الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَكَانَ الِاسْتِدْلَال بِذَلِكَ عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْقِيَافَةِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ اسْتِلَالًا صَحِيحًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لِتَعَذُّرِ وُجُودِ مِثْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمِثْلِ فِرَاسَتِهِ الْقَوِيَّةِ وَهَذَا سَبَبٌ عَظِيمٌ يُوجِبُ الْعُدُولَ عَنْ قِيَافَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى قِيَافَةِ غَيْرِهِ مِنْ الْآحَادِ وَهَذَا الْمَوْضِعُ سُؤَالًا وَجَوَابًا هُوَ الْمَقْصُودُ بِذِكْرِ هَذَا الْفَرْقِ لِأَجْلِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْغَرَابَةِ وَصُعُوبَةِ الْجَوَابِ فَذَكَرْته لِلتَّنْبِيهِ عَلَيْهِ سُؤَالًا وَجَوَابًا.
(الْفَرْقُ الْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُنَّ مِنْ النِّسَاءِ وَقَاعِدَةُ مَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُنَّ)
وَهُوَ أَنَّ كُلَّ امْرَأَتَيْنِ بَيْنَهُمَا مِنْ النَّسَبِ أَوْ الرَّضَاعِ مَا يَمْنَعُ تَنَاكُحَهُمَا لَوْ قُدِّرَ إحْدَاهُمَا رَجُلًا وَالْأُخْرَى أُنْثَى لَا يَجُوزُ بَيْنَهُمَا فِي الْوَطْءِ بِعَقْدٍ وَلَا مِلْكٍ قَالَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ حَنْبَلٍ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ - وَقَدْ خَرَجَ بِقَيْدَيْ النَّسَبِ وَالرَّضَاعِ الْمَرْأَةُ وَابْنَةُ زَوْجِهَا وَالْمَرْأَةُ وَأُمُّ زَوْجِهَا فَإِنَّهُ لَوْ فُرِضَ إحْدَاهُمَا رَجُلًا وَالْأُخْرَى امْرَأَةً لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِسَبَبِ أَنَّ الْمَرْأَةَ حِينَئِذٍ إمَّا أُمُّ امْرَأَةِ الرَّجُلِ أَوْ رَبِيبَتُهُ فَتَحْرُمُ عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ وَمَعَ ذَلِكَ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَإِذَا قُلْنَا مِنْ النَّسَبِ أَوْ الرَّضَاعِ مَا يَمْنَعُ التَّنَاكُحَ خَرَجَا مِنْ الضَّابِطِ وَبَقِيَ جَيِّدًا وَقَبْلَ خُرُوجِهِمَا كَانَ الضَّابِطُ غَيْرَ مَانِعٍ لِانْدِرَاجِهِمَا فِيهِ فَيَكُونُ بَاطِلًا وَفِي الضَّابِطِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْفَرْقُ الْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُنَّ مِنْ النِّسَاءِ وَقَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُنَّ)
قُلْت مَا قَالَهُ فِيهِ صَحِيحٌ غَيْرُ مَا عَلَّلَ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ بِسَبَبِ أَنَّ الْمَرْأَةَ حِينَئِذٍ إمَّا أُمُّ امْرَأَةِ الرَّجُلِ أَوْ رَبِيبَتُهُ فَإِنَّ قَوْلَهُ إمَّا أُمُّ امْرَأَةِ الرَّجُلِ لَا يَصِحُّ إلَّا عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْمَرْأَةَ رَجُلٌ وَأَنَّ أُمَّ زَوْجِهَا أُمُّ زَوْجَتِهِ فَيَتَعَيَّنُ الْمُعَرَّفُ وَهُوَ الْمُضَافُ إلَيْهِ وَحَقُّهُ أَنْ لَا يَتَعَيَّنَ لِأَنَّهُ إذًا تَعَيَّنَ بِتَعَيُّنِ فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ مُخْتَصٌّ بِالْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَأَمَّا الْأُولَى فَيَسْقُطُ عَنْهَا مِثْلُ هَذَا الِاعْتِرَاضِ لِلِاشْتِرَاكِ فِي لَفْظِ رَبِيبَتِهِ فَإِنَّهُ يُقَالُ عَلَى زَوْجَةِ الْأَبِ فِي الْعُرْفِ الْجَارِي الْآنَ وَعَلَى بِنْتِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَمَا قَالَهُ فِي الْفَرْقِ بَعْدَهُ صَحِيحٌ غَيْرُ مَا قَالَهُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْإِبَاحَةِ الْمُطْلَقَةِ وَمُطْلَقِ الْإِبَاحَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ عِنْدِي بِصَحِيحٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ مَعَهُ فِيهِ وَجَمِيعُ مَا قَالَهُ فِي الْفُرُوقِ السَّبْعَةِ بَعْدَ هَذَا صَحِيحٌ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
لَا مَدْخَلَ لَهُمْ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ وَلَا فِي مِيرَاثِ الْوَلَاءِ وَلَا فِي صَلَاةِ الْجَنَائِزِ لِاخْتِصَاصِ هَذِهِ الْأَبْوَابِ بِالْعَصَبَةِ، وَأَخُ الْأُمِّ خَارِجٌ عَنْ الْعَصَبَةِ وَحِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِ الْجَدِّ لِلْإِخْوَةِ أَنْتُمْ عَاجِزُونَ عَنْ دَفْعِ هَؤُلَاءِ وَأَنَا لَا أَعْجِزُ عَنْ دَفْعِهِمْ وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُعَارِضَهُمْ بِذَلِكَ بَقِيَتْ حُجَّةُ الْأُخُوَّةِ بِالْبُنُوَّةِ وَتَقْدِيمُهَا عَلَى الْأُبُوَّةِ سَالِمَةً عَنْ الْمُعَارِضِ فَقُدِّمُوا فِي الْأَبْوَابِ الثَّلَاثَةِ بِخِلَافِ مِيرَاثِ النَّسَبِ. اهـ
بِتَصَرُّفٍ وَتَوْضِيحٍ لِلْمُرَادِ وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ قُلْت وَيَبْقَى سِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ بَابِ الْحَضَانَةِ وَبَيْنَ الْأَبْوَابِ الْأَرْبَعَةِ مُفْتَقِرًا لِلْبَيَانِ {وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 8] فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَكَالَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْوِلَايَةِ فِي النِّكَاحِ]
(الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَكَالَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْوِلَايَةِ فِي النِّكَاحِ)
وَذَلِكَ أَنَّ الْأَصْلَ قَالَ لَمْ أَجِدْ لِمَالِكٍ وَلَا لِأَصْحَابِهِ نَصًّا فِي أَنَّ الْوَكِيلَيْنِ إذَا بَاعَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ سِلْعَةً وَاتَّصَلَ بِالثَّانِي تَسْلِيمٌ انْعَقَدَ عَقْدُهُ وَفَاتَ عَقْدُ الْأَوَّلِ بَلْ إنَّمَا قَالُوا النَّافِذُ مِنْ الْبَيْعَيْنِ هُوَ الْأَوَّلُ مُطْلَقًا نَعَمْ وَقَعَ لِمَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْجَلَّابِ أَنَّ الْوَكِيلَ وَالْمُوَكِّلَ خَاصَّةً إذَا بَاعَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ انْعَقَدَ عَقْدُ السَّابِقِ إلَّا أَنْ يَتَّصِلَ بِالثَّانِي تَسْلِيمٌ فَقَالَ الْأَصْحَابُ هَذَا قِيَاسٌ عَلَى مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ تَجْعَلُ الْمَرْأَةُ أَمْرَهَا لَهُمَا فَيُزَوِّجَاهَا مِنْ رَجُلَيْنِ كُفْأَيْنِ فَالْمُعْتَبَرُ أَوَّلُهُمَا إنْ عُرِفَ إلَّا أَنْ يَدْخُلَ بِهَا الْأَخِيرُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا لِقَضَاءِ عُمَرَ رضي الله عنه بِذَلِكَ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنْ يَقُولَ: الصَّحَابِيُّ الْوَاحِدُ كَمَا يَصْلُحُ لِلتَّرْجِيحِ كَذَلِكَ يَصْلُحُ لِلِاسْتِقْلَالِ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ الصَّحَابَةِ لِحَدِيثِ «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَعَلَى قَوْلِهِ الْجَدِيدِ يَصْلُحُ لِلتَّرْجِيحِ لَا لِلِاسْتِقْلَالِ فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ اتِّفَاقًا وَلَا عَلَى غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ الصَّحَابَةِ كَمَا فِي شَرْحِ الْحَطَّابِ عَلَى وَرَقَاتِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ مَعَ الْمَتْنِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا عِبْرَةَ بِالتَّسْلِيمِ بَلْ إنَّمَا يَنْعَقِدُ عَقْدُ الْأَوَّلِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ فِي النِّكَاحِ وَمَسْأَلَةِ الْوَكِيلِ وَمُوَكِّلِهِ فِي الْبَيْعِ أَنَّ كَشْفَ النِّكَاحِ مَضَرَّةٌ عَظِيمَةٌ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَالتَّخْرِيجُ مَعَ قِيَامِ الْفَارِقِ بَاطِلٌ إجْمَاعًا فَلَوْ رَامَ مُخَرِّجٌ تَخْرِيجَ الْوَكِيلَيْنِ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ عَلَى مَا لِمَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْجَلَّابِ لَتَعَذَّرَ ذَلِكَ بِسَبَبِ الْفَرْقِ أَيْضًا وَهُوَ أَنَّ الْمُوَكِّلَ لَهُ التَّصَرُّفُ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ وَالْوَكِيلَ لَهُ التَّصَرُّفُ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ فَهُوَ فَرْعٌ فَإِنْ تَأَخَّرَ عَقْدُهُ وَوَقَعَ التَّسْلِيمُ فِي عَقْدِ الْمُوَكِّلِ
مَسْأَلَتَانِ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى)
مَنْ أَبَانَ امْرَأَتَهُ حَلَّتْ لَهُ أُخْتُهَا فِي عِدَّتِهَا وَحَلَّتْ لَهُ الْخَامِسَةُ لِانْقِطَاعِ الْمُوَارَثَةِ بَيْنَهُمَا وَالْعِصْمَةِ وَإِنَّمَا الْعِدَّةُ لِحِفْظِ الْأَنْسَابِ وَوَافَقْنَا الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ حَنْبَلٍ رضي الله عنهما تَحْرُمُ الْأُخْتُ وَالْخَامِسَةُ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ لِأَنَّ الْعِدَّةَ مِنْ آثَارِ النِّكَاحِ وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَجْمَعُ مَاءَهُ فِي رَحِمِ أُخْتَيْنِ»
(وَالْجَوَابُ) عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ لُحُوقَ الْوَلَدِ بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ آثَارِ النِّكَاحِ وَلَا قَائِلَ بِالتَّحْرِيمِ إلَى تِلْكَ الْغَايَةِ إنَّمَا الْمُعْتَبَرُ الِاخْتِصَاصُ بِالزَّوْجِ حَتَّى تَحْصُلَ الْقَطِيعَةُ بَيْنَ الْأَقَارِبِ بِسَبَبِ الْجَمْعِ وَهُوَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَنْفِيٌّ
(وَالْجَوَابُ) عَنْ الْحَدِيثِ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ عَامًّا فِي الرِّجَالِ وَالْأُخْتَيْنِ غَيْرَ أَنَّهُ مُطْلَقٌ فِي الزَّمَانِ فَنَحْمِلُهُ عَلَى زَمَانِ الِاخْتِصَاصِ قَبْلَ الْبَيْنُونَةِ وَيَحْرُمُ الْجَمْعُ فِي عِدَّةِ الرَّجْعِيَّةِ اتِّفَاقًا لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ وَالِاخْتِصَاصُ بِالْمَوَارِيثِ وَغَيْرِهَا (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ)
الْأُخْتَانِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ حَرُمَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] وَأُحِلَّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا قَوْله تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] وَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا أَخَصَّ مِنْ الْأُخْرَى حَتَّى يُقَدَّمَ الْخَاصُّ عَلَى الْعَامِّ لِأَنَّ الْأُولَى تَتَنَاوَلُ الْمَمْلُوكَتَيْنِ وَالْحُرَّتَيْنِ فَهِيَ أَعَمُّ مِنْ الثَّانِيَةِ وَالثَّانِيَةَ تَتَنَاوَلُ الْأُخْتَيْنِ وَغَيْرَهُمَا فَتَكُونُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَعَمَّ مِنْ الْأُخْرَى مِنْ وَجْهٍ وَأَخَصَّ مِنْ وَجْهٍ فَتَسْتَوِيَانِ وَلِذَلِكَ قَالَ عُثْمَانُ رضي الله عنه أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ وَوَجْهُ التَّرْجِيحِ لِلتَّحْرِيمِ كَمَا قَالَهُ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنْ ثَلَاثَة أَوْجُهٍ
(أَحَدُهَا) أَنَّ الْأُولَى سِيقَتْ لِلتَّحْرِيمِ وَالثَّانِيَةَ سِيقَتْ لِلْمَدْحِ بِحِفْظِ الْفُرُوجِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْكَلَامَ إذَا سِيقَ لِمَعْنًى لَا يُسْتَدَلُّ بِهِ فِي غَيْرِهِ فَلَا تُعَارِضُ الْأُولَى الثَّانِيَةَ فَتَكُونُ آيَةُ التَّحْرِيمِ سَالِمَةً عَنْ الْمُعَارِضِ فَتُقَدَّمُ
(وَثَانِيهَا) أَنَّ الْأُولَى لَمْ يُجْمَعْ عَلَى تَخْصِيصِهَا وَالثَّانِيَةَ أُجْمِعَ عَلَى تَخْصِيصِهَا بِمَا لَا يَقْبَلُ الْوَطْءَ مِنْ الْمَمْلُوكَاتِ وَبِمَا يَقْبَلُهُ لَكِنَّهُ مُحَرَّمٌ إجْمَاعًا كَالذُّكُورِ وَأَخَوَاتِ الرَّضَاعِ وَمَوْطُوآتِ الْآبَاءِ مِنْ الْإِمَاءِ وَغَيْرُ الْمَخْصُوصِ أَرْجَحُ مِمَّا أُجْمِعَ عَلَى تَخْصِيصِهِ
(وَثَالِثُهَا) أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْفُرُوجِ التَّحْرِيمُ حَتَّى يُتَيَقَّنَ الْحِلُّ فَتَكُونُ الْأُولَى عَلَى وَفْقِ الْأَصْلِ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ رُجْحَانُ الثَّانِيَةِ عَلَيْهَا فَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَاهَا مُوَافَقَةً لِلْأَصْلِ فَهَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ هُمَا اللَّتَانِ تَحْتَاجَانِ إلَى تَدْقِيقٍ فِي الْبَحْثِ فَلِذَلِكَ أَفْرَدْتهمَا عَنْ سَائِرِ الْمَسَائِلِ الَّتِي فِي الْبَابِ.
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
أَمْكَنَ أَنْ يَقُولَ مَالِكٌ ذَلِكَ عِنْدِي مُضَافٌ لِلتَّسْلِيمِ وَكَوْنُهُ مُتَصَرِّفًا بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ، وَالْأَصَالَةُ لَهَا قُوَّةٌ وَلَهُ أَيْضًا قُوَّةُ الْعَزْلِ وَالتَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ وَهُوَ مَعْنًى مُنَاسِبٌ مَفْقُودٌ فِي الْوَكِيلَيْنِ فَإِنَّ كِلَيْهِمَا فَرْعٌ لَا أَصَالَةَ لَهُ فَلَا يَنْعَقِدُ عَقْدُ اللَّاحِقِ مِنْهُمَا مُطْلَقًا اتَّصَلَ بِهِ قَبْضٌ أَمْ لَا وَمَهْمَا وَجَدْنَا مَعْنًى يُمْكِنُ أَنْ يُلَاحِظَهُ الْإِمَامُ امْتَنَعَ التَّخْرِيجُ عَلَى مَحَلِّ ذَلِكَ الْفَارِقِ كَمَا أَنَّ الْمُجْتَهِدَ إذْ وَجَدَ مَعْنًى يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فَارِقًا امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْقِيَاسُ فَالْمُقَلِّدُ مَعَ الْمُجْتَهِدِ كَالْمُجْتَهِدِ مَعَ الشَّارِعِ وَالْوَلِيَّانِ فِي النِّكَاحِ وَإِنْ كَانَا فَرَعَيْنَ لَا مُتَأَصِّلَ فِيهِمَا إلَّا أَنَّ الْمَرْأَةَ فِي النِّكَاحِ لَمَّا كَانَ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهَا الِاسْتِقْلَالُ سَقَطَ اعْتِبَارُ التَّأَصُّلِ فِيهَا بِخِلَافِ الْمُوَكِّلِ فِي الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ يُمْكِنُ اسْتِقْلَالُهُ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ إمْكَانُ اسْتِقْلَالِهِ فَرْقًا يُلَاحِظُهُ الْإِمَامُ فَيَتَعَذَّرُ التَّخْرِيجُ وَالصَّوَابُ عَدَمُ التَّخْرِيجِ مُطْلَقًا فِي الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ وَالْوَكِيلَيْنِ أَيْضًا فَتَكُونُ قَاعِدَةُ الْوَكِيلَيْنِ وَالْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ عِنْدَ مَالِكٍ تُخَالِفُ قَاعِدَةَ مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ وَالسَّبْعُ الْمَسَائِلُ نَظَائِرُهَا عِنْدَهُ فِي أَنَّ دُخُولَ الْأَخِيرِ بِالْمَرْأَةِ فِيهَا يُفِيتُهَا عَلَى مَنْ قَبْلَهُ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى)
امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ تَتَزَوَّجُ بَعْدَ الْأَجَلِ الْمَضْرُوبِ فَإِنْ قَدِمَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا وَإِلَّا فَاتَتْ عَلَيْهِ بِالدُّخُولِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ)
الْمَرْأَةُ تَعْلَمُ بِالطَّلَاقِ دُونَ الرَّجْعَةِ فَتَتَزَوَّجُ ثُمَّ ثَبَتَتْ رَجْعَةُ الْأَوَّلِ فَإِنْ دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ الثَّانِي كَانَ أَحَقَّ بِهَا وَأُلْغِيَتْ الرَّجْعَةُ لِقَضَاءِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما بِذَلِكَ وَأَفَاتَاهَا بِالدُّخُولِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ)
قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا طَلَّقَ زَوْجُ الْأَمَةِ الْأَمَةَ طَلَاقًا رَجْعِيًّا فَرَاجَعَهَا فِي السَّفَرِ فَلَمْ تَعْلَمْ بِذَلِكَ فَوَطِئَهَا السَّيِّدُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ مَعَ عَدَمِ عِلْمِهِ بِالرَّجْعَةِ كَانَ وَطْءُ السَّيِّدِ مُفِيتًا لَهَا كَالْوَطْءِ بِالزَّوْجِ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ)
امْرَأَةُ الرَّجُلِ يَرْتَدُّ فَيُشَكُّ فِي كُفْرِهِ بِالْأَرْضِ الْبَعِيدَةِ هَلْ هُوَ إكْرَاهٌ أَوْ اخْتِيَارٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ إكْرَاهٌ وَقَدْ تَزَوَّجَتْ امْرَأَتُهُ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ كُفْرِهِ فَإِنْ دَخَلَ بِهَا الثَّانِي فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَهِيَ لِلْأَوَّلِ (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ)
الرَّجُلُ يُسْلِمُ عَلَى عَشْرِ نِسْوَةٍ فَاخْتَارَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا فَوَجَدَهُنَّ ذَوَاتِ مَحَارِمَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ وَيَخْتَارُ مِنْ الْبَوَاقِي مَا لَمْ يَتَزَوَّجْنَ وَيَدْخُلْ بِهِنَّ أَزْوَاجُهُنَّ فَمَنْ دَخَلَ بِهَا فَاتَ الْأَمْرُ فِيهَا بِالدُّخُولِ وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا كَانَ لَهُ أَخْذُهَا وَقِيلَ لَا يُفِيتُهُنَّ الدُّخُولُ (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ)
الْمَرْأَةُ تَطْلُقُ لِلْغَيْبَةِ ثُمَّ يَقْدَمُ بِحُجَّةٍ فَإِنْ وَجَدَهَا تَزَوَّجَتْ وَدُخِلَ بِهَا فَاتَتْ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا لَمْ تُفْتِ عَلَيْهِ (الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ)
الْمَرْأَةُ تُسْلِمُ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ يُبَيِّنُ تَقَدُّمَ إسْلَامِهِ عَلَيْهَا فَتَفُوتُ عَلَيْهِ إنْ تَزَوَّجَتْ وَدُخِلَ بِهَا وَإِنْ لَمْ يُدْخَلْ بِهَا لَمْ تَفُتْ عَلَيْهِ وَتُخَالِفُ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ أَعْنِي قَاعِدَةَ مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ وَنَظَائِرِهَا السَّبْعِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ فِي الْمَذْهَبِ
(الْفَرْقُ الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِبَاحَةِ الْمُطْلَقَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِبَاحَةِ الْمَنْسُوبَةِ إلَى سَبَبٍ مَخْصُوصٍ)
اعْلَمْ أَنَّ الْإِبَاحَةَ قَدْ تَثْبُتُ مُطْلَقًا فَلَا يَكُونُ عَلَى الْمُكَلَّفِ حَرَجٌ فِي الْإِقْدَامِ عَلَى الْفِعْلِ مُطْلَقًا وَقَدْ تَثْبُتُ بِاعْتِبَارِ سَبَبٍ مُعَيَّنٍ فَلَا يَكُونُ عَلَى الْمُكَلَّفِ حَرَجٌ فِي الْإِقْدَامِ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْل مِنْ جِهَة ذَلِكَ السَّبَب وَيَكُون عَلَيْهِ حَرَج فِي الْإِقْدَام بِاعْتِبَارِ سَبَبٍ آخَرَ فَالتَّحْرِيمُ يَجْتَمِعُ مَعَ هَذِهِ الْإِبَاحَةِ وَلَا يَجْتَمِعُ مَعَ الْإِبَاحَةِ الْأُولَى وَسِرُّ ذَلِكَ أَنَّ أَسْبَابَ التَّحْرِيمِ قَدْ تَجْتَمِعُ وَقَدْ تَفْتَرِقُ فَإِنْ اجْتَمَعَ اجْتَمَعَ سَبَبَانِ فَأَكْثَرُ لِتَحْرِيمٍ فَارْتَفَعَ أَحَدُهُمَا ثَبَتَتْ الْإِبَاحَةُ بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ السَّبَبِ خَاصَّةً وَبَقِيَ الْفِعْلُ مُحَرَّمًا بِاعْتِبَارِ السَّبَبِ الْآخَرِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ سَبَبٌ وَاحِدٌ لِلتَّحْرِيمِ فَزَالَ وَخَلَفَهُ سَبَبٌ آخَرُ صَدَقَتْ الْإِبَاحَةُ بِاعْتِبَارِ السَّبَبِ الْأَوَّلِ وَصَدَقَ التَّحْرِيمُ بِاعْتِبَارِ السَّبَبِ الْمُتَجَدِّدِ وَلِذَلِكَ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَبِمَعْرِفَةِ هَذَا الْفَرْقِ تَحْصُلُ أَجْوِبَةٌ عَنْ أَسْئِلَةٍ كَثِيرَةٍ فِي الْفِقْهِ وَالنُّصُوصِ وَأَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى)
قَوْله تَعَالَى {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ مُقْتَضَى حَتَّى الَّتِي هِيَ حَرْفُ غَايَةٍ أَنْ يَكُونَ مَا قَبْلَهَا مُخَالِفًا لِمَا بَعْدَهَا وَيَكُونَ مَا بَعْدَهَا نَقِيضَ مَا قَبْلَهَا وَيَظْهَرُ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ حَلَالًا إذَا عَقَدَ عَلَيْهَا زَوْجٌ آخَرُ وَوَطِئَهَا وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ إجْمَاعًا بَلْ هِيَ حَرَامٌ عَلَى حَالِهَا حَتَّى يُطَلِّقَهَا هَذَا الزَّوْجُ وَإِذَا طَلَّقَهَا لَا تَحِلُّ حَتَّى يَعْقِدَ عَلَيْهَا الزَّوْجُ الْأَوَّلُ وَإِذَا عَقَدَ عَلَيْهَا الزَّوْجُ الْأَوَّلُ لَا تَحِلُّ حَتَّى تُنْفَى مَوَانِعُ الْوَطْءِ مِنْ الْحَيْضِ وَالصِّيَامِ وَالْإِحْرَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَوَانِعِ فَلَمْ يَحْصُلْ مُقْتَضَى الْغَايَةِ فَهَلْ هَذِهِ هِيَ الْغَايَةُ بَاقِيَةٌ عَلَى بَابِهَا مُقْتَضِيَةٌ لِثُبُوتِ النَّقِيضِ أَوْ هِيَ مُسْتَثْنَاةٌ عَنْ قَاعِدَةِ الْغَايَاتِ بِالْإِجْمَاعِ
(وَالْجَوَابُ) أَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى بَابِهَا وَتَقْرِيرُهُ أَنَّهَا كَانَتْ مُحَرَّمَةً بِكَوْنِهَا أَجْنَبِيَّةً وَبِكَوْنِهَا مُطَلَّقَةً ثَلَاثًا فَلَمَّا تَزَوَّجَهَا الزَّوْجُ الثَّانِي صَارَتْ مُبَاحَةً مِنْ جِهَةِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثَ وَزَالَ التَّحْرِيمُ النَّاشِئُ عَنْهُ وَبَقِيَ التَّحْرِيمُ بِكَوْنِهَا أَجْنَبِيَّةً وَتَجَدَّدَ سَبَبٌ آخَرُ لِلتَّحْرِيمِ وَهُوَ كَوْنُهَا زَوْجَةً لِغَيْرِهِ فَقَدْ خَلَفَ السَّبَبَ الزَّائِلَ سَبَبٌ آخَرُ وَزَالَ التَّحْرِيمُ الْكَائِنُ بِسَبَبِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثَ وَثَبَتَ مُقْتَضَى الْغَايَةِ وَإِذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ الثَّانِي بَقِيَتْ مُحَرَّمَةً بِالْعِدَّةِ وَهُوَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
أَيْضًا
(الْأُولَى) الْمَرْأَةُ يُنْعَى لَهَا زَوْجُهَا ثُمَّ يَتَبَيَّنُ حَيَاتُهُ وَقَدْ تَزَوَّجَتْ فَإِنَّهَا لَا يُفِيتُهَا الدُّخُولُ وَقِيلَ يُفِيتُهَا الدُّخُولُ
(الثَّانِيَةُ) الْمُطَلَّقَةُ بِسَبَبِ الْإِعْسَارِ لِلنَّفَقَةِ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ أَنَّهَا أَسْقَطَتْهَا عَنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَقَدْ تَزَوَّجَتْ فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إلَيْهِ وَإِنْ دَخَلَ بِهَا الثَّانِي
(الثَّالِثَةُ الرَّجُلُ) يَقُولُ عَائِشَةُ طَالِقٌ وَلَهُ امْرَأَةٌ حَاضِرَةٌ اسْمُهَا عَائِشَةُ وَقَالَ لَمْ أُرِدْهَا وَلِي امْرَأَةٌ أُخْرَى تُسَمَّى عَائِشَةَ بِبَلَدٍ آخَرَ وَهِيَ الَّتِي أَرَدْت فَإِنَّهَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْحَاضِرَةُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ امْرَأَةٍ أُخْرَى فَإِنْ تَبَيَّنَ صِدْقُهُ وَقَدْ تَزَوَّجَتْ وَدَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا رُدَّتْ إلَيْهِ وَلَا يُفِيتُهَا الدُّخُولُ
(الرَّابِعَةُ) الْأَمَةُ تَعْتِقُ وَتَخْتَارُ نَفْسَهَا وَتَتَزَوَّجُ وَيَدْخُلُ بِهَا زَوْجُهَا ثُمَّ تَبَيَّنَ عِتْقُ زَوْجِهَا قَبْلَهَا رُدَّتْ إلَيْهِ وَقِيلَ يُفِيتُهَا الدُّخُولُ وَسَوَّى الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ فِي اعْتِبَارِ الْعَقْدِ السَّابِقِ فِي بَابَيْ الْبَيْعِ كَالنِّكَاحِ فِي جَمِيعِ مَسَائِلِهِ وَالْعَقْدُ الَّذِي بَعْدَهُ بَاطِلٌ حَصَلَ دُخُولٌ أَمْ لَا وَهُوَ الْقِيَاسُ فَإِنَّ مِنْ شَرْطِ عَقْدِ النِّكَاحِ أَنْ تَكُونَ خَالِيَةً عَنْ زَوْجٍ وَهَذِهِ ذَاتُ زَوْجٍ فَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَيْهَا إلَّا أَنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اعْتَمَدَ عَلَى قَضَاءِ عُمَرَ رضي الله عنه فِي مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ وَقَضَاءِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما فِي مَسْأَلَةِ الرَّجْعَةِ وَأَفَاتُوا الْمَرْأَةَ بِالدُّخُولِ وَهَذَا مُدْرَكٌ عِنْدَهُ لَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ فَيَحْتَاجُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ لِأَمْرَيْنِ
(الْأَمْرُ الْأَوَّلُ) بَيَانُ سِرِّ الْفَرْقِ الْمَقْصُودِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ بِأَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَهُوَ إبْطَالُ أَثَرِ الْعَقْدِ السَّابِقِ، وَتَسْلِيطُ الشَّفِيعِ عَلَى إبْطَالِهِ لِأَجْلِ الضَّرَرِ الدَّاخِلِ عَلَى الشَّرِيكِ مِنْ تَوَقُّعِ الْقِسْمَةِ وَإِذَا قُضِيَ بِتَقْدِيمِ مُجَرَّدِ الضَّرَرِ الْمُتَوَقَّعِ غَيْرِ النَّاجِزِ بِدُونِ أَنْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ عَقْدٌ عَلَى الْعَقْدِ هُنَالِكَ وَجَبَ أَنْ يُقْضَى هَاهُنَا بِتَقْدِيمِ الضَّرَرِ النَّاجِزِ الْمُنْضَمِّ إلَيْهِ عَقْدٌ عَلَى الْعَقْدِ السَّابِقِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى أَمَّا كَوْنُ ضَرَرِ الشَّرِيكِ فِي الشُّفْعَةِ مُتَوَقَّعًا لَا نَاجِزًا فَلِأَنَّهَا قَدْ تَحْصُلُ وَقَدْ لَا تَقَعُ أَلْبَتَّةَ وَأَمَّا كَوْنُ ضَرَرِ فِرَاقِ الثَّانِي إذَا دَخَلَ هُنَا نَاجِزًا لَا مُتَوَقَّعًا فَلِأَنَّ الرَّجُلَ إنَّمَا يَتَزَوَّجُ فِي الْغَالِبِ مَنْ مَالَتْ نَفْسُهُ إلَيْهَا وَإِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا مَعَ الْمَيْلِ الْمُتَقَدِّمِ وُجِدَتْ الرُّؤْيَةُ وَالْمُبَاشَرَةُ فَالْغَالِبُ حُصُولُ الْمَيْلِ وَكَذَلِكَ هِيَ أَيْضًا إنَّمَا رَضِيَتْ بِهِ بَعْدَ مَيْلِ نَفْسِهَا إلَيْهِ فَإِذَا بَاشَرَتْهُ مَعَ الْمَيْلِ الْمُتَقَدِّمِ وَحُصُولِ الْأَرَبِ فَالْغَالِبُ حُصُولُ الْمَيْلِ وَإِذَا كَانَ الظَّاهِرُ حُصُولُ الْمَيْلِ إمَّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَإِمَّا مِنْ أَحَدِهِمَا فَلَوْ قَضَيْنَا بِالْفِرَاقِ بَعْدَ هَذَا الْمَيْلِ النَّاشِئِ مِنْ الدُّخُولِ وَقَضَاءِ الْأَوْطَارِ لَحَصَلَ الضَّرَرُ النَّاجِزُ لِمَنْ حَصَلَ لَهُ الْمَيْلُ بِأَلَمِ الْفِرَاقِ فَضَرَرُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الثَّمَانِي وَاقِعٌ وَضَرَرُ الشُّفْعَةِ مُتَوَقَّعٌ وَالْوَاقِعُ أَقْوَى مِنْ الْمُتَوَقَّعِ وَأَمَّا كَوْنُ الضَّرَرِ هُنَا مَعْضُودًا بِعَقْدٍ بِخِلَافِهِ فِي الشُّفْعَةِ فَلِأَنَّ الشَّرِيكَ الشَّفِيعَ
سَبَبٌ مُتَجَدِّدٌ وَبِكَوْنِهَا أَجْنَبِيَّةً فَإِذَا عَقَدَ عَلَيْهَا الزَّوْجُ الْأَوَّلُ زَالَ التَّحْرِيمُ بِسَبَبِ كَوْنِهَا أَجْنَبِيَّةً وَبَقِيَتْ مُحَرَّمَةً بِسَبَبِ مَا تَجَدَّدَ مِنْ حَيْضٍ أَوْ صَوْمٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فَإِذَا زَالَ ذَلِكَ ثَبَتَتْ الْإِبَاحَةُ الْمُطْلَقَةُ وَكَانَ الثَّابِتُ قَبْلَ ذَلِكَ مُطْلَقُ الْإِبَاحَةِ الْمُطْلَقَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ مُطْلَقِ الْإِبَاحَةِ وَالْإِبَاحَةِ الْمُطْلَقَةِ فَظَهَرَ أَنَّ الْغَايَةَ عَلَى بَابِهَا لَمْ تُخَالِفْ مُقْتَضَاهَا بَلْ هِيَ مَعْمُولٌ بِهَا وَانْدَفَعَ الْإِشْكَالُ عَنْ الْآيَةِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ)
إذَا تَرَكَ الصَّلَاةَ وَزَنَى وَهُوَ مُحْصَنٌ وَارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ وَقَتَلَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ فَهَذَا قَدْ أُبِيحَ دَمُهُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَسْبَابِ فَإِذَا عَفَا الْأَوْلِيَاءُ عَنْ الْقِصَاصِ ذَهَبَتْ الْإِبَاحَةُ النَّاشِئَةُ عَنْ الْقَتْلِ وَثَبَتَتْ الْإِبَاحَةُ النَّاشِئَةُ عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ الْمَذْكُورَةِ فَالْإِبَاحَةُ الْمُرْتَفِعَةُ هَهُنَا نَظِيرُ الْإِبَاحَةِ الْحَاصِلَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَهِيَ مُطْلَقُ الْإِبَاحَةِ الْمَنْسُوبَةِ إلَى سَبَبٍ مُعَيَّنٍ غَيْرَ أَنَّهَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى حَاصِلَةٌ وَهَهُنَا ذَاهِبَةٌ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ)
فِي تَصْوِيرِ اجْتِمَاعِ التَّحْرِيمِ مُضَاعَفًا فِي أَئِمَّةٍ وَتَعَلُّقَاتِ الْخِطَابِ فِيهِ وَذَلِكَ أَنَّ الزِّنَى مُحَرَّمٌ وَبِالْبِنْتِ أَشَدُّ وَبِهَا فِي الصَّوْمِ أَشَدُّ وَمَعَ الْإِحْرَامِ أَشَدُّ وَفِي الْكَعْبَةِ أَشَدُّ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَسْبَابٍ مِنْ التَّحْرِيمِ اجْتَمَعَتْ فَيَكُونُ هَذَا الْفِعْلُ مُحَرَّمًا مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ وَيَكُونُ الْإِثْمُ مُضَاعَفًا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَيَكُونُ خِطَابُ التَّحْرِيمِ قَدْ حَصَلَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ أَرْبَعَ تَعْلِيقَاتٍ فَإِذَا تَصَوَّرْت اجْتِمَاعَ التَّحْرِيمَاتِ تَصَوَّرْت ارْتِفَاعَ بَعْضِهَا وَحُصُولَ مُطْلَقِ الْإِبَاحَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ السَّبَبِ الْمُرْتَفِعِ وَتَصَوَّرْت أَيْضًا اجْتِمَاعَ الْوُجُوبَاتِ بِتَظَافُرِ أَسْبَابِهَا عَلَى الْفِعْلِ وَكَذَا بَقِيَّةُ الْأَحْكَامِ تَارَةً تَثْبُتُ مُطْلَقَةً وَتَارَةً بِالنِّسْبَةِ إلَى سَبَبٍ مُعَيَّنٍ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ.
(الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُقَرُّ مِنْ أَنْكِحَةِ الْكُفَّارِ وَقَاعِدَةُ مَا لَا يُقَرُّ مِنْهَا)
قَالَ ابْنُ يُونُسَ أَنْكِحَتُهُمْ عِنْدَنَا فَاسِدَةٌ وَإِنَّمَا الْإِسْلَامُ يُصَحِّحُهَا وَقَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ لَا يُقِرُّهُمْ عَلَى مَا هُوَ فَاسِدٌ عِنْدَهُمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا عِنْدَنَا وَلَوْ اعْتَقَدُوا غَصْبَ امْرَأَةٍ أَوْ رِضَاهَا بِالْإِقَامَةِ مَعَ الرَّجُلِ بِغَيْرِ عَقْدٍ أَقْرَرْنَاهُمْ عَلَيْهِ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه تَرْغِيبًا فِي الْإِسْلَامِ كَمَا سَقَطَ عَنْهُمْ الْقِصَاصُ وَالْغُصُوبُ وَمَا جَنَوْهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي نُفُوسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ وَيَثْبُتُ مَا اكْتَسَبُوهُ بِعُقُودِ الرِّبَا وَغَيْرِهِ مِنْ ثَمَنِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ كُلُّ ذَلِكَ تَرْغِيبًا فِي الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُمْ لَوْ فَهِمُوا
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
يَأْخُذُ بِغَيْرِ عَقْدٍ أُضِيفَ إلَيْهِ بَلْ بِمُجَرَّدِ الضَّرَرِ وَهَاهُنَا الزَّوْجُ الثَّانِي مَعَهُ عَقْدٌ يُقَابِلُ بِهِ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ وَبِالْجُمْلَةِ فَسَيْرُ مُخَالَفَةِ قَاعِدَةِ مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ وَنَظَائِرِهَا السَّبْعِ عِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِقَاعِدَةِ الْوَكِيلَيْنِ فِي الْبَيْعِ هُوَ تَحَقُّقُ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ عَلَى الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ فِي الْقَاعِدَةِ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ.
(الْأَمْرُ الثَّانِي) بَيَانُ مَا يَرِدُ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ مِنْ الْأَسْئِلَةِ وَمَا يُجَابُ بِهِ عَنْهَا
(فَالسُّؤَالُ الْأَوَّلُ) أَنَّ وُجُودَ الْعَقْدِ مَعَ الزَّوْجِ الثَّانِي هُنَا لَا يَصْلُحُ مُرَجِّحًا ضَرُورَةَ أَنَّ الْمَحَلَّ غَيْرُ قَابِلٍ لَهُ لِأَنَّ عَقْدَ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ مَانِعٌ مِنْهُ فَهُوَ مَعْدُومٌ شَرْعًا وَالْمَعْدُومُ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا
(وَجَوَابُهُ) أَنَّهُ لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ لِأَنَّا لَمَّا اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّ وُجُودَ مِثْلِ صُورَةِ هَذَا الْعَقْدِ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَرِضَى الْوَلِيِّ وَالْمَرْأَةِ مُوجِبَةٌ لِلْعِصْمَةِ فِي غَيْرِ صُورَةِ النِّزَاعِ وَجَبَ هُنَا الْعَمَلُ بِالصُّورَةِ أَيْضًا فِي التَّرْجِيحِ وَعَدَمُ الِالْتِفَاتِ لِمَا فِي صُورَةِ النِّزَاعِ مِنْ كَوْنِ عَقْدِ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ مَانِعًا مِنْ قَبُولِ الْمَحَلِّ لِهَذَا الْعَقْدِ حَتَّى يُقَالَ إنَّهُ كَعَدَمِهِ
(وَالسُّؤَالُ الثَّانِي) لِمَ اعْتَبَرْتُمْ فِي مَسْأَلَةِ الْوَكِيلَيْنِ يُوَكِّلُهُمَا الرَّجُلُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِامْرَأَةٍ فَزَوَّجَاهُ بِامْرَأَتَيْنِ فَدَخَلَ بِإِحْدَاهُمَا فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا خَامِسَةٌ كَوْنَ عَقْدِ مَا قَبْلَ الْمَدْخُولِ بِهَا مَانِعًا حَيْثُ قُلْتُمْ لَا يُفِيتُهَا الدُّخُولُ إجْمَاعًا وَلَمْ تَعْتَبِرُوا فِي مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ وَنَظَائِرِهَا السَّبْعِ كَوْنَ عَقْدِ الْأَوَّلِ مَانِعًا حَيْثُ قُلْتُمْ يُفِيتُهَا دُخُولُ الثَّانِي فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا
(وَجَوَابُهُ) أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا مِنْ عَشَرَةِ أَوْجُهٍ
(أَحَدُهَا) أَنَّ الْمَانِعَ هُنَا عَقْدٌ وَاحِدٌ وَفِي الْخَامِسَةِ عَقْدُ الرَّابِعِ مَعَ مَا تَقَدَّمَهُ مِنْ الْعُقُودِ
(الثَّانِي) أَنَّ الْغَالِبَ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ الْكَثْرَةُ فَيُؤَدِّي الْقَوْلُ بِبُطْلَانِ الْعَقْدِ الثَّانِي بَعْدَ الدُّخُولِ فِي صُورَتِهِمَا إلَى كَثْرَةِ الْفَسَادِ وَعَلَى الْوُكَلَاءِ النُّدْرَةُ فَلَا يُؤَدِّي إلَى كَثْرَةِ الْفَسَادِ الْقَوْلُ بِفَسَادِ الْخَامِسَةِ النَّاشِئِ عَنْ الِاطِّلَاعِ وَالْكَشْفِ النَّادِرِ
(الثَّالِثُ) أَنَّ التَّعَارُضَ فِي الْوَلِيَّيْنِ وَقَعَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا صَاحِبَا وَسِيلَةٍ ضَرُورَةَ أَنَّ الزَّوْجَ الَّذِي هُوَ صَاحِبُ الصَّدَاقِ كَالْمُشْتَرِي الَّذِي هُوَ صَاحِبُ الثَّمَنِ وَالْأَثْمَانُ وَسَائِلُ وَفِي الْوَكِيلَيْنِ وَقَعَ بَيْنَ الزَّوْجَتَيْنِ الرَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ اللَّتَيْنِ كَالْبَائِعِ فِي كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا صَاحِبَةَ سِلْعَةٍ وَالسِّلَعُ مَقَاصِدُ وَرُتْبَةُ الْوَسَائِلِ أَخْفَضُ مِنْ رُتْبَةِ الْمَقَاصِدِ فَلَمْ يَكُنْ فِي إبْطَالِ عَقْدِ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ إلَّا إبْطَالَ مَا رَافَقَ الْأَوْضَاعَ الشَّرْعِيَّةَ بِخِلَافِ عَقْدِ الرَّابِعَةِ فَقَدْ اجْتَمَعَ فِي إبْطَالِهِ مَا هُوَ مَقْصِدٌ وَمَا هُوَ مُوَافِقٌ لِلْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ فَلِذَا امْتَنَعَ إبْطَالُهُ لِقُوَّتِهِ وَلَمْ يَمْتَنِعْ إبْطَالُ عَقْدِ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ لِضَعْفِهِ
(الرَّابِعُ) أَنَّ الْعَادَةَ شَاهِدَةٌ بِوَلُوعِ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَشَغَفِهِمْ بِهِنَّ أَكْثَرَ مِنْهُنَّ بِهِمْ أَلَا تَرَى أَنَّ الرِّجَالَ هُمْ الْبَاذِلُونَ وَالْخَاطِبُونَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الدَّلَائِلِ
الْمُؤَاخَذَةَ بِذَلِكَ لَنَفَرُوا عَنْ الْإِسْلَامِ وَضَابِطُ مَذْهَبِ مَالِكٍ رحمه الله أَنَّ كُلَّ مَفْسَدَةٍ تَدُومُ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ أَوْ لَا تَدُومُ لَكِنْ أَدْرَكَهُ الْإِسْلَامُ كَالزَّوَاجِ فِي الْعِدَّةِ فَيُسْلِمُ فِيهَا فَهُوَ يُبْطِلُ وَإِنْ عَرَى نِكَاحُهُمْ عَنْ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ صَحَّ بِالْإِسْلَامِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ رضي الله عنهما عُقُودُهُمْ صَحِيحَةٌ وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَنَا أَيُّهَا الْمَالِكِيَّةُ إنَّ أَنْكِحَتَهُمْ فَاسِدَةٌ مُشْكِلٌ فَإِنَّ وِلَايَةَ الْكَافِرِ لِلْكَافِرِ صَحِيحَةٌ وَالشَّهَادَةُ عِنْدَنَا لَيْسَتْ شَرْطًا فِي الْعَقْدِ حَتَّى نَقُولَ لَا تَصِحُّ شَهَادَتُهُمْ لِكُفْرِهِمْ فَلَوْ قُلْنَا إنَّهَا شَرْطٌ فَأَشْهَدَ أَهْلُ الذِّمَّةِ الْمُسْلِمِينَ يَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ وَالْمُسْلِمُ إذَا تَزَوَّجَ بِغَيْرِ شُهُودٍ لَهُ أَنْ يُشْهِدَ بَعْدَ الْعَقْدِ وَيَسْتَقِرَّ عَقْدُهُ فَيَنْبَغِي التَّفْصِيلُ فِي عُقُودِهِمْ بَيْنَ مَا يَكُونُ مُخْتَلَّ الشَّرْطِ وَبَيْنَ مَا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ.
وَأَمَّا الْفَضَاءُ بِالْبُطْلَانِ مُطْلَقًا فَمُشْكِلٌ غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ صَدَاقَهُمْ قَدْ يَقَعُ بِمَا لَا يَحِلُّ مِنْ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَقَدْ يَقَعُ ذَلِكَ لِلْمُسْلِمِينَ فَتَخْتَلُّ بَعْضُ الشُّرُوطِ أَوْ كُلُّهَا فِي بَعْضِ الْعُقُودِ فَكَمَا لَا نَقْضِي بِفَسَادِ أَنْكِحَةِ عَوَامِّ الْمُسْلِمِينَ وَجُهَّالِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ نُفَصِّلُ وَنَقُولُ مَا صَادَفَ الْأَوْضَاعَ الشَّرْعِيَّةَ وَاجْتَمَعَتْ شَرَائِطُهُ فَهُوَ صَحِيحٌ سَوَاءٌ أَسْلَمُوا أَمْ لَا وَمَا لَمْ يُصَادِفْ فَهُوَ بَاطِلٌ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَقَدْ يَصِحُّ بِالْإِسْلَامِ كَمَا نُقَدِّمُ رِضَاهُمْ بِالْغَصْبِ وَنَحْوِهِ تَرْغِيبًا فِي الْإِسْلَامِ وَعَلَى هَذَا الْقَانُونِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُخَيَّرَ بَيْنَ الْأُمِّ وَابْنَتِهَا إذَا أَسْلَمَ عَلَيْهِمَا بَلْ يَقُولُ إنْ تَقَدَّمَ عَقْدُ الْبِنْتِ صَحِيحًا تَعَيَّنَتْ مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ وَإِذَا أَسْلَمَ عَلَى عَشْرِ نِسْوَةٍ لَا نَقْضِي بِالتَّخْيِيرِ مُطْلَقًا بَلْ نُفَرِّقُ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ وَقَعَ مِنْهَا أَرْبَعٌ أَوَّلًا عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ تَعَيَّنَتْ دُونَ مَا بَعْدَهَا وَإِنْ عَقَدَ عَلَى الْعَشْرِ جُمْلَةً وَاحِدَةً خُيِّرَ بَيْنَهُنَّ لِشُمُولِ الْبُطْلَانِ لَهُنَّ وَكَانَ يَلِيقُ إذَا حَكَمْنَا بِفَسَادِهَا مُطْلَقًا أَنْ لَا نُفَرِّقَ بَيْنَ الْمَوَانِعِ الْمَاضِيَةِ وَمَا بَقِيَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْكُلَّ فَاسِدٌ إنْ كَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ التَّرْغِيبُ فِي الْإِسْلَامِ بِسَبَبِ تَقْرِيرِ فَاسِدِ عُقُودِهِمْ لِأَنَّ الزَّوَاجَ فِي الْعَقْدِ لَا يَزِيدُ عَلَى قَتْلِ النَّفْسِ فِي الْمَفْسَدَةِ وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ تَجْدِيدِ الْعَقْدِ فَنَاسَبَ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الْمَاضِي مِنْ الْمَوَانِعِ وَالْمُقَارِنِ وَيَنْبَغِي إذًا وَطْءٌ فِي الْكُفْرِ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ مُجْتَمِعِ الشُّرُوطِ أَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ الْإِحْصَانَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْإِسْلَامُ قَالَ قُلْت «قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لِغَيْلَانَ لَمَّا أَسْلَمَ عَنْ عَشْرِ نِسْوَةٍ اخْتَرْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ» . وَفِي أَبِي دَاوُد «قَالَ أَنَسُ بْنُ الْحَارِثِ أَسْلَمْت
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
عَلَى فَرْطِ الْمَيْلِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي النِّسَاءِ لِضَعْفِ طَبْعِهِنَّ وَغَلَبَةِ الْحَيَاءِ عَلَيْهِنَّ وَقَدْ نَبَّهَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187] حَيْثُ إنَّهُ قَدَّمَ الْجُمْلَةَ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ تَنْبِيهًا عَلَى ظُهُورِ احْتِيَاجِ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ وَعَدَمِ صَبْرِهِ عَنْهَا لِأَنَّهُ هُوَ الْبَادِئُ بِطَلَبِ ذَلِكَ وَكَنَّى بِاللِّبَاسِ لِشِدَّةِ الْمُخَالَطَةِ كَمَا فِي الْجَمَلِ عَلَى الْجَلَالَيْنِ فَيَكُونُ ضَرَرُ التَّفْرِيقِ بِالزَّوْجِ الثَّانِي الَّذِي حَصَلَ لَهُ الشَّغَفُ بِالدُّخُولِ فِي مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ أَصْعَبَ مِنْهُ بِالْخَامِسَةِ إذْ لَا يُتَوَقَّعُ فِيهَا إلَّا دَاعِيَةٌ ضَعِيفَةٌ
(الْخَامِسُ) أَنَّ مُخَالَفَةَ الْقَاعِدَةِ فِي الْوَلِيَّيْنِ أَقَلُّ مِنْ مُخَالَفَتِهَا فِي الْوَكِيلَيْنِ إذْ الْقَاعِدَةُ أَنَّ السُّؤَالَ عَنْ الْوَاقِعِ مِنْ الْوُكَلَاءِ فِي التَّزْوِيجِ قَوِيٌّ وَعَنْ الْوَاقِعِ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْمَرْأَةِ ضَعِيفٌ
(السَّادِسُ) أَنَّ الْمَرْأَةَ مَحْكُومٌ عَلَيْهَا وَلَا خِيَرَةَ لَهَا لَا تُتَّهَمُ وَالرَّجُلُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ الْمُخْتَارُ لِلدُّخُولِ يُتَّهَمُ أَنْ يَكُونَ عَدَلَ عَنْ الرَّابِعَةِ إلَى الْخَامِسَةِ مَعَ عِلْمِهِ بِهَا
(السَّابِعُ) أَنَّ دُخُولَ الثَّانِي فِي مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ وَإِنْ شَارَكَ دُخُولَ الزَّوْجِ بِالْخَامِسَةِ فِي مُخَالَفَةِ قَاعِدَةِ مَنْعِ الْعَقْدِ السَّابِقِ إلَّا أَنَّ الدُّخُولَ بِالْخَامِسَةِ مَعَ ذَلِكَ خَالَفَ الْقَاعِدَةَ الْمُعْتَبَرَةَ مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ ثَلَاثًا وَمُسْتَثْنَيَاتٍ فَتَجُوزُ الْهِجْرَةُ ثَلَاثًا وَالْإِحْدَادُ ثَلَاثًا، وَأَيَّامُ الْخِيَارِ ثَلَاثٌ وَالضَّرَّاتُ ثَلَاثٌ ثُمَّ يَلْزَمُ فَعَظُمَتْ أَسْبَابُ الْإِبْطَالِ فِي الْخَامِسَةِ دُونَ مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ
(الثَّامِنُ) أَنَّ شَأْنَ أَوْلِيَاءِ الْمَرْأَةِ السُّؤَالُ عَنْ حَالِ الزَّوْجِ فَتَضْعُفُ الشُّبْهَةُ فِي الْخَامِسَةِ بِكَشْفِ أَوْلِيَائِهَا وَلَيْسَ شَأْنُ أَوْلِيَاءِ الرَّجُلِ السُّؤَالَ عَنْ حَالِ الْمَرْأَةِ فَتَقْوَى الشُّبْهَةُ فِي ذَاتِ الْوَلِيَّيْنِ وَنَحْوِهَا
(التَّاسِعُ) أَنَّ عَقْدَ الْوَكَالَةِ ضَعِيفٌ كَالنَّذْرِ مَعَ الْوَاجِبِ الْمُتَأَصِّلِ لِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ جَاءَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَثَانِيهِمَا أَنَّ الْمُكَلَّفَ يُنْشِئُهُ بِخِلَافِ الْأَوْلِيَاءِ
(الْعَاشِرُ) أَنَّ فِي الْخَامِسَةِ مَفْسَدَةً أَنَّهَا عَلَى ضَرَّاتٍ أَرْبَعٍ لَهَا انْدَفَعَتْ بِالْفَسْخِ وَالْفَائِتُ عَلَى ذَوَاتِ الْوَلِيَّيْنِ صُحْبَةُ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَدَرْءُ الْمَفَاسِدِ أَوْلَى مِنْ تَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ
(وَالسُّؤَالُ الثَّالِثُ) أَنَّ قِيَاسَ مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ وَنَظَائِرِهَا عَلَى مَسْأَلَةِ الشُّفْعَةِ لِلشَّرِيكِ لَا يَصِحُّ لِتَبَايُنِ الْأَحْكَامِ ضَرُورَةَ أَنَّ الشَّرِيكَ فِي صُورَةِ الشُّفْعَةِ مُخَيَّرٌ وَالزَّوْجُ الثَّانِي هَاهُنَا لَيْسَ مُخَيَّرًا بَلْ أَنْتُمْ قَدْ عَيَّنْتُمْ الْمَرْأَةَ لَهُ جَزْمًا فَقَدْ زَادَتْ صُورَةُ الْفَرْعِ الْمَقِيسِ عَلَى صُورَةِ الْأَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ بِوَصْفِ اللُّزُومِ
(وَجَوَابُهُ) أَنَّ لِلْأَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ جِهَتَيْنِ
(إحْدَاهُمَا) جِهَةُ التَّخْيِيرِ وَهِيَ خَاصَّةٌ بِالْأَصْلِ الْمَذْكُورِ لِكَوْنِ السِّلَعِ وَالْعَقَارِ قَابِلَةً لِلتَّخَيُّرِ وَالْخِيَارِ فَلِذَا ثَبَتَ لِلشَّفِيعِ الْخِيَارُ مِنْ غَيْرِ لُزُومٍ وَتَمْتَنِعُ فِي الْفَرْعِ الَّذِي هُوَ صُورَةُ النِّزَاعِ لِامْتِنَاعِ الْخِيَارِ فِي النِّكَاحِ لِئَلَّا تَكُونَ الْمُخَدَّرَاتُ بَذْلَةً بِالْخِيَارِ فَلِذَلِكَ
وَتَحْتِي ثَمَانِ نِسْوَةٍ فَأَتَيْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْت لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ اخْتَرْ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ فَهَذِهِ»
الْأَحَادِيثُ تَقْتَضِي أَنَّ عُقُودَهُنَّ فَاسِدَةٌ إذْ لَوْ كَانَتْ صَحِيحَةً لَكَانَ السَّابِقُ هُوَ الصَّحِيحُ وَالْمُتَأَخِّرُ هُوَ الْمُتَعَيِّنُ لِلْفَسَادِ الْخَامِسَةُ فَمَا زَادَ عَلَيْهَا وَكَانَ الِاخْتِيَارُ لَا يَكُونُ إلَّا إذْ عَقَدَ عَقْدًا وَاحِدًا حَتَّى لَا يَكُونَ الْبَعْضُ أَوْلَى بِالْبَقَاءِ دُونَ الْبَعْضِ الْآخَرِ لَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا خَيَّرَ مُطْلَقًا دَلَّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ سَوَاءٌ تَقَدَّمَ بَعْضُ الْعُقُودِ أَوْ اتَّحَدَتْ الْعُقُودُ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ وَرَدَتْ فِي تَأْسِيسِ قَاعِدَةٍ وَتَقْرِيرِ أَصْلٍ عَامٍّ فِي النَّاسِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَوْ كَانَ يَخْتَلِفُ الْحَالُ فِيهِ لَبَيَّنَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَإِلَّا لَزِمَ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ وَهَذَا مُسْتَنَدٌ ظَاهِرٌ فِي فَسَادِ عُقُودِهِنَّ وَأَنَّ الْأَوَائِلَ فِي حُكْمِ الْأَوَاخِرِ عَلَى السَّوِيَّةِ وَالْأَوَاخِرَ الْمُتَأَخِّرَاتِ الْعُقُودِ فَاسِدَةُ الْعُقُودِ فَكَذَلِكَ الْأَوَائِلُ قُلْت إطْلَاقُ الْخِيَارِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهَا أَنْ تَكُونَ الْأَنْكِحَةُ فَاسِدَةً كَمَا قُلْت وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ الْمُفْسِدَاتُ الْوَاقِعَةُ فِي الْكُفْرِ لَا تُعْتَبَرُ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهُمْ لَوْ اعْتَقَدُوا غَصْبَ الْمَرْأَةِ وَمُجَرَّدَ رِضَاهَا بِغَيْرِ عَقْدٍ ثُمَّ أَسْلَمُوا عَلَى ذَلِكَ أَقْرَرْنَاهُمْ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ يَمْنَعُ مِنْ تَأْثِيرِ الْمُفْسِدَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ هَذَا النَّحْوِ فَهَكَذَا كَوْنُهَا خَامِسَةً وَنَحْوُ ذَلِكَ مَفْسَدَةٌ فِي الْإِسْلَامِ وَإِذَا قَارَنَ الْكُفْرُ اعْتَبَرَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ تَرْغِيبًا فِي الْإِسْلَامِ وَإِذَا احْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ لَمْ يَلْزَمْ مَا ذَكَرْته مِنْ فَسَادِ الْعُقُولِ بَلْ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى التَّخْيِيرِ فَقَطْ وَهَذَا مُجْمَلٌ فِيمَا ذَكَرْته مِنْ الْفَسَادِ وَالصِّحَّةِ.
وَهَذَا جَوَابٌ سَدِيدٌ وَهُوَ خَيْرٌ مِنْ قَوْلِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ لَعَلَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ عَقَدَ عَلَيْهِنَّ عَقْدًا وَاحِدًا فَلِذَلِكَ خَيَّرَهُ أَوْ وَكَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُنَّ عِنْدَهُ بِطَرِيقِ الْغَصْبِ وَالتَّقْرِيرِ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ بِالْغَصْبِ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مَذْهَبًا لَهُمْ فَإِنَّ هَذَا فَاسِدٌ لِوَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ عِلْمِهِ عليه السلام
(الثَّانِي) لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَبَيَّنَهُ عليه السلام لِأَنَّهُ تَقْرِيرُ قَاعِدَةٍ فَيَتَعَيَّنُ إيضَاحُهَا وَإِزَالَةُ اللَّبْسِ عَنْهَا وَزَوَالُ كُلِّ مَا يُوجِبُ وَهُمَا فِيهَا وَلَمَّا لَمْ يَبِينُ عليه السلام أَنِّي إنَّمَا حَكَمْت فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ بِهَذَا الْحُكْمِ لِأَنِّي أَعْلَمَ أَنَّ مَنْ أَمَرَهَا أَمْرًا يَقْتَضِي هَذِهِ لِلْحُكْمِ عَلِمْنَا أَنَّ الْمُدْرَكَ غَيْرُ عِلْمِهِ بِأَمْرٍ يَخُصُّهَا بَلْ الْحُكْمُ عَامٌّ فِي جَمِيعِ صُوَرِ مَنْ يُسْلِمُ كَيْفَ كَانَتْ عُقُودُهُ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه تَرْكُ الِاسْتِفْصَالِ فِي حِكَايَاتِ الْأَحْوَالِ يَقُومُ مَقَامَ الْعُمُومِ فِي
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
حَصَلَ اللُّزُومُ وَالتَّعْيِينُ لِلزَّوْجِ الثَّانِي وَلَمْ تُلَاحَظْ فِي الْقِيَاسِ هَذِهِ الْجِهَةُ
(الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ) جِهَةُ تَقْدِيمِ الْمَضَرَّةِ عَلَى الْعَقْدِ السَّابِقِ وَصُورَةُ النِّزَاعِ الَّتِي هِيَ الْفَرْعُ مُسَاوِيَةٌ لِصُورَةِ الشُّفْعَةِ الَّتِي هِيَ الْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْجِهَةِ الَّتِي وَقَعَ الْقِيَاسُ بِاعْتِبَارِهَا
(وَالسُّؤَالُ الرَّابِعُ) أَنَّ ضَرَرَ الشَّفِيعِ إنَّمَا أَبْطَلَ الْعُقْدَةَ فِي الشُّفْعَةِ الْمُقْتَضِي إبَاحَةَ الْأَمْوَالِ الَّتِي رُتْبَتُهَا أَخْفَضُ مِنْ رُتْبَةِ الْإِبْضَاعِ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ ضَرَرُ الزَّوْجِ الثَّانِي مُبْطِلًا لِلْعَقْدِ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ الْمُقْتَضِي إبَاحَةَ الْإِبْضَاعِ الَّتِي هِيَ أَعْلَى رُتْبَةً فَبَطَلَ الْقِيَاسُ بِهَذَا الْفَرْقِ
(وَجَوَابُهُ) أَنَّكُمْ إذَا سَلَّمْتُمْ أَنَّ الْإِبْضَاعَ أَعْلَى رُتْبَةً مِنْ الْأَمْوَالِ يَكُونُ الضَّرَرُ بِفَوَاتِ مَقَاصِدِهَا أَعْظَمَ مِنْ ضَرَرِ الشَّرِيكِ فَيَكُونُ أَوْلَى بِالْمُرَاعَاةِ فَكَيْفَ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُبْطِلًا لِلْعَقْدِ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ حَتَّى يُسَلَّمَ بُطْلَانُ الْقِيَاسِ بِهَذَا الْفَرْقِ
(السُّؤَالُ الْخَامِسُ) لِمَ رَجَّحْتُمْ ضَرَرَ الزَّوْجِ الثَّانِي فِي مَسْأَلَةِ النِّزَاعِ عَلَى ضَرَرِ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ فِي مَسْأَلَةِ الرَّجْعِيَّةِ وَالْمَفْقُودِ وَغَيْرِهِمَا مَعَ أَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِي كَمَا حَصَلَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالدُّخُولِ فِي مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ كَذَا الزَّوْجُ الْأَوَّلُ قَدْ حَصَلَ لَهُ أَيْضًا تَعَلُّقٌ فِي مَسْأَلَةِ الرَّجْعَةِ وَالْمَفْقُودِ وَغَيْرِهِمَا لَا سِيَّمَا وَصُحْبَةُ الْأَوَّلِ أَطْوَلُ وَأَكْثَرُ وَمُعَاهَدٌ قَضَاءُ الْأَوْطَارِ بَيْنَهُمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
مَا الْحُبُّ إلَّا لِلْحَبِيبِ الْأَوَّلِ
(وَجَوَابُهُ) أَنَّا رَجَّحْنَا ضَرَرَ الثَّانِي لِكَوْنِهِ أَوْلَى بِالْمُرَاعَاةِ مِنْ ضُرِّ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَعْرَضَ بِالطَّلَاقِ وَتُوحَشُ الْعِصْمَةُ إمَّا بِالطَّلَاقِ وَإِمَّا الْفِرَاقِ مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ وَإِمَّا بِحُصُولِ السَّآمَةِ مِنْ طُولِ الْمُبَاشَرَةِ وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ أَنَّ طُولَ صُحْبَةِ الْمَرْأَةِ تُوجِبُ قِلَّةَ وَقْعِهَا فِي النَّفْسِ وَأَنَّ جِدَّتَهَا تُوجِبُ شِدَّةَ وَقْعِهَا فِي النَّفْسِ وَبِهَذَا يَظْهَرُ سِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَنْكِحَةِ فِي هَذَا الْبَابِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَكَالَاتِ فِي السِّلَعِ وَالْإِجَارَاتِ
(وَالسُّؤَالُ السَّادِسُ) لِمَ اُعْتُبِرَ ثَمَّ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فِي مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ وَنَظَائِرِهَا السَّبْعِ وَلَمْ تَعْتَبِرُوهَا فِي الْأَرْبَعِ الْمَسَائِلِ حَيْثُ قُلْتُمْ فِيهَا إنَّ الزَّوْجَةَ لَا يُفِيتُهَا دُخُولُ الثَّانِي وَهَذَا نَقْضٌ لِمَا ذُكِرَ مِنْ الْفَرْقِ مُوجِبٌ لِعَدَمِ اعْتِبَارِهِ وَإِلْغَائِهِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ الْفَرْقُ بَيْنَ الثَّمَانِ الْمَسَائِلِ الَّتِي اُعْتُبِرَتْ فِيهَا الْقَاعِدَةُ وَالْأَرْبَعِ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَمْ تُعْتَبَرْ فِيهَا
(وَجَوَابُهُ) أَنَّ أَبْعَدَ الثَّمَانِيَةِ عَنْ الْفَوَاتِ بِالدُّخُولِ مَسْأَلَةُ ذَاتِ الْوَلِيَّيْنِ إذْ لَيْسَ فِيهَا حُكْمُ حَاكِمٍ وَلَا ظَاهِرٌ يَقْتَضِي بُطْلَانَ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ مَا فِيهَا حُكْمُ حَاكِمٍ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمَفْقُودِ وَمَسْأَلَةِ الْمَرْأَةِ تَطْلُقُ بِسَبَبِ طُولِ الْغَيْبَةِ وَمَسْأَلَةِ تُسْلِمُ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ تَقَدُّمُ إسْلَامِ زَوْجِهَا فَإِنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ فَسْخِ النِّكَاحِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رضي الله عنه قَالَ إنَّ الْحَاكِمَ إذَا حَكَمَ بِالطَّلَاقِ بِشَهَادَةِ زُورٍ نَفَذَ الطَّلَاقُ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ وَكَذَلِكَ إذَا حَكَمَ بِالنِّكَاحِ
الْمَقَالِ مَعْنَاهُ يَقُومُ مَقَامَ التَّصْرِيحِ بِأَنَّ جَمِيعَ الصُّوَرِ حُكْمُهَا كَذَلِكَ وَإِذَا ظَهَرَ هَذَا الْجَوَابُ ظَهَرَ أَنَّ الْحَقَّ الْأَبْلَجَ الْقَضَاءُ عَلَى عُقُودِهِمْ بِالصِّحَّةِ حَتَّى يُعْلَمَ فَسَادُهَا كَالْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكُفْرَ مَانِعٌ مِنْ عَقْدِ النِّكَاحِ وَقَادِحٌ فِي صِحَّتِهِ وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً كَافِرَةً لَهَا أَخَوَانِ كَافِرٌ وَمُؤْمِنٌ فَأَرَادَتْ الزَّوَاجَ مَنَعْنَا الْمُسْلِمَ مِنْ تَزْوِيجِهِمَا وَقُلْنَا لِأَخِيهَا الْكَافِرِ زَوِّجْهَا لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْكَافِرَةِ بَلْ الْكُفَّارُ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ وَلَوْ أَنَّ نِكَاحَ الْكَافِرِ فَاسِدٌ لَقُلْنَا لِهَذِهِ الْكَافِرَةِ لَا سَبِيلَ لَك إلَى الزَّوَاجِ حَتَّى تُسْلِمِي لِأَنَّ الْكُفْرَ أَحَدُ مَوَانِعِ صِحَّةِ الْعَقْدِ عَلَيْك وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ دَلَّ عَلَى صِحَّةِ عُقُودِهِمْ.
(الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ زَوَاجِ الْإِمَاءِ فِي مِلْكِ غَيْرِ الزَّوْجِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ زَوَاجِ الْإِنْسَانِ لِإِمَائِهِ الْمَمْلُوكَاتِ لَهُ وَالْمَرْأَةِ لِعَبْدِهَا أَوْ فِي غَيْرِ مِلْكِهَا فَإِنَّ الْأَوَّلَ يَصِحُّ بِشَرْطِهِ وَالثَّانِي بَاطِلٌ وَالْفَرْقُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوَاعِدَ)
(الْقَاعِدَةُ الْأُولَى) أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَقْصُودُهُ لَا يُشْرَعُ وَلِذَلِكَ لَا يُحَدُّ الْمَجْنُونُ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ فِي الصِّحَّةِ وَلَا السَّكْرَانُ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْحَدِّ الزَّجْرُ بِمَا يُشَاهِدُ الْمُكَلَّفُ مِنْ الْمُؤْلِمَاتِ وَالْمَذَلَّاتِ وَالْمَهَانَاتِ فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِمِرْآةِ الْعَقْلِ وَكَذَلِكَ لَا يُشْرَعُ اللِّعَانُ لِنَفْيِ النَّسَبِ فِي حَقِّ الْمَجْبُوبِ وَلَا مَنْ لَا يُولَدُ لَهُ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِهِ ذَلِكَ النَّسَبُ وَلَا يُفِيدُ اللِّعَانُ شَيْئًا وَكَذَلِكَ لَا يُشْرَعُ عَقْدُ الْبَيْعِ مَعَ الْجَهَالَةِ وَالْغَرَرِ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ تَنْمِيَةُ الْمَالِ وَتَحْصِيلُ مَقَاصِدِ الْعِوَضَيْنِ وَذَلِكَ بَعِيدُ الْجَهَالَةِ وَالْغَرَرِ وَيَكْفِي أَنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَلَا مَظْنُونٍ فَلَا يُشْرَعُ الْبَيْعُ وَنَظَائِرُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ كَثِيرَةٌ فَلِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ لَا يُشْرَعُ نِكَاحُ الرَّجُلِ أَمَتَهُ لِأَنَّ مَقَاصِدَ النِّكَاحِ حَاصِلَةٌ قَبْلَ الْعَقْدِ بِالْمِلْكِ فَلَمْ يَحْصُلْ الْعَقْدُ لَهُ فِي أَمَتِهِ
(الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ) مِنْ مُقْتَضَى الزَّوْجِيَّةِ قِيَامُ الرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ بِالْحِفْظِ وَالصَّوْنِ وَالتَّأْدِيبِ لِإِصْلَاحِ الْأَخْلَاقِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: 34] وَالِاسْتِرْقَاقُ يَقْتَضِي قَهْرَ السَّادَاتِ وَالْقِيَامَ عَلَى الرَّقِيقِ لِلْأَعْمَالِ وَإِصْلَاحِ الْأَخْلَاقِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَالِاسْتِيلَاءَ بِالِاسْتِهَانَةِ فَيَتَعَذَّرُ أَنْ تَكُونَ أَمَةُ الْإِنْسَانِ زَوْجَتَهُ وَعَبْدُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا لِتَنَاقُضِ آثَارِ الْحُقُوقِ
(الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ) كُلُّ أَمْرَيْنِ لَا يَجْتَمِعَانِ يُقَدِّمُ الشَّرْعُ أَقْوَاهُمَا عَلَى أَضْعَفِهِمَا وَكَذَلِكَ الْعَقْلُ وَالْعُرْفُ وَالرِّقُّ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَالزَّوْجِيَّةِ بِشُهُودِ زُورٍ ثَبَتَ النِّكَاحُ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ وَجَازَ لِأَحَدِ تِلْكَ الشُّهُودِ الزُّورِ أَنْ يَتَزَوَّجَ تِلْكَ الْمَرْأَةَ الَّتِي شَهِدَ بِطَلَاقِهَا مَعَ عِلْمِهِ بِكَذِبِ نَفْسِهِ وَأُبِيحَتْ الزَّوْجَةُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُخْرَى فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَجُعِلَ حُكْمُهُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ عَقْدًا وَلَا طَلَاقًا بِمَنْزِلَةِ الطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ وَلِهَذَا الْمُدْرَكِ عُمِّمَ نُفُوذُ الْأَحْكَامِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ فِي كُلِّ مَا يُمْكِنُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِهِ فِي صُوَرٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهَا مِنْ الْفُسُوخِ وَالْعُقُودِ دُونَ مَا لَا يَدْخُلُهُ حُكْمُ الْحَاكِمِ فَتَسْتَقِلُّ بِهِ الذِّمَّةُ مِنْ الدُّيُونِ وَنَحْوِهَا وَنَحْنُ وَإِنْ لَمْ نَقُلْ بِهَذَا الْمُدْرَكِ بَلْ قُلْنَا لَا يَنْفَدُ هَذَا الْحُكْمُ لَا أَنَّهُ لَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ نُبْقِيَهُ فَارِقًا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ بَيْنَ مَا فِيهِ حُكْمُ حَاكِمٍ وَبَيْنَ مَا لَيْسَ فِيهِ حُكْمُ حَاكِمٍ فَيَكُونُ مَا فِيهِ أَقْرَبَ إلَى الْفَوَاتِ بِالدُّخُولِ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ.
وَبِخِلَافِ مَا فِيهَا ظَاهِرٌ يَنْكَشِفُ خِلَافُهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ تَعْلَمُ بِالطَّلَاقِ دُونَ الرَّجْعَةِ فَإِنَّ ظَاهِرَ الطَّلَاقِ يُبِيحُ الْعَقْدَ وَمِنْ مَسْأَلَةِ الْأَمَةِ يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا كَمَا تَقَدَّمَ فَإِنَّ ظَاهِرَ الطَّلَاقِ يُبِيحُ وَطْئًا سَيِّدِهَا وَمِنْ مَسْأَلَةِ امْرَأَةِ الْمُرْتَدِّ فَإِنَّ ظَاهِرَ الْكُفْرِ يُبِيحُ الْعَقْدَ وَمِنْ مَسْأَلَةِ الرَّجُلِ يُسْلِمُ عَلَى كَثِيرِ نِسْوَةٍ فَإِنَّ ظَاهِرَ حَالِهِنَّ يَقْتَضِينَ الِاخْتِيَارَ وَتَزَوَّجَهُنَّ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ الِاخْتِيَارِ فِيهِنَّ فَالْمَرْأَةُ وَكَذَلِكَ وَلِيُّهَا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ مَعْذُورَةٌ مَأْذُونٌ لَهَا فِي الْإِقْدَامِ عَلَى الْعَقْدِ الثَّانِي بِسَبَبِ الظَّاهِرِ فَيَكُونُ مَا فِيهِ ظَاهِرٌ أَقْرَبَ إلَى الْفَوَاتِ بِالدُّخُولِ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ وَحَيْثُ كَانَتْ مَسْأَلَةُ ذَاتِ الْوَلِيَّيْنِ أَبْعَدَ الْمَسَائِلِ الثَّمَانِ الَّتِي اُعْتُبِرَتْ فِيهَا الْقَاعِدَةُ عَنْ الْفَوَاتِ بِالدُّخُولِ فَلْنُعَيِّنْهَا لِبَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ الَّتِي لَمْ تُعْتَبَرْ فِيهَا الْقَاعِدَةُ لِيَحْصُلَ الْفَرْقُ بَيْنَ بَاقِي الثَّمَانِيَةِ وَبَيْنَ الْأَرْبَعَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَنَقُولُ: أَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ يُنْعَى لَهَا زَوْجُهَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ فَهُوَ أَنَّ الْمَوْتَ شَأْنُهُ الشُّهْرَةُ وَالظُّهُورُ وَلَيْسَ اشْتِهَارُ عَقْدِ الْوَلِيِّ الْأَوَّلِ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي الْوُجُودِ كَاشْتِهَارِ الْمَوْتِ وَلَا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى الْإِخْبَارِ بِهِ كَتَوَفُّرِهَا عَلَى الْإِخْبَارِ بِمَوْتِ إنْسَانٍ وَالتَّفَجُّعِ عَلَيْهِ كَمَا تَشْهَدُ الْعَوَائِدُ بِذَلِكَ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْخَطَأَ فِيمَا الشَّأْنُ فِيهِ الشُّهْرَةُ وَالظُّهُورُ التَّامُّ نَادِرٌ فَيَضْعُفُ الْعُذْرُ فَلَا يَفُوتُ بِالدُّخُولِ. وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ مَسْأَلَةِ التَّطْلِيقِ بِالْإِعْسَارِ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ فَهُوَ أَنَّ الْمَرْأَةَ فِي الْأُولَى ظَالِمَةٌ قَاصِدَةُ الْفَسَادِ فَنَاسَبَ أَنْ تُعَاقَبَ بِنَقِيضِ مَقْصُودِهَا فِي إبْطَالِ تَصَرُّفِهَا بِالزَّوَاجِ لِأَنَّهَا تَعْلَمُ أَنَّهَا أَسْقَطَتْ النَّفَقَةَ وَأَنَّهَا مُبْطِلَةٌ فِي جَمِيعِ تَصَرُّفِهَا وَدَعْوَاهَا بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ إذْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهَا عِلْمٌ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ.
وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ مَسْأَلَةِ مَنْ يَقُولُ عَائِشَةُ طَالِقٌ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ فَهُوَ مِنْ جِهَتَيْنِ الْأُولَى أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْأُولَى يُبْنَى عَلَى اسْتِصْحَابِ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ زَوَاجِهِ لِامْرَأَةٍ أُخْرَى وَاسْتِصْحَابُ الْأَصْلِ أَضْعَفُ مِنْ
أَقْوَى مِنْ النِّكَاحِ لِكَوْنِهِ يُوجِبُ التَّمَكُّنَ مِنْ الْمَنَافِعِ الَّتِي بَعْضُهَا حِلُّ النِّكَاحِ مَعَ صِحَّةِ الْإِيجَارِ وَالْإِخْدَامِ مَعَ مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَلَا يَقْتَضِي النِّكَاحُ غَيْرَ إبَاحَةِ الْوَطْءِ فَيَكُونُ لِذَلِكَ أَقْوَى فَيُقَدَّمُ عَلَى النِّكَاحِ وَبِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ نُجِيبُ عَنْ قَوْلِ السَّائِلِ إذَا اشْتَرَى امْرَأَتَهُ انْفَسَخَ النِّكَاحُ السَّابِقُ لِطُرُوءِ الْمُنَافِي عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ إذَا تَزَوَّجَ أَمَتَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَبْطُلَ الْمِلْكُ لِوُرُودِ الْمُنَافِي عَلَيْهِ فَنَقُولُ فِي الْجَوَابِ إنَّ الْمُدْرَكَ لَيْسَ تَقْدِيمَ الطَّارِئِ عَلَى السَّابِقِ بَلْ الْمُدْرَكُ أَنَّ الرِّقَّ أَقْوَى وَهُوَ مُقَدَّمٌ فِي الْحَالَتَيْنِ إنْ تَقَدَّمَ قُدِّمَ وَإِنْ تَأَخَّرَ قُدِّمَ فَإِنْ سَبَقَ لَا يَبْطُلُ وَإِنْ طَرَأَ أَبْطَلَ وَهَذَا هُوَ أَثَرُ الْقُوَّةِ وَالرُّجْحَانِ فَانْدَفَعَ السُّؤَالُ وَبِهَذِهِ الْقَوَاعِدِ الثَّلَاثِ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ اجْتِمَاعِ النِّكَاحِ وَالرِّقِّ الْكَائِنِ لِغَيْرِ الزَّوْجَيْنِ وَبَيْنَ امْتِنَاعِ اجْتِمَاعِهِمَا إذَا كَانَ الرِّقُّ لِلزَّوْجَيْنِ.
(الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحَجْرِ عَلَى النِّسْوَانِ فِي الْإِبْضَاعِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْحَجْرِ عَلَيْهِمْ فِي الْأَمْوَالِ)
اعْلَمْ أَنَّ النِّسَاءَ عَلَى الْإِطْلَاقِ لَا يَجُوزُ لِامْرَأَةٍ أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا وَتَتَصَرَّفَ فِي بُضْعِهَا كَانَتْ ثَيِّبًا أَوْ بِكْرًا رَشِيدَةً فِي مَالِهَا أَمْ لَا دَنِيَّةً عَفِيفَةً أَمْ فَاخِرَةً وَأَمَّا الْأَمْوَالُ فَيُفَرَّقُ فِيهَا بَيْنَ الرَّشِيدَةِ الثَّيِّبِ وَغَيْرِهَا فَيَجُوزُ لَهَا التَّصَرُّفُ وَلَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَ أَبَاهَا الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ الْأَوْلِيَاءِ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ الْجَبْرِ وَالْفَرْقُ مِنْ وُجُوهٍ
(أَحَدُهَا) أَنَّ الْإِبْضَاعَ أَشَدُّ خَطَرًا وَأَعْظَمُ قَدْرًا فَنَاسَبَ أَنْ لَا تُفَوِّضَ إلَّا لِكَامِلِ الْعَقْلِ يَنْظُرُ فِي مَصَالِحِهَا وَالْأَمْوَالُ خَسِيسَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا فَجَازَ تَفْوِيضُهَا لِمَالِكِهَا إذْ الْأَصْلُ أَنْ لَا يَتَصَرَّفَ فِي الْمَالِ إلَّا مَالِكُهُ
(وَثَانِيهَا) أَنَّ الْإِبْضَاعَ يُعْرِضُ لَهَا تَنْفِيذَ الْأَغْرَاضِ فِي تَحْصِيلِ الشَّهَوَاتِ الْقَوِيَّةِ الَّتِي يُبْذَلُ لِأَجْلِهَا عَظِيمُ الْمَالِ وَمِثْلُ هَذَا الْهَوَى يُغَطِّي عَلَى عَقْلِ الْمَرْأَةِ وُجُوهَ الْمَصَالِحِ لِضَعْفِهِ فَتُلْقِي نَفْسَهَا لِأَجْلِ هَوَاهَا فِيمَا يُرْدِيهَا فِي دُنْيَاهَا وَأُخْرَاهَا فَحُجِرَ عَلَيْهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ لِاحْتِمَالِ تَوَقُّعِ مِثْلِ هَذَا الْهَوَى الْمُفْسِدِ وَلَا يَحْصُلُ فِي الْمَالِ مِثْلُ هَذَا الْهَوَى وَالشَّهْوَةِ الْقَاهِرَةِ الَّتِي رُبَّمَا حَصَلَ الْجُنُونُ وَذَهَابُ الْعَقْلِ بِسَبَبِ فَوَاتِهَا
(وَثَالِثُهَا) أَنَّ الْمَفْسَدَةَ إذَا حَصَلَتْ فِي الْإِبْضَاعِ بِسَبَبِ زَوَاجِ غَيْرِ الْأَكْفَاءِ حَصَلَ الضَّرَرُ وَتَعَدَّى لِلْأَوْلِيَاءِ بِالْعَارِ وَالْفَضِيحَةِ الشَّنْعَاءِ وَإِذَا حَصَلَ الْفَسَادُ فِي الْمَالِ لَا يَكَادُ يَتَعَدَّى الْمَرْأَةَ وَلَيْسَ فِيهِ مِنْ الْعَارِ وَالْفَضِيحَةِ مَا فِي الْإِبْضَاعِ وَالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا مِنْ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
اسْتِصْحَابِ عَدَمِ عَقْدِ الْوَلِيِّ عَلَى مُوَلِّيَتِهِ فَإِنَّ الْعُقُودَ لِأَوْلِيَائِهَا غَالِبًا وَعُقُودُ الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ لَا تَشْتَهِرُ عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَالْحَاكِمُ وَإِنْ اعْتَمَدَ فِي الطَّلَاقِ بِسَبَبِ الْغَيْبَةِ عَلَى الْأَصْلِ الْعَدَمِيِّ وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ إيصَالِ حُقُوقِهَا إلَيْهَا إلَّا أَنَّ الْغَيْبَةَ هُنَاكَ صُورَةٌ ظَاهِرَةٌ شَاهِدَةٌ عَلَى الزَّوْجِ بِدَعْوَى الْمَرْأَةِ وَلَيْسَ هُنَا صُورَةٌ ظَاهِرَةٌ تَشْهَدُ بِعَدَمِ زَوَاجِ امْرَأَةٍ أُخْرَى تُسَمَّى عَائِشَةَ. الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّ الْوَلِيَّ الْعَاقِدَ لِلْعَقْدِ الثَّانِي مَأْذُونٌ لَهُ فِي الْعَقْدِ إجْمَاعًا وَلَيْسَ لَهُ مُعَارِضٌ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ فَكَانَ عَقْدُهُ بِالنُّفُوذِ أَوْلَى بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ هَاهُنَا فَإِنَّهَا لَمَّا تَزَوَّجَتْ مَعَ قَوْلِ الزَّوْجِ لِي امْرَأَةٌ أُخْرَى تُسَمَّى عَائِشَةَ وَهُوَ قَوْلٌ ظَاهِرُهُ الصِّدْقُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُسْلِمٌ عَاقِلٌ وَقَدْ أَخْبَرَ عَنْ أَمْرٍ مُمْكِنٌ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ قِبَلِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُصَدَّقَ فِيهِ كَمَا تُصَدَّقُ الْمَرْأَةُ فِي حَيْضِهَا وَطُهْرِهَا وَسَقْطِهَا وَانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا لِأَنَّهَا أُمُورٌ لَا تُعْلَمُ إلَّا مِنْ قِبَلِهَا، كَانَ قَوْلُ الزَّوْجِ مَا ذُكِرَ مُعَارِضًا لِتَصَرُّفِ الْمَرْأَةِ وَتَصَرُّفِ وَلِيِّهَا فِي الْعَقْدِ. وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَمَةِ تَعْتِقُ فَتَخْتَارُ نَفْسَهَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ فَهُوَ أَنَّ زَوْجَ الْأَمَةِ مُتَهَافِتٌ عَلَيْهَا مُتَعَلِّقٌ بِهَا غَايَةَ التَّعَلُّقِ بِسَبَبِ أَنَّهَا نَزَعَتْ عِصْمَتَهَا مِنْهُ قَهْرًا وَالنُّفُوسُ مَجْبُولَةٌ عَلَى حُبِّ مَا مُنِعَتْ مِنْهُ فَنَاسَبَ ذَلِكَ الرَّدَّ إلَيْهِ وَلَمْ يَحْصُلْ فِي مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ لِلزَّوْجِ الْمَعْقُودِ أَوَّلًا هَذَا التَّعَلُّقُ بِسَبَبِ أَنَّهُ لَمْ يَرَ الْمَرْأَةَ وَلَمْ يُبَاشِرْهَا فَكَانَتْ أَوْلَى بِالْفَوَاتِ عَلَيْهِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ الدَّافِعُ لِلنُّقُوضِ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ.
وَبِهِ يَصِحُّ الْمُدْرَكُ وَيَتَبَيَّنُ مَا قَالَهُ مَالِكٌ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَكِيلَيْنِ فِي عُقُودِ الْبِيَاعَاتِ وَالْإِجَارَاتِ وَغَيْرِهَا مِنْ كَوْنِ الْمُعْتَبَرِ هُوَ الْأَوَّلُ فَقَطْ الْتَحَقَ بِالثَّانِي تَسْلِيمٌ أَوْ لَا وَقَاعِدَةُ الْوَكِيلَيْنِ فِي الْأَنْكِحَةِ مِنْ كَوْنِ الْمُعْتَبَرِ عَقْدَ الثَّانِي إنْ حَصَلَ دُخُولٌ وَإِلَّا فَعَقْدُ الْأَوَّلِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ أَفْتَى جَمْعٌ كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ بِذَلِكَ فَلَا بُدَّ لِعُقُولِهِمْ الصَّافِيَةِ مِنْ قَوَاعِدَ يُلَاحِظُونَهَا وَلَعَلَّهُمْ لَاحَظُوا مَا ذُكِرَ مِنْ هَذِهِ الْمَبَاحِثِ فَإِنَّ بِمُلَاحَظَتِهِمَا يَقْرُبُ الْفَرْقُ الْمَذْكُورُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ مِنْ الْقَوَاعِدِ وَيَظْهَرُ وَجْهُ الصَّوَابِ فِيهِ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ يَسَّرَ فِي هَذِهِ الْمَبَاحِثِ مِنْ الْحُجَّةِ مَا لَمْ أَرَهُ قَطُّ لِأَحَدٍ حَتَّى آلَ الْفَرْقُ بِهَا عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ مِنْ الْقُرْبِ وَالظُّهُورِ بَعْدَ أَنْ كَانَ فِي غَايَةِ الْعُسْرِ وَالْقَلَقِ وَالْبُعْدِ عَنْ الْقَوَاعِدِ اهـ كَلَامُ الْأَصْلِ بِتَنْقِيحٍ وَزِيَادَةٍ وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الشَّاطِّ بِوَجْهَيْنِ
(الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي سِرِّ الْفَرْقِ بَيْنَ تِلْكَ الْقَاعِدَتَيْنِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ وَنَظَرٍ
(الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ مَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُهُ: إنَّ الشَّافِعِيَّ يُسَوِّي بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ مِنْ أَنَّ مَالِكًا لَا يُسَوِّي بَيْنَهُمَا لَيْسَ بِشَيْءٍ بَلْ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُسَوِّي بَيْنَهُمَا أَيْضًا إذْ كَمَا أَنَّ السِّلْعَةَ فِي الْبَيْعِ إذَا هَلَكَتْ كَانَ هَلَاكُهَا فَوْتًا وَنُفُوذًا لِلْعَقْدِ الثَّانِي عِنْدَهُ كَذَلِكَ الْمَرْأَةُ فِي النِّكَاحِ فِي الْمَسَائِلِ