الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نَحْوُ قَرَأَ يَقْرَأُ وَالنِّسْوَةُ قَرَأْنَ فَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَعْفُونَ بِالْوَاوِ وَقَالَ الشَّاعِرُ:
بَدَوْنَ لِلنَّاظِرِ
وَيُرْوَى أَنَّ بَعْضَ الْأُدَبَاءِ الْمَشْهُورِينَ طُرِحَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْأَبْيَاتُ فَأَخْطَأَ فِيهَا وَقَالَ بَدَأْنَ لِلنُّظَّارِ فَخَطِئَ وَفِي الْأَبْيَاتِ سُؤَالٌ آخَرُ مُشْكِلٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْقَائِلَ قَصَدَ شَيْئًا وَهُوَ إخْمَالُ الشَّمَاتَةِ وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي تَقْوِيَتَهَا فَإِنَّ قَوْلَهُ:
مَنْ كَانَ مَسْرُورًا بِوَقْعَةِ مَالِكٍ أَوْ بِمَصْرَعِ مَالِكٍ
…
فَلْيَأْتِ نِسْوَتَنَا بِوَجْهِ نَهَارِ
وَذَكَرَ مِنْ حَالِ النِّسْوَةِ مَا يَقْتَضِي زِيَادَةَ الشَّمَاتَةِ وَتَحَقُّقَ الْمُصِيبَةِ وَهَتْكِ الْعِيَالِ وَتَهَتُّكِ الْوُجُوهِ وَهَذَا يَزِيدُ الشَّامِتَ شَمَاتَةً
(وَالْجَوَابُ) عَنْهُ أَنَّ عَادَةَ الْعَرَبِ أَنَّهَا لَا تُقِيمُ مَأْتَمًا وَلَا تَفْعَلُ النِّسْوَةُ هَذَا الْفِعْلَ إلَّا بَعْدَ أَخْذِ ثَأْرِ مَنْ يُفْعَلُ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ وَمَنْ لَا يُؤْخَذُ بِثَأْرِهِ لَا يَسْتَحِقُّ عِنْدَهُمَا أَنْ يُقَامَ لَهُ مَأْتَمٌ وَلَا يُبْكَى عَلَيْهِ فَلِذَلِكَ قَالَ أَيُّهَا الشَّامِتُ اُنْظُرْ كَيْفَ حَالُ النِّسْوَةِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّا أَخَذْنَا بِثَأْرِهِ وَذَهَبَتْ شَمَاتَةُ الشَّامِتِ بِهِ عِنْدَهُمْ أَوْ خَفَّتْ فَهَذَا وَجْهُ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ.
(الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَثْمَانِ فِي الْبِيَاعَاتِ تَتَقَرَّرُ بِالْعُقُودِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الصَّدَقَاتِ فِي الْأَنْكِحَةِ لَا يَتَقَرَّرُ شَيْءٌ مِنْهُمَا بِالْعُقُودِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ)
وَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ
(أَحَدُهَا) عَدَمُ التَّقَرُّرِ مُطْلَقًا وَهُوَ الْمَشْهُورُ
(وَثَانِيهَا) التَّقَرُّرُ مُطْلَقًا وَالطَّلَاقُ مُشَطَّرٌ
(وَثَالِثُهَا) النِّصْفُ يَتَقَرَّرُ بِالْعَقْدِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ غَيْرُ مُتَقَرِّرٍ حَتَّى يَسْقُطَ بِالطَّلَاقِ أَوْ يَثْبُتَ بِالدُّخُولِ أَوْ الْمَوْتِ وَأَمَّا أَثْمَانُ الْبَيْعَانِ فَلَمْ أَعْلَمْ فِيهَا خِلَافًا وَسِرُّ الْفَرْقِ أَنَّ الصَّدَاقَ فِي النِّكَاحِ شَرْطٌ فِي الْإِبَاحَةِ وَشَأْنُ الشَّرْطِ أَنْ يَتَعَيَّنَ ثُبُوتُهُ عِنْدَ ثُبُوتِ الْمَشْرُوطِ وَلَيْسَ النَّاسُ يَقْصِدُونَ بِالصَّدَاقِ الْمُعَاوَضَةَ بَلْ التَّجَمُّلُ وَصَاحِبُ الشَّرْعِ أَيْضًا لَمْ يُرِدْ الْمُعَاوَضَةَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ فِيهِ شُرُوطَ الْإِعْرَاضِ مِنْ نَفْيِ الْجَهَالَةِ لِلْمَرْأَةِ بَلْ يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَى الْمَجْهُولَةِ مُطْلَقًا وَلَا يَتَعَرَّضُ لِتَحْدِيدِ مُدَّةِ الِانْتِفَاعِ أَيْضًا وَذَلِكَ وَشَبَهُهُ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ الْقَصْدِ إلَى الْمُعَاوَضَةِ بَلْ شَرْطُ الْإِبَاحَةِ فَلَا يَتَقَرَّرُ شَيْءٌ إلَّا عِنْدَ الدُّخُولِ أَوْ الْمَوْتِ لِأَنَّ الصَّدَاقَ إنَّمَا اُلْتُزِمَ إلَى أَقْصَرِ الزَّوْجَيْنِ عُمُرًا وَلَيْسَ الْوَطْأَةُ الْأُولَى هِيَ مُقَابَلَةُ الصَّدَاقِ بِالْعِوَضِيَّةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَقْصُودَ الْعُقَلَاءِ بِالصَّدَاقِ بِشَهَادَةِ الْعَادَةِ وَإِنَّمَا الشَّرْعُ جَعَلَهُ شَرْطًا لِأَصْلِ الْإِبَاحَةِ فَمَنْ لَاحَظَ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ قَالَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
سِيَاقُ الْآيَةِ فَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالْبَيَانِ فَإِذَا حَلَّتْ لَهُ أَوْ مَلَكَهَا فَقَدْ تَحَقَّقَتْ الْإِضَافَةُ الْمَقْصُودَةُ فَوَجَبَ فِي الْأُمَّهَاتِ ثُبُوتُ الْحُكْمِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَكَذَلِكَ فِي الْبَنَاتِ لَوْلَا التَّقْيِيدُ بِشَرْطِ الدُّخُولِ وَلَمْ تُحْمَلْ الْأُمَّهَاتُ عَلَى الْبَنَاتِ فِي التَّقْيِيدِ بِذَلِكَ تَغْلِيبًا لِمُعَارَضَةٍ مِنْ التَّحْرِيمِ كَمَا هُوَ الْقَاعِدَةُ فِي الْفُرُوجِ فَلِذَا لَمَّا تَعَارَضَ فِي الْأُخْتَيْنِ مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ التَّحْلِيلُ وَالتَّحْرِيمُ غَلَّبَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ التَّحْرِيمَ
(الْوَجْهُ الرَّابِعُ) أَنَّهُ قَدْ قِيلَ إنَّ الْمُرَادَ بِالدُّخُولِ هَاهُنَا النِّكَاحُ فَعَلَى هَذَا الرَّبَائِبُ وَالْأُمَّهَاتُ سَوَاءٌ لَكِنَّ الْإِجْمَاعَ غَلَبَ عَلَى الرَّبَائِبِ بِاشْتِرَاطِ الْوَطْءِ فِي أُمَّهَاتِهِنَّ لِتَحْرِيمِهِنَّ
(الْوَجْهُ الْخَامِسُ) أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَوْصُوفَيْنِ قَدْ انْقَطَعَ عَنْ صَاحِبِهِ بِوَصْفِهِ فَإِنَّهُ قَالَ {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: 23] فَالْوَصْفُ الَّذِي يَتْلُوهُ يَتْبَعُهُ وَلَا يَرْجِعُ إلَى الْأَوَّلِ لِبُعْدِهِ مِنْهُ وَانْقِطَاعِهِ عَنْهُ. اهـ بِتَصَرُّفٍ
(فَائِدَةٌ مُهِمَّةٌ) قَالَ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ فِي كِتَابِهِ تَوْشِيحُ التَّرْشِيحِ حِكَايَةً عَنْ وَالِدِهِ الْإِمَامِ تَقِيِّ الدِّينِ السُّبْكِيّ أَنَّ السِّرَّ فِي إبَاحَةِ نِكَاحِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ اللَّهَ أَرَادَ نَقْلَ بَوَاطِنِ الشَّرِيعَةِ وَظَوَاهِرِهَا وَمَا يَتَحَسَّى وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَشَدَّ النَّاسِ حَيَاءً فَجَعَلَ اللَّهُ لَهُ نِسْوَةً يَنْقُلْنَ مِنْ الشَّرْعِ مَا يَرَيْنَهُ مِنْ أَفْعَالِهِ وَيَسْمَعْنَ مِنْ أَقْوَالِهِ الَّتِي قَدْ يَسْتَحِي مِنْ الْإِفْصَاحِ بِهَا بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ فَيَكْمُلُ نَقْلُ الشَّرِيعَةِ وَكَثُرَ عَدَدُ النِّسَاءِ لِتَكْثِيرِ النَّاقِلِينَ لِهَذَا النَّوْعِ وَمِنْهُنَّ عُرِفَ غَالِبُ مَسَائِلِ الْغُسْلِ وَالْحَيْضِ وَالْعِدَّةِ وَنَحْوِهَا قَالَ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْهُ لِشَهْوَةٍ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم فِي النِّكَاحِ وَلَا كَانَ يُحِبُّ الْوَطْءَ لِلَذَّةِ الْبَشَرِ مَعَاذَ اللَّهِ بَلْ إنَّمَا حُبِّبَ إلَيْهِ النِّسَاءُ لِتُظْهِرَ عَنْهُ مَا يَسْتَحِي هُوَ مِنْ الْإِمْعَانِ فِي التَّلَفُّظِ بِهِ فَأَحَبَّهُنَّ لِمَا فِيهِنَّ مِنْ الْإِعَانَةِ عَلَى نَقْلِ الشَّرِيعَةِ فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ وَأَيْضًا فَقَدْ نَقَلْنَ مَا لَمْ يَكُنْ يَنْقُلُهُ غَيْرُهُنَّ مِمَّا رَأَيْنَهُ فِي مَنَامِهِ وَحَالَةِ خَلْوَتِهِ مِنْ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ عَلَى نُبُوَّتِهِ وَمِنْ جِدِّهِ وَاجْتِهَادِهِ فِي الْعِبَادَةِ وَمِنْ أُمُورٍ يَشْهَدُ كُلُّ ذِي لُبٍّ أَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا لِنَبِيٍّ وَمَا كَانَ يُشَاهِدُهُ غَيْرُهُنَّ فَحَصَلَ بِذَلِكَ خَيْرٌ عَظِيمٌ أَفَادَهُ الْعَطَّارُ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى مَحَلِّيٍّ جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ فِي الرُّتْبَةِ الْأُولَى وَبَيْنَ قَاعِدَةِ لَوَاحِقِهَا]
(الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ فِي الرُّتَبِ الْأُولَى وَبَيْنَ قَاعِدَةِ لَوَاحِقِهَا)
الْمُصَاهَرَةُ فِي الرُّتْبَةِ الْأُولَى عِبَارَةٌ عَنْ الْمُنْدَرِجِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] وقَوْله تَعَالَى {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: 23] وقَوْله تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] وقَوْله تَعَالَى {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] قَالَ
بِعَدَمِ التَّقَرُّرِ مُطْلَقًا إلَّا بِمَوْتٍ أَوْ فِرَاقٍ أَوْ دُخُولٍ وَمَنْ لَاحَظَ قَاعِدَةً أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَعْوَاضِ وُجُوبُهَا بِالْعُقُودِ فَإِنَّهَا أَسْبَابُهَا وَالْأَصْلُ تَرَتُّبُ الْمُسَبَّبَاتِ عَلَى أَسْبَابِهَا فَيَجِبُ الْجَمِيعُ بِالْعَقْدِ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَمَنْ لَاحَظَ قَاعِدَةً أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يَدُلُّ عَلَى سَبَبِيَّتِهِ لَهُ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] فَرَتَّبَ النِّصْفَ عَلَى الطَّلَاقِ فَيَكُونُ سَبَبَهُ فَيَجِبُ النِّصْفُ بِالطَّلَاقِ خَاصَّةً وَيَبْقَى التَّكْمِيلُ مَوْقُوفًا عَلَى سَبَبٍ آخَرَ وَهُوَ الْمَوْتُ أَوْ الدُّخُولُ فَهَذَا تَحْرِيرُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ.
(الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُ مَعَ الْبَيْعِ وَقَاعِدَةُ مَا لَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُ مَعَهُ)
اعْلَمْ أَنَّ الْفُقَهَاءَ جَمَعُوا أَسْمَاءَ الْعُقُودِ الَّتِي لَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُهَا مَعَ الْبَيْعِ فِي قَوْلِك جَصَّ مُشْنِقٌ فَالْجِيمُ لِلْجَعَالَةِ وَالصَّادُ لِلصَّرْفِ وَالْمِيمُ لِلْمُسَاقَاةِ وَالشَّيْنُ لِلشَّرِكَةِ وَالنُّونُ لِلنِّكَاحِ وَالْقَافُ لِلْقِرَاضِ وَالسِّرُّ فِي الْفَرْقِ أَنَّ الْعُقُودَ أَسْبَابٌ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى تَحْصِيلِ حِكْمَتِهَا فِي مُسَبَّبَاتِهَا بِطَرِيقِ الْمُنَاسَبَةِ وَالشَّيْءُ الْوَاحِدُ بِالِاعْتِبَارِ الْوَاحِدِ لَا يُنَاسِبُ الْمُتَضَادَّيْنِ فَكُلُّ عَقْدَيْنِ بَيْنَهُمَا تَضَادٌّ لَا يَجْمَعُهُمَا عَقْدٌ وَاحِدٌ فَلِذَلِكَ اخْتَصَّتْ الْعُقُودُ الَّتِي لَا يَجُوزُ أَجْتِمَاعُهَا مَعَ الْبَيْعِ كَالْإِجَارَةِ بِخِلَافِ الْجَعَالَةِ لِلُّزُومِ الْجَهَالَةِ فِي عَمَلِ الْجَعَالَةِ وَذَلِكَ يُنَافِي الْبَيْعَ وَالْإِجَازَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى نَفْيِ الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ لَهُ وَذَلِكَ مُوَفَّقٌ لِلْبَيْعِ وَلَا يَجْتَمِعُ النِّكَاحُ وَالْبَيْعُ لِتَضَادِّهِمَا فِي الْمُكَايَسَةِ فِي الْعِوَضِ الْمُعَوَّضِ بِالْمُسَامَحَةِ فِي النِّكَاحِ وَالْمُشَاحَّةِ فِي الْبَيْعِ فَحَصَلَ التَّضَادُّ، وَالصَّرْفُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّشْدِيدِ وَامْتِنَاعِ الْخِيَارِ وَالتَّأْخِيرِ وَأُمُورٍ كَثِيرَةٍ لَا تُشْتَرَطُ فِي الْبَيْعِ فَضَادَّ الْبَيْعُ الصَّرْفَ وَالْمُسَاقَاةَ وَالْقِرَاضُ فِيهِمَا الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ كَالْجَعَالَةِ وَذَلِكَ مُضَادٌّ لِلْبَيْعِ وَالشَّرِكَةُ فِيهَا صَرْفُ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالْآخَرِ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ فَهُوَ صَرْفٌ غَيْرُ نَاجِزٍ وَفِي الشَّرِكَةِ مُخَالَفَةُ الْأَصْلِ وَالْبَيْعُ عَلَى وَفْقِ الْأُصُولِ فَهُمَا مُتَضَادَّانِ وَمَا لَا تَضَادَّ فِيهِ يَجُوزُ جَمْعُهُ مَعَ الْبَيْعِ فَهَذَا وَجْهُ الْفَرْقِ.
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ فِي بِدَايَتِهِ فَهَؤُلَاءِ الْأَرْبَعُ أَيْ زَوْجَاتُ الْآبَاءِ وَزَوْجَاتُ الْأَبْنَاءِ وَأُمَّهَاتُ النِّسَاءِ وَبَنَاتُ الزَّوْجَاتِ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ اثْنَيْنِ مِنْهُنَّ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَهُمَا زَوْجَاتُ الْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ أَيْ لِأَنَّ اتِّفَاقَ الرِّجَالِ وَحَمِيَّاتِهِمْ تَنْهَضُ بِالْغَضَبِ وَالْبَغْضَاءِ بِمُجَرَّدِ نِسْبَةِ الْمَرْأَةِ إلَيْهِمْ بِذَلِكَ فَيَخْتَلُّ نِظَامُ وُدِّ الْآبَاءِ لِلْأَبْنَاءِ وَوُدٍّ الْأَبْنَاءِ لِلْآبَاءِ وَهُوَ سِيَاجٌ عَظِيمٌ قَدْ جَعَلَ الشَّارِعُ صلى الله عليه وسلم خَرْقَهُ مِنْ الْكَبَائِرِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ «مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَسُبَّ الرَّجُلُ أَبَاهُ قَالُوا أَوَ يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَاهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَاهُ» فَإِنَّهُ جَعَلَ التَّسَبُّبَ لِسَبِّ الْأَبِ بِسَبِّ الْأَجْنَبِيِّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ فَكَيْفَ لَوْ سَبَّهُ مُبَاشَرَةً عَلَى تَحْرِيمِ وَاحِدَةٍ بِالدُّخُولِ وَهِيَ ابْنَةُ الزَّوْجَةِ أَيْ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ أَحْكَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ وَاخْتَلَفُوا فِي أُمِّ الزَّوْجَةِ هَلْ تَحْرُمُ بِالدُّخُولِ أَوْ بِالْعَقْدِ كَمَا تَقَدَّمَ تَوْضِيحُهُ وَلَوَاحِقُ الْمُصَاهَرَةِ فِي الرُّتْبَةِ الْأُولَى عِبَارَةٌ عَنْ غَيْرِ الْمُنْدَرِجِ فِيمَا ذُكِرَ مِمَّنْ تَحَقَّقَ فِيهِ إلَيْهِ بِالْمُنْدَرِجِ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْأَصْلُ وَالْعَلَّامَةُ ابْنُ الشَّاطِّ فِي أَمْرَيْنِ:
(الْأَمْرُ الْأَوَّلِ) الْمُنْدَرِجِ فِيمَا ذُكِرَ فَزَعَمَ الْأَصْلُ أَنَّ الْمُنْدَرِجَ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُنَّ الْحَرَائِرُ مُدَّعِيًا أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ نِسَائِنَا فِي غَالِبِ الْعَادَةِ الْحَرَائِرُ الْمَنْسُوبَاتُ إلَيْنَا بِمُبِيحِ الْوَطْءِ وَهُوَ الْعَقْدُ فَلَا يُفْهَمُ مِنْ النِّسَاءِ فِيمَا ذُكِرَ وَفِي قَوْله تَعَالَى {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ} [الأحزاب: 30] إلَّا الزَّوْجَاتُ الْحَرَائِرُ وَلَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ الدُّخُولَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُنَّ قَدْ يَتَحَقَّقْنَ مَعَ عَدَمِ الدُّخُولِ وَعَلَيْهِ فَيُلْحَقُ بِهِنَّ الْإِمَاءُ الْمَنْكُوحَاتُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فِي التَّحْرِيمِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي مُبِيحِ الْوَطْءِ وَالْفِرَاشِ بِشَرْطِهِ وَلُحُوقِ الْوَلَدِ بِشَرْطِهِ وَلِأَنَّ الْأَنَفَاتِ تَحْصُلُ مِنْ وَطْءِ الْغَيْرِ مَا وَطِئَهُ الْإِنْسَانُ بِالْمِلْكِ وَيَشُقُّ عَلَيْهِ أَنْ يَطَأَ أَمَتَهُ غَيْرُهُ فَكَانَ وَطْؤُهَا مُحَرَّمًا كَالْوَطْءِ بِالْعَقْدِ وَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ لَا أَعْرِفُ صِحَّةَ مَا ادَّعَاهُ مِنْ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ نِسَائِنَا فِي غَالِبِ الْعَادَةِ الْحَرَائِرُ الْمَنْسُوبَاتُ إلَيْنَا بِمُبِيحِ الْوَطْءِ وَهُوَ الْعَقْدُ بَلْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْمُرَادَ بِنِسَائِنَا إمَّا جَمِيعُ الْمَنْكُوحَاتِ بِعَقْدٍ كَانَ نِكَاحُهُنَّ أَوْ بِمِلْكٍ، حَرَائِرَ كُنَّ أَوْ مَمْلُوكَاتٍ وَإِمَّا الْمَنْكُوحَاتُ بِخُصُوصِ الْعَقْدِ وَلَوْ كُنَّ غَيْرَ حَرَائِرَ وَلَا وَجْهَ لِقَيْدِ كَوْنِهِنَّ حَرَائِرَ عِنْدِي قَالَ وَقَوْلُهُ وَلَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ الدُّخُولَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] إلَخْ اسْتِدْلَالٌ بِالْمَفْهُومِ فَيَخْتَصُّ بِمَنْ يَرَاهُ حُجَّةً فَيَتَحَصَّلُ أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَهُمَا فِي الْإِمَاءِ الْمَنْكُوحَاتِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَكَذَلِكَ بِعَقْدٍ إلَّا أَنَّ الْمَنْكُوحَاتِ بِالْعَقْدِ مِنْ الْمُنْدَرِجِ لَا مِنْ لَوَاحِقِهِ عَلَى كِلَا التَّرَدُّدَيْنِ فِي كَلَامِ ابْنِ الشَّاطِّ بِخِلَافِ الْمَنْكُوحَاتِ بِالْمِلْكِ فَإِنَّهُنَّ مِنْ الْمُنْدَرِجِ عَلَى التَّرْدِيدِ الْأَوَّلِ فِي كَلَامِهِ وَمِنْ اللَّوَاحِقِ عَلَى الثَّانِي فَافْهَمْ
(الْأَمْرُ الثَّانِي) الْحَقِيقَةُ فِي لَفْظِ الْأَبِ وَلَفْظِ الْأُمِّ وَلَفْظِ الِابْنِ وَلَفْظِ
(الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْبَيْعِ تَوَسَّعَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ حَتَّى جَوَّزَ مَالِكٌ الْبَيْعَ بِالْمُعَاطَاةِ وَهِيَ الْأَفْعَالُ دُونَ شَيْءٍ مِنْ الْأَقْوَالِ وَزَادَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى قَالَ كُلُّ مَا عَدَّهُ النَّاسُ بَيْعًا فَهُوَ بَيْعٌ وَقَاعِدَةُ النِّكَاحِ وَقَعَ التَّشْدِيدُ فِيهَا فِي اشْتِرَاطِ الصِّيَغِ حَتَّى لَا أَعْلَمُ أَنَّهُ وُجِدَ لِمَالِكٍ الْقَوْلُ بِالْمُعَاطَاةِ فِيهِ أَلْبَتَّةَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ)
قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ يَنْعَقِدُ بِكُلِّ لَفْظٍ يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ عَلَى التَّأْيِيدِ كَالنِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ وَالتَّمْلِيكِ وَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَلَفْظُ الصَّدَقَةِ وَقَالَ الْأَصْحَابُ إنْ قَصْدَ بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ النِّكَاحَ صَحَّ وَيَضْمَنُ الْمَهْرَ فَيَكْفِي قَوْلُ الزَّوْجِ قَبِلْت بَعْدَ الْإِيجَابِ مِنْ الْوَلِيِّ وَلَا يُشْتَرَطُ قَبِلْت نِكَاحَهَا وَلَوْ قَالَ لِلْأَبِ فِي الْبِكْرِ أَوْ بَعْدَ الْإِذْنِ فِي الثَّيِّبِ زَوِّجْنِي فَقَالَ فَعَلْت أَوْ زَوَّجْتُك فَقَالَ لَا أَرْضَى لَزِمَهُ النِّكَاحُ لِاجْتِمَاعِ جُزْأَيْ الْعَقْدِ فَإِنَّ السُّؤَالَ رِضًى فِي الْعَادَةِ أَيْضًا وَقَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظِ النِّكَاحِ أَوْ التَّزْوِيجِ دُونَ غَيْرِهِمَا مِنْ أَلْفَاظِ الْعُقُودِ وَفِي الْهِبَةِ قَوْلَانِ الْمَنْعُ كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَالْجَوَازُ كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِالصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ فَكَذَلِكَ النِّكَاحُ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْهِبَةَ لَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ النِّكَاحِ فَكَذَلِكَ النِّكَاحُ لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَأَنَّ النِّكَاحَ مُفْتَقِرٌ إلَى الصَّرِيحِ لِيَقَعَ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ وَقَالَ صَاحِبُ الِاسْتِذْكَارِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِحْلَالِ وَالْإِبَاحَةِ فَتُقَاسُ عَلَيْهِ الْهِبَةُ وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْقَبَسِ جَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ بِكُلِّ لَفْظٍ يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ عَلَى التَّأْبِيدِ وَجَوَّزَهُ مَالِكٌ بِكُلِّ لَفْظٍ يَفْهَمُ الْمُتَنَاكِحَانِ مَقْصُودَهُمَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظِ التَّزْوِيجِ وَالنِّكَاحِ لِأَنَّهُمَا الْمَذْكُوَّانِ فِي الْقُرْآنِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] وقَوْله تَعَالَى {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37] وَوَافَقَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَجَابُوا عَمَّا احْتَجَّ بِهِ مَالِكٌ مِمَّا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ عليه السلام «مَلَّكْتُكهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ» أَنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ وَالْقِصَّةُ وَاحِدَةٌ فَيَسْتَحِيلُ اجْتِمَاعُهَا بَلْ الْوَاقِعُ أَحَدُهَا وَالرَّاوِي رَوَى بِالْمَعْنَى فَلَا حُجَّةَ فِيهِ وَلَمْ يَسْتَثْنِ أَبُو حَنِيفَةَ غَيْرَ الْإِجَارَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْإِحْلَالِ وَجَوَّزَهُ بِالْعَجَمِيَّةِ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ وَجَوَّزَ الْجَوَابَ مِنْ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْبِنْتِ فِي النُّصُوصِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَقَالَ الْأَصْلُ أَنَّ حَقَائِقَهَا الْمُبَاشِرُ وَأَنَّهُ مَتَى أُرِيدَ بِهَا غَيْرُ الْمُبَاشِرِ كَانَتْ مَجَازَاتٍ وَأَنَّ الِانْدِرَاجَاتِ فِي قَوْلِ اللَّخْمِيِّ تَحْرُمُ امْرَأَةُ الْجَدِّ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ لِلْأُمِّ لِانْدِرَاجِهِمَا فِي لَفْظِ الْآبَاءِ كَمَا تَنْدَرِجُ جَدَّاتُ امْرَأَتِهِ وَجَدَّاتُ أُمِّهَا مِنْ قِبَلِ أُمِّهَا وَأَبِيهَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] وَبِنْتُ بِنْتِ الزَّوْجَةِ وَبِنْتُ ابْنِهَا وَكُلُّ مَنْ يُنْسَبُ إلَيْهَا بِالْبُنُوَّةِ وَإِنْ سَفَلَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَرَبَائِبُكُمُ} [النساء: 23] اهـ. لَيْسَ بِمُقْتَضَى الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ وَإِلَّا لَمَا صَرَّحَ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ بِالثُّلُثِ لِلْأُمِّ وَلَمْ يُعْطِهِ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم لِلْجَدَّةِ بَلْ حَرَمُوهَا حَتَّى رُوِيَ لَهُمْ الْحَدِيثُ فِي السُّدُسِ وَلَمَّا صَرَّحَ فِي الْكِتَابِ بِالنِّصْفِ لِلْبِنْتِ وَبِالثُّلُثَيْنِ لِلْبِنْتَيْنِ عَلَى السَّوِيَّةِ وَرِثَتْ بِنْتُ الِابْنِ مَعَ الْبِنْتِ السُّدُسَ بِالسُّنَّةِ لَا بِالْكِتَابِ وَلَمَّا كَانَ ابْنُ الِابْنِ كَالِابْنِ فِي الْحَجْبِ وَالْجَدُّ لَيْسَ كَالْأَبِ فِي الْحَجْبِ وَلَمَّا كَانَتْ الْإِخْوَةُ يَحْجُبُونَ الْأُمَّ وَبَنُوهُمْ لَا يَحْجُبُونَهَا فَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّ هَذِهِ الِانْدِرَاجَاتِ فِي تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ بِالْإِجْمَاعِ لَا بِالنَّصِّ فَإِنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِنَفْسِ اللَّفْظِ تَعَذُّرٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمَجَازِ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَالْفَقِيهُ الَّذِي يَعْتَقِدُ ذَلِكَ وَيَسْتَدِلُّ بِاللَّفْظِ غَالَطَ. اهـ
وَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ لَا أَعْرِفُ صِحَّةَ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْحَقِيقَةَ فِي لَفْظِ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَالِابْنِ وَالْبِنْتِ الْمُبَاشِرُ وَأَنَّهُ مَتَى أُرِيدَ بِهِ غَيْرُ الْمُبَاشِرِ فَهُوَ مَجَازٌ لَعَلَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ بِالْعَكْسِ وَأَنَّ الْحَقِيقَةَ فِي لَفْظِ الْأَبِ مَثَلًا كُلُّ مَنْ لَهُ وِلَادَةٌ وَالْمَجَازُ الْمُبَاشِرُ لَكِنْ غَلَبَ هَذَا الْمَجَازُ حَتَّى صَارَ عُرْفًا فَكَانَ ذَلِكَ السَّبَبُ فِي اقْتِصَارِ الصَّحَابَةِ فِيمَا اقْتَصَرُوا بِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ عَلَى الْمُبَاشِرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ
وَعَلَيْهِ فَتَكُونُ الِانْدِرَاجَاتُ فِي تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ بِالنَّصِّ لَا بِالْإِجْمَاعِ فَافْهَمْ وَفِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ لِابْنِ الْعَرَبِيِّ أَنَّ مِنْ عُلَمَائِنَا مَنْ قَالَ إنَّ لَفْظَ الْأَوْلَادِ يَتَنَاوَلُ حَقِيقَةَ كُلِّ وَلَدٍ مِنْ صُلْبِ الرَّجُلِ دَنِيًّا أَوْ بَعِيدًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا بَنِي آدَمَ} [الأعراف: 26] وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ» وَقَالَ تَعَالَى {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ} [النساء: 12] فَدَخَلَ فِيهِ كُلُّ مَنْ كَانَ لِصُلْبِ الْمَيِّتِ دَانِيًا أَوْ بَعِيدًا وَيُقَالُ بَنُو تَمِيمٍ فَيَعُمُّ الْجَمِيعَ فَإِنْ كَانَ الصَّحِيحُ هَذَا الْقَوْلَ فَقَدْ غَلَبَ مَجَازُ الِاسْتِعْمَالِ فِي ذَلِكَ إطْلَاقُهُ عَلَى الْأَعْيَانِ الْأَدْنَيْنَ عَلَى تِلْكَ الْحَقِيقَةِ وَمِنْ عُلَمَائِنَا مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَقِيقَةً فِي الْأَدْنَيْنَ مَجَازٌ فِي الْأَبْعَدِينَ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَنْفِي عَنْهُ فَيُقَالُ لَيْسَ بِوَلَدٍ وَلَوْ كَانَ حَقِيقَةً لَمَا سَاغَ فِيهِ أَلَا تَرَى أَنَّ وَلَدَ الْأَعْيَانِ يُسَمَّى وَلَدًا وَلَا يُسَمَّى وَلَدَ الْوَلَدِ وَكَيْفَمَا دَارَتْ الْحَالُ فَقَدْ اجْتَمَعَتْ الْأُمَّةُ هَاهُنَا أَيْ فِي قَوْله تَعَالَى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] الْآيَةَ عَلَى أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الْجَمِيعِ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ
الزَّوْجِ بِقَوْلِهِ فَعَلْت فَهَذِهِ نُصُوصُ الْعُلَمَاءِ عَلَى اخْتِلَافِهَا لَمْ يَقُلْ فِيهَا أَحَدٌ بِالْمُعَاطَاةِ كَمَا قَالُوهُ فِي الْبَيْعِ وَالْفَرْقُ مَبْنِيٌّ عَلَى خَمْسِ قَوَاعِدَ
(الْقَاعِدَةُ الْأُولَى) أَنَّ الشَّهَادَةَ شَرْطٌ فِي النِّكَاحِ إمَّا مُقَارِنَةً لِلْعَقْدِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ أَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ كَمَا قَالَ مَالِكٌ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ يَشْهَدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَزْوِيجٌ لَا زِنًى وَسِفَاحٌ وَالْبَيْعُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ الْإِشْهَادُ فِيهِ شَرْطًا جَوَّزُوا فِيهِ الْمُنَاوَلَةَ
(الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ) أَنَّ قَاعِدَةَ الشَّرْعِ أَنَّ الشَّيْءَ إذَا عَظُمَ قَدْرُهُ شُدِّدَ فِيهِ وَكَثُرَتْ شُرُوطُهُ وَبَالَغَ إبْعَادَهُ إلَّا لِسَبَبٍ قَوِيٍّ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ وَرَفْعًا لِقَدْرِهِ وَهُوَ شَأْنُ الْمُلُوكِ فِي الْعَوَائِدِ وَلِذَلِكَ إنَّ الْمَرْأَةَ النَّفِيسَةَ فِي مَالِهَا وَجَمَالِهَا وَدِينِهَا وَنَسَبِهَا لَا يُوصَلُ إلَيْهَا إلَّا بِالْمَهْرِ الْكَثِيرِ وَالتَّوَسُّلِ الْعَظِيمِ وَكَذَلِكَ الْمَنَاصِبُ الْجَلِيلَةُ وَالرُّتَبُ الْعَلِيَّةُ فِي الْعَادَةِ وَأَمَّا فِي الشَّرْعِ فَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ لَمَّا كَانَا رُءُوسَ الْأَمْوَالِ وَقِيَمَ الْمُتْلَفَاتِ شَدَّدَ الشَّرْعُ فِيهِمَا فَاشْتَرَطَ الْمُسَاوَاةَ وَالتَّنَاجُزَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي لَمْ يَشْتَرِطْهَا فِي الْبَيْعِ فِي سَائِرِ الْعُرُوضِ وَالطَّعَامُ لَمَّا كَانَ قِوَامَ بِنْيَةِ الْإِنْسَانِ مَنَعَ بَيْعَهُ نَسِيئَةً بَعْضَهُ بِبَعْضٍ وَمَنَعَ مَالِكٌ بَيْعَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ السِّلَعِ فَكَذَلِكَ النِّكَاحُ عَظِيمُ الْخَطَرِ جَلِيلُ الْمِقْدَارِ لِأَنَّهُ سَبَبُ بَقَاءِ النَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ الْمُكَرَّمِ الْمُفَضَّلِ عَلَى جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ وَسَبَبُ الْعَفَافِ الْحَاسِمِ لِمَادَّةِ الْفَسَادِ وَاخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ وَسَبَبُ الْمَوَدَّةِ وَالْمُوَاصَلَةِ وَالسُّكُونِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَصَالِحِ فَلِذَلِكَ شَدَّدَ الشَّرْعُ فِيهِ فَاشْتَرَطَ الصَّدَاقَ وَالشَّهَادَةَ وَالْوَلِيَّ وَخُصُوصَ الْأَلْفَاظِ دُونَهُ الْبَيْعُ
(الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ) كُلُّ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ وَإِبَاحَةُ الْمَرْأَةِ حُكْمٌ فَلَهُ سَبَبٌ يَجِبُ تَلَقِّيه مِنْ السَّمْعِ فَمَا لَمْ يُسْمَعْ مِنْ الشَّرْعِ لَا يَكُونُ سَبَبًا وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ اعْتَمَدَ الشَّافِعِيُّ وَالْمُغِيرَةُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهُوَ ظَاهِرٌ مِمَّا نَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ عَنْ الْمَذْهَبِ
(الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ) الشَّرْعُ قَدْ يُنَصِّبُ خُصُوصَ الشَّيْءِ سَبَبًا كَالزَّوَالِ وَرُؤْيَةِ الْهِلَالِ لِوُجُوبِ الظُّهْرِ وَوُجُوبِ الصَّوْمِ وَالْقَتْلُ الْعَمْدُ وَالْعُدْوَانُ سَبَبُ الْقِصَاصِ وَقَدْ يُنَصِّبُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ أَشْيَاءَ سَبَبًا وَيَبْغِي خُصُوصَاتِهَا كَأَلْفَاظِ الطَّلَاقِ فَإِنَّ الْمَنْصُوبَ مِنْهَا سَبَبًا مَا دَلَّ عَلَى انْطِلَاقِ الْمَرْأَةِ مِنْ عِصْمَةِ الرَّجُلِ وَأَلْفَاظُ الْقَذْفِ الْمَنْصُوبِ مِنْهَا سَبَبًا مَا دَلَّ عَلَى نِسْبَةِ الْمَقْذُوفِ إلَى الزِّنَى أَوْ اللِّوَاطِ وَأَلْفَاظُ الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ الْمَنْصُوبُ مِنْهَا سَبَبًا مَا دَلَّ عَلَى مَقْصُودِ الرِّسَالَةِ النَّبَوِيَّةِ وَالنِّكَاحُ عِنْدَنَا عَلَى مَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
لَوْ حَبَسَ رَجُلٌ عَلَى وَلَدِهِ لَا تُنْقَلُ إلَى أَبْنَائِهِمْ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ عُلَمَائِنَا فِيمَا لَوْ قَالَ صَدَقَةً هَلْ تُنْقَلُ إلَى أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ عَلَى قَوْلَيْنِ وَكَذَلِكَ فِي الْوَصِيَّةِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا وَلَدَ لَهُ وَلَهُ حَفَدَةٌ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ ذَلِكَ فِي أَقْوَالِ الْمَخْلُوقِينَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ لِوَجْهَيْنِ
(إحْدَاهُمَا) أَنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي حَمْلِ كَلَامِ الْمَخْلُوقِينَ هَلْ يُحْمَلُ عَلَى الْعُمُومِ كَمَا يُحْمَلُ كَلَامُ الْبَارِي أَوْ لَا يُحْمَلُ كَلَامُ النَّاسِ عَلَى الْعُمُومِ بِحَالٍ وَإِنْ حُمِلَ كَلَامُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ عَلَيْهِ
(الثَّانِي) أَنَّ كَلَامَ النَّاسِ يَرْتَبِطُ بِالْأَغْرَاضِ وَالْمَقَاصِدِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْحَبْسِ التَّعْقِيبُ فَدَخَلَ فِيهِ وَلَدُ الْوَلَدِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الصَّدَقَةِ التَّمْلِيكُ فَلَمْ يَدْخُلْ فِيهِ غَيْرُ الْأَدْنَى إلَّا بِدَلِيلٍ وَاَلَّذِي يُحَقِّقُ الْعُمُومَ هَاهُنَا أَيْ فِي الْآيَةِ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَهُ وَلَا يُوَلِّيهِ {لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 11] فَدَخَلَ فِيهِ آبَاءٌ فَكَذَلِكَ يَدْخُلُ فِي الْأَوْلَادِ هَاهُنَا أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ ثُمَّ قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 11] هَذَا قَوْلٌ لَمْ يُدْخِلْ فِيهِ مَنْ عَلَا مِنْ الْآبَاءِ دُخُولَ مَنْ سَفَلَ مِنْ الْأَبْنَاءِ فِي قَوْلِهِ {أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] لِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ
(الْأَوَّلُ) أَنَّ الْقَوْلَ هَاهُنَا مَثْنَى وَالْمَثْنَى لَا يَحْتَمِلُ الْعُمُومَ وَالْجَمْعَ
(الثَّانِي) أَنَّهُ قَالَ {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] وَالْأُمُّ الْعُلْيَا هِيَ الْجَدَّةُ وَلَا يُفْرَضُ لَهَا الثُّلُثُ بِإِجْمَاعٍ فَخُرُوجُ الْجَدَّةِ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ مَقْطُوعٌ بِهِ وَتَنَاوُلُهُ لِلْأَبِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ
(الثَّالِثُ) أَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ فِي قَوْلِهِ {أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] بَيَانَ الْعُمُومِ وَقَصَدَ هُنَا بَيَانُ النَّوْعَيْنِ مِنْ الْآبَاءِ وَهُمَا الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَتَفْصِيلُ فَرْضِهِمَا دُونَ الْعُمُومِ فَأَمَّا الْجَدُّ فَقَدْ اخْتَلَفَتْ فِيهِ الصَّحَابَةُ فَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهُ جَعَلَهُ أَبًا وَحَجَبَ بِهِ الْإِخْوَةَ أَخْذًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج: 78] وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا بَنِي آدَمَ} [الأعراف: 26] وَأَمَّا الْجَدَّةُ فَقَدْ صَحَّ أَنَّ الْجَدَّةَ أُمَّ الْأُمِّ جَاءَتْ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ فَقَالَ لَهَا لَا أَجِدُ لَك فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْئًا وَمَا أَنَا بِزَائِدٍ فِي الْفَرَائِضِ شَيْئًا. اهـ
الْمُرَادُ بِتَصَرُّفٍ وَإِصْلَاحٍ فَافْهَمْ (وَقَدْ وَافَقَ) ابْنُ الشَّاطِّ الْأَصْلَ فِي مَسَائِلَ قَائِلًا: مَا قَالَهُ فِي الْأُولَى صَحِيحٌ ظَاهِرٌ وَمَا قَالَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَكْثَرُهُ حِكَايَةُ أَقْوَالٍ وَإِشَارَةٌ إلَى تَوْجِيهَاتٍ وَلَا كَلَامَ فِي ذَلِكَ. اهـ
(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى)
شُبْهَتَا الْعَقْدِ وَالْمِلْكِ تَلْحَقُ بِهِمَا فِي التَّحْرِيمِ لِلْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ بِالْعَقْدِ وَالْمِلْكِ لِأَنَّ الْوَطْءَ بِالشُّبْهَةِ قَدْ أُلْحِقَ بِالْوَطْءِ بِهِمَا فِي لُحُوقِ الْوَلَدِ وَسُقُوطِ الْحَدِّ وَغَيْرِهَا (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ)
يَلْحَقُ بِالشُّبْهَةِ فِي الرُّتْبَةِ الرَّابِعَةِ عَلَى مَشْهُورِ مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الزِّنَى الْمَحْضُ لِكَوْنِهِ يُوجِبُ مِسَبَّةً اخْتِصَاصًا وَرُبَّمَا أَوْجَبَ مَيْلًا شَدِيدًا يُوجِبُ وُقُوعَ الشَّحْنَاءِ بِالْمُشَارَكَةِ فِيهِ كَمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ فِي الْمُشَارَكَةِ بِالْوَطْءِ بِالنِّكَاحِ وَالْمِلْكِ بَلْ بَالَغَ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا الْتَذَّ بِهَا حَرَامًا كَانَ كَالْوَطْءِ وَوَافَقَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ حَنْبَلٍ نَعَمْ قَالَ
مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ وَرَدَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْأَصْلُ فِيهَا عَدَمُ اعْتِبَارِ الْخُصُوصِ فَيَتَعَيَّنُ الْعُمُومُ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ
(الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةُ) يَحْتَاطُ الشَّرْعُ فِي الْخُرُوجِ مِنْ الْحُرْمَةِ إلَى الْإِبَاحَةِ أَكْثَرَ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ الْإِبَاحَةِ إلَى الْحُرْمَةِ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ يَعْتَمِدُ الْمَفَاسِدَ فَيَتَعَيَّنُ الِاحْتِيَاطُ لَهُ فَلَا يُقَدَّمُ عَلَى مَحَلٍّ فِيهِ الْمَفْسَدَةُ إلَّا بِسَبَبٍ قَوِيٍّ يَدُلُّ عَلَى زَوَالِ تِلْكَ الْمَفْسَدَةِ أَوْ يُعَارِضُهَا وَيَمْنَعُ الْإِبَاحَةَ مَا فِيهِ مَفْسَدَةٌ بِأَيْسَرِ الْأَسْبَابِ دَفْعًا لِلْمَفْسَدَةِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَلِذَلِكَ حَرُمَتْ الْمَرْأَةُ بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الْأَبِ وَلَا تَحِلُّ الْمَبْتُوتَةُ إلَّا بِعَقْدٍ وَوَطْءٍ حَلَالٍ وَطَلَاقٍ وَانْقِضَاءِ عِدَّةٍ مِنْ عَقْدِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ عَنْ حُرْمَةٍ إلَى إبَاحَةٍ فَلِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَوْقَعْنَا الطَّلَاقَ بِالْكِنَايَاتِ وَإِنْ بَعُدَتْ حَتَّى أَوْقَعَهُ مَالِكٌ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَجَمِيعِ الْأَلْفَاظِ إذَا قَصَدَ بِهَا الطَّلَاقَ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ مِنْ الْحِلِّ فَيَكْفِي فِيهِ أَدْنَى سَبَبٍ وَلَمْ يَجُزْ النِّكَاحُ بِكُلِّ لَفْظٍ بَلْ بِمَا فِيهِ قُرْبٌ مِنْ مَقْصُودِ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ مِنْ الْحُرْمَةِ إلَى الْحِلِّ وَجَوَّزْنَا الْبَيْعَ بِجَمِيعِ الصِّيَغِ وَالْأَفْعَالِ الدَّالَّةِ عَلَى الرِّضَى بِنَقْلِ الْمَالِكِ فِي الْعَرْضَيْنِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي السِّلَعِ الْإِبَاحَةُ حَتَّى تُمْلَكَ بِخِلَافِ النِّسَاءِ الْأَصْلُ فِيهِنَّ التَّحْرِيمُ حَتَّى يُعْقَدَ عَلَيْهِنَّ بِمِلْكٍ أَوْ نِكَاحٍ وَلِعُمُومِ الْحَاجَةِ لِلْبَيْعِ وَلِقُصُورِهِ فِي الِاحْتِيَاطِ عَنْ الْفُرُوجِ فَإِذَا أَحَطْت بِهَذِهِ الْقَوَاعِدِ ظَهَرَ لَك سَبَبُ اخْتِلَافِ مَوَارِدِ الشَّرْعِ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ وَسَبَبُ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ وَنَشَأَتْ لَك الْفُرُوقُ وَالْحِكَمُ وَالتَّعَالِيلُ.
(الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُعْسِرِ بِالدَّيْنِ يُنْظَرُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُعْسِرِ بِنَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ لَا يُنْظَرُ)
اعْلَمْ أَنَّ الْمُعْسِرَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه يُفْسَخُ عَلَيْهِ نِكَاحُهُ بِطَلَاقٍ فِي حَقِّ مَنْ ثَبَتَ لَهَا الْإِنْفَاقُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه لَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ بِالْإِعْسَارِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ إنْظَارَ الْمُعْسِرِ بِالدَّيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] فَهَهُنَا أَوْلَى لِأَنَّ بَقَاءَ الزَّوْجِيَّةِ مَطْلُوبٌ لِصَاحِبِ الشَّرْعِ وَقِيَاسًا عَلَى النَّفَقَةِ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي فَإِنَّهُ لَا تَطْلُقُ بِهَا إجْمَاعًا وَلِأَنَّ عَجْزَهُ عَنْ نَفَقَةِ أُمِّ وَلَدِهِ لَا يُوجِبُ بَيْعَهَا وَلَا خُرُوجَهَا عَنْ مِلْكِهِ فَكَذَلِكَ الزَّوْجَةُ
(وَالْجَوَابُ) عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّا لَمْ نُلْزِمْهُ النَّفَقَةَ مَعَ الْعُسْرَةِ وَهُوَ نَظِيرُ الْإِلْزَامِ بِالدَّيْنِ وَإِنَّمَا أَمَرْنَاهُ بِرَفْعِ ضَرَرٍ يَقْدِرُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه بِسَبَبِ أَنَّ الزِّنَى مَطْلُوبُ الْعَدَمِ وَالْإِعْدَامِ فَلَوْ رُتِّبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَقَاصِدِ لَكَانَ مَطْلُوبَ الْإِيجَادِ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ تَحْرِيمٌ فِي أَثَرِ الْمُصَاهَرَةِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ)
اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ عَلَى أَنَّ وَطْءَ الْأُمِّ بِالْعَقْدِ أَوْ الْمِلْكِ أَوْ الشُّبْهَةِ يُحَرِّمُ بِنْتَهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] لِأَنَّ الْوَطْءَ هُوَ الْأَصْلُ فِي الدُّخُولِ وَاخْتَلَفُوا فِي التَّلَذُّذِ بِمَا دُونَ الْوَطْءِ فَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمِثْلُ الْوَطْءِ اللَّمْسُ لِلَّذَّةِ لِأَنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ مِثْلُهُ يَحِلُّ بِحِلِّهِ وَيَحْرُمُ بِحُرْمَتِهِ وَيَدْخُلُ تَحْتَ عُمُومِهِ وَقَالَ أَبُو الطَّاهِرِ مِنْ أَصْحَابِنَا اللَّمْسُ لِلَّذَّةِ مِنْ الْبَالِغِ يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ وَمِنْ غَيْرِ الْبَالِغِ قَوْلَانِ وَبِغَيْرِ لَذَّةٍ لَا يَنْشُرُ مُطْلَقًا وَفِي نَظَرِ الْبَالِغِ مَا عَدَا الْوَجْهَ مِنْ بَاطِنِ الْجَسَدِ لِلَّذَّةِ قَوْلَانِ الْمَشْهُورُ يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ لِأَنَّهُ أَحَدُ الْحَوَاسِّ وَالشَّاذُّ لَا يَنْشُرُ وَلَا يُحَرِّمُ النَّظَرُ إلَى الْوَجْهِ اتِّفَاقًا وَفِي الْأَحْكَامِ لِابْنِ الْعَرَبِيِّ وَأَمَّا النَّظَرُ فَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُحَرِّمُ وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يُحَرِّمُ لِأَنَّهُ فِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ شَبَهُهُ فِي الزِّنَى ذَرِيعَةُ الذَّرِيعَةِ لَكِنَّ الْأَمْوَالَ تَارَةً يَغْلِبُ فِيهَا التَّحْلِيلُ وَتَارَةً يَغْلِبُ فِيهَا التَّحْرِيمُ فَأَمَّا الْفُرُوجُ فَقَدْ اتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ فِيهَا عَلَى تَغْلِيبِ التَّحْرِيمِ فَكَمَا أَنَّ النَّظَرَ لَا يَحِلُّ إلَّا إذَا حَلَّ أَصْلُهُ اللَّمْسُ وَالْوَطْءُ بِعَقْدِ نِكَاحٍ أَوْ شِرَاءٍ وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ إذَا حَرُمَ أَصْلُهُ. اهـ
وَفِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ وَالنَّظَرُ عِنْدَ مَالِكٍ كَاللَّمْسِ إذَا كَانَ نَظَرَ تَلَذُّذٍ إلَى أَيِّ عُضْوٍ كَانَ وَفِيهِ عَنْهُ خِلَافٌ وَوَافَقَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي النَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ فَقَطْ وَقَالَ الْأَصْلُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عِنْدَهُ إلَّا أَنْ يُنْزِلَ لِعَدَمِ إفْضَائِهِ إلَى الْمَقْصِدِ الَّذِي هُوَ الْوَطْءُ وَهُوَ إنَّمَا حَرُمَ تَحْرِيمَ الْوَسَائِلِ وَالْوَسِيلَةُ إذَا لَمْ تُفْضِ لِمَقْصِدِهَا سَقَطَ اعْتِبَارُهَا وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ التَّحْرِيمَ بِالْمُلَامَسَةِ لِلَّذَّةِ وَالنَّظَرِ مُطْلَقًا وَفِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ الْمُخْتَارُ عِنْدَهُ وَقَوْلُهُ الثَّانِي لَمْ يُوجِبْ فِي النَّظَرِ شَيْئًا وَوَاجِبٌ فِي اللَّمْسِ. اهـ
(تَنْبِيهٌ) قَالَ الْأَصْلُ اعْتَبَرَ مَالِكٌ قَاعِدَةَ حَمْلِ اللَّفْظِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى عُرْفِ الْمُتَكَلِّمِ بِهِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي مَشْهُورِ مَذَاهِبِهِمْ فِي آيَةِ التَّحْلِيلِ لِلزَّوْجَةِ بَعْدَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثَ حَيْثُ حُمِلَ النِّكَاحُ فِيهَا عَلَى الْوَطْءِ الْحَلَالِ وَجَعَلَهُ شَرْطًا لِمُوَافَقَتِهَا قَاعِدَةَ الِاحْتِيَاطِ فِي الْفُرُوجِ وَخَالَفَهَا فِي قَوْله تَعَالَى فِي أُمَّهَاتِ الرَّبَائِبِ {اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] حَيْثُ حَمَلَ الدُّخُولَ فِيهَا عَلَى خِلَافِ الْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ مِنْ الدُّخُولِ الْمُبَاحِ فَاعْتُبِرَ مُطْلَقُ الْوَطْءِ وَلَوْ حَرَامًا لِمُعَارِضِ الِاحْتِيَاطِ فِي الْفُرُوجِ اهـ. وَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ يَحْتَاجُ مَا قَالَهُ إلَى نَظَرٍ. اهـ
قُلْت لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ النِّكَاحَ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ حَقِيقَةً فِي وَطْءٍ مُطْلَقًا لَا فِي خُصُوصِ الْوَطْءِ الْحَلَالِ فَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22]