الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جَلَالُهُ وَعُلَاهُ وَصِفَاتُهُ الْعُلَا. وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَهُوَ جَمْعُ يَمِينٍ
فَيَكُونُ الْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ صَرِيحٌ أَوْ كِنَايَةٌ وَيُقَالُ ايْمُنُ اللَّهِ وَأَيْمُ اللَّهِ وَمَنْ اللَّهِ وَمُ اللَّهِ ثُمَّ عَلَيْهِ إذَا قُلْنَا إنَّهُ جَمْعُ يَمِينٍ إشْكَالٌ أَيْضًا بِسَبَبِ أَنَّ الْقَائِلَ إذَا قَالَ وَأَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ فَحَلَفَ بِالْحَلِفِ يَكُونُ قَدْ حَلَفَ بِمُحْدَثٍ أَيْضًا فَإِنَّ حَلِفَ الْخَلْقِ مُحْدَثٌ فَلَا يَلْزَمُ بِهِ كَفَّارَةٌ وَكَذَلِكَ يَرِدُ الْإِشْكَالُ عَلَى مُتَأَخِّرِي الْمَالِكِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِلُزُومِ أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَنْ قَالَ وَأَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ تَلْزَمُنِي أَنَّهُ إنْ أَرَادَ الْقَسَمَ فَقَدْ حَلَفَ بِمُحْدَثٍ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُلْزِمَ نَفْسَهُ مُوجِبَاتِ الْأَيْمَانِ فَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ أَنَّهَا تَلْزَمُهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا مُسَبِّبَاتٌ لِأَسْبَابِهَا وَأَسْبَابُهَا لَمْ تُوجَدْ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّ لُزُومَ الْأَحْكَامِ بِدُونِ أَسْبَابِهَا غَيْرُ مَعْهُودٍ فِي الشَّرِيعَةِ بَلْ الشَّرِيعَةُ تُنْكِرُهُ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهَا تَلْزَمُهُ عَلَى سَبِيلِ النَّذْرِ فَيَفْتَقِرُ ذَلِكَ إلَى نِيَّةِ النَّذْرِ وَالْقَصْدِ إلَيْهِ فَإِنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ لَيْسَتْ مَوْضُوعَةً فِي الْفِقْهِ الْمَنْذُورِ بَلْ هِيَ أَخْبَارٌ وَقَسَمٌ وَهَؤُلَاءِ الْقَائِلُونَ بِلُزُومِ هَذِهِ الْأُمُورِ لَمْ يُصَرِّحُوا بِأَنَّهَا مِنْ بَابِ النُّذُورِ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا مِنْ بَابِ الْقَسَمِ وَالْحَلِفِ.
(الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ بِالْحَلِفِ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى إذَا حَنِثَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُوجِبُ كَفَّارَةً إذَا حَلَفَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ) صِفَاتُ اللَّهِ تَعَالَى خَمْسَةُ أَقْسَامٍ مَعْنَوِيَّةٌ وَذَاتِيَّةٌ وَسَلْبِيَّةٌ وَفِعْلِيَّةٌ وَمَا يَشْمَلُ الْجَمِيعَ فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ وَهِيَ الصِّفَاتُ الْمَعْنَوِيَّةُ فَهِيَ سَبْعَةٌ الْعِلْمُ وَالْكَلَامُ الْقَدِيمُ وَالْإِرَادَةُ وَالْقُدْرَةُ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالْحَيَاةُ فَهَذِهِ كُلُّهَا يُوجِبُ الْحَلِفُ بِهَا مَعَ الْحِنْثِ الْكَفَّارَةَ فَيَجُوزُ الْحَلِفُ بِهَا ابْتِدَاءً هَذَا هُوَ مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا تُوجِبُ كَفَّارَةً لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» وَلَفْظُ اللَّهِ مَخْصُوصٌ بِالذَّاتِ فَانْدَرَجَتْ الصِّفَاتُ فِي الْمَأْمُورِ بِالصَّمْتِ بِهِ وَمُسْتَنَدُ الْمَشْهُورِ مَا تَقَدَّمَ مِمَّا حَكَاهُ «رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَيُّوبَ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ بَلَى وَعِزَّتِك وَلَكِنْ لَا غِنَى لِي عَنْ بَرَكَتِك» وَفِي هَذَا الْقَسَمِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى الْحَلِفُ بِالْقُرْآنِ إذَا حَلَفَ بِهِ قُلْنَا نَحْنُ تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ مُنْصَرِفٌ لِلْكَلَامِ الْقَدِيمِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَجِبُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ بِالْحَلِفِ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى إذَا حَنِثَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُوجِبُ كَفَّارَةً إذَا حَلَفَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ) إلَى قَوْلِهِ وَفِي هَذَا الْقِسْمِ مَسَائِلُ قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى الْحَلِفُ بِالْقُرْآنِ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ)
قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ خِلَافَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ إنَّمَا هُوَ فِي تَحْقِيقِ مَنَاطٍ وَهُوَ هَلْ فِي لَفْظِ الْقُرْآنِ عُرْفٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الصِّفَةُ الْقَدِيمَةُ أَمْ لَا لَيْسَ الْأَمْرُ عِنْدِي
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
عَنْهُمْ وَدَفْعِ التَّظَالُمِ بَيْنَهُمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُقَرَّرٌ وَمَبْسُوطٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَالْمُصَالَحَةُ لَا تُوجِبُ مِثْلَ تِلْكَ الْحُقُوقِ بَلْ يَكُونُونَ أَجَانِبَ مِنَّا لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْنَا بِرُّهُمْ وَلَا الْإِحْسَانُ إلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا فِي ذِمَّتِنَا غَيْرَ أَنَّا لَا نَغْدِرُ بِهِمْ وَلَا نَتَعَرَّضُ لَهُمْ فَقَطْ بَلْ نَقُومُ بِمَا الْتَزَمْنَا لَهُمْ فِي الْعَقْدِ مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي اتَّفَقْنَا عَلَيْهَا وَنَتْرُكُهُمْ يَنْفَصِلُونَ بِأَنْفُسِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ نَنْصُرَ مَظْلُومَهُمْ وَلَا أَنْ نُوَاسِيَ فَقِيرَهُمْ وَاللَّازِمُ فِي عَقْدِ التَّأْمِينِ مُطْلَقُ الْأَمَانِ وَالتَّأْمِينِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجِبُ تَوْحِيدُ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ مِنْ التَّعْظِيمِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَجِبُ تَوْحِيدُهُ بِهِ]
(الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجِبُ تَوْحِيدُ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ مِنْ التَّعْظِيمِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَجِبُ تَوْحِيدُهُ بِهِ)
تَوْحِيدُ اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّعْظِيمِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) وَاجِبٌ إجْمَاعًا وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ النَّوْعُ الْأَوَّلُ عِبَادَةٌ كَالصَّلَوَاتِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا وَالصَّوْمِ عَلَى اخْتِلَافِ رُتَبِهِ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَالنَّذْرِ وَالْحَجِّ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفْعَلَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى (وَالنَّوْعُ الثَّانِي) صِفَاتُ الْأَفْعَالِ كَالْخَلْقِ وَالرِّزْقِ وَالْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ وَالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ وَالسَّعَادَةِ وَالشَّقَاءِ وَالْهِدَايَةِ وَالْإِضْلَالِ وَالطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ وَالْقَبْضِ وَالْبَسْطِ فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَعْتَقِدَ تَوْحِيدَ اللَّهِ وَتَوَحُّدَهُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ عَلَى سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ وَأَنَّ مَا أُضِيفَ مِنْهَا لِغَيْرِهِ تَعَالَى سَوَاءٌ كَانَ فِي كَلَامِهِ تَعَالَى كَإِخْبَارِهِ تَعَالَى عَنْ عِيسَى عليه السلام أَنَّهُ كَانَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَيُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ أَوْ فِي كَلَامِنَا كَقَوْلِنَا قَتَلَهُ السُّمُّ وَأَحْرَقَتْهُ النَّارُ وَأَرْوَاهُ الْمَاءُ لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ غَيْرَهُ تَعَالَى فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ حَقِيقَةً بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَبَطَ الْمُسَبَّبَاتِ بِأَسْبَابِهَا كَمَا شَاءَ وَأَرَادَ سَوَاءٌ كَانَتْ الْأَسْبَابُ أَسْبَابًا عَادِيَّةً لِمُسَبِّبَاتِهَا كَمَا فِي سَبَبِيَّةِ السُّمِّ لِلْقَتْلِ وَالنَّارِ لِلْإِحْرَاقِ وَالْمَاءِ لِلْإِرْوَاءِ أَوْ أَسْبَابًا غَيْرَ عَادِيَّةٍ لِمُسَبِّبَاتِهَا كَمَا فِي إرَادَةِ عِيسَى عليه السلام لِإِحْيَاءِ الْمَوْتَى وَإِبْرَاءِ الْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَصِ.
وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَا يَظْهَرُ عَلَى أَيْدِي الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ مِنْ الْمُعْجِزَاتِ وَالْكَرَامَاتِ عِنْدَ إرَادَةِ ذَلِكَ النَّبِيِّ أَوْ الْوَلِيِّ وَلَوْ شَاءَ تَعَالَى لَمْ يَرْبِطْهَا وَهُوَ الْخَالِقُ حَقِيقَةً لِمُسَبِّبَاتِهَا عِنْدَ وُجُودِهَا لَا أَنَّ تِلْكَ الْأَسْبَابَ هِيَ الْمُوجِدَةُ حَقِيقَةً قُلْت وَذَكَرَ شَيْخُ شُيُوخِنَا خَاتِمَةُ الْمُحَقِّقِينَ السَّيِّدُ أَحْمَدُ دَخْلَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي رِسَالَةٍ
بِهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْكَلَامِ الْمَخْلُوقِ الَّذِي هُوَ الْأَصْوَاتُ فَالْكَلَامُ فِي تَحْقِيقِ مَنَاطٍ هَلْ فِيهِ عُرْفٌ أَمْ لَا وَلَمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ» لَمْ يَفْهَمْ أَحَدٌ إلَّا الْقُرْآنَ الَّذِي هُوَ الْأَصْوَاتُ وَإِذَا قِيلَ فِي مَجْرَى الْعَادَةِ الْقُرْآنُ إنَّمَا يَسْبِقُ إلَى الْفَهْمِ الْكَلَامُ الْعَرَبِيُّ الْمُعْجِزُ وَالْعَرَبِيُّ الْمُعْجِزُ مُحْدَثٌ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ رحمه الله كَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه وَالْأَوَّلُ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ حَمْلًا لِلْقُرْآنِ عَلَى الْقَدِيمِ قَالَ صَاحِبُ الْخِصَالِ ابْنُ زَرْبٍ الْأَنْدَلُسِيُّ وَيُلْحَقُ بِالْقُرْآنِ عِنْدَ مَالِكٍ إذَا حَلَفَ بِالْمُصْحَفِ أَوْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ أَوْ بِالتَّوْرَاةِ أَوْ بِالْإِنْجِيلِ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ أَيْضًا ظَاهِرَةٌ فِي الْعُرْفِ الْمُحْدَثِ فَإِنَّ النَّاسَ لَا يَفْهَمُونَ مِنْ الْمُصْحَفِ إلَّا الْأَوْرَاقَ الْمَرْقُومَةَ الْمُجَلَّدَةَ بِالْجِلْدِ وَهَذِهِ مُحْدَثَةٌ وَكَذَلِكَ التَّنْزِيلُ وَالْإِنْزَالُ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْحَادِثِ فَإِنَّ الصِّفَاتِ الْقَدِيمَةَ لَا تُفَارِقُ مَوْصُوفَهَا وَمَا يَسْتَحِيلُ مُفَارَقَتُهُ يَسْتَحِيلُ نُزُولُهُ وَطُلُوعُهُ وَمُطْلَقُ الْحَرَكَةِ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ فَهُمَا كَلَفْظِ الْقُرْآنِ لَا يُفْهَمُ مِنْهُمَا إلَّا الْكَلِمَاتُ الْخَاصَّةُ الَّتِي نَزَلَتْ بِاللُّغَةِ الْعِبْرَانِيَّةِ وَمَا يُوصَفُ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ أَوْ الْعِبْرَانِيَّةِ فَهُوَ مُحْدَثٌ بِالصُّورَةِ وَكَذَلِكَ قُلْنَا الْقُرْآنُ لِكَوْنِهِ مَوْصُوفًا بِكَوْنِهِ عَرَبِيًّا فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يوسف: 2] مُحْدَثٌ فَإِنَّ الْعَرَبِيَّةَ وَالْعَجَمِيَّةَ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ وَالْكَلَامُ النَّفْسِيُّ كَانَ قَدِيمًا أَوْ مُحْدَثًا لَا يُوصَفُ بِكَوْنِهِ عَرَبِيًّا وَلَا عَجَمِيًّا: الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ إذَا قَالَ عَلِمَ اللَّهُ لَا فَعَلَتْ اسْتَحَبَّ لَهُ مَالِكٌ الْكَفَّارَةَ احْتِيَاطًا تَنْزِيلًا لِلَفْظِ عَلِمَ الَّذِي هُوَ فِعْلٌ مَاضٍ مَنْزِلَةَ عِلْمِ اللَّهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَعِلْمِ اللَّهِ لَا فَعَلَتْ.
وَقَالَ سَحْنُونٌ إنْ أَرَادَ الْحَلِفَ وَحَنِثَ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ وَإِلَّا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّ حُرُوفَ الْقَسَمِ قَدْ تُحْذَفُ فَهُوَ كِنَايَةٌ تَحْتَمِلُ الْقَسَمَ بِعِلْمِ اللَّهِ مَعَ حَذْفِ أَدَاةِ الْقَسَمِ وَالتَّعْبِيرِ عَنْ الصِّفَةِ الْقَدِيمَةِ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ فَإِنْ أَرَادَهُ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ أَرَادَ الْإِخْبَارَ عَنْ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِعَدَمِ فِعْلِهِ فَلَيْسَ بِحَلِفٍ تَجِبُ بِهِ كَفَّارَةٌ وَهُوَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
كَمَا زَعَمَ بَلْ الْعُرْفُ فِي الِاسْتِعْمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْحَادِثُ وَذَلِكَ مُسْتَنَدُ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَكِنْ قَرِينَةُ الْقَسَمِ صَرَفَتْ اللَّفْظَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْأَمْرُ الْقَدِيمُ وَذَلِكَ مُسْتَنَدُ مَالِكٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
فَخِلَافُهُمَا فِي تَحْقِيقِ مَنَاطٍ لَكِنْ مِنْ غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي ذُكِرَ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَسْوِيَةُ مَالِكٍ بَيْنَ لَفْظِ الْقُرْآنِ وَالْمُصْحَفِ وَالتَّنْزِيلِ وَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ مَعَ أَنَّ الْعُرْفَ فِيهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْمُحْدَثُ قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ إذَا قَالَ عَلِمَ اللَّهُ لَا فَعَلْت اسْتَحَبَّ لَهُ مَالِكٌ الْكَفَّارَةَ احْتِيَاطًا إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْت الْأَظْهَرُ نَظَرًا قَوْلُ سَحْنُونٍ وَلِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اسْتَحَبَّ مَالِكٌ الْكَفَّارَةَ وَلَمْ يُوجِبْهَا
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
لَهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: 21] الْآيَةَ أَنَّ لِرَبْطِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُسَبَّبَاتِ بِأَسْبَابِهَا حِكَمًا وَمَصَالِحَ كَثِيرَةً مِنْهَا أَنَّ الْمُكَلَّفِينَ إذَا تَحَمَّلُوا الْمَشَقَّةَ فِي الْحَرْثِ وَالْغَرْسِ طَلَبًا لِلثَّمَرَاتِ وَكَدُّوا أَنْفُسَهُمْ فِي ذَلِكَ حَالًا بَعْدَ حَالٍ عَلِمُوا أَنَّهُمْ لَمَّا احْتَاجُوا إلَى تَحَمُّلِ هَذِهِ الْمَشَاقِّ لِطَلَبِ هَذِهِ الْمَنَافِعِ الدُّنْيَوِيَّةِ فَلَأَنْ يَحْتَاجُوا إلَى تَحَمُّلِ مَشَاقِّ الطَّاعَةِ الَّتِي هِيَ أَقَلُّ مِنْ مَشَاقِّ الْمَنَافِعِ الدُّنْيَوِيَّةِ مِنْ بَابِ أَوْلَى لِأَنَّ مَشَاقَّ الطَّاعَةِ تُثْمِرُ الْمَنَافِعَ الْأُخْرَوِيَّةَ الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ مِنْ الدُّنْيَوِيَّةِ.
وَمِنْهَا أَنَّهُ تَعَالَى أَجْرَى عَادَتَهُ بِتَوَقُّفِ الشِّفَاءِ عَلَى الدَّوَاءِ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ لِيَعْلَمَ الْإِنْسَانُ أَنَّهُ إذَا تَحَمَّلَ مَرَارَةَ الْأَدْوِيَةِ دَفْعًا لِضَرَرِ الْمَرَضِ فَلَأَنْ يَتَحَمَّلَ مَشَاقَّ التَّكْلِيفِ دَفْعًا لِضَرَرِ الْعِقَابِ مِنْ بَابِ أَوْلَى وَمِنْهَا أَنَّهُ سبحانه وتعالى لَوْ خَلَقَ الْمُسَبَّبَاتِ دَفْعَةً وَاحِدَةً مِنْ غَيْرِ وَسَائِطِ أَسْبَابِهَا لَحَصَلَ الْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ بِاسْتِنَادِهَا إلَى الْقَادِرِ الْحَكِيمِ وَذَلِكَ كَالْمُنَافِي لِلتَّكْلِيفِ وَالِابْتِلَاءِ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى كَافِرٌ وَلَا جَاحِدٌ حِينَئِذٍ فَلَمَّا خَلَقَهَا بِهَذِهِ الْوَسَائِطِ ظَهَرَتْ حِكْمَةُ التَّكْلِيفِ وَالِابْتِلَاءِ وَتَمَيَّزَتْ الْفُرْقَةُ الْمَوْصُوفَةُ بِالشَّقَاءِ عَنْ الْفُرْقَةِ الْمَوْصُوفَةِ بِالشَّقَاءِ لِأَنَّ الْمُهْتَدِيَ يَفْتَقِرُ فِي اسْتِنَادِهَا إلَى الْقَادِرِ الْمُخْتَارِ إلَى نَظَرٍ دَقِيقٍ وَفِكْرٍ غَامِضٍ فَيَسْتَوْجِبُ الثَّوَابَ وَلِهَذَا قِيلَ لَوْلَا الْأَسْبَابُ لَمَا ارْتَابَ مُرْتَابٌ وَمِنْهَا أَنَّهُ يَظْهَرُ لِلْمَلَائِكَةِ وَأُولِي الِاسْتِبْصَارِ عِبَرٌ فِي ذَلِكَ وَأَفْكَارٌ صَائِبَةٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْحِكَمِ الَّتِي لَا يُحِيطُ بِهَا إلَّا الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ.
وَلَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ وَاتِّصَافِهِ بِالْكَمَالَاتِ وَاسْتِحْقَاقِهِ لِأَنْوَاعٍ إنَّمَا هُوَ الْعِلْمُ وَكَانَ عِلْمُ الْإِنْسَانِ بِأَحْوَالِ نَفْسِهِ أَظْهَرَ مِنْ عِلْمِهِ بِأَحْوَالِ غَيْرِهِ قَدَّمَ سبحانه وتعالى فِيهَا دَلَائِلَ الْأَنْفُسِ عَلَى دَلَائِلِ الْآفَاقِ وَمِنْ دَلَائِلِ الْأَنْفُسِ نَفْسُ الْإِنْسَانِ ثُمَّ ذِكْرُ آبَائِهِ وَأُمَّهَاتِهِ بِقَوْلِهِ وَاَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ.
وَمِنْ دَلَائِلِ الْآفَاقِ الْأَرْضُ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى الْإِنْسَانِ مِنْ السَّمَاءِ وَمَعْرِفَتُهُ بِحَالِهَا أَكْثَرُ مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِحَالِ السَّمَاءِ وَقَدَّمَ ذِكْرَ السَّمَاءِ عَلَى ذِكْرِ الْمَاءِ وَخُرُوجِ الثَّمَرَاتِ بِسَبَبِ الْمَاءِ لِأَنَّ ذَلِكَ كَالْأَثَرِ الْمُتَوَلِّدِ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ
مُتَّجَهٌ فِي قَوَاعِدِ الْفِقْهِ وَقَدْ وَقَعَ لِبَعْضِ النُّحَاةِ جَوَازُ فَتْحِ إنَّ بَعْدَ الْقَسَمِ وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْقَسَمَ قَدْ يَقَعُ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي فَتَكُونُ أَنَّ مَعْمُولَةً لِذَلِكَ الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي نَحْوُ عَلِمَ اللَّهُ وَشَهِدَ اللَّهُ أَنَّ زَيْدًا لَمُنْطَلِقٌ فَلَمَّا كَانَتْ مَظِنَّةَ وُجُودِ الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي فُتِحَتْ تَنْزِيلًا لِلْمَظْنُونِ مَنْزِلَةَ الْمُحَقَّقِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ نَقَلَهَا لُغَةً عَنْ الْعَرَبِ فِي فَتْحِ أَنَّ بَعْدَ الْقَسَمِ وَالْجَادَّةُ عَلَى كَسْرِهَا بَعْدَ الْقَسَمِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي اللُّغَةِ أَصْلُهَا لِلْعُمُومِ عَلَى مَذْهَبِ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَقَدْ تَكُونُ لِلْعَهْدِ مَجَازًا عِنْدَهُمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولا} [المزمل: 15]{فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [المزمل: 16] فَهَذِهِ اللَّامُ لِلْعَهْدِ أَيْ عَصَى الرَّسُولَ الْمَعْهُودَ ذِكْرُهُ الْآنَ فَهَذَا مَجَازٌ لِأَنَّهَا اُسْتُعْمِلَتْ فِي غَيْرِ مَوْضُوعِهَا لِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلْعُمُومِ وَقَدْ اُسْتُعْمِلَتْ فِي الْخُصُوصِ الَّذِي هُوَ الْعَهْدُ فَيَكُونُ مَجَازًا فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ وَقَالَ الْقَائِلُ وَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ فَأَصْلُهَا فِي الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ أَنَّهَا لِلْعُمُومِ فَتَشْمَلُ كُلَّ عِلْمٍ كَانَ قَدِيمًا أَوْ حَادِثًا فَيَجْتَمِعُ فِي أَفْرَادِ هَذَا الْعُمُومِ الْعِلْمُ الْقَدِيمُ وَهُوَ مُوجِبٌ وَالْعِلْمُ الْمُحْدَثُ وَهُوَ غَيْرُ مُوجِبٍ وَإِذَا اجْتَمَعَ الْمُوجِبُ وَغَيْرُ الْمُوجِبِ تَرَتَّبَ الْإِيجَابُ عَلَى الْمُوجِبِ وَوُجُودُ غَيْرِ الْمُوجِبِ لَا يَقْدَحُ وَلَا يُعَارِضُ الْمُوجِبَ كَمَنْ وُجِدَ مِنْهُ شُرْبُ الْخَمْرِ وَشُرْبُ الْمَاءِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَجْلِ الْمُوجِبِ.
وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْأَصْلَ اعْتِبَارُ الْمُوجِبِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ فَيُعْتَبَرُ الْعِلْمُ الْقَدِيمُ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ نَعَمْ يُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ حِينَئِذٍ انْدَرَجَ فِي كَلَامِهِ مَا يُسَوِّغُ الْحَلِفَ بِهِ وَهُوَ الْعِلْمُ الْقَدِيمُ وَمَا يُنْهَى عَنْ الْحَلِفِ بِهِ تَحْرِيمًا أَوْ كَرَاهَةً وَهُوَ الْعِلْمُ الْمُحْدَثُ وَالْمُرَكَّبُ مِنْ الْمَأْذُونِ فِيهِ وَالْمَنْهِيِّ عَنْهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَتَكُونُ يَمِينُهُ هَذِهِ مَنْهِيًّا عَنْهَا وَإِنْ كَانَتْ مُوجِبَةً لِلْكَفَّارَةِ هَذَا إذَا اسْتَعْمَلْنَا الْأَلِفَ وَاللَّامَ لِلْعُمُومِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا لِلْعَهْدِ أَوْ قَرِينَةُ الْحَلِفِ تَصْرِفُهَا لِلْعَهْدِ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ مِنْ أَحْوَالِ الْمُؤْمِنِينَ كَانَ الْمُرَادُ مَا عُهِدَ الْحَلِفُ بِهِ وَهُوَ الْعِلْمُ الْقَدِيمُ فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ مِنْ غَيْرِ نَهْيٍ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ أَحْوَالِ الْحَالِفِينَ هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِتَلْخِيصِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي الصِّفَةِ إذَا حَلَفَ بِهَا فَإِنْ أُضِيفَتْ وَقَالَ الْحَالِفُ وَعِلْمِ اللَّهِ وَقُدْرَةِ اللَّهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ انْدَرَجَ فِي الْمُضَافِ الْعِلْمُ الْقَدِيمُ وَالْمُحْدَثُ وَكَذَلِكَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي اللُّغَةِ أَصْلُهَا الْعُمُومُ عَلَى مَذْهَبِ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ الْقَائِلِينَ بِالْعُمُومِ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ) .
قُلْت الصَّحِيحُ عِنْدِي فِي قَوْلِ الْقَائِلِ وَالْعِلْمِ وَقَوْلُهُ وَعِلْمِ اللَّهِ وَمَا أَشْبَهَهُ ذَلِكَ أَنَّ قَرِينَةَ الْقَسَمِ عَيَّنَتْ أَنَّ الْمُرَادَ الْقَدِيمُ دُونَ غَيْرِهِ مَعَ أَنَّ لَفْظَ الْعِلْمِ سَوَاءٌ كَانَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ أَمْ مُضَافًا لَيْسَ اشْتِمَالُهُ فِي الْقَوْلِ الصَّحِيحِ عَلَى الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ مِنْ بَابِ الْعُمُومِ الَّذِي يَقُولُ بِهِ الْمُعَمِّمُونَ بَلْ اشْتِمَالُهُ عَلَى الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ مِنْ بَابِ تَعْمِيمِ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ وَالْقَوْلُ بِهِ مَرْدُودٌ وَكُلُّ مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ اشْتِمَالَ اللَّفْظِ عَلَى الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ مِنْ بَابِ الْعُمُومِ فَمَا قَالَهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَالْأَثَرُ مُتَأَثِّرٌ عَنْ الْمُؤَثِّرِ وَرُوِيَ أَنَّ بَعْضَ الزَّنَادِقَةِ أَنْكَرَ الصَّانِعَ عِنْدَ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ رضي الله عنه فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ هَلْ رَكِبْت الْبَحْرَ قَالَ نَعَمْ قَالَ هَلْ رَأَيْت أَهْوَالَهُ قَالَ نَعَمْ هَاجَتْ يَوْمًا رِيَاحٌ هَائِلَةٌ فَكَسَّرَتْ السُّفُنَ وَأَغْرَقَتْ الْمَلَّاحِينَ فَتَعَلَّقْت بِبَعْضِ أَلْوَاحِهَا ثُمَّ ذَهَبَ عَنِّي ذَلِكَ اللَّوْحُ فَإِذَا أَنَا مَدْفُوعٌ فِي تَلَاطُمِ الْأَمْوَاجِ حَتَّى دُفِعْت إلَى السَّاحِلِ فَقَالَ جَعْفَرٌ قَدْ كَانَ اعْتِمَادُك مَنْ قَبْلُ عَلَى السَّفِينَةِ وَالْمَلَّاحِ وَاللَّوْحِ بِأَنَّهُ يُنْجِيَك فَلَمَّا ذَهَبَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ عَنْك هَلْ أَسْلَمْت نَفْسَك لِلْهَلَاكِ أَمْ كُنْت تَرْجُو السَّلَامَةَ بَعْدَهُ قَالَ بَلْ رَجَوْت السَّلَامَةَ قَالَ مِمَّنْ تَرْجُوهَا فَسَكَتَ الرَّجُلُ فَقَالَ جَعْفَرٌ إنَّ الصَّانِعَ هُوَ الَّذِي تَرْجُوهُ ذَلِكَ الْوَقْتَ وَهُوَ الَّذِي أَنْجَاك مِنْ الْغَرَقِ فَأَسْلَمَ الرَّجُلُ عَلَى يَدِهِ وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «قَالَ لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنهما كَمْ لَك مِنْ آلَةٍ قَالَ عَشَرَةٌ قَالَ فَمَنْ نَعَّمَك وَكَرَّمَك وَرَفَعَ الْأَمْرَ الْعَظِيمَ إذَا نَزَلَ بِك مِنْ جُمْلَتِهِمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ عليه السلام مَا لَك مِنْ إلَهٍ إلَّا اللَّهُ» .
وَكَانَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه سَيْفًا عَلَى الدَّهْرِيَّةِ وَكَانُوا يَنْتَهِزُونَ الْفُرْصَةَ لِيَقْتُلُوهُ فَبَيْنَمَا هُوَ قَاعِدٌ فِي مَسْجِدِهِ إذْ هَجَمَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ بِأَيْدِيهِمْ سُيُوفٌ مَسْلُولَةٌ وَهَمُّوا بِقَتْلِهِ فَقَالَ لَهُمْ أَجِيبُونِي عَلَى مَسْأَلَةٍ ثُمَّ افْعَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَالُوا لَهُ هَاتِ فَقَالَ مَا تَقُولُونَ فِي رَجُلٍ يَقُولُ لَكُمْ إنِّي رَأَيْت سَفِينَةً مَشْحُونَةً بِالْأَحْمَالِ مَمْلُوءَةً بِالْأَثْقَالِ قَدْ احْتَوَشَتْهَا فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ أَمْوَاجٌ مُتَلَاطِمَةٌ وَرِيَاحٌ مُخْتَلِفَةٌ وَهِيَ مِنْ بَيْنِهَا تَجْرِي مُسْتَوِيَةً لَيْسَ لَهَا مَلَّاحٌ يُجْرِيهَا وَلَا مُدَبِّرٌ يُدَبِّرُ أَمْرَهَا هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْعَقْلِ قَالُوا لَا هَذَا شَيْءٌ لَا يَقْبَلُهُ الْعَقْلُ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَا سُبْحَانَ اللَّهِ إذَا لَمْ يُجَوِّزْ الْعَقْلُ سَفِينَةً تَجْرِي مِنْ غَيْرِ مَلَّاحٍ يُدِيرُهَا فِي جَرَيَانِهَا فَكَيْفَ يُجَوِّزُ قِيَامَ هَذِهِ الدُّنْيَا عَلَى اخْتِلَافِ أَحْوَالِهَا وَتَغَيُّرِ أَعْمَالِهَا وَسَعَةِ أَطْرَافِهَا مِنْ غَيْرِ صَانِعٍ وَحَافِظٍ فَبَكَوْا جَمِيعًا وَقَالُوا صَدَقْت وَأَغْمَدُوا سُيُوفَهُمْ وَتَابُوا.
وَرُوِيَ أَنَّ بَعْضَ الدَّهْرِيَّةِ سَأَلَ الْإِمَامَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه مَا الدَّلِيلُ عَلَى الصَّانِعِ فَقَالَ وَرَقَةُ الْفِرْصَادِ أَيْ التُّوتِ طَعْمُهَا وَاحِدٌ وَلَوْنُهَا وَاحِدٌ وَرِيحُهَا وَاحِدٌ وَطَبْعُهَا وَاحِدٌ عِنْدَكُمْ قَالُوا نَعَمْ قَالَ فَتَأْكُلُهَا دُودَةُ الْقَزِّ
كُلُّ صِفَةٍ تُضَافُ لِأَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ إذَا أُضِيفَ عَمَّ كَقَوْلِهِ عليه السلام «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» فَعَمَّ جَمِيعَ مِيَاهِ الْبَحْرِ وَمَيْتَاتِهِ وَلِأَنَّهُ الْمَنْقُولُ عَنْ الْأُصُولِيِّينَ وَالْإِضَافَةُ يَكْفِي فِيهَا أَدْنَى مُلَابَسَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَالْمُحْدَثَاتُ مِنْ الصِّفَاتِ وَالْمَوْصُوفَاتِ تُضَافُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ خَلَقَهَا وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ النِّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ الَّتِي بَيْنَ الْمَخْلُوقِ وَالْخَالِقِ.
وَلِذَلِكَ قَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا} [التحريم: 12] إنَّهُ تَعَالَى نَفَخَ فِيهِ رُوحًا مِنْ أَرْوَاحِهِ إشَارَةً إلَى أَنَّ أَرْوَاحَ الْخَلَائِقِ كُلَّهَا مَخْلُوقَةٌ وَأَنَّ رُوحَ عِيسَى عليه السلام مِنْ جُمْلَتِهَا فَأَضَافَهَا اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ إضَافَةَ الْخَلْقِ إلَى الْخَالِقِ فَإِذَا وَضَحَ أَنَّ هَذِهِ الْإِضَافَةَ تَقْتَضِي الْعُمُومَ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ فَإِنْ أَبْقَيْنَاهَا عَلَى عُمُومِهَا شَمِلَتْ الْمُوجِبَ وَغَيْرَ الْمُوجِبِ وَالْمَأْذُونَ فِيهِ وَالْمَنْهِيَّ عَنْهُ فَيَكُونُ الْكَلَامُ حِينَئِذٍ فِي الْإِضَافَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي عُمُومِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ وَإِنْ لَمْ نَحْمِلْهَا عَلَى عُمُومِهَا وَقُلْنَا بِالْعَهْدِ فَهُوَ فِي الْإِضَافَةِ قَلِيلٌ وَإِنَّمَا هُوَ مَسْطُورٌ لِلنُّحَاةِ فِي الْأَلِفِ وَاللَّامِ وَيَنْبَغِي أَنْ نَقُولَ هَاهُنَا إنَّ قَرِينَةَ حَالِ الْحَالِفِ وَالْحَلِفِ أَنَّ هَذَا الْعَامَّ أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ وَهُوَ الصِّفَةُ الْقَدِيمَةُ خَاصَّةً فَيَقُومُ هَذَا التَّخْصِيصُ مَقَامَ الْعَهْدِ فِي لَامِ التَّعْرِيفِ وَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ وَتَكُونُ الْيَمِينُ مُلْزِمَةً لِلْكَفَّارَةِ مِنْ غَيْرِ نَهْيٍ وَقَدْ نَقَلَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ قَالَ إنْ أَرَادَ الْحَالِفُ بِقَوْلِهِ وَعِزَّةِ اللَّهِ وَأَمَانَتِهِ الْمَعْنَى الْقَدِيمَ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ أَوْ الْمُحْدَثَ لَمْ تَجِبْ.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ} [الصافات: 180] وَ {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] وَالْقَدِيمُ لَا يَكُونُ مَرْبُوبًا وَلَا مَأْمُورًا بِهِ إشَارَةٌ مِنْهُ إلَى أَنَّ الْإِضَافَةَ يَكْفِي فِيهَا أَدْنَى مُلَابَسَةٍ وَيَكُونُ اللَّفْظُ حَقِيقَةً وَأَنَّ الْعِزَّةَ الْحَادِثَةَ لِلْعِبَادِ يُمْكِنُ أَنْ تُضَافَ إلَيْهِ إضَافَةَ الْخَلْقِ لِلْخَالِقِ وَلِأَجْلِ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ وَالتَّرَدُّدَاتِ خَالَفْنَا جُمْهُورَ الْحَنَفِيَّةِ فِي الصِّفَاتِ فَقَالُوا إنْ تَعَارَفَ النَّاسُ الْحَلِفَ بِهَا كَانَتْ يَمِينًا وَإِنْ لَمْ تَتَعَارَفْ النَّاسُ بِهَا لَمْ تَكُنْ يَمِينًا وَسَوَاءٌ كَانَتْ الصِّفَاتُ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ أَوْ صِفَاتِ الْفِعْلِ فَاشْتَرَطُوا الشُّهْرَةَ دُونَنَا وَسَوَّوْا بَيْنَ الصِّفَاتِ الْفِعْلِيَّةِ وَالذَّاتِيَّةِ وَسَبَبُ اشْتِرَاطِهِمْ الشُّهْرَةَ أَنَّ الشُّهْرَةَ تُصَيِّرُ ذَلِكَ اللَّفْظَ الْمَشْهُورَ مَوْضُوعًا لِخُصُوصِ الْقَدِيمِ الَّذِي يَحْلِفُ بِهِ فَتَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ وَقَبْلَ النَّقْلِ وَالشُّهْرَةِ يَكُونُ اللَّفْظُ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْمُحْدَثِ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَمِمَّا يُعَضِّدُ هَذَا التَّرَدُّدَ أَنَّ النَّكِرَاتِ قِسْمَانِ مِنْهُمَا مَا يَصْدُقُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ كَقَوْلِنَا مَاءٌ وَمَالٌ وَذَهَبٌ وَفِضَّةٌ فَيُقَالُ لِلْكَثِيرِ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ مَاءٌ وَذَهَبٌ وَفِضَّةٌ وَكَذَلِكَ الْقَلِيلُ وَمِنْ النَّكِرَاتِ مَا لَا يَصْدُقُ إلَّا عَلَى الْوَاحِدِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ وَلَا يَصْدُقُ عَلَى الْكَثِيرِ مِنْهُ كَقَوْلِنَا رَجُلٌ وَعَبْدٌ وَدِرْهَمٌ وَدِينَارٌ فَلَا يُقَالُ لِلرِّجَالِ الْكَثِيرَةِ رَجُلٌ وَلِلْعَبِيدِ عَبْدٌ وَلَا لِلْفِضَّةِ وَالدَّرَاهِمِ الْكَثِيرَةِ دِرْهَمٌ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
فَيَخْرُجُ مِنْهَا الْإِبْرَيْسَمُ وَتَأْكُلُهَا النَّحْلُ فَيَخْرُجُ مِنْهَا الْعَسَلُ وَتَأْكُلُهَا الشَّاةُ فَيَخْرُجُ مِنْهَا الْبَعْرُ وَتَأْكُلُهَا الظَّبْيَةُ فَيَنْعَقِدُ فِي نَوَافِجِهَا الْمِسْكُ فَمَنْ الَّذِي جَعَلَهَا كَذَلِكَ مَعَ أَنَّ الطَّبْعَ وَاحِدٌ فَاسْتَحْسَنُوا ذَلِكَ وَآمَنُوا عَلَى يَدِهِ وَكَانُوا سَبْعَةَ عَشَرَ اهـ.
الْمُرَادُ فَاَللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْخَالِقُ لِلْمُمْكِنَاتِ وَلِلْعِبَادِ وَأَفْعَالِهِمْ جَمِيعًا قَالَ الْعَلَّامَةُ الْأَمِيرُ عَلِيٌّ عَبْدُ السَّلَامِ عَلَى جَوْهَرَةِ التَّوْحِيدِ وَلَيْسَ لِقُدْرَةِ الْعَبْدِ إلَّا مُجَرَّدُ الْمُقَارَنَةِ كَالْأَسْبَابِ الْعَادِيَّةِ مَعَهَا لَا بِهَا وَلَيْسَ خَلْقُ اللَّهِ تَعَالَى بِآلَةٍ خِلَافًا لِقَوْلِ ابْنِ عَرَبِيٍّ لِلْعَبْدِ آلَةٌ وَالْعَبْدُ آلَةٌ لِفِعْلِ الرَّبِّ ذَكَرَهُ فِي وَمَا رَمَيْت أَيْ إيجَابًا إذْ رَمَيْت كَسْبًا فَلَا تَنَاقُضَ وَمَعَ أَنَّ الْفِعْلَ لَهُ تَعَالَى فَالْأَدَبُ أَنْ لَا يُنْسَبَ لَهُ إلَّا الْحَسَنُ بِإِشَارَةِ {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء: 79] وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ كَسْبًا بِدَلِيلِ الْأُخْرَى قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أَيْ خَلْقًا وَانْظُرْ لِقَوْلِ الْخَضِرِ {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} [الكهف: 79] مَعَ قَوْلِهِ {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا} [الكهف: 82] .
(وَالنَّوْعُ الثَّالِثُ) اسْتِحْقَاقُ الْعِبَادَةِ وَالْآلِهِيَّةِ وَعُمُومُ تَعَلُّقِ صِفَاتِهِ تَعَالَى فَيَتَعَلَّقُ عِلْمُهُ بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ وَإِرَادَتُهُ بِجَمِيعِ الْمُمْكِنَاتِ وَبَصَرُهُ بِجَمِيعِ الْمَوْجُودَاتِ الْبَاقِيَاتِ وَالْفَانِيَاتِ وَسَمْعُهُ بِجَمِيعِ الْأَصْوَاتِ وَخَبَرُهُ بِجَمِيعِ الْمُخْبَرَاتِ (فَتَوْحِيدُهُ تَعَالَى) فِي هَذَا وَنَحْوِهِ وَاجِبٌ بِالْإِجْمَاعِ مِنْ أَهْلِ الْحَقِّ لَا مُشَارَكَةَ لِأَحَدٍ فِيهِ (وَالنَّوْعُ الرَّابِعُ) كُلُّ لَفْظٍ أُشْهِرَ اسْتِعْمَالُهُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى خَاصَّةً كَلَفْظِ اللَّهِ وَالرَّحْمَنِ وَلَفْظِ تَبَارَكَ فَلَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ عَلَى غَيْرِهِ تَعَالَى فَلَا يُسَمَّى بِاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ غَيْرُهُ تَعَالَى وَتَقُولُ تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ وَلَا تَقُولُ تَبَارَكَ زَيْدٌ قُلْت وَإِطْلَاقُ بَنِي حَنِيفَةَ عَلَى مُسَيْلِمَةَ رَحْمَنَ الْيَمَامَةِ وَقَالَ شَاعِرُهُمْ:
عَلَوْت بِالْمَجْدِ يَا ابْنَ الْأَكْرَمَيْنِ أَبًا
…
وَأَنْتَ غَيْثُ الْوَرَى لَا زِلْت رَحْمَانَا
قَالَ الصَّبَّانُ فِي رِسَالَتِهِ الْبَيَانِيَّةِ أَجَابَ الزَّمَخْشَرِيُّ عَنْهُ بِأَنَّهُ مِنْ تَفَنُّنِهِمْ فِي كُفْرِهِمْ قَالَ الْمُحَقِّقُ الْمَحَلِّيُّ إلَّا أَنَّ هَذَا الِاسْتِعْمَالَ غَيْرُ صَحِيحٍ دَعَاهُمْ إلَيْهِ لَجَاجُهُمْ فِي كُفْرِهِمْ بِزَعْمِهِمْ نُبُوَّةَ مُسَيْلِمَةَ دُونَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَمَا لَوْ اسْتَعْمَلَ كَافِرٌ لَفْظَةَ اللَّهِ فِي
وَلَا لِلذَّهَبِ الْكَثِيرِ وَالدَّنَانِيرِ دِينَارٌ.
وَإِنْ قِيلَ لَهُ الذَّهَبُ بَلْ لَا تَصْدُقُ هَذِهِ النَّكِرَاتُ إلَّا عَلَى هَذَا الْجِنْسِ بِقَيْدِ الْوَحْدَةِ فَصَارَتْ أَسْمَاءُ الْأَجْنَاسِ مِنْهَا مَا يَصْلُحُ لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَمِنْهَا مَا لَا يَصْلُحُ فَأَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ إنَّا وَإِنْ قُلْنَا بِأَنَّ الْإِضَافَةَ تَقْتَضِي التَّعْمِيمَ إنَّمَا نَقُولُهُ فِي أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ الَّتِي تَصْدُقُ عَلَى الْكَثِيرِ أَمَّا الَّتِي لَا تَصْدُقُ إلَّا عَلَى الْجِنْسِ بِقَيْدِ الْوَحْدَةِ فَإِنَّ إضَافَتَهَا لَا تُوجِبُ تَعْمِيمًا وَلِذَلِكَ يُفْهَمُ الْعُمُومُ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ مَالِي صَدَقَةٌ وَلَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ عَبْدِي حُرٌّ وَلَا امْرَأَتِي طَالِقٌ بَلْ لَا يُفْهَمُ مَعَ الْإِضَافَةِ إلَّا فَرْدٌ وَاحِدٌ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ وَهُوَ عَبْدٌ وَاحِدٌ وَامْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ فَيُحْمَلُ قَوْلُ الْأُصُولِيِّينَ إنَّ اسْمَ الْجِنْسِ إذَا أُضِيفَ عَمَّ عَلَى اسْمِ الْجِنْسِ إذَا كَانَ يَصْدُقُ عَلَى الْكَثِيرِ بِدَلِيلِ مَوَارِدِ الِاسْتِعْمَالِ وَهُوَ مُتَّجَهٌ غَايَةَ الِاتِّجَاهِ غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا وَقَدْ نَبَّهْت عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْمَحْصُولِ وَإِذَا كَانَ هَذَا مَعْنًى صَحِيحًا يُمْكِنُ مُرَاعَاتُهُ فَقَوْلُنَا وَعِزَّةِ اللَّهِ وَأَمَانَةِ اللَّهِ مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي لَا تَصْدُقُ عَلَى الْكَثِيرِ أَمَانَةٌ بَلْ أَمَانَاتٌ وَلَا أَنْوَاعُ الْعِزَّةِ الْمُخْتَلِفَةِ أَنَّهَا عِزَّةٌ بَلْ عِزَّاتٌ وَكَذَلِكَ الْقُدْرَةُ الْكَثِيرَةُ وَلَا يُقَالُ لَهَا قُدْرَةٌ بَلْ قُدُرَاتٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيمَا هُوَ بِهَاءِ التَّأْنِيثِ أَنْ يَكُونَ لِلْوَاحِدِ نَحْوُ تَمْرَةٌ وَبُرْمَةٌ وَضَرْبَةٌ وَجُرْحَةٌ وَإِقَامَةٌ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ حَالَةُ الْإِضَافَةِ تَتَنَاوَلُ إلَّا الْوَاحِدَ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ الْإِضَافَةِ وَذَلِكَ الْوَاحِدُ لَا عُمُومَ فِيهِ حَتَّى يَشْمَلَ الْقَدِيمَ وَالْمُحْدَثَ فَيَبْقَى مُتَرَدِّدًا بَيْنَ الْمُوجِبِ الَّذِي هُوَ الْقَدِيمُ وَبَيْنَ غَيْرِ الْمُوجِبِ الَّذِي هُوَ الْمُحْدَثُ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ حَتَّى تَحْصُلَ شُهْرَةٌ وَنَقْلٌ عُرْفِيٌّ فِي الْقَدِيمِ فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ حِينَئِذٍ وَهَذَا حَسَنٌ مُتَّجَهٌ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَطَّرِدُ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى إذَا قَالَ وَعِلْمِ اللَّهِ فَإِنَّ الْعِلْمَ الْكَثِيرَ يُسَمَّى عِلْمًا بِخِلَافِ الْإِرَادَةِ وَكَذَلِكَ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ بِخِلَافِ الْحَيَاةِ وَهَذِهِ كُلُّهَا مَبَاحِثُ حَسَنَةٌ يُمْكِنُ الْجُنُوحُ إلَيْهَا فِي مَجَالِ النَّظَرِ وَتَحْقِيقِ الْفِقْهِ.
(الْقِسْمُ الثَّانِي) مِنْ الصِّفَاتِ الصِّفَاتُ الذَّاتِيَّةُ وَهِيَ كَوْنُهُ تَعَالَى أَزَلِيًّا أَبَدِيًّا وَاجِبَ الْوُجُودِ فَهَذِهِ الصِّفَاتُ لَيْسَتْ مَعَانِيهَا مَوْجُودَةً قَائِمَةً بِالذَّاتِ وَلَا هِيَ سَلْبُ نَقِيصَةٍ كَقَوْلِنَا لَيْسَ بِجِسْمٍ بَلْ صِفَاتُ ذَاتِ وَاجِبِ الْوُجُودِ بِمَعْنَى أَنَّهَا أَحْكَامٌ لِتِلْكَ الذَّاتِ كَمَا نَقُولُ فِي السَّوَادِ إنَّهُ جَامِعٌ لِلْبَصَرِ وَالْبَيَاضِ إنَّهُ مُفَرِّقٌ لِلْبَصَرِ وَتَصِفُهُ بِذَلِكَ لَا بِمَعْنَى أَنَّ جَمْعَ الْبَصَرِ فِي السَّوَادِ وَتَفْرِيقَهُ فِي الْبَيَاضِ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ بَلْ بِمَعْنَى أَنَّهَا أَحْكَامٌ ثَابِتَةٌ لِتِلْكَ الْحَقَائِقِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى مَا تَقَدَّمَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الصِّفَاتِ الصِّفَاتُ الذَّاتِيَّةُ وَهِيَ كَوْنُهُ تَعَالَى أَزَلِيًّا أَبَدِيًّا وَاجِبَ الْوُجُودِ إلَى قَوْلِهِ فَهَذَا هُوَ تَحْقِيقُهَا) قُلْت لَيْسَ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الْأَزَلِيَّةَ إنَّمَا مَعْنَاهَا أَنَّ وُجُودَهُ لَمْ يَسْبِقْهُ عَدَمٌ وَالْأَبَدِيَّةُ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ عَدَمٌ وَوُجُودُ الْوُجُودِ نَفْيُ تَبَدُّلِهِ فَهَذِهِ الصِّفَاتُ بِجُمْلَتِهَا سَلْبِيَّةٌ لَا ثُبُوتِيَّةٌ هَذَا عَلَى إنْكَارِ الْأَحْوَالِ أَوْ إمَّا عَلَى إثْبَاتِهَا فَذَلِكَ مُتَّجَهٌ عَلَى أَنَّهَا أَحْوَالٌ نَفْسِيَّةٌ لَا مَعْنَوِيَّةٌ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
فِي غَيْرِ الْبَارِي مِنْ آلِهَتِهِمْ.
اهـ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَيْ فَخَرَجُوا بِمُبَالَغَتِهِمْ فِي كُفْرِهِمْ عَنْ مَنْهَجِ اللُّغَةِ حَيْثُ اسْتَعْمَلُوا الْمُخْتَصَّ بِاَللَّهِ تَعَالَى فِي غَيْرِهِ.
اهـ قَالَ الْأُنْبَابِيُّ وَقَدْ عَارَضَ شَاعِرَهُمْ ابْنُ جَمَاعَةَ بِقَوْلِهِ:
عَلَوْت بِالْكِذْبِ يَا ابْنَ الْأَخْبَثَيْنِ أَبًا
…
وَأَنْتَ مُغْوِي الْوَرَى لَا زِلْت شَيْطَانَا
قَالَ وَهَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ الْأَعْلَامُ لَمْ يَقُولُوا مَا ذُكِرَ كَمَا لَا يَخْفَى إلَّا بِالْوُقُوفِ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَى الِاخْتِصَاصِ لُغَةً وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا بِاشْتِرَاطِ الْوَضْعِ عَدَمَ اسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِهِ تَعَالَى إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ اخْتِصَاصَ الْمُشْتَقِّ بِشَيْءٍ بِحَيْثُ يَكُونُ إطْلَاقُهُ عَلَى غَيْرِهِ فَاسِدًا لُغَةً وَإِنْ قَامَ مَبْدَأُ الِاشْتِقَاقِ بِذَلِكَ الْغَيْرِ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِاشْتِرَاطِ الْوَاضِعِ أَنَّ هَذَا الْمُشْتَقَّ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا فِي ذَاتِهِ لَكِنْ حَيْثُ نَقَلَ الْأَئِمَّةُ الْمَوْثُوقُ بِهِمْ اخْتِصَاصَهُ وَجَبَ قَبُولُ قَوْلِهِمْ وَلَا عِبْرَةَ بِالْبُعْدِ كَمَا لَا يَخْفَى وَدَعْوَى سَمِّ عَدَمَ الدَّلِيلِ عَلَى الِاشْتِرَاطِ لَا تُسْمَعُ وَأَيُّ مَانِعٍ مِنْ كَوْنِ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ أَخَذُوا عَنْ الْعَرَبِ مُشَافَهَةً أَوْ بِوَاسِطَةٍ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِعْمَالُ الرَّحْمَنِ فِي غَيْرِهِ تَعَالَى وَهُوَ دَلِيلُ اشْتِرَاطِ الْوَضْعِ فَإِنَّ مَا يَحْكُمُ بِهِ الْعَرَبِيُّ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِاللُّغَةِ بِمُقْتَضَى مَا يَعْلَمُهُ إنَّمَا يَكُونُ بِسَبَبِ حُكْمِ الْوَاضِعِ كَمَا لَا يَخْفَى وَكَوْنُ الْعَرَبِيِّ يَخْرُجُ بِتَعَنُّتِهِ عَنْ اللُّغَةِ وَيُكَابِرُ فِيهَا مِمَّا لَا يُشَكُّ فِيهِ.
فَالْحَقُّ هُوَ الْجَزْمُ بِخَطَأِ بَنِي حَنِيفَةَ فِي إطْلَاقِ الرَّحْمَنِ عَلَى غَيْرِهِ تَعَالَى وَمَا أَفَادَهُ قَوْلُ الْجَلَالِ الْمَحَلِّيِّ كَمَا لَوْ اسْتَعْمَلَ كَافِرٌ لَفْظَةَ اللَّهِ إلَخْ مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ ذَلِكَ الِاسْتِعْمَالِ لُغَةً لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا مُسَلَّمٌ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الصَّحِيحَ جَوَازُ التَّجَوُّزِ فِي الْأَعْلَامِ لِأَنَّ سَبِيلَ هَذَا أَيْضًا نَقْلُ الْأَئِمَّةِ الْمَوْثُوقِ بِهِمْ فَلَفْظُ الْجَلَالَةِ مُسْتَثْنًى بِلَا شُبْهَةٍ فَلَا مَحَلَّ لِهَذَا الْإِشْكَالِ وَلَا لِدَعْوَى عَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَى اشْتِرَاطِ الْوَاضِعِ أَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ تَعَالَى وَلَا لِدَعْوَى أَنَّهُ يَصِحُّ جَوَازُ إطْلَاقِهِ عَلَى غَيْرِهِ تَعَالَى مَجَازًا بِعِلَّةِ أَنَّ الصَّحِيحَ جَوَازُ التَّجَوُّزِ فِي الْأَعْلَامِ.
وَكَذَا لَا مَحَلَّ لِدَعْوَى أَنَّ الْمُخْتَصَّ بِهِ تَعَالَى الْمُعَرَّفَ بِأَلْ دُونَ غَيْرِهِ عَلَى أَنَّ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو «لَمَّا أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم -
ذِكْرُهُ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ وَلَمَّا لَمْ تَكُنْ صِفَةً مَعْنَوِيَّةً زَائِدَةً عَلَى الذَّاتِ سَمَّاهَا الْعُلَمَاءُ صِفَاتٍ ذَاتِيَّةً فَهَذَا هُوَ تَحْقِيقُهَا.
وَأَمَّا حُكْمُهَا فِي الشَّرِيعَةِ إذَا حَلَفَ بِهَا فَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ رحمه الله أَنَّهُ إذَا قَالَ: عَمْرُ اللَّهِ يَمِينِي يُكَفِّرُ مَعَ أَنَّ الْعَمْرَ هُوَ الْبَقَاءُ وَالْبَقَاءُ يَرْجِعُ إلَى مُقَارَنَةِ الْوُجُودِ فِي الْأَزْمِنَةِ وَالْمُقَارَنَةُ نِسْبَةٌ لَا وُجُودَ لَهَا فِي الْأَعْيَانِ فَقَدْ اعْتَبَرَ النِّسْبَةَ وَجَعَلَ حُكْمَهَا حُكْمَ الصِّفَةِ الْوُجُودِيَّةِ فَلَعَلَّهُ يَقُولُ فِي هَذِهِ الصِّفَاتِ كَذَلِكَ وَيُوجِبُ بِهَا الْكَفَّارَةَ إذَا قَالَ الْحَالِفُ: وَأَزَلِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَوُجُوبِ وُجُودِهِ وَأَبَدِيَّتِهِ وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا غَيْرَ مَا ذَكَرْته لَك مِنْ التَّخْرِيجِ فَإِنْ قُلْت الْأَبَدِيَّةُ لَا تَكُونُ فِي الْأَزَلِ كَمَا أَنَّ الْأَزَلِيَّةَ لَا تَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بَلْ الْأَبَدِيَّةُ اقْتِرَانُ الْوُجُودِ بِجَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ وَالْأَزَلِيَّةُ اقْتِرَانُ الْوُجُودِ بِجَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ الْمُتَوَهَّمَةِ إلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ مِنْ جِهَةِ الْأَزَلِ فَالْأَزَلُ وَالْأَبَدُ مُتَنَافِيَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ.
وَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا فِي الزَّمَنِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الْآخَرُ فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ الْأَبَدُ إلَّا مُتَجَدِّدًا بَعْدَ الْأَزَلِ فَإِنْ جَعَلْتُمْ الْحَلِفَ لَا يَكُونُ إلَّا بِقَدِيمٍ لَمْ يَنْعَقِدْ الْحَلِفُ بِأَبَدِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى لِتَجَدُّدِهَا بَعْدَ الْأَزَلِ ثُمَّ إنْ جَعَلْتُمْ الْحَلِفَ بِالْقَدِيمِ كَيْفَ كَانَ وُجُودًا أَوْ عَدَمًا يَلْزَمُكُمْ أَنَّ مَنْ حَلَفَ بِعَدَمِ الْعَامِّ أَنْ يَكُونَ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ قُلْت مُسَلَّمٌ أَنَّ الْأَبَدِيَّةَ لَا تَكُونُ أَزَلِيَّةً وَهِيَ مُتَجَدِّدَةٌ بَعْدَ الْأَزَلِيَّةِ غَيْرَ أَنَّ أَبَدِيَّةَ اللَّهِ تَعَالَى تَرْجِعُ إلَى وُجُودِهِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ كَالْبَقَاءِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (وَأَمَّا حُكْمُهَا فِي الشَّرِيعَةِ إذَا حَلَفَ بِهَا فَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ رحمه الله أَنَّهُ إذَا قَالَ عَمْرُ اللَّهِ يَمِينِي يُكَفِّرُ مَعَ أَنَّ الْعَمْرَ هُوَ الْبَقَاءُ وَالْبَقَاءُ يَرْجِعُ إلَى مُقَارَنَةِ الْوُجُودِ فِي الْأَزْمِنَةِ إلَى قَوْلِهِ مِنْ التَّخْرِيجِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ غَيْرُ مَا قَالَهُ فِي الْبَقَاءِ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى مُقَارَنَةِ الْوُجُودِ فِي الْأَزْمِنَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ تَعَالَى مُتَّصِفٌ بِالْبَقَاءِ سَوَاءٌ وُجِدَ زَمَانٌ أَوْ لَمْ يُوجَدْ فَإِنَّ الزَّمَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْحَوَادِثِ قَالَ فَإِنْ قُلْت الْأَبَدِيَّةُ لَا تَكُونُ فِي الْأَزَلِ كَمَا أَنَّ الْأَزَلِيَّةَ لَا تَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إلَى قَوْلِهِ فَمَعَ الْفَرْقِ لَا يَصِحُّ التَّخْرِيجُ قُلْت السُّؤَالُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَجَوَابُهُ كَذَلِكَ أَمَّا عَدَمُ صِحَّةِ السُّؤَالِ فَمِنْ جِهَةِ أَنَّ وُجُودَ الْبَارِي تَعَالَى وَجَمِيعَ صِفَاتِهِ لَا يَلْحَقُهَا الزَّمَانُ وَالْأَزَلِيَّةُ وَالْأَبَدِيَّةُ قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُمَا بِالسَّلْبِ فَكَيْفَ يَقُولُ السَّائِلُ إنَّهُمَا لَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا فِي الزَّمَنِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الْآخَرُ وَهَلْ الْكَوْنُ إلَّا مِنْ لَوَاحِقِ الْوُجُودِ أَوْ هُوَ هُوَ فَمَا أَلْزَمُ مِنْ أَنَّ الْأَبَدَ لَا يَكُونُ إلَّا مُتَجَدِّدًا لَا يَلْزَمُ وَمَا قَالَهُ هُوَ فِي الْجَوَابِ مِنْ أَنَّ الْبَقَاءَ فِي الْمُحْدَثَاتِ لَا يُعْقَلُ إلَّا بَعْدَ الْحُدُوثِ مُسَلَّمٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ مَا بُنِيَ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ مَالِكًا اعْتَبَرَ الْبَقَاءَ مِنْ غَيْرِ مُلَاحَظَةِ كَوْنِهِ ثَانِيًا عَنْ الْحُدُوثِ وَمَتَى يَصِحُّ فِي حَقِّهِ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ بَقَاؤُهُ بِتِلْكَ الْمَثَابَةِ حَتَّى يَلْزَمَ أَنَّ مَالِكًا لَمْ يَعْتَبِرْ ذَلِكَ فَيَخْرُجُ عَلَى قَوْلِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْأَبَدِيَّةِ مَعَ تَسْلِيمِ تَجَدُّدِهَا هَذَا كُلُّهُ تَخْلِيطٌ فَاحِشٌ لَا يُفَوَّهُ بِمِثْلِهِ مَنْ حَصَّلَ شَيْئًا مِنْ عِلْمِ الْكَلَامِ وَمَا قَالَهُ بَعْدَ ذَلِكَ صَحِيحٌ أَوْ حِكَايَةُ خِلَافٍ وَلَا كَلَامَ فِيهِ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
عَلِيًّا كَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهَهُ فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ بِكِتَابَةِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ لَا نَعْرِفُ الرَّحْمَنَ إلَّا صَاحِبَ الْيَمَامَةِ» وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُمْ كَانُوا يُطْلِقُونَهُ مُعَرَّفًا وَمُنَكَّرًا فَلَا تَنْفَعُ هَذِهِ الدَّعْوَى وَكَذَا لَا مَحَلَّ لِدَعْوَى أَنَّ الِاخْتِصَاصَ شَرْعِيٌّ لَا لُغَوِيٌّ وَدَعْوَى أَنَّهُ لَا إشْكَالَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ شَرْعِيٌّ دُونَ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لُغَوِيٌّ عَلِمْت مَا فِيهَا وَأَنَّ الْوَاقِعَ عَكْسُ ذَلِكَ وَعَلِمْت أَنَّ دَعْوَى أَنَّ عِلَّةَ اخْتِصَاصِهِ هِيَ كَوْنُ مَعْنَاهُ الْمُنْعِمَ الْحَقِيقِيَّ الْبَالِغَ مِنْ الْإِنْعَامِ غَايَتَهُ أَوْ الْمُنْعِمَ بِجَلَائِلِ النِّعَمِ وَذَلِكَ لَا يَصْدُقُ عَلَى غَيْرِهِ تَعَالَى الْمُقْتَضِي أَنَّ الِاخْتِصَاصَ شَرْعِيٌّ لَا لُغَوِيٌّ لَا تَصِحُّ إذْ لَا وَجْهَ لِرَدِّ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ بِمُجَرَّدِ عَدَمِ الِاطِّلَاع عَلَى دَلِيلِهِمْ فَالْحَقُّ أَنَّ مَنْعَ إطْلَاقِ الرَّحْمَنِ عَلَى غَيْرِهِ تَعَالَى لُغَوِيٌّ وَشَرْعِيٌّ وَأَنَّهُ مَجَازٌ لَا حَقِيقَةٌ لَهُ اهـ.
أَيْ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الرَّحْمَةِ وَهِيَ وَرِقَّةُ الْقَلْبِ مُسْتَحِيلَةٌ فِي حَقِّهِ تَعَالَى فَالْمُرَادُ مِنْهَا لَازِمُهَا وَهُوَ إرَادَةُ الْإِحْسَانِ أَوْ الْإِحْسَانُ
(الْقِسْمُ الثَّانِي) قَالَ الْأَصْلُ مَا لَا يَجِبُ التَّوْحِيدُ وَالتَّوَحُّدُ بِهِ كَتَوْحِيدِهِ بِالْوُجُودِ لِأَنَّهُ إمَّا عَيْنُ الْمَوْجُودِ أَوْ غَيْرُهُ وَمَفْهُومُهُ عَلَى الثَّانِي مُشْتَرَكٌ فِيهِ خَارِجًا وَعَلَى الْأَوَّلِ مُشْتَرَكٌ فِيهِ ذِهْنًا لَا خَارِجًا لِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِنَا وُجُودُ كُلِّ شَيْءٍ نَفْسُ مَاهِيَّتِه أَنَّهُ نَفْسُهَا فِي الْخَارِجِ وَأَمَّا فِي الذِّهْنِ فَنَتَصَوَّرُ مِنْ مَعْنَاهُ مَعْنًى عَامًّا يَشْمَلُ الْوُجُودَ الْوَاجِبَ وَالْوُجُودَ الْمُمْكِنَ فَوَقَعَتْ الشَّرِكَةُ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ الذِّهْنِيَّةِ فَلَمْ يَقَعْ التَّوْحِيدُ فِي أَصْلِ الْوُجُودِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ وَكَتَوْحِيدِهِ بِالْعِلْمِ وَالْحَيَاةِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْإِرَادَةِ وَالْكَلَامِ النَّفْسَانِيِّ وَأَنْوَاعِهِ مِنْ الطَّلَبِ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْخَبَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِثُبُوتِ الشَّرِكَةِ فِي أُصُولِ هَذِهِ الْمَفْهُومَاتِ وَإِلَّا فَقِيَاسُ الْغَائِبِ عَلَى الشَّاهِدِ بِغَيْرِ مُشْتَرَكٍ مُتَعَذِّرٌ إذْ لَا يَصِحُّ قِيَاسُ الْمُبَايِنِ عَلَى مُبَايِنِهِ وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ قِيَاسٌ لِلْغَائِبِ عَلَى الشَّاهِدِ تَعَذَّرَ إثْبَاتُ الصِّفَاتِ فَإِنَّهُ مُسْتَنَدُهَا وَكَوْنُ السَّلْبِ فِي قَوْله تَعَالَى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] عَامًّا فِي الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ وَإِنْ أَوْرَدَهُ الْفُضَلَاءُ لَا يُرَدُّ لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَ صِحَّةِ سَلْبِ الْمِثْلِيَّةِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الْآيَةِ وَبَيْنَ صِحَّةِ الْقِيَاسِ بِكَوْنِ السَّلْبِ بِاعْتِبَارِ مَعَانِي تِلْكَ الصِّفَاتِ وَالْقِيَاسُ بِاعْتِبَارِ
وَعَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ مَعَ أَنَّ الْبَقَاءَ لَا يُعْقَلُ فِي الْمُحْدَثَاتِ إلَّا بَعْدَ الْحُدُوثِ فَهُوَ قَرِينَةٌ تَقْتَضِي التَّأْخِيرَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ عَنْ أَصْلِ الْوُجُودِ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ اعْتَبَرَهُ وَلَمْ يُلَاحِظْ هَذَا الْمَعْنَى وَمُقْتَضَى ذَلِكَ اعْتِبَارُ الْأَبَدِيَّةِ وَالْمَقْصُودُ التَّخْرِيجُ عَلَى الْمَذْهَبِ لَا إقَامَةُ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّتِهِ وَهَذَا التَّخْرِيجُ صَحِيحٌ فِي ظَاهِرِ الْحَالِ وَلَك أَنْ تَقُولَ الْأَبَدِيَّةُ لَا تَكُونُ فِي الْأَزَلِ وَمَا لَا يَكُونُ فِي الْأَزَلِ يَكُونُ حَادِثًا قَطْعًا وَأَمَّا الْبَقَاءُ فَوَاقِعٌ فِي الْأَزَلِ لِأَنَّ اقْتِرَانَ الْوُجُودِ كَمَا حَصَلَ بِالْأَزْمِنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ حَصَلَ بِالْأَزَلِ وَفِيهِ لَمْ يَتَعَيَّنْ لَهُ حُدُوثٌ فَمَعَ الْفَرْقِ لَا يَصِحُّ التَّخْرِيجُ وَأَمَّا عَدَمُ الْعَالَمِ فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنْ لَا نَعْتَبِرَ الْقَدِيمَ كَيْفَ كَانَ فَإِنْ عُدِمَ الْعَالَمُ بَلْ عُدِمَ كُلُّ حَادِثٍ قَدِيمٍ.
وَلَا يَصِحُّ الْحَلِفُ بِهِ بَلْ يُعْتَبَرُ الْقِدَمُ الْمُتَعَلِّقُ بِذَاتِ اللَّهِ وَوُجُودِهِ وَصِفَاتِهِ الْعُلَا وَعَدَمُ الْعَالَمِ وَالْحَوَادِثِ لَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِوُجُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ تَلْزَمْ بِهِ كَفَّارَةٌ وَلَمْ تُشْرَعْ بِهِ يَمِينٌ (فَائِدَةٌ) اُخْتُلِفَ فِي الْقِدَمِ هَلْ هُوَ صِفَةٌ ثُبُوتِيَّةٌ وَأَنَّهُ تَعَالَى قَدِيمٌ بِقِدَمٍ كَالْعِلْمِ وَغَيْرِهِ أَوْ هُوَ صِفَةٌ نِسْبِيَّةٌ لَا زَائِدَةٌ عَلَى ذَاتِهِ تَعَالَى بَلْ قِدَمُهُ اسْتِمْرَارُ وُجُودِهِ مَعَ جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ الْمَاضِيَةِ الْمُحَقَّقَةِ وَالْمُتَوَهَّمَةِ الِاسْتِمْرَارِ نِسْبَةً بَيْنَ الْوُجُودِ وَالذَّاتِ وَكَذَلِكَ جَرَى الْخِلَافُ فِي الْبَقَاءِ هَلْ هُوَ وُجُودِيٌّ أَمْ لَا.
(الْقِسْمُ الثَّالِثُ) مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الصِّفَاتُ السَّلْبِيَّةُ وَهِيَ كَقَوْلِنَا إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلَا جَوْهَرٍ وَلَا عَرَضٍ وَلَا فِي حَيِّزٍ وَلَا فِي جِهَةٍ وَلَا يُشْبِهُ شَيْئًا مِنْ خَلْقِهِ فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] فَهَذِهِ الصِّفَاتُ هِيَ نِسْبَةٌ بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَأُمُورٍ مُسْتَحِيلَةٍ عَلَيْهِ سبحانه وتعالى فَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ وَسَلْبُ الشَّرِيكِ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ وَسَلْبُ الْجِهَةِ وَالْمَكَانِ وَالْجِسْمِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ هَذِهِ السُّلُوبِ نَحْوُ وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَفْوِهِ وَحِلْمِهِ وَتَسْبِيحِهِ وَتَقْدِيسِهِ فَلَمْ أَرَ فِيهَا نَقْلًا فَالْوَحْدَانِيَّةُ سَلْبُ الشَّرِيكِ وَالْعَفْوُ إسْقَاطُ الْعُقُوبَةِ وَالْحِلْمُ تَأْخِيرُهَا فَهَذِهِ السُّلُوبُ مِنْهَا قَدِيمٌ نَحْوُ سَلْبِ الشَّرِيكِ وَهُوَ الْوَحْدَانِيَّةُ وَسَلْبِ الْجِسْمِيَّةِ وَالْعَرَضِيَّةِ وَالْجَوْهَرِيَّةِ وَالْأَيْنِيَّةِ وَسَلْبِ جَمِيعِ الْمُسْتَحِيلَاتِ عَلَيْهِ تَعَالَى فَهَذِهِ السُّلُوبُ قَدِيمَةٌ هِيَ أَقْرَبُ لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ بِهَا لِأَنَّهَا قَدِيمَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ الْإِضَافَةُ فِي اللَّفْظِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى نَحْوُ قَوْلِنَا وَوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَسْبِيحِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَقْدِيسِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَحْوِ ذَلِكَ بِخِلَافِ أَنْ يَقُولَ وَسَلْبِ الْجِسْمِ وَسَلْبِ الشَّرِيكِ فَإِنَّ الْإِضَافَةَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى تُبْعِدُ انْعِقَادَ الْيَمِينِ وَمِنْهَا سُلُوبٌ مُحْدَثَةٌ نَحْوُ عَفْوِ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ تَحَقُّقِ الْجِنَايَةِ.
وَكَذَلِكَ حِلْمُهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ تَأْخِيرُ الْعُقُوبَةِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الصِّفَاتُ السَّلْبِيَّةُ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْقِسْمِ) قُلْت مَا قَالَهُ صَحِيحٌ غَيْرُ مَا قَالَهُ فِي الْحِلْمِ إنَّهُ تَأْخِيرُ الْعُقُوبَةِ فَإِنَّ هَذَا عِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ أَنَّ الْحِلْمَ تَرْكُ الْمُحَاسَبَةِ وَالْمُعَاقَبَةِ وَالْعَفْوُ تَرْكُ الْمُعَاقَبَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
أَحْوَالِ مَعَانِيهَا النَّفْسَانِيَّةِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ مُعَلَّلَةٍ وَلَا مَوْجُودَةٍ وَلَا مَعْدُومَةٍ.
فَكَمَا نَقُولُ كَوْنُ السَّوَادِ سَوَادًا وَكَوْنُ الْبَيَاضِ بَيَاضًا حَالَةٌ لِلسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ غَيْرُ مُعَلَّلَةٍ وَلَا مَوْجُودَةٍ وَلَا مَعْدُومَةٍ فَلَيْسَ خُصُوصُ السَّوَادِ بِاَلَّذِي امْتَازَ بِهِ عَلَى جَمِيعِ الْأَعْرَاضِ صِفَةٌ وُجُودِيَّةٌ قَائِمَةٌ بِالسَّوَادِ بَلْ السَّوَادُ فِي نَفْسِهِ بَسِيطٌ لَا تَرْكِيبَ فِيهِ وَحَقِيقَةٌ وَاحِدَةٌ فِي الْخَارِجِ لَيْسَ لَهَا صِفَةٌ بَلْ يُوصَفُ بِهَا وَلَا تُوصَفُ بِصِفَةٍ وُجُودِيَّةٍ حَقِيقَةً تَقُومُ بِهَا وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي بَقِيَّةِ الْمَعَانِي كَذَلِكَ تَقُولُ كَوْنُ الْعِلْمِ عِلْمًا صِفَةٌ نَفْسِيَّةٌ وَحَالَةٌ لَهُ لَيْسَتْ صِفَةً مَوْجُودَةً فِي الْخَارِجِ قَائِمَةً بِالْعِلْمِ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْإِرَادَةِ وَالْحَيَاةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ بَقِيَّةِ الصِّفَاتِ فَالْقِيَاسُ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ الشَّاهِدِ وَالْغَائِبِ هُوَ حُكْمٌ نَفْسِيٌّ وَحَالَةٌ ذَاتِيَّةٌ لَيْسَتْ بِمَوْجُودَةٍ فِي الْخَارِجِ وَمَعْنَى السَّلْبِ فِي الْآيَةِ أَنَّ الْمِثْلِيَّةَ مَنْفِيَّةٌ بَيْنَ الذَّاتِ وَجَمِيعِ الذَّوَاتِ وَبَيْنَ كُلِّ صِفَةٍ لَهُ تَعَالَى وَجَمِيعِ صِفَاتِ الْمَخْلُوقَاتِ فِي أَمْرٍ وُجُودِيٍّ إذْ لَا صِفَةَ وُجُودِيَّةً مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَخَلْقِهِ أَلْبَتَّةَ بَلْ الشِّرْكَةُ إنَّمَا وَقَعَتْ فِي أُمُورٍ لَيْسَتْ مَوْجُودَةً فِي الْخَارِجِ كَالْأَحْوَالِ وَالْأَحْكَامِ وَالنِّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ كَالتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ وَالْقَبْلِيَّةِ وَالْبَعْدِيَّةِ وَالْمَعِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النِّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ اهـ مُلَخَّصًا.
وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الشَّاطِّ (أَوَّلًا) بِأَنَّ عَدَمَ التَّوْحِيدِ وَالتَّوَحُّدِ إجْمَاعًا لَا يَصِحُّ لَا عَلَى أَنَّ الْوُجُودَ عَيْنُ الْمَوْجُودِ لِأَنَّهُ إمَّا بِاعْتِبَارِ الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ فَيَخْتَصُّ كُلٌّ مِنْ الْبَارِي تَعَالَى وَغَيْرِهِ بِوُجُودٍ مُنْفَرِدٍ بِذَاتِهِ غَيْرَ مُشَارَكٍ فِيهِ وَإِمَّا بِاعْتِبَارِ الْوُجُودِ الذِّهْنِيِّ فَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي وُجُودِهِ ضِمْنَ أَفْرَادِهِ كَمَا مَرَّ وَلَا عَلَى أَنَّ الْوُجُودَ غَيْرُ الْمَوْجُودِ لِأَنَّهُ إمَّا عَلَى إنْكَارِ الْحَالِ فَيَخْتَصُّ كُلٌّ مِنْ الْبَارِي تَعَالَى وَغَيْرِهِ بِوُجُودِهِ وَإِمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالْحَالِ فَإِمَّا عَلَى أَنَّ الْحَالَ هُوَ الْأَمْرُ الذِّهْنِيُّ فَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي وُجُودِهِ ضِمْنَ إفْرَادِهِ كَمَا مَرَّ.
وَأَمَّا عَلَى أَنَّ الْحَالَ هُوَ الْأَمْرُ الَّذِي لَهُ ثُبُوتٌ فِي نَفْسِهِ وَفِي مَحَلِّهِ فَيَخْتَصُّ كُلٌّ مِنْ الْبَارِي تَعَالَى وَغَيْرِهِ بِحَالِهِ كَمَا سَبَقَ فِي الْوُجُودِ (وَثَانِيًا) بِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي أُصُولِ مَفْهُومَاتِ الْعِلْمِ وَمَا مَعَهُ مِنْ صِفَاتِ الْمَعَانِي كَنُطْقِ الْعِلْمِ مَثَلًا بَيْنَ
بَعْدَ تَحَقُّقِ الْجِنَايَةِ وَالْجِنَايَةُ مِنْ الْعِبَادِ حَادِثَةٌ فَالْمُتَأَخِّرُ عَنْ الْحَادِثِ حَادِثٌ فَهِيَ سُلُوبٌ حَادِثَةٌ فَهِيَ أَبْعَدُ عَنْ انْعِقَادِ الْيَمِينِ مِنْ السُّلُوبِ الْقَدِيمَةِ لِاجْتِمَاعِ السَّلْبِ وَالْحُدُوثِ فِيهَا فَبَعُدَتْ مِنْ وَجْهَيْنِ بِخِلَافِ السُّلُوبِ الْقَدِيمَةِ إنَّمَا بَعُدَتْ مِنْ حَيْثُ السَّلْبُ فَاَلَّذِي يَقُولُ لَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِالصِّفَاتِ الْمَعْنَوِيَّةِ الثُّبُوتِيَّةِ يَقُولُ هَاهُنَا بِعَدَمِ الِانْعِقَادِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَاَلَّذِي يَقُولُ تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِالصِّفَاتِ الثُّبُوتِيَّةِ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ أَمْكَنَ أَنْ يَقُولَ بِعَدَمِ الِانْعِقَادِ هَاهُنَا لِأَجْلِ السَّلْبِ فَهَذَا مَوْضِعٌ يَحْتَمِلُ الْإِطْلَاقَ بِانْعِقَادِ الْيَمِينِ وَبِعَدَمِ انْعِقَادِهَا وَيَحْتَمِلُ التَّفْصِيلَ بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْمُحْدَثِ وَلَمْ أَجِدْ فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ نَقْلًا أَعْتَمِدُ عَلَيْهِ غَيْرَ أَنِّي حَرَّكْت مِنْ وُجُوهِ النَّظَرِ وَالتَّخْرِيجِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَعْتَمِدَ الْفَقِيهُ عَلَيْهِ نَفْيًا أَوْ إثْبَاتًا (فَائِدَةٌ) السَّلْبُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى سَلَبَانِ سَلْبُ نَقِيصَةٍ نَحْوُ سَلْبِ الْجِهَةِ وَالْجِسْمِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا وَسَلْبُ الْمُشَارِكِ فِي الْكَمَالِ وَهُوَ سَلْبُ الشَّرِيكِ وَهُوَ الْوَحْدَانِيَّةُ فَاعْلَمْ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا.
(الْقِسْمُ الرَّابِعُ) مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الصِّفَاتُ الْفِعْلِيَّةُ كَقَوْلِهِ وَخَلْقِ اللَّهِ وَرِزْقِ اللَّهِ وَعَطَاءِ اللَّهِ وَإِحْسَانِ اللَّهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَصْدُرُ عَنْ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَالْحَلِفُ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَلَا يُوجِبُ كَفَّارَةً إذَا حَنِثَ وَهَاهُنَا خَمْسُ مَسَائِلُ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ أَصْحَابُنَا: " مَعَادَ اللَّهِ لَيْسَتْ يَمِينًا إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْيَمِينَ " وَقِيلَ: مَعَادَ اللَّهِ وَحَاشَا اللَّهِ لَيْسَتَا بِيَمِينٍ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْمَعَادَ مِنْ الْعَوْدِ وَمُحَاشَاةُ اللَّهِ تَعَالَى التَّبْرِئَةُ إلَيْهِ فَهُمَا فِعْلَانِ مُحْدَثَانِ يُرِيدُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْيَمِينَ وَقِيلَ إنَّ لَفْظَ مَعَادَ اللَّهِ كِنَايَةٌ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهَا ذَاتَ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ الْعُلَى فَإِنَّ مَعَادًا مِنْ الْعَوْدِ وَهُوَ اسْمُ مَكَانِ الْعَوْدِ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَعُودُ إلَيْهِ الْأَمْرُ كُلُّهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ} [هود: 123] فَإِطْلَاقُ لَفْظِ الْمَكَانِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْمَعَادِ وَالْمَرْجِعِ مَجَازٌ وَالْمَجَازُ يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ فَهِيَ كِنَايَةٌ إذَا أُرِيدَ بِهَا الْمَجَازُ كَانَ حَلِفًا بِقَدِيمٍ وَهُوَ وُجُودُ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ كَانَ مُنْصَرِفًا لِحَقِيقَتِهِ وَهُوَ الْمَعَادُ الْحَقِيقِيُّ فَيَكُونُ حَلِفًا بِمُحْدَثٍ فَلَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ ثُمَّ إذَا أَرَادَ بِهِ الْحَلِفَ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَنْصِبَهُ أَوْ يَرْفَعَهُ أَوْ يَخْفِضَهُ.
فَإِنْ نَصَبَهُ كَانَ التَّقْدِيرُ أُلْزِمُ نَفْسِي مَعَادَ اللَّهِ وَيَكُونُ الْإِلْزَامُ هَاهُنَا إلْزَامًا حَقِيقِيًّا لِمُوجِبِ الْيَمِينِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ وَلَا بُدَّ فِي ذَلِكَ مِنْ نِيَّةٍ أَوْ عُرْفٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْقِسْمُ الرَّابِعُ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الصِّفَاتُ الْفِعْلِيَّةُ كَقَوْلِهِ وَخَلْقِ اللَّهِ وَرِزْقِ اللَّهِ وَعَطَاءِ اللَّهِ وَإِحْسَانِ اللَّهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ إلَى قَوْلِهِ وَهَاهُنَا خَمْسُ مَسَائِلُ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ أَصْحَابُنَا مَعَادَ اللَّهِ لَيْسَتْ يَمِينًا إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْيَمِينَ وَقِيلَ مَعَادَ اللَّهِ وَحَاشَا اللَّهِ لَيْسَتَا بِيَمِينٍ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْمَعَادَ مِنْ الْعَوْدِ وَمُحَاشَاةُ اللَّهِ التَّبْرِئَةُ إلَيْهِ فَهُمَا فِعْلَانِ مُحْدَثَانِ يُرِيدُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْيَمِينَ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ قُلْت مَا قَالَهُ فِيهِ نَظَرٌ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
عِلْمِهِ تَعَالَى وَعِلْمِ غَيْرِهِ لَمْ يَثْبُتْ فَيَتَعَذَّرُ قِيَاسُ الْغَائِبِ عَلَى الشَّاهِدِ بَلْ عَلَى فَرْضِ ثُبُوتِهَا وَعَدَمِ التَّعَذُّرِ نَلْتَزِمُ بُطْلَانَ قِيَاسِ الْغَائِبِ عَلَى الشَّاهِدِ بِمَنْعِ اللُّزُومِ فِي نَحْوِ قَوْلِنَا لَوْ لَمْ يَتَّصِفْ بِالْكَلَامِ مَثَلًا لَزِمَ النَّقْصُ لِإِمْكَانِ أَنَّهُ نَقْصٌ فِي الشَّاهِدِ عِنْدَنَا فَقَطْ كَعَدَمِ الزَّوْجِيَّةِ وَالْوَلَدِ فَيَنْدَفِعُ مَا أَوْرَدَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِنَاءً عَلَى تَسْلِيمِ صِحَّةِ الْقِيَاسِ وَلَا نُسَلِّمُ تَعَذُّرَ إثْبَاتِ الصِّفَاتِ بِبُطْلَانِهِ إذْ لَا يَتَعَيَّنُ مُسْتَنَدًا لِإِثْبَاتِهَا فَلَا حَاجَةَ لِلْجَوَابِ عَنْ الْإِيرَادِ الْمَذْكُورِ بِمَا لَا يَصِحُّ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالْأَحْوَالِ وَالْحَقُّ خِلَافُهُ اهـ بِتَلْخِيصٍ وَتَوْضِيحٍ لِلْمُرَادِ.
قُلْت وَقَوْلُهُ إذْ لَا يَتَعَيَّنُ مُسْتَنَدًا لِإِثْبَاتِهَا أَيْ فَإِنَّهَا قَدْ تَثْبُتُ بِوُرُودِ إطْلَاقِ مُشْتَقَّاتِهَا عَلَيْهِ تَعَالَى وَالْأَصْلُ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ مَعَ إجْمَاعِ أَهْلِ الْمِلَلِ وَالْأَدْيَانِ وَجَمِيعُ الْعُقَلَاءِ عَلَى الْإِطْلَاقِ الْمَذْكُورِ نَعَمْ فِي الْأَمِيرِ عَلَى عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى جَوْهَرَةِ التَّوْحِيدِ وَفِي الْخَيَالِيِّ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِالْمُشْتَقِّ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْمَأْخَذِ فِي السَّعْدِ إنْ أَرَادُوا اقْتِضَاءَ ثُبُوتِ الْمَأْخَذِ فِي نَفْسِهِ بِحَسَبِ الْخَارِجِ فَمَنْقُوضٌ بِمِثْلِ الْوَاجِبِ وَالْمَوْجُودِ أَيْ مِمَّا لَا يَقْتَضِي الْغَيْرِيَّةَ وَإِنْ أَرَادُوا ثُبُوتَهُ لِمَوْصُوفِهِ بِمَعْنَى إنْصَافِهِ بِهِ فَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ غَرَضُهُمْ.
قَالَ الْأَمِيرُ وَقَوْلُ عَبْدِ الْحَكِيمِ فِي دَفْعِ النَّقْضِ قِيلَ فَرَّقَ لِأَنَّ الْمَأْخَذَ أَيْ فِي صِفَاتِ الْمَعَانِي تُثْبِتُ غَيْرِيَّتَهُ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ الْغَيْرِيَّةَ لَمْ تَثْبُتْ فِي حَقِّهِ تَعَالَى عِنْدَ الْخَصْمِ وَفِي الْخَيَالِيِّ قَالَ صَاحِبُ الْمَوَاقِفِ لَا تَثْبُتُ فِي غَيْرِ الْإِضَافَةِ وَفِي عَبْدِ الْحَكَمِ عَلَيْهِ مَا نَصُّهُ بِالْحَرْفِ قَالَ صَاحِبُ الْمَوَاقِفِ إلَّا حُجَّةً عَلَى ثُبُوتِ أَمْرٍ سِوَى الْإِضَافَةِ الَّتِي يَصِيرُ بِهَا الْعَالِمُ عَالِمًا وَالْمَعْلُومُ مَعْلُومًا قَالَ الْمُحَقِّقُ الدَّوَانِيُّ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ الْعَضُدِيَّةِ اعْلَمْ أَنَّ مَسْأَلَةَ زِيَادَةِ الصِّفَاتِ وَعَدَمِ زِيَادَتِهَا لَيْسَتْ مِنْ الْأُصُولِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا تَكْفِيرُ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ وَقَدْ سَمِعْت بَعْضَ الْأَصْفِيَاءِ أَنَّهُ قَالَ عِنْدِي إنَّ زِيَادَةَ الصِّفَاتِ وَعَدَمَهَا وَأَمْثَالَهُمَا لَا يُدْرَكُ إلَّا بِكَشْفٍ حَقِيقِيٍّ لِلْعَارِفِينَ وَأَمَّا مَنْ تَمَرَّنَ فِي الِاسْتِدْلَالِ فَإِنْ اتَّفَقَ لَهُ كَشْفٌ فَإِنَّمَا يَرَى مَا كَانَ غَالِبًا عَلَى اعْتِقَادِهِ بِحَسَبِ النَّظَرِ الْفِكْرِيِّ وَلَا أَرَى بَأْسًا فِي اعْتِقَادِ أَحَدِ طَرَفَيْ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اهـ.
قَالَ الْأَمِيرُ وَلَوْ اُخْتِيرَ الْوَقْفُ لَكَانَ أَنْسَبَ وَأَسْلَمَ مِنْ
عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَكَفَالَةُ اللَّهِ وَنَحْوُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ هَاتَيْنِ النِّيَّتَيْنِ وَأَمَّا إنْ رَفَعَ فَتَقْدِيرُهُ مَعَادُ اللَّهِ قَسَمِي فَيَكُونُ جُمْلَةً اسْمِيَّةً خَبَرِيَّةً اُسْتُعْمِلَتْ فِي الْإِنْشَاءِ لِلْقَسَمِ بِهَا إمَّا بِالنِّيَّةِ أَوْ بِالْعُرْفِ الْمُوجِبِ لِنَقْلِ الْخَبَرِ مِنْ أَصْلِهِ اللُّغَوِيِّ إلَى الْإِنْشَاءِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَمْ يَلْزَمْ بِهِ شَيْءٌ فَإِنَّ كُلَّ قَسَمٍ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْإِنْشَاءِ فَمَتَى عُدِمَ الْإِنْشَاءُ لَمْ يَكُنْ قَسَمًا لِأَنَّ الْخَبَرَ بِمَا هُوَ خَبَرٌ لَا يُوجِبُ كَفَّارَةً وَلَا هُوَ قَسَمٌ وَكَذَلِكَ إذَا قُلْت أُقْسِمُ بِاَللَّهِ لَقَدْ قَامَ زَيْدٌ هُوَ جُمْلَةٌ إنْشَائِيَّةٌ وَلِذَلِكَ لَا تَحْتَمِلُ التَّصْدِيقَ وَالتَّكْذِيبَ وَإِنْ خَفَضَ كَانَ عَلَى حَذْفِ حَرْفِ الْجَرِّ مِنْ الْقَسَمِ كَقَوْلِهِمْ اللَّهِ بِالْخَفْضِ وَلَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ نِيَّةِ الْإِنْشَاءِ أَوْ عُرْفٍ يَقْتَضِي ذَلِكَ.
وَأَمَّا حَاشَا لِلَّهِ فَمَعْنَاهُ بَرَاءَةٌ لِلَّهِ أَيْ بَرَاءَةٌ مِنَّا لِلَّهِ وَيُحْتَمَلُ هَذَا أَيْضًا أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً وَأَنْ يُرَادَ بِهِ الْكَلَامُ الْقَدِيمُ وَتَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَيْهِ تَعَالَى بِاللَّامِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُنَزِّهُ نَفْسَهُ بِكَلَامِهِ النَّفْسَانِيِّ وَذَلِكَ التَّبَرُّؤ قَدِيمٌ وَهُوَ لِلَّهِ تَعَالَى فَتُمْكِنُ إضَافَتُهُ إلَيْهِ تَعَالَى بِاللَّامِ فَإِنْ وُجِدَتْ نِيَّةٌ لِذَلِكَ رُتْبَةٌ أُخْرَى فِي الْقَسَمِ بِهِ أَوْ عُرْفٌ يَقُومُ مَقَامَهَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ لَمْ تَجِبْ الْكَفَّارَةُ فَهُوَ كِنَايَةٌ كَمَا مَرَّ فِي مِثْلِ مَعَادَ اللَّهِ مَعَ أَنَّ أَبِي يُونُسَ لَمْ يَنْقُلْ إيجَابَ الْكَفَّارَةِ مَعَ النِّيَّةِ إلَّا فِي مَعَادَ اللَّهِ خَاصَّةً: الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ هَاهُنَا أَلْفَاظٌ اُخْتُلِفَ فِي مَدْلُولِهَا هَلْ هُوَ قَدِيمٌ فَيَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَتَلْزَمُ بِهِ الْكَفَّارَةُ أَوْ هُوَ مُحْدَثٌ فَلَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَلَا تَلْزَمُ بِهِ الْكَفَّارَةُ تَخْرِيجًا عَلَى قَوَاعِدِهِمْ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ هِيَ غَضَبُ اللَّهِ وَرَحْمَتُهُ وَرِضَاهُ وَمَحَبَّتُهُ وَمَقْتُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3] وَكَذَلِكَ بُغْضُهُ فِي قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «أَبْغَضُ الْمُبَاحِ إلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الْحَبْرَ السَّمِينَ» وَكَذَلِكَ رَأْفَتُهُ فِي قَوْله تَعَالَى {لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحديد: 9] وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي حَقَائِقُهَا لَا تُتَصَوَّرُ إلَّا فِي الْبَشَرِ وَالْأَمْزِجَةِ وَالْمَخْلُوقَاتِ وَلَمَّا اسْتَحَالَتْ حَقَائِقُهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَتَعَيَّنَ حَمْلُهَا عَلَى الْمَجَازِ فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَجَازِ الْمُرَادِ بِهَا
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) هَاهُنَا أَلْفَاظٌ اُخْتُلِفَ فِي مَدْلُولِهَا هَلْ هُوَ قَدِيمٌ فَيَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَتَلْزَمُ بِهِ الْكَفَّارَةُ أَوْ هُوَ مُحْدَثٌ فَلَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَلَا تَلْزَمُ بِهِ الْكَفَّارَةُ تَخْرِيجًا عَلَى قَوَاعِدِهِمْ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ هِيَ غَضَبُ اللَّهِ تَعَالَى وَرَحْمَتُهُ وَرِضَاهُ وَمَحَبَّتُهُ وَمَقْتُهُ إلَى قَوْلِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَمْتَنِعُ حَقَائِقُهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهَا عَلَى الْمَجَازِ فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَجَازِ الْمُرَادِ بِهَا قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ امْتِنَاعِ حَقَائِقِهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى إنَّمَا ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى تَفْسِيرِهَا بِمَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ كَتَفْسِيرِهِمْ الرَّحْمَةَ بِالرِّقَّةِ وَالْمَحَبَّةَ بِالْمَيْلِ وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ لِلْكَلَامِ فِيهِ مَجَالٌ لَكِنْ عَلَى تَسْلِيمِ امْتِنَاعِ تِلْكَ الْحَقَائِقِ لَا بُدَّ مِنْ الصَّرْفِ إلَى الْمَجَازِ كَمَا قَالَ الْعُلَمَاءُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
افْتِرَاءِ الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَمَاذَا عَلَى الشَّخْصِ إذَا لَقِيَ رَبَّهُ جَازِمًا بِأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ مُفَوِّضًا عِلْمَ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ إلَيْهِ لَكِنْ اشْتَهَرَ عِنْدَ النَّاسِ كَلَامُ الْجَمَاعَةِ عَلَى حَدِّ قَوْلِ الشَّاعِرِ:
وَهَلْ أَنَا إلَّا مِنْ غَزِيَّةَ إنْ غَوَتْ
…
. غَوَيْت وَإِنْ تَرْشُدْ غَزِيَّةُ أَرْشُدْ
قَالَ وَقَالَ الشَّعْرَانِيُّ فِي الْيَوَاقِيتِ يَتَلَخَّصُ مِنْ جَمِيعِ كَلَامِ الشَّيْخِ الْأَكْبَرِ رحمه الله أَنَّهُ قَائِلٌ بِأَنَّ الصِّفَاتِ عَيْنٌ لَا غَيْنٌ كَشْفًا وَيَقِينًا وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَمَا عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَوْلَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ اهـ.
ثُمَّ قَالَ الْأَمِيرُ بَعْدَ أَوْرَاقٍ قَالَ الشَّمْسُ السَّمَرْقَنْدِيُّ فِي الصَّحَائِفِ وَالْخِلَافُ فِي كَوْنِ صِفَاتِ الْمَعَانِي لَيْسَتْ بِغَيْرِ الذَّاتِ كَمَا لِلْجُمْهُورِ أَوْ غَيْرِهَا نَظَرًا لِلْمَفْهُومِ وَزِيَادَةِ الْوُجُودِ وَإِنْ لَمْ تَنْفَكَّ كَمَا لِبَعْضِهِمْ خِلَافٌ لَفْظِيٌّ وَلِكَوْنِ الصِّفَاتِ لَيْسَتْ غَيْرَ أَوْقَعَ فِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ التَّسَمُّحُ بِإِضَافَةِ مَا لِلذَّاتِ لَهَا نَحْوُ تَوَاضَعَ كُلُّ شَيْءٍ لِقُدْرَتِهِ وَفِي الْحَقِيقَةِ اللَّامُ لِلْأَجْلِ أَيْ تَوَاضَعَ كُلُّ شَيْءٍ لِذَاتِهِ لِأَجْلِ قُدْرَتِهِ وَإِلَّا فَعِبَادَةُ مُجَرَّدِ الصِّفَاتِ مِنْ الْإِشْرَاكِ كَمَا أَنَّ عِبَادَةَ مُجَرَّدِ الذَّاتِ فِسْقٌ وَتَعْطِيلٌ عِنْدَ الْجَمَاعَةِ وَإِنَّمَا الذَّاتُ الْمُتَّصِفَةُ بِالصِّفَاتِ وَفِي الْحَقِيقَةِ الذَّاتُ مِنْ حَيْثُ هِيَ ذَاتٌ لَا سَبِيلَ لَهَا وَإِنَّمَا حَضْرَتُهَا وَحْدَةٌ مَحْضَةٌ حَتَّى قَالُوا إنَّ فِي قَوْلِهِمْ فِي الذَّاتِ تَسَمُّحًا لِأَنَّ بِتَجَلِّيهَا يَتَلَاشَى مَا سِوَاهَا وَإِنَّمَا الْآثَارُ مَمْسُوكَةٌ بِالصِّفَاتِ فَكَيْفَ تُنْفَى وَإِذَا وَصَلَ الْعَارِفُ لِوَحْدَةِ الْوُجُودِ فِي الْكَوْنِ فَلَا يُتَوَقَّفُ فِي التَّوْحِيدِ مَعَ ثُبُوتِ الصِّفَاتِ وَلَا يُعْقَلُ افْتِقَارٌ فِي ذَاتٍ اتَّصَفَتْ بِالْكَمَالَاتِ فَلَا تَغْتَرَّ بِمَا سَبَقَ عَنْ الشَّيْخِ الْأَكْبَرِ يَعْنِي قَوْلَهُ فِي بَابِ الْأَسْرَارِ بِنَاءً عَلَى مَيْلِهِ لِنَفْيِ زِيَادَةِ الصِّفَاتِ مِنْ الْأَدَبِ أَنْ تُسَمَّى الصِّفَاتُ أَسْمَاءً لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180] وَمَا قَالَ فَصِفُوهُ بِهَا فَمَنْ عَرَفَهُ حَقَّ الْمَعْرِفَةِ الْمُمْكِنَةِ لِلْعَالِمِ سَمَّاهُ وَلَمْ يَصِفْهُ قَالَ وَلَمْ يَرِدْ لَنَا خَبَرٌ فِي الصِّفَاتِ إلَى أَنْ قَالَ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الصافات: 180] فَنَزَّهَ نَفْسَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَنْ الصِّفَةِ لَا عَنْ الِاسْمِ فَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِالِاسْمِ لَا بِالصِّفَةِ كَمَا فِي يَوَاقِيتِ الشَّعْرَانِيِّ أَوَاخِرَ الْمَبْحَثِ الْحَادِي عَشَرَ فَتَأَمَّلْ بِتَدْقِيقٍ فَهُوَ غَايَةُ التَّحْقِيقِ.
(الْقِسْمُ الثَّالِثُ)
فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ إرَادَةُ الْإِحْسَانِ لِمَنْ وُصِفَ بِذَلِكَ مِنْ الْخَلْقِ فِي صِفَةِ الرَّحْمَةِ وَنَحْوِهَا وَإِرَادَةُ الْعُقُوبَةِ لِمَنْ وُصِفَ بِذَلِكَ مِنْ الْخَلْقِ فِي لَفْظِ الْغَضَبِ وَنَحْوِهِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ رضي الله عنه الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعَامِلُهُمْ مُعَامَلَةَ الرَّاحِمِ وَالْغَضْبَانِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ فِي الْأَوَّلِ الْإِحْسَانُ نَفْسُهُ وَفِي الثَّانِي الْعِقَابُ نَفْسُهُ فَغَضَبُ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ الشَّيْخِ إرَادَتُهُ الْعِقَابَ وَعِنْدَ الْقَاضِي الْعِقَابُ وَكَذَلِكَ الرَّحْمَةُ هَلْ هِيَ إرَادَةُ الْإِحْسَانِ أَوْ الْإِحْسَانُ نَفْسُهُ وَرِضَاهُ تَعَالَى إرَادَةُ الْإِحْسَانِ أَوْ يُعَامِلُهُمْ مُعَامَلَةَ الرَّاضِي فَيُحْسِنُ إلَيْهِمْ أَيْ يَفْعَلُ بِهِمْ ذَلِكَ وَمَحَبَّتُهُ إرَادَةُ الْإِحْسَانِ فِي قَوْله تَعَالَى {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54] وَالْإِحْسَانُ نَفْسُهُ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ تَتَخَرَّجُ عَلَى هَذَيْنِ الْمَذْهَبَيْنِ وَقَدْ وَرَدَ الرِّضَى بِمَعْنًى ثَالِثٍ يَرْجِعُ إلَى الْكَلَامِ الْقَدِيمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر: 7] أَيْ لَا يَشْرَعُهُ دِينًا لِلْعِبَادِ وَشَرْعُهُ تَعَالَى كَلَامُهُ الْقَدِيمُ وَفِي الْقُرْآنِ مَوَاضِعُ يَتَعَيَّنُ فِيهَا مَذْهَبُ الشَّيْخِ وَمَوَاضِعُ يَتَعَيَّنُ فِيهَا مَذْهَبُ الْقَاضِي وَمَوَاضِعُ تَحْتَمِلُ الْمَذْهَبَيْنِ فَالْأَوَّلُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} [غافر: 7] فَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْإِرَادَةِ لِأَنَّ الْوُسْعَ عِبَارَةٌ عَنْ عُمُومِ التَّعَلُّقِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا اقْتِرَانُهَا بِالْعِلْمِ وَإِنَّ وُسْعَ الرَّحْمَةِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ إرَادَةُ الْإِحْسَانِ لِمَنْ وُصِفَ بِذَلِكَ مِنْ الْخَلْقِ فِي صِفَةِ الرَّحْمَةِ وَنَحْوِهَا إلَى قَوْلِهِ وَبَقِيَّةُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ تَتَخَرَّجُ عَلَى هَذَيْنِ الْمَذْهَبَيْنِ) قُلْت مَا قَالَهُ وَحَكَاهُ صَحِيحٌ قَالَ (وَقَدْ رَدَّ الْقَاضِي بِمَعْنًى ثَالِثٍ يَرْجِعُ إلَى الْكَلَامِ الْقَدِيمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر: 7] أَيْ لَا يَشْرَعُهُ تَعَالَى دِينًا لِلْعِبَادِ وَشَرْعُهُ تَعَالَى كَلَامُهُ) قُلْت لَيْسَ شَرْعُ اللَّهِ تَعَالَى كَلَامَهُ بَلْ شَرْعُهُ مُقْتَضَى كَلَامِهِ وَهُوَ الْأَحْكَامُ وَهِيَ الَّتِي يَلْحَقُهَا النَّسْخُ إلَى بَدَلٍ وَإِلَى غَيْرِ بَدَلٍ وَكَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي هُوَ صِفَةُ ذَاتِهِ لَا يَصِحُّ نَسْخُهُ لَا لِبَدَلٍ وَلَا لِغَيْرِ بَدَلٍ فَالْأَظْهَرُ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر: 7] لَيْسَ رَاجِعًا إلَى الْكَلَامِ الْقَدِيمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ (وَفِي الْقُرْآنِ مَوَاضِعُ يَتَعَيَّنُ فِيهَا مَذْهَبُ الشَّيْخِ وَمَوَاضِعُ يَتَعَيَّنُ فِيهَا مَذْهَبُ الْقَاضِي وَمَوَاضِعُ تَحْتَمِلُ الْمَذْهَبَيْنِ فَالْأَوَّلُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى رَبَّنَا وَسِعْت كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَهَذَا ظَاهِرُهُ فِي الْإِرَادَةِ لِأَنَّ الْوُسْعَ عِبَارَةٌ عَنْ عُمُومِ التَّعَلُّقِ وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ اقْتِرَانُهَا بِالْعِلْمِ وَإِنَّ وُسْعَ الرَّحْمَةِ كَوُسْعِ الْعِلْمِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْإِرَادَةِ) قُلْت لَيْسَ كَلَامُهُ هُنَا بِصَحِيحٍ فَإِنَّهُ قَالَ هَذَا مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَتَعَيَّنُ فِيهَا مَذْهَبُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ وَقَالَ إنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْإِرَادَةِ وَالظَّاهِرُ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا حَيْثُ يَسُوغُ اسْتِعْمَالُ الظَّوَاهِرِ وَذَلِكَ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَيْسَ هَذَا مِنْهَا وَقَالَ إنَّ وُسْعَ الرَّحْمَةِ كَوُسْعِ الْعِلْمِ بَعْدَ تَفْسِيرِ الْوُسْعِ بِعُمُومِ التَّعَلُّقِ وَلَيْسَ تَعَلُّقُ الْإِرَادَةِ كَتَعَلُّقِ الْعِلْمِ فَإِنَّ الْعِلْمَ يَتَعَلَّقُ بِالْوَاجِبِ وَالْجَائِزِ وَالْمُحَالِ وَالْإِرَادَةُ لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِالْجَائِزِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
مَا اخْتَلَفَ فِي وُجُوبِ تَوْحِيدِ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ وَعَدَمِ وُجُوبِهِ مِنْ التَّعْظِيمِ بِالْقَسَمِ أَوْ الْإِقْسَامِ (وَهَذَا الْقِسْمُ) هُوَ الْمُتَعَلِّقُ بِالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ فَلِأَجْلِهِ سِيقَ الْفَرْقُ أَمَّا الْقَسَمُ فَفِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِحَفِيدِ بْنِ رُشْدٍ مَعَ زِيَادَتِهِ مِنْ الْأَصْلِ اتَّفَقَ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْأَشْيَاءَ مِنْهَا مَا يَجُوزُ فِي الشَّرْعِ أَنْ يُقْسَمَ بِهِ وَمِنْهَا مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُقْسَمَ بِهِ وَاخْتَلَفُوا أَيُّ الْأَشْيَاءِ هِيَ الْمُتَّصِفَةِ بِالْجَوَازِ وَالْمُتَّصِفَةُ بِعَدَمِهِ فَقَالَ قَوْمٌ إنَّ الْحَلِفَ الْمُبَاحَ فِي الشَّرْعِ هُوَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ وَأَنَّ الْحَالِفَ بِغَيْرِ اللَّهِ عَاصٍ وَعَلَيْهِ قَوْلُ أَبِي الْحَسَنِ اللَّخْمِيِّ الْحَلِفُ بِالْمَخْلُوقَاتِ كَالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَمْنُوعٌ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَعَالَى اهـ.
وَقَالَ قَوْمٌ بَلْ يَجُوزُ الْحَلِفُ بِكُلِّ مُعَظَّمٍ بِالشَّرْعِ وَعَلَيْهِ قَوْلُ أَبِي الْوَلِيدِ بْنِ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ الْحَلِفُ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى وَمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى مُحَرَّمٌ لِأَنَّهُ تَعْظِيمٌ وَتَعْظِيمُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَدْ يَكُونُ كُفْرًا وَأَقَلُّهُ التَّحْرِيمُ وَبِمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ كَالرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَالْكَعْبَةِ وَالْآبَاءِ مَكْرُوهٌ اهـ.
وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه وَاَلَّذِينَ قَالُوا إنَّ الْأَيْمَانَ الْمُبَاحَةَ هِيَ الْأَيْمَانُ بِاَللَّهِ تَعَالَى اتَّفَقُوا عَلَى إبَاحَةِ الْأَيْمَانِ بِأَسْمَائِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَيْمَانِ الَّتِي بِصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْمُعَظَّمَةِ بِالشَّرْعِ أَنَّ ظَاهِرَ الْكِتَابِ حَيْثُ حَلَفَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْكِتَابِ بِالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ السَّائِلِ عَمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ «أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إنْ صَدَقَ» فَقَدْ حَلَفَ عليه الصلاة والسلام بِأَبِي الْأَعْرَابِيِّ وَهُوَ مَخْلُوقٌ مُعَارِضَانِ لِمَا فِي مُسْلِمٍ قَالَ صلى الله عليه وسلم «أَلَا إنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُت» فَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ حَدِيثِ مُسْلِمٍ وَبَيْنَ الْكِتَابِ وَحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ بِقَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ إمَّا مُضَافٌ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ وَرَبِّ النَّجْمِ وَرَبِّ السَّمَاءِ وَالطَّارِقِ.
وَكَذَا الْبَوَاقِي فَمَا وَقَعَ الْحَلِفُ إلَّا بِاَللَّهِ تَعَالَى دُونَ خَلْقِهِ وَإِمَّا أَنَّ إقْسَامَهُ تَعَالَى بِهَا تَنْبِيهٌ لِعِبَادِهِ عَلَى عَظَمَتِهَا عِنْدَهُ فَيُعَظِّمُونَهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْحَجْرِ عَلَى الْخَلْقِ فِي شَيْءٍ أَنْ يَثْبُتَ ذَلِكَ الْحَجْرُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ الْمَلِكُ عَلَى الْإِطْلَاقِ يَأْمُرُ بِمَا يَشَاءُ
كَوُسْعِ الْعِلْمِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْإِرَادَةِ.
وَأَمَّا مَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ مَذْهَبُ الْقَاضِي فَقَوْلُهُ تَعَالَى {هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي} [الكهف: 98] إشَارَةٌ إلَى السَّدِّ وَهُوَ إحْسَانٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَا إرَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى الْقَدِيمَةُ وَأَمَّا مَا يَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2]{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 3] يَحْتَمِلُ فِي الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَنَّهُ يُرِيدُ الْإِحْسَانَ أَوْ الْإِحْسَانَ نَفْسَهُ يَحْتَمِلُ الْمَذْهَبَيْنِ لِعَدَمِ الْقَرِينَةِ وَمَذْهَبُ الشَّيْخِ أَقْرَبُ مِنْ مَذْهَبِ الْقَاضِي رضي الله عنهما وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الرَّحْمَةَ الَّتِي وُضِعَ اللَّفْظُ بِإِزَائِهَا وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِيهَا هِيَ رِقَّةُ الطَّبْعِ.
وَإِذَا رَقَّ طَبْعُك عَلَى إنْسَانٍ فَإِنْ هَذِهِ الرِّقَّةَ فِي الْقَلْبِ يَلْزَمُهَا أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا إرَادَةُ الْإِحْسَانِ إلَيْهِ وَالثَّانِي الْإِحْسَانُ نَفْسُهُ فَهُمَا لَازِمَانِ لِلرِّقَّةِ الَّتِي هِيَ حَقِيقَةُ اللَّفْظِ وَالتَّعْبِيرُ بِلَفْظِ اللُّزُومِ عَنْ اللَّازِمِ مَجَازٌ عُرْفِيٌّ شَائِعٌ فَلِذَلِكَ تَجَوَّزَ الْعُلَمَاءُ إلَيْهَا غَيْرَ أَنَّ إرَادَةَ الْإِحْسَانِ أَلْزَمُ لِلرِّقَّةِ فَإِنَّ كُلَّ مَنْ رَحِمْته وَأَحْسَنْت إلَيْهِ فَقَدْ أَرَدْت الْإِحْسَانَ إلَيْهِ وَقَدْ تُرِيدُ الْإِحْسَانَ وَتَقْصُرُ قُدْرَتُك عَنْ الْإِحْسَانِ إلَيْهِ فَالْإِرَادَةُ أَكْثَرُ لُزُومًا لِلرِّقَّةِ وَإِذَا قَوِيَتْ الْعَلَاقَةُ كَانَ مَجَازُهَا أَرْجَحَ فَمَجَازُ الشَّيْخِ أَرْجَحُ لِأَنَّهُ الْإِرَادَةُ فَإِنْ قُلْنَا بِمَذْهَبِ الشَّيْخِ كَانَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ قَدِيمَةً يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهَا وَيَلْزَمُ بِهَا الْكَفَّارَةُ أَوْ عَلَى مَذْهَبِ الْقَاضِي كَانَتْ مُحْدَثَةً لَا يَلْزَمُ بِهَا كَفَّارَةٌ وَيُنْهَى عَنْ الْحَلِفِ بِهَا (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ ابْنُ يُونُسَ الْحَالِفُ بِرِضَى اللَّهِ تَعَالَى وَرَحْمَتِهِ وَسَخَطِهِ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ يَعْنِي لِأَنَّهُ كَرَّرَ الْحَلِفَ بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الْإِرَادَةُ فَتَجِبُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفُتْيَا بِطَرِيقَةِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ فِي حَمْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ عَلَى الْإِرَادَةِ وَأَنَّهُ إذَا جَمَعَ بَيْنَ عَشَرَةٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ لَا تَجِبُ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ بِخِلَافِ قَوْلِهِ وَعِلْمِ اللَّهِ وَقُدْرَةِ اللَّهِ وَإِرَادَةِ اللَّهِ وَعِزَّةِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَخْتَلِفُ فِيهِ هَلْ تَتَعَدَّدُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِتَغَايُرِ الصِّفَاتِ الْمَحْلُوفِ بِهَا أَوْ تَتَّحِدُ الْكَفَّارَةُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَاعِدَةَ الْأَيْمَانِ التَّأْكِيدُ حَتَّى يُرِيدَ الْإِنْشَاءَ بِخِلَافِ تَكْرِيرِ الطَّلَاقِ الْأَصْلُ فِيهِ الْإِنْشَاءُ حَتَّى يُرِيدَ التَّأْكِيدَ أَوْ قَاعِدَةُ الْجَمِيعِ الْإِنْشَاءُ حَتَّى يُرِيدَ التَّأْكِيدَ وَهَذَا هُوَ الْأَنْظَرُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (وَأَمَّا مَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ مَذْهَبُ الْقَاضِي فَقَوْلُهُ تَعَالَى {هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي} [الكهف: 98] إشَارَةٌ إلَى السَّدِّ وَهُوَ الْإِحْسَانُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَا إرَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى الْقَدِيمَةُ) قُلْت وَكَلَامُهُ هُنَا أَيْضًا لَيْسَ بِالْجَيِّدِ فَإِنَّ الْمَوْضِعَ مُحْتَمِلٌ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فِيمَا قَالَهُ فَأَيْنَ تَعَيُّنُ مَذْهَبِ الْقَاضِي مَعَ قِيَامِ الِاحْتِمَالِ.
قَالَ (وَأَمَّا مَا يَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 3] إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ وَمَا رَجَّحَ بِهِ مَذْهَبَ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَمَا قَالَهُ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ إلَى قَوْلِهِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ ظَاهِرٌ أَيْضًا
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَيَحْكُمُ بِمَا يُرِيدُ مِنْ غَيْرِ اعْتِرَاضٍ وَلَا نَكِيرٍ فَيُحَرِّمُ عَلَى عِبَادِهِ مَا يَشَاءُ دُونَ أَنْ يُحَرِّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَحَدِيثُ الْأَعْرَابِيِّ إمَّا أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ مُسْلِمٍ وَإِمَّا أَنَّ لَفْظَةَ وَأَبِيهِ فِيهِ لَمْ يُقْصَدْ بِهَا الْحَلِفُ بَلْ التَّوْطِئَةُ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِمْ قَاتَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَا أَشْجَعَهُ وَقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام لِعَائِشَةَ رضي الله عنها «تَرِبَتْ يَدَاك وَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ» فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَالْعَرَبَ لَمْ يُرِيدُوا الدُّعَاءَ بِالْقَتْلِ وَلَا بِالْفَقْرِ الَّذِي يَكُنِّي عَنْهُ بِالْإِلْصَاقِ بِالتُّرَابِ تَقُولُ الْعَرَبُ الْتَصَقَتْ يَدُهُ بِالْأَرْضِ وَبِالتُّرَابِ إذَا افْتَقَرَ وَإِنَّمَا أَرَادُوا تَوْطِئَةَ الْكَلَامِ أَوْ إنَّهَا لَيْسَتْ فِي الْمُوَطَّإِ وَإِنَّمَا فِيهِ أَفْلَحَ إنْ صَدَقَ وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ فِي رِوَايَتِهِ اُخْتُلِفَ فِي قَبُولِهَا قَالَ الْأَيْمَانُ الْمُبَاحَةُ هِيَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِقَوْلِهِ الْمَقْصُودُ بِحَدِيثِ مُسْلِمٍ إنَّمَا هُوَ أَنْ لَا يُعَظِّمَ مَنْ لَمْ يُعَظِّمْ الشَّرْعُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِيهِ «أَلَا إنَّ اللَّهَ نَهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ» وَأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْخَاصِّ أُرِيدَ بِهِ الْعَامُّ أَجَازَ الْحَلِفَ بِكُلِّ مُعَظَّمٍ فِي الشَّرْعِ فِي سَبَبِ اخْتِلَافِهِمْ هُوَ اخْتِلَافُهُمْ فِي بِنَاءِ الْآيَةِ وَحَدِيثِ مُسْلِمٍ اهـ.
وَعَلَى الْجَمْعِ الْأَوَّلِ اقْتَصَرَ الْعَلَّامَةُ الْأَمِيرُ حَيْثُ قَالَ فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَحَرُمَ حَلِفٌ بِغَيْرِ اللَّهِ مَا نَصُّهُ وَإِقْسَامُ اللَّهِ تَعَالَى بِالنَّجْمِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُقْسِمَ بِمَا شَاءَ وَبِأَسْرَارِهِ الَّتِي يَعْلَمُهَا فِي أَفْعَالِهِ تَنْبِيهًا عَلَى عَظَمَتِهَا وَلِسَرَيَانِ سِرِّ الْحَقِّ فِيهَا مِنْ غَيْرِ حُلُولٍ وَلَا اتِّحَادٍ فَإِنَّهَا مَظَاهِرُهُ مَعَ تَنَزُّهِهِ كَمَا يُعْلَمُ وَنَحْنُ لِوُقُوفِنَا عَلَى ظَاهِرِهَا وَحَبْسِنَا مَعَ غَيْرِيَّتِهَا نُهِينَا وَلَمَّا ذَاقَ مَنْ ذَاقَ شَيْئًا مِنْ وَحْدَةِ الْوُجُودِ فَأَطْلَقَ لِسَانَهُ حَصَلَ لَهُ مَا حَصَلَ وَلِذَلِكَ يُشِيرُ {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} [الواقعة: 75]{وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} [الواقعة: 76] أَيْ لَوْ تَعْلَمُونَ سَرَيَانَ سِرِّ الْحَقِّ فِيهَا وَأَنَّهَا مَظَاهِرُهُ وَلَمَّا كَانَ هُوَ الْعَالِمُ بِذَلِكَ أَقْسَمَ تَارَةً بِهَا وَتَارَةً بِفَاعِلِيَّتِهِ لَهَا فَقَالَ {وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} [الليل: 2]{وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} [الليل: 3] وَتَارَةً جَمَعَ الْأَمْرَيْنِ فَقَالَ {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} [الشمس: 5]{وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا} [الشمس: 6]{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} [الشمس: 7]{فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: 8] .
وَلِلَّهِ دَرُّ الْجُزُولِيِّ حَيْثُ قَالَ فِي الْأَقْسَامِ الاستعطافية فِي دَلَائِلِ الْخَيْرَاتِ وَبِالِاسْمِ الَّذِي وَضَعْته عَلَى اللَّيْلِ فَأَظْلَمَ وَعَلَى النَّهَارِ فَاسْتَنَارَ إلَى مَا آخِرِ مَا قَالَ فَالْوَضْعُ مَعْنَوِيٌّ أَيْ إنَّ هَذِهِ
وَاعْلَمْ أَنَّ الْفُتْيَا بِإِلْزَامِ الْكَفَّارَةِ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَلَى مَا يَقُلْهُ ابْنُ يُونُسَ إنْ لَمْ يُقَيَّدْ بِأَنَّهُ نَوَى إرَادَةَ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ فِي أُمُورٍ مُحْدَثَةٍ لَا تُوجِبُ كَفَّارَةً.
وَإِنَّمَا حُمِلَتْ عَلَى هَذِهِ الْإِرَادَةِ الْقَدِيمَةِ مَجَازًا وَلَمْ تَشْتَهِرْ فِي الْإِرَادَةِ حَتَّى صَارَتْ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِي الْإِرَادَةِ بَلْ مَجَازٌ خَفِيٌّ دَلَّ الدَّلِيلُ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ عَلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ بِاللَّفْظِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْأَلْفَاظَ لَا تَنْصَرِفُ لِمَجَازَاتِهَا الْخَفِيَّةِ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَزَالُ مُنْصَرِفًا إلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ دُونَ مَجَازِهِ الْمَرْجُوحِ حَتَّى تَصْرِفَهُ نِيَّةُ الْمَجَازِ الْمَرْجُوحِ فَإِلْزَامُ الْكَفَّارَةِ بِمُجَرَّدِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ أَرَادَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ صِفَةً قَدِيمَةً لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَإِلَّا فَلَا (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) إذَا قِيلَ لَك رَحْمَةُ اللَّهِ وَغَضَبُهُ قَائِمَانِ بِذَاتِهِ أَمْ لَا وَهَلْ هُمَا وَاجِبَا الْوُجُودِ أَمْ لَا وَهَلْ كَانَا فِي الْأَزَلِ أَمْ لَا وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْئِلَةِ فَخَرِّجْ جَوَابَكَ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَسْئِلَةِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَلَى مَذْهَبِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ وَعَلَى مَذْهَبِ الْقَاضِي فَعَلَى مَذْهَبِ الشَّيْخِ تَقُولُ قَائِمَانِ بِذَاتِهِ وَاجِبَا الْوُجُودِ أَزَلِيَّانِ صِفَتَانِ لِلَّهِ تَعَالَى وَعَلَى مَذْهَبِ الْقَاضِي تَقُولُ لَيْسَا قَائِمَيْنِ بِذَاتِهِ بَلْ مُمْكِنَانِ مَخْلُوقَانِ حَادِثَانِ لَيْسَا بِأَزَلِيَّيْنِ.
وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَا يَرِدُ مِنْ هَذِهِ الْأَسْئِلَةِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) مُقْتَضَى مَا قَالَهُ مَالِكٌ رحمه الله فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ مِيثَاقُ اللَّهِ وَكَفَالَتُهُ أَنَّهُ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ أَنَّهُ إذَا قَالَ هَاهُنَا عَلَيَّ رِزْقُ اللَّهِ أَوْ خَلْقُهُ أَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (وَاعْلَمْ أَنَّ الْفُتْيَا بِإِلْزَامِ الْكَفَّارَةِ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَلَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ إنْ لَمْ يُقَيِّدْ بِأَنَّهُ نَوَى إرَادَةَ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ فِي أُمُورٍ مُحْدَثَةٍ لَا تُوجِبُ كَفَّارَةً إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْت لَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ اللَّفْظَ وَإِنْ سُلِّمَ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي أُمُورٍ مُحْدَثَةٍ مَجَازٌ غَيْرُ غَالِبٍ فِي الصِّفَةِ الْقَدِيمَةِ فَقَرِينَةُ الْحَلِفِ بِهِ كَافِيَةٌ فِي حَمْلِهِ عَلَى الْمَجَازِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ إلَى آخِرِهَا) قُلْت لَيْسَ مَا قَالَهُ فِيمَا إذَا وَقَعَ التَّخْرِيجُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ بِمُسْتَقِيمٍ لِقَوْلِهِ تَقُولُ قَائِمًا بِذَاتِهِ وَاجِبًا الْوُجُودَ أَزَلِيَّانِ لِأَنَّ الرَّحْمَةَ عَلَى مَذْهَبِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ إرَادَةُ الثَّوَابِ وَالْغَضَبَ إرَادَةُ الْعِقَابِ وَالْإِرَادَةُ وَاحِدَةٌ لَا تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ مُتَعَلِّقِهَا كَإِرَادَتِنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ.
(الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ مُقْتَضَى مَا قَالَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ مِيثَاقُ اللَّهِ وَكَفَالَتُهُ أَنَّهُ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ أَنَّهُ إذَا قَالَ هَاهُنَا عَلَيَّ رِزْقُ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ خَلْقُهُ أَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) قُلْت لَيْسَ مَا قَالَهُ عِنْدِي بِصَوَابٍ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ عَلَيَّ مِيثَاقُ اللَّهِ فَمُقْتَضَاهُ عَلَيَّ يَمِينٌ فَتَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَإِذَا قَالَ عَلَيَّ رِزْقُ اللَّهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِذَلِكَ الْكَفَّارَةَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمِيثَاقَ وَنَحْوَهُ جَرَى الْعُرْفُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْيَمِينُ وَرِزْقُ اللَّهِ وَنَحْوُهُ لَمْ يَجْرِ عُرْفٌ بِذَلِكَ وَلَيْسَ قَوْلُ الْقَائِلِ عَلَيَّ رِزْقُ اللَّهِ كَقَوْلِهِ عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمٍ لِأَنَّ رِزْقَ اللَّهِ لَيْسَ اسْمًا لِطَاعَتِهِ فَيَلْزَمُ نَذْرُهَا وَصَوْمُ يَوْمٍ اسْمٌ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
مَظَاهِرُ تَجَلِّيهِ وَنُكْتَةٌ أُخْرَى إنَّمَا نُهِينَا عَنْ الْحَلِفِ بِغَيْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ مُشَابَهَةِ الْمُشْرِكِينَ فِي حَلِفِهِمْ بِأَسْمَاءِ آلِهَتِهِمْ وَهَذَا فِي إقْسَامِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَكُونُ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ يُقَدِّرُ مُضَافًا أَيْ وَرَبِّ النَّجْمِ وَلِلزَّمَخْشَرِيِ أَنَّ ذَلِكَ خَرَجَ عَنْ حَقِيقَةِ الْقَسَمِ إلَى مُجَرَّدِ تَوْكِيدِ الْكَلَامِ وَحَمَلَ الْقَرَافِيُّ عَلَى ذَلِكَ «قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم لِلْأَعْرَابِيِّ الَّذِي سَأَلَهُ عَمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ لَا أَنْقُصُ وَلَا أَزِيدُ أَفْلَحَ إنْ صَدَقَ وَأَبِيهِ» نَظِيرُ قَوْلِهِ لِعَائِشَةَ تَرِبَتْ يَمِينُك وَقَوْلِهِمْ قَاتَلَهُ اللَّهُ مَا أَكْرَمَهُ اُنْظُرْ ح اهـ.
وَأَمَّا سَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي مَنْعِ الْحَلِفِ بِصِفَاتِ اللَّهِ وَبِأَفْعَالِهِ فَهُوَ كَمَا فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ اخْتِلَافُهُمْ فِي أَنَّهُ هَلْ يُقْتَصَرُ بِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَلَى مَا جَاءَ مِنْ تَعْلِيقِ الْحُكْمِ فِيهِ بِالِاسْمِ فَلَا يَتَعَدَّاهُ إلَى الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ أَوْ يَتَعَدَّاهُ إلَيْهِمَا لَكِنْ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ فِي الْحَدِيثِ بِالِاسْمِ فَقَطْ جُمُودٌ كَثِيرٌ وَهُوَ أَشْبَهُ بِمَذْهَبِ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَإِنْ كَانَ مَرْوِيًّا فِي الْمَذْهَبِ حَكَاهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ فَالْقَوْلُ بِمَنْعِ الْحَلِفِ بِصِفَاتِ اللَّهِ وَبِأَفْعَالِهِ ضَعِيفٌ وَالْقَوْلُ بِجَوَازِهِ بِصِفَاتِ الْمَعَانِي السَّبْعَةِ كَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ وَالْعِلْمِ وَلُزُومِ الْكَفَّارَةِ بِالْحِنْثِ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَابْنِ حَنْبَلٍ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ - وَيَدُلُّ لَهُ أَيْضًا مَا فِي الْبُخَارِيِّ أَنَّ أَيُّوبَ عليه السلام قَالَ بَلَى وَعِزَّتِك لَا غِنَى لِي عَنْ بَرَكَتِك اهـ.
وَأَمَّا الْحَلِفُ بِصِفَاتِ الْأَفْعَالِ فَفِي الْمَجْمُوعِ وَشَرْحِهِ وَحَاشِيَتِهِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْيَمِينَ لَا يَنْعَقِدُ بِنَحْوِ الْإِمَاتَةِ وَالْإِحْيَاءِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُلَاحَظَ الْمَذْهَبُ الْمَاتُرِيدِيُّ وَهُوَ أَنَّ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ قَدِيمَةٌ تَرْجِعُ إلَى صِفَةِ التَّكْوِينِ أَوْ يُرِيدُ مَصْدَرَهَا وَمُنْشَأَهَا وَهُوَ الْقُدْرَةُ أَوْ الِاقْتِدَارُ الرَّاجِعُ لِلصِّفَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ أَيْ كَوْنُهُ قَادِرًا إذْ الْمَعْنَوِيَّةُ يَنْعَقِدُ بِهَا جَزْمًا وَلَا عِبْرَةَ بِتَنْظِيرِ ابْنِ عَرَفَةَ فِيهَا فَقَدْ رَدَّهُ تِلْمِيذُهُ الْأَبِيُّ كَمَا فِي الرَّمَاصِيِّ وَالْبَنَّانِيِّ وَلَا نَظَرَ إلَى كَوْنِهَا لَيْسَتْ مَعَانِيَ مَوْجُودَةً خِلَافًا لِلْبُنَانِيِّ تَبَعًا لِابْنِ عَاشِرٍ فِي عَدَمِ الِانْعِقَادِ بِالسُّلُوبِ لِذَلِكَ فَإِنَّهَا تَنْعَقِدُ بِالصِّفَةِ النَّفْسِيَّةِ وَلَيْسَتْ مَعْنًى مَوْجُودًا عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى أَنَّ وُجُودَ صِفَاتِ الْمَعَانِي أَعْنِي كَوْنَهَا مَعْنًى مَوْجُودًا فِيهِ خِلَافٌ طَوِيلٌ فِي كُتُبِ الْكَلَامِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ هَذَا الْفَرْقِ وَإِنْ قَالَ بِهِ
فَإِنَّ الْمُدْرَكَ هُنَاكَ إنْ كَانَ هُوَ أَنَّ الْعُرْفَ نَقَلَهَا لِنَذْرِ الْكَفَّارَةِ فِي زَمَانِهِ رضي الله عنه فَصَارَ النُّطْقُ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ نَذْرًا لِلْكَفَّارَةِ فَتَلْزَمُهُ بِالنَّذْرِ لَا بِالْحَلِفِ لِأَنَّهُ هُوَ مُقْتَضَى لَفْظِ عَلَيَّ فَإِنَّهَا لَا تُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي النَّذْرِ وَنَحْوِهِ وَلَيْسَتْ مِنْ حُرُوفِ الْقَسَمِ إجْمَاعًا بَلْ مِنْ حُرُوفِ اللُّزُومِ وَالنَّذْرِ كَقَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمٍ وَصَدَقَةُ دِينَارٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ يَلْزَمُهُ هُنَا إذَا وُجِدَ عُرْفٌ فِي رِزْقِ اللَّهِ وَخَلْقِهِ وَأَنَّهُ صَارَ قَوْلُهُ عَلَيَّ رِزْقُ اللَّهِ أَنَّهُ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ مِنْ رِزْقِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِبَعْضِ خَلْقِهِ مِنْ نَبَاتٍ أَوْ جَمَادٍ أَوْ حَيَوَانٍ مِمَّا يُسَوِّغُ التَّصَدُّقَ بِهِ كَالْبَقَرَةِ وَالْغَنَمِ وَنَحْوِهِمَا وَأَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ إنْ وُجِدَ فِي الْعُرْفِ الْمُوجِبِ لِنَقْلِهِمَا لِلنَّذْرِ لَزِمَ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْعُرْفُ النَّاقِلُ لِلنَّذْرِ لَمْ يَلْزَمْ وَكَذَلِكَ إذَا وُجِدَ عُرْفٌ يُوجِبُ النَّقْلَ لِنَذْرِ غَيْرِ الْكَفَّارَةِ يَجِبُ ذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي نَقَلَ الْعُرْفُ اللَّفْظَ إلَيْهِ فَيَجِبُ وَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بَلْ يَدُورُ مَعَ الْعُرْفِ كَيْفَمَا دَارَ وَإِنْ كَانَ الْمُدْرَكُ النِّيَّةَ فَتَصِحُّ أَيْضًا فِي خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَرِزْقِهِ أَنْ يَنْوِيَ بِهِمَا إرَادَةَ الْخَلْقِ وَإِرَادَةَ الرِّزْقِ الْإِرَادَةَ الْقَدِيمَةَ فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ إنْ كَانَ نَوَى الْحَلِفَ أَوْ النَّذْرَ إنْ كَانَ نَوَى بَعْضَ الْمَنْدُوبَاتِ مِنْ الْأَفْعَالِ.
وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَالْمَسْأَلَتَانِ سَوَاءٌ وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُدْرَكُ الْعُرْفَ النَّاقِلَ فَلَا بُدَّ مِنْ النَّقْلِ فِي لَفْظَةِ عَلَيَّ إلَى الْقَسَمِ فَتَكُونُ بِمَعْنَى الْبَاءِ وَالْوَاوِ وَحُرُوفِ الْقَسَمِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (فَإِنَّ الْمُدْرِكَ هُنَالِكَ إنْ كَانَ هُوَ أَنَّ الْعُرْفَ نَقَلَهَا لِنَذْرِ الْكَفَّارَةِ فِي زَمَانٍ فَصَارَ النُّطْقُ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ نَذْرًا لِلْكَفَّارَةِ فَتَلْزَمُهُ بِالنَّذْرِ لَا بِالْحَلِفِ إلَى قَوْلِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ) قُلْت مَا تَأَوَّلَهُ مِنْ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ عَلَيَّ مِيثَاقُ اللَّهِ جَرَى فِيهِ عُرْفٌ بِنَذْرِ الْكَفَّارَةِ مُجَرَّدَ تَوَهُّمٍ لَا حُجَّةَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ عِنْدِي كَمَا تَوَهَّمَ بَلْ قَوْلُ الْقَائِلِ عَلَيَّ مِيثَاقُ اللَّهِ جَرَى فِيهِ الْعُرْفُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْيَمِينُ الَّتِي شَرَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَجَعَلَهَا مِيثَاقًا بَيْنَ عِبَادِهِ فَلُزُومُ الْكَفَّارَةِ لَيْسَ بِنَذْرِ الْكَفَّارَةِ بَلْ بِالْتِزَامِ الْيَمِينِ.
قَالَ (فَكَذَلِكَ يَلْزَمُهُ هُنَا إذَا وَجَدَ عُرْفَهُ فِي رِزْقِ اللَّهِ وَخَلْقِهِ وَأَنَّهُ صَارَ قَوْلُهُ عَلَيَّ رِزْقُ اللَّهِ أَنَّهُ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ مِنْ رِزْقِ اللَّهِ إلَى قَوْلِهِ بَلْ يَدُورُ مَعَ الْعُرْفِ كَيْفَمَا دَارَ) قُلْت صَدَرَ كَلَامُهُ بِالْعُرْفِ فِي نَذْرِ الْكَفَّارَةِ ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْعُرْفِ فِي نَذْرِ شَيْءٍ مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَهَذَا الَّذِي خَرَجَ إلَيْهِ أَجْنَبِيٌّ عَنْ مَسْأَلَةِ مَالِكٍ رحمه الله فَإِنَّهُ أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ فِي قَوْلِ الْقَائِلِ عَلَيَّ مِيثَاقُ اللَّهِ وَنَحْوُهُ وَمَا قَالَ مِنْ أَنَّهُ يَدُورُ مَعَ الْعُرْفِ كَيْفَمَا دَارَ صَحِيحٌ إذَا ثَبَتَ عُرْفٌ.
قَالَ (وَإِنْ كَانَ الْمُدْرَكُ النِّيَّةَ فَتَصِحُّ أَيْضًا فِي خَلْقِ اللَّهِ وَرِزْقِهِ إلَى قَوْلِهِ إنْ كَانَ نَوَى بَعْضَ الْمَنْذُورَاتِ مِنْ الْأَفْعَالِ) قُلْت مَا قَالَهُ هُنَا صَحِيحٌ قَالَ (وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَالْمَسْأَلَتَانِ سَوَاءٌ) قُلْت قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُمَا لَيْسَتَا سَوَاءً قَالَ (وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُدْرَكُ الْعُرْفَ النَّاقِلَ فَلَا بُدَّ مِنْ النَّقْلِ فِي لَفْظِ عَلَيَّ إلَى الْقَسَمِ فَتَكُونُ بِمَعْنَى الْبَاءِ وَالْوَاوِ وَحُرُوفِ الْقَسَمِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْمُحَقِّقُونَ نَعَمْ نَظَرَ عج فِي غَيْرِ الْقِدَمِ وَالْوَحْدَانِيَّةِ مِنْ صِفَاتِ السُّلُوبِ لَكِنْ اسْتَظْهَرَ شَيْخُنَا الِانْعِقَادَ أَيْ لِأَنَّ مَنْ أَنْكَرَهَا يَكْفُرُ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ بِمُخَالَفَتِهِ لِلْحَوَادِثِ لَا بِمُخَالَفَةِ الْحَوَادِثِ لَهُ عَلَى الظَّاهِرِ وَإِنْ تَلَازَمَا لِأَنَّ الْمُلَاحَظَ فِي الْأَوَّلِ ارْتِفَاعُ مَجْدِهِ وَتَقَدُّسِهِ عَنْ مُشَابَهَتِهِمْ وَهُوَ صِفَةٌ لَهُ وَفِي الثَّانِي انْحِطَاطُهُمْ عَنْ مُشَابَهَتِهِ وَقُصُورِهِمْ عَنْهَا وَهُوَ لَيْسَ صِفَةً اهـ.
وَمَا فِي الْجَوَاهِرِ لِلشَّيْخِ جَلَالِ الدِّينِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِصِفَةِ الْفِعْلِ وَلَا يَجِبُ فِيهِ كَفَّارَةٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ أُمُورٌ اعْتِبَارِيَّةٌ تَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ الْمَقْدُورِ وَأَنَّهَا حَادِثَةٌ كَمَا يَقُولُ الْأَشَاعِرَةُ وَبِالْجُمْلَةِ فَصِفَاتُ اللَّهِ وَأَسْمَاؤُهُ نَوْعَانِ نَوْعٌ يَنْعَقِدُ الْقَسَمُ بِذَاتِهِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى إرَادَةٍ وَنَوْعٌ لَا يَنْعَقِدُ الْقَسَمُ بِذَاتِهِ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى إرَادَةٍ وَسَيَأْتِي فِي الْفَرْقِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا الْفَرْقِ تَوْضِيحُ النَّوْعَيْنِ فَتَرَقَّبْ.
(وَأَمَّا الْإِقْسَامُ) أَيْ الْحَلِفُ عَلَيْهِ تَعَالَى بِغَيْرِهِ مِنْ بَعْضِ مَخْلُوقَاتِهِ بِأَنْ يُقَالَ بِحَقِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْك أَوْ بِحُرْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ إلَّا غَفَرْت لَنَا أَوْ بِحَقِّ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ إلَّا سَتَرْت عَلَيْنَا أَوْ بِحُرْمَةِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ وَالطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ إلَّا هَدَيْتنَا هَدْيَهُمْ وَسَلَكْت بِنَا سَبِيلَهُمْ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِهِ لِوُرُودِهِ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ وَمَنْعِهِ لِأَنَّهُ قَسَمٌ وَتَعْظِيمٌ بِالْقَسَمِ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ تَوَقَّفَ فِي هَذَا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَرُجِّحَ عِنْدَهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ وَبَيْنَ الْحَلِفِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِغَيْرِهِ وَقَالَ الْكُلُّ قَسَمٌ وَتَعْظِيمٌ قُلْت وَفِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ عَلَيَّ الْعَدَوِيِّ عَلَى الْخَرَشِيِّ فِي بَابِ الْيَمِينِ.
وَأَمَّا التَّوَسُّلُ بِبَعْضِ مَخْلُوقَاتِهِ فَجَائِزَةٌ وَأَمَّا الْإِقْسَامُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي الدُّعَاءِ بِبَعْضِ مَخْلُوقَاتِهِ كَقَوْلِهِ يَعْنِي الدَّاعِي بِحَقِّ مُحَمَّدٍ اغْفِرْ لَنَا فَخَاصٌّ بِهِ صلى الله عليه وسلم اهـ.
يَعْنِي إذَا لَاحَظَ الدَّاعِي جَعْلَ الْبَاءِ لِلْقَسَمِ وَإِلَّا كَانَ تَوَسُّلًا لَا إقْسَامًا يَشْهَدُ لِذَلِكَ أَمْرَانِ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ وَأَمَّا الْإِقْسَامُ إلَى آخِرِهِ الثَّانِي مَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ عَلَيَّ الْأُجْهُورِيِّ فِي فَتَاوِيهِ مِنْ أَنَّ الْعِزَّ بْنَ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ إنْ صَحَّ مَا جَاءَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَّمَ بَعْضَ النَّاسِ الدُّعَاءَ فَقَالَ لَهُ فِي أَوَّلِهِ قُلْ اللَّهُمَّ إنِّي
فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَتَكُونُ يَمِينًا أَوْ يَقَعُ النَّقْلُ فِي أَمَانَةِ اللَّهِ وَمِيثَاقِهِ وَيَكُونُ قَدْ عَبَّرَ بِهِمَا عَمَّا يَلْزَمُهُ بِسَبَبِ الْحِنْثِ فِيهِمَا وَهُوَ الْكَفَّارَةُ فَيَكُونُ نَذْرًا لِلْكَفَّارَةِ بِلَفْظِ الْمُوجِبِ لَهَا نَقْلًا عُرْفِيًّا وَيَكُونُ مَجَازًا رَابِحًا مِنْ بَابِ التَّعْبِيرِ بِالسَّبَبِ عَنْ الْمُسَبَّبِ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ مُسَبَّبَةٌ عَلَى الْحَلِفِ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ هَذَيْنِ النَّقْلَيْنِ فِيمَا قَالَهُ مَالِكٌ فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ وَمَتَى فُقِدَ النَّقْلُ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ الصَّارِفَةِ لِلنَّذْرِ أَوْ الْحَلِفِ بِالصِّفَةِ الْقَدِيمَةِ وَاسْتِعْمَالُ عَلَيَّ مَجَازٌ وَمَتَى فُقِدَ الْعُرْفُ وَالنِّيَّةُ تَعَيَّنَ أَنْ لَا يَجِبَ بِجَمِيعِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ شَيْءٌ أَلْبَتَّةَ كَمَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ عِلْمُ اللَّهِ وَعَلَيَّ سَمْعُ اللَّهِ وَبَصَرُهُ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لَا تُوجِبُ شَيْئًا إلَّا بِالنِّيَّةِ وَنَقْلٍ عُرْفِيٍّ وَلَعَلَّ الْإِمَامَ حَمَلَ ذَلِكَ عَلَى ذَلِكَ فَتَأَمَّلْ.
(الْقِسْمُ الْخَامِسُ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى) الصِّفَاتُ الْجَامِعَةُ لِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ وَهِيَ عِزَّةُ اللَّهِ وَجَلَالُهُ وَعُلَاهُ وَعَظَمَتُهُ وَكِبْرِيَاؤُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى فَإِنَّك تَقُولُ جَلَّ بِكَذَا أَوْ جَلَّ عَنْ كَذَا فَتَنْدَرِجُ فِي الْأُولَى الصِّفَاتُ الثُّبُوتِيَّةُ كُلُّهَا قَدِيمَةً أَوْ حَادِثَةً فَكَمَا جَلَّ اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمِهِ وَصِفَاتِهِ السَّبْعَةِ الَّتِي هِيَ صِفَاتُ ذَاتِهِ تَعَالَى جَلَّ أَيْضًا بِبَدَائِعِ مَصْنُوعَاتِهِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَتَكُونُ يَمِينًا) قُلْت وَمَا الْمَانِعُ أَنْ تَكُونَ يَمِينًا مِنْ غَيْرِ نَقْلٍ فِي لَفْظِ عَلَيَّ بَلْ يَبْقَى لَفْظُ عَلَيَّ مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِ نَقْلٍ وَيَكُونُ قَائِلُهُ حَالِفًا فَإِنَّ الْمِيثَاقَ مَعْنَاهُ يَمِينٌ مَا فَكَأَنَّهُ قَالَ عَلَيَّ يَمِينٌ فَلَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ إذَا حَنِثَ.
قَالَ (أَوْ يَقَعُ النَّقْلُ فِي أَمَانَةِ اللَّهِ وَمِيثَاقِهِ وَيَكُونُ قَدْ عَبَّرَ بِهِمَا عَمَّا يَلْزَمُ بِسَبَبِ الْحِنْثِ فِيهِمَا وَهُوَ الْكَفَّارَةُ إلَى مُنْتَهَى قَوْلِهِ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ مُسَبَّبَةٌ عَنْ الْحَلِفِ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ) قُلْت بَنَى كَلَامَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَنَّ الْمِيثَاقَ وَنَحْوَهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ ثُمَّ إنَّهُ هُنَا بَنَى عَلَى أَنَّهُ يَمِينٌ تَلْزَمُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ وَإِذَا كَانَ يَمِينًا تَلْزَمُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ فَمَا الْمُحْوِجُ إلَى النَّقْلِ فِيهِ وَادِّعَاءِ الْمَجَازِ الرَّاجِحِ فِيهِ هَذَا كَلَامٌ سَاقِطٌ لَا خَفَاءَ بِسُقُوطِهِ قَالَ (فَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ هَذَيْنِ النَّقْلَيْنِ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ) قُلْت قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ مِنْ ذَلِكَ بُدًّا وَاقْتَضَى كَلَامُهُ حَيْثُ قَالَ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ مُسَبَّبَةٌ عَنْ الْحَلِفِ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى نَقْلٍ وَلَا نِيَّةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ (الْقِسْمُ الْخَامِسُ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الصِّفَاتُ الْجَامِعَةُ لِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ وَهِيَ عِزُّ اللَّهِ وَجَلَالُهُ وَعُلَاهُ وَعَظَمَتُهُ وَكِبْرِيَاؤُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى فَإِنَّك تَقُولُ جَلَّ بِكَذَا وَجَلَّ عَنْ كَذَا فَتَنْدَرِجُ فِي الْأَوَّلِ الصِّفَاتُ الثُّبُوتِيَّةُ كُلُّهَا قَدِيمَةً وَمُحْدَثَةً) قُلْت هَذَا لَفْظٌ مُسْتَنْكَرٌ فَإِنَّهُ يُوهِمُ اتِّصَافَهُ بِالْحَوَادِثِ فَلَا يَجُوزُ إطْلَاقُ مِثْلِهِ فَإِنْ أَرَادَ مُقْتَضَى ظَاهِرِهِ فَهُوَ كُفْرٌ وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ الصِّفَاتِ الْمُسَمَّيَاتِ بِصِفَاتِ الْأَفْعَالِ فَالْمَعْنَى صَحِيحٌ وَاللَّفْظُ قَبِيحٌ قَالَ (فَكَمَا جَلَّ اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمِهِ وَصِفَاتِهِ السَّبْعَةِ الَّتِي هِيَ صِفَاتُ ذَاتِهِ تَعَالَى جَلَّ أَيْضًا بِبَدَائِعِ مُصَنَّعَاتِهِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
أُقْسِمُ عَلَيْك بِنَبِيِّك مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَقْصُورًا عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهُ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَأَنْ لَا يُقْسَمَ عَلَى اللَّهِ بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا فِي دَرَجَتِهِ صلى الله عليه وسلم اهـ.
وَخَالَفَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَاسْتَدَلَّ بِمَا يَدُلُّ لَهُ بَلْ إنَّمَا يَدُلُّ لِجَوَازِ التَّوَسُّلِ بِبَعْضِ الْمَخْلُوقَاتِ وَهُوَ غَيْرُ الْإِقْسَامِ وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْحَطَّابُ اهـ.
كَلَامُ الْأُجْهُورِيِّ وَتَبِعَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي قَوْلِهِ بِجَوَازِ الْإِقْسَامِ بِغَيْرِهِ صلى الله عليه وسلم الْعَلَّامَةَ ابْنَ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ كَمَا يُعْلَمُ بِالْوُقُوفِ عَلَيْهِ وَعَلَى مَا نُقِلَ عَنْ فُقَهَاءِ الْأَحْنَافِ مِنْ تَحْرِيمِ قَوْلِ الدَّاعِي بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَبِحَقِّ فُلَانٍ اهـ. فَمَحْمُولٌ إمَّا عَلَى مُلَاحَظَةِ الدَّاعِي الْإِقْسَامَ أَوْ قَصْدِهِ الْحَقَّ بِمَعْنَى الْوَاجِبِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ تَعْلِيلِهِمْ بِقَوْلِهِمْ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ عَلَى اللَّهِ أَمَّا إذَا لَاحَظَ بِهِ التَّوَسُّلَ أَوْ قَصْدَ الْحَقِّ بِمَعْنَى الرُّتْبَةِ وَالْمَنْزِلَةِ لَدَيْهِ تَعَالَى أَوْ الْحَقَّ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُ عَلَى الْخَلْقِ وَعَلَيْهِ بِفَضْلِهِ لِلْخَلْقِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ قَالَ فَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْقَوْلُ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الْأَدِلَّةِ الْوَارِدَةِ فِي جَوَازِ التَّوَسُّلِ.
وَمَا رَوَاهُ زَرُّوقٌ عَنْ مَالِكٍ مِنْ كَرَاهَةِ التَّوَسُّلِ فَإِنَّمَا يَصِحُّ بِحَمْلِ الْكَرَاهَةِ عَلَى التَّحْرِيمِيَّةِ وَالتَّوَسُّلِ عَلَى الْإِقْسَامِ إذْ لَوْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى ذَلِكَ لَعَارَضَهُ مَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الشِّفَاءِ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ لَمَّا سَأَلَهُ جَعْفَرٌ الْمَنْصُورُ عَنْ اسْتِقْبَالِ الْقَبْرِ حِينَ الدُّعَاءِ أَوْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ قَالَ لَهُ وَلِمَ تَصْرِفُ وَجْهَك عَنْهُ وَهُوَ وَسِيلَتُك وَوَسِيلَةُ أَبِيك آدَمَ قَبْلَك بَلْ اسْتَقْبِلْهُ وَاسْتَشْفِعْ بِهِ فَيُشَفِّعُهُ اللَّهُ فِيك قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} [النساء: 64] الْآيَةَ قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْجَوْهَرِ الْمُنَظَّمِ رِوَايَةُ ذَلِكَ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ جَاءَتْ بِالسَّنَدِ الصَّحِيحِ الَّذِي لَا مَطْعَنَ فِيهِ وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الزَّرْقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمَوَاهِبِ وَرَوَاهَا ابْنُ فَهْدٍ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَرَوَاهَا الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الشِّفَاءِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ لَيْسَ فِي إسْنَادِهَا وَضَّاعٌ وَلَا كَذَّابٌ عَلَى أَنَّهَا قَدْ عُضِّدَتْ بِجَرَيَانِ الْعَمَلِ وَبِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ فِي جَوَازِ التَّوَسُّلِ الَّتِي يُعَضِّدُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَبِظَاهِرِ اسْتِسْقَاءِ عُمَرَ بِالْعَبَّاسِ رضي الله عنهما بَلْ مِمَّا يُعَيِّنُ حَمْلَ رِوَايَةِ زَرُّوقٍ