الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَيْهِ بِهِ.
وَأَمَّا مَا سَلِمَ مِنْ هَذِهِ الْمَوَانِعِ فَهُوَ الْقَابِلُ لِلْمِلْكِ وَالتَّصَرُّفِ بِأَسْبَابِ الْمِلْكِ عَلَى اخْتِلَافِهَا وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ مَعْرُوفَةٌ كَالْبُرِّ وَالْأَنْعَامِ وَغَيْرِهِمَا فَهَذَا تَلْخِيصُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ وَهَا هُنَا قَاعِدَةٌ أُخْرَى تُلَاحَظُ فِي هَذَا الْفَرْقِ وَهِيَ إنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ كَانَ مِنْ الْعُقُودِ كَالْبَيْعِ أَوْ غَيْرِ الْعُقُودِ كَالتَّعْزِيرَاتِ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ مَقْصُودُهُ فَإِنَّهُ لَا يُشْرَعُ وَيَبْطُلُ إنْ وَقَعَ، فَلِذَلِكَ امْتَنَعَ بَيْعُ الْحُرِّ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَنِكَاحِ الْمَحْرَمِ وَذَوَاتِ الْمَحْرَمِ فَإِنَّ مَقَاصِدَ هَذِهِ الْعُقُودِ لَا تَحْصُلُ بِهَا.
وَكَذَلِكَ الْإِجَارَةُ عَلَى الْأَفْعَالِ الْمُحَرَّمَةِ وَتَعْزِيرُ مَنْ يَعْقِلُ الزَّجْرَ كَالسَّكْرَانِ وَالْمَجْنُونِ وَنَحْوِهِمَا فَإِنَّ الزَّجْرَ لَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ إنَّمَا هُوَ انْتِفَاعُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاوِضَيْنِ بِمَا يَصِيرُ إلَيْهِ فَإِذَا كَانَ عَدِيمَ الْمَنْفَعَةِ أَوْ مُحَرَّمًا لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ فَيَبْطُلُ عَقْدُهُ وَالْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهِ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ، فَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ أَيْضًا
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
لَا مَنْفَعَةَ لَهُ كَالْخُشَاشِ وَمَا لَهُ مَنْفَعَةٌ مُحَرَّمَةٌ كَالْخَمْرِ وَالْمُطْرِبَاتِ الْمُحَرَّمَةِ وَمَا لَهُ مَنْفَعَةٌ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ آدَمِيٍّ كَالْحُرِّ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِنَفْسِهِ وَكَأُمِّ الْوَلَدِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهَا بِالْعِتْقِ وَكَالْوَقْفِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِهِ فَلَا يَقْبَلُ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ الْمِلْكَ أَمَّا
الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْإِذْنَ فِيهِ عَبَثٌ، وَأَمَّا
الثَّانِي فَلِأَنَّ الْإِذْنَ فِيهِ مُتَنَاقِضٌ، وَأَمَّا
الثَّالِثُ فَلِأَنَّ الْإِذْنَ فِيهِ مُبْطِلٌ لِذَلِكَ الْحَقِّ وَبَقِيَ
النَّوْعُ الرَّابِعُ وَهُوَ مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً وَلَا تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ آدَمِيٍّ فَيَقْبَلُ الْمِلْكَ لِأَجْلِ مَنْفَعَتِهِ إلَّا أَنَّهُ قِسْمَانِ قِسْمٌ يَمْتَنِعُ صَوْنًا لِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ عَنْ الْفَسَادِ كَكَلْبِ الصَّيْدِ وَإِجَارَةِ الْأَرْضِ إذَا قُلْنَا بِإِنَّهَا لَا تُؤَجَّرُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَدِيمًا مِنْ الْأُمُورِ الْمُنَافِيَةِ لِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَلِذَلِكَ قَالَ عليه السلام «مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ يَمْنَحْهَا أَخَاهُ» فَإِنَّ الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ عَادِيٌّ وَقِسْمٌ سَلِمَ مِنْ هَذِهِ الْمَوَانِعِ فَهُوَ الْقَابِلُ لِلْمِلْكِ وَالتَّصَرُّفُ بِأَسْبَابِ الْمِلْكِ عَنْ اخْتِلَافِهَا وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ مَعْرُوفَةٌ كَالْبُرِّ وَالْأَنْعَامِ وَغَيْرِهِمَا
(الْأَمْرُ الثَّانِي) قَاعِدَةُ إنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ كَانَ مِنْ الْعُقُودِ كَالْبَيْعِ أَوْ غَيْرِ الْعُقُودِ كَالتَّعْزِيرَاتِ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ مَقْصُودُهُ لَا يُشْرَعُ وَيَبْطُلُ إنْ وَقَعَ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ إنَّمَا هُوَ انْتِفَاعُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَارِضَيْنِ بِمَا يَصِيرُ إلَيْهِ فَإِذَا كَانَ عَدِيمَ الْمَنْفَعَةِ أَوْ مُحَرَّمَهَا أَوْ تَعَلَّقَ بِمَنْفَعَتِهِ حَقُّ الْغَيْرِ لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ فَيَبْطُلُ عَقْدُهُ وَالْمُعَارَضَةُ عَلَيْهِ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ كَمَا يَمْتَنِعُ نِكَاحُ ذَوَاتِ الْمَحْرَم؛ لِأَنَّ مَقَاصِدَ عَقْدِهِ لَا تَحْصُلُ بِهَا وَيَمْتَنِعُ تَعْزِيرُ مَنْ لَا يَعْقِلُ الزَّجْرَ كَالسَّكْرَانِ وَالْمَجْنُونِ وَنَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّ الزَّجْرَ لَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ]
(الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ)
وَهُوَ أَنَّ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عِبَارَةً عَمَّا اجْتَمَعَ فِيهِ شُرُوطٌ خَمْسَةٌ أَرْبَعَةٌ مِنْهَا فِي صِحَّتِهِ وَجَوَازِهِ وَلُزُومِهِ مَعًا
(الْأَوَّلُ) الطَّهَارَةُ لِقَوْلِهِ عليه السلام فِي الصَّحِيحَيْنِ «إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهَا يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَيُسْتَصْبَحُ بِهَا فَقَالَ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا»
الشَّرْطُ (الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ مُنْتَفَعًا بِهِ انْتِفَاعًا شَرْعِيًّا حَالًا أَوْ مَآلًا لِيَصِحَّ مُقَابَلَةُ الثَّمَنِ لَهُ
(الشَّرْطُ الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ حَذَرًا مِنْ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَالسَّمَكِ فِي الْمَاءِ وَنَحْوِهِمَا لِنَهْيِهِ عليه السلام عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ
(الشَّرْطُ الرَّابِعُ) أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا لِلْعَاقِدَيْنِ لِنَهْيِهِ عليه السلام عَنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ
(وَالشَّرْطُ الْخَامِسُ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ وَالْمَبِيعُ مَمْلُوكَيْنِ لِلْعَاقِدِ وَالْمَعْقُودِ لَهُ أَوْ مَنْ أُقِيمَا مَقَامَهُ شَرْطٌ فِي الْجَوَازِ وَاللُّزُومِ مَعًا دُونَ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْفُضُولِيِّ وَشِرَاءَهُ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا عَلِمَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ فُضُولِيٌّ أَمْ لَا كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ إلَّا أَنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَغَيْرُ لَازِمٍ يَتَوَقَّفُ لُزُومُهُ عَلَى رِضَا الْمَالِكِ كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ وَغَيْرِهِ وَبَقِيَ شَرْطٌ سَادِسٌ أَخَذَهُ عبق مِنْ قَوْلِ خَلِيلٍ فِي الْمُخْتَصَرِ وَوَقْفُ مَرْهُونٍ عَلَى رِضَا مُرْتَهِنِهِ اهـ. وَعَدَّهُ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ لِغَيْرِ الْعَاقِدِ وَالْمَعْقُودِ لَهُ أَوْ مَنْ أُقِيمَا مَقَامَهُ حَقٌّ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ثَمَنًا أَوْ مُثَمَّنًا وَتَعَقَّبَهُ الشَّيْخُ مُصْطَفَى الرَّمَاصِيُّ كَمَا فِي الْبُنَانِيِّ بِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي اللُّزُومِ فَقَطْ أَيْ دُونَ الصُّحْبَةِ، وَكَذَا دُونَ الْجَوَازِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ قَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَيْ خَلِيلًا لِذَلِكَ لَمْ يَجْرِ فِيهِ عَلَى أُسْلُوبِ مَا قَبْلَهُ فَلَمْ يُدْرِجْهُ فِي شُرُوطِ الصِّحَّةِ اهـ. يَعْنِي الْأَرْبَعَةَ الْأُوَلَ فَافْهَمْ وَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عِبَارَةٌ عَمَّا فُقِدَ مِنْهُ أَحَدُ شُرُوطِ الْجَوَازِ الْخَمْسَةِ الْأُوَلِ فَتَحَقُّقُ الشُّرُوطِ الْخَمْسَةِ وَعَدَمُ تَحَقُّقِهَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَصْلٌ)
فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى)
فِي الشَّرْطِ الْأَوَّلِ قَالَ حَفِيدِ بْنِ رُشْدٍ فِي بِدَايَتِهِ النَّجَاسَاتُ عَلَى ضَرْبَيْنِ الضَّرْبُ الْأَوَّلُ مَا لَا تَدْعُوا الضَّرُورَةُ إلَى اسْتِعْمَالِهِ فَاتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِهَا وَهِيَ أَنْوَاعٌ
(الْأَوَّلُ) الْخَمْرُ وَلِذَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا نَجِسَةٌ إلَّا خِلَافًا شَاذًّا
(الثَّانِي) الْمَيْتَةُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا الَّتِي تَقْبَلُ الْحَيَاةَ
(الثَّالِثُ) الْخِنْزِيرُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ الَّتِي تَقْبَلُ الْحَيَاةَ وَاخْتُلِفَ فِي
تُحَصِّلُ فَرْقًا بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ.
(الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ) فَقَاعِدَةُ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ شُرُوطٌ خَمْسَةٌ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مَا فُقِدَ مِنْهُ أَحَدُ هَذِهِ الشُّرُوطِ الْخَمْسَةِ فَالشُّرُوطُ الْخَمْسَةُ هِيَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَهِيَ (الطَّهَارَةُ) لِقَوْلِهِ عليه السلام فِي الصَّحِيحَيْنِ «إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ، فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهَا يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَيُسْتَصْبَحُ بِهَا فَقَالَ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَبَاعُوهَا
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَى قَوْلِهِ وَفِي الشُّرُوطِ مَسْأَلَتَانِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الِانْتِفَاعِ بِشَعْرِهِ فَأَجَازَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَنَعَهُ أَصْبَغُ
(الضَّرْبُ الثَّانِي) مَا تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَى اسْتِعْمَالِهِ كَالتَّرْجِيعِ وَالزِّبْلِ الَّذِي يُتَّخَذُ فِي الْبَسَاتِينِ فَاخْتُلِفَ فِي بَيْعِهِ فِي الْمَذْهَبِ فَقِيلَ بِمَنْعِهِ مُطْلَقًا، وَقِيلَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْعَذِرَةِ وَالزِّبْلِ أَعْنِي إبَاحَةَ الزِّبْلِ، وَمَنْعِ الْعَذِرَةِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يُتَّخَذُ مِنْ أَنْيَابِ الْفِيلِ لِاخْتِلَافِهِمْ هَلْ هُوَ نَجِسٌ أَمْ لَا فَمَنْ رَأَى أَنَّهُ نَابٌ جَعَلَهُ مَيْتَةً، وَمَنْ رَأَى أَنَّهُ قَرْنٌ مَعْكُوسٌ جَعَلَ حُكْمَهُ حُكْمَ الْقَرْنِ وَالْخِلَافُ فِيهِ فِي الْمَذْهَبِ اهـ بِتَصَرُّفٍ.
قَالَ الْبُنَانِيُّ: وَقَدْ حَصَّلَ الْحَطَّابُ فِي بَيْعِ الْعَذِرَةِ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ الْمَنْعُ لِمَالِكٍ عَلَى فَهْمِ الْأَكْثَرِ لِلْمُدَوَّنَةِ وَالْكَرَاهَةُ عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ وَفَهْمِ أَبِي الْحَسَنِ لَهَا وَالْجَوَازُ لِابْنِ الْمَاجِشُونِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الِاضْطِرَارِ لَهَا فَيَجُوزُ وَعَدَمُهُ فَيُمْنَعُ لِأَشْهَبَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ.
وَأَمَّا الزِّبْلُ فَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ قِيَاسُهُ عَلَى الْعَذِرَةِ فِي الْمَنْعِ عِنْدَ مَالِكٍ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ بِجَوَازِهِ وَقَوْلُ أَشْهَبَ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْمُشْتَرِي أَعْذَرُ مِنْ الْبَائِعِ وَتُزَادُ الْكَرَاهَةُ عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْعَذِرَةِ وَفَهْمِ أَبِي الْحَسَنِ اُنْظُرْ الْحَطَّابَ رحمه الله وَفِي التُّحْفَةِ:
وَنَجِسُ صَفْقَتِهِ مَحْظُورَةٌ
…
وَرَخَّصُوا فِي الزِّبْلِ لِلضَّرُورَةِ
وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ الْعَمَلَ عَلَى بَيْعِ الزِّبْلِ دُونَ الْعَذِرَةِ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ لُبٍّ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْمِعْيَارِ أَوَّلَ نَوَازِلِ الْمُعَاوَضَاتِ وَهُوَ الَّذِي بِهِ الْعَمَلُ عِنْدَنَا لِلضَّرُورَةِ اهـ. مِنْهُ بِلَفْظِهِ وَفِي حَاشِيَةِ كنون قَالَ الْحَطَّابُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَنْعِ بَيْعِ النَّجِسِ نَهْيُهُ تَعَالَى عَنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَحْصُلُ بِهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُسْلِمِ أَصْلًا أَوْ حُكْمًا وَدَلِيلُهُ مِنْ السُّنَّةِ حَدِيثُ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ «إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ» الْحَدِيثَ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِ «إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهَا تُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ وَيُسْتَصْبَحُ بِهَا فَقَالَ لَا هُوَ حَرَامٌ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ إنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ شُحُومَهَا جَمَّلُوهَا، ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ» وَمَعْنَى أَجْمَلُوهُ أَذَابُوهُ، وَقَوْلُهُ حَرَّمَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ صَحَّتْ الرِّوَايَةُ بِإِسْنَادِهِ إلَى ضَمِيرِ الْوَاحِدِ تَأَدُّبًا مِنْهُ عليه الصلاة والسلام أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اسْمِ اللَّهِ فِي ضَمِيرِ الِاثْنَيْنِ كَمَا رَدَّ عَلَى الْخَطِيبِ قَوْلَهُ، وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَالَ لَهُ بِئْسَ خَطِيبُ الْقَوْمِ قُلْ، وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ اُنْظُرْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. وَفِي الْإِكْمَالِ مَا نَصُّهُ.
وَأَمَّا شَحْمُ الْمَيْتَةِ فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ مِنْ الْمَيْتَةِ بِشَيْءٍ أَلْبَتَّةَ؛ لِأَنَّهَا نَجِسَةُ الْعَيْنِ وَلِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِالْمَيْتَةِ إلَّا مَا خَصَّصَتْهُ السُّنَّةُ مِنْ الْجِلْدِ وَأَجَازَ عَطَاءٌ الِاسْتِصْبَاحَ بِشَحْمِهَا وَأَنْ يُطْلَى بِهِ السُّفُنُ اهـ. وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ الْجَهْمِ وَالْأَبْهَرِيِّ لَا بَأْسَ بِوَقِيدِهِ إذَا تُحُفِّظَ مِنْهُ اهـ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ جَوَازُ الْبَيْعِ وَالْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ رَاجِعْ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ وَيُنْتَفَعُ بِمُتَنَجِّسٍ إلَخْ وَمِنْ شَحْمِ الْمَيْتَةِ مَا يُجْلَبُ مِنْ بِلَادِ الرُّومِ مِنْ الصَّابُونِ وَالشَّمْعِ الْمَصْنُوعَيْنِ مِنْ شَحْمِ غَيْرِ الْحَيَوَانِ الْبَحْرِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ)
فِي الشَّرْطِ الثَّانِي قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ يَكْفِي أَصْلُ الْمَنْفَعَةِ وَإِنْ قَلَّتْ وَقَلَّتْ قِيمَتُهَا فَيَصِحُّ بَيْعُ التُّرَابِ وَالْمَاءِ اهـ.
أَيْ بِمَكَانِهَا الْمُعَدِّ لَهُمَا وَهُوَ التَّلُّ وَالْبَحْرُ وَقَيَّدَ الْمَحَلِّيُّ وَالرَّمْلِيُّ وَابْنُ حَجَرٍ صِحَّةَ بَيْعِهِمَا فِيهِ بِأَنْ يَجُوزَ الْمَاءُ فِي قِرْبَةٍ مَثَلًا أَوْ يُكَوَّمَ التُّرَابُ فَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ بَاعَ قِرْبَةَ مَاءٍ مَثَلًا عَلَى شَطِّ الْبَحْرِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْبُجَيْرَمِيِّ عَلَى شَرْحِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ عَلَى الْمَنْهَجِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَلَا يَقْدَحُ فِيهِ إمْكَانُ تَحْصِيلِ مِثْلِهِمَا بِلَا تَعَبٍ وَلَا مُؤْنَةٍ وَمَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ كَالْحَشَرَاتِ الَّتِي لَا تَنْفَعُ وَهِيَ صِغَارُ دَوَابِّ الْأَرْضِ كَحَيَّةٍ وَعَقْرَبٍ وَفَأْرَةٍ وَخُنْفُسَاءَ لَا يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ وَلَا بَيْعُهُ إذْ لَا نَفْعَ فِي الْحَشَرَاتِ الْمَذْكُورَةِ يُقَابِلُ بِالْمَالِ وَإِنْ ذَكَرَ لَهَا مَنَافِعَ فِي الْخَوَاصِّ بِخِلَافِ مَا يَنْفَعُ كَضَبٍّ لِمَنْفَعَةِ أَكْلِهِ وَعَلَّقَ لِمَنْفَعَةِ امْتِصَاصِ الدَّمِ كَمَا فِي شَرْحِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ عَلَى الْمَنْهَجِ قَالَ الْبُنَانِيُّ ذَكَرَ الْمَازِرِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُمَا إنَّ مِثْلَ مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ مَا مَنَافِعُهُ كُلُّهَا مُحَرَّمَةٌ كَالدَّمِ أَوْ جُلُّ الْمَقْصُودِ مِنْهَا مُحَرَّمٌ كَالزَّيْتِ النَّجِسِ بِخِلَافِ مَا مَنَافِعُهُ كُلُّهَا أَوْ جُلُّهَا مُحَلَّلَةٌ كَالزَّبِيبِ فَإِنْ كَانَتْ الْمَنَافِعُ الْمَقْصُودَةُ مِنْهَا مُحَلَّلٌ وَمِنْهَا مُحَرَّمٌ كَكَلْبِ الصَّيْدِ أُشْكِلَ الْأَمْرُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِالْمَمْنُوعِ اهـ. وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ يَعْنِي خَلِيلًا رحمه الله لِإِشْكَالِ
وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا»
(الشَّرْطُ الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ مُنْتَفَعًا بِهِ لِيَصِحَّ مُقَابَلَةُ الثَّمَنِ لَهُ
(الشَّرْطُ الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ حَذَرًا مِنْ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَالسَّمَكِ فِي الْمَاءِ وَنَحْوِهَا لِنَهْيِهِ عليه السلام عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ
(الشَّرْطُ الرَّابِعُ) أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ لِنَهْيِهِ عليه السلام عَنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ
(الشَّرْطُ الْخَامِسُ) أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ وَالْمَبِيعُ مَمْلُوكَيْنِ لِلْعَاقِدِ وَالْمَعْقُودِ لَهُ أَوْ مَنْ أُقِيمَا مَقَامَهُ فَهَذِهِ شُرُوطٌ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ دُونَ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْفُضُولِ وَشِرَاءَهُ مُحَرَّمٌ وَفِي الشُّرُوطِ مَسْأَلَتَانِ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى)
فِي الشَّرْطِ الثَّانِي قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ يَكْفِي أَصْلُ الْمَنْفَعَةِ وَإِنْ قَلَّتْ وَقَلَّتْ قِيمَتُهُمَا
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى إلَى آخِرِهَا)
قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ فَرْقَ الْحَنَفِيَّةِ يَنْدَفِعُ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّهَا أَرْضَعَتْ كَبِيرًا فَحَرُمَ عَلَيْهَا لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا يَنْدَفِعُ بِذَلِكَ لِجَعْلِ رَضَاعِ الْكَبِيرِ لِقَصْدِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
هَذَا لَمْ يَقْنَعْ بِأَخْذِهِ مِنْ شَرْطِ الِانْتِفَاعِ لِخَفَائِهِ وَهُوَ وَاضِحٌ اهـ.
أَيْ فَاحْتَاجَ إلَى زِيَادَةِ شَرْطِ الْإِبَاحَةِ لِكَوْنِ أَخْذِهِ مِنْهُ ظَاهِرًا لَا خَفَاءَ فِيهِ وَفِي حَاشِيَةِ كنون وَقَوْلِ الْبُنَانِيِّ مَا مَنَافِعُهُ كُلُّهَا مُحَرَّمَةٌ أَيْ فَلَا يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ وَلَا بَيْعُهُ وَمِثْلُهُ التَّدَاوِي بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَآلَةِ اللَّهْوِ، وَقَالَ الْحَطَّابُ مَثَّلَهُ الْقَرَافِيُّ بِالْخَمْرِ وَالْمُطْرِبَاتِ، وَقَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ، وَمَنْ اشْتَرَى مِنْ آلَةِ اللَّهْوِ شَيْئًا كَبُوقٍ وَغَيْرِهِ فُسِخَ بَيْعُهُ وَأُدِّبَ أَهْلُهُ وَفِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَشْيَاءَ مِنْهَا الصُّوَرُ وَالْقِرْدُ وَآلَةُ الْمَلَاهِي اهـ.
وَقَالَ ابْنُ جُزَيٍّ فِي قَوَانِينِهِ مَا نَصُّهُ وَإِنْ كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ لَا تَجُوزُ فَهِيَ كَالْعَدَمِ كَآلَاتِ اللَّهْوِ اهـ. وَفِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِحَفِيدِ ابْنِ رُشْدٍ وَمِنْ مَسَائِلِهِمْ الْمَشْهُورَةِ فِي هَذَا الْبَابِ اخْتِلَافُهُمْ فِي جَوَازِ بَيْعِ لَبَنِ الْآدَمِيَّةِ إذَا حُلِبَ فَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يُجَوِّزَانِهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُجَوِّزُهُ وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ تَعَارُضُ أَقْيِسَةِ الشَّبَهِ وَذَلِكَ أَنَّ عُمْدَةَ الْمُجِيزِ أَنَّهُ لَبَنٌ أُبِيحَ شُرْبُهُ فَأُبِيحَ بَيْعُهُ قِيَاسًا عَلَى لَبَنِ سَائِرِ الْأَنْعَامِ وَعُمْدَةُ الْمَانِعِ أَنَّ الْإِنْسَانَ حَيَوَانٌ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ لَبَنِهِ قِيَاسًا عَلَى لَبَنِ الْخِنْزِيرِ وَالْأَتَانِ وَإِنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ شُرْبُهُ لِمَكَانِ ضَرُورَةِ الطِّفْلِ إلَيْهِ اهـ مُلَخَّصًا.
وَقَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ إثْرَ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ أَوْ يَصِحُّ بَيْعُ لَبَنِ الْآدَمِيَّاتِ أَيْ فِي مَذْهَبِنَا، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ قِيَاسًا عَلَى لَبَنِ الْغَنَمِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ - لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا أَكْلُهُ؛ لِأَنَّهُ جُزْءُ حَيَوَانٍ مُنْفَصِلٍ عَنْهُ فِي حَيَاتِهِ فَيَحْرُمُ أَكْلُهُ فَيَمْتَنِعُ بَيْعُهُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ لَبَنِ الْغَنَمِ بِشَرَفِ الْآدَمِيِّ أَيْ فَلَا يَتِمُّ الْقِيَاسُ الْمُتَقَدِّمُ وَلَا يُرَدُّ إبَاحَةُ لَبَنِهِ؛ لِأَنَّهُ اُسْتُثْنِيَ مِنْهُ مِنْ الرَّضَاعِ لِلضَّرُورَةِ وَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ بِخِلَافِ الْأَنْعَامِ بِدَلِيلِ تَحْرِيمِ لَحْمِهِ تَشْرِيفًا لَهُ نَعَمْ يَنْدَفِعُ الْفَرْقُ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا أَرْضَعَتْ كَبِيرًا فَحَرُمَ عَلَيْهَا فَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمَا فَعَلَتْ ذَلِكَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهَا أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فَكَانَ ذَلِكَ إجْمَاعًا عَلَى إلْغَاءِ هَذَا الْفَرْقِ اهـ.
قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا يَنْدَفِعُ بِذَلِكَ لِجَعْلِ رَضَاعِ الْكَبِيرِ لِقَصْدِ ثُبُوتِ التَّحْرِيمِ دَاخِلًا فِيمَا اُسْتُثْنِيَ لِلضَّرُورَةِ اهـ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ)
فِي الشَّرْطِ الْخَامِسِ قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ مُقْتَضَى مَا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ إنَّ هَذَا الشَّرْطَ شَرْطٌ فِي الصِّحَّةِ أَيْ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ رضي الله عنهما، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ شَرْطٌ فِي الشِّرَاءِ فِي صِحَّتِهِ دُونَ الْبَيْعِ اهـ. وَأَطْلَقَ الْأَصْحَابُ صِحَّةَ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ وَشِرَائِهِ وَالْأَصْلُ بَعْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الْجَوَاهِرِ إثْرَ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ، وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً لَيْسَتْ فِي مِلْكِهِ وَيُوجِبُ عَلَى نَفْسِهِ تَحْصِيلَ ثَمَنِهَا؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ، وَقَالَ سَحْنُونٌ إنْ نَزَلَ ذَلِكَ فَلِرَبِّهَا إمْضَاءُ الْبَيْعِ كَمَنْ غَصَبَ سِلْعَةً وَالْمُشْتَرِي يَعْلَمُ بِالْغَصْبِ وَمَنَعَ أَشْهَبُ ذَلِكَ فِي الْغَصْبِ لِدُخُولِهِمَا عَلَى الْفَسَادِ وَالْغَرَرِ، وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ وَهُوَ أَيْ الْمَنْعُ الْقِيَاسُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَيْ مَسْأَلَتَيْ الْفُضُولِيِّ وَالْغَصْبِ اهـ. قَالَ ظَاهِرٌ، وَهَذَا النَّقْلُ يَقْتَضِي أَنَّ إطْلَاقَ الْأَصْحَابِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي غَيْرَ عَالِمٍ بِعَدَمِ الْمِلْكِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّ لَهُ الْإِمْضَاءَ أَمَّا إذَا عَلِمَ أَيْ بِعَدَمِ الْمِلْكِ فَلَا عَلَى هَذَا الْخِلَافِ أَيْ، فَلَيْسَ لَهُ الْإِمْضَاءُ اهـ.
وَفِي مُخْتَصَرِ خَلِيلٍ وَمِلْكُ غَيْرِ عَلَى رِضَاهُ، وَلَوْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي قَالَ عبق مَا حَاصِلُهُ أَيْ وَتَصَرُّفُ مِلْكِ غَيْرٍ أَيْ فِيهِ أَوَّلُهُ فَيَشْمَلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُمَا وَاحِدٌ كَمَا فِي الْإِرْشَادِ قَالَهُ التَّتَّائِيُّ وَالْمُعْتَمَدُ حُرْمَةُ بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ كَمَا قَالَ الْقَرَافِيُّ إنَّهُ الْمَشْهُورُ لَا جَوَازُهُ وَلَا بُدَّ بِهِ كَمَا لِلطَّرَّازِ قَالَهُ الْحَطَّابُ وَالْحَقُّ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْمَقَاصِدِ وَمَا يُعْلَمُ مِنْ حَالِ الْمَالِكِ إنَّهُ الْأَصْلَحُ لَهُ فَإِذَا تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ غَيْرٍ فَهُوَ لَازِمٌ مِنْ جِهَتِهِ مُنْحَلٌّ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ فَلَهُ إجَازَتُهُ، وَلَوْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِأَنَّهُ فُضُولِيٌّ وَيَطْلُبُ الْفُضُولِيَّ فَقَطْ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ بِإِجَازَتِهِ بَيْعَهُ صَارَ وَكِيلًا وَيَأْتِي فِي الْوَكَالَةِ وَطُولِبَ بِثَمَنٍ وَمُثَمَّنٍ مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِالْبَرَاءَةِ وَلَا طَلَبَ لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَهُ رَدُّهُ لَكِنْ بِالْقُرْبِ فَإِنْ سَكَتَ مَعَ الْعِلْمِ عَامًا فَلَا رَدَّ لَهُ، وَلَيْسَ لَهُ إلَّا طَلَبُ الثَّمَنِ فَإِنْ سَكَتَ مُدَّةَ الْحِيَازَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ اُنْظُرْ الْحَطَّابَ وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِثَلَاثَةِ قُيُودٍ
(أَحَدُهَا) أَنْ لَا يَكُونَ الْمَالِكُ حَاضِرًا بَيْعَ الْفُضُولِيِّ فَإِنْ حَضَرَهُ وَسَكَتَ لَزِمَهُ الْبَيْعُ فَإِنْ سَكَتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمَجْلِسِ الْحَاضِرِ لَهُ حَتَّى مَضَى عَامٌ وَنَحْوُهُ وَلَمْ يُطَالِبْ بِالثَّمَنِ فَلَا شَيْءَ لَهُ