الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَوْ يَبَسِهِ أَوْ مِنْ الرَّحِمِ فِي بَرْدِهِ أَوْ هَيْئَةٍ فِيهِ تَمْنَعُ مِنْ جَرَيَانِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فَيَقْعُدُ الْوَلَدُ إلَى اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا وَقَالَ الْفُقَهَاءُ وَالْمُتَأَخِّرُونَ هَذِهِ الْأَسْبَابُ الْعَارِضَةُ قَدْ تُؤَخِّرُ الْوَلَدَ إلَى سَنَتَيْنِ فَأَكْثَرَ وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ أَوْ إلَى أَرْبَعِ سِنِينَ وَهُوَ مَشْهُورُ قَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ أَوْ إلَى خَمْسِ سِنِينَ وَهُوَ مَشْهُورُ الْمَالِكِيَّةِ.
وَوَقَعَ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ رضي الله عنهما إلَى سَبْعَةٍ قَالَ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ وَلَدَتْ امْرَأَةٌ بِوَاسِطَ لِسَبْعِ سِنِينَ وَلَدًا لَهُ وَفْرَةٌ مِنْ الشَّعْرِ فَجَاءَ عِنْدَ الْوِلَادَةِ بِجَنْبِهِ طَائِرٌ فَقَالَ لَهُ كِشْ.
وَقَالَ مَالِكٌ إنَّ امْرَأَةَ الْعَجْلَانِيُّ دَائِمًا لَا تَضَعُ إلَّا لِخَمْسِ سِنِينَ وَهَذَا مِنْ الْعَوَارِضِ النَّادِرَةِ الْغَرِيبَةِ فِي هَذِهِ الْحَالِ وَالْغَالِبُ هُوَ الْأَوَّلُ فَقَدْ ظَهَرَ السِّرُّ وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا يُلْحَقُ الْوَلَدُ فِيهِ وَبَيْنَ مَا لَا يُلْحَقُ فِيهِ
(تَنْبِيهٌ) فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ عليه السلام «يُجْمَعُ خَلْقُ أَحَدِكُمْ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا نُطْفَةً ثُمَّ أَرْبَعِينَ عَلَقَةً ثُمَّ أَرْبَعِينَ مُضْغَةً ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ» إشَارَةً إلَى الْأَطْوَارِ الثَّلَاثَةِ تَقْرِيبًا فَإِنَّ الْأَرْبَعِينَ تَقْرُبُ مِنْ الثَّلَاثِينَ وَالْخَمْسَةِ وَالثَّلَاثِينَ وَالْخَمْسَةِ وَالْأَرْبَعِينَ وَهِيَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَطْوَارِ مُتَوَسِّطَةٌ تَكَادُ تَشْتَمِلُ عَلَى الْجَمِيعِ بِتَوَسُّطِهَا فَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْحَدِيثِ إلَّا أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ فِي جَمِيعِ الْأَجِنَّةِ وَلَوْ كَانَ عَلَى ظَاهِرِهِ لَكَانَتْ الْحَرَكَةُ فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَيَكُونُ الْوَضْعُ فِي اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا وَهِيَ صُورَةٌ وَاقِعَةٌ صَحِيحَةٌ غَيْرَ أَنَّهَا نَادِرَةٌ فَلَكَ أَنْ تَقُولَ إنَّ قَوْلَهُ عليه السلام يُجْمَعُ خَلْقُ أَحَدِكُمْ صِيغَةٌ مُطْلَقَةٌ لَا عُمُومَ فِيهَا فَيَتَأَدَّى بِصُورَةٍ وَقَدْ وَقَعَتْ فِي صُوَرٍ كَثِيرَةٍ وَحَصَلَ الْوَضْعُ فِي اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا فَحَصَلَ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ وَصِدْقُ الْخَبَرُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْعُدُولِ بِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ وَلَك أَنْ تَقُولَ إنَّ حَمْلَ اللَّفْظِ عَلَى النَّادِرِ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْغَالِبِ وَيَكُونُ ذَلِكَ إشَارَةً إلَى التَّوَسُّطِ بَيْنَ الْأَطْوَارِ كَمَا تَقَدَّمَ وَحَمَلْنَا عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْمُبَاشِرَ لِصُوَرِ التَّخْلِيقِ وَالتَّحَرُّكِ وَالْوَضْعُ الْمُتَقَدِّمُ تَقْدِيرُهُ مُشَرِّحُونَ كَانُوا يُشَرِّحُونَ الْحَبَالَى وَيَشُقُّونَ أَجْوَافَهُمْ فِيمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ وَيَطَّلِعُونَ عَلَى ذَلِكَ حِسًّا وَعِيَانًا وَالْحِسُّ يُؤَوَّلُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ
(تَنْبِيهٌ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «يُجْمَعُ خَلْقُ أَحَدِكُمْ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا نُطْفَةً ثُمَّ أَرْبَعِينَ عَلَقَةً ثُمَّ أَرْبَعِينَ مُضْغَةً ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ» إشَارَةً إلَى الْأَطْوَارِ الثَّلَاثَةِ تَقْرِيبًا إلَى قَوْلِهِ وَالْحِسُّ مُؤَوَّلٌ لِأَجْلِهِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ) قُلْت لَا حَاجَةَ إلَى تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ الْأَطِبَّاءُ مِنْ ذَلِكَ لَا تَتَحَقَّقُ صِحَّتُهُ وَالْأَصَحُّ إبْطَالُ مَا ذُكِرَ لِمُخَالَفَتِهِ الْحَدِيثَ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْآلِهِيَّةَ وَالرُّسُلَ الرَّبَّانِيَّةَ فَاهْتُضِمُوا إلَى حَيْثُ جُعِلُوا كَالْبَهَائِمِ وَمَيَّزَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَلَيْهِمْ لِتَعْظِيمِهِمْ الرُّسُلَ وَالرَّسَائِلَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ
(التَّنْبِيهُ الثَّانِي) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الذَّكَاةَ فِي بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ نَحْرٌ وَذَبْحٌ وَأَنَّ مِنْ سُنَّةِ الْغَنَمِ وَالطَّيْرِ الذَّبْحُ وَأَنَّ مِنْ سُنَّةِ الْإِبِلِ النَّحْرُ وَأَنَّ الْبَقَرَ يَجُوزُ فِيهَا الذَّبْحُ وَالنَّحْرُ وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَجُوزُ النَّحْرُ فِي الْغَنَمِ وَالطَّيْرِ وَالذَّبْحُ فِي الْإِبِلِ فَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّحْرُ فِي الْغَنَمِ وَالطَّيْرِ وَلَا الذَّبْحُ فِي الْإِبِلِ إلَّا فِي مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ وَقَالَ قَوْمٌ يَجُوزُ جَمِيعُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَجَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَشْهَبُ إنْ نُحِرَ مَا يُذْبَحُ أَوْ ذُبِحَ مَا يُنْحَرُ أُكِلَ وَلَكِنَّهُ يُكْرَهُ وَفَرَّقَ ابْنُ بِكِيرٍ بَيْنَ الْغَنَمِ وَالْإِبِلِ فَقَالَ يُؤْكَلُ الْبَعِيرُ بِالذَّبْحِ وَلَا تُؤْكَلُ الشَّاةُ بِالنَّحْرِ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي جَوَازِ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ مُعَارَضَةُ الْفِعْلِ لِلْعُمُومِ فَأَمَّا الْعُمُومُ فَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوا» وَأَمَّا الْفِعْلُ فَإِنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَحَرَ الْإِبِلَ وَالْبَقَرَ وَذَبَحَ الْغَنَمَ» وَإِنَّمَا اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ ذَبْحِ الْبَقَرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67] وَعَلَى ذَبْحِ الْغَنَمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْكَبْشِ {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] اهـ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَنْكِحَةِ الصَّبِيَّانِ تَنْعَقِدُ إذَا كَانُوا مُطِيقِينَ لِلْوَطْءِ وَلِلْوَلِيِّ الْإِجَازَةُ وَالْفَسْخُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ طَلَاقِهِمْ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ]
(الْفَرْقُ الْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَنْكِحَةِ الصِّبْيَانِ تَنْعَقِدُ إذَا كَانُوا مُطِيقِينَ لِلْوَطْءِ وَلِلْوَلِيِّ الْإِجَازَةُ وَالْفَسْخُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ طَلَاقِهِمْ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ) مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ سَبَبٌ لِشَيْءٍ فَالنِّكَاحُ سَبَبٌ لِلْإِبَاحَةِ وَالطَّلَاقُ سَبَبٌ لِلْبَيْنُونَةِ فَهُمَا مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ لَا مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ خِطَابَ الْوَضْعِ هُوَ الْخِطَابُ بِالْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ وَالْمَوَانِعِ وَالتَّقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ وَتَقَدَّمَ بَسْطُهَا وَأَنَّهَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّكْلِيفُ وَلَا الْعِلْمُ وَلِذَلِكَ نُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ وَنُطَلِّقُ بِالْإِعْسَارِ وَإِنْ كَانَ مَعْجُوزًا عَنْهُ وَغَيْرَ مَشْعُورٍ بِهِ وَكَذَلِكَ بِالْإِضْرَارِ بِالْأَنْسَابِ وَإِنْ لَمْ يَشْعُرْ بِهِ الْوَارِثُ وَلَا هُوَ مِنْ مَقْدُورِهِ فَإِنَّ مَعْنَى خِطَابِ الْوَضْعِ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ قَالَ إذَا وَقَعَ هَذَا فِي الْوُجُودِ فَاعْلَمُوا أَنِّي قَدْ حَكَمْت بِهَذَا فَكَانَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَنْعَقِدَ طَلَاقُ الصِّبْيَانِ كَمَا انْعَقَدَتْ أَنْكِحَتُهُمْ إذَا كَانُوا مُطِيقِينَ لِلْوَطْءِ وَلِلْوَلِيِّ الْإِجَازَةُ وَالْفَسْخُ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا كَمَا أَنَّهُمْ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ كَوْنِ إتْلَافِ الصَّبِيِّ سَبَبًا لِضَمَانِهِ وَعَقْدِ الْبَيْعِ سَبَبًا لِلُزُومِ الْبَيْعِ وَلَا بَيْنَ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ الْفِعْلِيَّةِ وَالْقَوْلِيَّةِ إلَّا أَنَّ الْعَلَّامَةَ الْأَمِيرَ فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ ذَكَرَ سِرَّ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا بِقَوْلِهِ إنَّمَا صَحَّ نِكَاحُ الصَّغِيرِ وَتَوَقَّفَ عَلَى النَّظَرِ وَلَمْ يَصِحَّ طَلَاقُهُ أَصْلًا لِأَنَّ الطَّلَاقَ كَمَا قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ مِنْ قَبِيلِ الْحُدُودِ وَلِذَلِكَ تُشْطَرُ عَلَى الْعَبْدِ وَفِي الْقُرْآنِ
لِأَجْلِهِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ.
(فَإِنْ قُلْت) هُمْ قَوْمٌ كُفَّارٌ لَا عِبْرَةَ بِقَوْلِهِمْ فِي الشَّرَائِعِ وَالْأَحْكَامِ فَلَا يُبْنَى عَلَى قَوْلِهِمْ لُحُوقُ الْوَلَدِ وَعَدَمُ لُحُوقِهِ.
(قُلْت) قَدْ اعْتَبَرْنَا قَوْلَ الْكُفَّارِ فِي الْأُمُورِ الْغَائِبَةِ مِنْ الطِّبِّيَّاتِ فَلَوْ شَهِدُوا بِعَدَمِ الْعَيْبِ قَبِلْنَا شَهَادَتَهُمْ وَقَضَيْنَا بِالرَّدِّ عَلَى الْبَائِعِ حَتَّى قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ وَاحِدٍ بِانْفِرَادِهِ وَلَوْ شَهِدُوا بِأَنَّ الْمَرَضَ مَخُوفٌ قَضَيْنَا بِرَدِّ التَّصَرُّفَاتِ وَالتَّبَرُّعَاتِ وَوَرَّثْنَا الْمُطَلَّقَةَ الثَّلَاثَ فِي ذَلِكَ الْمَرَضِ إذَا مَاتَ الْمُطَلِّقُ فِيهِ وَلَوْ شَهِدُوا بِأَنَّ هَذَا الدَّوَاءَ فِي هَذَا الْوَقْتِ لَا يَصْلُحُ بِهَذَا الْمَرَضِ وَإِنْ دَافَعَهُ لَهُ مُخْطِئٌ ضَمَّنَّاهُ بِشَهَادَتِهِمْ وَلَوْ شَهِدُوا بِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَى الطِّبِّيَّاتِ وَالْجِرَاحَاتِ وَالْأُمُورِ الَّتِي هِيَ عِلْمُهُمْ وَدِرَايَتُهُمْ قَبِلْنَاهُ فَكَذَلِكَ هَهُنَا فَقَوْلُ الْفُقَهَاءِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْكَافِرِ وَلَا شَهَادَتُهُ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ ذَلِكَ فِي الشَّهَادَةِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْأَمْوَالِ وَالدِّمَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ قَضَايَا الْحُكَّامِ أَمَّا فِي هَذَا الْبَابِ فَلَا وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ يُقْبَلُ قَوْلُ الْكَافِرِ فِي الذَّبِيحَةِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَهُوَ جَوَازُ التَّنَاوُلِ وَنَصُّوا أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ فِي قَبُولِ الْهَدِيَّةِ إذَا جَاءُوا بِهَا وَأَخْبَرُوا أَنَّ فُلَانًا بَعَثَ بِهَا مَعَهُمْ وَيُبَاحُ أَكْلُهَا بِذَلِكَ فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ أَقْوَالِ الْكَفَّارَةِ فِي مَوَاطِنِهَا.
(الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْأَرْبَعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ قِيَافَتِهِ عليه السلام وَبَيْنَ قَاعِدَةِ قِيَافَةِ الْمُدْلِجِيِّينَ)
اعْلَمْ أَنَّ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ رضي الله عنهما قَالَا بِالْقَافَةِ فِي لُحُوقِ الْأَنْسَابِ وَخَصَّصَهُ مَالِكٌ فِي مَشْهُورِ مَذْهَبِهِ بِالْإِمَاءِ دُونَ الْحَرَائِرِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه لَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَى الْقَافَةِ أَصْلًا
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (فَإِنْ قُلْت هُمْ قَوْمٌ كُفَّارٌ لَا عِبْرَةَ بِقَوْلِهِمْ فِي الشَّرَائِعِ وَالْأَحْكَامِ فَلَا يَنْبَغِي عَلَى أَقْوَالِهِمْ لُحُوقُ الْوَلَدِ وَعَدَمُ لُحُوقِهِ) قُلْت السُّؤَالُ وَارِدٌ وَقَوْلُ السَّائِلِ عِنْدِي صَحِيحٌ قَالَ (قُلْت قَدْ اعْتَبَرْنَا قَوْلَ الْكُفَّارِ فِي الْأُمُورِ الْغَائِبَةِ عَنَّا مِنْ الطِّبِّيَّاتِ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ) قُلْت مَا ذَكَرَهُ مِنْ قَبُولِ قَوْلِ الْكُفَّارِ فِي الْمَوْطِنِ الَّتِي ذَكَرَهَا صَحِيحٌ وَلَكِنْ لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ بَلْ مِنْ بَابِ الْخَبَرِ وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ فِي مَوَاطِنِ إلْجَاءِ الضَّرُورَةِ إلَى قَبُولِ أَقْوَالِهِمْ وَلَيْسَ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ أَمْرِ لُحُوقِ الْوَلَدِ مِنْ تِلْكَ الْمَوَاطِنِ لِأَنَّ الْآيَةَ يَقْتَضِي ظَاهِرُهَا تَعْيِينَ الْمُدَّةِ الَّتِي يَلْحَقُ فِيهَا الْوَلَدُ وَهِيَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَالْحَدِيثُ يَقْتَضِي ظَاهِرُهُ تَكْذِيبَهُمْ فِيمَا قَالُوهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمَا قَالَهُ فِي الْفَرْقِ بَعْدَهُ صَحِيحٌ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
بَعْدَ ذِكْرِ الطَّلَاقِ {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} [البقرة: 229] وَلَا حَدَّ عَلَى الصَّبِيِّ، وَالنِّكَاحُ مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ فَيَنْظُرُ الْوَلِيُّ الْأَصْلَحَ. اهـ
بِلَفْظِهِ وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا قَالَهُ الْأَصْلُ فِي سِرِّ الْفَرْقِ هُنَا مِنْ أَنَّ عَقْدَ الْأَنْكِحَةِ سَبَبُ إبَاحَةِ الْوَطْءِ وَهُوَ أَصْلٌ لِلْخِطَابِ بِالْإِبَاحَةِ وَالنَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ دُونَ الْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ لِأَنَّهُمَا تَكْلِيفٌ وَمَشَقَّةٌ مِنْ جِهَةِ لُزُومِ اسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ الْمَحْمُولِ عَنْ الصِّبْيَانِ لِضَعْفِ عُقُولِهِمْ وَالطَّلَاقُ سَبَبُ تَحْرِيمِ الْوَطْءِ بِإِسْقَاطِ الْعِصْمَةِ فِي الزَّوْجَةِ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّحْرِيمِ فَلِذَا لَمْ يَنْعَقِدْ الطَّلَاقُ سَبَبًا فِي حَقِّهِ فَهُمَا وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي أَنَّهُمَا سَبَبَانِ وَخِطَابُ وَضْعٍ إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا وَهُوَ الطَّلَاقُ لَمَّا انْضَافَ إلَيْهِ تَكْلِيفٌ دُونَ الْآخَرِ انْتَفَى عَنْهُ دُونَهُ الِانْعِقَادُ فِي حَقِّهِ وَالْإِتْلَافُ وَإِنْ انْعَقَدَ فِي حَقِّهِ سَبَبًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ وَالْوُجُوبُ تَكْلِيفٌ حَتَّى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ الْإِخْرَاجُ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ الْمُتْلِفِ فَإِنْ تَأَخَّرَ ذَلِكَ الْبُلُوغُ وَجَبَ عَلَى الصَّبِيِّ فِي مَالِهِ وَخُوطِبَ هُوَ حِينَئِذٍ إلَّا أَنَّ تَأْخِيرَ مُسَبَّبِ الْإِتْلَافِ عَنْهُ إلَى بَعْدِ الْبُلُوغِ عِنْدَ حُصُولِ أَهْلِيَّةِ التَّكْلِيفِ عَلَى خِلَافِ الْقَوَاعِدِ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ لِإِمْكَانِ الْإِخْرَاجِ حَالَةَ الْإِتْلَافِ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ أَوْ مِمَّنْ يَتَبَرَّعُ بِهِ عَنْهُ بَلْ هَذَا هُوَ الْغَالِبُ وَالْعَجْزُ عَنْ إخْرَاجِ الضَّمَانِ مِنْ مَالِهِ فِي الْحَالِ نَادِرٌ فَأُلْحِقَ بِالْغَالِبِ وَانْعَقَدَ الْإِتْلَافُ سَبَبًا مُطْلَقًا وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَإِنَّهُ لَوْ انْعَقَدَ فِي حَقِّهِ لَكَانَ يَتَعَيَّنُ تَأْخِيرُ التَّحْرِيمِ فِيهِ الْأَمَدَ الطَّوِيلَ وَالسِّنِينَ الْكَثِيرَةَ إلَى حِينِ الْبُلُوغِ عَلَى خِلَافِ الْقَوَاعِدِ فَلَا جَرَمَ لَمْ يَنْعَقِدْ فِي حَقِّهِ اهـ. لِقَوْلِ الْعَلَّامَةِ ابْنِ الشَّاطِّ فِيمَا فَرَّقَ بِهِ هُنَا نَظَرٌ. اهـ
قُلْت وَلَعَلَّ وَجْهَهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ فِي الْفَرْقِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ التَّكْلِيفَ بِعَيْنِهِ مَشَقَّةٌ لِأَنَّهُ مَنْعُ الْإِنْسَانِ مِنْ الِاسْتِرْسَالِ مَعَ دَوَاعِي نَفْسِهِ وَهُوَ أَمْرٌ نِسْبِيٌّ وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ سُمِّيَ تَكْلِيفًا وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ حَتَّى الْإِبَاحَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ الْمُقَرَّرَةَ كَمَا فِي الْمُوَافَقَاتِ أَنَّ الشَّرَائِعَ إنَّمَا جِيءَ بِهَا لِمَصَالِح الْعِبَادِ فَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالتَّخْيِيرُ جَمِيعًا رَاجِعَةٌ إلَى حَظِّ الْمُكَلَّفِ وَمَصَالِحِهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى غَنِيٌّ عَنْ الْحُظُوظِ مُنَزَّهٌ عَنْ الْأَعْرَاضِ غَيْرَ أَنَّ الْحَظَّ إنْ أَخَذَهُ الْعَبْدُ مِنْ جِهَةِ الطَّلَبِ فَقَطْ كَالْوَاجِبِ وَالْمُحَرَّمِ لَمْ يَكُنْ سَاعِيًا فِي حَظِّهِ وَإِنْ لَمْ يَفُتْهُ حَظُّهُ وَإِنْ أَخَذَهُ مِنْ حَيْثُ بَاعِثُ نَفْسِهِ فَإِمَّا أَنْ يَطْلُبَهُ مَعَ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ دَاخِلًا تَحْتَ الطَّلَبِ أَيْضًا كَالْمَنْدُوبِ وَالْمَكْرُوهِ فَيَلْحَقُ بِمَا قَبْلَهُ فِي التَّجَرُّدِ عَنْ الْحَظِّ وَيُسَمَّى بِاسْمِهِ وَإِمَّا أَنْ يَطْلُبَهُ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ غَيْرَ دَاخِلٍ تَحْتَ الطَّلَبِ كَالْمُبَاحِ فَلَا يَكُونُ آخِذًا لَهُ إلَّا مِنْ جِهَةِ إرَادَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ لِأَنَّ الطَّلَبَ مَرْفُوعٌ عَنْهُ بِالْفَرْضِ فَلِهَذَا يُقَالُ إنَّ الْمُبَاحَ هُوَ الْعَمَلُ الْمَأْذُونُ فِيهِ الْمَقْصُودُ بِهِ مُجَرَّدُ الْحَظِّ الدُّنْيَوِيِّ خَاصَّةً إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ فِيهِ الْحَظُّ الْمَذْكُورُ