الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ)
فِي الْمَوَاطِنِ الَّتِي اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الِاكْتِفَاءِ فِيهَا بِالنِّيَّةِ وَهُوَ مَا دَلَّ اللَّفْظُ عَلَيْهِ الْتِزَامًا قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ لَا تُؤَثِّرُ النِّيَّةُ فِيهِ تَقْيِيدًا وَلَا تَخْصِيصًا وَقَالَتْ بَقِيَّةُ الْفِرَقِ تُؤَثِّرُ النِّيَّةُ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا كَالْمُطَابَقَةِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ وَمَثَّلُوا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِقَوْلِ الْقَائِلِ وَاَللَّهِ لَا أَكَلْت فَقَالَتْ الْفِرَقُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ يَجُوزُ أَنْ يَنْوِيَ مَأْكُولًا مُعَيَّنًا فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ غَيْرِهِ وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ لَا يَجُوزُ دُخُولُ النِّيَّةِ هَا هُنَا وَإِنْ نَوَى بَطَلَتْ نِيَّتُهُ وَحَنِثَ بِأَيِّ مَأْكُولٍ أَكَلَهُ فَإِنَّ اللَّفْظَ إنَّمَا دَلَّ مُطَابَقَةً عَلَى نَفْيِ الْأَكْلِ الَّذِي هُوَ الْمَصْدَرُ وَمِنْ لَوَازِمِ مَصْدَرِ الْأَكْلِ مَأْكُولٌ مَا وَذَلِكَ الْمَأْكُولُ لَمْ يَلْفِظْ بِهِ فَلَا يَجُوزُ دُخُولُ النِّيَّةِ فِيهِ لِأَنَّهُ مَدْلُولٌ الْتِزَامِيٌّ وَاحْتَجُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأُمُورٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ الْأَصْلَ اعْتِبَارُ اللَّفْظِ الْمَنْطُوقِ بِهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ خَالَفْنَا ذَلِكَ فِيمَا دَلَّ اللَّفْظُ عَلَيْهِ مُطَابَقَةً وَبَقِيَ فِيمَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ وَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ أَنَّ تَحْكِيمَ النِّيَّةِ فِي اللَّفْظِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ فَرْعُ تَنَاوُلِ ذَلِكَ اللَّفْظِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى وَالتَّنَاوُلُ إنَّمَا هُوَ مُحَقَّقٌ فِي الْمُطَابَقَةِ وَالتَّضَمُّنِ أَمَّا الِالْتِزَامُ فَتَبَعٌ جَاءَ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ فَتَقَرُّرُ اللَّفْظِ فِيهِ ضَعِيفٌ فَتُصْرَفُ النِّيَّةُ فِيهِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
[الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ الْمَوَاطِنِ الَّتِي اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الِاكْتِفَاءِ فِيهَا بِالنِّيَّةِ]
قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ فِي الْمَوَاطِنِ الَّتِي اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الِاكْتِفَاءِ فِيهَا بِالنِّيَّةِ وَهُوَ مَا دَلَّ اللَّفْظُ عَلَيْهِ الْتِزَامًا)
قُلْت فِي قَوْلِهِ مَا دَلَّ اللَّفْظُ عَلَيْهِ الْتِزَامًا عِنْدِي نَظَرٌ فَإِنَّ الْمَصْدَرَ هُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى مَعْنَاهُ وَهُوَ الْقِيَامُ مَثَلًا وَالضَّرْبُ فَأَمَّا الْقِيَامُ فَيَدُلُّ بِالِالْتِزَامِ عَلَى فَاعِلِهِ وَأَمَّا الضَّرْبُ فَيَدُلُّ بِالِالْتِزَامِ أَيْضًا عَلَى فَاعِلِهِ وَمَفْعُولِهِ وَأَمَّا الْفِعْلُ فَهُوَ مَبْنِيٌّ لِوُقُوعِ الْمَصْدَرِ مِنْ فَاعِلِهِ إنْ كَانَ غَيْرَ مُتَعَدٍّ أَوْ مِنْ فَاعِلِهِ بِمَفْعُولِهِ إنْ كَانَ مُتَعَدِّيًا وَمَا بُنِيَ اللَّفْظُ لَهُ أَوْ مَا تَقَيَّدَ بِهِ كَيْفَ يُقَالُ دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ الْتِزَامًا بَلْ الْأَقْرَبُ أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهِ تَضَمُّنًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ (قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ لَا تُؤَثِّرُ النِّيَّةُ فِيهِ تَقْيِيدًا وَلَا تَخْصِيصًا إلَى آخِرِ احْتِجَاجِهِمْ الْأَوَّلِ) قُلْت مَا قَالُوهُ فِي أَثْنَاءِ احْتِجَاجِهِمْ مِنْ أَنَّ تَنَاوُلَ اللَّفْظِ إنَّمَا هُوَ مُحَقَّقٌ فِي الْمُطَابَقَةِ وَالتَّضَمُّنِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْأَلْفَاظِ لَيْسَتْ عَقْلِيَّةً بَلْ هِيَ وَضْعِيَّةٌ وَلَمْ يُوضَعْ لَفْظُ الْمَسْجِدِ مَثَلًا إلَّا لِجُمْلَتِهِ لَا لِجُمْلَتِهِ وَبَعْضِهِ وَهُوَ السَّقْفُ مَثَلًا وَإِلَّا لَكَانَ ذَلِكَ اللَّفْظُ مُشْتَرِكًا وَلَيْسَ الْكَلَامُ الْمَفْرُوضُ إلَّا عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ لَفْظَ الْمَسْجِدِ لَمْ يُوضَعْ لِلسَّقْفِ وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلَا دَلَالَةَ لِلَفْظِ الْمَسْجِدِ عَلَى السَّقْفِ أَصْلًا لِأَنَّ الْأَلْفَاظَ لَا تَدُلُّ عَقْلًا وَإِنَّمَا تَدُلُّ وَضْعًا وَقَدْ عُدِمَ الْوَضْعُ فَلَا دَلَالَةَ لَهُ أَلْبَتَّةَ، نَعَمْ هُنَا أَمْرٌ وَهُوَ أَنَّ مَنْ يُذْكَرُ لَهُ لَفْظٌ يَدُلُّ عَلَى مَجْمُوعِ أَشْيَاءَ بِالْوَضْعِ فَإِنَّهُ يَتَذَكَّرُ مَا تَرَكَّبَ مِنْهُ ذَلِكَ الْمَجْمُوعُ أَوْ لَازِمَ ذَلِكَ الْمَجْمُوعَ فَمَنْ اعْتَبَرَ هَذَا الْقَدْرَ وَسَمَّى هَذَا التَّذَكُّرَ دَلَالَةً فَلَا حَجْرَ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ يَدْخُلُ اللَّبْسُ فِي كَلَامِهِ عَلَى سَامِعِ ذَلِكَ مِنْهُ حِينَ يَذْكُرْ هَاتَيْنِ الدَّلَالَتَيْنِ اللَّتَيْنِ مَعْنَاهُمَا تَذَكُّرُ الشَّيْءِ عِنْدَ ذِكْرِ الشَّيْءِ مَعَ ذِكْرِهِ الدَّلَالَةَ الْوَضْعِيَّةَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ لَفْظَ الدَّلَالَةِ لَمْ يُوقِعْهُ عَلَى الْوَضْعِيَّةِ وَالتَّذَكُّرِ بِالتَّوَاطُؤِ بَلْ بِالِاشْتِرَاكِ وَذَلِكَ مِمَّا يُوقِعُ الْغَلَطَ كَثِيرًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَا كَلَامَ فِيهِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
عبق مِنْ عَدَمِ الِانْعِقَادِ بِالْمَوْجُودِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يَنْدَرِجُ فِي الْأَسْمَاءِ الَّتِي بِذَاتِهَا لِلْقَسَمِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى إرَادَةٍ فَالنَّفْسِيَّةُ تَنْعَقِدُ بِهَا لَا بِالِاسْمِ الْمُشْتَقِّ مِنْهَا عَكْسُ الْفِعْلِيَّةِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا قِيلَ وَوُجُودِ اللَّهِ كَانَ صَرِيحًا فِي الْقَدِيمِ وَقَدْ قِيلَ إنَّ الْوُجُودَ عَيْنُ الْمَوْجُودِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا قِيلَ وَالْوُجُودِ مُعَرَّفًا بِأَلْ مِنْ غَيْرِ إضَافَةٍ جَرَى فِيهِ مَا جَرَى فِي الْمَوْجُودِ بِالْمِيمِ
(اللَّفْظُ الْخَامِسَ عَشَرَ) مَا تَقَدَّمَ فِي الْفَرْقِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا عَنْ الْعَلَّامَةِ الْأَمِيرِ مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ فَجُمْلَةُ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَلْفَاظِ هَذَا الْقِسْمِ أَعْنِي مَا لَمْ يُعْلَمْ قِدَمُ مَدْلُولِهِ وَلَا حُدُوثِهِ خَمْسَةَ عَشَرْ وَسَيَأْتِي فِي الْفَرْقِ الَّذِي عَقِبَ هَذَا الْفَرْقِ عَنْ الْأَصْلِ أَلْفَاظٌ أُخَرُ فَتَرَقَّبْ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ بِالْحَلِفِ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى إذَا حَنِثَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُوجِبُ كَفَّارَةً إذَا حَلَفَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ]
(الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ بِالْحَلِفِ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى إذَا حَنِثَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُوجِبُ كَفَّارَةً إذَا حَلِفَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ)
صِفَاتُ اللَّهِ تَعَالَى خَمْسَةٌ لِأَنَّهَا إمَّا ذَاتِيَّةٌ لَا تَدُلُّ عَلَى مَعْنًى مَوْجُودٍ قَائِمٍ بِالذَّاتِ وَلَا عَلَى سَلْبِ نَقِيصَةٍ وَلَا عَلَى فِعْلِ الذَّاتِ وَإِمَّا مَعْنَوِيَّةٌ تَدُلُّ عَلَى مَعْنًى مَوْجُودٍ قَدِيمٍ قَائِمٍ بِالذَّاتِ لَا يَنْفَكُّ عَنْهَا وَإِمَّا سَلْبِيَّةٌ تَدُلُّ عَلَى سَلْبِ نَقِيصَةٍ عَنْ الذَّاتِ وَإِمَّا فِعْلِيَّةٌ تَدُلُّ عَلَى فِعْلِ الذَّاتِ وَإِمَّا أَنْ تَشْمَلَ الْجَمِيعَ
(فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ) مِنْهَا أَعْنِي الصِّفَاتِ الذَّاتِيَّةَ هِيَ كَوْنُهُ تَعَالَى أَزَلِيًّا أَبَدِيًّا وَاجِبَ الْوُجُودِ سَمَّاهَا الْعُلَمَاءُ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا أَحْكَامٌ لِلذَّاتِ لَا مَعَانٍ قَائِمَةٌ بِالذَّاتِ نَظِيرُ جَمْعِ الْبَصَرِ فِي السَّوَادِ وَتَفْرِيقِهِ فِي الْبَيَاضِ كَذَا قَالَ الْأَصْلُ وَهُوَ إنَّمَا يَظْهَرُ عَلَى الْقَوْلِ بِالْأَحْوَالِ وَأَنَّهَا أَحْوَالٌ نَفْسِيَّةٌ لَا مَعْنَوِيَّةٌ أَمَّا عَلَى إنْكَارِ الْأَحْوَالِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَهِيَ بِجُمْلَتِهَا صِفَاتٌ سَلْبِيَّةٌ لَا ثُبُوتِيَّةٌ وَعَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ لَا وُجُودَ فِي الْأَعْيَانِ لِمَعْنًى وَاحِدٍ مِنْهَا.
فَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ مَعَ الْحِنْثِ إذَا قَالَ الْحَالِفُ عَمْرُ اللَّهِ يَمِينِي مَعَ أَنَّ الْعَمْرَ هُوَ الْبَقَاءُ وَالْبَقَاءُ كَالْقِدَمِ مِنْ صِفَاتِ السُّلُوبِ مَعْنَاهُ نَفْيُ لُحُوقِ الْعَدَمِ لِلذَّاتِ وَكَوْنُ النَّفْيِ عَلَى طَرِيقَةِ الِامْتِنَاعِ مَأْخُوذٌ مِنْ كَوْنِ بَقَاءِ الذَّاتِ وَاجِبًا كَمَا أَنَّ مَعْنَى الْقِدَمِ امْتِنَاعُ سَبْقِيَّةِ الْعَدَمِ لِلذَّاتِ فَلَا وُجُودَ لِمَعْنَى كُلٍّ مِنْهُمَا فِي الْأَعْيَانِ أَنَّهُ كَذَلِكَ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ مَعَ الْحِنْثِ إذَا قَالَ الْحَالِفُ وَأَزَلِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَوُجُوبِ وُجُودِهِ
كَذَلِكَ فَلَا يُتْرَكُ مَا أَجْمَعْنَا عَلَيْهِ لِهَذَا الضَّعِيفِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ
(وَثَانِيهَا) أَنَّ الِاسْتِقْرَاءَ دَلَّ عَلَى أَنَّ النِّيَّةَ لَا تَدْخُلُ إلَّا فِيمَا دَلَّ اللَّفْظُ عَلَيْهِ مُطَابَقَةً وَاعْتِبَارُ النِّيَّاتِ فِي الْأَلْفَاظِ أَمْرٌ يَتْبَعُ اللُّغَةَ أَلَا تَرَى أَنَّ اللُّغَةَ لَمَّا لَمْ تُجَوِّزْ النِّيَّةَ فِي صَرْفِ أَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ إلَى الْمَجَازَاتِ امْتَنَعَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُطْلِقَ الْعَشَرَةَ وَتُرِيدَ بِهَا التِّسْعَةَ
(وَثَالِثُهَا) أَنَّهُ لَوْ صَحَّ دُخُولُ النِّيَّةِ فِي الْمَدْلُولِ الِالْتِزَامِيِّ لَصَحَّ الْمَجَازُ فِي كُلِّ لَازِمِ الْمُسَمَّى بِالنِّيَّةِ وَالْقَصْدِ إلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَسَدَ يَلْزَمُهُ أَوْصَافٌ كَثِيرَةٌ مِنْ الْبَخَرِ وَالْحُمَّى وَالْوَبَرِ وَكِبَرِ الرَّأْسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَا يَصِحُّ التَّجَوُّزُ عَنْهُ إلَّا بِاعْتِبَارِ الشَّجَاعَةِ خَاصَّةً وَلَا يَصِحُّ دُخُولُ النِّيَّةِ فِي غَيْرِهَا حَتَّى تُصْرَفَ لِلْمَجَازِ لِأَنَّا نَشْتَرِطُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَجَازِ وَهُوَ مَجَازُ الْمُشَابَهَةِ أَنْ تَكُونَ الصِّفَةُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا الْمُشَابَهَةُ أَظْهَرَ صِفَاتِ الْمَحَلِّ الْمُتَجَوَّزِ عَنْهُ وَحُجَّةُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ مِنْ وُجُوهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى مَا إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَكَلْت أَكْلًا أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَنْوِيَ بَعْضَ الْمَآكِلِ وَيُخْرِجَ الْبَعْضَ بِنِيَّتِهِ مَعَ أَنَّ أَكْلًا مَصْدَرٌ وَأَجْمَعَ النُّحَاةُ عَلَى أَنَّ التَّصْرِيحَ بِهِ بَعْدَ الْفِعْلِ إنَّمَا هُوَ لِلتَّأْكِيدِ نَحْوُ ضَرَبْت ضَرْبًا فَإِنَّ الْفِعْلَ دَلَّ عَلَيْهِ فَذِكْرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ تَكْرَارًا لِذِكْرِهِ فَيَكُونُ تَأْكِيدًا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مَذْكُورٌ مَرَّتَيْنِ وَالتَّأْكِيدُ حَقِيقَتُهُ تَقْوِيَةُ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَإِلَّا لَكَانَ إنْشَاءً لَا تَأْكِيدًا وَإِذَا لَمْ يَكُنْ التَّأْكِيدُ مُنْشِئًا كَانَتْ الْأَحْكَامُ الثَّابِتَةُ مَعَهُ ثَابِتَةً قَبْلَهُ لَكِنَّ الثَّابِتَ مَعَهُ اعْتِبَارُ النِّيَّةِ فَالثَّابِتُ قَبْلَهُ اعْتِبَارُ النِّيَّةِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ
(وَثَانِيهَا) أَنَّ النِّيَّةَ اُعْتُبِرَتْ فِي الْمُطَابَقَةِ إجْمَاعًا مَعَ قُوَّةِ الْمُعَارِضِ فَأَوْلَى أَنْ تُعْتَبَرَ مَعَ ضَعْفِ الْمُعَارِضِ فِي دَلَالَةِ الِالْتِزَامِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ الْمُطَابَقَةَ أَقْوَى مُعَارَضَةً لِلنِّيَّةِ لِأَنَّ الْمُطَابَقَةَ هِيَ الْأَصْلُ الْمَقْصُودُ بِوَضْعِ اللُّغَةِ وَغَيْرُهَا إنَّمَا يُفِيدُهُ اللَّفْظُ تَبَعًا لَهَا وَالْأَصْلُ أَقْوَى مِنْ التَّابِعِ وَمَعَ ذَلِكَ إذَا عَارَضَتْ النِّيَّةُ الْمُطَابَقَةَ وَصَرَفَتْ اللَّفْظَ عَنْ مَدْلُولِهِ الْمُطَابِقِيِّ لِلْمَجَازِ صَحَّ إجْمَاعًا مَعَ أَنَّ اللَّفْظَ يَمْنَعُهَا مِنْ ذَلِكَ وَيَقْتَضِي مُسَمَّاهُ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ فَقَدْ قُدِّمَتْ النِّيَّةُ عَلَى اللَّفْظِ الْمُطَابِقِيِّ وَهُوَ أَقْوَى فِي الْمُعَارَضَةِ مِنْ دَلَالَةِ الِالْتِزَامِ فَأَوْلَى أَنْ تُعْتَبَرَ النِّيَّةُ فِي دَلَالَةِ الِالْتِزَامِ وَيُصْرَفَ عُمُومُ اللَّازِمِ إلَى خُصُوصِهِ وَتَقْيِيدِ مُطْلَقِهِ وَجَمِيعِ مَا أَجْمَعْنَا عَلَيْهِ فِي الْمَدْلُولِ الْمُطَابِقِيِّ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَهُوَ الْمَطْلُوبُ
(وَثَالِثُهَا) أَنَّا وَجَدْنَا الِاسْتِثْنَاءَاتِ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ دَخَلَتْ عَلَى الْعَوَارِضِ الْخَارِجَةِ عَنْ الْمَدْلُولِ الْمُطَابِقِيِّ وَاللَّوَازِمِ وَلَفْظُ الِاسْتِثْنَاءِ إنَّمَا هُوَ فَرْعٌ عَنْ إرَادَةِ الْمَعْنَى الَّذِي قُصِدَ لِأَجْلِهِ الِاسْتِثْنَاءُ فَإِنَّ اللَّفْظَ تَابِعٌ لِإِرَادَةِ الْمَعْنَى فَإِنَّهُ يُقْصَدُ بِهِ إفْهَامُ السَّامِعِ مَا فِي نَفْسِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ
(وَثَانِيهَا إلَى آخِرِ احْتِجَاجِهِمْ) قُلْت ذَلِكَ نَقْلٌ وَلَا كَلَامَ فِيهِ قَالَ (وَحُجَّةُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ مِنْ وُجُوهٍ إلَى آخِرِ الْوَجْهِ الثَّالِثِ) قُلْت هَذِهِ الْوُجُوهُ الثَّلَاثَةُ صَحِيحَةٌ جَيِّدَةٌ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَأَبَدِيَّتِهِ إذْ لَا فَرْقَ سِيَّمَا وَقَدْ جَعَلَ بَعْضُهُمْ الْقِدَمَ نَفْسِيًّا زَاعِمًا أَنَّهُ الْوُجُودُ الْأَزَلِيُّ وَكَذَا الْبَقَاءُ أَيْ الْوُجُودُ الْمُسْتَمِرُّ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْأَمِيرِ عَلَى عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى الْجَوْهَرَةِ نَعَمْ قَدْ جَعَلَ بَعْضُهُمْ الْقِدَمَ وَالْبَقَاءَ مِنْ الْمَعَانِي وَرُدَّ بِأَنَّهُمَا ثَابِتَانِ لِصِفَاتِهِ أَيْضًا فَيَلْزَمُ قِيَامُ الْمَعْنَى بِالْمَعْنَى مِنْ الدَّوْرِ أَوْ التَّسَلْسُلِ فِيهِمَا كَمَا فِي الْأَمِيرِ أَيْضًا هَذَا تَحْقِيقُ الْمَقَامِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(وَالْقِسْمُ الثَّانِي) مِنْهَا أَعْنِي الْمَعْنَوِيَّةَ نِسْبَةً لِلْمَعَانِي الْوُجُودِيَّةِ الْقَائِمَةِ بِالذَّاتِ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ وَالْوَاحِدُ اُذْكُرْ نَاسِبًا لِلْجَمْعِ مَا لَمْ يُوَافِقْ وَاحِدًا فِي الْوَضْعِ نَعَمْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ هُنَا وَافَقَ وَاحِدًا فِي الْوَضْعِ فَإِذَا عَبَّرَ عُلَمَاءُ الْكَلَامِ عَنْ هَذَا الْقِسْمِ بِصِفَاتِ الْمَعَانِي وَقَالَ السَّنُوسِيُّ فِي شَرْحِ الْوُسْطَى الْإِضَافَةُ فِي صِفَاتِ الْمَعَانِي لِلْبَيَانِ وَأَنَّ الْمُرَادَ الصِّفَاتُ الَّتِي هِيَ نَفْسُ الْمَعَانِي يَعْنُونَ بِهَا الْمَعَانِي الْوُجُودِيَّةَ كَالْعِلْمِ مَثَلًا وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الْإِضَافَةُ أَنَّهُ بِتَقْدِيرِ مِنْ كَثَوْبِ خَزٍّ اهـ.
وَلَمْ يُعَبِّرُوا بِالصِّفَاتِ الْمَعْنَوِيَّةِ فَهِيَ سَبْعَةٌ الْعِلْمُ وَالْكَلَامُ الْقَدِيمُ وَالْقُدْرَةُ وَالْإِرَادَةُ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالْحَيَاةُ وَمَشْهُورُ الْمَذْهَبِ جَوَازُ الْحَلِفِ بِهَا ابْتِدَاءً وَأَنَّ الْحَلِفَ بِهَا مَعَ الْحِنْثِ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ لِمَا فِي الْبُخَارِيِّ «أَنَّ أَيُّوبَ عليه الصلاة والسلام قَالَ بَلَى وَعِزَّتِك لَا غِنَى لِي عَنْ بَرَكَتِك» كَمَا مَرَّ وَقِيلَ لَا يُوجِبُ كَفَّارَةً لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» وَلَفْظُ اللَّهِ مَخْصُوصٌ بِالذَّاتِ فَانْدَرَجَتْ الصِّفَاتُ فِي الْمَأْمُورِ بِالصَّمْتِ بِهِ لَكِنْ قَدْ مَرَّ عَنْ حَفِيدِ بْنِ رُشْدٍ قَالَ فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ وَتَعْلِيقُ الْحُكْمِ فِي الْحَدِيثِ بِالِاسْمِ فَقَطْ أَيْ دُونَ أَنْ يُعَدَّى إلَى الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ جُمُودٌ كَثِيرٌ وَهُوَ أَشْبَهُ بِمَذْهَبِ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَإِنْ كَانَ مَرْوِيًّا فِي الْمَذْهَبِ حَكَاهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ اهـ.
وَفِي هَذَا الْقِسْمِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى)
مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ الْحَلِفَ بِالْقُرْآنِ تَجِبُ بِهِ مَعَ الْحِنْثِ الْكَفَّارَةُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ وَمُسْتَنَدُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ فِي عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ الْحَادِثِ وَمُسْتَنَدُ مَالِكٍ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ فِي الْعُرْفِ الْحَادِثِ إلَّا أَنَّ قَرِينَةَ
الْمُتَكَلِّمِ فَمَتَى دَخَلَ الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى دُخُولِ النِّيَّةِ قَبْلَهُ فِي الْمَدْلُولِ الِالْتِزَامِيِّ، وَبَيَانُ دُخُولِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا أَوْ بِطَرِيقِ الْعَرَضِ مِنْ وُجُوهٍ
(أَحَدُهَا) قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ يَعْقُوبَ عليه السلام {لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} [يوسف: 66] هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الْأَحْوَالِ الْعَارِضَةِ أَوْ اللَّازِمَةِ لِمَعْنَى الْإِتْيَانِ وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ فِي كُلِّ حَالَةٍ مِنْ الْحَالَاتِ إلَّا فِي حَالِ الْإِحَاطَةِ بِكُمْ فَإِنِّي لَا أُلْزِمَكُمْ الْإِتْيَانَ بِهِ فِيهَا لِقِيَامِ الْعُذْرِ حِينَئِذٍ
وَثَانِيهَا قَوْله تَعَالَى {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ} [الشعراء: 5] وَفِي الْآيَةِ الْأُخْرَى {إِلا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأنبياء: 2] أَيْ لَا يَأْتِيهِمْ فِي حَالَةٍ مِنْ الْأَحْوَالِ إلَّا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مِنْ لَهْوِهِمْ وَإِعْرَاضِهِمْ فَقَدْ قَصَدَ إلَى حَالَةِ اللَّهْوِ وَالْإِعْرَاضِ بِالْإِثْبَاتِ وَلِغَيْرِهَا مِنْ الْأَحْوَالِ بِالنَّفْيِ وَالْأَحْوَالُ أُمُورٌ خَارِجَةٌ عَنْ الْمَدْلُولِ الْمُطَابِقِيِّ وَإِذَا كَانَتْ خَارِجَةً فَإِنْ كَانَتْ الْأَحْوَالَ اللَّازِمَةَ فَقَدْ دَخَلَتْ النِّيَّةُ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا وَإِنْ كَانَتْ عَارِضَةً فَقَدْ دَخَلَتْ النِّيَّةُ فِي الْعَوَارِضِ وَإِذَا دَخَلَتْ فِي الْعَوَارِضِ دَخَلَتْ فِي اللَّوَازِمِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَإِنَّ الْعَارِضَ أَبْعَدُ عَنْ مَدْلُولِ اللَّفْظِ مُطَابَقَةً مِنْ اللَّازِمِ ضَرُورَةً فَإِذَا تَصَرَّفَتْ النِّيَّةُ فِي الْبَعِيدِ أَوْلَى أَنْ تَتَصَرَّفَ فِي الْقَرِيبِ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالْمُطَابَقَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا مِنْ الْعَارِضِ لِبُعْدِهِ عَنْ الْمُطَابَقَةِ
(وَثَالِثُهَا) أَنَّهُ قَصْدٌ إلَى الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ بَلْ بِالنِّيَّةِ الْمُجَرَّدَةِ وَدَلَّ الدَّلِيلُ الْخَارِجِيُّ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ عَيْنُ صُورَةِ النِّزَاعِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ
(أَحَدُهَا) قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: 3] وَالْمَدْلُولُ مُطَابَقَةً فِي هَذِهِ الْآيَةِ غَيْرُ مُرَادٍ فَإِنَّ الْأَعْيَانَ لَا تَحْرُمُ بَلْ الْأَفْعَالُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِهَا وَهِيَ الْأَكْلُ وَالتَّنَاوُلُ فَقَدْ قُصِدَتْ بِالتَّحْرِيمِ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مُقَارِنٍ بَلْ الْأَدِلَّةُ الْخَارِجَةُ أَفَادَتْنَا ذَلِكَ وَهَذِهِ الْأَفْعَالُ إنْ كَانَتْ لَازِمَةً حَصَلَ الْمَقْصُودُ لِوُجُوهِ تُصْرَفُ النِّيَّةُ فِيهَا بِإِضَافَةِ التَّحْرِيمِ إلَيْهَا دُونَ غَيْرِهَا وَلَا سِيَّمَا أَنَّ النِّيَّةَ تُعَيَّنُ فِي كُلِّ عَيْنِ الْفِعْلَ الْمُنَاسِبَ لَهَا فَتُعَيِّنُ فِي الْخَمْرِ الشُّرْبَ وَفِي الْمَيْتَةِ الْأَكْلَ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَعْيَانِ الْوَارِدَةِ فِي النُّصُوصِ وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَفْعَالُ الْمَقْصُودَةُ عَارِضَةً وَقَدْ تَصَرَّفَتْ النِّيَّةُ فِيهَا فَالْأَوْلَى أَنْ تَتَصَرَّفَ فِي اللَّازِمِ لِأَنَّ اللَّازِمَ أَقْرَبُ لِلْمُطَابَقَةِ مِنْ الْعَارِضِ
(وَثَانِيهَا) قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] وَالْمُرَادُ الِاسْتِمْتَاعُ الْمُتَعَلِّقُ بِهِنَّ دُونَ أَعْيَانِهِنَّ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ وَوَجْهُ التَّقْدِيرِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ
(وَثَالِثُهَا أَنَّهُ قَصَدَ إلَى الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا إلَى قَوْلِهِ وَوَجْهُ التَّقْدِيرِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ) قُلْت لَيْسَ مَا قَالَهُ هُنَا مِنْ أَنَّ دَلَالَةَ اللَّفْظِ فِي قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] دَلَالَةُ الْتِزَامٍ بِصَحِيحٍ بَلْ هِيَ دَلَالَةُ مُطَابَقَةٍ عُرْفًا وَكَانَتْ الدَّلَالَةُ قَبْلَ الْعُرْفِ بِلَفْظِ الْمَيْتَةِ دَلَالَةَ مُطَابَقَةٍ عَلَى الْمَيْتَةِ نَفْسِهَا ثُمَّ صَارَتْ بَعْدَ الْعُرْفِ دَلَالَةَ مُطَابَقَةٍ عَلَى أَكْلِهَا وَكَذَلِكَ كُلُّ دَلَالَةٍ عُرْفِيَّةٍ إنَّمَا هِيَ دَلَالَةُ مُطَابَقَةٍ عَلَى مَا صَارَتْ فِيهِ عُرْفًا
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْقَسَمِ صَرَفَتْ اللَّفْظَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْأَمْرُ الْقَدِيمُ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَسْوِيَةُ مَالِكٍ بَيْنَ لَفْظِ الْقُرْآنِ وَالْمُصْحَفِ وَالتَّنْزِيلِ وَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ مَعَ أَنَّ الْعُرْفَ فِيهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْمُحْدَثُ أَفَادَهُ ابْنُ الشَّاطِّ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ)
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ إذَا قَالَ عَلِمَ اللَّهُ لَا فَعَلْت اسْتَحَبَّ لَهُ مَالِكٌ الْكَفَّارَةَ احْتِيَاطًا تَنْزِيلًا لِلَفْظِ عَلِمَ اللَّهُ الَّذِي هُوَ فِعْلٌ مَاضٍ مَنْزِلَةَ عِلْمِ اللَّهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَعِلْمِ اللَّهِ لَا فَعَلْت وَقَالَ سَحْنُونٌ إنْ أَرَادَ الْحَلِفَ بِعِلْمِ اللَّهِ مَعَ حَذْفِ أَدَاةِ الْقَسَمِ وَالتَّعْبِيرِ عَنْ الصِّفَةِ الْقَدِيمَةِ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ وَحَنِثَ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ أَرَادَ الْإِخْبَارَ عَنْ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِعَدَمِ فِعْلِهِ فَلَيْسَ بِحَلِفٍ تَجِبُ بِهِ كَفَّارَةٌ فَلَفْظُ عِلْمِ اللَّهِ لَا فَعَلْت كِنَايَةٌ تَحْتَمِلُ الْقَسَمَ وَالْإِخْبَارَ اهـ بِتَصَرُّفٍ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ الْأَظْهَرُ نَظَرًا قَوْلُ سَحْنُونٍ وَلِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اسْتَحَبَّ مَالِكٌ الْكَفَّارَةَ وَلَمْ يُوجِبْهَا اهـ.
وَقَالَ الْأَصْلُ وَقَوْلُ سَحْنُونٍ مُتَّجَهٌ فِي قَوَاعِدِ الْفِقْهِ وَقَدْ وَقَعَ لِبَعْضِ النُّحَاةِ جَوَازُ فَتْحِ أَنَّ بَعْدَ الْقَسَمِ وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْقَسَمَ قَدْ يَقَعُ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي فَتَكُونُ أَنَّ مَعْمُولَةً لَهُ نَحْوُ عَلِمَ اللَّهُ وَشَهِدَ اللَّهُ أَنَّ زَيْدًا لَمُنْطَلِقٌ فَلَمَّا كَانَتْ مَظِنَّةَ وُجُودِ الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي فَتَجِبُ تَنْزِيلًا لِلْمَظْنُونِ مَنْزِلَةَ الْمُحَقَّقِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ نَقَلَهَا لُغَةً عَنْ الْعَرَبِ فِي فَتْحِ أَنَّ بَعْدَ الْقَسَمِ وَالْجَادَّةُ عَلَى كَسْرِهَا بَعْدَ الْقَسَمِ اهـ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ)
الصَّحِيحُ أَنَّ قَرِينَةَ الْقَسَمِ فِي قَوْلِ الْقَائِلِ وَالْعِلْمِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَقَوْلُهُ وَعِلْمِ اللَّهِ بِالْإِضَافَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ تَعَيَّنَ أَنَّ مُرَادَهُ الْعِلْمُ الْقَدِيمُ دُونَ غَيْرِهِ عَلَى أَنَّ لَفْظَ الْعِلْمِ سَوَاءٌ كَانَ مُضَافًا أَمْ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ لَيْسَ اشْتِمَالُهُ عَلَى الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ فِي الْقَوْلِ الصَّحِيحِ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَنَّ أَصْلَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ وَكَذَا الْإِضَافَةُ فِي اللُّغَةِ لِلْعُمُومِ وَقَدْ تَكُونُ لِلْعَهْدِ مَجَازًا مُرْسَلًا مِنْ إطْلَاقِ الْعَامِّ وَإِرَادَةِ الْخَاصِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولا} [المزمل: 15]{فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [المزمل: 16] أَيْ عَصَى الرَّسُولَ الْمَعْهُودَ ذِكْرُهُ الْآنَ مِنْ بَابِ الْعُمُومِ الَّذِي يَقُولُ بِهِ الْمُعَمِّمُونَ بَلْ اشْتِمَالُهُ عَلَى الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ فِيهِ مِنْ بَابِ تَعْمِيمِ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ وَالْقَوْلُ بِهِ مَرْدُودٌ فَكُلُّ مَا قَالَهُ الْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
(وَثَالِثُهَا) قَوْله تَعَالَى «مَا تَرَدَّدْت فِي شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي فِي قَبْضِ رُوحِ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مُسَاءَتَهُ وَلَا يَكُونُ إلَّا مَا أُرِيدَ» قَالَ الْعُلَمَاءُ التَّرَدُّدُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنَّ كُلَّ شَخْصٍ أَنْتَ تُعَظِّمُهُ وَتَهْتَمُّ بِهِ فَإِنَّك تَتَرَدَّدُ فِي مُسَاءَتِهِ نَحْوُ وَلَدِك وَصَدِيقِك، وَمَنْ لَا تُعَظِّمُهُ كَالْعَقْرَبِ وَالْحَيَّةِ وَعَدُوِّك فَإِنَّك إذَا خَطَرَ بِقَلْبِك إيلَامُهُ وَمُسَاءَتُهُ لَا تَتَرَدَّدُ فِي ذَلِكَ بَلْ تُبَادِرُ إلَيْهِ، فَصَارَ التَّرَدُّدُ لَا يَقَعُ إلَّا فِي مَوْطِنِ التَّعْظِيمِ وَعَدَمُهُ فِي مَوْطِنِ الْحَقَارَةِ وَإِنْ كَانَ التَّرَدُّدُ فِي الْإِحْسَانِ انْعَكَسَ الْحَالُ فَيَحْصُلُ فِي حَقِّ الْحَقِيرِ دُونَ الْعَظِيمِ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُتَحَدِّثُونَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ: الْمُرَادِ بِذِكْرِ التَّرَدُّدِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الدَّلَالَةُ عَلَى عِظَمِ مَنْزِلَةِ الْمُؤْمِنِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَعَبَّرَ بِاللَّفْظِ الْمُرَكَّبِ عَمَّا يَلْزَمُهُ وَهُوَ نَفْسُهُ لَيْسَ مُرَادًا فَيَصِيرُ مَعْنَى الْحَدِيثِ: مَنْزِلَةُ الْمُؤْمِنِ عِنْدِي عَظِيمَةٌ وَجَمِيعُ مَا وَقَعَ فِي مَدْلُولِ هَذَا الْمُرَكَّبِ لَيْسَ مُرَادًا فَقَدْ قُصِدَ إلَى لَازِمِ اللَّفْظِ وَأُضِيفَ إلَيْهِ الْحُكْمُ وَهَذَا بِعَيْنِهِ هُوَ تَصَرُّفُ النِّيَّةِ فَإِنَّ النِّيَّةَ هِيَ الْقَصْدُ بِعَيْنِهِ وَإِذَا صَحَّ الْقَصْدُ صَحَّتْ النِّيَّةُ فِي اللَّازِمِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ فَهَذِهِ وُجُوهٌ وَاضِحَةٌ فِي دُخُولِ النِّيَّاتِ وَالْمَقَاصِدِ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا فِي مُقْتَضَى اللُّغَةِ وَبِهَا يَظْهَرُ الْجَوَابُ عَمَّا اعْتَمَدُوا عَلَيْهِ أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ قَوْلُهُمْ نَفَيْنَاهُ فِيمَا عَدَا الْمُطَابَقَةَ عَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ فَجَوَابُهُ أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَالِاسْتِعْمَالَات دَلَّ عَلَى مُخَالَفَةِ الْأَصْلِ وَأَنَّ الْعَرَبَ أَجَازَتْ النِّيَّةَ فِي الِالْتِزَامِ كَمَا أَجَازَتْهَا فِي الْمُطَابَقَةِ ثُمَّ إنَّ الْأَصْلَ مُعَارَضٌ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَجْرِ عَلَيْنَا.
وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُمْ إنَّ الِاسْتِقْرَاءَ دَلَّ عَلَى عَدَمِ دُخُولِ النِّيَّةِ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا فَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ النُّصُوصِ وَالِاسْتِعْمَالَات يُبْطِلُ اسْتِقْرَاءَهُمْ وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمُ عَلَى النَّافِي.
وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ قَوْلُهُمْ لَوْ صَحَّ دُخُولُ النِّيَّةِ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا لَصَحَّ الْمَجَازُ فِي كُلِّ شَيْءٍ هُوَ لَازِمٌ قُلْنَا وَإِنَّهُ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ عِنْدَنَا التَّجَوُّزُ لِكُلِّ لَازِمٍ لِأَنَّ الْعَلَاقَةَ عِنْدَنَا الْمُلَازَمَةُ وَهِيَ حَاصِلَةٌ بَلْ يَصِحُّ عِنْدَنَا الْمَجَازُ فِي غَيْرِ اللَّازِمِ كَالتَّعْبِيرِ بِلَفْظِ الْجُزْءِ عَنْ الْكُلِّ مَعَ أَنَّ الْكُلَّ غَيْرُ لَازِمٍ لِلْجُزْءِ وَأَمَّا مَا ذَكَرْتُمُوهُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ
(وَثَالِثُهَا قَوْله تَعَالَى «مَا تَرَدَّدْت فِي شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي فِي قَبْضِ رُوحِ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مُسَاءَتَهُ وَلَا يَكُونُ إلَّا مَا أُرِيدَ» إلَى قَوْلِهِ فِي اللَّازِمِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ.
قَالَ (فَهَذِهِ وُجُوهٌ وَاضِحَةٌ فِي دُخُولِ النِّيَّاتِ وَالْمَقَاصِدِ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا فِي مُقْتَضَى اللُّغَةِ) قُلْت هُوَ كَمَا قَالَ إلَّا مَا وَقَعَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ مِنْ مِثْلِ قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] قَالَ (وَبِهَا يَظْهَرُ الْجَوَابُ عَمَّا اعْتَمَدُوا عَلَيْهِ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ مَعَ أَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ الْأَصْلَ إنَّمَا هُوَ النِّيَّاتُ وَالْمَقَاصِدُ وَالْأَلْفَاظُ وَصْلَةٌ إلَى تَعْرِيفِهَا وَتَعَرُّفِهَا فَإِذَا صَرَفَتْ النِّيَّاتُ الْأَلْفَاظَ إلَى شَيْءٍ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ انْصَرَفَتْ إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ اشْتِمَالَ اللَّفْظِ عَلَى الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ مِنْ بَابِ الْعُمُومِ كَمَا زَعَمَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَهُ ابْنُ الشَّاطِّ.
(وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ) مِنْهَا أَعْنِي السَّلْبِيَّةَ قَالَ الْأَمِيرُ عَلَى عَبْدِ السَّلَامِ وَالْحَقُّ أَنَّ الْخِلَافَ فِي كَوْنِهَا مُنْحَصِرَةً أَوَّلًا لَفْظِيٌّ وَأَنَّ الْأُصُولَ الْكُلِّيَّةَ كَالْمُخَالَفَةِ لِلْحَوَادِثِ تَحْتَهُ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ جَوْهَرًا وَلَا عَرَضًا إلَخْ مُنْحَصِرَةٌ وَأَنَّ الْجُزْئِيَّاتِ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ اهـ.
وَهِيَ كَقَوْلِنَا إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلَا جَوْهَرٍ وَلَا عَرَضٍ وَلَا فِي حَيِّزٍ وَلَا فِي جِهَةٍ وَلَا يُشْبِهُ شَيْئًا مِنْ خَلْقِهِ فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] فَهَذِهِ الصِّفَاتُ هِيَ نِسْبَتُهُ بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَأُمُورٌ مُسْتَحِيلَةٌ عَلَيْهِ سبحانه وتعالى وَاعْلَمْ أَنَّ السَّلْبَ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى سَلْبَانِ سَلْبُ نَقِيصَةٍ نَحْوُ سَلْبِ الْجِهَةِ وَالْجِسْمِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا وَسَلْبُ الْمُشَارِكِ فِي الْكَمَالِ وَهُوَ سَلْبُ الشَّرِيكِ وَهُوَ الْوَحْدَانِيَّةُ قَالَ الْأَصْلُ وَلَمْ أَجِدْ فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ نَقْلًا أَعْتَمِدُ عَلَيْهِ فِي انْعِقَادِ الْيَمِينِ بِالسَّلْبِيَّةِ وَعَدَمِ انْعِقَادِهِ غَيْرَ أَنِّي حَرَّكْت مِنْ وُجُوهِ النَّظَرِ وَالتَّخْرِيجِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَعْتَمِدَ الْفَقِيهُ عَلَيْهِ نَفْيًا أَوْ إثْبَاتًا وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ السُّلُوبَ مِنْهَا سُلُوبٌ قَدِيمَةٌ نَحْوُ سَلْبِ الشَّرِيكِ وَهُوَ الْوَحْدَانِيَّةُ وَسَلْبِ الْجِسْمِيَّةِ وَالْعَرَضِيَّةِ وَالْجَوْهَرِيَّةِ وَالْأَيْنِيَّةِ وَسَلْبِ جَمِيعِ الْمُسْتَحِيلَاتِ عَلَيْهِ تَعَالَى فَهَذِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا قَدِيمَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَقْرَبُ لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ بِهَا لَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ بِإِضَافَةِ اللَّفْظِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى نَحْوُ قَوْلِنَا وَوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَسْبِيحِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَقْدِيسِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَحْوِ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ بِإِضَافَةِ اللَّفْظِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى نَحْوُ قَوْلِنَا وَسَلْبِ الْجِسْمِ وَسَلْبِ الشَّرِيكِ فَإِنَّ انْعِقَادَ الْيَمِينِ بِهَا يَبْعُدُ حِينَئِذٍ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهَا سُلُوبًا وَمِنْهَا سُلُوبٌ حَادِثَةٌ نَحْوُ عَفْوِ اللَّهِ تَعَالَى وَحِلْمِهِ تَعَالَى فَإِنَّ الْعَفْوَ تَرْكُ الْمُعَاقَبَةِ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْجِنَايَةِ وَالْحِلْمُ تَرْكُ الْمُحَاسَبَةِ وَالْمُعَاقَبَةِ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْجِنَايَةِ وَالْجِنَايَةُ مِنْ الْعِبَادِ حَادِثَةٌ وَالْمُتَأَخِّرُ عَنْ الْحَادِثِ حَادِثٌ فَهِيَ أَبْعَدُ عَنْ انْعِقَادِ الْيَمِينِ مِنْ انْعِقَادِهِ بِالسُّلُوبِ الْقَدِيمَةِ لِاجْتِمَاعِ الْحُدُوثِ فِيهَا مَعَ السَّلْبِ وَانْفِرَادِ السَّلْبِ فِي السُّلُوبِ الْقَدِيمَةِ فَاَلَّذِي يَقُولُ لَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِالصِّفَاتِ الْوُجُودِيَّةِ يَقُولُ هَا هُنَا بِعَدَمِ الِانْعِقَادِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَاَلَّذِي يَقُولُ تَنْعَقِدُ
مِنْ الْمِثَالِ فَذَلِكَ الْمَنْعُ إنَّمَا جَاءَ مِنْ خُصُوصِ كَوْنِهِ مَجَازَ تَشْبِيهٍ لَا مِنْ عُمُومِ كَوْنِهِ مَجَازًا فَإِنَّا نَشْتَرِطُ فِي مَجَازِ التَّشْبِيهِ أَظْهَرَ صِفَاتِ الْمُتَجَوَّزِ عَنْهُ وَلَا يَصِحُّ التَّشْبِيهُ بِالْمَعَانِي الْخَفِيَّةِ فَهَذَا بَحْثٌ خَاصٌّ بِالِاسْتِعَارَةِ الَّتِي هِيَ مَجَازُ تَشْبِيهٍ وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَجَازِ فَهَذَا الشَّرْطُ فِيهَا سَاقِطٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ امْتِنَاعِ أَمْرٍ فِي الْأَخَصِّ أَنْ يَمْتَنِعَ فِي الْأَعَمِّ مِنْهُ فَلَا يَلْزَمُ إذَا حَرُمَ قَتْلُ الْإِنْسَانِ أَنْ يَحْرُمَ قَتْلُ مُطْلَقِ الْحَيَوَانِ وَلَا مِنْ تَحْرِيمِ شُرْبِ الْخَمْرِ أَنْ يَحْرُمَ مُطْلَقُ الْمَائِعِ وَلَا مِنْ تَحْرِيمِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ أَنْ يَحْرُمَ مُطْلَقُ اللَّحْمِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ امْتِنَاعٍ خَاصٍّ فِي مَجَازِ التَّشْبِيهِ أَنْ يَحْصُلَ الِامْتِنَاعُ فِي أَصْلِ الْمَجَازِ بَلْ الَّذِي نَعْتَقِدُهُ أَنَّ التَّجَوُّزَ يَصِحُّ فِي كُلِّ لَازِمٍ إلَّا مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَجَازِ التَّشْبِيهِ خَاصَّةً فَهَذَا تَلْخِيصُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْحِجَاجِ فِيهَا.
(الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ)
دُخُولُ النِّيَّةِ فِي تَعْمِيمِ الْمُطْلَقَاتِ وَصُورَتُهُ أَنْ تَقُولَ وَاَللَّهِ لَأُكْرِمَنَّ أَخَاك وَتَنْوِيَ بِذَلِكَ جَمِيعَ إخْوَتَك فَإِنَّ قَوْلَك أَخَاك مُطْلَقٌ فَإِذَا أَرَادَ جَمِيعَ إخْوَتِك فَقَدْ عَمَّمَ الْمُطْلَقَ وَمِثْلُهُ قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلا} [الحج: 5] فَإِنَّ طِفْلًا مُطْلَقٌ مُفْرَدٌ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا فَرْدًا وَاحِدًا وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ جَمِيعِ الْأَطْفَالِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ دُخُولُ النِّيَّةِ فِي تَعْمِيمِ الْمُطْلَقَاتِ وَصُورَتُهُ أَنْ تَقُولَ وَاَللَّهِ لَأُكْرِمَنَّ أَخَاكَ وَتَنْوِيَ بِذَلِكَ جَمِيعَ إخْوَتِك فَإِنَّ قَوْلَك أَخَاك مُطْلَقٌ فَإِذَا أَرَادَ جَمِيعَ إخْوَتِكَ فَقَدْ عَمَّمَ الْمُطْلَقَ)
قُلْت لَيْسَ مَا قَالَهُ هُنَا بِصَحِيحٍ فَإِنَّ أَخَاك مَعْرِفَةٌ وَلَيْسَتْ الْمَعْرِفَةُ مُطْلَقَةً فِي عُرْفِ الْأُصُولِيِّينَ وَإِنَّمَا الْمُطْلَقُ فِي عُرْفِهِمْ النَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ فَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ وَاَللَّهِ لَأُكْرِمَنَّ أَخَاك وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا أَوْجَبَ غَلَطُهُ فِي ذَلِكَ شُبْهَةَ الِاشْتِرَاكِ فِي لَفْظِ الْمُطْلَقِ بِاعْتِبَارِ اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ وَالْمَنْطِقِيِّينَ فَإِنَّ اصْطِلَاحَ الْأُصُولِيِّينَ فِي الْمُطْلَقِ أَنَّهُ الْوَاحِدُ الْمُبْهَمُ وَفِي اصْطِلَاحِ الْمَنْطِقِيِّينَ الْكُلِّيُّ وَقَدْ يَكُونُ نَكِرَةً كَمَا فِي قَوْلِهِمْ تَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ وَمَعْرِفَةً بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ كَقَوْلِهِمْ الرَّجُلُ خَيْرٌ مِنْ الْمَرْأَةِ وَمَعْرِفَةً بِالْإِضَافَةِ كَقَوْلِهِمْ (:
أَخَاك أَخَاك إنَّ مَنْ لَا أَخَا لَهُ
…
كَسَاعٍ إلَى الْهَيْجَا بِغَيْرِ سِلَاحٍ)
فَإِنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَخًا مُعَيَّنًا وَلَا أَخًا وَاحِدًا مُبْهَمًا وَإِنَّمَا أَرَادَ هَذَا النَّوْعَ عَلَى الْجُمْلَةِ.
قَالَ (وَمِثْلُهُ قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلا} [الحج: 5] فَإِنَّ طِفْلًا مُطْلَقٌ مُفْرَدٌ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا فَرْدًا وَاحِدًا وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْأَطْفَالِ) قُلْت هَذَا كَلَامٌ فَاسِدٌ وَقَوْلٌ غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ وَهُوَ الْكُلِّيُّ لَيْسَ فَرْدًا وَاحِدًا عِنْدَ مُثْبَتِيهِ وَإِنَّمَا الْفَرْدُ الْوَاحِدُ وَاحِدٌ مُبْهَمٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ مِمَّا فِيهِ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكُ وَهُوَ أَشْهَرُ نَوْعَيْ النَّكِرَةِ وَأَكْثَرُهُمَا اسْتِعْمَالًا فِي لُغَةِ الْعَرَبِ فَإِنَّ النَّكِرَةَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ عَلَى نَوْعَيْنِ
أَحَدُهُمَا يُرَادُ بِهِ الْفَرْدُ الْمُبْهَمُ فِي مِثْلِ قَوْلِ الْقَائِلِ: أَكْرِمْ رَجُلًا
وَثَانِيهِمَا يُرَادُ بِهِ هَذَا الْجِنْسُ لَا فَرْدٌ مِنْهُ مُبْهَمٌ فِي مِثْلِ قَوْلِ الْقَائِلِ رَجُلٌ خَيْرٌ مِنْ امْرَأَةٍ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْيَمِينُ بِالصِّفَاتِ الْوُجُودِيَّةِ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ أَمْكَنَ أَنْ يَقُولَ بِعَدَمِ الِانْعِقَادِ هَا هُنَا لِأَجْلِ السَّلْبِ فَهَذَا مَوْضِعٌ يَحْتَمِلُ الْإِطْلَاقَ بِانْعِقَادِ الْيَمِينِ وَبِعَدَمِ انْعِقَادِهَا وَيَحْتَمِلُ التَّفْصِيلَ بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْمُحْدَثِ اهـ.
وَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَالصَّحِيحُ الْأُمُورُ الْمُضَافَةُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى سَوَاءٌ كَانَتْ إثْبَاتًا أَوْ سَلْبًا مِثْلُ قَبْلِيَّةِ اللَّهِ وَمَعِيَّتِه وَبَعْدِيَّتِهِ مَتَى عُنِيَ بِهَا أَمْرٌ قَدِيمٌ فَالْيَمِينُ بِهَا مُنْعَقِدَةٌ وَمَتَى عُنِيَ بِهَا أَمْرٌ حَادِثٌ فَالْيَمِينُ بِهَا غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ وَقَصْدُ الْأَمْرِ الْقَدِيمِ بِهَا هُوَ عُرْفُ الشَّرْعِ وَلَمْ يَحْدُثْ عُرْفٌ يُنَاقِضُهُ فَيَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ لِذَلِكَ اهـ وَقَدْ عَلِمْت مَا فِي قَوْلِهِ وَلَمْ يَحْدُثْ عُرْفٌ يُنَاقِضُهُ إلَخْ فَلَا تَغْفُلْ.
(وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ) مِنْهَا أَعْنِي الصِّفَاتِ الْفِعْلِيَّةَ كَقَوْلِهِ وَخَلْقِ اللَّهِ وَرِزْقِ اللَّهِ وَعَطَاءِ اللَّهِ وَإِحْسَانِ اللَّهِ مِنْ كُلِّ مَا يَصْدُرُ عَنْ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ الْأَصْلُ فَيُنْهَى عَنْ الْحَلِفِ بِهَا وَلَا يُوجِبُ كَفَّارَةً إذَا حَنِثَ اهـ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْعَلَّامَةِ الْأَمِيرِ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الصِّفَاتِ الْفِعْلِيَّةَ أُمُورٌ اعْتِبَارِيَّةٌ تَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ الْمَقْدُورِ وَأَنَّهَا حَادِثَةٌ كَمَا يَقُولُ الْأَشَاعِرَةُ أَمَّا إنْ لُوحِظَ الْمَذْهَبُ الْمَاتُرِيدِيُّ مِنْ أَنَّهَا قَدِيمَةٌ تَرْجِعُ إلَى صِفَةِ التَّكْوِينِ أَوْ أُرِيدَ مَصْدَرُهَا وَمَنْشَؤُهَا وَهُوَ الْقُدْرَةُ أَوْ الِاقْتِدَارُ الرَّاجِعُ لِلصِّفَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ أَيْ كَوْنُهُ قَادِرًا فَتَنْعَقِدُ بِهَا الْيَمِينُ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ مَعَ الْحِنْثِ فَلَا تَغْفُلْ وَهَا هُنَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى)
الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ لِمَعَادِ اللَّهِ وَحَاشَا اللَّهِ هُوَ هُوَ الْمَعَادُ الْحَقِيقِيُّ لِلْعِبَادِ وَبَرَاءَةِ اللَّهِ أَيْ بَرَاءَةٌ مِنَّا لِلَّهِ وَهُمَا فِعْلَانِ مُحْدَثَانِ فَلِذَا قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ أَصْحَابُنَا مَعَادَ اللَّهِ لَيْسَ يَمِينًا إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْيَمِينَ وَقِيلَ مَعَادَ اللَّهِ وَحَاشَا اللَّهِ لَيْسَتَا بِيَمِينٍ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْمَعَادَ مِنْ الْعَوْدِ وَمُحَاشَاةُ اللَّهِ تَعَالَى التَّبْرِئَةُ إلَيْهِ فَهُمَا فِعْلَانِ مُحْدَثَانِ. اهـ قَالَ الْأَصْلُ يُرِيدُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْيَمِينَ. اهـ.
أَيْ بِأَنْ يُرِيدَ بِمَعَادَ اللَّهِ ذَاتَ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ تَعَالَى مَجَازًا وَذَلِكَ لِأَنَّ مَعَادًا اسْمُ مَكَان مِنْ الْعَوْدِ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَعُودُ إلَيْهِ الْأَمْرُ كُلُّهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ} [هود: 123] فَأَطْلَقَ اسْمَ الْمَكَانِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مَجَازًا فَلَفْظُ مَعَادَ اللَّهِ كِنَايَةٌ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمَعَادَ الْمَجَازِيَّ فَيَكُونَ حَلِفًا بِقَدِيمٍ وَهُوَ وُجُودُهُ تَعَالَى وَتَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمَعَادَ الْحَقِيقِيَّ فَيَكُونَ حَلِفًا بِمُحْدَثٍ فَلَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ كَمَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَصْلًا لِانْصِرَافِهِ لِحَقِيقَتِهِ حِينَئِذٍ وَهُوَ الْمَعَادُ الْحَقِيقِيُّ وَبِأَنْ يُرِيدَ بِحَاشَا اللَّهِ الْكَلَامَ
وَمَعَ ذَلِكَ فَالْمُرَادُ بِهِ جَمِيعُ الْأَطْفَالِ عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ فَإِنَّ جَمِيعَنَا لَا يَخْرُجُ طِفْلًا وَاحِدًا بَلْ أَطْفَالًا فَمَعْنَى الطُّفُولِيَّةِ مُضَافَةٌ لِكُلِّ بَشَرٍ مِنَّا فَيَحْصُلُ الْعُمُومُ فِي الْأَطْفَالِ كَمَا أَنَّا نَحْنُ غَيْرُ مُتَنَاهِينَ وَتَوْزِيعُ الْحَقِيقَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ الطُّفُولِيَّةِ عَلَى مَا لَا يَتَنَاهَى يُوجِبُ أَنْ يَحْصُلَ مِنْهَا أَفْرَادٌ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ فَقَدْ وَرَدَ هَذَا الْمُطْلَقُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمُرَادُ بِهِ الْعُمُومُ فَإِذَا أَرَادَ الْحَالِفُ تَعْمِيمَ حُكْمِ الْيَمِينِ بِالنِّيَّةِ كَمَا إذَا صَرَّحَ بِالْعُمُومِ فَإِنْ كَانَ فِي سِيَاقِ الثُّبُوتِ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِحُصُولِ الْفِعْلِ فِي جَمِيعِ أَفْرَادِ ذَلِكَ الْعُمُومِ وَإِنْ كَانَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ حَنِثَ بِوَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ الْعُمُومِ وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ بِأَيِّ فَرْدٍ حَنِثَ فِيهِ مَعَ أَنَّ سِيَاقَ النَّفْيِ اللَّفْظُ فِيهِ عَامٌّ فَإِنَّ النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تَعُمُّ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ أَثَرُ ذَلِكَ وَتَأْثِيرُ النِّيَّةِ فِي سِيَاقِ الثُّبُوتِ خَاصَّةً.
(الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ)
تَعْيِينُ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ بِالنِّيَّةِ فَإِنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي تَعْيِينِ ذَلِكَ الْفَرْدِ لِلْيَمِينِ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَأَنْظُرَنَّ إلَى عَيْنٍ وَيُرِيدُ بِهَذَا اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ أَحَدَ مُسَمَّيَاتِهِ وَهُوَ الْعَيْنُ الْبَاصِرَةُ مَثَلًا دُونَ عَيْنِ الْمَاءِ وَعَيْنِ الشَّمْسِ وَعَيْنِ الرُّكْبَةِ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْبَاصِرَةِ بِسَبَبِ تَعْيِينِهَا بِالنِّيَّةِ فَهَذَا قِسْمٌ يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ دُونَ تَخْصِيصِ الْعُمُومَاتِ وَتَقْيِيدِ الْمُطْلَقَاتِ وَالصَّرْفِ إلَى الْمَجَازَاتِ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَنْطَبِقُ عَلَى مَا عَيَّنَهُ حَقِيقَةً مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ وَفِي بَقِيَّةِ الصُّوَرِ لَيْسَ كَذَلِكَ.
(الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ)
تُصْرَفُ النِّيَّةُ بِالصَّرْفِ إلَى الْمَجَازَاتِ وَتَرْكِ حَقِيقَةِ اللَّفْظِ بِالْكُلِّيَّةِ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَأَضْرِبَنَّ أَسَدًا وَيُرِيدُ رَجُلًا شُجَاعًا فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِضَرْبِ رَجُلٍ شُجَاعٍ وَلَوْ ضَرَبَ الْأَسَدَ الْحَقِيقِيَّ مَا بَرَّ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ أَنْوَاعِ الْمَجَازَاتِ مِنْ اسْتِعْمَالِ لَفْظِ الْكُلِّ فِي الْجُزْءِ وَلَفْظِ الْجُزْءِ فِي
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (وَمَعَ ذَلِكَ فَالْمُرَادُ بِهِ جَمِيعُ الْأَطْفَالِ عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ فَإِنَّ جَمِيعَنَا لَا يُخْرِجُ طِفْلًا وَاحِدًا بَلْ أَطْفَالًا إلَى قَوْلِهِ فَقَدْ وَرَدَ هَذَا الْمُطْلَقُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمُرَادُ بِهِ الْعُمُومُ) قُلْت لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ فِي الْآيَةِ الْعُمُومَ فَإِنَّ الْعُمُومَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُتَنَاوِلًا لِجَمِيعِ الْآحَادِ الْمُمْكِنَةِ وَلَا يُتَّجَهُ ذَلِكَ فِي الْآيَةِ إذْ لَوْ قَالَ وَنُخْرِجُكُمْ جَمِيعَ الْأَطْفَالِ الْمُمْكِنَةِ لَمْ يَكُنْ كَلَامًا صَحِيحًا وَإِنَّمَا الْعُمُومُ فِي الْآيَةِ مُسْتَفَادٌ مِنْ ضَمِيرِ الْجَمْعِ الْمُتَّصِلِ بِنُخْرِجُ وَهُوَ عُمُومٌ فِي الْمَخْرَجَيْنِ لَا فِي كُلِّ مُمْكِنٍ ثُمَّ جَاءَ لَفْظُ طِفْلٍ مُبَيِّنًا لِلْحَالَةِ الَّتِي يَكُونُ الْإِخْرَاجُ فِيهَا وَهِيَ حَالَةُ الطُّفُولِيَّةِ إمَّا عَلَى تَقْدِيرِ وَنُخْرِجُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ لِأَنَّ وَنُخْرِجُكُمْ فِي مَعْنَاهُ وَإِمَّا عَلَى أَنَّ طِفْلًا اسْمُ جِنْسٍ فَنَابَ مَنَابَ اسْمِ الْجَمْعِ كَنَاسٍ وَنَفَرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ (فَإِذَا أَرَادَ الْحَالِفُ تَعْمِيمَ حُكْمِ الْيَمِينِ بِالنِّيَّةِ كَمَا إذَا صَرَّحَ بِالْعُمُومِ إلَى آخَرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ.
وَكَذَلِكَ مَا قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّادِسَةِ إلَّا عِبَارَتُهُ بِفَرْدٍ عَنْ أَحَدِ مُسَمَّيَاتِ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ فَإِنَّ الْأَوْلَى كَانَ أَنْ يَقُولَ تَعَيُّنُ أَحَدِ مُسَمَّيَاتِ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ لِأَنَّ الْفَرْدَ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْغَالِبِ إنَّمَا يُرَادُ بِهِ الْوَاحِدُ الشَّخْصِيُّ لَا الْوَاحِدُ النَّوْعِيُّ
وَجَمِيعُ مَا قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِعَةِ صَحِيحٌ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْقَدِيمَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُنَزِّهُ نَفْسَهُ بِكَلَامِهِ النَّفْسَانِيِّ فَتَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَيْهِ تَعَالَى بِاللَّامِ فَلَفْظُ حَاشَا اللَّهِ كَلَفْظِ مَعَادَ اللَّهِ إنْ أُرِيدَ بِهِ الْمَعْنَى الْحَادِثُ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا وَلَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ كَمَا إذَا لَمْ يُرَدْ بِهِ شَيْءٌ أَصْلًا وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْمَعْنَى الْقَدِيمُ كَانَ يَمِينًا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ عِنْدَ الْحِنْثِ هَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِ ابْنِ الشَّاطِّ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْفَرْقِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْفَرْقِ مَتَى عُنِيَ بِالْأُمُورِ الْمُضَافَةِ أَمْرٌ قَدِيمٌ فَالْيَمِينُ بِهَا مُنْعَقِدَةٌ أَوْ أَمْرٌ حَادِثٌ فَالْيَمِينُ بِهَا غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ إلَخْ فَمِنْ هُنَا نَظَرَ ابْنُ الشَّاطِّ هُنَا فِي قَوْلِ الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مَعَ نِيَّةِ الْمَعْنَى الْقَدِيمِ فِيهِمَا مِنْ نِيَّةٍ أُخْرَى لِلْقَسَمِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ عُرْفٍ يَقُومُ مَقَامَهَا وَذَلِكَ لِأَنَّ لَفْظَ كُلٍّ مِنْهَا إنْ نُصِبَ فَعَلَى تَقْدِيرِ أُلْزِمُ نَفْسِي مَعَادَ اللَّهِ وَحَاشَا اللَّهِ فَيَكُونُ إلْزَامًا حَقِيقِيًّا لِمُوجِبِ الْيَمِينِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ وَلَا بُدَّ فِي ذَلِكَ مِنْ نِيَّةٍ أَوْ عُرْفٍ وَإِنْ رُفِعَ فَعَلَى تَقْدِيرِ مَعَادَ اللَّهِ أَوْ حَاشَا اللَّهِ قَسَمِي فَيَكُونُ جُمْلَةً اسْمِيَّةً خَبَرِيَّةً اُسْتُعْمِلَتْ فِي إنْشَاءِ الْقَسَمِ بِهَا إمَّا بِالنِّيَّةِ أَوْ بِالْعُرْفِ الْمُوجِبِ لِنَقْلِ الْخَبَرِ مِنْ أَصْلِهِ اللُّغَوِيِّ إلَى الْإِنْشَاءِ وَإِنْ خُفِضَ فَعَلَى حَذْفِ حَرْفِ الْقَسَمِ الْجَارِّ كَقَوْلِهِمْ اللَّهِ بِالْخَفْضِ وَلَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ نِيَّةِ الْإِنْشَاءِ أَوْ عُرْفٍ يَقْتَضِي ذَلِكَ اهـ.
مُلَخَّصًا قُلْت وَوَجْهُ النَّظَرِ أَنَّ وَاوَ الْقَسَمِ وَجَمِيعَ حُرُوفِهِ وَلَفْظِهِ بِأَيِّ صِيغَةٍ لَا تُسْتَعْمَلُ إلَّا لِإِنْشَاءِ الْقَسَمِ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ أَوَّلَ الْكِتَابِ وَلِذَلِكَ " الْزَمْ " لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا لِإِنْشَاءِ الِالْتِزَامِ وَالْتِزَامُ الْقَدِيمِ الْتِزَامٌ لِلْيَمِينِ فَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ نِيَّةً لِإِنْشَاءِ الْقَسَمِ فَتَأَمَّلْ بِإِنْصَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) رَحْمَةِ اللَّهِ وَرِضَاهُ وَمَحَبَّتِهِ وَغَضَبِهِ وَمَقْتِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3] وَبُغْضِهِ فِي قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «أَبْغَضُ الْمُبَاحِ إلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الْحَبْرَ السَّمِينَ» وَرَأْفَتِهِ فِي قَوْله تَعَالَى الرَّءُوفِ الرَّحِيمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي قِيلَ إنَّ حَقَائِقَهَا لَا تُتَصَوَّرُ إلَّا فِي الْبَشَرِ وَالْأَمْزِجَةِ وَالْمَخْلُوقَاتِ بِنَاءً عَلَى تَفْسِيرِهَا بِمَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ تَعَالَى كَتَفْسِيرِهِمْ الرَّحْمَةَ بِالرِّقَّةِ وَالْمَحَبَّةَ بِالْمَيْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَعَلَى تَسْلِيمِ امْتِنَاعِ تِلْكَ الْحَقَائِقِ لَا بُدَّ مِنْ الصَّرْفِ إلَى الْمَجَازِ فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَجَازِ الْمُرَادِ بِهَا فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ رضي الله عنه الْمُرَادُ فِي لَفْظِ الرَّحْمَةِ وَنَحْوِهَا إرَادَةُ الْإِحْسَانِ لِمَنْ وُصِفَ بِذَلِكَ
الْكُلِّ وَلَفْظِ السَّبَبِ فِي الْمُسَبَّبِ وَلَفْظِ الْمُسَبَّبِ فِي السَّبَبِ وَلَفْظِ الْمَلْزُومِ فِي اللَّازِمِ وَلَفْظِ اللَّازِمِ فِي الْمَلْزُومِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَجَازَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَهِيَ نَحْوُ خَمْسَةَ عَشَرَ نَوْعًا فَهَذِهِ الْمَسَائِلُ السَّبْعَةُ هِيَ تَفْصِيلُ مَا يُؤَثِّرُ فِيهِ النِّيَّةُ مُسْتَوْعَبَةً بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ بَعْدَهَا مَوْطِنٌ آخَرُ لِلنِّيَّةِ أَلْبَتَّةَ فِي الْأَيْمَانِ وَالطَّلَاقِ وَنَحْوِهَا.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ)
وَهِيَ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا تُؤَثِّرُ فِيهَا النِّيَّةُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَسَبَبُ عَدَمِ تَأْثِيرِهَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم «مَنْ حَلَفَ وَاسْتَثْنَى عَادَ كَمَنْ لَمْ يَحْلِفْ» يَقْتَضِي أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِالْمَشِيئَةِ سَبَبٌ رَافِعٌ لِحُكْمِ الْيَمِينِ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنْ تَرَتُّبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يَقْتَضِي عِلِّيَّةَ ذَلِكَ الْوَصْفِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ وَسَبَبِيَّتَهُ وَهَا هُنَا قَدْ رَتَّبَ صَاحِبُ الشَّرِيعَةِ حُكْمَ ارْتِفَاعِ الْيَمِينِ عَلَى وَصْفِ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ سَبَبَ ارْتِفَاعِ حُكْمِ الْيَمِينِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام عَادَ كَمَنْ لَمْ يَحْلِفْ وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى ارْتِفَاعِ حُكْمِ الْيَمِينِ فَإِذَا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ هُوَ سَبَبَ ارْتِفَاعِ حُكْمِ الْيَمِينِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّةَ يَتَوَقَّفُ حُصُولُ مُسَبَّبَاتِهَا عَلَى حُصُولِهَا وَأَنَّ الْقَصْدَ إلَيْهَا لَا يَقُومُ مَقَامَهَا فَإِنَّ الْقَصْدَ إلَى الصَّلَاةِ لَا يَقُومُ مَقَامَ الصَّلَاةِ حَتَّى يَكُونَ سَبَبَ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ مِنْهَا، وَالْقَصْدُ إلَى السَّرِقَةِ لَا يَقُومُ مَقَامَ السَّرِقَةِ فَيَجِبُ الْقَطْعُ بِمُجَرَّدِ الْقَصْدِ بَلْ لَا يَتَرَتَّبُ الْحُكْمُ إلَّا عَلَى وُجُودِ سَبَبِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ تَقُمْ النِّيَّةُ مَقَامَ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي حِلِّ الْيَمِينِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ النُّطْقِ بِهِ عَلَى شُرُوطِهِ وَحِينَئِذٍ يَتَرَتَّبُ رَفْعُ الْيَمِينِ فَهَذَا وَجْهُ عَدَمِ تَأْثِيرِهَا فِي مَسْأَلَةِ الْمَشِيئَةِ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَعَلَى الْقَوْلِ بِانْعِقَادِ الْيَمِينِ بِالنِّيَّةِ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ بِالنِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ لَفْظِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ وَهِيَ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا تُؤَثِّرُ فِيهَا النِّيَّةُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى إلَى آخِرِهَا)
قُلْت مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِيهِ نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَأْثِيرَ لَهُ إلَّا إنْ كَانَ مَقْصُودًا بِهِ رَفْعُ الْيَمِينِ أَوْ حِلُّهَا فَهُوَ أَعْنِي الِاسْتِثْنَاءَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى دَلِيلٌ عَلَى قَصْدِ رَفْعِ الْيَمِينِ وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِقَصْدِ رَفْعِ الْيَمِينِ الَّذِي لَفْظُ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى دَلِيلٌ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ حَدِيثِ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى مَا يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ اللَّفْظِ بِذَلِكَ دُونَ الْقَصْدِ فَقَطْ وَلَا أَعْلَمُ ذَلِكَ الْآنَ فَلْيُنْظَرْ فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا يَنْبَنِي التَّحْقِيقُ فِيهَا إلَّا عَلَى ذَلِكَ وَمَا نَظَرَ بِهِ مِنْ أَنَّ الْقَصْدَ إلَى الصَّلَاةِ لَا يَنُوبُ مَنَابَهَا وَكَذَلِكَ مَا عَدَاهَا مِنْ الْأَعْمَالِ إنَّمَا كَانَ فِيهَا ذَلِكَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ فَهِمَ مِنْ مُقْتَضَى الشَّرْعِ أَنَّ الْمُرَادَ أَعْيَانُ تِلْكَ الْأَعْمَالِ فَإِنْ وَرَدَ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ عَيْنُ اسْتِثْنَاءِ الْمَشِيئَةِ لَفْظًا اسْتَوَى الْأَمْرُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ وَسَائِرِ الْأَعْمَالِ وَإِلَّا فَلَا وَمَا حَكَاهُ عَنْ اللَّخْمِيِّ مُتَّجَهٌ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إذَا ثَبَتَ اشْتِرَاطُ اللَّفْظِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا بُدَّ مِنْهُ وَإِنْ انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْقَوْلِ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
وَمَا قَالَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ التَّاسِعَةِ وَالْعَاشِرَةِ صَحِيحٌ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
مِنْ الْخَلْقِ وَفِي لَفْظِ الْغَضَبِ وَنَحْوِهِ إرَادَةُ الْعُقُوبَةِ لِمَنْ وُصِفَ بِذَلِكَ مِنْ الْخَلْقِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ رضي الله عنه الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعَامِلُهُمْ مُعَامَلَةَ الرَّاحِمِ وَالْغَضْبَانِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ فِي الْأَوَّلِ أَيْ لَفْظِ الرَّحْمَةِ وَنَحْوِهَا الْإِحْسَانَ نَفْسَهُ وَفِي الثَّانِي أَيْ لَفْظِ الْغَضَبِ وَنَحْوِهِ الْعِقَابَ نَفْسَهُ وَذَلِكَ أَنَّ الرَّحْمَةَ الَّتِي وُضِعَ اللَّفْظُ بِإِزَائِهَا.
وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِيهَا هِيَ رِقَّةُ الطَّبْعِ وَهَذِهِ الرِّقَّةُ فِي الْقَلْبِ يَلْزَمُهَا أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا إرَادَةُ الْإِحْسَانِ إلَيْهِ وَالثَّانِي الْإِحْسَانُ نَفْسُهُ فَهُمَا لَازِمَانِ لِلرِّقَّةِ الَّتِي هِيَ حَقِيقَةُ اللَّفْظِ وَالتَّعْبِيرُ بِلَفْظِ الْمَلْزُومِ عَنْ اللَّازِمِ مَجَازٌ عُرْفِيٌّ شَائِعٌ غَيْرَ أَنَّ إرَادَةَ الْإِحْسَانِ أَلْزَمُ لِلرِّقَّةِ فَإِنَّ كُلَّ مَنْ رَحِمْته وَأَحْسَنْت إلَيْهِ فَقَدْ أَرَدْت الْإِحْسَانَ إلَيْهِ وَقَدْ تُرِيدُ الْإِحْسَانَ إلَيْهِ وَتَقْصُرُ قُدْرَتُك عَنْ ذَلِكَ فَالْإِرَادَةُ أَكْثَرُ لُزُومًا لِلرِّقَّةِ وَإِذَا قَوِيَتْ الْعَلَاقَةُ كَانَ مَجَازُهَا أَرْجَحَ فَمَجَازُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ أَرْجَحُ مِنْ مَجَازِ الْقَاضِي فَعَلَى مَذْهَبِ الشَّيْخِ يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ وَيَلْزَمُ بِهَا الْكَفَّارَةُ لِكَوْنِ مَدْلُولِهَا قَدِيمًا وَعَلَى مَذْهَبِ الْقَاضِي لَا يَلْزَمُ بِهَا كَفَّارَةٌ وَيُنْهَى عَنْ الْحَلِفِ بِهَا لِأَنَّ مَدْلُولَهَا مُحْدَثٌ إلَّا أَنْ يُلَاحِظَ الْحَالِفُ الْمَذْهَبَ الْمَاتُرِيدِيَّ أَوْ مَصْدَرَهَا عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْعَلَّامَةِ الْأَمِيرِ فِي صِفَةِ الْفَصْلِ فَلَا تَغْفُلْ. وَإِذَا قِيلَ لَك رَحْمَةُ اللَّهِ وَغَضَبُهُ هَلْ هُمَا قَائِمَانِ بِذَاتِهِ تَعَالَى أَمْ لَا وَهَلْ هُمَا وَاجِبَا الْوُجُودِ أَمْ لَا وَهَلْ كَانَا فِي الْأَزَلِ أَمْ لَا؟ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْئِلَةِ فَقُلْ عَلَى مَذْهَبِ الشَّيْخِ هُمَا عِبَارَةٌ عَنْ الْإِرَادَةِ
وَهِيَ صِفَةٌ وَاحِدَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ تَعَالَى وَاجِبَةُ الْوُجُودِ أَزَلِيَّةٌ وَقُلْ عَلَى مَذْهَبِ الْقَاضِي لَيْسَا قَائِمَيْنِ بِذَاتِهِ بَلْ مُمْكِنَانِ مَخْلُوقَانِ لَيْسَا بِأَزَلِيَّيْنِ وَالْحَقُّ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ وَلَا يُصَارُ إلَى الْمَجَازِ إلَّا عِنْدَ التَّعَذُّرِ وَلَا تَعَذُّرَ ضَرُورَةً أَنَّ الرَّحْمَةَ الَّتِي هِيَ مِنْ الْأَعْرَاضِ النَّفْسَانِيَّةِ هِيَ الْقَائِمَةُ بِنَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مُطْلَقُ الرَّحْمَةِ كَذَلِكَ حَتَّى يَلْزَمَ كَوْنُ الرَّحْمَةِ فِي حَقِّهِ تَعَالَى مَجَازًا أَلَا تَرَى أَنَّ الْعِلْمَ الْقَائِمَ بِنَا مِنْ الْأَعْرَاضِ النَّفْسَانِيَّةِ وَقَدْ وُصِفَ الْحَقُّ تَعَالَى بِالْعِلْمِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى مَجَازٌ وَكَذَا الْقُدْرَةُ وَغَيْرُهَا فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الرَّحْمَةُ حَقِيقَةً وَاحِدَةً هِيَ الْعَطْفُ وَتَخْتَلِفُ أَنْوَاعُهُ بِاخْتِلَافِ الْمَوْصُوفِينَ بِهِ فَإِذَا نُسِبَتْ إلَيْنَا كَانَتْ كَيْفِيَّةً نَفْسَانِيَّةً
الْمَشِيئَةِ.
(الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ)
الَّتِي لَا تُؤَثِّرُ فِيهَا النِّيَّةُ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النُّصُوصِ نَحْوُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً وَوَاللَّهِ لَأُعْطِيَنَّكَ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ إلَّا دِرْهَمًا فَلَوْ نَوَى بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ طَلْقَتَيْنِ وَبِالدَّرَاهِمِ الثَّلَاثِ دِرْهَمَيْنِ فَهَذَا لَا يَصِحُّ إلَّا بِالِاسْتِثْنَاءِ وَلَا تَكْفِي هَذِهِ النِّيَّةُ لِأَنَّهَا لَوْ كَفَّتْهُ لَدَخَلَ الْمَجَازُ فِي النُّصُوصِ وَهُوَ لَا يَدْخُلُ فِيهَا وَلَا مَعْنَى لِلْمَجَازِ إلَّا اسْتِعْمَالُ الثَّلَاثِ فِي الِاثْنَيْنِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْمَجَازُ فِي الظَّوَاهِرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَقُومَ النِّيَّةُ هَا هُنَا مَقَامَ الِاسْتِثْنَاءِ أَلْبَتَّةَ (الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ)
الَّتِي لَا تَنُوبُ فِيهَا النِّيَّةُ وَلَا تُؤَثِّرُ قَالَ اللَّخْمِيُّ قَالَ مُحَمَّدٌ إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَقِيت الْقَوْمَ وَنَوَى فِي نَفْسِهِ إلَّا فُلَانًا لَا تُجْزِئُ فِيهِ النِّيَّةُ عَنْ قَوْلِهِ إلَّا فُلَانًا وَيَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْقَهُ وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ قَصَدَ التَّخْصِيصَ وَالْمُحَاشَاةَ نَفَعَهُ لِأَنَّهُ مَجَازٌ فِي الظَّاهِرِ وَالْمَجَازُ فِي الظَّاهِرِ تَكْفِي فِيهِ النِّيَّةُ وَلَكِنَّهُ قَصَدَ إلَى الْإِخْرَاجِ بِاللَّفْظِ وَلَمْ يَقْصِدْ الْإِخْرَاجَ بِالنِّيَّةِ وَالنِّيَّةُ شَأْنُهَا أَنْ تُؤَثِّرَ لَا أَنَّهَا تَقُومُ مَقَامَ مُؤَثِّرٍ آخَرَ وَيُضَافُ التَّأْثِيرُ لِذَلِكَ الْمُؤَثِّرِ الْآخَرِ وَهُوَ قَصَدَ أَنْ يَكُونَ الْإِخْرَاجُ لِلِاسْتِثْنَاءِ لَا لِلنِّيَّةِ وَنَوَى الِاسْتِثْنَاءَ فَمِنْ هَا هُنَا هُوَ سَبَبُ عَدَمِ تَأْثِيرِهَا وَعَدَمِ اعْتِبَارِهَا وَلَوْ قَصَدَ الْإِخْرَاجَ بِهَا هِيَ نَفَعَهُ لَكِنْ قَصَدَ بِهَا لَفْظًا مُخْرِجًا لَا الْإِخْرَاجَ قَالَ وَقِيلَ تَنْفَعُهُ النِّيَّةُ وَتَنُوبُ مَنَابَ الِاسْتِثْنَاءِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْهُمَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ وَالْمَحَلُّ قَابِلٌ لَهُمَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَامَهَا مَقَامَ الِاسْتِثْنَاءِ فِي النُّصُوصِ نَحْوِ الْإِخْرَاجِ مِنْ الْعَشَرَةِ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَحَلَّ لَيْسَ قَابِلًا لِلْمَجَازِ أَلْبَتَّةَ فَلَا تُؤَثِّرُ فِيهِ النِّيَّةُ بِمُفْرَدِهَا فَلَا تَقُومُ مَقَامَ الِاسْتِثْنَاءِ فِيهِ بِخِلَافِ الْأَلْفَاظِ الظَّوَاهِرِ فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْفُرُوقَ فَهَذِهِ عَشْرُ مَسَائِلَ اتَّضَحَ بِهَا الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تُؤَثِّرُ فِيهِ النِّيَّةُ وَقَاعِدَةِ مَا لَا تُؤَثِّرُ فِيهِ النِّيَّةُ سَبْعَةٌ مِنْهَا تُؤَثِّرُ فِيهَا النِّيَّةُ وَثَلَاثَةٌ لَا تُؤَثِّرُ فِيهَا فَهَذَا بَيَانُ الْفَرْقِ تَفْصِيلًا وَقَدْ تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْفَرْقِ تَحْرِيرُهُ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ وَالتَّحْدِيدِ.
(الْفَرْقُ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الِانْتِقَالِ مِنْ الْحُرْمَةِ إلَى الْإِبَاحَةِ يُشْتَرَطُ فِيهَا أَعْلَى الرُّتَبِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الِانْتِقَالِ مِنْ الْإِبَاحَةِ إلَى الْحُرْمَةِ يَكْفِي فِيهَا أَيْسَرُ الْأَسْبَابِ)
وَقَعَتْ فِي الشَّرِيعَةِ صُوَرٌ كَثِيرَةٌ تَقْتَضِيَ الْفَرْقَ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ
أَحَدُهَا أَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْأَجْنَبِيَّةِ مُبَاحٌ فَتَرْتَفِعُ هَذِهِ الْإِبَاحَةُ بِعَقْدِ الْأَبِ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ وَالْمَبْتُوتَةُ لَا يَذْهَبُ تَحْرِيمُهَا إلَّا بِعَقْدِ الْمُحَلِّلِ وَوَطْئِهِ وَعَقْدِ الْأَوَّلِ بَعْدَ الْعِدَّةِ وَهَذِهِ رُتْبَةٌ فَوْقَ تِلْكَ الرُّتْبَةِ النَّاقِلَةِ عَنْ الْإِبَاحَةِ بِكَثِيرٍ
وَثَانِيهَا الْمُسْلِمُ مُحَرَّمُ الدَّمِ لَا تَذْهَبُ هَذِهِ الْحُرْمَةُ إلَّا بِالرِّدَّةِ أَوْ زَنَى بَعْدَ إحْصَانٍ أَوْ قَتَلَ نَفْسًا عَمْدًا عُدْوَانًا وَهِيَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الِانْتِقَالِ مِنْ الْحُرْمَةِ إلَى الْإِبَاحَةِ يُشْتَرَطُ فِيهَا أَعْلَى الرُّتَبِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الِانْتِقَالِ مِنْ الْإِبَاحَةِ إلَى الْحُرْمَةِ يَكْفِي فِيهَا أَيْسَرُ الْأَسْبَابِ إلَى قَوْلِهِ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ ظَاهِرٌ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَإِلَى اللَّهِ كَانَتْ حَقِيقَةً فِيمَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ مِنْ الْإِحْسَانِ أَوْ إرَادَتِهِ وَكَوْنُ الرَّحْمَةِ مُنْحَصِرَةً وَضْعًا فِي الْكَيْفِيَّةِ النَّفْسَانِيَّةِ دُونَهُ خَرْطُ الْقَتَادِ كَمَا قَالَهُ الْعَارِفُ الْمُحَقِّقُ الْمُلَّا إبْرَاهِيمُ الْكُورَانِيُّ فِي كِتَابِهِ قَصْدِ السَّبِيلِ أَفَادَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ عَابِدِينَ عَلَى الْمَنَارِ الْأُصُولِيِّ وَإِلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ يُشِيرُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الشَّاطِّ بِقَوْلِهِ وَمَا قَالَهُ مِنْ امْتِنَاعِ حَقَائِقِهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى إنَّمَا ذَلِكَ بِنَاءٌ عَلَى تَفْسِيرِهَا بِمَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ تَعَالَى كَتَفْسِيرِهِمْ الرَّحْمَةَ بِالرِّقَّةِ وَالْمَحَبَّةَ بِالْمَيْلِ وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ لِلْكَلَامِ فِيهِ مَجَالٌ اهـ.
عَلَى أَنَّ الْخَادِمِي نَقَلَ عَنْ بَعْضٍ أَنَّ مِنْ مَعَانِي الرَّحْمَةِ اللُّغَوِيَّةِ إرَادَةُ الْخَيْرِ وَعَنْ بَعْضٍ آخَرَ أَنَّ مِنْهَا الْإِحْسَانُ فَعَلَى هَذَيْنِ لَا تَجُوزُ أَصْلًا فَاحْفَظْهُ أَفَادَهُ الْعَلَّامَةُ الأنباصني عَلَى بَيَانِيَّةِ الصَّبَّانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ)
قَالَ ابْنُ يُونُسَ الْحَالِفُ بِرِضَى اللَّهِ تَعَالَى وَرَحْمَتِهِ وَسَخَطِهِ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ اهـ.
يَعْنِي لِأَنَّهُ كَرَّرَ الْحَلِفَ بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الْإِرَادَةُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفُتْيَا بِطَرِيقَةِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ فِي حَمْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ عَلَى الْإِرَادَةِ وَأَنَّهُ إذَا جَمَعَ بَيْنَ عَشَرَةٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ لَا تَجِبُ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ بِخِلَافِ قَوْلِهِ وَعِلْمِ اللَّهِ وَقُدْرَةِ اللَّهِ وَإِرَادَةِ اللَّهِ وَعِزَّةِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَخْتَلِفُ فِيهِ هَلْ تَتَعَدَّدُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِتَغَايُرِ الصِّفَاتِ الْمَحْلُوفِ بِهَا أَوْ تَتَّحِدُ الْكَفَّارَةُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَاعِدَةَ الْأَيْمَانِ التَّأْكِيدُ حَتَّى يُرِيدَ الْإِنْشَاءَ بِخِلَافِ تَكْرِيرِ الطَّلَاقِ الْأَصْلُ فِيهِ الْإِنْشَاءُ حَتَّى يُرِيدَ التَّأْكِيدَ أَوْ قَاعِدَةُ الْجَمِيعِ الْإِنْشَاءُ حَتَّى يُرِيدَ التَّأْكِيدَ وَهَذَا هُوَ الْأَنْظَرُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ قَالَ الْأَصْلُ وَمَا نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ مِنْ إلْزَامِ الْكَفَّارَةِ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ إنْ لَمْ يُقَيَّدْ بِأَنَّهُ نَوَى إرَادَةَ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ حَقِيقَةٌ فِي أُمُورٍ مُحْدَثَةٍ لَا تُوجِبُ كَفَّارَةً وَإِنَّمَا دَلَّ الدَّلِيلُ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْإِرَادَةُ الْقَدِيمَةُ مَجَازًا خَفِيًّا لِعَدَمِ اشْتِهَارِهَا فِي الْإِرَادَةِ حَتَّى صَارَتْ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْأَلْفَاظَ لَا تَنْصَرِفُ لِمَجَازَاتِهَا الْخَفِيَّةِ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَزَالُ مُنْصَرِفًا إلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ دُونَ مَجَازِهِ الْمَرْجُوحِ حَتَّى تَصْرِفَهُ نِيَّةُ الْمَجَازِ الْمَرْجُوحِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ أَرَادَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ صِفَةً قَدِيمَةً لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ
أَسْبَابٌ عَظِيمَةٌ فَإِذَا أُبِيحَ دَمُهُ بِالرِّدَّةِ حُرِّمَ بِالتَّوْبَةِ وَفِي الْقِصَاصِ بِالْعَفْوِ وَفِي الزِّنَى بِالتَّوْبَةِ عَلَى خِلَافٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَمَّا عِنْدَ مَالِكٍ فَلَا بُدَّ مِنْ رَجْمِهِ وَلَوْ تَابَ وَوَقَعَ الِاتِّفَاقُ فِيمَا عَلِمْتُ عَلَى الْمُحَارِبِ إذَا تَابَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ وَتَزُولُ إبَاحَةُ دَمِهِ وَالتَّوْبَةُ أَيْسَرُ مِنْ الرِّدَّةِ وَالْقَتْلِ وَأَقَلُّ تَحْتِيمًا عَلَى الْعَبْدِ
وَثَالِثُهَا الْأَجْنَبِيَّةُ لَا يَزُولُ تَحْرِيمُ وَطْئِهَا إلَّا بِالْعَقْدِ الْمُتَوَقِّفِ عَلَى إذْنِهَا وَوَلِيِّهَا وَصَدَاقٍ وَشُهُودٍ، وَإِبَاحَتُهَا بَعْدَ الْعَقْدِ يَكْفِي فِيهَا الطَّلَاقُ فَتَرْتَفِعُ تِلْكَ الْإِبَاحَةُ بِالطَّلَاقِ الَّذِي يَسْتَقِلُّ الزَّوْجُ بِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ
وَرَابِعُهَا الْحَرْبِيُّ مُبَاحُ الدَّمِ تَزُولُ إبَاحَتُهُ بِالتَّأْمِينِ وَهُوَ سَبَبٌ لَطِيفٌ وَإِذَا حَرُمَ دَمُهُ بِالتَّأْمِينِ لَا يُبَاحُ إلَّا بِسَبَبٍ قَوِيٍّ يُزِيلُ تِلْكَ الْإِبَاحَةَ مِنْ خُرُوجٍ عَلَيْنَا أَوْ قَصْدٍ لِقَتْلِنَا حِرَابَةً وَخُرُوجِنَا عَلَى الْإِمَامِ الْعَدْلِ وَكَذَلِكَ تَزُولُ إبَاحَةُ دَمِهِ بِعَقْدِ الْجِزْيَةِ فَإِذَا حَرُمَ دَمُهُ بِعَقْدِ الْجِزْيَةِ لَا يُبَاحُ دَمُهُ بِكُلِّ الْمُخَالَفَاتِ لِعَقْدِ الْجِزْيَةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مُخَالَفَةٍ قَوِيَّةٍ كَالتَّمَرُّدِ عَلَى الْإِمَامِ وَنَبْذِ الْعَهْدِ مُجَاهَرَةً وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الْمُحْتَاجَةِ إلَى قُوَّةٍ شَدِيدَةٍ وَمُنَاقَشَةٍ عَظِيمَةٍ وَنَظَائِرُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي الشَّرِيعَةِ كَثِيرَةٌ وَهَذَا الْفَرْقُ وَاقِعٌ فِيهَا بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ الْخُرُوجُ مِنْ الْإِبَاحَةِ إلَى التَّحْرِيمِ وَالْخُرُوجُ مِنْ التَّحْرِيمِ إلَى الْإِبَاحَةِ وَقَدْ رَامَ الْأَصْحَابُ تَخْرِيجَ الْحِنْثِ بِبَعْضِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فَإِنَّ الْحِنْثَ خُرُوجٌ مِنْ الْإِبَاحَةِ إلَى التَّحْرِيمِ فَيَكْفِي فِيهِ أَيْسَرُ سَبَبٍ فَيَحْنَثُ بِجُزْءِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الرَّغِيفَ فَأَكَلَ مِنْهُ لُبَابَهُ لِأَنَّهُ عَلَى بِرٍّ وَإِبَاحَةٍ حَتَّى يَحْنَثَ وَلَا يَبْرَأُ إذَا كَانَ عَلَى حِنْثٍ إلَّا بِفِعْلِ الْجَمِيعِ إذَا حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّهُ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِأَكْلِ جَمِيعِهِ لِأَنَّهُ عَلَى حِنْثٍ حَتَّى يَبَرَّ فَهُوَ خَارِجٌ مِنْ حُرْمَةٍ إلَى إبَاحَةٍ وَهَذَا التَّخْرِيجُ ضَعِيفٌ فَإِنَّهُمْ إنْ ادَّعَوْا هَذِهِ الْقَاعِدَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ كُلِّيَّةً فِي الشَّرِيعَةِ مَنَعْنَاهَا لِانْدِرَاجِ صُورَةِ النِّزَاعِ فِيهَا فَلِلْخَصْمِ مَنْعُهَا وَهُوَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه وَلِأَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ صُورَةٌ قَلِيلَةٌ وَلَوْ كَانَتْ كَثِيرَةً وَضَمُّوا إلَيْهَا أَمْثَالَهَا فَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الدَّعْوَةَ الْعَامَّةَ الْكُلِّيَّةَ لَا تَثْبُتُ بِالْمُثُلِ الْجُزْئِيَّةِ فَإِنَّهَا لَوْ انْتَهَتْ إلَى الْأَلْفِ احْتَمَلَ أَنَّهَا جُزْئِيَّةٌ لَا كُلِّيَّةٌ فَكَمْ مِنْ جُزْئِيَّةٍ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى أَفْرَادٍ كَثِيرَةٍ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِنَا: كُلُّ عَدَدٍ زَوْجٌ كُلِّيَّةٌ بَاطِلَةٌ بَلْ إنَّمَا تَصْدُقُ جُزْئِيَّةً فِي بَعْضِ الْأَعْدَادِ وَتِلْكَ الْأَعْدَادُ الَّتِي هِيَ زَوْجٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا لَا يُحْصَى عَدَدُهَا وَمَعَ ذَلِكَ فَالْكُلِّيَّةُ كَاذِبَةٌ لَا صَادِقَةٌ.
وَإِنْ ادَّعَوْا أَنَّهَا جُزْئِيَّةٌ فَيَحْتَاجُونَ إلَى دَلِيلٍ آخَرَ يُوجِبُ كَوْنَ صُورَةِ النِّزَاعِ كَذَلِكَ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْقِيَاسَ فَأَيْنَ الْجَامِعُ الْمُنَاسِبُ لِخُصُوصِ الْحُكْمِ السَّالِمِ عَنْ الْفَوَارِقِ أَوْ الدَّلِيلُ غَيْرُ الْقِيَاسِ فَأَيْنَ هُوَ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ، وَخَرَّجَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَاعِدَةِ الْأَمْرِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (وَخَرَّجَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَاعِدَةِ الْأَمْرِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَإِلَّا فَلَا اهـ.
قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ لَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ اللَّفْظَ وَإِنْ سُلِّمَ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي أُمُورٍ مُحْدَثَةٍ، مَجَازٌ غَيْرُ غَالِبٍ فِي الصِّفَةِ الْقَدِيمَةِ فَقَرِينَةُ الْحَلِفِ بِهِ كَافِيَةٌ فِي حَمْلِهِ عَلَى الْمَجَازِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ
لَا يَقْتَضِي قَوْلُ مَالِكٍ بِوُجُوبِ كَفَّارَةٍ فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ مِيثَاقُ اللَّهِ وَكَفَالَتُهُ أَنَّهُ يُوجِبُهَا إذَا قَالَ هَا هُنَا عَلَيَّ رِزْقُ اللَّهِ أَوْ خَلْقُهُ وَإِنْ قَالَ الْأَصْلُ ذَلِكَ لِظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمِيثَاقَ وَنَحْوَهُ جَرَى الْعُرْفُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْيَمِينُ فَإِذَا قَالَ عَلَيَّ مِيثَاقُ اللَّهِ فَمُقْتَضَاهُ عَلَيَّ يَمِينٌ فَتَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَرِزْقُ اللَّهِ وَنَحْوُهُ لَمْ يَجْرِ عُرْفٌ بِذَلِكَ فَإِذَا قَالَ عَلَيَّ رِزْقُ اللَّهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِذَلِكَ الْكَفَّارَةَ وَلَيْسَ قَوْلُ الْقَائِلِ عَلَيَّ رِزْقُ اللَّهِ كَقَوْلِهِ عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمٍ لِأَنَّ رِزْقَ اللَّهِ لَيْسَ اسْمًا لِطَاعَتِهِ فَيَلْزَمُ نَذْرُهَا وَصَوْمُ يَوْمٍ اسْمٌ لِطَاعَتِهِ وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَلَيَّ مِيثَاقُ اللَّهِ يَمِينًا وَيَكُونُ قَائِلُهُ حَالِفًا مَعَ بَقَاءِ لَفْظِ عَلَيَّ فِيهِ عَلَى مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِ نَقْلٍ لَهُ إلَى الْقَسَمِ وَجَعْلِهِ مِنْ جُمْلَةِ حُرُوفِهِ كَالْبَاءِ وَالْوَاوِ فَإِنَّ الْمِيثَاقَ مَعْنَاهُ يَمِينٌ مَا فَكَأَنَّهُ قَالَ عَلَيَّ يَمِينٌ فَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ إذَا حَنِثَ كَمَا عَلِمْت أَفَادَهُ ابْنُ الشَّاطِّ.
(وَالْقِسْمُ الْخَامِسُ مِنْهَا) أَعْنِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الْجَامِعَةَ لِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ وَهِيَ عِزَّةُ اللَّهِ وَجَلَالُهُ وَعُلَاهُ وَعَظَمَتُهُ وَكِبْرِيَاؤُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى فَإِنَّ لَفْظَ الْجَلَالَةِ وَالْعَظَمَةِ يَحْتَمِلُ جَلَّ بِكَذَا وَجَلَّ عَنْ كَذَا وَعَظُمَ بِكَذَا وَعَظُمَ عَنْ كَذَا فَتَنْدَرِجُ فِي الْأُولَى الصِّفَاتُ الثُّبُوتِيَّةُ كُلُّهَا نَفْسِيَّةً كَانَتْ أَوْ مَعْنَوِيَّةً أَوْ فِعْلِيَّةً وَتَنْدَرِجُ فِي الثَّانِيَةِ جَمِيعُ السُّلُوبِ لِلنَّقَائِصِ فَيَصْدُقُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَلَّ وَعَظُمَ عَنْ الشَّرِيكِ وَعَنْ الْحَيِّزِ وَالْجِهَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ سبحانه وتعالى فَيَنْدَرِجُ فِي اللَّفْظِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ جَمِيعُ الصِّفَاتِ السَّلْبِيَّةِ وَالثُّبُوتِيَّةِ نَفْسِيَّةً كَانَتْ أَوْ مَعْنَوِيَّةً أَوْ فِعْلِيَّةً فَيَكُونُ الْحَلِفُ بِهَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْمُوجِبِ لَهَا وَهُوَ مَا عَدَا الْفِعْلِيَّةِ مِنْ الصِّفَاتِ الْقَدِيمَةِ وَغَيْرِ الْمُوجِبِ وَهُوَ صِفَةُ الْفِعْلِ وَإِذَا اجْتَمَعَ الْمُوجِبُ وَغَيْرُ الْمُوجِبِ كَانَ اللَّازِمُ الْإِيجَابَ لَا يَمْنَعُ الْمُوجِبُ لِلْكَفَّارَةِ مِنْ إيجَابِهِ لِلْكَفَّارَةِ وَهَا هُنَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ.
(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) : هَلْ يَجُوزُ قَوْلُ قَائِلٍ
وَالنَّهْيِ فَقَالَ إذَا حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ فَهُوَ كَالْأَمْرِ أَوْ لَا يَفْعَلُ فَهُوَ كَالنَّهْيِ وَالنَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ أَجْزَائِهِ فَيَكُونُ فَاعِلُ الْجُزْءِ مُخَالِفًا وَالْمُخَالِفُ حَانِثٌ فَيَكُونُ فَاعِلُ الْجُزْءِ حَانِثًا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ أَيْضًا ضَعِيفَةٌ لِأَنَّ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ الَّتِي ادَّعَاهَا هَذَا الْمُخَرِّجُ مُنْعَكِسَةٌ بَلْ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ أَمْرٌ بِأَجْزَائِهِ كَإِيجَابِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فَإِنَّهُ إيجَابٌ لِكُلِّ رَكْعَةٍ مِنْهَا وَالنَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ لَيْسَ نَهْيًا عَنْ أَجْزَائِهِ كَالنَّهْيِ عَنْ خَمْسِ رَكَعَاتٍ فِي الظُّهْرِ لَيْسَ نَهْيًا عَنْ الْأَرْبَعِ بَلْ الْأَرْبَعُ وَاجِبَةٌ نَعَمْ النَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ جُزَيْئَاتِهِ فَإِنَّ النَّهْيَ عَنْ مَفْهُومِ الْخِنْزِيرِ نَهْيٌ عَنْ كُلِّ خِنْزِيرِ الْخِنْزِيرُ الطَّوِيلُ وَالْقَصِيرُ وَالسَّمِينُ وَالْهَزِيلُ وَجَمِيعُ جُزَيْئَاتِ الْخِنْزِيرِ وَالْأَمْرُ بِالْمَاهِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ لَيْسَ أَمْرًا بِجُزَيْئَاتِهَا فَالْأَمْرُ بِإِعْتَاقِ رَقَبَةٍ لَيْسَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
وَالنَّهْيِ إلَى قَوْلِهِ بَلْ الْأَرْبَعُ وَاجِبَةٌ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّهُ كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ أَمْرٌ بِأَجْزَائِهِ لِضَرُورَةِ تَحْصِيلِهِ وَلَا يَتَأَتَّى تَحْصِيلُهُ إلَّا بِتَحْصِيلِ أَجْزَائِهِ كَذَلِكَ النَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ أَجْزَائِهِ لِضَرُورَةِ تَفْوِيتِهِ وَلَا يَتَأَتَّى تَفْوِيتُهُ إلَّا بِتَفْوِيتِ أَجْزَائِهِ فَإِنَّ أَجْزَاءَ الشَّيْءِ لَا تَكُونُ أَجْزَاءً لَهُ حَقِيقَةً إلَّا بِتَقْدِيرِ اجْتِمَاعِهَا وَأَمَّا قَبْلَ اجْتِمَاعِهَا فَلَيْسَتْ بِأَجْزَاءٍ لَهُ حَقِيقَةً بَلْ بِضَرْبٍ مِنْ الْمَجَازِ وَهُوَ أَنَّهَا صَالِحَةٌ لَأَنْ تَكُونَ أَجْزَاءً لَهُ إذَا اجْتَمَعَتْ وَكَثِيرًا مَا يَجْرِي هَذَا الْوَهْمُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَيَعْتَقِدُ أَنَّ جُزْءَ الشَّيْءِ لَا يَزَالُ جُزْءًا لَهُ فِي حَالِ اتِّصَالِهِ بِالْجُزْءِ الْآخَرِ وَفِي حَالِ انْفِصَالِهِ عَنْ الْجُزْءِ الْآخَرِ وَلَا يَشْعُرُ أَنَّ الْجُزْءَ فِي حَالِ الِاتِّصَالِ بِالْآخِرِ لَيْسَ عَيْنَ الْجُزْءِ فِي حَالِ الِانْفِصَالِ مِنْ الْآخَرِ فَإِذَا حَضَرَ بَيْنَ يَدَيْهِ الزَّاجُّ وَحْدَهُ مَثَلًا قَالَ هَذَا جُزْءٌ مِنْ الْمِدَادِ وَإِذَا حَضَرَ مَعَ الْعَفْصِ وَقَدْ امْتَزَجَا قَالَ هَذَا الزَّاجُّ الْمُمْتَزِجُ بِالْعَفْصِ جُزْءٌ مِنْ الْمِدَادِ وَيُخَيَّلُ لَهُ أَنَّهُ قَالَ الْقَوْلَيْنِ عَلَى جُزْءٍ وَاحِدٍ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا تَخَيَّلَ فَإِنَّ مَعْنَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ هَذَا الزَّاجُّ جُزْءٌ مِنْ الْمِدَادِ أَيْ يَصِيرُ جُزْءًا مِنْ الْمِدَادِ إذَا مُزِجَ بِالْعَفْصِ وَمَعْنَى الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْمِدَادِ فِي الْحَالِ وَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْمَشْرُوطُ بِالِانْفِصَالِ عَيْنَ الْمَشْرُوطِ بِالِاتِّصَالِ وَفِي مِثْلِ هَذَا كَانَ بَعْضُ مَنْ لَقَيْنَاهُ يَقُولُ اخْتَلَطَ مَا بِالْقُوَّةِ مَعَ مَا بِالْفِعْلِ وَمَا مَثَّلَ بِهِ شِهَابُ الدَّيْنِ مِنْ النَّهْيِ عَنْ خَمْسِ رَكَعَاتٍ فِي الظُّهْرِ وَأَنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ النَّهْيَ عَنْ الْأَرْبَعِ وَهْمٌ مَبْنِيٌّ عَلَى اعْتِقَادِ أَنَّ الْأَرْبَعَ الْمُتَّصِلَةَ بِخَامِسَةٍ هِيَ عَيْنُ الْأَرْبَعِ غَيْرِ الْمُتَّصِلَةِ بِخَامِسَةٍ وَهُوَ خَطَأٌ ظَاهِرٌ لَا شَكَّ فِيهِ وَقَدْ سَبَقَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ وَسَبَقَ الرَّدُّ عَلَيْهِ.
قَالَ (نَعَمْ النَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ جُزَيْئَاتِهِ إلَى قَوْلِهِ وَجَمِيعُ جُزْئِيَّاتِ الْخِنْزِيرِ) قُلْت مَا قَالَهُ هُنَا صَحِيحٌ قَالَ (وَالْأَمْرُ بِالْمَاهِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ لَيْسَ أَمْرًا بِجُزْئِيَّاتِهَا) قُلْت لَيْسَ مَا قَالَهُ بِصَحِيحٍ بَلْ الْأَمْرُ بِالْمَاهِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ أَمْرٌ بِجُزْئِيَّاتِهَا لَكِنَّهُ بِمَا لَا يَصِحُّ التَّكْلِيفُ بِهِ لِتَعَذُّرِهِ فَإِنَّ الْمَاهِيَّةَ الْكُلِّيَّةَ بِمَا هِيَ كُلِّيَّةٌ لَا يَصِحُّ وُجُودُهَا فِي الْأَعْيَانِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهَا وَإِدْخَالُ جَمِيعِ جُزْئِيَّاتهَا الْمُمْكِنَةِ فِي الْوُجُودِ حَتَّى لَا يَشِذَّ مِنْهَا شَيْءٌ لَا يَصِحُّ أَيْضًا
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
سُبْحَانَ مَنْ تَوَاضَعَ كُلُّ شَيْءٍ لِعَظَمَتِهِ أَمْ لَا قَالَ قَوْمٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْعَظَمَةَ كَمَا سَبَقَ عِبَارَةٌ جَامِعَةٌ لِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَالتَّوَاضُعِ التَّصَاغُرِ وَالتَّضَاؤُلِ وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مَا عَدَا الذَّاتِ الْكَرِيمَةِ وَالصِّفَاتِ الْعَظِيمَةِ مُتَصَاغِرٌ مُتَضَائِلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى تِلْكَ الصِّفَاتِ وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ بِعَدَمِ الْجَوَازِ بِنَاءً عَلَى زَعْمِهِ أَنَّ التَّوَاضُعَ عِبَادَةٌ وَعَظَمَةُ اللَّهِ تَعَالَى صِفَتُهُ وَعِبَادَةُ الصِّفَةِ كُفْرٌ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ هُوَ دَعْوَى عَرِيَّةٌ عَنْ الْحَقِّ فَلَا اعْتِبَارَ بِقَوْلِهِ أَفَادَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَفِي حَاشِيَةِ الْعَلَّامَةِ الْأَمِيرِ عَلَى الْجَوْهَرَةِ وَتَكُونُ صِفَاتُ الْمَعَانِي لَيْسَتْ غَيْرًا وَقَعَ فِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ التَّسَمُّحُ بِإِضَافَةِ مَا لِلذَّاتِ بِهَا نَحْوُ تَوَاضَعَ كُلُّ شَيْءِ لِقُدْرَتِهِ وَفِي الْحَقِيقَةِ اللَّامُ لِلْأَجْلِ أَيْ تَوَاضَعَ كُلُّ شَيْءٍ لِذَاتِهِ لِأَجْلِ قُدْرَتِهِ وَإِلَّا فَعِبَادَةُ مُجَرَّدِ الصِّفَاتِ مِنْ الْإِشْرَاكِ كَمَا أَنَّ عِبَادَةَ مُجَرَّدِ الذَّاتِ فِسْقٌ وَتَعْطِيلٌ عِنْدَ الْجَمَاعَةِ وَإِنَّمَا الذَّاتُ الْمُتَّصِفَةُ بِالصِّفَاتِ اهـ فَقَدْ حُمِلَ التَّوَاضُعُ عَلَى الْعِبَادَةِ مَجَازًا لَا عَلَى مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ وَجَعَلَ اللَّامَ لِلْأَجْلِ لِتَكُونَ الْعِبَادَةُ لِلذَّاتِ الْمُتَّصِفَةِ فَاسْتَقَامَتْ الْعِبَادَةُ وَانْدَفَعَ عَنْهَا كُلُّ إشْكَالٍ فَتَأَمَّلْ
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) : قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ الْحَالِفُ بِعِزَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَظَمَتِهِ وَجَلَالِ اللَّهِ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ مُتَّجَهٌ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ وَاتِّحَادِهَا بَلْ وَفِي الْجَوَازِ وَعَدَمِ النَّهْيِ خِلَافًا لِلْأَصْلِ أَمَّا لُزُومُ الْكَفَّارَةِ فَلِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْمُوجِبِ وَعَلَى غَيْرِ الْمُوجِبِ فَتَجِبُ عَمَلًا بِالْمُوجِبِ وَأَمَّا اتِّحَادُهَا فَلِأَنَّ الْعِزَّةَ وَالْعَظَمَةَ وَالْجَلَالَ وَنَحْوَ ذَلِكَ هُوَ الْمَجْمُوعُ وَالْمَجْمُوعُ وَاحِدٌ فَتَعَدَّدَتْ الْأَلْفَاظُ وَاتَّحَدَ الْمَعْنَى فَاتَّحَدَتْ الْكَفَّارَةُ وَأَمَّا الْجَوَازُ وَعَدَمُ النَّهْيِ فَلِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ انْدِرَاجَ حَادِثٍ تَحْتَ لَفْظِ الْعِزَّةِ وَنَحْوِهِ حَتَّى يَكُونَ فِي الْيَمِينِ بِذَلِكَ مَحْذُورٌ فَيَحِقُّ لِعَبْدِ الْحَقِّ أَنْ يُعْرِضَ عَنْ النَّهْيِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَفَادَهُ ابْنُ الشَّاطِّ فَتَأَمَّلْ بِدِقَّةٍ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) : هَذِهِ الْأَلْفَاظُ وَإِنْ كَانَتْ تَارَةً بِلَفْظِ التَّذْكِيرِ كَقَوْلِنَا وَجَلَالِ اللَّهِ وَعَلَاءِ اللَّهِ وَتَارَةً بِلَفْظِ التَّأْنِيثِ كَقَوْلِنَا وَعِزَّةِ اللَّهِ وَعَظَمَةِ اللَّهِ إلَّا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا هُوَ بِلَفْظِ التَّذْكِيرِ وَمَا هُوَ بِلَفْظِ التَّأْنِيثِ فِي جَوَازِ الْحَلِفِ وَانْعِقَادِ الْيَمِينِ وَلُزُومِ الْكَفَّارَةِ عِنْدَ الْحِنْثِ