكْتُوبَةَ بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ نَهْيِهِ عليه الصلاة والسلام عَنْ أَنْ يُسَافِرَ بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ فَإِنَّ الْمُسَافَرَةَ مُتَعَذِّرَةٌ بِالْقَدِيمِ اهـ وَزَادَ الْعَلَّامَةُ الْأَمِيرُ فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ سِتَّةَ أَلْفَاظٍ
(اللَّفْظُ الْعَاشِرُ) قَوْلُهُ وَالِاسْمُ الْأَعْظَمُ قَالَ الْأَمِيرُ يَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ الْأَعْظَمَ مِنْ اسْمَيْنِ لِشَخْصٍ
(اللَّفْظُ الْحَادِي عَشَرَ) قَوْلُهُ وَدِينِ الْإِسْلَامِ قَالَ الْأَمِيرُ إنْ أَرَادَ بِهِ الْأَحْكَامَ الْإِلَهِيَّةِ انْعَقَدَ لِأَنَّهَا تَرْجِعُ لِكَلَامِهِ وَخِطَابِهِ وَإِنْ أَرَادَ تَدَيُّنَ الْعِبَادِ وَطَاعَتَهُمْ لَمْ يَلْزَمْ
(اللَّفْظُ الثَّانِي عَشَرَ) قَوْلُهُ وَخَاتَمِ الصَّوْمِ الَّذِي عَلَى فَمِ الْعِبَادِ قَالَ الْأَمِيرُ لَا يَلْزَمُ بِهِ الْيَمِينُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْحُكْمَ الْآلِهِيَّ بِهِ فَيَلْزَمُ كَمَا إذَا قَالَ وَاَلَّذِي خَاتَمُهُ عَلَى فَمِي وَأَرَادَ بِهِ اللَّهَ
(اللَّفْظُ الثَّالِثَ عَشَرَ) قَوْلُهُ وَالْعِلْمِ الشَّرِيفِ قَالَ الْأَمِيرُ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ الْعُلُومُ الْمُدَوَّنَةُ فَلَا يَلْزَمُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ عِلْمَ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ أَحْكَامَهُ عَلَى مَا سَبَقَ
(اللَّفْظُ الرَّابِعَ عَشَرَ) وَالْمَوْجُودِ وَالشَّيْءِ قَالَ الْأَمِيرُ وَيَنْعَقِدُ بِالْمَوْجُودِ وَبِالشَّيْءِ إذَا أُرِيدَ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا فِي ابْنِ شَاسٍ وَفِي الْقُرْآنِ {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ} [الأنعام: 19] وَمَا فِي