الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَثْبُتُ لَهُ تَحْرِيمٌ فِي أَثَرِ الْمُصَاهَرَةِ وَاتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ فِي الْمِلْكِ وَالْعَقْدِ وَالشُّبْهَةِ وَوَافَقَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْمُلَامَسَةِ بِلَذَّةٍ وَالنَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ إلَّا أَنْ يُنْزِلَ لِعَدَمِ إفْضَائِهِ إلَى الْمَقْصِدِ الَّذِي هُوَ الْوَطْءُ وَهُوَ إنَّمَا حَرُمَ تَحْرِيمَ الْوَسَائِلِ وَالْوَسِيلَةُ إذَا لَمْ تُفْضِ لِمَقْصِدِهِ سَقَطَ اعْتِبَارُهَا وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ التَّحْرِيمَ بِالْمُلَامَسَةِ لِلَّذَّةِ وَالنَّظَرِ مُطْلَقًا قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ مِنْ أَصْحَابِنَا اللَّمْسُ بِلَذَّةٍ مِنْ الْبَالِغِ يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ وَمِنْ غَيْرِ الْبَالِغِ قَوْلَانِ وَبِغَيْرِ لَذَّةٍ لَا يَنْشُرُ مُطْلَقًا وَفِي نَظَرِ الْبَالِغِ لِلَّذَّةِ قَوْلَانِ الْمَشْهُورُ يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ لِأَنَّهُ أَحَدُ الْحَوَاسِّ وَالشَّاذُّ لَا يَنْشُرُ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى الْوَجْهِ لَا يُحَرِّمُ اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي بَاطِنِ الْجَسَدِ وَاكْتَفَى فِي تَحْرِيمِ زَوْجَاتِ الْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ بِالْعَقْدِ لِأَنَّ اتِّفَاقَ الرِّجَالِ وَحَمِيَّاتِهِمْ تَنْهَضُ بِالْغَضَبِ وَالْبَغْضَاءِ بِمُجَرَّدِ نِسْبَةِ الْمَرْأَةِ إلَيْهِمْ بِذَلِكَ فَيَخْتَلُّ نِظَامُ وُدِّ الْآبَاءِ لِلْأَبْنَاءِ وَوُدُّ الْأَبْنَاءِ لِلْآبَاءِ وَهُوَ سِيَاجٌ عَظِيمٌ عِنْدَ الشَّرْعِ حَتَّى جُعِلَ خَرْقُهُ مِنْ الْكَبَائِرِ قَالَ عليه الصلاة والسلام «مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَسُبَّ الرَّجُلُ أَبَاهُ قَالُوا أَوَ يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَاهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَاهُ» فَجَعَلَ التَّسَبُّبَ لِسَبِّ الْأَبِ بِسَبِّ الْأَجْنَبِيِّ أَكْبَرَ الْكَبَائِرِ فَكَيْفَ لَوْ سَبَّهُ مُبَاشَرَةً قَالَ اللَّخْمِيُّ تَحْرُمُ امْرَأَةُ الْجَدِّ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ لِلْأُمِّ لِانْدِرَاجِهِمَا فِي لَفِّ الْآبَاءِ كَمَا تَنْدَرِجُ جَدَّاتُ امْرَأَتِهِ وَجَدَّاتُ أُمِّهَا مِنْ قِبَلِ أُمِّهَا وَأَبِيهَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] وَبِنْتُ بِنْتِ الزَّوْجَةِ وَبِنْتُ ابْنِهَا وَكُلُّ مَنْ يُنْسَبُ إلَيْهَا بِالْبُنُوَّةِ.
وَإِنْ سَفَلَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَرَبَائِبُكُمُ} [النساء: 23]
(تَنْبِيهٌ) اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الِانْدِرَاجَاتِ لَيْسَتْ بِمُقْتَضَى الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ وَلِذَلِكَ صَرَّحَ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ بِالثُّلُثِ لِأُمٍّ وَلَمْ يُعْطِهِ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم لِلْجَدَّةِ بَلْ حَرَمُوهَا حَتَّى رُوِيَ لَهُمْ الْحَدِيثُ فِي السُّدُسِ وَصَرَّحَ بِالنِّصْفِ لِلْبِنْتِ وَلِلِابْنَتَيْنِ بِالثُّلُثَيْنِ عَلَى
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (قَالَ اللَّخْمِيُّ تَحْرُمُ امْرَأَةُ الْجَدِّ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ لِلْأُمِّ لِانْدِرَاجِهِمَا فِي لَفْظِ الْآبَاءِ إلَى قَوْلِ الشِّهَابِ فِي تَنْبِيهِهِ فَإِنْ دَلَّ إجْمَاعٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَجَازِ وَإِلَّا أُلْغِيَ حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَيْهِ) قُلْت لَا أَعْرِفُ صِحَّةَ مَا قَالَ مِنْ أَنَّ الْحَقِيقَةَ فِي لَفْظِ الْأَبِ وَشَبَهِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمُبَاشِرُ وَأَنَّهُ يُغْنِي أُرِيدَ بِهِ غَيْرُ الْمُبَاشِرِ فَهُوَ مَجَازٌ وَلَعَلَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ بِالْعَكْسِ وَأَنَّ الْحَقِيقَةَ فِي لَفْظِ الْأَبِ كُلُّ مَنْ لَهُ وِلَادَةٌ وَالْمَجَازُ الْمُبَاشِرُ لَكِنْ غَلَبَ هَذَا الْمَجَازُ حَتَّى صَارَ عُرْفًا فَكَانَ ذَلِكَ السَّبَبُ فِي اقْتِصَارِ الصَّحَابَةِ فِيمَا اقْتَصَرُوا بِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ عَلَى الْمُبَاشِرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْقَاعِدَتَيْنِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ ذَكَاةِ الْحَيَّاتِ وَقَاعِدَةِ ذَكَاةِ غَيْرِهَا مِنْ الْحَيَوَانَاتِ]
(الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ ذَكَاةِ الْحَيَّاتِ وَقَاعِدَةِ ذَكَاةِ غَيْرِهَا مِنْ الْحَيَوَانَاتِ)
قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ الْحَيَوَانُ فِي اشْتِرَاطِ الذَّكَاةِ فِي أَكْلِهِ عَلَى قِسْمَيْنِ
(الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) حَيَوَانٌ لَا يَحِلُّ إلَّا بِذَكَاةٍ
(وَالْقِسْمُ الثَّانِي) حَيَوَانٌ يَحِلُّ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ هُوَ الْحَيَوَانُ الْبَرِّيُّ ذُو الدَّمِ الَّذِي لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ وَلَا مَنْفُوذِ الْمَقَاتِلِ وَلَا مَيْئُوسٍ مِنْهُ بِوَقْذٍ أَوْ نَطْحٍ أَوْ تَرَدٍّ أَوْ افْتِرَاسِ سَبْعٍ أَوْ مَرَضٍ وَمِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَهُوَ الْحَيَوَانُ الْبَحْرِيُّ وَمِنْهُ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ
(النَّوْعُ الْأَوَّلُ) الْحَيَوَانُ الَّذِي لَيْسَ بِذِي دَمٍ مِمَّا يَجُوزُ أَكْلُهُ مِثْلُ الْجَرَادِ وَغَيْرِهِ اخْتَلَفُوا هَلْ لَهُ ذَكَاةٌ أَمْ لَا
(وَالنَّوْعُ الثَّانِي) الْحَيَوَانُ ذُو الدَّمِ الَّذِي يَكُونُ تَارَةً فِي الْبَحْرِ وَتَارَةً فِي الْبِرِّ مِثْلُ السُّلَحْفَاةِ وَغَيْرِهِ اخْتَلَفُوا هَلْ لَهُ ذَكَاةٌ أَمْ لَا
(وَالنَّوْعُ الثَّالِثُ) أَصْنَافُ الْمُنْخَنِقَةِ وَالْمَوْقُوذَةِ وَالْمُتَرَدِّيَةِ وَالنَّطِيحَةِ وَمَا أَكَلَ السَّبْعُ الَّتِي نُصَّ عَلَيْهَا فِي آيَةِ التَّحْرِيمِ اخْتَلَفُوا فِي تَأْثِيرِ الذَّكَاةِ فِيهَا
(وَالنَّوْعُ الرَّابِعُ) مَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ اخْتَلَفُوا فِي تَأْثِيرِ الذَّكَاةِ فِيهَا أَعْنِي فِي تَحْلِيلِ الِانْتِفَاعِ بِجُلُودِهَا وَسَلْبِ النَّجَاسَةِ عَنْهَا اهـ بِتَصَرُّفٍ وَقَاعِدَةُ تَذْكِيَةِ الْحَيَوَانِ الْبَرِّيِّ ذِي الدَّمِ الَّذِي لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ إلَخْ أَنَّهَا شُرِعَتْ لِقَصْدِ اسْتِخْرَاجِ الْفَضَلَاتِ الْمُحَرَّمَاتِ مِنْ أَجْسَادِهَا الْمُحَلَّلَةِ الْأَكْلِ وَهِيَ الدِّمَاءُ وَالْأَخْلَاطُ كُلُّهَا بِأَسْهَلِ الطُّرُقِ عَلَى الْحَيَوَانِ كَقَطْعِ الْأَوْدَاجِ وَالْحُلْقُومِ فَإِنَّ قَطْعَ الْأَوْدَاجِ خَفِيفٌ عَلَى الْحَيَوَانِ فِي إخْرَاجِ الْفَضَلَاتِ الْمَذْكُورَةِ مِنْهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى التَّوَسُّطِ أَوْ ضَرْبِ الْعُنُقِ وَقَطْعُ الْحُلْقُومِ يُوجِبُ قَطْعَ النَّفْسِ لِأَنَّهُ مَجْرَاهُ فَيَخْتَنِقُ الْحَيَوَانُ فَيُسْرِعُ إلَيْهِ الْمَوْتُ وَأَمَّا قَاعِدَةُ تَذْكِيَةِ الْحَيَّاتِ الَّتِي فِي قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْحَيَّاتِ إذَا ذُكِيَتْ فِي مَوْضِعِ ذَكَاتِهَا جَازَ أَكْلُهَا لِمَنْ احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ اهـ فَتُفَارِقُ الْقَاعِدَةَ الْمَذْكُورَةَ مِنْ وَجْهَيْنِ
(الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) فِي صِفَةِ الذَّكَاةِ فَإِنَّ مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ رحمه الله مَوْضِعِ ذَكَاتِهَا أَنَّ صِفَةَ ذَكَاةِ الْحَيَّاتِ هُوَ مَا اخْتَارَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ الْأَطِبَّاءِ إذَا أَرَادُوا اسْتِعْمَالَهَا فِي التِّرْيَاقِ الْفَارُوقِ أَوْ لِمُدَاوَاةِ الْجُذَامِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ أَنْ تُمْسَكُ الْحَيَّةُ بِرَأْسِهَا وَذَنَبِهَا مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ حَذَرًا مِنْ أَنْ يَحْصُلَ لَهَا غَيْظٌ فَيَدُورَ السُّمُّ فِي جَسَدِهَا فَإِذَا أُخِذَتْ كَذَلِكَ ثُنِّيَتْ عَلَى مِسْمَارٍ مَضْرُوبٍ فِي لَوْحٍ ثُمَّ تُضْرَبُ بِآلَةٍ وَزَبْنَةٍ حَادَّةٍ كَالْقُدُومِ الَّذِي مِثْلُ الْمُوسَى فِي الْحِدَآتِ وَهِيَ مَمْدُودَةٌ عَلَى تِلْكَ الْخَشَبَةِ وَيَقْصِدُ بِتِلْكَ الضَّرْبَةِ آخِرَ الرَّقَبَةِ وَالذَّنَبِ مِنْ جِهَةِ رَقَبَتِهَا فَإِنَّ بَيْنَ رَأْسِهَا وَوَسَطِهَا مِقْدَارًا رَقِيقًا وَبَيْنَ ذَنَبِهَا وَوَسَطِهَا مِقْدَارًا رَقِيقًا فَيَتَجَاوَزُ ذَلِكَ الرَّقِيقَ مِنْ الْجِهَتَيْنِ حَتَّى يَصِلَ الْمِقْدَارُ الْغَلِيظُ الَّذِي فِي وَسَطِهَا فَلَا يَتْرُكُ غَيْرَهُ بَلْ يُحَازَ
السَّوِيَّةِ وَوَرِثَتْ بِنْتُ الِابْنِ مَعَ الْبِنْتِ السُّدُسَ بِالسُّنَّةِ لَا بِالْكِتَابِ وَابْنُ الِابْنِ كَالِابْنِ فِي الْحَجْبِ وَالْجَدُّ لَيْسَ كَالْأَبِ فِي الْحَجْبِ وَالْإِخْوَةُ يَحْجُبُونَ الْأُمَّ وَبَنُوهُمْ لَا يَحْجُبُونَهَا فَتَعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْأَبَ حَقِيقَةً فِي الْأَبِ الْقَرِيبِ مَجَازًا فِي آبَائِهِ وَلَفْظُ الِابْنِ حَقِيقَةٌ فِي الْقَرِيبِ مَجَازًا فِي أَبْنَائِهِ فَإِنْ دَلَّ إجْمَاعٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَجَازِ وَإِلَّا أُلْغِيَ حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَيْهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ هَذِهِ الِانْدِرَاجَاتِ فِي تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ بِالْإِجْمَاعِ لَا بِالنَّصِّ وَأَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِنَفْسِ اللَّفْظِ مُتَعَذِّرٌ وَأَنَّ الْفَقِيهَ الَّذِي يَعْتَقِدُ ذَلِكَ وَيَسْتَدِلُّ بِاللَّفْظِ غَالَطَ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمَجَازِ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْحَقِيقَةِ سُؤَالُ الْمَشْهُورِ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي تَحْلِيلِ الزَّوْجَةِ بَعْدَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثَ اشْتِرَاطُ الْوَطْءِ الْحَلَالِ وَحَمْلُ آيَةِ التَّحْلِيلِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ كُلَّ مُتَكَلِّمٍ لَهُ عُرْفٌ فَإِنَّ لَفْظَهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُحْمَلُ عَلَى عُرْفِهِ فَحُمِلَ النِّكَاحُ فِي الْآيَةِ عَلَى النِّكَاحِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا لِأَجْلِ الْعُرْفِ وَخُولِفَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فِي قَوْله تَعَالَى فِي أُمَّهَاتِ الرَّبَائِبِ {اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] فَاعْتَبَرَ مَالِكٌ مُطْلَقَ الْوَطْءِ كَانَ حَلَالًا أَوْ حَرَامًا وَهُوَ خِلَافُ الْقَاعِدَةِ فِي حَمْلِ الدُّخُولِ عَلَى الْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ الدُّخُولُ الْمُبَاحُ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ احْتَاطَ فِي الصُّورَتَيْنِ فَخُولِفَتْ الْقَاعِدَةُ لِمُعَارِضِ الِاحْتِيَاطِ
(الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَحْرُمُ بِالنَّسَبِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَحْرُمُ بِالنَّسَبِ)
اعْلَمْ أَنَّ الْإِنْسَانَ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّسَبُ أُصُولُهُ وَفُصُولُهُ وَفُصُولُ أَوَّلِ أُصُولِهِ وَأَوَّلُ فَصْلٍ مِنْ كُلِّ أَصْلٍ وَإِنْ عَلَا فَالْأُصُولُ الْآبَاءُ وَالْأُمَّهَاتُ وَإِنْ عَلَوْا وَالْفُصُولُ الْأَبْنَاءُ وَأَبْنَاءُ الْأَبْنَاءِ وَإِنْ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (وَيَنْبَغِي أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ هَذِهِ الِانْدِرَاجَاتِ فِي تَحْرِيمِ مُصَاهَرَةٍ بِإِجْمَاعٍ لَا بِالنَّصِّ وَأَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِنَفْسِ اللَّفْظِ مُتَعَذِّرٌ) قُلْت مَا قَالَ فِي ذَلِكَ يُوَافَقُ عَلَيْهِ لَكِنْ لَا لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ فِي الْمُبَاشِرِ بَلْ لِأَنَّ الْمَجَازَ الصَّائِرَ عُرْفًا فِيهِ قَالَ (سُؤَالُ الْمَشْهُورِ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي تَحْلِيلِ الزَّوْجَةِ بَعْدَ الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ اشْتِرَاطُ الْوَطْءِ الْحَلَالِ إلَى آخِرِ الْفَرْقِ) قُلْت يَحْتَاجُ مَا قَالَهُ إلَى نَظَرٍ وَمَا قَالَ فِي الْفَرْقَيْنِ بَعْدَهُ صَحِيحٌ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الرَّقِيقَانِ إلَى جِهَةِ الرَّأْسِ وَالذَّنَبِ وَيَقْطَعُ جَمِيعَ ذَلِكَ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَجِيزَةٍ لِأَنَّهُ مَتَى بَقِيَتْ جِلْدَةٌ يَسِيرَةٌ لَمْ تُقْطَعْ مَعَ الْجُمْلَةِ قَتَلَتْ آكِلَهَا لِأَنَّ السُّمَّ حِينَئِذٍ يَجْرِي مِنْ جِهَةِ الرَّأْسِ وَالذَّنَبِ فِي تِلْكَ الْجِلْدَةِ الْيَسِيرَةِ إلَى بَقِيَّةِ جَسَدِهِ الَّذِي هُوَ الْجُزْءُ الْغَلِيظُ بِسَبَبِ مَا يَحْدُثُ لَهَا مِنْ الْغَضَبِ عِنْدَ الْإِحْسَاسِ بِأَلَمِ الْحَدِيدِ
(الْوَجْهُ الثَّانِي) فِي مَعْنَى الذَّكَاةِ فَإِنَّ الذَّكَاةَ شُرِعَتْ فِي الْحَيَّاتِ لِأَجْلِ السَّلَامَةِ مِنْ سُمِّ رَأْسِهَا وَذَنَبِهَا لَا لِإِخْرَاجِ الْفَضَلَاتِ الْمُحَرَّمَاتِ فَإِنَّ الْحَيَّاتِ لَا يَكَادُ يَخْرُجُ مِنْهَا دَمٌ عِنْدَ ذَكَاتِهَا أَلْبَتَّةَ وَلِذَلِكَ تُذَكَّى مِنْ وَسَطِهَا لَا بِقَطْعِ الْأَوْدَاجِ وَالْحُلْقُومِ
(وَصْلٌ) يَتَعَلَّقُ بِبَابِ الذَّكَاةِ سِتُّ مَسَائِلَ أُصُولٍ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى
فِي بَيَانِ تَأْثِيرِ الذَّكَاةِ فِي الْأَصْنَافِ الْخَمْسَةِ الَّتِي نُصَّ عَلَيْهَا فِي الْآيَةِ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ
فِي بَيَانِ تَأْثِيرِ الذَّكَاةِ فِي الْحَيَوَانِ الْمُحَرَّمِ الْأَكْلِ الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ
فِي بَيَانِ تَأْثِيرِ الذَّكَاةِ فِي الْمَرِيضَةِ الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ
فِي بَيَانِ هَلْ ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ أَمْ لَا الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ
فِي بَيَانِ هَلْ لِلْجَرَادِ ذَكَاةٌ أَمْ لَا الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ
فِي بَيَانِ هَلْ لِلْحَيَوَانِ الَّذِي يَأْوِي فِي الْبَرِّ تَارَةً وَفِي الْبَحْرِ تَارَةً ذَكَاةٌ أَمْ لَا (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى)
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ أَمَّا الْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبْعَ فَإِنَّهُمْ اتَّفَقُوا فِيمَا أَعْلَمُ عَلَى أَنَّ الذَّكَاةَ عَامِلَةٌ فِيهَا إذَا لَمْ يُصَبْ لَهَا مَقْتَلٌ وَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهَا تَعِيشُ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا أُصِيبَ لَهَا مَقْتَلٌ وَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهَا لَا تَعِيشُ فَقَالَ قَوْمٌ تَعْمَلُ الذَّكَاةُ فِيهَا وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَقَوْلُ الزُّهْرِيِّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ قَوْمٌ لَا تَعْمَلُ الذَّكَاةُ فِيهَا.
وَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ الْوَجْهَانِ وَلَكِنَّ الْأَشْهَرَ أَنَّهَا لَا تَعْمَلُ فِي الْمَيْئُوسِ مِنْهَا وَبَعْضُهُمْ أَوَّلَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمَيْئُوسَ مِنْهَا عَلَى ضَرْبَيْنِ مَيْئُوسَةٌ مَشْكُوكٌ فِيهَا وَمَيْئُوسَةٌ مَقْطُوعٌ بِمَوْتِهَا وَهِيَ الْمَنْفُوذَةُ الْمَقَاتِلِ عَلَى اخْتِلَافٍ بَيْنَهُمْ أَيْضًا فِي الْمَقَاتِلِ قَالَ فَأَمَّا الْمَيْئُوسَةُ الْمَشْكُوك فِيهَا فَفِي الْمَذْهَبِ فِيهَا رِوَايَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَأَمَّا الْمَنْفُوذَةُ الْمَقَاتِلِ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ الْمَنْقُولِ أَنَّ الذَّكَاةَ لَا تَعْمَلُ فِيهَا وَإِنْ كَانَ يَتَخَرَّجُ فِيهَا الْجَوَازُ عَلَى وَجْهٍ ضَعِيفٍ وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ اخْتِلَافُهُمْ فِي مَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] هَلْ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُتَّصِلٌ فَيَخْرُجُ مِنْ الْجِنْسِ بَعْضُ مَا يَتَنَاوَلهُ اللَّفْظُ وَهُوَ الْأَصْنَافُ الْخَمْسَةُ الْمَذْكُورَةُ عَلَى عَادَةِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ أَمْ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْفَصِلٌ لَا تَأْثِيرَ فِي الْجُمْلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ كَمَا هُوَ شَأْنُ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فَمَنْ قَالَ إنَّهُ مُتَّصِلٌ قَالَ الذَّكَاةُ تَعْمَلُ فِي هَذِهِ الْأَصْنَافِ الْخَمْسَةِ مُحْتَجًّا بِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ الذَّكَاةَ تَعْمَلُ فِي الْمَرْجُوِّ مِنْهَا فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِيهَا فَهُوَ مُتَّصِلٌ وَمَنْ قَالَ إنَّهُ مُنْفَصِلٌ.
قَالَ الذَّكَاةُ لَا تَعْمَلُ فِيهَا مُحْتَجًّا بِأَنَّ التَّحْرِيمَ
سَفَلُوا وَفُصُولُ الْأَوَّلِ أَوَّلُ الْأُصُولِ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ وَأَوْلَادُهُمْ وَإِنْ سَفَلُوا احْتِرَازًا مِنْ فُصُولِ ثَانِي الْأُصُولِ وَثَالِثِهَا وَإِنْ عَلَا ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ أَوْلَادُ الْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ وَهُنَّ مُبَاحَاتٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم {وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ} [الأحزاب: 50] وَأَوَّلُ فَصْلٍ مِنْ كُلِّ أَصْلٍ يَنْدَرِجُ فِيهِ أَوْلَادُ الْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ وَهُمْ الْأَعْمَامُ وَالْعَمَّاتُ وَالْأَخْوَالُ وَالْخَالَاتُ وَقَوْلُنَا أَوَّلُ فَصْلٍ احْتِرَازًا مِنْ ثَانِي فَصْلٍ مِنْ أَوَّلِ الْأُصُولِ فَإِنَّ ثَانِي فَصْلٍ فَصْلُ أَوْلَادِ الْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَأَوْلَادِ الْخَالِ وَالْخَالَاتِ فَإِنَّهُنَّ مُبَاحَاتٌ فَلِذَلِكَ أُطْلِقَ فِي الضَّابِطِ فِي الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَالْفُصُولِ مُطْلَقًا لِيَنْدَرِجُوا هُمْ وَأَوْلَادُهُمْ وَقِيلَ فِي غَيْرِ أَوَّلِ فُصُولِ أَوَّلِ فَصْلٍ مِنْ كُلِّ أَصْلٍ لِهَذَا الْمَعْنَى فَانْضَبَطَ الْمُحَرَّمُ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لِهَذَا الضَّابِطِ وَدَلِيلُهُ قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ} [النساء: 23] وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا اللَّفْظِ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ وَاللَّفْظُ صَالِحٌ لَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا بَنِي آدَمَ - يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} [البقرة: 26 - 40]{مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج: 78] .
ثُمَّ قَالَ {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: 23] احْتِرَازًا مِنْ زَوْجَاتِ أَبْنَاءِ التِّبْنَيْ دُونَ الرَّضَاعِ ثُمَّ قَالَ {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 23] وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 22] يُرِيدُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ «وَحَرَّمَ عليه السلام مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ»
(تَنْبِيهٌ) قَالَ اللَّخْمِيُّ كُلُّ أُمٍّ حَرُمَتْ بِالنَّسَبِ حَرُمَتْ أُخْتُهَا وَكُلُّ أُخْتٍ حَرُمَتْ لَا تَحْرُمُ أُخْتُهَا إذَا لَمْ تَكُنْ خَالَةً فَقَدْ يَتَزَوَّجُ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَدٌ فَالْوَلَدُ مِنْهُمَا تَحِلُّ لَهُ ابْنَةُ الْمَرْأَةِ مِنْ غَيْرِ أَبِيهِ وَكُلُّ عَمَّةٍ حَرُمَتْ قَدْ لَا تَحْرُمُ أُخْتُهَا لِأَنَّهَا قَدْ لَا تَكُونُ أُخْتَ أَبِيهِ وَلَا أُخْتَ جَدِّهِ
(فَائِدَةٌ) قَوْلُ الْعُلَمَاءِ الْآبَاءُ وَإِنْ عَلَوْا وَالْأَبْنَاءُ وَإِنْ سَفَلُوا مَعَ أَنَّهُ لَوْ عُكِسَ لَاسْتَقَامَ فَإِنَّ الْأَبْنَاءَ فُرُوعٌ وَالْفَرْعُ شَأْنُهُ أَنْ يَكُونَ أَعْلَى مِنْ أَصْلِهِ وَفَرْعُ الْفَرْعِ أَعْلَى مِنْ الْفَرْعِ فِي الشَّجَرَةِ وَالْأَصْلُ أَسْفَلُ وَأَصْلُ الْأَصْلِ أَسْفَلُ مِنْ الْأَصْلِ وَهَذَا يُنَاسِبُ عَكْسَ مَا قَالُوهُ فَمَا مُسْتَنَدُ قَوْلِهِمْ
(وَالْجَوَابُ) أَنَّ قَوْلَهُمْ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
فِي قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] لَمْ يَتَعَلَّقْ بِأَعْيَانِ هَذِهِ الْأَصْنَافِ الْخَمْسَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ لِأَنَّ لَحْمَ الْحَيَوَانِ مُحَرَّمٌ فِي حَالِ الْحَيَاةِ بِدَلِيلِ اشْتِرَاطِ الذَّكَاةِ فِيهَا وَبِدَلِيلِ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَا قُطِعَ مِنْ الْبَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ فَهُوَ مَيْتَةٌ» وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَمَعْنَى الْآيَةِ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ لَحْمُ الْمَيْتَةِ الَّتِي تَمُوتُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهَا فَتُسَمَّى مَيْتَةً فِي أَكْثَرِ كَلَامِ الْعَرَبِ أَوْ بِالْحَقِيقَةِ وَكَذَلِكَ لَحْمُ الْمَيْتَةِ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْأَصْنَافِ الْخَمْسَةِ قَالُوا فَلَمَّا عُلِمَ أَنَّ الْمَقْصُودَ تَعْلِيقُ التَّحْرِيمِ بِأَعْيَانِ هَذِهِ الْأَصْنَافِ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَوْله تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] اسْتِثْنَاءً مُنْفَصِلًا لَكِنَّ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْوَاجِبَ كَيْفَ مَا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ أَنْ تَكُونَ الذَّكَاةُ تَعْمَلُ فِيهَا وَذَلِكَ أَنَّهُ إنْ عَلَّقْنَا التَّحْرِيمَ بِهَذِهِ الْأَصْنَافِ فِي الْآيَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَجَبَ أَنْ تَدْخُلَ الْأَصْنَافُ الْخَمْسَةُ فِي التَّذْكِيَةِ حَالَ الْحَيَاةِ لِأَنَّهَا مَا دَامَتْ حَيَّةً مُسَاوِيَةٌ لِغَيْرِهَا فِي ذَلِكَ لَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ دُخُولِهَا حِينَئِذٍ بَيْنَ كَوْنِ الِاسْتِثْنَاءِ مُنْفَصِلًا أَوْ مُتَّصِلًا إذْ لَا خَفَاءَ بِوُجُوبِ ذَلِكَ إنْ قُلْنَا إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُتَّصِلٌ بَلْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ إنَّ عُمُومَ التَّحْرِيمِ يُمْكِنُ أَنْ يُفْهَمَ مِنْهُ تَنَاوُلُ أَعْيَانِ هَذِهِ الْخَمْسَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَهُ كَالْحَالِ فِي الْخِنْزِيرِ الَّذِي لَا تَعْمَلُ فِيهِ الذَّكَاةُ فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ عَلَى هَذَا رَفْعًا لِتَحْرِيمِ أَعْيَانِهَا بِالتَّنْصِيصِ عَلَى عَمَلِ الذَّكَاةِ فِيهَا وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ مَا اعْتَرَضَ بِهِ ذَلِكَ الْمُعْتَرِضُ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى كَوْنِ الِاسْتِثْنَاءِ مُنْفَصِلًا.
وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَنْفُوذَةِ الْمَقَاتِلِ وَالْمَشْكُوكِ فِيهَا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ إنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْفَصِلٌ وَأَنَّهُ إنَّمَا جَازَ تَأْثِيرُ الذَّكَاةِ فِي الْمَرْجُوَّةِ بِالْإِجْمَاعِ وَقَاسَ الْمَشْكُوكَةَ عَلَى الْمَرْجُوَّةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مُتَّصِلٌ وَلَكِنَّ اسْتِثْنَاءَ هَذَا الصِّنْفِ أَعْنِي الْمَنْفُوذَةَ الْمَقَاتِلِ بِالْقِيَاسِ وَذَلِكَ أَنَّ الذَّكَاةَ إنَّمَا يَجِبُ أَنْ تَعْمَلَ فِي حِينَ يَقْطَعُ أَنَّهَا سَبَبُ الْمَوْتِ فَأَمَّا إذَا شَكَّ هَلْ كَانَ مُوجِبُ الْمَوْتِ الزَّكَاةَ أَوْ الْوَقْذَ أَوْ النَّطْحَ أَوْ سَائِرَهَا فَلَا يَجِبُ أَنْ تَعْمَلَ فِي ذَلِكَ وَهَذِهِ هِيَ حَالَةِ الْمَنْفُوذَةِ الْمَقَاتِلِ وَلَهُ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْمَنْفُوذَةَ الْمَقَاتِلِ فِي حُكْمِ الْمَيْتَةِ وَالذَّكَاةُ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ تَرْفَعَ الْحَيَاةَ الثَّابِتَةَ لَا الْحَيَاةَ الذَّاهِبَةَ اهـ بِتَلْخِيصٍ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ)
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ أَيْضًا وَأَمَّا هَلْ تَعْمَلُ الذَّكَاةُ فِي الْحَيَوَانَاتِ الْمُحَرَّمَاتِ الْأَكْلِ حَتَّى تَطْهُرَ بِالذَّكَاةِ جُلُودُهَا فَإِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فَقَالَ مَالِكٌ الذَّكَاةُ تَعْمَلُ فِي السِّبَاعِ وَغَيْرِهَا مَا عَدَا الْخِنْزِيرَ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَّا أَنَّهُ اخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِي كَوْنِ السِّبَاعِ فِيهِ مُحَرَّمَةً أَوْ مَكْرُوهَةً وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الذَّكَاةُ تَعْمَلُ فِي كُلِّ حَيَوَانٍ مُحَرَّمِ الْأَكْلِ فَيَجُوزُ بَيْعُ جَمِيعِ أَجْزَائِهِ وَالِانْتِفَاعُ
إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَبْدَأَ الْإِنْسَانِ مِنْ نُطْفَةِ أَبِيهِ.
وَالنُّطْفَةُ تَنْزِلُ مِنْ الْأَبِ وَالنَّازِلُ مِنْ الشَّيْءِ يَكُونُ أَسْفَلَ مِنْهُ وَابْنُ الِابْنِ مِنْ الِابْنِ وَمُقْتَضَى هَذَا أَنْ تَقُولَ الْأَبْنَاءُ وَإِنْ سَفَلُوا وَالْآبَاءُ وَإِنْ عَلَوْا وَاللَّفْظَانِ مَجَازَانِ إشَارَةً لِهَذَا الْمَعْنَى مِنْ التَّخَيُّلِ لِمَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ وَقَدْ يُلَاحَظُ فِي اللَّفْظِ عَلَاقَةٌ هِيَ ضِدُّ عَلَاقَةٍ أُخْرَى ذَلِكَ لِاخْتِيَارِ الْمُتَكَلِّمِ الْمُتَجَوِّزِ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ اصْطِلَاحٌ وَلَهُمْ فِي اصْطِلَاحِهِمْ ذَلِكَ.
(الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحَصَانَةِ لَا تَعُودُ بِالْعَدَالَةِ وَقَاعِدَةُ الْفُسُوقِ يَعُودُ بِالْجِنَايَةِ)
اعْلَمْ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا حُكِمَ لَهُ بِالْفُسُوقِ ثُمَّ تَابَ وَأَنَابَ ذَهَبَ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ بِالْفُسُوقِ فَإِذَا جَنَى بَعْدَ ذَلِكَ كَبِيرَةً عَادَ الْفُسُوقُ لَهُ وَإِذَا كَانَ مُحْصَنًا بِعَدَمِ مُبَاشِرِ الزِّنَى ثُمَّ زَنَى ذَهَبَ الْإِحْصَانُ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي حَدِّ الْقَذْفِ فَمَنْ قَذَفَ مَنْ لَيْسَ بِمُحْصَنٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ فَإِذَا صَارَ بَعْدَ الزِّنَى عَدْلًا لَمْ تَعُدْ الْحَصَانَةُ بِالْعَدَالَةِ وَفِي الْقَاعِدَتَيْنِ قَدْ وَرَدَ الضِّدُّ بَعْدَ الضِّدِّ الْمُنَافِي لِحُكْمِهِ ظَاهِرًا قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا قَذَفَهُ بَعْدَ أَنْ صَارَ عَدْلًا لَمْ يُحَدَّ نَقَلَهُ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ وَصَاحِبُ النَّوَادِرِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَفِي الْجَوَاهِرِ لَوْ لَاعَنَ الْمَرْأَةَ وَأَبَانَهَا ثُمَّ قَذَفَهَا بِتِلْكَ الزَّنْيَةِ لَمْ يُحَدَّ وَلَمْ يُلَاعَنْ لِاسْتِيفَاءِ مُوجِبِ اللِّعَانِ قَبْلَ ذَلِكَ وَقَالَ رَبِيعَة يُحَدُّ وَإِنْ قَذَفَهَا بِزِنْيَةٍ أُخْرَى فَإِنْ كَانَتْ لَمْ تُلَاعِنْ وَحُدَّتْ لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ لِسُقُوطِ حَصَانَتِهَا بِتِلْكَ الزِّينَةِ بِمُوجِبِ لِعَانِهِ.
وَإِنْ لَاعَنَتْ وَجَبَ الْحَدُّ وَإِنْ قَذَفَهَا أَجْنَبِيٌّ فَأَوْلَى بِالْحَدِّ لِأَنَّ أَثَرَ لِعَانِ الزَّوْجِ لَا يَتَعَدَّى لِغَيْرِهِ وَوَقَعَ فِي كِتَابِ الْقَذْفِ إذْ قَذَفَ مَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ الزِّنَى وَحَسُنَتْ حَالَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُحَدُّ لِأَنَّ الْحَصَانَةَ لَا تَعُودُ بِالْعَدَالَةِ فَمَنْ ثَبَتَ فِسْقُهُ بِالزِّنَى ذَهَبَتْ حَصَانَتُهُ وَهَذَا مَقَامٌ تَزَلْزَلَتْ فِيهِ الْفِكَرُ وَاضْطَرَبَتْ فِيهِ الْعِبَرُ وَكَيْفَ يَصِيرُ الْمَقْذُوفُ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ وَالْعَدَالَةِ وَجَانِبُهُ مُهْتَضِمٌ وَعِرْضُهُ مُطَّرِحٌ وَالزَّنْيَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي رَمَاهُ بِهَا أَوْ رَمَى الْمَرْأَةَ بِهَا لَمْ يَقُمْ عَلَيْهَا مُصَدِّقٌ لِلرَّمْيِ وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ هَذِهِ الْأَذِيَّةِ هَهُنَا وَبَيْنَ أَذِيَّةِ مَنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ زِنًى وَهُمَا مُؤْلِمَانِ مُؤْذِيَانِ لِلْمَرْمِيِّ أَذِيَّةً ظَاهِرُهَا الْكَذِبُ، أَمَّا إذَا رَمَاهَا بِالزَّنْيَةِ الْأُولَى لَهُوَ صَادِقٌ فَلَا يَلْحَقُ بِمَحَلِّ الْإِجْمَاعِ فِي الْحَدِّ لِقُصُورِهِ عَنْهُ بَلْ التَّعْزِيرُ لِمُطْلَقِ الْأَذِيَّةِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
بِهَا مَا عَدَا اللَّحْمَ وَسَبَبُ الْخِلَافِ هَلْ جَمِيعُ أَجْزَاءِ الْحَيَوَانِ تَابِعَةٌ لِلَّحْمِ فِي الْحِلِّيَّةَ وَالْحُرْمَةِ أَمْ لَيْسَتْ تَابِعَةً لِلَّحْمِ فَمَنْ قَالَ إنَّهَا تَابِعَةٌ لِلَّحْمِ قَالَ إذَا لَمْ تَعْمَلْ الذَّكَاةُ فِي اللَّحْمِ لَمْ تَعْمَلْ فِيمَا سِوَاهُ وَمَنْ قَالَ إنَّهَا لَيْسَتْ بِتَابِعَةٍ.
قَالَ إنَّهَا تَعْمَلُ فِي سَائِرِ أَجْزَائِهِ وَإِنْ لَمْ تَعْمَلْ فِي لَحْمِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهَا تَعْمَلُ فِي جَمِيعِ أَجْزَائِهِ فَإِذَا ارْتَفَعَ بِالدَّلِيلِ الْمُحَرَّمِ لِلَّحْمِ عَمَلُهَا فِي اللَّحْمِ بَقِيَ عَمَلُهَا فِي سَائِرِ الْأَجْزَاءِ حَتَّى يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى ارْتِفَاعِهِ فِيهَا أَيْضًا اهـ
(فَرْعٌ) قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الدَّابَّةُ الَّتِي لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا إذَا طَالَ مَرَضُهَا أَوْ تَعِبَتْ مِنْ السَّيْرِ فِي أَرْضٍ لَا عَلَفَ فِيهَا ذَبْحُهَا أَوْلَى مِنْ بَقَائِهَا لِتَحْصُلَ رَاحَتُهَا مِنْ الْعَذَابِ وَقِيلَ تُعْقَرُ لِئَلَّا يُغْرِيَ النَّاسَ ذَبْحُهَا عَلَى أَكْلِهَا وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ لَا تُذْبَحُ وَلَا تُعْقَرُ لِنَهْيِهِ عليه السلام عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ لِغَيْرِ مَأْكَلَةٍ فَإِذَا تَرَكَهَا صَاحِبُهَا لِذَلِكَ فَعَلَفَهَا غَيْرُهُ ثُمَّ وَجَدَهَا قَالَ مَالِكٌ هُوَ أَحَقُّ بِهَا لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ عَلَى تَرْكِهَا بِالِاضْطِرَارِ لِذَلِكَ وَيَدْفَعُ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا وَقِيلَ هِيَ لِعَالِفِهَا لِإِعْرَاضِ الْمَالِكِ عَنْهَا أَفَادَهُ الْأَصْلُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ)
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ وَأَمَّا تَأْثِيرُ الذَّكَاةِ فِي الْبَهِيمَةِ الَّتِي أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَوْتِ مِنْ شِدَّةِ الْمَرَضِ فَإِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِيهِ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى عَمَلِ الذَّكَاةِ فِي الَّتِي لَمْ تُشْرِفْ عَلَى الْمَوْتِ فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الذَّكَاةَ تَعْمَلُ فِيهَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ الذَّكَاةَ لَا تَعْمَلُ فِيهَا وَسَبَبُ الْخِلَافِ مُعَارَضَةُ الْقِيَاسِ لِلْأَثَرِ فَأَمَّا الْأَثَرُ فَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَنَّ «أَمَةً لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ كَانَتْ تَرْعَى غَنَمًا بِسِلَعٍ فَأُصِيبَتْ شَاةٌ مِنْهَا فَأَدْرَكَتْهَا فَذَكَّتْهَا بِحَجَرٍ فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ كُلُوهَا» وَأَمَّا الْقِيَاسُ فَلِأَنَّ الْمَعْلُومَ مِنْ الذَّكَاةِ أَنَّهَا إنَّمَا تُفْعَلُ فِي الْحَيِّ وَهَذِهِ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ وَاتَّفَقَ كُلُّ مَنْ أَجَازَ ذَبْحَهَا عَلَى أَنَّ الذَّكَاةَ لَا تَعْمَلُ فِيهَا إلَّا إذَا كَانَ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى الْحَيَاةِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا هُوَ الدَّلِيلُ الْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ فَبَعْضُهُمْ اعْتَبَرَ الْحَرَكَةَ وَبَعْضُهُمْ لَمْ يَعْتَبِرْهَا وَالْأَوَّلُ مَذْهَبُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالثَّانِي مَذْهَبُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَبَعْضُهُمْ اعْتَبَرَ فِيهَا ثَلَاثَ حَرَكَاتٍ: طَرَفُ الْعَيْنِ وَتَحْرِيكُ الذَّنَبِ وَالرَّكْضُ بِالرِّجْلِ وَهُوَ مَذْهَبُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ وَبَعْضُهُمْ شَرَطَ مَعَ هَذِهِ التَّنَفُّسَ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ حَبِيبٍ اهـ.
(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ)
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ أَيْضًا وَأَمَّا هَلْ تَعْمَلُ ذَكَاةُ الْأُمِّ فِي جَنِينِهَا أَمْ لَا تَعْمَلُ فِيهِ فَإِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّ ذَكَاةَ الْأُمِّ ذَكَاةٌ لِجَنِينِهَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ خَرَجَ حَيًّا ذُبِحَ وَأُكِلَ
بَلْ الْقِيَاسُ الْجَلِيُّ أَنَّ الْعِرْضَ إذَا صَارَ مَثْلُومًا بِمُعَاوَدَةِ الْجِنَايَةِ أَنْ يَصِيرَ مَعْصُومًا بِمُعَاوَدَةِ الْعَدَالَةِ وَالْوِلَايَةِ
(وَالْجَوَابُ) وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ أَنَّ الْبَحْثَ هَهُنَا يَظْهَرُ بِقَاعِدَتَيْنِ
(الْقَاعِدَةُ الْأُولَى) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذَا نَصَّبَ سَبَبًا لِحُكْمِهِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ يَجُوزُ تَرْتِيبُ الْحُكْمِ عَلَى تِلْكَ الْحِكْمَةِ حَيْثُ وُجِدَتْ لِأَنَّهَا أَصْلٌ فِي اعْتِبَارِ ذَلِكَ السَّبَبِ أَوْ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُنَصِّبْهَا سَبَبًا لِذَلِكَ الْحُكْمِ بَلْ سَبَبُ سَبَبِهِ وَقَدْ لَا يَصِحُّ سَبَبُ سَبَبِ الْحُكْمِ سَبَبًا لِلْحُكْمِ لِعَدَمِ الْمُنَاسَبَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ خَوْفَ الزِّنَى سَبَبُ وُجُوبِ الزَّوَاجِ وَالزَّوَاجَ سَبَبُ وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَلَا يُنَاسِبُ أَنْ يَكُونَ خَوْفُ الزِّنَى سَبَبَ وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ كَمَا نَصَّبَ اللَّهُ تَعَالَى السَّرِقَةَ سَبَبًا لِلْقَطْعِ لِحِكْمَةِ حِفْظِ الْمَالِ وَمَنْ أَخَذَ مَالًا بِغَيْرِ السَّرِقَةِ لَا يَجُوزُ قَطْعُهُ وَنَصَّبَ الزِّنَى سَبَبًا لِلرَّجْمِ لِحِكْمَةِ حِفْظِ الْأَنْسَابِ لِئَلَّا تَلْتَبِسَ فَمَنْ سَعْي فِي الْتِبَاسِ الْأَنْسَابِ بِغَيْرِ الزِّنَى بِأَنْ يَجْمَعَ الصِّبْيَانَ وَيُغَيِّبَهُمْ صِغَارًا وَيَأْتِيَ بِهِمْ كِبَارًا فَلَا يَعْرِفُهُمْ آبَاؤُهُمْ لَا يَجُوزُ رَجْمُهُ لِذَلِكَ وَكَذَلِكَ شَرَعَ الرَّضَاعَ سَبَبًا لِلتَّحْرِيمِ بِسَبَبِ أَنَّ جُزْءَ الْمُرْضِعَةِ وَهُوَ اللَّبَنُ صَارَ جُزْءَ الرَّضِيعِ بِاغْتِذَائِهِ بِهِ وَصَيْرُورَتِهِ مِنْ أَعْضَائِهِ فَأَشْبَهَ ذَلِكَ مَنِيَّهَا وَلَحْمَتَهَا فِي النَّسَبِ لِأَنَّهُمَا جُزْءُ الْجَنِينِ وَلِذَلِكَ قَالَ عليه السلام «الرَّضَاعُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» .
فَإِذَا أَخَذْنَا نُعَلِّلُ بِهَذَا الْحِكْمَةَ لَزِمَنَا أَنَّ مَنْ شَرِبَ دَمَ امْرَأَةٍ أَوْ أَوْ أَكَلَ قِطْعَةً مِنْ لَحْمِهَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلِأَجْلِ مُلَاحَظَةِ التَّعْلِيلِ بِالْحِكْمَةِ إذَا اُسْتُهْلِكَ اللَّبَنُ وَعُدِمَ مَا يُسَمَّى رَضَاعًا وَلَبَنًا وَتَنَاوَلَهُ الصَّبِيُّ فَمَنْ عَلَّلَ بِالْحِكْمَةِ أَوْقَعَ بِهِ الْحُرْمَةَ قَالَهُ مُطَرِّفٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا تَقَعُ بِهِ الْحُرْمَةُ إعْرَاضًا عَنْ التَّعْلِيلِ بِالْحِكْمَةِ وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ اللَّبَنُ الْمَغْلُوبُ بِالْمَاءِ وَالْمُخْتَلِطُ بِالطَّعَامِ وَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ غَالِبًا لَا يُحَرِّمُ لِأَنَّ الطَّعَامَ أَصْلٌ وَاللَّبَنُ تَابِعٌ وَالدَّوَاءُ كَالْمَاءِ عِنْدَهُ وَهَهُنَا فِي بَابِ الْقَذْفِ شُرِعَ سَبَبًا لِلْجَلْدِ لِحِكْمَةِ حِفْظِ الْأَعْرَاضِ وَصَوْنِ الْقُلُوبِ عَنْ الْأَذِيَّاتِ لَكِنْ اُشْتُرِطَ فِيهِ الْإِحْصَانُ وَمِنْ جُمْلَةِ عَدَمِ مُبَاشَرَةِ الزِّنَى فَمَنْ بَاشَرَ فَقَدْ انْتَفَى فِي حَقِّهِ عَدَمُ الْمُبَاشَرَةِ فَإِنَّ النَّقِيضَيْنِ لَا يَصْدُقَانِ وَالْعَدَالَةُ بَعْدُ ذَلِكَ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ مُبَاشِرًا فَإِنْ لَاحَظْنَا الْحِكْمَةَ دُونَ السَّبَبِ حَسُنَ إعَادَةُ الْحَدِّ وَإِنْ اقْتَصَرْنَا عَلَى خُصُوصِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَإِنْ خَرَجَ مَيِّتًا فَهُوَ مَيْتَةٌ وَبَعْضُ مَنْ قَالَ إنَّ ذَكَاةَ الْأُمِّ ذَكَاةٌ لَهُ اشْتَرَطَ فِي ذَلِكَ تَمَامَ خِلْقَتِهِ وَنَبَاتَ شَعْرِهِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَبَعْضُهُمْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي صِحَّةِ الْأَثَرِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ فِي ذَلِكَ فَقَالَ «سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْبَقَرَةِ أَوْ النَّاقَةِ أَوْ الشَّاةِ يَنْحَرُهَا أَحَدُنَا فَنَجِدُ فِي بَطْنِهَا جَنِينًا أَنَأْكُلُهُ أَمْ نُلْقِيهِ فَقَالَ كُلُوهُ إنْ شِئْتُمْ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ» وَخَرَّجَ مِثْلَهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُد عَنْ جَابِرٍ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِلْأُصُولِ فَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي صِحَّتِهِ فَبَعْضِهِمْ لَمْ يُصَحِّحُهُ وَبَعْضُهُمْ صَحَّحَهُ وَمِنْهُمْ التِّرْمِذِيُّ وَأَمَّا مُخَالَفَةُ الْأَصْلِ فِي هَذَا الْبَابِ لِلْأَثَرِ فَهُوَ أَنَّ الْجَنِينَ إذَا كَانَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ بِمَوْتِ أُمِّهِ فَإِنَّمَا يَمُوتُ خَنْقًا فَهُوَ مِنْ الْمُنْخَنِقَةِ الَّتِي وَرَدَ النَّصُّ بِتَحْرِيمِهَا وَإِلَى تَحْرِيمِهِ ذَهَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ ابْنُ حَزْمٍ وَلَمْ يَرْضَ سَنَدَ الْحَدِيثَ وَأَمَّا سَبَبُ اخْتِلَافِ الْقَائِلِينَ بِاشْتِرَاطِ نَبَاتِ الشَّعْرِ فِي حَيَّتِهِ وَعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ فَمُعَارَضَةُ الْعُمُومِ لِلْقِيَاسِ.
وَذَلِكَ أَنَّ عُمُومَ قَوْلِهِ عليه السلام «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» يَقْتَضِي أَنْ لَا يَقَعَ هُنَالِكَ تَفْصِيلٌ وَكَوْنُهُ مَحَلًّا لِلذَّكَاةِ يَقْتَضِي أَنْ يَشْتَرِطَ فِيهِ الْحَيَاةَ قِيَاسًا عَلَى الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَعْمَلُ فِيهَا التَّذْكِيَةُ وَالْحَيَاةُ لَا تُوجَدُ فِيهِ إلَّا إذَا نَبَتَ شَعْرُهُ وَتَمَّ حَلْقُهُ وَيُعَضِّدُ هَذَا الْقِيَاسَ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُونَ إذَا شَعَرَ الْجَنِينُ فَذَكَاتُهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ أَشْعَرَ أَوْ لَمْ يُشْعِرْ» إلَّا أَنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى سَيِّئُ الْحِفْظِ عِنْدَهُمْ وَلَكِنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ ذَكَاتُهُ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ الْحَيَاةِ فِيهِ فَيَضْعُفُ أَنْ يُخَصَّصَ الْعُمُومُ الْوَارِدُ فِي ذَلِكَ بِالْقِيَاسِ الْأَوَّلِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ عَنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ اهـ.
وَقَالَ الْأَصْلُ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا لَمْ تَجْرِ فِي الْجِنْسَيْنِ حَيَاةٌ لَمْ تَصِحَّ فِيهِ ذَكَاةٌ لَا مِنْ قِبَلِهِ وَلَا مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ وَلَا يُؤْكَلُ وَإِنْ جَرَتْ فِيهِ الْحَيَاةُ وَعَلَامَةُ ذَلِكَ عِنْدَنَا كَمَالُ الْخَلْقِ وَنَبَاتُ الشَّعَرِ فَإِنْ ذُكِّيَتْ الْأُمُّ وَخَرَجَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ عَلَى الْفَوْرِ كَرِهَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَوَقَعَ فِي الْجَلَّابِ تَحْرِيمُهُ وَإِنْ اسْتَهَلَّ صَارِخًا انْفَرَدَ بِحُكْمِ نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ تُذَكَّ الْأُمُّ وَأَلْقَتْهُ مَيِّتًا أَوْ حَيًّا حَيَاةً لَا يَعِيشُ مَعَهَا عَلِمَ ذَلِكَ أَوْ شَكَّ فِيهِ لَمْ يُؤْكَلْ.
وَإِنْ ذُكِيَتْ الْأُمُّ فَخَرَجَ مَيِّتًا فَذَكَاتُهَا ذَكَاتُهُ وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ ذَكَاةٍ تَخُصُّهُ وَلَا يَكْفِي فِيهِ ذَكَاةُ أُمِّهِ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ أَمَّا
السَّبَبِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الْحُدُودَ يَغْلِبُ عَلَيْهَا التَّعَبُّدُ مِنْ جِهَةِ مَقَادِيرِهَا وَإِنْ كَانَتْ مَعْقُولَةَ الْمَعْنَى مِنْ جِهَةِ أُصُولِهَا وَالتَّعَبُّدُ لَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ فَظَهَرَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الِاسْتِوَاءِ فِي الْأَذِيَّةِ الِاسْتِوَاءُ فِي الْحَدِّ بَلْ يُعَزَّرُ إنْ آذَاهُ بِالْقَذْفِ عَلَى قَاعِدَةِ السَّبِّ وَالشَّتْمِ فَلَا تَضِيعُ الْمَصْلَحَةُ وَلَا تُسْتَبَاحُ الْأَعْرَاضُ وَتَنْعَصِمُ بِالتَّعْزِيرِ وَقَدْ يَزِيدُ التَّعْزِيرُ عَلَى الْحَدِّ عَلَى أَصْلِ مَالِكٍ رحمه الله فَلَا يَسْتَنْكِرُ إسْقَاطَ الْحَدِّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ
(الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ) قَاعِدَةُ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] الْآيَةَ وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} [النور: 23] فَالْآيَةُ الْأُولَى مُطْلَقَةٌ وَهَذِهِ مُقَيَّدَةٌ بِوَصْفِ الْغَفْلَةِ فَتُحْمَلُ الْمُطْلَقَةُ عَلَى الْمُقَيَّدَةِ عَلَى الْقَاعِدَةِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَالْمُبَاشِرُ لِلزِّنَى لَيْسَ بِغَافِلٍ عَنْهُ فَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ لِأَنَّهُ لَوْ حُدَّ لَحَصَلَ مَعْنَى اللَّعْنِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَهُوَ مَنْفِيٌّ بِهَذِهِ الْآيَةِ مِنْ جِهَةِ مَفْهُومِهَا الَّذِي هُوَ مَفْهُومُ الصِّفَةِ لِأَنَّ مَفْهُومَهَا أَنَّ مَنْ لَيْسَ بِغَافِلٍ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ وَلَا يُلْعَنُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَقَدْ اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّهُ يُلْعَنُ بِالتَّعْزِيرِ وَالْعُقُوبَةِ الْمُؤْلِمَةِ عَلَى حَسَبِ حَالِ الْمَقْذُوفِ فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَى الدَّلِيلِ أَمَّا عَوْدُ الْفُسُوقِ بِعَوْدِ الْجِنَايَةِ فَلِأَنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى أَنَّ سَبَبَ الْفُسُوقِ هُوَ مُلَابَسَةُ الْكَبِيرَةِ أَوْ الْإِصْرَارُ عَلَى الصَّغِيرَةِ مِنْ حَيْثُ هُوَ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ وَلَا شَرْطٍ وَهُوَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى بِحَيْثُ وَجَبَ الْقَضَاءُ بِفِسْقِ مُلَابِسِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءِ صُورَةٍ عَنْ صُورَةٍ عَمَلًا بِطَرْدِ الْعِلَّةِ وَوُجُودِ الْمُوجِبِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ.
(الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَلْحَقُ فِيهِ الْوَلَدُ بِالْوَطْءِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَلْحَقُ فِيهِ)
اعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ قَدْ أَطْلَقُوا الْقَوْلَ بِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَلْحَقُ بِالْوَطْءِ إلَّا لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا وَهَذَا الْكَلَامُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَلْحَقُ فِيهِ الْوَلَدُ بِالْوَطْءِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَلْحَقُ فِيهِ إلَى قَوْلِهِ فَإِنَّهُ لَا يَكْمُلُ خَلَفُهُ فِي أَقَلَّ مِنْ هَذِهِ الْمُدَّةِ)
قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ أَنَّ كَلَامَ الْعُلَمَاءِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ لَيْسَ عِنْدِي بِصَحِيحٍ بَلْ كَلَامُهُمْ عَلَى إطْلَاقِهِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ مُقْتَضَى الْآيَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15]
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
مِنْ حَيْثُ الْقَوَاعِدُ فَلِأَنَّ ذَكَاةَ أُمِّهِ تُسْرِعُ زَهُوقَ نَفْسِهِ بِسُهُولَةٍ فَإِنَّهُ كَالْجُزْءِ مِنْهَا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذَكَاةٍ أَوْ يُلَاحَظُ أَنَّهُ حَيَوَانٌ مُسْتَقِلُّ الْأَعْضَاءِ وَالْفَضَلَاتِ فَيَحْتَاجُ إلَى ذَكَاةِ تَخُصُّهُ وَمَوْتُهُ بِمَوْتِ أُمِّهِ مَوْتٌ لَهُ بِالْغَمِّ وَالْآفَاتِ الْحَاصِلَةِ لَهُ فِي مَحَلِّهِ وَالْمَوْتُ بِذَلِكَ لَا يُبِيحُ فِي غَيْرِ صُورَةِ النِّزَاعِ فَكَذَلِكَ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ النَّصُّ فَقَوْلُهُ عليه السلام «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد وَقَدْ مَرَّ فِي الْفَرْقِ الثَّالِثِ وَالسِّتِّينَ أَنَّهُ رُوِيَ بِرَفْعِ الذَّكَاةِ الثَّانِيَةِ وَبِهَا تَمَسَّكَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلِهِمْ بِاسْتِغْنَاءِ الْجَنِينِ عَنْ الذَّكَاةِ وَأَنَّهُ يُؤْكَلُ بِذَكَاةِ أُمِّهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَقْتَضِي حَصْرَ ذَكَاتِهِ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ بِمَعْنَى أَنَّ ذَكَاةَ أُمِّهِ تُبِيحُهُ فَيَسْتَغْنِي بِهَا عَنْ الذَّكَاةِ الَّتِي هِيَ فِي الْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ عِبَارَةٌ عَنْ الذَّبْحِ الْخَاصِّ فِي حَلْقِهِ فَبَيْنُهُ وَبَيْنَ أُمِّهِ مُلَابَسَةٌ تَصِحُّ أَنْ تَكُونَ ذَكَاةُ أُمِّهِ هِيَ عَيْنُ ذَكَاتِهِ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا بِنَاءً عَلَى قَاعِدَةِ أَنَّ إضَافَةَ الْمَصَادِرِ مُخَالِفَةٌ لِإِسْنَادِ الْأَفْعَالِ فِي أَنَّهُ يَكْفِي فِي كَوْنِهَا حَقِيقَةً لُغَوِيَّةً أَدْنَى مُلَابَسَةٍ كَقَوْلِنَا صَوْمُ رَمَضَانَ وَحَجُّ الْبَيْتِ بِخِلَافِ إسْنَادِ الْأَفْعَالِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ لِكَوْنِهِ حَقِيقَةً مُرَاعَاةُ الْفَاعِلِ الْحَقِيقِيِّ لَا مُطْلَقُ مُلَابِسٍ وَرُوِيَ بِنَصْبِ الذَّكَاةِ الثَّانِيَةِ وَبِهَذِهِ الرِّوَايَةِ تَمَسَّكَ الْحَنَفِيَّةُ فِي قَوْلِهِمْ بِاحْتِيَاجِ الْجَنِينِ لِلذَّكَاةِ.
وَأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ بِذَكَاةِ أُمِّهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّقْدِيرَ ذَكَاةُ الْجَنِينِ أَنْ يُذَكَّى ذَكَاةً مِثْلَ ذَكَاةِ أُمِّهِ فَحُذِفَ الْمُضَافُ مَعَ بَقِيَّةِ الْكَلَامِ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَقَامَهُ فَأُعْرِبَ كَإِعْرَابِهِ عَلَى قَاعِدَةِ حَذْفِ الْمُضَافِ مَعَ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ عَلَى رِوَايَةِ النَّصْبِ ذَكَاةُ الْجَنِينِ دَاخِلَةٌ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ فَخُذِفَ حَرْفُ الْجَرِّ فَانْتَصَبَ الذَّكَاةُ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ عَلَى حَدِّ دَخَلْت الدَّارَ بَلْ هَذَا التَّقْدِيرُ أَرْجَحُ مِمَّا قَدَّرَهُ الْحَنَفِيَّةُ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا قِلَّةُ الْحَذْفِ وَثَانِيهِمَا الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَدَفْعُ التَّعَارُضِ بَيْنَهُمَا اهـ بِتَلْخِيصٍ وَإِصْلَاحٍ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْحَدِيثَ يَقْتَضِي الْحَصْرَ وَاسْتِغْنَاءِ الْجَنِينِ عَنْ الذَّكَاةِ بِذَكَاةِ أُمِّهِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ وَمَا قَالَهُ مِنْ تَرْجِيحِ التَّقْدِيرِ عَلَى مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ بِقِلَّةِ الْحَذْفِ وَإِنْ سُلِّمَ إلَّا أَنَّهُ يَضْعُفُ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَسَاقِ الْكَلَامِ دَلِيلٌ عَلَى دُخُولِ ذَكَاةِ الْجَنِينِ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ كَمَا أَنَّ التَّقْدِيرَ عَلَى قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ وَإِنْ ضَعُفَ بِكَثْرَةِ الْحَذْفِ إلَّا أَنَّهُ يُرَجَّحُ بِأَنَّهُ مِنْ مُقْتَضَى مَسَاقِ الْكَلَامِ وَمَا قَالَهُ مِنْ تَرْجِيحِ التَّقْدِيرِ عَلَى مَا لِلْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ بِالْجَمْعِ لَا يَتِمُّ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ عَلَى مَا لِلْحَنَفِيَّةِ مَعَ أَنَّ الْجَمْعَ مُتَّجَهٌ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ مَعًا وَالشَّأْنُ إنَّمَا هُوَ فِي تَرْجِيحِ أَحَدِ الْجَمْعَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ وَبَسْطُهُ يَطُولُ فَتَأَمَّلْ (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ)
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ أَيْضًا وَأَمَّا هَلْ لِلْجَرَادِ ذَكَاةٌ أَمْ لَا فَقَالَ مَالِكٌ
لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ وَإِنَّمَا مُرَادُهُمْ إذَا كَانَ الْوَلَدُ قَدْ وُلِدَ تَامًّا فَإِنَّهُ لَا يَتِمُّ بَعْدَ الْوَطْءِ إلَّا فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا أَمَّا أَقَلُّ فَلَا وَعَلَى هَذَا إذَا لَمْ تَلِدْهُ تَامًّا نُظِرَتْ نِسْبَةُ تِلْكَ الْمُدَّةِ لِذَلِكَ التَّخَلُّقِ إنْ كَانَتْ الْمُدَّةُ تَصْلُحُ لَهُ أَلْحَقَتْهُ بِالْوَطْءِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَصْلُحُ لَهُ لَمْ يَلْحَقْ فَقَدْ يَلْحَقُ بِهِ لِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ إذَا كَانَتْ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ تَصْلُحُ لِذَلِكَ التَّخَلُّقِ وَعَلَى هَذَا الْمِنْهَاجِ يَكُونُ إلْحَاقُ الْوَلَدِ بِنِسْبَةِ الْمُدَّةِ إلَى صُورَةِ التَّخَلُّقِ فَقَوْلُهُمْ حِينَئِذٍ أَنَّ الْوَلَدَ لَا يَلْحَقُ دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ بَلْ مُرَادُهُمْ إذَا كَانَ كَامِلَ الْخَلْقِ فَإِنَّهُ لَا يَكْمُلُ خَلْقُهُ فِي أَقَلَّ مِنْ هَذِهِ الْمُدَّةِ وَسَبَبُهُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ جُمَيْعٍ وَغَيْرُهُ فِي التَّحَدُّثِ عَلَى الْأَجِنَّةِ أَنَّ الْجَنِينَ يَتَحَرَّكُ لِمِثْلِ مَا يُخْلَقُ فِيهِ وَبِوَضْعٍ لِمِثْلَيْ مَا تَحَرَّكَ فِيهِ قَالُوا وَتَخَلُّقُهُ فِي الْعَادَةِ تَارَةً يَكُونُ لِشَهْرٍ وَتَارَةً يَكُونُ لِشَهْرٍ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ وَتَارَةً يَكُونُ لِشَهْرٍ وَنِصْفٍ فَإِذَا تَخَلَّقَ فِي شَهْرٍ بِمَعْنَى تَصَوَّرَتْ أَعْضَاؤُهُ تَحَرَّكَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ فَيَتَحَرَّكُ فِي شَهْرَيْنِ وَيُوضَعُ لِمِثْلَيْ مَا تَحَرَّكَ فِيهِ وَمِثْلَا الشَّهْرَيْنِ أَرْبَعُ أَشْهُرٍ وَأَرْبَعَةٌ مَعَ شَهْرَيْنِ سِتَّةٌ فَيُوضَعُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَإِنْ تَخَلَّقَ لِشَهْرٍ وَخَمْسَةٍ أَمْ تَحَرَّكَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَهُوَ شَهْرَانِ وَعَشْرَةُ أَيَّامٍ مِثْلَا ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعِشْرُونَ يَوْمًا فَإِذَا أُضِيفَ ذَلِكَ لِمُدَّةِ التَّحَرُّكِ كَانَ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ فَيُوضَعُ الْوَلَدُ لِسَبْعَةِ أَشْهُرٍ وَإِنْ تَخَلَّقَ لِشَهْرٍ وَنِصْفٍ تَحَرَّكَ فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَوُضِعَ لِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ عَلَى التَّقْدِيرِ الْمُتَقَدِّمِ فَلِذَلِكَ لَا يَحْصُلُ الْوَضْعُ الطَّبِيعِيُّ إلَّا لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ سَبْعَةٍ أَوْ تِسْعَةٍ قَالُوا وَلِهَذَا السَّبَبِ يَعِيشُ الْوَلَدُ الَّذِي يُوضَعُ لِسَبْعَةٍ وَلَا يَعِيشُ الَّذِي يُوضَعُ لِثَمَانِيَةٍ.
وَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ لِلْقُوَّةِ وَلِمُدَّةِ التِّسْعَةِ بِسَبَبِ أَنَّ الَّذِي يُوضَعُ لِسَبْعَةٍ وُضِعَ مِنْ غَيْرِ آفَةٍ سَلِيمًا عَلَى قَاعِدَةِ الْوِلَادَةِ وَاَلَّذِي وُضِعَ لِثَمَانِيَةٍ يَكُونُ بِهِ آفَةٌ مِنْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ قَدْ عَجَّلَهُ عَنْ التِّسْعَةِ آفَةٌ أَوْ أَخَّرَتْهُ عَنْ السَّبْعَةِ آفَةٌ وَاَلَّذِي بِهِ آفَةٌ لَا يَعِيشُ فَالْمَوْلُودُ لِثَمَانِيَةٍ لَا يَعِيشُ فَهَذَا هُوَ السِّرُّ فِي ذَلِكَ وَهَذَا هُوَ الْمَهْيِعُ الْعَامُّ وَالْعَادَةُ الْغَالِبَةُ قَالُوا وَقَدْ يَحْصُلُ عَارِضٌ مِنْ جِهَةِ الْمَنِيِّ فِي مِزَاجِهِ وَبَرْدِهِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (وَسَبَبُهُ مَا قَالَهُ ابْنُ جُمَيْعٍ وَغَيْرُهُ فِي التَّحَدُّثِ عَلَى الْأَجِنَّةِ) قُلْت مَا قَالَهُ هُنَا حِكَايَةُ أَقْوَالٍ وَتَقْرِيرُ كَلَامِ الْأَطِبَّاءِ فِي تَصَرُّفِ أَحْوَالٍ فَأَمَّا حِكَايَةُ الْأَقْوَالِ فَلَا كَلَامَ فِيهِ وَأَمَّا مَا حَكَاهُ عَنْ الْأَطِبَّاءِ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ عِنْدِي عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا لِمُخَالَفَتِهِ لِمُقْتَضَى الْآيَةِ وَلَا تَضُرُّ مُخَالَفَةُ الشَّرْعِ لِمُقْتَضَى الْحُسْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
لَا يُؤْكَلُ مِنْ غَيْرِ ذَكَاةٍ وَذَكَاتُهُ عِنْدَهُ هُوَ أَنْ يُقْتَلَ إمَّا بِقَطْعِ رَأْسِهِ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ وَقَالَ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ يَجُوزُ أَكْلُ مَيْتَتِهِ وَبِهِ قَالَ مُطَرِّفٌ وَذَكَاةُ مَا لَيْسَ بِذِي دَمٍ عِنْدَ مَالِكٍ كَذَكَاةِ الْجَرَادِ وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي مَيْتَةِ الْجَرَادِ هُوَ هَلْ يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْمَيْتَةِ أَمْ لَا فِي قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] وَلِلْخِلَافِ سَبَبٌ آخَرُ وَهُوَ هَلْ نَثْرَةُ حُوتٍ أَوْ حَيَوَانٍ بَرِّيٍّ اهـ.
وَقَالَ الْأَصْلُ لَمْ يُشْتَرَطْ الذَّكَاةُ فِي الْجَرَادِ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ مَنْ لَاحَظَ عَدَمَ الْفَضَلَاتِ فِيهَا بَلْ جَعَلَ اسْتِخْرَاجَ الْفَضَلَاتِ أَصْلًا وَإِرَاحَةَ الْحَيَوَانِ تَبَعًا وَأَجَازَ مَيْتَةَ ذَلِكَ كُلِّهِ وَهُوَ ظَاهِرُ حَدِيثِ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ فَالدَّمَانِ الْكَبِدُ وَالطِّحَالُ وَالْمَيْتَتَانِ السَّمَكُ وَالْجَرَادُ» وَأَمَّا مَنْ لَاحَظَ سُرْعَةَ زَهُوقِ الرُّوحِ وَجَعَلَهُ أَصْلًا فِي نَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يُجْزِهَا إلَّا بِذَكَاةٍ وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. اهـ. (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ أَيْضًا وَأَمَّا هَلْ لِلْحَيَوَانِ الَّذِي يَأْوِي فِي الْبَرِّ تَارَةً وَفِي الْبَحْرِ تَارَةً ذَكَاةٌ أَمْ لَا فَقَدْ غَلَّبَ قَوْمٌ فِيهِ حُكْمَ الْبَرِّ وَآخَرُونَ حُكْمَ الْبَحْرِ وَاعْتَبَرَ آخَرُونَ حَيْثُ يَكُونُ عَيْشُهُ وَمُتَصَرِّفُهُ مِنْهُمَا غَالِبًا اهـ.
وَقَالَ الْأَصْلُ مَنْ لَاحَظَ قَاعِدَةَ إلْحَاقِ النَّادِرِ بِالْغَالِبِ فِي الشَّرِيعَةِ أَسْقَطَ ذَكَاةَ مَا يَعِيشُ فِي الْبَرِّ مِنْ دَوَابِّ الْبَحْرِ كَالتِّمْسَاحِ وَالتُّرْسِ وَغَيْرِهِمَا نَظَرًا لِغَالِبِهِ فَإِنَّهُ لَا يَعِيشُ فِي الْبَرِّ وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ رحمه الله وَمَنْ لَاحَظَ قَاعِدَةَ تَذْكِيَةِ الْحَيَوَانِ وَجَعَلَ مَيْتَةَ الْبَحْرِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ لَمْ يُسْقِطْ الذَّكَاةَ فِي هَذَا النَّوْعِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] وَهَذِهِ مَيْتَةٌ إلَّا أَنْ يُلَاحِظَ قَاعِدَةَ حَمْلِ اللَّفْظِ الْعَامِّ عَلَى سَبَبِهِ دُونَ عُمُومِهِ فَيَخْتَصُّ بِالْمَيْتَةِ الَّتِي وَرَدَتْ الْآيَةُ فِيهَا وَهِيَ الْمَيْتَةُ الَّتِي كَانُوا يَأْكُلُونَهَا مِنْ الْحَيَوَانِ الْبَرِّيِّ وَيَقُولُونَ تَأْكُلُونَ مَا قَتَلْتُمْ وَلَا تَأْكُلُونَ مَا قَتَلَ اللَّهُ اهـ
(تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) مَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الذَّكَاةِ الْقَصْدُ إلَى اسْتِخْرَاجِ الدَّمِ الْحَرَامِ الْمُسْتَخْبَثِ مِنْ اللَّحْمِ الْحَلَالِ الطَّيِّبِ بِأَسْهَلِ الطُّرُقِ عَلَى الْحَيَوَانِ إنَّمَا يَتَيَسَّرُ فِي الْحَيَوَانِ الْإِنْسِيِّ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ أَمَّا الْوَحْشِيُّ فَقَدْ تَعَذَّرَ فِيهِ اسْتِخْرَاجُ الدَّمِ وَسُهُولَةُ الطَّرِيقِ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْقَصْدُ وَالْآلَةُ وَنُزِّلَ السَّهْمُ مَنْزِلَةَ الْمُدْيَةِ لِضَرُورَةِ الْفِرَارِ وَالتَّوَحُّشِ فَهُوَ أَيْ السَّهْمُ فِي الرُّتْبَةِ الثَّانِيَةِ وَيَلِيهِ فِي الرُّتْبَةِ الثَّالِثَةِ الْجَارِحُ لِأَنَّ لَهُ اخْتِيَارًا يَبْعُدُ بِسَبَبِهِ عَنْ كَوْنِهِ آلَةً لِأَنَّهُ يَجُوزُ لِنَفْسِهِ لَكِنْ عَارَضَ كَوْنُهُ مُخْتَارًا عَدَمَ الْعَقْلِ فِيهِ فَعَدَمُ عَقْلِهِ مُخِلٌّ بِاخْتِيَارِهِ مُضَافًا إلَى التَّعْلِيمِ الْحَاصِلِ فِيهِ وَالْأَوْهَامُ الَّتِي حَصَّلَهَا فِيهِ الْآدَمِيُّ بِسَبَبِ التَّعْلِيمِ وَالسِّيَاسَةِ الْخَاصَّةِ فَصَارَ ذَلِكَ مُقَرَّبًا لِكَوْنِهِ آلَةً لَهُ وَلِذَلِكَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الْمَجُوسِيُّ آلَةً لِعَقْلِهِ وَكَمَالِ اخْتِيَارِهِ وَإِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى جَعَلَ ذَبِيحَتَهُ مَيْتَةً كَافْتِرَاسِ الْوُحُوشِ كَمَا جَعَلَ نِسَاءَهُمْ كَالْبَهَائِمِ يَحْرُمُ وَطْؤُهُنَّ بِسَبَبِ عَدَمِ تَعْظِيمِهِمْ الْكُتُبَ