الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التَّوْكِيلِ بِلِسَانِ الْمَقَالِ الْمُوجِبِ لِنَفْيِ الْإِثْمِ وَالْإِبَاحَةِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ مُطْلَقًا.
(الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا) فَقَاعِدَةُ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا مَا اجْتَمَعَ فِيهِ شَرَائِطُ سِتَّةٌ أَنْ يَكُونَ مُعَيِّنًا لِلْحِسِّ حَتَّى يُسْتَدَلَّ بِظَاهِرِهِ عَلَى بَاطِنِهِ.
(الشَّرْطُ الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ جَاهِلَيْنِ بِالْكَيْلِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنهما؛ لِأَنَّهُ غِشٌّ؛ لِأَنَّ عُدُولَهُمَا عَنْ الْكَيْلِ يُشْعِرُ بِطَلَبِ الْمُغَابَنَةِ، وَلِقَوْلِهِ عليه السلام «مَنْ عَلِمَ كَيْلَ طَعَامٍ فَلَا يَبِعْهُ جُزَافًا حَتَّى يُبَيِّنَهُ»
(الشَّرْطُ الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَا اعْتَادَا الْحَزْرَ فِي ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَعْتَادَا أَوْ اعْتَادَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَجُزْ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رضي الله عنه فِي اكْتِفَائِهِ بِالرُّؤْيَةِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الرُّؤْيَةَ لَا تَنْفِي
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْمَذْهَبِ اهـ مِنْهُ بِلَفْظِهِ.
فَإِنَّ قَوْلَهُ: وَأَمَّا قَبْلَ دَرْسِهِ فَجَائِزٌ إلَخْ، وَقَوْلُهُ، وَقِيلَ لَا يَجُوزُ، وَقَالَهُ التُّونُسِيُّ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُمَا الْقَوْلَانِ فِي كَلَامِ عِيَاضٍ فِيمَا كَانَ حُزَمًا أَوْ قَبْضًا يَأْخُذُهَا الْحَزْرُ وَلِنِسْبَةِ مُقَابِلِ الْجَوَازِ لِلتُّونُسِيِّ وَهُوَ يَقُولُ بِالْمَنْعِ فِيمَا كَانَ حُزَمًا أَوْ قَبْضًا كَمَا فِي ضَيْح عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَبِخِلَافِ الزَّرْعِ قَائِمًا، وَكَذَا مَحْصُودًا عَلَى الْأَشْهَرِ وَنَصُّهُ وَالْأَشْهَرُ فِي الْمَحْصُودِ الْجَوَازُ قِيَاسًا عَلَى الْقَائِمِ، وَقِيلَ بِالْمَنْعِ قِيَاسًا عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ حَالَ الدَّرْسِ وَهُوَ قَوْلُ التُّونُسِيِّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْجَوَازَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ حُزَمًا أَمْ لَا وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا إذَا كَانَ حُزَمًا فَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الْإِكْمَالِ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إذَا خُلِطَ فِي الْأَنْدَرِ اهـ.
وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَهُوَ نَقْلُ الْجَلَّابُ عَنْ الْمَذْهَبِ وَمُرَادُهُ بِالْأَوَّلِ الْقَوْلُ بِالْجَوَازِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ إذَا كَانَ حُزَمًا وَنَحْوَهَا مِمَّا يَأْخُذُهُ الْحَزْرُ بِدَلِيلِ عَزْوِهِ لِلْجَلَّابِ وَنَصَّ الْجَلَّابُ وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الزَّرْعِ إذَا يَبِسَ وَاشْتَدَّ وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِهِ بَعْدَ جِزَازِهِ إذَا كَانَ حُزَمًا اهـ. مِنْهُ بِلَفْظِهِ اهـ. كَلَامُ الرَّهُونِيِّ مُلَخَّصًا وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَى الصِّفَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَى الصِّفَةِ]
(الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَى الصِّفَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَى الصِّفَةِ)
وَهُوَ أَنَّ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ عَلَى الصِّفَةِ قَالَ إلَّا الْأَصْلُ عِبَارَةً عَمَّا اجْتَمَعَ فِيهِ ثَلَاثَةُ
(شُرُوطٍ الْأَوَّلُ) أَنْ لَا يَكُونَ قَرِيبًا جِدًّا تُمْكِنُ الرُّؤْيَةُ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ كَأَنْ يَكُونَ بِبَلَدِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ عُدُولٌ عَنْ الْيَقِينِ إلَى تَوَقُّعِ الْغَرَرِ
(الشَّرْطُ الثَّانِي) أَنْ لَا يَكُونَ بَعِيدًا جِدًّا لِتَوَقُّعِ تَغَيُّرِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ أَوْ يَتَعَذَّرُ تَسْلِيمُهُ
الشَّرْطُ الثَّالِثُ أَنْ يَصِفَهُ بِصِفَاتِهِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ الْأَغْرَاضُ بِهَا وَهِيَ شُرُوطُ التَّسْلِيمِ لِيَكُونَ مَقْصُودُ الْمَالِيَّةِ حَاصِلًا اهـ. وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ لَكِنْ الَّذِي يُفِيدُهُ قَوْلُ خَلِيلٍ فِي مُخْتَصَرِهِ أَوْ وَصَفَهُ غَيْرُ بَائِعِهِ إنْ لَمْ يَعُدْ كَخُرَاسَانَ مِنْ إفْرِيقِيَّةَ وَلَمْ تُمْكِنْ رُؤْيَتُهُ بِلَا مَشَقَّةٍ اهـ.
أَنَّ شُرُوطَ الْجَوَازِ الْمُعْتَمَدَةَ اثْنَانِ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي فِي كَلَامِ الْأَصْلِ وَإِنَّ اشْتِرَاطَ أَنْ يَكُونَ الْوَاصِفُ لَهُ غَيْرَ بَائِعِهِ ضَعِيفٌ فَقَدْ قَالَ عبق وَالرَّهُونِيُّ فِي حَلِّهِ قَوْلُهُ أَوْ وَصْفُهُ غَيْرَ بَائِعه هُوَ مَصْدَرٌ مَجْرُورٌ بِالْعَطْفِ عَلَى الْمَصْدَرِ قَبْلَهُ فَهُوَ مَدْخُولٌ لِلنَّفْيِ أَيْ وَجَازَ بَيْعُ غَائِبٍ، وَلَوْ بِلَا وَصْفِهِ غَيْرِ بَائِعِهِ بِأَنْ وَصَفَهُ بَائِعُهُ وَمَا ذَهَبَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ قَالَ فِي ضَيْح هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَأَخَذَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ ابْنُ الْعَطَّارِ وَبِهِ الْعَمَلُ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْعُتْبِيَّةِ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يُوثَقُ بِصِفَتِهِ إذْ قَدْ يُقْصَدُ الزِّيَادَةُ فِي الصِّفَةِ لِتُنْفَقَ سِلْعَتُهُ اهـ.
مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ بِلَفْظِهِ اهـ. فَالْمُصَنِّفُ رَدَّ بِلَوْ عَلَى مَنْ قَالَ بِالْمَنْعِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَجَاوَزُ فِي وَصْفِهِ لِنِفَاقِ سِلْعَتِهِ اهـ. وَتَعَقَّبَهُ عبق وَالرَّهُونِيُّ فِي قَوْلِهِ وَلَمْ تُمْكِنْ رُؤْيَتُهُ بِلَا مَشَقَّةٍ فَقَالَ الرَّهُونِيُّ تَبِعَ الْمُصَنِّفُ مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ مَعَ قَبُولِهِ فِي ضَيْح قَوْلَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَالْأَشْهَرُ الْجَوَازُ أَيْ جَوَازُ بَيْعِ غَيْرِ حَاضِرٍ مَجْلِسَ الْعَقْدِ بِالصِّفَةِ، وَلَوْ بِالْبَلَدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي إحْضَارِهِ مَشَقَّةٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ وَإِنَّمَا مَنَعَهُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ اهـ.
وَمَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ، وَقَدْ بَيَّنَ فِي التَّوْضِيحِ الْمَوَاضِعِ الْخَمْسَةِ وَكُلُّهَا تُقَيِّدُ مَا قَالُوهُ إلَّا الْأَوَّلُ مِنْهَا فِي كَلَامِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ فَفِي آخِرِ السَّلَمِ الثَّالِثِ وَإِنْ بِعْت مِنْ رَجُلٍ رِطْلَ حَدِيدٍ بِعَيْنِهِ فِي بَيْتِك، ثُمَّ افْتَرَقْتُمَا قَبْلَ قَبْضِهِ وَزِنَتِهِ جَازَ ذَلِكَ اهـ فَإِنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْهُ إذْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ وَقَعَ عَلَى رِطْلٍ مُعَيَّنٍ سَبَقَتْ رُؤْيَتُهُ فَتَأَمَّلْهُ اهـ. كَلَامُ الرَّهُونِيِّ بِتَوْضِيحٍ.
وَأَمَّا حَاضِرُ مَجْلِسِ الْعَقْدِ فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَتِهِ إلَّا مَا فِي فَتْحِهِ ضَرَرًا وَفَسَادًا كَمَا مَرَّ اهـ. عبق، وَأَمَّا شَرْطُ أَنْ يَصِفَهُ بِصِفَاتِهِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ الْأَغْرَاضُ بِهَا فَلَمْ يَعُدُّوهُ مِنْ شُرُوطِ الْجَوَازِ كَمَا فَعَلَ الْأَصْلُ، بَلْ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ يُشْتَرَطُ فِي لُزُومِ بَيْعِ الْغَائِبِ وَصْفُهُ بِمَا تَخْتَلِفُ الْأَغْرَاضُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُعْتَبَرُ فِي السَّلَمِ الْمَقِيسِ هَذَا عَلَيْهِ اهـ. كَمَا فِي الْبُنَانِيِّ عَنْ الرَّمَاصِيِّ.
وَقَدْ قَالَ حَفِيدِ بْنِ رُشْدٍ فِي بِدَايَتِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ التَّقْدِيرَ فِي السَّلَمِ يَكُونُ بِالْوَزْنِ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ الْوَزْنُ وَبِالْكَيْلِ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ الْكَيْلُ وَبِالذَّرْعِ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ الذَّرْعُ وَبِالْعَدَدِ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ الْعَدَدُ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فِيهِ أَحَدُ هَذِهِ التَّقْدِيرَاتِ انْضَبَطَ بِالصِّفَاتِ الْمَقْصُودَةِ مِنْ الْجِنْسِ مِنْ ذِكْرِ الْجِنْسِ إنْ كَانَ
الْغَرَرَ فِي الْمِقْدَارِ
(الشَّرْطُ الرَّابِعُ) قَالَ اللَّخْمِيُّ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ وَلَا يَجُوزُ فِي الْمَعْدُودِ غَيْرَ أَنَّ مَالِكًا أَجَازَ بَيْعَ صِغَارِ الْحِيتَانِ وَالْعَصَافِيرِ جُزَافًا إذَا ذُبِحَتْ؛ لِأَنَّ الْحَيَّةَ يَدْخُلُ بَعْضُهَا تَحْتَ بَعْضٍ وَالْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ يُقْصَدُ كَثْرَتُهُ وَقِلَّتُهُ وَالْمُحَصِّلُ لَهُمَا الْحَزْرُ وَمَا يُقْصَدُ آحَادُ جِنْسِهِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا كَالثِّيَابِ فَإِنَّ الْغَرَضَ يَتَعَلَّقُ بِثَوْبٍ دُونَ ثَوْبٍ وَلَا يَتَعَلَّقُ الْغَرَضُ بِقَمْحَةٍ دُونَ قَمْحَةٍ، بَلْ الْمَطْلُوبُ الْجِنْسُ وَالْمِقْدَارُ دُونَ الْآحَادِ بِخُصُوصِيَّاتِهَا
(الشَّرْطُ الْخَامِسُ) نَفْيُ مَا يُتَوَقَّعُ مَعَهُ الرِّبَا فَلَا يُبَاعُ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ بِالْآخَرِ جُزَافًا وَلَا طَعَامٌ بِطَعَامٍ مِنْ جِنْسِهِ جُزَافًا
(الشَّرْطُ السَّادِسُ) عَدَمُ الْمُزَابَنَةِ كَبَيْعِ صُبْرَةِ جِيرٍ أَوْ جِبْسٍ بِمَكِيلَةٍ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ لِلْمَعْلُومِ بِالْمَجْهُولِ مِنْ جِنْسِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْمُزَابَنَةُ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا، وَإِذَا اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ جَازَ الْبَيْعُ جُزَافًا وَمَتَى فُقِدَ وَاحِدٌ مِنْهَا امْتَنَعَ الْبَيْعُ جُزَافًا
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
أَنْوَاعًا مُخْتَلِفَةً أَوْ مَعَ تَرْكِهِ إنْ كَانَ وَاحِدًا اهـ. مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ بِلَفْظِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ شَرْطًا فِي اللُّزُومِ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا فِي الْجَوَازِ فَافْهَمْ، وَقَدْ قَالَ الْأَصْلُ فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْجِنْسَ أَيْ مَعَ صِفَاتِ الْمَقْصُودَةِ فِيمَا كَانَ أَنْوَاعًا مُخْتَلَّةً بِأَنْ يَقُولَ ثَوْبٌ أَوْ عَبْدٌ امْتَنَعَ إجْمَاعًا وَاخْتُلِفَ فِيمَا إذَا اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الْجِنْسِ فَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا عَيَّنَهُ بِمَكَانِهِ فَقَطْ فَيَقُولُ بِعْتُك ثَوْبًا فِي مَخْزَنِي بِالْبَصْرَةِ أَوْ بِعْتُك مَا فِي كُمِّي وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ فَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ، وَمَنْعُ بَيْعِ ثَوْبٍ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَأَجَازَهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ وَالْوَسَطِ وَالرَّابِعُ إذَا انْضَافَ إلَيْهَا غَرَرٌ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَكَذَلِكَ أَجَازَ خِيَارَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَقَطْ وَمَنَعَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ رضي الله عنهم الِاقْتِصَارَ عَلَى الْجِنْسِ فَقَطْ لِبُعْدِ الْعَقْدِ عَنْ اللُّزُومِ بِسَبَبِ تَوَقُّعِ مُخَالَفَةِ الْغَرَضِ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ وَوَافَقَ مَالِكٌ وَابْنُ حَنْبَلٍ أَبَا حَنِيفَةَ عَلَى الْجَوَازِ إذَا أَضَافَ لِلْجِنْسِ صِفَاتِ السَّلَمِ إلَّا أَنَّهُمَا أَلْزَمَا الْبَيْعَ إذَا رَآهُ مُوَافِقًا وَأَثْبَتَ أَبُو حَنِيفَةَ لَهُ الْخِيَارَ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ وَإِنْ وَافَقَ الصِّفَةَ وَمُنِعَ بَيْعُ الْحَيَوَانِ عَلَى الصِّفَةِ لِعَدَمِ انْضِبَاطِهِ بِالصِّفَةِ وَهِيَ سَبَبُ نَفَاسَتِهِ وَخَسَاسَتِهِ وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ صِحَّةَ بَيْعِ الْغَائِبِ بِالصِّفَةِ مُطْلَقًا وَبِالْجُمْلَةِ فَالصِّفَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ تُوجِبُ الصِّحَّةَ دُونَ اللُّزُومِ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تُوجِبُهَا مُطْلَقًا، وَعِنْدَنَا تُوجِبُهُمَا مُطْلَقًا اهـ، وَقَالَ حَفِيدِ بْنِ رُشْدٍ فِي بِدَايَتِهِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَبِيعٍ غَائِبٍ أَوْ مُتَعَذِّرِ الرُّؤْيَةِ فَقَالَ قَوْمٌ بَيْعُ الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ لَا وُصِفَ وَلَا لَمْ يُوصَفْ، وَهَذَا أَشْهَرُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عِنْدَ أَصْحَابِهِ أَعْنِي أَنَّ بَيْعَ الْغَائِبِ عَلَى الصِّفَةِ لَا يَجُوزُ، وَقَالَ مَالِكٌ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يُجَوِّزُ بَيْعَ الْغَائِبِ عَلَى الصِّفَةِ إذَا كَانَتْ غَيْبَتُهُ مِمَّا يُؤْمَنُ أَنْ تَتَغَيَّرَ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِ صِفَتِهِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ بَيْعُ الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ مِنْ غَيْرِ صِفَةٍ، ثُمَّ لَهُ إذَا رَآهَا الْخِيَارُ فَإِنْ شَاءَ أَنْفَذَ الْبَيْعَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ، وَكَذَلِكَ الْمَبِيعُ عَلَى الصِّفَةِ مِنْ شَرْطِهِ عِنْدَهُمْ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَإِنْ جَاءَ عَلَى الصِّفَةِ، وَعِنْدَ مَالِكٍ إذَا جَاءَ عَلَى الصِّفَةِ فَهُوَ لَازِمٌ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ أَصْلًا فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَيْ عَلَى الصِّفَةِ وَعَلَى غَيْرِ الصِّفَةِ، وَقَدْ قِيلَ فِي الْمَذْهَبِ يَجُوزُ بَيْعُ الْغَائِبِ مِنْ غَيْرِ صِفَةٍ عَلَى شَرْطِ الْخِيَارِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَقَعَ ذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَأَنْكَرَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ، وَقَالَ هُوَ مُخَالِفٌ لِأُصُولِنَا اهـ.
لَكِنْ قَالَ عبق أَوْ أَبَاعَهُ عَلَى خِيَارِهِ بِالرُّؤْيَةِ مِنْ غَيْرِ وَصْفٍ وَلَا تَقَدُّمُ رُؤْيَةٍ فَلَا يَجُوزُ، وَلَوْ بَعُدَ جِدًّا اُنْظُرْ الْحَطَّابَ اهـ. وَفِي حَاشِيَةِ الرَّهُونِيِّ قَالَ الْحَطَّابُ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وضيح مَا نَصُّهُ وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِمَا إنَّ ذَلِكَ مَعَ الصِّفَةِ.
وَأَمَّا مَعَ عَدَمِ الْوَصْفِ إذَا بِيعَ بِالْخِيَارِ فَلَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَذَلِكَ اهـ. وَتَبِعَهُ أَبُو عَلِيٍّ قَائِلًا مَا نَصُّهُ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ الْمُقَدِّمَاتِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ اهـ. وَاَلَّذِي قَدَّمَهُ هُوَ قَوْلُهُ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي مُقَدِّمَاتِهِ وَبَيْعُ الْغَائِبِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ جَائِزٌ مَا لَمْ يَتَفَاحَشْ بَعْدَهُ اهـ.
وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا شَيْئًا اهـ. كَلَامُ أَبِي عَلِيٍّ بِلَفْظِهِ فَانْظُرْ كَيْفَ يَكُونُ كَلَامُ الْمُقَدِّمَاتِ هَذَا دَلِيلًا عَلَى مَا زَعَمَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ ذَلِكَ أَيْ عَدَمُ الْبُعْدِ جِدًّا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ شَرْطًا فِي بَيْعِ الْخِيَارِ الْحَقِيقِيِّ مَعَ أَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَى جَوَازِهِ فَكَيْفَ بِهَذَا الْخِيَارِ الَّذِي مَنَعَهُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه وَفِيهِ فِي الْمَذْهَبِ مَا قَدْ عَلِمْت مِنْ ظُهُورِ وَجْهِ مَنْعِهِ؛ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ بِالْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ عَنْ مَحَالِّهَا وَعَبَثٌ وَأَفْعَالُ الْعُقَلَاءِ تُصَانُ عَنْهُ وَقِيَاسُ ذَلِكَ عَلَى بَيْعِ الْحَاضِرِ بِخِيَارٍ لَهُمَا لَا يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الْبُنَانِيُّ أَشَارَ إلَى صِحَّتِهِ بِقَوْلِهِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ بَيْعِ الْخِيَارِ بِمَنْزِلَةِ جَعْلِهِ لَهُمَا لِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَذَلِكَ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْخِيَارِ الْمَجْعُولِ لَهُمَا مَعًا لَيْسَ فِيهَا غَرَرٌ وَالتَّأْخِيرُ فِيهَا لِإِمْضَاءِ الْبَيْعِ بِاخْتِيَارِهِمَا فَعَلَاهُ لِمَصْلَحَةِ التَّرَوِّي وَهُمَا حِينَ الْعَقْدِ قَادِرَانِ عَلَى بَتِّهِ وَإِمْضَائِهِ وَمَا مِنْ لَحْظَةٍ تَمْضِي بَعْدَ الْعَقْدِ إلَّا وَهُمَا قَادِرَانِ فِيهَا عَلَى إبْرَامِهِ وَإِمْضَائِهِ فَالتَّأْخِيرُ حَقٌّ لَهُمَا لَا حَقٌّ لِلَّهِ فِيهِ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا فَهُمَا مَمْنُوعَانِ لِحَقِّ اللَّهِ مِنْ إمْضَائِهِ حَالَ الْعَقْدِ وَبَعْدَهُ إلَّا إذَا حَصَلَتْ الرُّؤْيَةُ فَافْتَرَقَا فَتَأَمَّلْهُ بِإِنْصَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. فَظَهَرَ أَنَّ مَا وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ هُوَ الْمَذْهَبُ بِشَرْطِ عَدَمِ الْبُعْدِ جِدًّا وَلَا عِبْرَةَ بِإِنْكَارِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْمَذْكُورِ وَإِنْ وَصَفَهُ بِصِفَاتِهِ الْمَقْصُودَةِ شَرْطٌ فِي اللُّزُومِ لَا فِي الْجَوَازِ فَتَنَبَّهْ قَالَ الْأَصْلُ وَحُجَّةُ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه أَرْبَعَةُ أُمُورٍ
(الْأَمْرُ الْأَوَّلُ) إنَّ الْجَهْلَ إنَّمَا وَقَعَ فِي الصِّفَاتِ
(الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَى الصِّفَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَى الصِّفَةِ) فَقَاعِدَةُ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَى الصِّفَةِ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ أَنْ لَا يَكُونَ قَرِيبًا جِدًّا تُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ فَإِنَّهُ عُدُولٌ عَنْ الْيَقِينِ إلَى تَوَقُّعِ الْغَرَرِ وَأَنْ لَا يَكُونَ بَعِيدًا جِدًّا لِتَوَقُّعِ تَغَيُّرِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ أَوْ يَتَعَذَّرُ تَسْلِيمُهُ. الشَّرْطُ الثَّالِثُ أَنْ يَصِفَهُ بِصِفَاتِهِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ الْأَغْرَاضُ بِهَا وَهِيَ شُرُوطُ التَّسْلِيمِ لِيَكُونَ مَقْصُودُ الْمَالِيَّةِ حَاصِلًا فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْجِنْسَ بِأَنْ يَقُولَ ثَوْبٌ أَوْ عَبْدٌ امْتَنَعَ إجْمَاعًا وَإِنْ ذَكَرَ الْجِنْسَ جَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا عَيَّنَهُ بِمَكَانِهِ فَقَطْ، فَيَقُولُ بِعْتُك ثَوْبًا فِي مَخْزَنِي بِالْبَصْرَةِ أَوْ بِعْتُك مَا فِي كُمِّي وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ، وَمَنَعَ بَيْعَ ثَوْبٍ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَأَجَازَهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ لِاشْتِمَالِهِمَا عَلَى الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ وَالْوَسَطِ، وَالرَّابِعُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
دُونَ الذَّوَاتِ وَنَهْيُهُ عليه السلام عَنْ بَيْعِ الْمَجْهُولِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا جُهِلَتْ ذَاتُهُ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ بِالذَّاتِ أَقْوَى؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ تَبَعٌ لِلذَّاتِ (وَجَوَابُهُ) إنَّ تَفَاوُتَ الْمَالِيَّةِ إنَّمَا هُوَ بِتَفَاوُتِ الصِّفَاتِ دُونَ الذَّوَاتِ وَمَقْصُودُ الشَّرْعِ حِفْظُ الْمَالِ عَنْ الضَّيَاعِ
(الْأَمْرُ الثَّانِي) قَوْلُهُ عليه السلام «مَنْ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ» (وَجَوَابُهُ) الدَّارَقُطْنِيُّ هُوَ مَوْضُوعٌ
(الْأَمْرُ الثَّالِثُ) إنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الصِّفَةُ كَالنِّكَاحِ وَبَاطِنِ الصُّبْرَةِ وَالْفَوَاكِهِ فِي قِشْرِهَا (وَجَوَابُهُ) إنَّا نَقْلِبُهُ عَلَيْهِمْ فَنَقُولُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ كَالنِّكَاحِ وَكُلُّ مَنْ قَالَ بِانْتِفَاءِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ قَالَ بِاشْتِرَاطِ الصِّفَةِ فَنَشْتَرِطُ، ثُمَّ الْفَرْقُ سُتْرَةُ الْمُخَدَّرَاتِ عَنْ الْكَشْفِ لِكُلِّ خَاطِبٍ لِئَلَّا يَتَسَلَّطَ عَلَيْهِنَّ السُّفَهَاءُ وَبَاطِنُ الصُّبْرَةِ مُسَاوٍ لِظَاهِرِهَا وَالْعِلْمُ بِأَحَدِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ عِلْمٌ بِالْآخَرِ، وَلَيْسَتْ صِفَاتُ الْمَبِيعِ مُسَاوِيَةً لِجِنْسِهِ
(الْأَمْرُ الرَّابِعُ) الْقِيَاسُ عَلَى الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ لَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ أَوْصَافِهِ (وَجَوَابُهُ) أَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ دَفْعٌ لِلضَّرَرِ فَلَا يُلْحَقُ بِهِ مَا لَا ضَرَرَ فِيهِ وَحُجَّةُ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه أَمْرَانِ
(الْأَمْرُ الْأَوَّلُ) الْقِيَاسُ عَلَى السَّلَمِ فِي الْمُعَيَّنِ وَإِنْ وُصِفَ (وَجَوَابُهُ) الْفَرْقُ بِأَنَّ مِنْ شَرْطِ السَّلَمِ أَنْ يَكُونَ فِي الذِّمَّةِ وَالْمُعَيَّنُ لَا يَكُونُ فِي الذِّمَّةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ رَآهُ وَأَسْلَمَ فِيهِ لَمْ يَصِحَّ
(الْأَمْرُ الثَّانِي) نَهْيُهُ عليه السلام بَيْعَ الْمَجْهُولِ (وَجَوَابُهُ) بِوَجْهَيْنِ
(الْأَوَّلُ) أَنَّ الصِّفَةَ تَنْفِي الْجَهَالَةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة: 89] فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ رَسُولَهُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ لِأَجْلِ الْإِحَاطَةِ بِصِفَتِهِ فِي كُتُبِهِمْ
(الْوَجْهُ الثَّانِي) الْقِيَاسُ عَلَى السَّلَمِ اهـ. أَيْ فِي أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي السَّلَمِ فِيهِ أَنْ يَصِفَهُ بِصِفَاتِهِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ الْأَغْرَاضُ بِهَا كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ الْمُتَقَدِّمُ، وَقَالَ حَفِيدُ ابْنِ رُشْدٍ فِي بِدَايَتِهِ وَسَبَبُ الْخِلَافِ أَيْ الْمَذْكُورِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ هَلْ نُقْصَانُ الْعِلْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِالصِّفَةِ عَنْ الْعِلْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْحِسِّ هُوَ جَهْلٌ مُؤَثِّرٌ فِي بَيْعِ الشَّيْءِ، فَيَكُونُ مِنْ الْغَرَرِ الْكَثِيرِ أَمْ لَيْسَ بِمُؤَثِّرٍ وَأَنَّهُ مِنْ الْغَرَرِ الْيَسِيرِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ الشَّافِعِيُّ رَآهُ مِنْ الْغَرَرِ الْكَثِيرِ وَمَالِكٌ رَآهُ مِنْ الْغَرَرِ الْيَسِيرِ.
وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ رَأَى أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ أَنَّهُ لَا غَرَرَ هُنَاكَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ رُؤْيَةٌ، وَأَمَّا مَالِكٌ فَرَأَى أَنَّ الْجَهْلَ الْمُقْتَرِنَ بِعَدَمِ الصِّفَةِ مُؤَثِّرٌ فِي انْعِقَادِ الْمَبِيعِ وَلَا خِلَافَ عِنْدَ مَالِكٍ أَنَّ الصِّفَةَ إنَّمَا تَنُوبُ عَنْ الْمُعَايَنَةِ لِمَكَانِ غَيْبَةِ الْمَبِيعِ أَوْ لِمَكَانِ الْمَشَقَّةِ الَّتِي فِي نَشْرِهِ وَمَا يُخَافُ أَنْ يَلْحَقَهُ مِنْ الْفَسَادِ بِتَكْرَارِ النَّشْرِ عَلَيْهِ وَلِهَذَا أَجَازَ الْبَيْعَ عَلَى الْبَرْنَامَجِ عَلَى الصِّفَةِ وَلَمْ يَجُزْ عِنْدَهُ بَيْعُ السِّلَاحِ فِي جِرَابِهِ وَلَا الثَّوْبُ الْمَطْوِيُّ فِي طَيِّهِ حَتَّى يُنْشَرَ أَوْ يُنْظَرَ إلَى مَا فِي جِرَابِهَا وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ قَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَدِدْنَا أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ تَبَايَعَا حَتَّى نَعْلَمَ أَيَّهُمَا أَعْظَمَ جِدًّا فِي التِّجَارَةِ فَاشْتَرَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَرَسًا بِأَرْضٍ لَهُ أُخْرَى بِأَرْبَعِينَ أَلْفًا أَوْ أَرْبَعَةِ آلَافٍ فَذَكَرَ تَمَامَ الْخَبَرِ وَفِيهِ بَيْعُ الْغَائِبِ مُطْلَقًا وَلَا بُدَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ اشْتِرَاطِ الْجِنْسِ وَيَدْخُلُ الْبَيْعُ عَلَى الصِّفَةِ أَوْ عَلَى خِيَارِ الرُّؤْيَةِ مِنْ جِهَةِ مَا هُوَ غَائِبٌ غَرَرٌ آخَرُ وَهُوَ هَلْ هُوَ مَوْجُودٌ وَقْتَ الْعَقْدِ أَوْ مَعْدُومٌ وَلِذَلِكَ اشْتَرَطُوا فِيهِ أَنْ يَكُونَ قَرِيبَ الْغَيْبَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَأْمُونًا كَالْعَقَارِ وَمِنْ هَاهُنَا أَجَازَ مَالِكٌ بَيْعَ الشَّيْءِ بِرُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ أَعْنِي إذَا كَانَ مِنْ الْقُرْبِ بِحَيْثُ يُؤْمَنُ أَنْ تَتَغَيَّرَ فِيهِ صِفَتُهُ فَأَعْلَمَهُ اهـ.
وَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ عَلَى الصِّفَةِ عِبَارَةٌ عَمَّا فَقَدَ وَاحِدًا مِنْ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ عَلَى مَا لِلْأَصْلِ وَابْنِ الشَّاطِّ وَعَمَّا فَقَدَ شَرْطًا أَنْ لَا يَكُونَ بَعِيدًا جِدًّا كَخُرَاسَانَ مِنْ إفْرِيقِيَّةَ بِأَنْ يَكُونَ قَرِيبَ الْغَيْبَةِ بِحَيْثُ يُؤْمَنُ أَنْ تَتَغَيَّرَ فِيهِ صِفَتُهُ عَلَى مَا حَقَّقْته وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ حَفِيدِ ابْنِ رُشْدٍ الَّذِي قَدَّمْته فَتَحَقَّقَ الثَّلَاثَةُ الشُّرُوطُ الَّتِي فِي كَلَامِ الْأَصْلِ أَوْ هَذَا الشَّرْطُ فَقَطْ وَعَدَمُ تَحَقُّقِ ذَلِكَ هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ (تَنْبِيهٌ)
قَالَ الْأَصْلُ حَيْثُ اشْتَرَطْنَا الصِّفَاتِ فِي الْغَائِبِ وَالسَّلَمِ كَانَ الْمُعْتَبَرُ أَنْ يُنَزَّلَ كُلُّ وَصْفٍ عَلَى أَدْنَى رُتْبَةٍ يَصْدُقُ مُسَمَّاهُ لُغَةً عَلَيْهَا لِعَدَمِ انْضِبَاطِ مَرَاتِبِ الْأَوْصَافِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ لِلْخِصَامِ وَالْقِتَالِ وَالْجَهَالَةِ بِالْمَبِيعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ