الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْأَرْذَالِ الْأَخِسَّاءِ فَهَذِهِ فُرُوقٌ عَظِيمَةٌ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ وَقَدْ سُئِلَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَنْ الْمَرْأَةِ تُزَوِّجُ نَفْسَهَا فَقَالَ فِي الْجَوَابِ الْمَرْأَةُ مَحَلُّ الزَّلَلِ وَالْعَارِ إذَا وَقَعَ لَمْ يَزُلْ وَفِي الْفَرْقِ مَسْأَلَتَانِ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى)
قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ رضي الله عنهم لَا يَجُوزُ عَقْدُ الْمَرْأَةِ عَلَى نَفْسِهَا وَلَا عَلَى غَيْرِهَا مِنْ النِّسَاءِ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا رَشِيدَةً أَوْ سَفِيهَةً أَذِنَ لَهَا الْوَلِيُّ أَمْ لَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه يَجُوزُ لِلرَّشِيدَةِ أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا وَاحْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِوُجُوهٍ أَحَدُهَا قَوْله تَعَالَى {أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232] وقَوْله تَعَالَى {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] فَأَضَافَ الْعَقْدَ إلَيْهَا دُونَ الْوَلِيِّ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْمُبَاشَرَةِ وَأَذِنَ الشَّرْعُ لَهَا فِي ذَلِكَ
(وَثَانِيهَا) أَنَّهَا مُتَصَرِّفَةٌ فِي مَالِهَا فَفِي نَفْسِهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّهَا أَعْلَمُ بِأَغْرَاضِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَمَصْلَحَةُ الْمَالِ الَّتِي هِيَ التَّنْمِيَةُ مَعْلُومَةٌ لِلْوَلِيِّ كَمَا هِيَ مَعْلُومَةٌ لِلْمَرْأَةِ
(وَثَالِثُهَا) أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَجْرِ عَلَى الْعَاقِلِ وَالْبَالِغِ وَهِيَ عَاقِلَةٌ بَالِغَةٌ فَيَزُولُ الْحَجْرُ عَنْهَا مُطْلَقًا فِي نَفْسِهَا وَمَالِهَا
(وَرَابِعُهَا) قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَنْكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ بَاطِلٌ بَاطِلٌ» وَالْفُقَهَاءُ يَسْتَدِلُّونَ بِهِ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّ الْوَلِيَّ إذَا أَذِنَ لَهَا يَجُوزُ عَقْدُهَا وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ وَيُمْكِنُ الِاسْتِدْلَال عَلَى صِحَّةِ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ عَقْدَهَا عَلَى نَفْسِهَا إذَا صَحَّ مَعَ الْإِذْنِ صَحَّ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ قَائِلٌ بِالْفَرْقِ
(وَالْجَوَابُ) عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِمُوجِبِهِ فَإِنَّ الْوَطْءَ لَهَا دُونَ وَلِيِّهَا فَإِنْ قُلْت الزَّوْجُ هُوَ الْفَاعِلُ لِذَلِكَ دُونَ الْمَرْأَةِ قُلْت مُسَلَّمٌ فَيُحْمَلُ عَلَى التَّمْكِينِ مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِلْحَقِيقَةِ مِنْ الْعَقْدِ وَالْمَجَازُ الْأَقْرَبُ يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْحَقِيقَةِ وَيُوَضِّحُهُ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: 32] فَخَاطَبَ الْأَوْلِيَاءَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ الدَّالَّةِ عَلَى الْوُجُوبِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لِلْمَرْأَةِ لَتَعَذَّرَ ذَلِكَ كَمَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لِلْأَوْلِيَاءِ بِيعُوا أَمْوَالَ النِّسَاءِ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي الْأَمْوَالِ لَهُنَّ وَقَوْلُهُ عليه السلام «لَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ وَلَا الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا فَإِنَّ الزَّانِيَةَ هِيَ الَّتِي تُزَوِّجُ نَفْسَهَا» خَرَّجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ إنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
(وَعَنْ الثَّانِي) الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِبْضَاعِ وَالْأَمْوَالِ مَا تَقَدَّمَ
(وَعَنْ الثَّالِثِ) أَنَّ الدَّلِيلَ دَلَّ عَلَى مُخَالَفَةِ ذَلِكَ الْأَصْلِ وَهُوَ الْحَدِيثُ وَالْآيَاتُ السَّابِقَةُ
(وَعَنْ الرَّابِعِ) أَنَّ الْقَاعِدَةَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهَا فِي أَصْلِ الْفِقْهِ أَنَّ الْوَصْفَ إذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لَا يَكُونُ حُجَّةً إجْمَاعًا وَضَابِطُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ الْمَذْكُورُ غَالِبًا
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الثَّمَانِي الَّتِي ذُكِرَ الْفَرْقُ فِيهَا إذَا دَخَلَ الثَّانِي بِهَا كَانَ دُخُولُهُ بِهَا فَوْتًا وَنُفُوذًا لِلْعَقْدِ الثَّانِي نَعَمْ يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الثَّمَانِي
وَالْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ الَّتِي ذُكِرَ عَدَمُ الْفَوْتِ فِيهَا فَلِذَا كَانَ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْقِيَاسَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ صَحِيحًا اهـ. بِتَوْضِيحٍ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِمَاءِ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ عَدَدٍ مِنْهُنَّ كَثُرَ أَوْ قَلَّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الزَّوْجَاتِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ]
(الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِمَاءِ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ عَدَدٍ أَيِّ عَدَدٍ شَاءَ مِنْهُنَّ كَثُرَ أَوْ قَلَّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الزَّوْجَاتِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ)
وَذَلِكَ أَنَّ بَابَ الزَّوَاجِ لَمَّا كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى الْعِزِّ وَالِاصْطِفَاءِ وَكَانَ الْأَصْلُ فِيهِ التَّخْصِيصَ بِالْوَطْءِ وَلَا تَقَعُ الْخِدْمَةُ فِيهِ إلَّا تَبَعًا بِعَكْسِ بَابِ الْإِمَاءِ فَإِنَّ الْخِدْمَةَ وَالْهَوَانَ فِيهِ أَصْلٌ وَلَا يَقَعُ الْوَطْءُ فِيهِ إلَّا تَبَعًا كَانَتْ الشَّحْنَاءُ وَالْمُضَارَّةُ الَّتِي هِيَ مَوْجُودَةٌ فِي بَابِ الزَّوَاجِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فِيهِ مِنْ الْإِعْزَازِ وَالِاصْطِفَاءِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ فِي بَابِ الْإِمَاءِ لِأَنَّهَا وَإِنْ وُجِدَتْ فِيهِ أَيْضًا إلَّا أَنَّهَا لَمَّا لَمْ تَكُنْ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فِيهِ بَلْ عَلَى الْأَصْلِ فِيهِ مِنْ الْهَوَانِ وَالْخِدْمَةِ كَانَتْ ضَعِيفَةً عَنْ وُجُودِهَا فِي بَابِ الزَّوَاجِ فَلَمَّا بَعُدَتْ مُنَاسَبَةُ الْإِمَاءِ فِيمَا لَيْسَ هُوَ وَصْفُهُنَّ بَلْ وُقُوعُهُ نَادِرٌ فِيهِنَّ مِنْ الْوَطْءِ وَالِاصْطِفَاءِ كَانَتْ الْمَهَانَةُ الْغَالِبَةُ فِيهِنَّ مِنْ جِهَةِ ذُلِّ الرِّقِّ تَمْنَعُ مِنْ الْإِبَاءِ وَالْأَنَفَةِ وَالْمُنَافَسَةِ فِي الْحُظُوظِ وَلَمَّا بَعُدَتْ مُنَاسَبَةُ الزَّوْجَاتِ فِيمَا لَيْسَ هُوَ وَصْفُهُنَّ بَلْ وُقُوعُهُ نَادِرٌ فِيهِنَّ مِنْ الْمَهَانَةِ وَالْخِدْمَةِ كَانَ الْوَطْءُ وَالِاصْطِفَاءُ الْغَالِبُ فِيهِنَّ مِنْ جِهَةِ عِزِّ الزَّوَاجِ يَقْتَضِي الْإِبَاءَ وَالْأَنَفَةَ وَالْمُنَافَسَةَ فِي الْحُظُوظِ وَكَانَ التَّحْرِيمُ مُطْلَقًا لِجَمْعِ امْرَأَةِ مَعَ أُخْرَى فِي عِصْمَةٍ هُوَ مُقْتَضِي أَنَّ مُضَارَّةَ الْمَرْأَةِ بِذَلِكَ الْجَمْعِ وَسِيلَةٌ لِلشَّحْنَاءِ فِي الْعَادَةِ وَقَدْ جَعَلَ ذَلِكَ فِي شَرِيعَةِ عِيسَى عليه السلام كَمَا هُوَ مَنْقُولٌ عِنْدَهُمْ فَلَا يَتَزَوَّجُ الرَّجُلُ إلَّا امْرَأَةً وَاحِدَةً.
وَإِنْ كَانَتْ مَصْلَحَةُ الرَّجُلِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِتَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ تَقْدِيمًا لِمَصْلَحَةِ النِّسَاءِ فِي نَفْيِ الْمُضَارَّةِ وَالشَّحْنَاءِ عَلَى مَصْلَحَةِ الرِّجَالِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ وَيُقَالُ إنَّهُ قَدْ شُرِعَ عَكْسُ ذَلِكَ فِي التَّوْرَاةِ لِمُوسَى عليه السلام وَأَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ زَوَاجُ عَدَدٍ غَيْرِ مَحْصُورٍ يَجْمَعُ بَيْنَهُنَّ تَغْلِيبًا لِمَصْلَحَةِ الرِّجَالِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ عَلَى مَصْلَحَةِ النِّسَاءِ فِي نَفْيِ الشَّحْنَاءِ وَالْمُضَارَّةِ وَلَمَّا كَانَتْ شَرِيعَتُنَا أَفْضَلَ الشَّرَائِعِ جَمَعَ فِيهَا بَيْنَ مَصْلَحَتَيْ الْفَرِيقَيْنِ إذْ كَمَا أَنَّهُ رَوْعِي فِيهَا مَصْلَحَةُ الرِّجَالِ فَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ فَيَحْصُلُ لَهُ بِذَلِكَ قَضَاءُ إرَبِهِ وَيَخْرُجُ بِهِ عَنْ حَيِّزِ الْحَجْرِ وَيُضَافُ لِذَلِكَ التَّسَرِّي بِمَا شَاءَ كَذَلِكَ رُوعِيَ فِيهَا مَصَالِحُ النِّسَاءِ فَلَا تُضَارُّ زَوْجَةٌ مِنْهُنَّ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ وَسِرُّ الِاقْتِصَارِ فِي جَوَازِ الْمُضَارَّةِ وَالشَّحْنَاءِ عَلَى ثَلَاثٍ هُوَ أَنَّ الْمُضَارَّةَ وَالشَّحْنَاءَ لَمَّا كَانَتْ عَلَى خِلَافِ أَصْلٍ وَالثَّلَاثَةُ عَلَى خِلَافِ الْأُصُولِ قَدْ اُسْتُثْنِيَتْ فِي صُوَرٍ مِنْهَا جَوَازُ الْهَجْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَالْإِحْدَادِ
عَلَى وُقُوعِ ذَلِكَ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ أَوْ عَلَى تِلْكَ الْحَقِيقَةِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} [الإسراء: 31] فَإِنَّ الْقَتْلَ الْغَالِبَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَقَعَ فِي الْأَوْلَادِ إلَّا لِتَوَقُّعِ ضَرَرٍ كَالْإِمْلَاقِ الَّذِي هُوَ الْفَقْرُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْفَضِيحَةِ فَلَا تَكُونُ لَهُ دَلَالَةً عَلَى جَوَازِ الْقَتْلِ عِنْدَ عَدَمِ خَوْفِ الْإِمْلَاقِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عليه السلام «فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ» وَالْغَالِبُ عَلَى الْغَنَمِ السَّوْمُ لَا سِيَّمَا أَغْنَامُ الْحِجَازِ فَلَا يَكُونُ مَفْهُومُهُ حُجَّةً عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْمَعْلُوفَةِ وَكَذَلِكَ هَهُنَا الْغَالِبُ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُقْدِمُ عَلَى زَوَاجِ نَفْسِهَا إلَّا خُفْيَةً عَنْ وَلِيِّهَا وَهُوَ غَيْرُ آذِنٍ لَهَا فِي ذَلِكَ وَالْعَادَةُ قَاضِيَةٌ بِذَلِكَ فَإِذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً إجْمَاعًا قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ لَا خِلَافَ عِنْدَنَا أَنَّهَا لَا تَكُونُ وَلِيًّا عَلَى امْرَأَةٍ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا تَكُونُ وَلِيَّةً عَلَى عَبِيدِهَا وَمَنْ وُصِّيَتْ عَلَيْهِ مِنْ أَصَاغِرِ الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ وَالْفَرْقُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ
(أَحَدُهَا) أَنَّ لِلصَّبِيِّ أَهْلِيَّةَ الْعَقْدِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ بَعْدَ الْعِتْقِ
(وَثَانِيهَا) أَنَّهُمَا قَادِرَانِ عَلَى رَفْعِ الْعَقْدِ بَعْدَ الْبُلُوغِ بِالطَّلَاقِ
(وَثَالِثُهَا) أَنَّ الْوِلَايَةَ عَلَيْهِمَا لَيْسَتْ لِطَلَبِ الْكَفَاءَةِ الْمُحْتَاجَةِ لِدَقِيقِ النَّظَرِ بِخِلَافِ الْأُنْثَى فِي ذَلِكَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ)
فِي الْعَفْوِ عَنْ الصَّدَاقِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] أَيْ يَعْفُوَ النِّسَاءُ عَنْ النِّصْفِ الَّذِي وَجَبَ لَهُنَّ فَيَسْقُطُ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ ثُمَّ قَالَ {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] قَالَ مَالِكٌ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ الْمُشَارُ إلَيْهِ هُوَ الْأَبُ فِي ابْنَتِهِ وَالسَّيِّدُ فِي أَمَتِهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ هُوَ الزَّوْجُ وَاحْتَجُّوا عَلَى ذَلِكَ بِوَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ صَرِيحًا
(وَثَانِيهِمَا) أَنَّ الْأَصْلَ يَقْتَضِي عَدَمَ تَسْلِيطِ الْوَلِيِّ عَلَى مَالِ مُوَلِّيَتِهِ
(وَالْجَوَابُ) عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ ضَعِيفٌ لَا تَقُوم بِهِ حُجَّةٌ سَلَّمْنَا صِحَّتَهُ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْآيَةِ بَلْ إخْبَارٌ عَنْ حَالِ الزَّوْجِ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ
(وَعَنْ الثَّانِي) أَنَّ قَاعِدَةَ الْوِلَايَةِ تَقْتَضِي تَصَرُّفَ الْوَلِيِّ بِمَا هُوَ أَحْسَنُ لِلْمَوْلَى عَلَيْهِ وَقَدْ يَكُونُ الْعَفْوُ أَحْسَنَ لِلْمَرْأَةِ لِاطِّلَاعِ الْوَلِيِّ عَلَى التَّرْغِيبِ فِيهَا لِهَذَا الزَّوْجِ أَوْ غَيْرِهِ وَأَنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى تَحْصِيلِ أَضْعَافِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ فَيُفْعَلُ ذَلِكَ لِتَحْصِيلِ الْمَصْلَحَةِ فَمَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ تَفْوِيتٌ لِمَصْلَحَةِ الْمَرْأَةِ لَا رِفْقٌ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
عَلَى غَيْرِ الزَّوْجِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَمَا مَرَّ اُسْتُثْنِيَ كَذَلِكَ ثَلَاثُ زَوْجَاتٍ يُضَارُّ بِهِنَّ زَوْجَةٌ أُخْرَى هَذَا فِي الْأَجْنَبِيَّاتِ وَالْبَعِيدِ مِنْ الْقَرَابَاتِ.
أَمَّا الْقَرَابَاتُ الْقَرِيبَةُ فَقَدْ حَافَظَ الشَّرْعُ عَلَى زِيَادَةِ صَوْنِهَا عَنْ التَّفَرُّقِ وَالشَّحْنَاءِ فَمَنَعَ الْجَمْعَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَابْنَتِهَا وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَأُمِّهَا حِفْظًا لِبِرِّ الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتِ لِأَنَّ قَرَابَتَهُمَا أَعْظَمُ الْقَرَابَاتِ وَبَيْنَ الْأُخْتَيْنِ لِأَنَّ قَرَابَتَهُمَا تَلِي ذَلِكَ فِي الْقُرْبِ ثُمَّ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا لِكَوْنِهَا مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ الَّتِي بِرُّهَا آكَدُ مِنْ بِرِّ الْأَبِ ثُمَّ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا لِأَنَّهَا مِنْ جِهَةِ الْأَبِ ثُمَّ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَةِ أُمِّهَا ثُمَّ بَيْنَهَا وَخَالَةِ أَبِيهَا ثُمَّ بَيْنَهَا وَعَمَّةِ أُمِّهَا ثُمَّ بَيْنَهَا وَعَمَّةِ أَبِيهَا وَلَكِنْ لَمَّا كَانَتْ الْأُمُّ أَشَدَّ بِرًّا بِبِنْتِهَا مِنْ الْبِنْتِ بِأُمِّهَا لَمْ يَجْعَلْ الشَّرْعُ الْعَقْدَ عَلَى الْأُمِّ كَافِيًا فِي بُغْضِهَا لِبِنْتِهَا إذَا عَقَدَ عَلَيْهَا لِضَعْفِ مَيْلِ الْأُمِّ لِلزَّوْجِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَعَدَمِ مُخَالَطَتِهِ بَلْ اشْتَرَطَ فِي التَّحْرِيمِ إضَافَةَ الدُّخُولِ إلَى الْعَقْدِ وَجَعَلَ الْعَقْدَ عَلَى الْبِنْتِ كَافِيًا فِي بُغْضِهَا لِأُمِّهَا فَحَرَّمَ الْأُمَّ عَلَى مَنْ عَقَدَ عَلَى الْبِنْتِ وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا لِئَلَّا تَعُقَّ أُمَّهَا نَعَمْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه يُشْتَرَطُ فِي تَحْرِيمِ الْأُمِّ الدُّخُولُ عَلَى الْبِنْتِ كَمَا اشْتَرَطَ فِي تَحْرِيمِ الْبِنْتِ الدُّخُولَ عَلَى الْأُمِّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] ثُمَّ قَالَ {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] فَقَوْلِهِ تَعَالَى {اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] صِفَةٌ تَعَقَّبَتْ الْجُمْلَتَيْنِ فَتَعُمَّهُمَا كَمَا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ وَالشَّرْطَ إذَا تَعَقَّبَا الْجُمَلَ عَمَّا.
وَلَا يَرُدُّ هَذَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّهُ يَرَى تَرْجِيحَ الْقَرِيبِ فِي الْجُمَلِ وَهِيَ الْجُمْلَةُ الْأَخِيرَةُ فَيَخُصُّهَا بِالِاسْتِثْنَاءِ وَالصِّفَةِ لَا سِيَّمَا وَالْقَرِيبُ هَاهُنَا هُوَ مَوْضِعُ الْإِجْمَاعِ فَلَا مُوجِبَ لِلْعُدُولِ بِاللَّفْظِ عَنْ مَوْضِعِ الْإِجْمَاعِ بَلْ الْمُوجِبُ وَهُوَ الْقُرْبُ يُصْرَفُ إلَى مَوْضِعِ الْإِجْمَاعِ فَإِنَّ اللَّفْظَ صَالِحٌ لِلْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَرُجِّحَتْ الثَّانِيَةُ الَّتِي هِيَ مَوْضِعُ الْإِجْمَاعِ بِالْقُرْبِ فَلَمْ يَكُنْ حَمْلُ اللَّفْظِ هَاهُنَا عَلَى الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ طَلَبًا لِمُسْتَنَدِ الْإِجْمَاعِ فَلَا يُرَدُّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُنَا هَاهُنَا طَلَبُ مُسْتَنَدِ الْإِجْمَاعِ فِي اشْتِرَاطِ الدُّخُولِ فِي تَحْرِيمِ الْبِنْتِ إذْ لَا يَلْزَمُنَا طَلَبُ دَلِيلٍ لِلْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُسْتَنَدٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا الْأَوْفَقُ أَنْ تُحْمَلَ عَلَى فَائِدَةٍ زَائِدَةٍ بِأَنْ يُجْعَلَ {اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] نَعْتًا عَائِدًا لِلْجُمْلَةِ الْأُولَى وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] دَالًّا عَلَى اشْتِرَاطِ الدُّخُولِ فِي تَحْرِيمِ الْأُمِّ كَمَا أَنَّ الدُّخُولَ شَرْطٌ فِي الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ بِالْإِجْمَاعِ إذْ لَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي شَرْطِيَّةِ الدُّخُولِ فِي تَحْرِيمِ الْبِنْتِ فَيَثْبُتُ الْحُكْمَانِ فِي الْجُمْلَتَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ
بِهَا ثُمَّ الْآيَةُ تَدُلُّ لَنَا مِنْ عَشَرَةِ أَوْجُهٍ
(أَحَدُهَا) أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَمِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ وَالْمُتَقَدِّمُ قَبْلَ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ إثْبَاتُ النِّصْفِ فَعَلَى رَأْيِنَا تَعْفُو الْمَرْأَةُ فَيَسْقُطَ فَتَطَّرِدُ الْقَاعِدَةُ وَعَلَى رَأْيِهِمْ يَعْفُو الزَّوْجُ فَيَثْبُتَ مَعَ هَذَا النِّصْفُ الَّذِي تَشَطَّرَ بِالطَّلَاقِ فَلَا تَطَّرِدُ الْقَاعِدَةُ بِوُقُوعِ الْإِثْبَاتِ بَعْدَ الْإِثْبَاتِ
(وَثَانِيهَا) أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَطْفِ بِأَوْ التَّشْرِيكُ فِي الْمَعْنَى فَقَوْلُهُ تَعَالَى {إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] مَعْنَاهُ الْإِسْقَاطُ وقَوْله تَعَالَى {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] عَلَى رَأْيِنَا الْإِسْقَاطُ فَيَحْصُلُ التَّشْرِيكُ وَعَلَى رَأْيِهِمْ الْإِثْبَاتُ فَلَا يَحْصُلُ التَّشْرِيكُ فَيَكُونُ قَوْلُنَا أَرْجَحَ
(وَثَالِثُهَا) أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِنَا إلَّا أَنْ يَكُونَ كَذَا وَكَذَا تَنْوِيعٌ لِذَلِكَ الْكَائِنِ إلَى نَوْعَيْنِ وَالتَّنْوِيعُ فَرْعُ الِاشْتِرَاكِ فِي الْمَعْنَى وَلَا مُشْتَرَكَ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ وَالْإِسْقَاطِ وَالْإِعْطَاءِ حَتَّى يَحْسُنَ تَنْوِيعُهُ وَعَلَى رَأْيِنَا الْمُتَنَوِّعُ الْإِسْقَاطُ إلَى إسْقَاطِ الْمَرْأَةِ وَإِسْقَاطِ الْوَلِيِّ فَكَانَ قَوْلُنَا أَرْجَحَ
(وَرَابِعُهَا) أَنَّ الْعَفْوَ ظَاهِرٌ فِي الْإِسْقَاطِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ وَعَلَى رَأْيِهِمْ يَكُونُ الْتِزَامُ مَا سَقَطَ بِالطَّلَاقِ وَالْتِزَامُ مَا لَمْ يَجِبْ لَا يُسَمَّى عَفْوًا
(وَخَامِسُهَا) أَنَّ إقَامَةَ الظَّاهِرِ مَقَامَ الْمُضْمَرِ خِلَافُ الْأَصْلِ فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الزَّوْجَ لَقِيلَ إلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ تَعْفُوَ عَمَّا اسْتَحَقَّ لَكُمْ فَلَمَّا عَدَلَ إلَى الظَّاهِرِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ غَيْرُ الزَّوَاجِ
(وَسَادِسُهُمَا) أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِنَا بِيَدِهِ كَذَا أَيْ يَتَصَرَّفُ فِيهِ وَالزَّوْجُ لَا يَتَصَرَّفُ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ بَلْ كَانَ يَتَصَرَّفُ فِي الْوَطْءِ بِالْحِلِّ وَالْوَلِيُّ الْآنَ هُوَ الْمُتَصَرِّفُ فِي الْعَقْدِ فَيَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ دُونَ الزَّوْجِ
(وَسَابِعُهَا) سَلَّمْنَا أَنَّ الزَّوْجَ بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ لَكِنْ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ وَمَضَى فَهُوَ مَجَازٌ وَالْوَلِيُّ بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ الْآنَ فَهُوَ حَقِيقَةٌ وَالْحَقِيقَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمَجَازِ
(وَثَامِنُهَا) أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ {إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] الرَّشِيدَاتُ إجْمَاعًا إذَا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِنَّ لَا يُنَفِّذُ الشَّرْعُ تَصَرُّفَهُنَّ فَاَلَّذِي يَحْسُنُ مُقَابَلَتُهُنَّ بِهِنَّ الْمَحْجُورَاتُ عَلَى أَيْدِي الْأَوْلِيَاءِ أَمَّا الْأَزْوَاجُ فَلَا مُنَاسَبَةَ فِيهِمْ لِلرَّشِيدَاتِ
(وَتَاسِعُهَا) أَنَّ الْخِطَابَ كَانَ مَعَ الْأَزْوَاجِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 237] وَهُوَ خِطَابُ مُشَافَهَةٍ فَلَوْ كَانُوا مُرَادَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى {الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] لَقَالَ أَوْ تَعْفُوَ بِلَفْظِ تَاءِ الْخِطَابِ فَلَمَّا قَالَ {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] وَهُوَ خِطَابُ غَيْبَةٍ لَزِمَ تَغَيُّرُ الْكَلَامِ مِنْ الْخِطَابِ إلَى الْغَيْبَةِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ
(وَعَاشِرُهَا) أَنَّ وُجُوبَ الصَّدَاقِ أَوْ بَعْضَهُ قَبْلَ الْمَسِيسِ خِلَافُ الْأَصْلِ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ تَسْلِيمِ الْعِوَضِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَالْآيَةِ وَذَلِكَ أَنَّهُ مَهْمَا أَمْكَنَ تَكْثِيرُ فَوَائِدِ كَلَامِ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَجَعْلُ مَدْلُولٍ لِكُلِّ دَلِيلٍ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ التَّرَادُفِ وَالتَّأْكِيدِ وَلَا يُرَدُّ أَيْضًا أَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ إذَا ثَبَتَ حُكْمُ الْمَجَازِ بِالْإِجْمَاعِ.
وَوَرَدَ لَفْظٌ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ حُمِلَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَلَا يُجْعَلُ ذَلِكَ اللَّفْظُ مُسْتَنَدَ الْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْأَصْلَ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ مَثَلًا قَوْله تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] حَمَلُوا النِّكَاحَ فِيهِ عَلَى حَقِيقَتِهِ الَّتِي هِيَ الْوَطْءُ وَلَمْ يَجْعَلُوهُ مُسْتَنَدَ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ يُحَرِّمُ عَلَى الِابْنِ نَظَرًا لِكَوْنِ الْأَصْلِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْحَمْلِ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَمِنْ عَدَمِ التَّرَادُفِ فَعَلَى هَذَا إذَا وَطِئَهَا الْأَبُ وَطْئًا حَلَالًا أَوْ حَرَامًا مَا حَرُمَتْ عَلَى الِابْنِ وَتَحْرُمُ بِالْعَقْدِ أَيْضًا وَذَلِكَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ فِيمَا تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ جَاءَ فِي الْمَجَازِ الْمَرْجُوحِ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِ اللَّفْظِ فَعَدَلْنَا بِاللَّفْظِ إلَى ظَاهِرِهِ الَّذِي هُوَ الْحَقِيقَةُ لِأَجْلِ مُعَارَضَةِ مَوْضِعِ الْإِجْمَاعِ وَالْإِجْمَاعُ هَاهُنَا جَاءَ فِي مَوْضِعِ الظَّاهِرِ الَّذِي هُوَ الْقُرْبُ فَلَا مُوجِبَ لِلْعُدُولِ عَنْهُ فَافْهَمْ وَإِنَّمَا يَرُدُّ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه فَقَوْلُهُ تَعَالَى {اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] صِفَةٌ تَعَقَّبَتْ الْجُمْلَتَيْنِ إلَخْ عَلَى مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِمَا رضي الله عنهم الَّذِينَ يَرَوْنَ تَعْمِيمَ الِاسْتِثْنَاءِ وَالصِّفَةِ فِي الْجُمَلِ وَلَا يُرَجِّحُونَ جُمْلَةً بِالْقُرْبِ فَإِنَّ مُقْتَضَى مَذْهَبِهِمْ الْحَمْلُ عَلَى الْجُمْلَتَيْنِ الْأُولَى وَالْأَخِيرَةِ.
وَلَا يَتَأَتَّى الْجَوَابُ عَنْهُمْ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ الْجَمْعَ بَيْنَ عَامِلَيْنِ فِي النَّعْتِ مَعَ اتِّفَاقِ الْأَعْرَابِ وَأَنَّ الْعَامِلَ فِي النَّعْتِ هُوَ الْعَامِلُ الْمَنْعُوتُ كَمَا هُوَ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ مِنْ النُّحَاةِ خِلَافًا لِمَنْ يَرَى مِنْهُمْ الْجَمْعَ بَيْنَ عَامِلَيْنِ فِي النَّعْتِ مَعَ اتِّفَاقِ الْأَعْرَابِ وَلِمَنْ يَرَى أَنَّ الْعَامِلَ فِي النَّعْتِ التَّبَعِيَّةُ لِلْمَوْصُوفِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا عَنْهُمْ صَحَّ الْجَوَابُ أَيْضًا عَلَى قَاعِدَتِهِمْ فَإِنَّهُمْ حِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِمْ الْحَمْلُ عَلَى إحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ لَا عَلَيْهِمَا وَلَا سَبِيلَ إلَى الْحَمْلِ عَلَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى فَإِنَّهَا هِيَ الْبَعِيدَةُ وَكُلُّ مَنْ قَالَ بِالْعَوْدِ عَلَى جُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يَقُلْ هِيَ الْبَعِيدَةُ بَلْ انْفِرَادُ الْبَعِيدَةِ بِالْحَمْلِ عَلَى خِلَافِ الْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْقَائِلَ قَائِلَانِ قَائِلٌ بِالتَّعْمِيمِ فِي الْجُمَلِ وَقَائِلٌ بِالْجُمْلَةِ الْقَرِيبَةِ وَحْدَهَا وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِالْحَمْلِ عَلَى الْجُمْلَةِ الْبَعِيدَةِ وَحْدَهَا وَلَكِنْ تَقْدِيرُ ثُبُوتِ ذَلِكَ عَنْهُمْ مُتَعَذِّرٌ إذْ مِنْ أَيْنَ لَنَا أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِمَا رضي الله عنهم كَانَ فِي النَّحْوِ لَا يَجْتَمِعُ عَامِلَانِ عَلَى مَعْمُولٍ وَاحِدٍ وَأَنَّ الْعَامِلَ فِي الصِّفَةِ هُوَ الْعَامِلُ فِي الْمَوْصُوفِ فَلَعَلَّ مَذْهَبَهُمَا أَنَّ عَامِلَ النَّعْتِ هُوَ التَّبَعِيَّةُ لِلْمَوْصُوفِ كَمَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ النُّحَاةِ لَا عَامِلُ الْمَنْعُوتِ هَذَا خُلَاصَةُ مَا صَحَّحَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الشَّاطِّ مِنْ كَلَامِ الْأَصْلِ وَفِي كِتَابِ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ لِلْإِمَامِ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي
يَقْتَضِي بَقَاءَ الْمُعَوَّضِ قَابِلًا لِلتَّسْلِيمِ أَمَّا مَعَ تَعَذُّرِهِ فَلَا بِشَهَادَةِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ كَذَلِكَ إذَا تَعَذَّرَ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ لَا يَجِبُ تَسْلِيمُ الْعِوَضِ فِي ذَلِكَ فَإِسْقَاطُ الْأَوْلِيَاءِ النِّصْفَ عَلَى وَفْقِ الْأَصْلِ وَتَكْمِيلُ الزَّوْجِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْأَبِ قَبْلَ الطَّلَاقِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَّا بِوَجْهِ نَظَرٍ مِنْ عُسْرِ الزَّوْجِ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا يَلْحَقُ الْوَصِيُّ بِالْأَبِ لِقُصُورِ نَظَرِهِ عَنْهُ وَفِي الْجَلَّابِ لَا يَجُوزُ لِلْأَبِ الْعَفْوُ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَلَا بَعْدَ الدُّخُولِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْفَرْقُ أَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ خِلَافُ الْأَصْلِ فَسُلِّطَ الْأَبُ عَلَيْهِ إذَا رَآهُ نَظَرًا بِخِلَافِ الدُّخُولِ لِتَعَيُّنِ الِاسْتِحْقَاقِ فَغَلَبَ حَقُّ الزَّوْجَةِ
(فَائِدَةٌ) يُرْوَى أَنَّ بَعْضَ الْأُدَبَاءِ دَخَلَ عَلَى بَعْضِ الْخُلَفَاءِ فَأَنْشَدَهُ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ:
مَنْ كَانَ مَسْرُورًا بِمَصْرَعِ مَالِكٍ
…
فَلْيَأْتِ نِسْوَتَنَا بِوَجْهِ نَهَارِ
يَجِدْ النِّسَاءَ حَوَاسِرًا يَنْدُبْنَهُ
…
قَدْ قُمْنَ قَبْلَ تَبَلُّجِ الْأَسْحَارِ
قَدْ كُنَّ يُخَبِّئَانِ الْوُجُوهَ تَسَتُّرًا
…
وَالْآنَ حِينَ بَدَوْنَ لِلنُّظَّارِ
فَقَالَ كَيْفَ تَقُولُ بَدَأْنَ بِالْهَمْزِ أَوْ بَدَيْنَ بِالْيَاءِ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَا أَقُولُ بَدَيْنَ وَلَا بَدَأْنَ بَلْ بَدَوْنَ فَقَالَ لَهُ أَصَبْت وَقَصَدَ غُرَّتَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا) أَنَّ صَدْرَ الْبَيْتِ بِالْهَمْزِ فِي قَوْلِهِ يُخَبِّئَانِ الْوُجُوهَ فَقِيَاسُهُ أَنْ يَقُولَ بَدَأْنَ مِثْلَ يُخَبِّئَانِ بِالْهَمْزِ فِيهِمَا فَخَطَرَ لَهُ أَنَّهُ يَغْتَرُّ بِذَلِكَ فَيَخْطَأُ فَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ
(وَثَانِيهِمَا) قَصْدُ التَّخْطِئَةِ أَنَّ الْوَاوَ تَكُونُ ضَمِيرَ الْفَاعِلِ الْمُذَكَّرِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ بَدَوْنَ بِالْوَاوِ لِأَنَّ ضَمِيرَ النِّسْوَةِ لَا يَكُونُ بِالْوَاوِ فَمَا حَمَلَهُ ذَلِكَ عَلَى الْخَطَأِ بَلْ نَطَقَ بِالصَّوَابِ وَهُوَ الْوَاوُ وَمَا ذَكَرْت هَذِهِ الْأَبْيَاتِ إلَّا لِتَعَلُّقِهَا بِالْآيَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي النِّسَاءِ {إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] بِالْوَاوِ فَضَعَّفَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بِقَوْلِهِ كَيْفَ يَجِيءُ ضَمِيرُ الْمُؤَنَّثِ بِالْوَاوِ وَلَيْسَ كَمَا خَطَرَ لَهُ وَلَيْسَ الْوَاوُ هُنَا ضَمِيرًا بَلْ مِنْ نَفْسِ الْفِعْلِ لِأَنَّهُ مِنْ عَفَا يَعْفُو بِالْوَاوِ وَكَذَلِكَ هِيَ فِي الْأَبْيَاتِ هُوَ مِنْ بَدَا يَبْدُو بِالْوَاوِ وَشَأْنُ ضَمِيرِ الْمُؤَنَّثِ الَّذِي هُوَ النُّونُ يُحَقِّقُ آخِرَ الْفِعْلِ فَإِنْ كَانَ يَاءً بَقِيَ يَاءً وَإِنْ كَانَ وَاوًا بَقِيَ وَاوًا وَإِنْ كَانَ هَمْزَةً بَقِيَ هَمْزَةً وَأَيَّ حَرْفٍ كَانَ بَقِيَ عَلَى حَالِهِ مِثَالُ الْيَاءِ قَوْلُك رَمْي يَرْمِي فَنَقُولُ النِّسْوَةُ رَمَيْنَ بِالْيَاءِ وَالْوَاوِ كَقَوْلِك دَعَا يَدْعُو وَالنِّسْوَةُ دَعَوْنَ وَالْهَمْزَةُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
قَوْله تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ فَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَجَابِرٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَمُجَاهِدٍ أَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْبِنْتِ لَا يُحَرِّمُ الْأُمَّ حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا كَمَا أَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْأُمِّ لَا يُحَرِّمُ الْبِنْتَ حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا وَقَالَ سَائِرُ الْعُلَمَاءِ وَالصَّحَابَةِ إنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْبِنْتِ يُحَرِّمُ الْأُمَّ وَلَا تَحْرُمُ الْبِنْتُ حَتَّى يُدْخَلَ بِالْأُمِّ وَاخْتَلَفَ النُّحَاةُ فِي الْوَصْفِ فِي قَوْلِهِ {اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] فَقِيلَ يَرْجِعُ إلَى الرَّبَائِبِ وَالْأُمَّهَاتِ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَقِيلَ يَرْجِعُ إلَى الرَّبَائِبِ خَاصَّةً.
وَهُوَ اخْتِيَارُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَجَعَلُوا رُجُوعَ الْوَصْفِ إلَى الْمَوْصُوفَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْ الْعَامِلِ مَمْنُوعًا كَالْعَطْفِ عَلَى عَامِلَيْنِ وَجَوَّزَ ذَلِكَ كُلَّهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ وَرَأَوْا أَنَّ عَامِلَ الْإِضَافَةِ غَيْرُ عَامِلِ الْخَفْضِ بِحَرْفِ الْجَرِّ وَقَدْ مَهَّدْنَا الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ: مُلْجِئَةُ الْمُتَفَقِّهِينَ إلَى مَعْرِفَةِ غَوَامِضِ النَّحْوِيِّينَ وَقَدْ رَدَّ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ الرِّوَايَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَاَلَّذِي اسْتَقَرَّ أَنَّهُ مَذْهَبُ عَلِيٍّ خَاصَّةً كَمَا اسْتَقَرَّ الْيَوْمَ فِي الْأَمْصَارِ وَالْأَقْطَارِ أَنَّ الرَّبَائِبَ وَالْأُمَّهَاتِ فِي هَذَا الْحُكْمِ مُخْتَلِفَاتٌ وَأَنَّ الشَّرْطَ إنَّمَا هُوَ فِي الرَّبَائِبِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ غَوَامِضِ الْعِلْمِ وَأَخْذُهَا مِنْ طَرِيقِ النَّحْوِ يَضْعُفُ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ الْعَرَبَ الْقُرَشِيِّينَ الَّذِينَ نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلُغَتِهِمْ أَعْرَفُ مِنْ غَيْرِهِمْ بِمَقْطَعِ الْمَقْصُودِ مِنْهُمْ وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَخُصُوصًا عَلَى مِقْدَارِهِ فِي الْعِلْمَيْنِ وَلَوْ لَمْ يُسْمَعْ ذَلِكَ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ لَكَانَ فَصَاحَتُهَا بِالْأَعْجَمِيَّةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحَاوَلَ ذَلِكَ بِغَيْرِ هَذَا الْقَصْدِ وَالْمَأْخَذُ فِيهِ يَرْجِعُ إلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ
(الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ الْوَصْفُ إلَى الرَّبَائِبِ خَاصَّةً وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِمَا جَمِيعًا فَيُرَدُّ إلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ عَلَى التَّحْلِيلِ فِي بَابِ الْفُرُوجِ وَهَكَذَا هُوَ مَقْطُوعُ السَّلَفِ فِيهَا عِنْدَ تَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ بِالتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ عَلَيْهَا
(الْوَجْهُ الثَّانِي) رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَيُّمَا رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً فَدَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ فَلَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ أُمِّهَا وَأَيُّمَا رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً فَدَخَلَ بِهَا فَلَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ ابْنَتِهَا فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلْيَنْكِحْهَا» . وَهَذَا إنْ صَحَّ حُجَّةٌ ظَاهِرَةٌ لَكِنَّ رِوَايَةَ الْمُثَنَّيْ بْنِ الصَّبَّاحِ تُضَعَّفُ
(الْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّ قَوْلَهُ مِنْ نِسَائِكُمْ لَفْظَةٌ عَرَبِيَّةٌ لِأَنَّهُ جَمْعٌ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ بَلْ وَاحِدَهُ امْرَأَةٌ وَلَمَّا كَانَ قَوْلُك امْرُؤٌ وَامْرَأَةٌ كَقَوْلِك آدَمِيٌّ وَآدَمِيَّةٌ كَانَ قَوْلُهُ امْرَأَتُك كَقَوْلِهِ آدَمِيَّتُك فِي احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ الَّتِي تُشْبِهُك أَوْ تُجَاوِرُك أَوْ تَمْلِكُهَا أَوْ تَمْلِكُك أَوْ تَحِلُّ لَهَا أَوْ تَحِلُّ لَك وَالْإِضَافَةُ عَلَى مَعْنَى الشَّبَهِ وَالْجَوَازُ مُحَالٌ فَلَمْ نَجِدْ وَجْهًا إلَّا بَابَ التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ وَيَشْهَدُ لَهُ