الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلَى قَوْلِهِ ظَلُومًا جَهُولًا قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَرَضَ التَّكَالِيفَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ وَقَالَ لَهُنَّ إنْ حَمَلْتُنَّ التَّكَالِيفَ وَأَطَعْتُنَّ فَلَكُنَّ الثَّوَابُ الْجَزِيلُ وَإِنْ عَصَيْتُنَّ فَعَلَيْكُنَّ الْعَذَابُ الْوَبِيلُ فَقُلْنَ لَا نَعْدِلُ بِالسَّلَامَةِ شَيْئًا ثُمَّ عُرِضَتْ عَلَى الْإِنْسَانِ فَالْتَزَمَ ذَلِكَ فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ كَانَ ظَلُومًا لِنَفْسِهِ جَهُولًا بِالْعَوَاقِبِ فَلَا جَرَمَ هَلَكَ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعُمِائَةٍ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ وَسَلِمَ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ وَاحِدٌ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَالْكَلَامُ الْقَدِيمُ صِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا أَيْضًا يَتْبَعُ الْعُرْفَ وَالْعَادَةَ فَإِذَا جَاءَ عُرْفٌ آخَرُ يُشْتَهَرُ فِيهِ هَذَا اللَّفْظُ فِي الْأَمَانَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا الَّتِي هِيَ فِعْلُنَا فِي حِفْظِ الْوَدَائِعِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَمَانَاتِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] وَيَكُونُ ذَلِكَ عُرْفُ قُطْرٍ مِنْ الْأَقْطَارِ الْآنَ فَإِنَّ الْحَلِفَ حِينَئِذٍ بِهَا مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ تَصْرِفُ اللَّفْظَ لِلْأَمَانَةِ الْقَدِيمَةِ لَا يَجُوزُ أَوْ يُكْرَهُ عَلَى الْخِلَافِ.
وَإِذَا كَانَتْ مُشْتَهِرَةً فِي الْقَدِيمِ وَصَرَفَهَا الْحَالِفُ بِالنِّيَّةِ إلَى الْحَادِثِ امْتَنَعَ الْحَلِفُ وَسَقَطَتْ الْكَفَّارَةُ فَهَذَا مَعْنَى هَذَا اللَّفْظِ وَضَابِطُهُ اللَّفْظُ الثَّانِي قَوْلُنَا عَمْرُ اللَّهِ وَلَعَمْرُ اللَّهِ مَعْنَى هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ الْبَقَاءُ فَبَقَاءُ اللَّهِ عز وجل اسْتِمْرَارُ وُجُودِهِ مَعَ الْأَزْمَانِ فَوُجُودُهُ ذَاتُهُ تَعَالَى فَهُوَ قَدِيمٌ يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَتَلْزَمُ بِهِ الْكَفَّارَةُ فَإِنْ قُلْت الْبَقَاءُ وَالْعَمْرُ وَنَحْوُهُمَا مِنْ الْأَلْفَاظِ لِاسْتِمْرَارِ الْوُجُودِ مَعَ الْأَزْمِنَةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَاسْتِمْرَارُ وُجُودِ الشَّيْءِ مَعَ الْأَزْمِنَةِ نِسْبَةٌ بَيْنَ وُجُودِ الشَّيْءِ وَالزَّمَانِ وَالنِّسْبَةُ أَمْرٌ عَدَمِيٌّ فَإِذَا قُلْنَا بِجَوَازِ الْحَلِفِ بِعَمْرِ اللَّهِ وَهُوَ بَقَاؤُهُ وَلُزُومُ الْكَفَّارَةِ بِهِ لَزِمَنَا أَنْ نَقُولَ بِجَوَازِ الْحَلِفِ بِقِبْلِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَبُعْدِيَّتِهِ وَمَعِيَّتِه فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَبْلَ كُلِّ حَادِثٍ وَمَعَ كُلِّ حَادِثٍ وَبَعْدَ كُلِّ حَادِثٍ إذَا فَنِيَ ذَلِكَ الْحَادِثُ وَمَا هُوَ قَابِلٌ لِلتَّجَدُّدِ كَالْبَعْدِيَّةِ وَالْمَعِيَّةِ أَوْ الْفِنَاءِ كَالْقَبْلِيَّةِ كَيْفَ يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَكَيْفَ تَلْزَمُ بِهِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (فَإِنْ قُلْت الْبَقَاءُ وَالْعُمُرُ وَنَحْوُهُمَا مِنْ الْأَلْفَاظِ لِاسْتِمْرَارِ الْوُجُودِ مَعَ الْأَزْمِنَةِ كَمَا تَقَدَّمَ إلَى آخِرِ مَا أَجَابَ بِهِ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ) قُلْت كَيْفَ يَقُولُ مَتَى أَرَادَ الْحَالِفُ تِلْكَ النِّسْبَةَ الَّتِي هِيَ مَدْلُولُ اللَّفْظِ امْتَنَعَ وَسَقَطَتْ الْكَفَّارَةُ بِنَاءً عَلَى تَسْلِيمِ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِذَلِكَ اللَّفْظِ أَمْرٌ عَدَمِيٌّ لِأَنَّهُ نِسْبَةٌ وَالنِّسْبَةُ عَدَمِيَّةٌ وَقَدْ قَالَ بَعْدَ هَذَا فِي الْفَرْقِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ وَفِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ الصِّفَاتِ إنَّ الْوَحْدَانِيَّةَ سَلْبُ الشَّرِيكِ وَاخْتَارَ انْعِقَادَ الْيَمِينِ بِهَا
وَكَذَلِكَ اخْتَارَهُ فِي تَسْبِيحِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَقْدِيسِهِ وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِكَوْنِهَا سُلُوبًا قَدِيمَةً فَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَلْتَزِمَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْقَبْلِيَّةِ وَالْمَعِيَّةِ وَالْبَعْدِيَّةِ لِكَوْنِهَا أَيْضًا سُلُوبًا قَدِيمَةً لِأَنَّهَا نِسَبٌ وَالنِّسَبُ سُلُوبٌ فَمَا قَالَهُ هُنَا لَيْسَ بِالْقَوِيِّ عِنْدِي وَلَا بِالصَّحِيحِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ الْمُضَافَةَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مَتَى عُنِيَ بِهَا أَمْرٌ قَدِيمٌ سَوَاءٌ كَانَتْ إثْبَاتًا أَوْ سَلْبًا فَالْيَمِينُ بِهَا مُنْعَقِدَةٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَمَتَى عُنِيَ بِهَا أَمْرٌ حَادِثٌ فَالْيَمِينُ غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ بِهَا وَقَصْدُ الْأَمْرِ الْقَدِيمِ بِهَا هُوَ عُرْفُ الشَّرْعِ وَلَمْ يَحْدُثْ عُرْفٌ يُنَاقِضُهُ فَيَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ لِذَلِكَ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَالْإِحْسَانُ إلَيْهِمْ مَأْمُورٌ بِهِ وَوُدُّهُمْ وَتَوَلِّيهِمْ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَهُمَا قَاعِدَتَانِ إحْدَاهُمَا مُحَرَّمَةٌ وَالْأُخْرَى مَأْمُورٌ بِهَا وَقَدْ اتَّضَحَ لَك الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِالْبَيَانِ وَالْمَثَلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَخْيِيرِ الْمُكَلَّفِينَ فِي الْكَفَّارَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَخْيِيرِ الْأَئِمَّةِ فِي الْأُسَارَى وَالتَّعْزِيرِ وَحَدِّ الْمُحَارِبِ]
(الْفَرْقُ الْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَخْيِيرِ الْمُكَلَّفِينَ فِي الْكَفَّارَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَخْيِيرِ الْأَئِمَّةِ فِي الْأُسَارَى وَالتَّعْزِيرِ وَحَدِّ الْمُحَارِبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ)
اعْلَمْ رَحِمَك اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ التَّخْيِيرَ فِي الشَّرِيعَةِ يُطْلَقُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ
(الْأَوَّلُ) تَخْيِيرٌ بَيْنَ شَيْئَيْنِ يَتَّصِفَانِ بِالْوُجُوبِ مِنْ جِهَةِ خُصُوصِهِمَا وَعُمُومِهِمَا مَعًا وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ فِي تَخْيِيرِ الْأَئِمَّةِ وَلَهُ مُثُلٌ
(مِنْهَا) تَخْيِيرُ الْإِمَامِ بَيْنَ الْخِصَالِ الْخَمْسِ فِي حَقِّ الْأُسَارَى عِنْدَ مَالِكٍ رحمه الله وَمَنْ وَافَقَهُ وَهِيَ الْقَتْلُ وَالِاسْتِرْقَاقُ وَالْمَنُّ وَالْفِدَاءُ وَالْجِزْيَةُ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَفْعَلُهُ مِنْهَا يَقَعُ وَاجِبًا بِخُصُوصِهِ وَهُوَ كَوْنُهُ قَتْلًا أَوْ فِدَاءً مَثَلًا وَبِعُمُومِهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ أَحَدُ الْخِصَالِ الْخَمْسَةِ وَذَلِكَ أَنَّ الْإِمَامَ لَيْسَ لَهُ فِعْلُ أَحَدِهَا بِهَوَاهُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ بَذْلُ الْجَهْدِ فِيمَا هُوَ أَصْلَحُ لِلْمُسْلِمِينَ فَإِذَا فَكَّرَ وَاسْتَوْعَبَ فِكْرَهُ فِي وُجُوهِ الْمَصَالِحِ وَوَجَدَ بَعْدَ ذَلِكَ مَصْلَحَةً هِيَ أَرْجَحُ لِلْمُسْلِمِينَ وَجَبَ عَلَيْهِ فِعْلُهَا فَمَنْ كَانَ مِنْ الْأُسَارَى شَدِيدَ الدَّهَاءِ كَثِيرَ التَّأْلِيبِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِرَأْيِهِ وَدَهَائِهِ فَالْوَاجِبُ عَلَى الْإِمَامِ فِيهِ الْقَتْلُ إذَا ظَهَرَ لَهُ ذَلِكَ مِنْهُ فِي اجْتِهَادِهِ بِالسُّؤَالِ عَنْ أَخْبَارِهِ وَأَحْوَالِهِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ سِيرَتِهِ وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ بَلْ هُوَ مَأْمُونُ الْغَائِلَةِ فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ مِنْهُ أَنَّهُ بِإِطْلَاقِهِ تَتَأَلَّفُ طَائِفَةٌ كَثِيرَةٌ عَلَى الْإِسْلَامِ أَوْ يَحْصُلُ إطْلَاقُ خَلْقٍ كَثِيرٍ مِنْ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ كَانَ الْوَاجِبُ عَلَى الْإِمَامِ فِيهِ الْمَنُّ وَإِنْ ظَهَرَ لَهُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُرْتَجَى مِنْ إطْلَاقِهِ ذَلِكَ وَالْإِمَامُ مُحْتَاجٌ لِلْمَالِ لِمَصَالِحِ الْغَزْوِ وَغَيْرِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْفِدَاءُ بِالْمَالِ أَوْ الْمُسْلِمُونَ مُحْتَاجُونَ إلَى مَنْ يَخْدُمُهُمْ وَجَبَ عَلَيْهِ اسْتِرْقَاقُهُمْ.
وَإِنْ رَأَى انْتِفَاءَ هَذِهِ الْوُجُوهِ كُلِّهَا وَلَمْ يَجِدْ فِي اجْتِهَادِهِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مَصْلَحَةً بَلْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي ضَرْبِ الْجِزْيَةِ لِمَا يَتَوَقَّعُ مِنْ إسْلَامِهِمْ وَأَنَّهُمْ قَرِيبُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ إذَا اطَّلَعُوا عَلَى مَحَاسِنِ الْإِسْلَامِ وَشَعَائِرِهِ بِمُخَالَطَةِ أَهْلِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ ضَرْبُ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ وَلَا يَجُوزُ لَهُ
كَفَّارَةٌ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي بَقِيَّةِ النِّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ الَّتِي تَعْرِضُ لِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَزُولُ كَالتَّعَلُّقَاتِ فِي الصِّفَاتِ وَغَيْرِهَا قُلْت سُؤَالٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَنَا أَقُولُ مَتَى أَرَادَ الْحَالِفُ تِلْكَ النِّسْبَةَ الَّتِي هِيَ مَدْلُولُ اللَّفْظِ لُغَةً امْتَنَعَ وَسَقَطَتْ الْكَفَّارَةُ وَمَتَى نَقَلَهَا الْعُرْفُ إلَى أَمْرٍ وُجُودِيٍّ قَدِيمٍ جَازَ وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ.
وَعَلَيْهِ الْعُرْفُ الْيَوْمَ وَهُوَ الَّذِي أَفْتَى بِهِ مَالِكٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَمْرِ وَالْبَقَاءِ الْبَاقِي فَهُوَ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ فَإِنْ تَغَيَّرَ الْعُرْفُ تَغَيَّرَ الْحُكْمُ كَمَا تَقَدَّمَ قَبْلَ هَذَا.
اللَّفْظُ الثَّالِثُ عَهْدُ اللَّهِ قَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَتَلْزَمُ بِهِ الْكَفَّارَةُ وَأَصْلُ هَذَا اللَّفْظِ فِي اللُّغَةِ الِالْتِزَامُ وَالْإِلْزَامُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} [البقرة: 40] مَعْنَاهُ أَوْفُوا بِتَكَالِيفِي أُوفِ لَكُمْ بِثَوَابِي الْمَوْعُودِ بِهِ عَلَى الطَّاعَةِ وَمِنْهُ الْعُهْدَةُ فِي الْبَيْعِ أَيْ مَا يَلْزَمُ مِنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَرَدِّ الثَّمَنِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا} [البقرة: 177] أَيْ بِمَا الْتَزَمُوا وَمِنْهُ عُهْدَةُ الرَّقِيقِ أَيْ مَا يَلْزَمُ فِيهِ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي مَوَادِّ الِاسْتِعْمَالِ فَعَهْدُ اللَّهِ تَعَالَى إلْزَامُهُ لِخَلْقِهِ تَكَالِيفَهُ وَإِلْزَامُهُ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ وَأَمْرُهُ وَنَهْيُهُ كَلَامُهُ الْقَدِيمُ وَكَلَامُهُ الْقَدِيمُ صِفَتُهُ وَصِفَتُهُ الْقَدِيمَةُ يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهَا كَمَا تَقَدَّمَ عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ فَإِنْ أُرِيدَ بِعَهْدِ اللَّهِ تَعَالَى الْعَهْدُ الْحَادِثُ الَّذِي شَرَعَهُ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 4] وَنَحْوِهِ مِنْ الْعُهُودِ الَّتِي بَيْنَ خَلْقِهِ انْدَرَجَ فِي الْحَلِفِ الْمَمْنُوعِ وَسَقَطَتْ الْكَفَّارَةُ.
وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَهَرَ اللَّفْظُ فِيهِ عَادَةً وَعُرْفًا امْتَنَعَ وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ حِينَئِذٍ فَإِنْ قُلْت الْإِضَافَةُ تَكْفِي فِيهَا أَدْنَى مُلَابَسَةٍ كَمَا نَصَّ عَلَيْهَا النُّحَاةُ وَيَكُونُ اللَّفْظُ حَقِيقَةً وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِ أَحَدِ حَامِلِي الْخَشَبَةِ شِلْ طَرَفَك فَجَعَلَ طَرَفَ الْخَشَبَةِ طَرَفًا لِلْحَامِلِ بِسَبَبِ الْمُلَابَسَةِ زَمَنَ الْحَمْلِ وَتَقُولُ حِجُّ الْبَيْتَ وَصَوْمُ رَمَضَانَ وَتَكُونُ الْإِضَافَةُ حَقِيقَةَ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِذَا كَانَتْ الْإِضَافَةُ حَقِيقِيَّةً وَالْعَهْدُ بِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ صَدَقَتْ فِي قَوْلِنَا عَلَى عَهْدِ اللَّهِ بِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ وَذَلِكَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ إضَافَةِ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ وَالْعَهْدِ الْحَادِثِ وَالدَّالُّ عَلَى الْأَعَمِّ غَيْرُ دَالٍّ عَلَى الْأَخَصِّ فَلَا يَدُلُّ قَوْلُنَا عَهْدُ اللَّهِ عَلَى خُصُوصِ الْقَدِيمِ فَلَا يَتَعَيَّنُ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِلْجَوَازِ وَلِلُزُومِ الْكَفَّارَةِ فَلِمَ قَضَيْتُمْ بِالْجَوَازِ وَلُزُومِ الْكَفَّارَةِ بِمُجَرَّدِ الْإِطْلَاقِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ قُلْت سُؤَالٌ حَسَنٌ قَوِيٌّ غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ الْإِضَافَةَ الْخَاصَّةَ لَمْ نَسْتَفِدْهَا مِنْ مُجَرَّدِ اللُّغَةِ بَلْ بِاشْتِهَارٍ عُرْفِيٍّ فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ الْعُرْفُ فِي كُلِّ وَقْتٍ هَلْ هُوَ كَذَلِكَ فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ.
وَيَتَحَقَّقُ الْجَوَازُ أَوْ لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْجَوَازُ وَلَا الْكَفَّارَةُ وَلِأَجْلِ هَذَا التَّرَدُّدِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيُّ الْعَهْدُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ تَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ فِي وَاحِدٍ وَتَسْقُطُ فِي اثْنَيْنِ وَيُخْتَلَفُ فِي الرَّابِعِ فَالْأَوَّلُ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَالِاثْنَانِ لَك عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَأُعْطِيك عَهْدَ اللَّهِ وَالرَّابِعُ أُعَاهِدُك اللَّهَ اعْتَبَرَهُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (اللَّفْظُ الثَّالِثُ عَهْدُ اللَّهِ تَعَالَى إلَى قَوْلِهِ وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ حِينَئِذٍ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ قَالَ (فَإِنْ قُلْت إلَى قَوْلِهِ وَهَذَا الْقِسْمُ هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْعُدُولُ عَنْهَا إلَى غَيْرِهَا فَهُوَ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْوُجُوهِ إنَّمَا يَفْعَلُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ إبَاحَةٍ وَلَا خِيرَةٍ فِي ذَلِكَ لَا قَبْلَ الِاجْتِهَادِ وَلَا بَعْدَهُ وَلَا حَالَةَ الِاجْتِهَادِ فَهُوَ أَبَدًا يَنْتَقِلُ مِنْ وَاجِبٍ إلَى وَاجِبٍ وَلَا يَنْفَكُّ عَنْهُ فَقَبْلَ الِاجْتِهَادِ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ وَبَذْلُ الْجَهْدِ فِي وُجُوهِ الْمَصَالِحِ وَحَالَةُ الِاجْتِهَادِ هُوَ سَاعٍ فِي أَدَاءِ الْوَاجِبِ فَفِعْلُهُ حِينَئِذٍ وَاجِبٌ وَبَعْدَ الِاجْتِهَادِ يَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُ مَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ فَلَا تَخْيِيرَ أَلْبَتَّةَ وَإِنَّمَا هُوَ وُجُوبُ صَرْفٍ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَتَسْمِيَةُ الْفُقَهَاءِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ خِيرَةً إنَّمَا هُوَ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ يُرِيدُونَ بِهِ أَنَّهُ لَا يَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْفِكْرِ قَبْلَ خَصْلَةٍ مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ الْخَمْسِ بَلْ يَجْتَهِدُ حَتَّى يَتَحَصَّلَ لَهُ الْأَصْلَحُ فَيَفْعَلُهُ حِينَئِذٍ وَمِنْهَا تَخْيِيرُ الْإِمَامِ فِي حَدِّ الْمُحَارِبِينَ بَيْنَ الْخِصَالِ الْأَرْبَعِ وَهِيَ الْقَتْلُ وَالصَّلْبُ وَالْقَطْعُ مِنْ خِلَافِ وَالنَّفْيُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ بَذْلُ الْجَهْدِ فِيمَا هُوَ الْأَصْلَحُ لِلْمُسْلِمِينَ فَإِذَا تَعَيَّنَ لَهُ الْأَصْلَحُ وَجَبَ عَلَيْهِ.
وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْعُدُولُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ الْمُحَارِبُ صَاحِبَ رَأْيٍ وَجَبَ عَلَيْهِ قَتْلُهُ وَإِنْ ظَهَرَ لَهُ فِي اجْتِهَادِهِ أَنَّهُ لَا رَأْيَ لَهُ بَلْ لَهُ قُوَّةٌ وَبَطْشٌ قَطَعَهُ مِنْ خِلَافٍ لِتَزُولَ مَفْسَدَتُهُ عَنْ الْمُسْلِمِينَ بِذَلِكَ وَإِنْ عَرَفَ مِنْ حَالِهِ الْعَفَافَ وَأَنَّهُ إنَّمَا وَقَعَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الْفَلْتَةِ وَالْمُوَافَقَةِ لِغَيْرِهِ مَعَ تَوَقُّعِ النَّدَمِ مِنْهُ وَجَبَ عَلَيْهِ نَفْيُهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُهُ وَلَا قَطْعُهُ فَهُوَ أَبَدًا يَنْتَقِلُ مِنْ وَاجِبٍ إلَى وَاجِبٍ فَلَا يَنْفَكُّ فِعْلُهُ عَنْ الْوُجُوبِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ وَإِنَّمَا تَخْيِيرُهُ مُفَسَّرٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَتَّمْ عَلَيْهِ ذَلِكَ ابْتِدَاءً وَلَهُ النَّظَرُ وَفِعْلُ مَا ظَهَرَ رُجْحَانُهُ بَعْدَ الِاجْتِهَادِ نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ بِخِلَافِ مَا عَيَّنَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَحَتَّمَهُ وَلَمْ يَجْعَلْ لِأَحَدٍ فِيهِ اجْتِهَادًا مِنْ الْحُدُودِ وَغَيْرِهَا كَالصَّلَاةِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَأَخْذِ الزَّكَاةِ وَتَعْيِينِ مَصْرِفِهَا فِي الْوُجُوهِ الثَّمَانِيَةِ وَرَجْمِ الزَّانِي وَقَطْعِ السَّارِقِ وَأَنْ لَا يَحُدَّ فِي الزِّنَا إلَّا بِأَرْبَعَةٍ وَفِي الْأَمْوَالِ وَالدِّمَاءِ بِشَاهِدَيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَمِنْهَا قَوْلُهُمْ إنَّ تَفْرِقَةَ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ مَوْكُولَةٌ إلَى خِيرَتِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَنْظُرَ فِي مَصَالِحِ الصَّرْفِ وَيَجِبَ عَلَيْهِ تَقْدِيمُ أَهَمِّهَا فَأَهَمِّهَا وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الْعُدُولُ عَنْ ذَلِكَ وَلَا خِيرَةَ لَهُ إلَّا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ ابْتِدَاءً بَلْ لَهُ النَّظَرُ فِي الْمَصْلَحَةِ
ابْنُ حَبِيبٍ وَأَسْقَطَهُ ابْنُ شَعْبَانَ قَالَ وَهُوَ أَحْسَنُ وَسَبَبُ هَذَا التَّقْسِيمِ اخْتِلَافُ الْقَرَائِنِ اللَّفْظِيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ الْمُقْتَرِنَةِ بِهَذَا اللَّفْظِ فَالْأَوَّلُ لَمَّا قَالَ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ فَأَشْعَرَتْ لَفْظَةُ عَلَيَّ بِتَكْلِيفِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِلْزَامِهِ وَأَنَّ تَكْلِيفَ اللَّهِ تَعَالَى وَاقِعٌ عَلَيْهِ أَوْ مُوَظَّفٌ عَلَيْهِ فَنَاسَبَ اللُّزُومَ كَمَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ الطَّلَاقُ أَيْ يَلْزَمُنِي تَحْرِيمُ الطَّلَاقِ فَإِنَّ عَلَيَّ مَعْنَاهَا اللُّزُومُ لِمَا فِيهَا مِنْ الْإِشْعَارِ بِالضَّرَرِ وَلِذَلِكَ تَقُولُ شَهِدَ عَلَيْهِ إذَا أَضَرَّ بِهِ وَشَهِدَ لَهُ إذَا نَفَعَهُ وَهَذَا الْقَسَمُ هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ مَالِكٍ رضي الله عنه فِي الْمُدَوَّنَةِ وَأَمَّا لَك عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ فَلَمْ يَلْتَزِمْهُ لِلَّهِ وَلَكِنْ لِلْمَحْلُوفِ لَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَأُعْطِيك عَهْدَ اللَّهِ فَهُوَ وَعْدٌ مِنْهُ لِلْمُخَاطَبِ بِأَنَّهُ يُعَاهِدُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَهَذَا الْقَسَمُ أَبْعَدُ عَنْ اللُّزُومِ.
وَأَمَّا الرَّابِعُ وَهُوَ أُعَاهِدُك اللَّهَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا مَعْنَاهُ إنْشَاءُ الْمُعَاهَدَةِ وَالْإِلْزَامِ كَإِنْشَاءِ الشَّهَادَةِ بِلَفْظِ الْمُضَارَعَةِ نَحْوُ أَشْهَدُ عِنْدَك بِكَذَا وَإِنْشَاءُ الْقَسَمِ بِالْمُضَارِعِ أَيْضًا نَحْوُ أُقْسِمُ بِاَللَّهِ لَقَدْ كَانَ كَذَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا وَعَدَا عَلَى بَابِهِ فَلَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ كَمَا لَوْ أَخْبَرَ عَنْ الطَّلَاقِ بِغَيْرِ إنْشَاءٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ فَمَنْ لَاحَظَ الْإِنْشَاءَ أَلْزَمَ وَمَنْ لَاحَظَ الْخَبَرَ لَمْ يُلْزِمْ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيُّ وَهُوَ أَحْسَنُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النَّقْلِ وَبَرَاءَةُ الذِّمَّةِ.
وَبَقِيَ قِسْمٌ خَامِسٌ لَمْ أَرَهُ لِأَصْحَابِنَا وَهُوَ أَنْ يَقُولَ وَعَهْدِ اللَّهِ لَقَدْ كَانَ كَذَا بِوَاوِ الْقَسَمِ فَهَذَا قَسَمٌ صَرِيحٌ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَنْبَغِي أَنْ تَلْزَمَ بِهِ الْكَفَّارَةُ كَمَا لَوْ قَالَ وَأَمَانَةِ اللَّهِ وَكَفَالَتِهِ وَبَقِيَ فِيهِ إشْكَالُ الْإِضَافَةِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَهَلْ الْمُضَافُ الْعَهْدُ الْقَدِيمُ أَوْ الْحَادِثُ فَيَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ عُرْفِيٍّ وَهَذَا الْقِسْمُ عِنْدِي أَصْرَحُ مِمَّا نَصَّ عَلَيْهِ مَالِكٌ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ فَإِنَّ أَدَاةَ الْقَسَمِ مَفْقُودَةٌ فِيهِ وَإِنَّمَا فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ الْتَزَمَ عَهْدَ اللَّهِ وَلَيْسَ هُوَ مِمَّا يُنْذَرُ حَتَّى يَلْتَزِمَ كَقَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ كَذَا وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ الطَّلَاقُ أَوْ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي هَلْ هُوَ صَرِيحٌ أَوْ كِنَايَةٌ بِسَبَبِ أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَلْزَمُ أَحَدًا فَالْإِخْبَارُ عَنْ لُزُومِهِ كَذِبٌ فَلَا يَصِيرُ مُوجِبًا لِلُّزُومِ إلَّا بِإِنْشَاءٍ عُرْفِيٍّ وَنَقْلٍ عَادِيٍّ وَأَمَّا حَرْفُ الْقَسَمِ فَحَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ صَرِيحَةٌ فِي الْقَسَمِ بِقَدِيمٍ أَوْ حَادِثٍ وَإِشْكَالُ الْإِضَافَةِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْقِسْمَيْنِ وَامْتَازَ هَذَا بِصَرَاحَةِ الْقَسَمِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (وَأَمَّا لَك عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النَّقْلِ وَبَرَاءَةُ الذِّمَّةِ) قُلْت فِيمَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ نَظَرٌ فَإِنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ لَك عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَأُعْطِيك عَهْدُ اللَّهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَجْرِيَ هَذَانِ اللَّفْظَانِ مَجْرَى عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ لِقَرِينَةِ الْحَالِ الْمُشْعِرَةِ بِتَأْكِيدِ الِالْتِزَامِ بِالْيَمِينِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجْرِيَ مَجْرَى أُعَاهِدُ اللَّهَ فَعَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ وَتَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ الْحِنْثِ وَعَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّانِي يَقَعُ التَّرَدُّدُ وَأَمَّا الْقَوْلُ بِعَدَمِ انْعِقَادِ الْيَمِينِ بِذَيْنِك اللَّفْظَيْنِ فَذَلِكَ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
قَالَ (وَبَقِيَ قِسْمٌ خَامِسٌ لَمْ أَرَهُ لِأَصْحَابِنَا إلَى مُنْتَهَى مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْقِسْمِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الرَّاجِحَةِ وَالْخَالِصَةِ وَفِعْلُ مَا ظَهَرَ رُجْحَانُهُ بَعْدَ الِاجْتِهَادِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ بِهَوَاهُ وَشَهْوَتِهِ وَمِنْهَا غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ أَكْثَرُ تَصَرُّفَاتِ الْأَئِمَّةِ الْقِسْمُ الثَّانِي تَخْيِيرٌ بَيْنَ شَيْئَيْنِ لَا يَتَّصِفَانِ بِالْوُجُوبِ لَا مِنْ جِهَةِ خُصُوصِهِمَا وَلَا عُمُومِهِمَا كَالتَّخْيِيرِ بَيْنَ الْمُبَاحَاتِ مِنْ الْمَطَاعِمِ وَالْمَلَابِسِ وَنَحْوِهِمَا مَثَلًا التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ يُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ لَا بِخُصُوصِهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ تَمْرٌ أَوْ زَبِيبٌ وَلَا بِعُمُومِهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ أَحَدُ الْمُتَنَاوَلَاتِ وَالتَّخْيِيرُ فِي هَذَا صُرِفَ حَقِيقَةً بِخِلَافِهِ فِي الْأَوَّلِ فَمَجَازٌ كَمَا عَلِمْت
(الْقِسْمُ الثَّالِثُ) تَخْيِيرٌ بَيْنَ شَيْئَيْنِ يَتَّصِفَانِ بِالْوُجُوبِ مِنْ جِهَةِ عُمُومِهِمَا لَا مِنْ جِهَةِ خُصُوصِهِمَا وَهَذَا نَوْعَانِ
(الْأَوَّلُ) تَخْيِيرُ الْمُكَلَّفِينَ فِي خُصُوصِ أَنْوَاعِ الْمُطْلَقِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِمْ وَلَهُ مُثُلٌ مِنْهَا التَّخْيِيرُ بَيْنَ خِصَالِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فِي حَقِّ الْحَانِثِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْ أَيِّ خَصْلَةٍ شَاءَ إلَى الْخَصْلَةِ الْأُخْرَى بِشَهْوَتِهِ مِمَّا يَمِيلُ طَبْعُهُ إلَيْهِ أَوْ مَا هُوَ أَسْهَلُ عَلَيْهِ فَإِنَّ كُلَّ خَصْلَةٍ كَالْعِتْقِ وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً مِنْ جِهَةِ عُمُومِهَا وَأَنَّهَا أَحَدُ الْخِصَالِ إلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ مِنْ جِهَةِ خُصُوصِهَا وَأَنَّهَا خُصُوصُ الْعِتْقِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا خَيَّرَ الْحَانِثَ بَيْنَ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ إلَّا لُطْفًا بِهِ وَلِيَفْعَلَ ذَلِكَ وَلَوْ شَاءَ لَحَتَّمَ عَلَيْهِ خُصُوصَ كُلِّ خَصْلَةٍ كَمَا حَتَّمَ خُصُوصَ كُلِّ خَصْلَةٍ فِي خِصَالِ الظِّهَارِ الْمُرَتَّبَةِ لَكِنَّهُ لَمْ يُحَتِّمْ عَلَيْهِ هُنَا إلَّا وَاحِدًا مُبْهَمًا مِنْ الْخِصَالِ وَخَيَّرَهُ فِي خُصُوصِهَا وَمِنْهَا التَّخْيِيرُ فِي إخْرَاجِ شَاةٍ مِنْ أَرْبَعِينَ أَوْ دِينَارٍ مِنْ أَرْبَعِينَ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُعَيِّنَ بِهَوَاهُ وَشَهْوَتِهِ شَاةً أَوْ دِينَارًا مِنْ الْأَرْبَعِينَ وَمِنْهَا التَّخْيِيرُ فِي مِيَاهِ الدُّنْيَا لِلْوُضُوءِ وَفِي ثِيَابِ السُّتْرَةِ لِلصَّلَاةِ فَلَهُ أَنْ يُعَيِّنَ بِهَوَاهُ وَشَهْوَتِهِ مِقْدَارًا مِنْ مِيَاهِ الدُّنْيَا وَلَا يَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ مَاءٌ دُونَ مَاءٍ وَأَنْ يُعَيِّنَ وَاحِدًا مِنْ الثِّيَابِ الْمُجْتَمِعَةِ عِنْدَهُ وَلَا يَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ ثَوْبٌ بِخُصُوصِهِ دُونَ ثَوْبٍ وَمِنْهَا التَّخْيِيرُ فِي أَيِّ بُقْعَةٍ مِنْ بِقَاعِ الدُّنْيَا يُصَلِّي فِيهَا الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَيَصُومُ فِيهَا رَمَضَانَ فَلَهُ أَنْ يُعَيِّنَ بُقْعَةً مِنْهَا إذَا اسْتَوَتْ بِهَوَاهُ وَشَهْوَتِهِ
(وَالنَّوْعُ الثَّانِي) أُمُورٌ قَلِيلَةٌ جِدًّا مِنْ تَخْيِيرِ الْأَئِمَّةِ فِي أَنْوَاعِ الْمُطْلَقِ الْوَاجِبِ إذَا اسْتَوَتْ وَلَهُ مِثْلٌ مِنْهَا قَوْلُ الْفُقَهَاءِ رحمهم الله إنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَرْبَعِ