الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الْفَرْقُ السَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَلْزَمُ الْكَافِرَ إذَا أَسْلَمَ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَلْزَمُهُ)
اعْلَمْ أَنَّ أَحْوَالَ الْكَافِرِ مُخْتَلِفَةٌ إذَا أَسْلَمَ فَيَلْزَمُهُ ثَمَنُ الْبِيَاعَاتِ وَأَجْرُ الْإِجَارَاتِ وَدَفْعُ الدُّيُونِ الَّتِي اقْتَرَضَهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُهُ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ الْقِصَاصُ وَلَا الْغَصْبُ وَالنَّهْبُ إنْ كَانَ حَرْبِيًّا، وَأَمَّا الذِّمِّيُّ فَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْمَظَالِمِ وَرَدُّهَا؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ الذِّمَّةَ وَهُوَ رَاضٍ بِمُقْتَضَى عَقْدِ الذِّمَّةِ.
وَأَمَّا الْحَرْبِيُّ فَلَمْ يَرْضَ بِشَيْءٍ فَلِذَلِكَ أَسْقَطَا عَنْهُ الْغُصُوبَ وَالنُّهُوبَ وَالْغَارَاتِ وَنَحْوَهَا، وَأَمَّا حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا تَلْزَمُهُ وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا مِمَّا تَقَدَّمَ فِي كُفْرِهِ لَا ظِهَار وَلَا نَذْرَ وَلَا يَمِينَ مِنْ الْأَيْمَانِ وَلَا قَضَاءَ الصَّلَوَاتِ وَلَا الزَّكَوَاتِ وَلَا شَيْءَ فَرَّطَ فِيهِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» وَضَابِطُ الْفَرْقِ أَنَّ حُقُوقَ الْعِبَادِ قِسْمَانِ مِنْهَا مَا رَضِيَ بِهِ حَالَةَ كُفْرِهِ وَاطْمَأَنَّتْ نَفْسُهُ بِدَفْعِهِ لِمُسْتَحِقِّهِ فَهَذَا لَا يَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ إلْزَامَهُ إيَّاهُ لَيْسَ مُنَفِّرًا لَهُ عَنْ الْإِسْلَامِ لِرِضَاهُ وَمَا لَمْ يَرْضَ بِدَفْعِهِ لِمُسْتَحِقِّهِ كَالْقَتْلِ وَالْغَصْبِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ إنَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا مُعْتَمِدًا عَلَى أَنَّهُ لَا يُوَفِّيهَا أَهْلَهَا فَهَذَا كُلُّهُ يَسْقُطُ؛ لِأَنَّ فِي إلْزَامِهِ مَا لَمْ يَعْتَقِدْ لُزُومَهُ تَنْفِيرًا لَهُ عَنْ الْإِسْلَامِ فَقُدِّمَتْ مَصْلَحَةُ الْإِسْلَامِ عَلَى مَصْلَحَةِ ذَوِي الْحُقُوقِ، وَأَمَّا حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى فَتَسْقُطُ مُطْلَقًا رَضِيَ بِهَا أَمْ لَا وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْإِسْلَامَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَالْعِبَادَاتِ وَنَحْوَهَا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، فَلَمَّا كَانَ الْحَقَّانِ لِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ نَاسَبَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
عَلَى تَخْصِيصِ مَنْ لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ وَبَقِيَ مَنْ عَدَاهُ عَلَى الْعُمُومِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال: 75] .
(وَسَبَبُ) الِاخْتِلَافِ (أَمَّا أَوَّلًا) فَهُوَ أَنَّهُمْ بَعْدَ أَنْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ الْوَالِدَيْنِ الْفَقِيرَيْنِ اللَّذَيْنِ لَا كَسْبَ لَهُمَا وَلَا مَالَ وَاجِبٌ فِي مَالِ الْوَلَدِ كَمَا حَكَاهُ فِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ عَنْ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَكَذَا عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ الْأَوْلَادِ الْفُقَرَاءِ الَّذِينَ لَا كَسْبَ لَهُمْ وَلَا مَالَ وَاجِبٌ فِي مَالِ الْأَبِ لِمَا سَبَقَ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ لَفْظَ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَالِابْنِ فِيمَا سَبَقَ مِنْ الْأَدِلَّةِ هَلْ تَتَنَاوَلُ غَيْرَ الْأَدْنَيْنَ بِالْوَضْعِ الْأَصْلِيِّ وَحِينَئِذٍ التَّجَوُّزُ بِقَصْرِهَا عَنْ الْأَدْنَيْنَ يَحْتَاجُ إلَى قَرِينَةٍ أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْمَجَازَ انْتَهَى إلَى أَنْ صَارَ عُرْفًا وَإِذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ وَجَبَ التَّمَسُّكُ بِالْحَقِيقَةِ وَالِاقْتِصَارُ عَلَيْهَا أَوْ لَا تَتَنَاوَلُ بِالْوَضْعِ الْأَصْلِيِّ غَيْرَ الْأَدْنَيْنَ بِدَلِيلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ لِلْأُمِّ الثُّلُثَ وَلَمْ تَسْتَحِقَّهُ الْجَدَّةُ وَحُجِبَ الْإِخْوَةُ بِالْأَبِ وَلَمْ يَحْجُبْهُمْ بِالْجَدِّ وَأَنَّ بِنْتَ الِابْنِ لَهَا السُّدُسُ مَعَ بِنْتِ الصُّلْبِ مَعَ أُخْتِهَا فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ تَتَنَاوَلُ هَذِهِ الطَّبَقَاتِ عَلَى اخْتِلَافِهَا بِطَرِيقِ التَّوَاطُؤِ حَقِيقَةً لَزِمَ تَعْمِيمُ الْحُكْمِ فِيهَا كُلِّهَا عَلَى السَّوَاءِ وَإِلَّا لَزِمَ تَرْكُ الْعَمَلِ بِالدَّلِيلِ وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ إنَّمَا تَتَنَاوَلُ هَذِهِ الطَّوَائِفَ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ فَيَلْزَمُهُ هُنَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَهُوَ مَجَازٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ هَلْ يَجُوزُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ أَمْ لَا وَنَحْنُ فِي الْمَجَازِ الْمُجْمَعِ عَلَى جَوَازِهِ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ لَا نَعْدِلُ بِاللَّفْظِ إلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَالْحَمْلُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ خَطَأٌ قَطْعًا فَهَاهُنَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِكَوْنِهِ ضَعِيفًا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مَجَازٌ وَأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي جَوَازِهِ بِلُغَةٍ.
وَأَمَّا ثَانِيًا فَهُوَ اخْتِلَافُهُمْ فِي أَنَّ النَّفَقَةَ هَلْ هِيَ حَقٌّ لِذَوِي الْقُرْبَى فَيَتَنَاوَلُهَا لَفْظُ الْحَقِّ فِي الْآيَةِ أَمْ لَا فَلَا يَتَنَاوَلُهَا قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَأَمَّا ثَالِثًا فَهُوَ اخْتِلَافُهُمْ فِي أَنَّ أَوْلَى فِي الْآيَةِ وَإِنْ كَانَ نَكِرَةً فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ لَا عُمُومَ فِيهِ بَلْ هُوَ مُطْلَقٌ فِيمَا ذَوُو الْأَرْحَامِ فِيهِ أَوْلَى مِنْ وِلَايَةِ النِّكَاحِ وَمِنْ الْمُعَاضَدَةِ وَالْمُنَاصَرَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا فَإِنَّهُمْ أَوْلَى بِالْإِحْسَانِ إلَى بَعْضِهِمْ بَعْضًا بِالنُّصْرَةِ إجْمَاعًا فَهَلْ يَمْتَنِعُ جَعْلُهُ عَامًّا بِأَنْ يُعَدَّى حُكْمُهُ إلَى صُورَةٍ أُخْرَى بِغَيْرِ دَلِيلٍ كَمَا يَمْتَنِعُ جَعْلُ الْعَامِّ مُطْلَقًا بِغَيْرِ دَلِيلٍ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ أَوْ لَا يَمْتَنِعُ.
قَالَ الْأَصْلُ فَظَهَرَ مِنْ هَذِهِ الِاسْتِدْلَالَاتِ أَيْ لِمَالِكٍ وَغَيْرِهِ صِحَّةُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَتَفْضِيلُهُ عَلَى غَيْرِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَظَهَرَ الْفَرْقُ أَيْضًا مِنْ خِلَالِ ذَلِكَ ظُهُورًا بَيِّنًا لَكِنْ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ لَمْ يَظْهَرْ مَا قَالَهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْأَلْفَاظُ تَتَنَاوَلُ غَيْرَ الْأَدْنَيْنَ أَيْضًا بِالْوَضْعِ الْأَصْلِيِّ لَكِنْ وَقَعَ التَّجَوُّزُ بِقَصْرِهَا عَلَى الْأَدْنَيْنَ فَيَحْتَاجُ هَذَا الْمَجَازُ إلَى قَرِينَةٍ أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ انْتَهَى إلَى أَنْ صَارَ عُرْفًا وَلَا دَلِيلَ لَهُ فِيمَا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ لَفْظَ الْأَبِ وَمَا مَعَهُ لَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَ الْأَدْنَيْنَ إلَّا مَجَازًا فَافْهَمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ شَيْئًا لَا يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ إلَّا بِحُجَّةٍ ظَاهِرَةٍ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ مِنْ الزَّوْجَيْنِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ يُقَدَّمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ]
(الْفَرْقُ السِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ فِي غَيْرِ الزَّوْجَيْنِ شَيْئًا لَا يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ إلَّا بِحُجَّةٍ ظَاهِرَةٍ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ مِنْ الزَّوْجَيْنِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ يُقَدَّمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ)
عِنْدَ مَالِكٍ وَوَافَقَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَفُقَهَاءُ الْمَدِينَةِ السَّبْعَةُ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ - نَعَمْ خَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ مَالِكًا فِي بَعْضِ فُرُوعِ الْمَسْأَلَةِ وَسَيَأْتِي تَقْرِيرُ الْمَنْقُولَاتِ فِيهَا فَتَرَقَّبْ لَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَقَدْ قَالَ لَا يُقَدَّمُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ إلَّا بِحُجَّةٍ ظَاهِرَةٍ كَسَائِرِ الْمُدَّعِينَ مُحْتَجًّا بِثَلَاثَةِ أُمُورٍ
(الْأَمْرُ الْأَوَّلُ) قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» فَكُلُّ مَنْ ادَّعَى مِنْ الزَّوْجَيْنِ
أَنْ يُقَدَّمَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَيُسْقِطَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ لِحُصُولِ الْحَقِّ الثَّانِي لِجِهَةِ الْحَقِّ السَّاقِطِ.
وَأَمَّا حَقُّ الْآدَمِيِّينَ فَجِهَةُ الْآدَمِيِّينَ وَالْإِسْلَامُ لَيْسَ حَقًّا لَهُمْ، بَلْ لِجِهَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَنَاسَبَ أَنْ لَا يَسْقُطَ حَقُّهُمْ بِتَحْصِيلِ حَقِّ غَيْرِهِمْ
(وَثَانِيهِمَا) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَرِيمٌ جَوَادٌ تُنَاسِبُ رَحْمَتُهُ الْمُسَامَحَةَ وَالْعَبْدُ بَخِيلٌ ضَعِيفٌ فَنَاسَبَ ذَلِكَ التَّمَسُّكَ بِحَقِّهِ فَسَقَطَتْ حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى مُطْلَقًا وَإِنْ رَضِيَ بِهَا كَالنُّذُورِ وَالْأَيْمَانِ أَوْ لَمْ يَرْضَ بِهَا كَالصَّلَوَاتِ وَالصِّيَامِ وَلَا يَسْقُطُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ إلَّا مَا تَقَدَّمَ الرِّضَى بِهِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ.
(الْفَرْقُ الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُجْزِئُ فِيهِ فِعْلُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ عَنْهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُجْزِئُ فِيهِ فِعْلُ الْغَيْرِ عَنْهُ)
اعْلَمْ أَنَّ الْأَفْعَالَ الْمَأْمُورَ بِهَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ (قِسْمٌ) اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى صِحَّةِ فِعْلِ غَيْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ عَنْ الْمَأْمُورِ وَذَلِكَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُجْزِئُ فِيهِ فِعْلُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ عَنْهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُجْزِئُ فِيهِ فِعْلُ الْغَيْرِ عَنْهُ)
قُلْت قَدْ ذُكِرَ قَبْلَ هَذَا الْفَرْقُ الْعَاشِرُ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَصِحُّ فِيهِ النِّيَابَةُ وَقَاعِدَةِ مَا لَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهِ وَهُوَ هَذَا بِعَيْنِهِ غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ هُنَا مَسَائِلَ لَمْ يَذْكُرْهَا هُنَاكَ، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا فِي الْفَرْقِ السَّادِسَ عَشَرَ وَالْمِائَتَيْنِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِيهِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِيهِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْهُ أَوْ هُوَ هُوَ وَمَا قَالَهُ بَعْدُ إلَى آخِرِ الْقَوَاعِدِ نَقْلٌ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
كَانَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ
(الْأَمْرُ الثَّانِي) الْقِيَاسُ عَلَى الصَّبَّاغِ وَالْعَطَّارِ فَكَمَا أَنَّهُمَا إذَا تَدَاعَيَا آلَةَ الْعِطْرِ وَالصَّبْغِ لَا يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ إلَّا بِحُجَّةٍ ظَاهِرَةٍ وَإِنْ شَهِدَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّ آلَةَ الْعِطْرِ لِلْعَطَّارِ وَآلَةَ الصَّبْغِ لِلصَّبَّاغِ كَذَلِكَ هَاهُنَا
(الْأَمْرُ الثَّالِثُ) أَنَّ حُكْمَ الْيَدِ كَمَا لَا يَسْقُطُ بِالصَّلَاحِيَةِ فِيمَا إذَا كَانَ فِي يَدِ ثَالِثٍ غَيْرِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ كَذَلِكَ لَا يَسْقُطُ بِهَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَكُونُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ بِيَدِ أَحَدِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِمَا امْرَأَتَيْنِ أَوْ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَةً أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ كَانَ بِيَدِهِ خَلْخَالٌ فَادَّعَتْهُ امْرَأَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْخَلْخَالُ لَا يَصْلُحُ مِنْ لِبَاسِهِ لِأَجْلِ أَنَّ يَدَهُ عَلَيْهِ وَأَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ كَانَ بِيَدِهَا سَيْفٌ فَادَّعَاهُ رَجُلٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَإِنْ كَانَ لَا يَصْلُحُ لَهَا لِأَجْلِ أَنَّ يَدَهَا عَلَيْهِ فَالزَّوْجَانِ إذَا كَانَا فِي الدَّارِ وَفِيهَا مَا يَصْلُحُ لِأَحَدِهِمَا وَيَدُهُمَا عَلَيْهِ كَذَلِكَ لَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْيَدِ بِصَلَاحِيَتِهِ لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ.
وَوَجْهُ الْجَوَابِ وَالْفَرْقِ إمَّا عَنْ الْحَدِيثِ فَهُوَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ هُوَ كُلُّ مَنْ كَانَ قَوْلُهُ خِلَافَ أَصْلٍ أَوْ عُرْفٍ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ كُلُّ مَنْ كَانَ قَوْلُهُ عَلَى وَفْقِ أَصْلٍ أَوْ عُرْفٍ مَثَلًا الْمُدَّعِي بِالدَّيْنِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءُ الذِّمَّةِ وَالْمَطْلُوبُ الْمُنْكَرُ عَلَى وَفْقِ الْأَصْلِ لِمَا عَلِمْت وَالْمُدَّعِي رَدَّ الْوَدِيعَةَ وَقَدْ قَبَضَهَا بِبَيِّنَةٍ هُوَ الْمُدَّعِي لِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ وَالْعُرْفِ بِسَبَبِ أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ مَنْ قَبَضَ بِبَيِّنَةٍ لَا يَرُدُّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَالْمُدَّعِي عَدِمَ قَبْضَهَا لِكَوْنِ قَوْلِهِ عَلَى وَفْقِ الظَّاهِرِ وَالْعُرْفُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ تَقْتَضِي أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا ادَّعَتْ مُقَنَّعَةً وَشِبْهَهَا كَانَ قَوْلُهَا عَلَى وَفْقِ الظَّاهِرِ وَقَوْلُ الزَّوْجِ عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ فَالزَّوْجُ مُدَّعٍ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَهِيَ مُدَّعَى عَلَيْهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا تَقُولُ بِمُوجِبِ الْحَدِيثِ لَا أَنَّهُ حُجَّةٌ عَلَيْنَا قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَتَمَسُّكُ الشَّافِعِيِّ بِالْحَدِيثِ ظَاهِرٌ وَجَوَابُ الْمَالِكِيَّةِ بِتَفْسِيرِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمَا فَسَرُّوا بِهِ لَا بَأْسَ بِهِ. اهـ
(وَأَمَّا عَنْ الْقِيَاسِ) عَلَى الصَّبَّاغِ وَالْعَطَّارِ فَهُوَ بَاطِلٌ أَمَّا عَلَى قَوْلِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا بِالْتِزَامِ مُسَاوَاةِ مَسْأَلَةِ الصَّبَّاغِ وَالْعَطَّارِ لِمَسْأَلَةِ الزَّوْجَيْنِ فِي تَقْدِيمِ مَا شَهِدَتْ الْعَادَةُ لَهُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الْقَصَّارِ فِي عُيُونِ الْأَدِلَّةِ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} [الأعراف: 199] مِنْ أَنَّ كُلَّ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْعَادَةُ قُضِيَ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ بَيِّنًا وَلِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مُدَّعِي الْعَادَةَ فِي مَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَلِأَنَّ الْقِيَاسَ لَا يَصِحُّ مَعَ الْفَارِقِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ إمَّا مَعَ كَوْنِ الصَّبَّاغِ وَالْعَطَّارِ فِي حَانُوتَيْنِ أَوْ تَدَاعَيَا شَيْئًا فِي يَدِ ثَالِثٍ فَهُوَ أَنَّ الضَّرُورَةَ تَدْعُو لِلْمُلَابَسَةِ فِي حَقِّ الزَّوْجَيْنِ فَسَلَكَ بِهِمَا أَقْرَبَ الطُّرُقِ فِي إثْبَاتِ أَمْوَالِهِمَا وَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُو لِمُلَابَسَةِ الْعَطَّارِ وَالصَّبَّاغِ فَجَرَيَا عَلَى قَاعِدَةِ الدَّعَاوَى وَأَمَّا مَعَ كَوْنِهِمَا فِي حَانُوتٍ وَاحِدٍ فَهُوَ أَنَّ الْإِشْهَادَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ يَتَعَذَّرُ لِأَنَّهُمَا لَوْ اعْتَمَدَا ذَلِكَ وَأَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ شَيْءٌ أَشْهَدَ عَلَيْهِ لَأَدَّى ذَلِكَ إلَى الْمُنَافَرَةِ وَعَدَمِ الْوِدَادِ بَيْنَهُمَا وَرُبَّمَا أَفْضَى ذَلِكَ إلَى الطَّلَاقِ وَالْقَطِيعَةِ فَهُمَا مَعْذُورَانِ فِي عَدَمِ الْإِشْهَادِ كَالْغِفَارَةِ إلَى ذَلِكَ فَلَوْ لَمْ يُقْضَ بَيْنَهُمَا مَعَ ذَلِكَ الْإِلْجَاءِ بِالْعَادَةِ لَاسْتَدَّ الْبَابُ عَلَيْهِمَا بِخِلَافِ الْعَطَّارِ وَالصَّبَّاغِ إذَا كَانَا فِي حَانُوتٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ لَا ضَرُورَةَ تَدْعُوهُمَا لِعَدَمِ الْإِشْهَادِ لِكَوْنِهِمَا أَجْنَبِيَّيْنِ لَا يَتَأَلَّمَانِ مِنْ ضَبْطِ أَمْوَالِهِمَا بِذَلِكَ (وَأَمَّا عَنْ الْقِيَاسِ) عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ بِيَدِ ثَالِثٍ فَهُوَ أَنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ.
وَذَلِكَ أَنَّ الْمُسْتَنَدَ عِنْدَنَا فِي مَسْأَلَتِنَا أَمْرَانِ: الْيَدُ مَعَ الصَّلَاحِيَةِ إذْ لَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَبَيْنَ الرَّجُلَيْنِ وَبَيْنَ الْمَرْأَتَيْنِ وَبَيْنَ الْيَدِ الْحُكْمِيَّةِ وَالْمُشَاهَدَةِ فَلَوْ تَعَلَّقَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ بِخَلْخَالٍ وَأَيْدِيهِمَا جَمِيعًا يَتَجَاذَبَانِهِ
كَدَفْعِ الْمَغْصُوبِ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَشْعُرْ الْغَاصِبُ فَإِنَّ ذَلِكَ يَسُدُّ الْمَسَدَ وَيُزِيلُ التَّكْلِيفَ وَدَفْعِ النَّفَقَاتِ لِلزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ وَالدَّوَابِّ فَإِنْ دَفَعَهَا غَيْرُ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ لِمَنْ وَجَبَتْ لَهُ أَجْزَأَتْ وَإِنْ لَمْ يَشْعُرْ الْمَأْمُورُ بِهَا مِنْ زَوْجٍ أَوْ قَرُبَتْ، وَكَذَلِكَ دَفْعُ اللُّقَطَةِ لِمُسْتَحِقِّهَا وَإِنْ لَمْ يَشْعُرْ مُلْتَقِطُهَا، وَهَذَا النَّحْوُ (وَقِسْمٌ) اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى عَدَمِ إجْزَاءِ فِعْلِ غَيْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِيهِ وَهُوَ الْإِيمَانُ وَالتَّوْحِيدُ وَالْإِجْلَالُ وَالتَّعْظِيمُ لِلَّهِ سبحانه وتعالى.
وَكَذَلِكَ حُكِيَ فِي الصَّلَاةِ الْإِجْمَاعُ وَنُقِلَ الْخِلَافُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِي الصَّلَاةِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ وَيُقَالُ إنَّهُ مَسْبُوقٌ بِالْإِجْمَاعِ (وَقِسْمٌ) مُخْتَلَفٌ فِيهِ هَلْ يُجْزِئُ فِعْلُ غَيْرِ الْمَأْمُورِ عَنْ الْمَأْمُورِ بِهِ وَيَسُدُّ الْمَسَدَ أَمْ لَا وَفِيهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ
(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) الزَّكَاةُ إنْ أَخْرَجَهَا أَحَدٌ بِغَيْرِ عِلْمِ مَنْ هِيَ عَلَيْهِ أَوْ غَيْرِ إذْنِهِ فِي ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ الْإِمَامِ فَمُقْتَضَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا فِي الْأُضْحِيَّةِ يَذْبَحُهَا غَيْرُ رَبِّهَا بِغَيْرِ عِلْمِهِ وَإِذْنِهِ إنْ كَانَ الْفَاعِلُ لِذَلِكَ صَدِيقَهُ وَمِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
لَا كَلَامٌ فِيهِ وَصَحِيحٌ ظَاهِرٌ إلَّا قَوْلَهُ بِتَقْدِيرِ مِلْكِ الْمَقْتُولِ خَطَأً لِلدِّيَةِ فَإِنَّ الصَّحِيحَ فِيهَا عِنْدِي أَنَّهُ يَمْلِكُهَا بِإِنْفَاذِ الْمَقَاتِلِ لَا بِالزُّهُوقِ، وَلَكِنْ لَا يَجِبُ أَدَاؤُهَا إلَّا بِالزُّهُوقِ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ إلَى أَجَلٍ يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ بِالْعَقْدِ، ثُمَّ لَا يَجِبُ الْأَدَاءُ إلَّا عِنْدَ تَمَامِ الْأَجَلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِلَّا قَوْلَهُ يُقَدَّرُ انْتِقَالُ مِلْكِهِ عَنْهُ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ قَبْلَ صُدُورِ الْعِتْقِ بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ فَإِنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ بِنَاءً عَلَى قَاعِدَةِ صِحَّةِ النِّيَابَةِ فِي الْأُمُورِ الْمَالِيَّةِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
بِهِ قَضَيْنَا بِهِ لِلْمَرْأَةِ مَعَ يَمِينِهَا وَلَوْ تَجَاذَبَا سَيْفًا كَانَ لِلرَّجُلِ مَعَ يَمِينِهِ وَالْمُسْتَنَدُ فِيمَا إذَا كَانَ بِيَدِ ثَالِثٍ الصَّلَاحِيَةُ فَقَطْ إذْ لَيْسَ لِأَحَدِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ عَلَيْهِ يَدٌ وَقَوْلُنَا مَا يَصْلُحُ لِلزَّوْجَيْنِ يَكُونُ لِلزَّوْجِ مَعَ أَنَّهُ لَا ظَاهِرَ يَشْهَدُ لَهُ وَيَدُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَيْهِ لَيْسَ نَقْضًا لَا سَلْبًا وَلَا تَرْجِيحًا بِلَا مُرَجِّحَ نَظَرًا لِكَوْنِ الْيَدِ مُشْتَرَكَةً بَلْ هُوَ جَارٍ عَلَى أَصْلِنَا مِنْ التَّرْجِيحِ بِمُرَجِّحٍ لِأَنَّ يَدَ الزَّوْجِ أَقْوَى وَهُوَ الْمُرَجَّحُ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ فِي يَدِهِ وَتَحْتَ حَوْزِهِ وَالدَّارَ لَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُسْكِنَهَا وَأَنْ يَجْبُرَهَا وَأَنْ يَخْدُمَهَا فَالدَّارُ هِيَ مِنْ قِبَلِهِ كَحَوْزِ امْرَأَتِهِ فَلِذَلِكَ قُضِيَ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ كَالْمُدَاعِيَيْنِ لِأَحَدِهِمَا يَدٌ دُونَ الْآخَرِ وَكَوْنُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الظَّاهِرِ إنَّمَا يَشْهَدُ بِالِاسْتِعْمَالِ فَقَطْ فَإِنَّ السَّيْفَ إنَّمَا يَسْتَعْمِلُهُ الرِّجَالُ، وَالْحُلِيَّ إنَّمَا يَسْتَعْمِلُهُ النِّسَاءُ، وَالنِّزَاعُ إنَّمَا هُوَ فِي الْمِلْكِ لَا فِي الِاسْتِعْمَالِ وَقَدْ تَمْلِكُ الْمَرْأَةُ مَا يَصْلُحُ لِلرِّجَالِ لِلتِّجَارَةِ أَوْ بِعَارِضٍ مِنْ إرْثٍ أَوْ غَيْرِهِ فَقَدْ أَنَكَحَ عَلِيٌّ رضي الله عنه فَاطِمَةَ رضي الله عنها دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ وَقَدْ يَمْلِكُ الرِّجَالُ مَا يَصْلُحُ لِلنِّسَاءِ لِلتِّجَارَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ التَّمْلِيكِ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ الْغَالِبَ فِيمَا فِي يَدِ الْإِنْسَانِ مِمَّا يَصْلُحُ لَهُ أَنَّهُ مِلْكُهُ وَيَنْدُرُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ وَإِذَا دَارَ الْحُكْمُ بَيْنَ النَّادِرِ وَالْغَالِبِ فَالْأَوْلَى حَمْلُهُ عَلَى الْغَالِبِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ هُوَ سَاكِنٌ فِي دَارٍ وَيَدُهُ عَلَيْهَا يُقْضَى لَهُ بِالْمِلْكِ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ وَظَاهِرِ الْمِلْكِ كَذَا فِي الْأَصْلِ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَجَعَلَ الْمَالِكِيَّةُ الْيَدَ لَهُمَا أَعْنِي الزَّوْجَيْنِ مَعَ قَوْلِهِمْ إنَّ الرَّجُلَ حَائِزٌ لِلْمَرْأَةِ فِيهِ دَرَكٌ لَا يَخْفَى وَبِالْجُمْلَةِ الْمَسْأَلَةُ مَحَلُّ نَظَرٍ اهـ بِلَفْظٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(وَصْلٌ) فِي تَوْضِيحِ هَذَا الْفَرْقِ بِأَرْبَعِ مَسَائِلَ
(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا اخْتَلَفَا وَهُمَا زَوْجَانِ أَوْ عِنْدَ الطَّلَاقِ أَوْ الْوَرَثَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالزَّوْجَانِ حُرَّانِ أَوْ عَبْدَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا مُسْلِمَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا قُضِيَ لِلْمَرْأَةِ بِمَا هُوَ شَأْنُ النِّسَاءِ وَلِلرَّجُلِ بِمَا هُوَ شَأْنُ الرِّجَالِ وَمَا يَصْلُحُ لَهُمَا قُضِيَ بِهِ لِلرَّجُلِ لِأَنَّ الْبَيْتَ بَيْتُهُ فِي مَجْرَى الْعَادَةِ فَهُوَ تَحْتَ يَدِهِ فَيُقَدَّمُ لِأَجْلِ الْيَدِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَا يَكْفِي
أَحَدُهُمَا أَنْ يَقُولَ هَذَا لِي لِأَنَّهُ مَتَاعُ الْبَيْتِ حَتَّى يَقُولَ هَذَا مِلْكِي قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ لَوْ تَنَازَعَا فِي رِدَاءٍ فَقَالَ هُوَ لَهَا إلَّا الْكَتَّانَ بِأَنْ قَالَ اشْتَرَيْته فَقَالَ أَصْبَغُ لَهُ بِقَدْرِ كَتَّانِهِ، وَلَهَا لِأَنَّهُ بِقَدْرِ عَمَلِهَا لَوْ ادَّعَاهُ صَدَقَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الصَّبَّاغِ وَالْعَطَّارِ قَوْلَانِ لِأَصْحَابِ مَالِكٍ
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ مَالِكٌ مَا يَصْلُحُ لِلرَّجُلِ أَخَذَهُ مَعَ يَمِينِهِ وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يَمِينَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا يَصْلُحُ لَهُ إنَّمَا الْيَمِينُ عَلَى الرَّجُلِ فِيمَا يَصْلُحُ لَهُمَا وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ.
وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ يُونُسَ الَّذِي يَخْتَصُّ بِالرَّجُلِ نَحْوُ الْعِمَامَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيهِ بِغَيْرِ يَمِينٍ إلَّا أَنْ تَدَّعِي الْمَرْأَةُ إرْثَهُ فَيَحْلِفُ وَقَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ لَا يُقْضَى لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشَيْءٍ إلَّا بَعْدَ يَمِينِهِ وَقَالَ الْمُغِيرَةُ مَا يَصْلُحُ لَهُمَا قُسِّمَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ اخْتَلَفَا قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ بَعْدَ خُلْعٍ أَوْ لِعَانٍ أَوْ فِرَاقٍ أَوْ إيلَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ مَاتَا أَوْ أَحَدُهُمَا وَاخْتَلَفَ الْوَرَثَةُ وَالزَّوْجَانِ حُرَّانِ أَوْ عَبْدَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا حُرٌّ وَالْآخَرُ عَبْدٌ كَانَتْ الزَّوْجَةُ ذِمِّيَّةً أَمْ لَا وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ كَانَتْ لَهَا عَلَيْهِ يَدٌ مُشَاهَدَةٌ أَوْ حُكْمِيَّةٌ فَالْيَدُ الْمُشَاهَدَةُ أَنْ يَكُونَا قَابِضَيْنِ عَلَى الشَّيْءِ فَيَتَجَاذَبَانِهِ وَيَتَنَازَعَانِ وَالْحُكْمِيَّةُ أَنْ يَكُونَ فِي الدَّارِ الَّتِي يَسْكُنَانِهَا وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ الزَّوْجَانِ وَالْأَجْنَبِيَّانِ وَذَوَاتُ الْمَحَارِمِ إذَا سَكَنَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فِي دَارٍ وَهَذَا الْأَصْلُ لَا مُنَاقَضَةَ فِيهِ عَلَى الْمَذْهَبِ حَتَّى قَالَ أَئِمَّتُنَا لَوْ اخْتَلَفَ عَطَّارٌ وَدَبَّاغٌ فِي الْمِسْكِ وَالْجِلْدِ وَاخْتَلَفَ الْقَاضِي وَالْحَدَّادُ فِي الْقَلَنْسُوَةِ وَالْكِيرِ وَكَانَتْ لَهُمَا عَلَيْهِ يَدٌ حُكْمِيَّةٌ فِي دَارٍ يَسْكُنَانِهَا أَوْ مُشَاهَدَةٍ
بِمَنْزِلَةِ نَفْسِهِ عِنْدَهُ لِتَمَكُّنِ الصَّدَاقَةِ بَيْنَهُمَا أَجْزَأَتْهُ الْأُضْحِيَّةُ إنْ كَانَ مَخْرَجُ الزَّكَاةِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَمُقْتَضَى قَوْلِهِمْ فِي الْأُضْحِيَّةِ أَنَّ الزَّكَاةَ تُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا عِبَادَةٌ مَأْمُورٌ بِهَا مُفْتَقِرَةٌ لِلنِّيَّةِ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ لَا تُجْزِئُ عَنْ رَبِّهَا لِافْتِقَارِهَا لِلنِّيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ لِأَجْلِ شَائِبَةِ الْعِبَادَةِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهَا يَنْبَغِي أَنْ يُجْزِئَ فِعْلُ الْغَيْرِ فِيهَا مُطْلَقًا كَالدَّيْنِ الْوَدِيعَةِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا تَقَدَّمَ فِي الْقِسْمِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ، وَهَذَا الْقَوْلُ أَعْنِي عَدَمَ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَقَاسَهَا عَلَى الدُّيُونِ وَاسْتَدَلَّ بِأَخْذِ الْإِمَامِ لَهَا كُرْهًا عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ وَبِاشْتِرَاطِهَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رضي الله عنهما لِمَا فِيهَا مِنْ شَائِبَةِ التَّعَبُّدِ مِنْ جِهَةِ مَقَادِيرِهَا فِي نَصْبِهَا وَالْوَاجِبِ فِيهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ وَإِنْ أَخَذَهَا الْإِمَامُ كُرْهًا وَهُوَ عَدْلٌ أَجْزَأَتْ عِنْدَ مَالِكٍ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى اعْتِمَادًا عَلَى فِعْلِ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه وَلِظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} [التوبة: 103] وَظَاهِرُ الْأَمْرِ الْوُجُوبُ الَّذِي أَقَلُّ مَرَاتِبِهِ الْإِذْنُ وَالْإِجْزَاءُ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ وَكِيلُ الْفُقَرَاءِ فَلَهُ أَخْذُ حَقِّهِمْ قَهْرًا كَسَائِرِ الْحُقُوقِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَأْخُذُهَا الْإِمَامُ كُرْهًا لَكِنْ يُلْجِئُهُ إلَى دَفْعِهَا بِالْحَبْسِ وَغَيْرِهِ لِافْتِقَارِهَا لِلنِّيَّةِ وَإِلَّا كُرِهَ مَعَ النِّيَّةِ مُتَنَافِيَانِ
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) الْحَجُّ عَنْ الْغَيْرِ مَنَعَهُ مَالِكٌ وَجَوَّزَهُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنهما بِنَاءً عَلَى شَائِبَةِ الْمَالِ وَالْعِبَادَاتُ الْمَالِيَّةِ يَدْخُلُهَا النِّيَابَاتُ وَمَالِكٌ يُلَاحِظُ أَنَّ الْمَالَ فِيهِ عَارِضٌ بِدَلِيلِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
أَوْ تَنَازَعَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ رُمْحًا وَهُمَا يَتَجَاذَبَانِهِ فَالْقَوْلُ فِي هَذَا كُلِّهِ قَوْلُ مَنْ شَهِدَ لَهُ الْعُرْفُ وَالْعَادَةُ فَيُحْكَمُ لِلرَّجُلِ بِالرُّمْحِ مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ كَانَ دُمْلُجًا قُضِيَ بِهِ لِلْمَرْأَةِ مَعَ يَمِينِهَا وَيُقْضَى لِلْعَطَّارِ بِالْمِسْكِ مَعَ يَمِينِهِ وَأَمَّا إنْ كَانَ الزَّوْجَانِ فِي الْبَيْتِ فَحَازَ أَحَدُهُمَا فِي يَدِهِ وَقَبْضَتِهِ مَا يَصْلُحُ لِلْآخَرِ دُونَهُ قَالَ فَاَلَّذِي يَتَبَيَّنُ لِي فِيهِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ حَازَهُ دُونَ الْآخَرِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ الَّذِي تُقَدَّمُ فِيهِ الْمَرْأَةُ وَيُقْضَى لَهَا بِهِ لِأَجْلِ الصَّلَاحِيَةِ الْحُلِيُّ وَثِيَابُ النِّسَاءِ وَجَمِيعُ الْجِهَازِ مِنْ الطَّسْتِ وَالْمَنَارَةِ وَالثِّيَابِ وَالْقَبْقَابِ وَالْبُسُطِ وَالْوَسَائِدِ وَالْمَرَافِقِ وَالْفُرُشِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَاَلَّذِي يُقْضَى بِهِ لِلرَّجُلِ السِّلَاحُ وَالْمِنْطَقَةُ وَالْخَاتَمُ الْفِضِّيَّةُ وَثِيَابُ الرَّجُلِ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَاَلَّذِي يَصْلُحُ لَهُمَا كَالدَّارِ الَّتِي يَسْكُنَانِهَا وَالرَّقِيقِ.
وَأَمَّا أَصْنَافُ الْمَاشِيَةِ فَلِمَنْ حَازَهُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ وَكَذَلِكَ مَا فِي الْمَرَابِطِ مِنْ خَيْلٍ أَوْ بِغَالٍ أَوْ حَمِيرٍ فَلِمَنْ حَازَهُ قَالَ مَالِكٌ وَالْحُصْرُ كَالدَّارِ إلَّا أَنْ يُعْرَفَ لِلزَّوْجَةِ، هَذَا تَقْرِيرُ الْمَنْقُولَاتِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَتَنَاقَضَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي هَذِهِ الْفُرُوعِ وَإِنْ كَانَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ مُوَافِقًا لَنَا فَقَالَ مَا يَصْلُحُ لَهُمَا فَهُوَ لِلرَّجُلِ إنْ كَانَ حَيًّا، وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مِنْ أَصْحَابِهِ هُوَ لِوَرَثَةِ الزَّوْجِ كَقَوْلِنَا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ تَدَاعَيَاهُ وَهُوَ فِي أَيْدِيهِمَا مُشَاهَدٌ قُسِّمَ بَيْنَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَيْضًا إذَا كَانَا أَجْنَبِيَّيْنِ يَسْكُنَانِ مَعًا فَتَدَاعَيَا شَيْئًا مِمَّا كَانَ يَصْلُحُ لِلرَّجُلِ فَهُوَ لَهُ وَمَا كَانَ يَصْلُحُ لِلْمَرْأَةِ فَهُوَ لَهَا وَمَا كَانَ يَصْلُحُ لَهُمَا قُسِّمَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ اخْتَلَفَ الْعَطَّارُ وَالدَّبَّاغُ فِي الْمِسْكِ وَالْجِلْدِ فَإِنَّهُ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَا إذَا مَاتَ الرَّجُلُ أَنَّ سُلْطَانَهُ زَالَ عَنْ الْمَرْأَةِ بِالْمَوْتِ فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ أَرْجَحَ فِيمَا تَدَعِّيهِ. وَجَوَابُهُ: أَنَّ الْوَارِثَ شَأْنُهُ أَنْ يَنْتَقِلَ لَهُ مَا كَانَ لِمُوَرِّثِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ لَهُ بِدَلِيلِ الْآخِذِ بِالشُّفْعَةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَطَرِيقَتُهُ وَاحِدَةٌ وَهِيَ أَنَّ الزَّوْجَيْنِ إذَا تَدَاعَيَا شَيْئًا فَمَنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَهُوَ لَهُ كَمَا قُلْنَاهُ وَإِلَّا قُسِّمَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا وَكَذَلِكَ الْأَجْنَبِيَّانِ إذَا سَكَنَا دَارًا وَاحِدَةً
(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) قَالَ عبق الْمَسْأَلَةُ الَّتِي أَشَارَ لَهَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَفِي مَتَاعِ الْبَيْتِ فَلِلْمَرْأَةِ إلَخْ لَمْ يَثْبُتْ فِيهَا كَوْنُ الشَّيْءِ لِأَحَدِهِمَا وَسَوَاءٌ كَانَ التَّنَازُعُ بَيْنَهُمَا أَوْ بَيْنَ وَرَثَةِ أَحَدِهِمَا مَعَ الْآخَرِ أَوْ بَيْنَ وَرَثَّتَيْهِمَا وَأَمَّا مَسْأَلَةُ مَنْ حَلَّى زَوْجَتَهُ تَزَيُّنًا بِحُلِيٍّ فِي مِلْكِهِ بِبَيِّنَةٍ وَلَمْ تُقِمْ هِيَ بَيِّنَةً عَلَى هِبَتِهِ لَهَا فَإِنَّهُ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِالنِّسَاءِ لَمْ تَخْتَصَّ بِهِ عَنْ الْوَرَثَةِ إذَا مَاتَ وَلَا تَأْخُذُهُ إذَا طَلَّقَهَا وَلَوْ طَالَ تَحَلِّيهَا بِهِ فِيهِمَا كَمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ عج فِي بَابِ الْهِبَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لِتَحْلِيَةِ وَلَدِهِ وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ ذَلِكَ بِمِصْرَ وَإِنْ كَانَ الْمُشَاعُ عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ تَمَتَّعَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ فَهُوَ لَهَا لِثُبُوتِ مِلْكِ الْحُلِيِّ لِلرَّجُلِ وَلَكِنْ حَلَّاهَا بِهِ كَمَا مَرَّ وَأَوْلَى مِنْ التَّحْلِيَةِ الْفُرُشُ وَنَحْوُهَا ثُمَّ لَا يُعَارِضُ هَذَا قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِي الْهِبَةِ وَهِبَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ مَتَاعًا لِأَنَّهُ فِيمَا يَثْبُتُ أَنَّهُ وَهَبَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ بِصِيغَةٍ أَوْ مُفْهِمِهَا وَمَا هُنَا لَمْ يَقَعْ إلَّا التَّحْلِيَةُ أَوْ التَّمَتُّعُ بِالْفُرُشِ فَقَطْ. اهـ
بِتَصَرُّفٍ قَالَ الرَّهُونِيُّ وَمَا رَجَّحَهُ عج بِاقْتِصَارِهِ عَلَيْهِ هُوَ الرَّاجِحُ مِنْ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ نَقْلًا وَمَعْنًى أَمَّا نَقْلًا فَلِقَوْلِ صَاحِبِ الْفَائِقِ وَأَفْتَى ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ رُشْدٍ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الزَّوْجِ فِيمَا اشْتَرَاهُ مِنْ الْحُلِيِّ وَالثِّيَابِ وَأَعْطَاهُ لِزَوْجَتِهِ تَلْبَسُهُ وَتَتَزَيَّنُ بِهِ أَنَّهُ عَارِيَّةٌ لَا هِبَةٌ وَتَمْلِيكٌ وَكَذَلِكَ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ وَرَثَتِهِ فِي ذَلِكَ مَعَ أَيْمَانِهِمْ إلَّا أَنَّهُمْ يَحْلِفُونَ عَلَى الْعِلْمِ لَا عَلَى الْبَتِّ اهـ.
2 -
وَفِي نَوَازِلِ النِّكَاحِ مِنْ الْمِعْيَارِ أَنَّ ابْنَ سِرَاجٍ
الْمَكِّيِّ يَحُجُّ بِغَيْرِ مَالٍ، بَلْ عُرُوضُ الْمَالِ فِي الْحَجِّ كَعُرُوضِ الْمَالِ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ لِمَنْ دَارُهُ بَعِيدَةٌ عَنْ الْمَسْجِدِ فَيَكْتَرِي دَابَّةً يَصِلُ عَلَيْهَا لِلْمَسْجِدِ وَلَمَّا لَمْ تَجُزْ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ عَنْ الْغَيْرِ فَكَذَلِكَ الْحَجُّ وَلِلشَّافِعِيِّ الْفَرْقُ بِأَنَّ عُرُوضَ الْمَالِ فِي الْحَجِّ أَكْثَرُ وَلِمَا وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ مِنْ الْحَجِّ عَنْ الصِّبْيَانِ وَالْمَرْضَى يُحْرِمُ عَنْهُمْ غَيْرُهُمْ وَيَفْعَلُ أَفْعَالَ الْحَجِّ وَالْعِبَادَاتِ أَمْرٌ مُتَّبَعٌ
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) الصَّوْمُ عَنْ الْمَيِّتِ إذَا فَرَّطَ فِيهِ جَوَّزَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَرَوَى الشَّافِعِيَّةُ ذَلِكَ أَيْضًا فِي مَذْهَبِهِمْ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ لَمْ يَصُمْ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» وَلَمْ يُجَوِّزْهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39] وَقِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ وَمِنْ هَذَا الْبَابِ الْحَجُّ عَنْ الْمَيِّتِ أَيْضًا
(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) عِتْقُ الْإِنْسَانِ عَنْ غَيْرِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَنْ ظِهَارِ غَيْرِهِ عَلَى جُعْلٍ جَعَلَهُ لَهُ فَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ وَعَلَيْهِ الْجُعْلُ وَلَا يُجْزِئُهُ كَالْمُشْتَرِي بِشَرْطِ الْعِتْقِ قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْجُعْلِ وَضِيعَةٌ عَنْ الثَّمَنِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ هِبَتُهُ فَبَيْعُهُ أَوْلَى.
وَقَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ فِي الْعِتْقِ عَنْ الْغَيْرِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْإِجْزَاءُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلِأَشْهَبَ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ، وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ إنْ أَذِنَ فِي الْعِتْقِ أَجْزَأَ عَنْهُ وَإِلَّا فَلَا، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه قَالَ اللَّخْمِيُّ يُجْزِئُ الْعِتْقُ عَنْ ظِهَارِ الْغَيْرِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَإِنْ كَانَ أَبًا لِلْمُعْتِقِ وَفَرَّقَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ بَيْنَ عِتْقِ الْإِنْسَانِ عَنْ غَيْرِهِ وَبَيْنَ دَفْعِ الزَّكَاةِ عَنْهُ فَلَا يُجْزِئُ فِي الثَّانِي؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي الذِّمَّةِ وَالْكَفَّارَةُ فِي الذِّمَّةِ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَالْحَقُّ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
أَجَابَ عَنْ رَجُلٍ اشْتَرَى لِزَوْجِهِ جُمْلَةَ حَوَائِجَ مِنْ قَصَبِ ذَهَبٍ وَثَوْبَيْ حَرِيرٍ وَعِقْدِ جَوْهَرٍ وَفَرْخَةِ شُرْبٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَدَفَعَ ذَلِكَ كُلَّهُ لِزَوْجِهِ الْمَذْكُورَةِ وَأَلْبَسَهَا إيَّاهَا عَلَى وَجْهِ الْمُتْعَةِ لَا التَّمْلِيكِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ اشْتَرَى قَطِيفَتَيْنِ وَمَطْرَحَيْنِ وَغَيْرَ ذَلِكَ وَبَقِيَتْ الزَّوْجَةُ تَلْبَسُ مَا سَاقَ لَهَا وَتَتَزَيَّنُ وَتَمْتَهِنُ الْقَطِيفَتَيْنِ وَالْمَطْرَحَيْنِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مُدَّةً أَزْيَدَ مِنْ ثَمَانِيَةِ أَعْوَامٍ فَلَمَّا تُوُفِّيَ الزَّوْجُ فِي هَذِهِ الْأَشْهُرِ الْقَرِيبَةِ قَامَ بَعْضُ وَرَثَتِهِ يَطْلُبُ مِيرَاثَهُ فِي جُمْلَةِ مَا ذُكِرَ وَيَدَّعِيهِ مِلْكًا لِمُوَرِّثِهِ فَهَلْ يَجِبُ لِذَلِكَ الطَّالِبِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ مَعَ بَقَاءِ ذَلِكَ بِيَدِ الزَّوْجَةِ هَذِهِ الْمُدَّةَ وَسُكُوتِ الزَّوْجِ مَعَ عِلْمِهِ بِامْتِهَانِ ذَلِكَ كُلِّهِ وَدَفْعِهِ أَوَّلًا عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ بِمَا نَصَّهُ إنْ يَثْبُتْ أَنَّ الزَّوْجَ مَلَّكَ زَوْجَهُ تِلْكَ الْحَوَائِجَ كَانَتْ لَهَا وَإِلَّا حَلَفَ الْوَرَثَةُ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مَلَّكَهَا إيَّاهَا وَوَقَعَ فِيهَا الْمِيرَاثُ وَأَنَّ أَبَا عُثْمَانَ سَعِيدَ بْنَ ضُمَيْرٍ أَجَابَ عَنْ الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ وَلَا يُعْرَفُ لَهَا جِهَازٌ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ وَتَدْخُلُ عَلَى جِهَازِ امْرَأَةٍ كَانَتْ لَهُ قَبْلَ هَذِهِ وَيَشْتَرِي الزَّوْجُ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْضًا مِمَّا يَكُونُ لِلنِّسَاءِ مِنْ الثِّيَابِ وَالْحُلِيِّ وَيُقِيمُ الزَّوْجُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ابْتَاعَ ذَلِكَ كُلَّهُ بَعْدَ الْبِنَاءِ بِزَمَانٍ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهَا عَارِيَّةٌ. وَسَكَتَ عَنْ ذِكْرِ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهَا تَنْتَفِعُ بِذَلِكَ وَتَتَزَيَّنُ بِهِ فَيَنْزِلُ بَيْنَهُمَا فِرَاقٌ أَوْ مَوْتٌ فَتَدَّعِي الْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ
بِمَا نَصَّهُ لَيْسَ لَهَا مِمَّا ذَكَرَتْ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يُعْرَفَ أَنَّهَا خَرَجَتْ بِهِ مِنْ بَيْتِهَا أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهَا وَأَفَادَتْ مَالًا وَعُرِفَ ذَلِكَ وَاسْتَبَانَ وَاتَّضَحَ وَأَنَّهُ يَكُونُ كَمَا وَصَفَتْ وَمَا لَمْ يُعْرَفْ لَهَا مَالٌ وَلَا تَصَدَّقَ عَلَيْهَا وَلَا أَفَادَتْ فَلَيْسَ لَهَا مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَقُولُ أَرَدْت جَمَالَ بَيْتِي وَجَمَالَ امْرَأَتِي وَزَيَّنْتهَا بِذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَقَوْلُ وَرَثَتِهِ بَعْدَهُ وَقِيلَ لِابْنِ ضُمَيْرٍ فَمَا تَرَى إنْ قَالَتْ إنِّي اكْتَسَبْته وَجَمَعْته فَقَالَ لَيْسَ يُعْرَفُ الْكَسْبُ لِلنِّسَاءِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِيرَاثًا أَوْ هِبَةً أَوْ صَدَقَةً وَيُعْرَفُ ذَلِكَ حِينَئِذٍ يَجُوزُ مَا تَقُولُ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ لَا يُعْرَفُ لَهَا قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ مِنْ قَبْلِ دُخُولِهَا عَلَيْهِ وَأَجَابَ ابْنُ لُبَابَةَ أَمَّا مَا عُرِفَ مِمَّا ابْتَاعَهُ الزَّوْجُ بَعْدَ الْبِنَاءِ لِامْرَأَتِهِ مِنْ حُلِيٍّ أَوْ مَتَاعٍ يُعْرَفُ لِلنِّسَاءِ وَيُزَيِّنُ امْرَأَتَهُ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يُشْهِدْ لَهَا عَلَى عَطِيَّةٍ وَلَا هِبَةٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ أَيْضًا وَلَا شَيْءَ لِلثَّانِيَةِ فِيهِ وَالْوَرَثَةُ بِمَنْزِلَةِ الْمَيِّتِ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهَا بَيِّنَةٌ عَلَى ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهَا. اهـ
وَفِي نَوَازِلِ الْمُعَاوَضَاتِ مِنْ الْمِعْيَارِ فِي جَوَابٍ لِأَبِي إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيِّ مَا نَصُّهُ دَعْوَى الْمَرْأَةِ فِي الثِّيَابِ أَنَّ زَوْجَهَا سَاقَهَا لَهَا لَا تُسْمَعُ إلَّا إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الثِّيَابَ بِأَعْيَانِهَا مِنْ جُمْلَةِ السِّيَاقَةِ أَوْ أَنَّهُ وَهَبَهَا لَهَا عَلَى الْخُصُوصِ فَإِنْ لَمْ تُقِمْ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً فَالْقَوْلُ قَوْلُ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ مَعَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَعْلَمُونَ تِلْكَ الثِّيَابَ مِنْ مَالِ الْمَرْأَةِ وَلَا مَتَاعِهَا إلَى آخِرِ نَصِّ الْيَمِينِ وَلَا تَدْخُلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي مَسْأَلَةِ الِاخْتِلَافِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ لَكِنْ يَبْقَى النَّظَرُ فِي لِبَاسِهَا تِلْكَ الثِّيَابَ وَامْتِهَانِهَا لَهَا فَهَلْ تَسْتَحِقُّهَا بِذَلِكَ أَمْ لَا وَالصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَ كِسْوَةَ الْمَرْأَةِ عِنْدَ فِرَاقِهَا إذَا كَانَتْ مُبْتَذَلَةً فَإِنْ لَمْ تُبْتَذَلْ كَانَ لَهُ ارْتِجَاعُهَا فَهَذِهِ الثِّيَابُ مِثْلُهَا إنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ قَدْ ابْتَذَلَتْهَا فَهِيَ لَهَا وَإِلَّا صَارَتْ مِيرَاثًا اهـ.
وَأَمَّا مَعْنًى فَلِمَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ الْإِنْسَانَ أَعْرَفُ بِكَيْفِيَّةِ خُرُوجِ مِلْكِهِ مِنْ يَدِهِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَا كَانَ وَلِأَنَّ الزَّوْجَ يَجِبُ أَنْ يُجَمِّلَ زَوْجَتَهُ لِيَسْتَمْتِعَ بِهَا وَيَخْشَى أَنْ يُمَلِّكَهَا ذَلِكَ أَنْ يَقَعَ بَيْنَهُمَا مَا يُوجِبُ الْفِرَاقَ أَوْ يَمُوتَ فَتَذْهَبَ بِمَالِهِ لِزَوْجٍ آخَرَ فَيَجْعَلُ
الْإِجْزَاءُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا كَالدَّيْنِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَائِرَةٌ بَيْنَ قَوَاعِدَ
(الْقَاعِدَةُ الْأُولَى) قَاعِدَةُ التَّقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ وَهِيَ إعْطَاءُ الْمَوْجُودِ حُكْمَ الْمَعْدُومِ وَالْمَعْدُومِ حُكْمَ الْمَوْجُودِ فَالْأَوَّلُ كَالْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ فِي الْعُقُودِ إذَا قَلَّا أَوْ تَعَذَّرَ الِاحْتِرَازُ عَنْهُمَا نَحْوُ أَسَاسِ الدَّارِ وَقُطْنِ الْجُبَّةِ وَرَدَاءَةِ بَوَاطِنِ الْفَوَاكِهِ وَدَمِ الْبَرَاغِيثِ وَنَجَاسَةِ ثَوْبِ الْمُرْضِعِ وَالْوَارِثِ الْكَافِرِ أَوْ الْعَبْدِ يُقَدَّرُ عَدَمُهُ فَلَا يُحْجَبُ وَالثَّانِي كَتَقْدِيرِ الْمِلْكِ فِي الدِّيَةِ مُقَدَّمًا قَبْلَ زُهُوقِ الرُّوحِ فِي الْمَقْتُولِ خَطَأً حَتَّى يَصِحَّ فِيهَا الْإِرْثُ فَإِنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا بِالزُّهُوقِ وَحِينَئِذٍ لَا يُقْبَلُ الْمَحَلُّ الْمِلْكَ وَالْمِيرَاثُ فَرْعُ مِلْكِ الْمَوْرُوثِ فَيُقَدِّرُ الشَّارِعُ الْمِلْكَ مُتَقَدِّمًا قَبْلَ الزُّهُوقِ بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ حَتَّى يَصِحَّ الْإِرْثُ وَكَتَقْدِيرِ النِّيَّةِ فِي أَوَّلِ الْعِبَادَاتِ مُمْتَدَّةً إلَى آخِرِهَا وَكَتَقْدِيرِ الْإِيمَانِ فِي حَقِّ النَّائِمِ الْغَافِلِ حَتَّى تَنْعَصِمَ دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ وَتَقْدِيرِ الْكُفْرِ فِي الْكَافِرِ الْغَافِلِ حَتَّى تَصِحَّ إبَاحَةُ الدَّمِ وَالْمَالِ وَالذُّرِّيَّةِ وَقَاعِدَةُ التَّقَادِيرِ قَدْ تَقَدَّمَتْ فِي خِطَابِ الْوَضْعِ
(الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ) أَنَّ الْهِبَةَ إذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهَا قَبْضٌ بَطَلَتْ
(الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ) الْكَفَّارَاتُ عِبَادَةٌ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا النِّيَّةُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَنَا، وَقِيلَ لَا تَجِبُ النِّيَّةُ
(الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ) كُلُّ مَنْ عَمِلَ لِغَيْرِهِ مِنْ مَالٍ أَوْ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ نَفَذَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ مُتَبَرِّعًا لَمْ يَرْجِعْ بِهِ أَوْ غَيْرَ مُتَبَرِّعٍ وَهُوَ مَنْفَعَةٌ فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ أَوْ مَالٌ فَلَهُ أَخْذُهُ مِمَّنْ دَفَعَهُ عَنْهُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمَعْمُولُ لَهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ عَمَلِ ذَلِكَ بِالِاسْتِئْجَارِ أَوْ إنْفَاقِ ذَلِكَ الْمَالِ أَمَّا إنْ كَانَ شَأْنُهُ فِعْلَهُ إيَّاهُ بِغَيْرِ اسْتِئْجَارٍ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغُلَامِهِ وَتَحْصُلُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
ذَلِكَ بِيَدِهَا عَلَى وَجْهِ الْعَارِيَّةِ فَيَحْصُلُ لَهُ مَا أَحَبَّ وَيَأْمَنُ مِمَّا يَخْشَاهُ فَتَأَمَّلْهُ بِإِنْصَافٍ وَقِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجَةِ مُطْلَقًا وَقِيلَ بِالتَّفْصِيلِ فَفِي الْفَائِقِ مَا نَصُّهُ قَالَ الدَّاوُدِيُّ مَا اشْتَرَاهُ الرَّجُلُ لِزَوْجَتِهِ مِنْ الثِّيَابِ فَلَبِسَتْهَا فِي غَيْرِ الْبِذْلَةِ ثُمَّ نَزَلَ بَيْنَهُمَا فِرَاقٌ وَادَّعَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ عَارِيَّةٌ وَأَنْكَرَتْهُ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ مِثْلُهُ يَشْتَرِي الثِّيَابَ لِزَوْجِهِ عَلَى وَجْهِ الْعَارِيَّةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ فِي مُلَائِهِ وَشَرَفِهِ لَا يَشْتَرِي ذَلِكَ لِلْعَارِيَّةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا قَالَ وَسَوَاءٌ كَانَ لِبَاسُهَا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا. اهـ
وَذَكَرَ ابْنُ عَاتٍ فِي طُرَرِهِ قَوْلَ الدَّاوُدِيِّ وَزَادَ مَا نَصُّهُ قَالَ ابْنُ تُلَيْدٍ وَإِنْ ابْتَاعَ الرَّجُلُ لِزَوْجَتِهِ كِسْوَةً مِثْلَ ثَوْبٍ أَوْ فَرْوٍ ثُمَّ تَمُوتُ فَيُرِيدُ أَخْذَهَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ وَهُوَ مَوْرُوثٌ عَنْهَا وَكَذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ فِي الْمَوْتِ وَالطَّلَاقِ وَبِهِ الْعَمَلُ وَهَذَا إذَا كَانَتْ لِغَيْرِ الْبِذْلَةِ اهـ وَجَرَيَانُ الْعَمَلِ بِهَذَا الْقَوْلِ لَا يَقْتَضِي تَقْدِيمَهُ عَلَى الرَّاجِحِ لِأَنَّ لِتَقْدِيمِهِ عَلَيْهِ شُرُوطًا مِنْهَا اسْتِمْرَارُ الْعَمَلِ وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا إذْ كَثِيرٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ مِمَّنْ بَعْدَ صَاحِبِ الطِّرَازِ لَمْ يُعَرِّجُوا عَلَيْهِ وَأَفْتَوْا بِغَيْرِهِ سَيِّدِي عَبْدُ الْقَادِرِ الْفَاسِيُّ فِي أَجْوِبَتِهِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ وَلَدُهُ فِي نَظْمِ الْعَمَلِ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِمَّنْ تَعَرَّضُوا لِعَدِّ مَا بِهِ الْعَمَلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي قَوْلِ الْإِمَامِ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيِّ لَكِنْ يَبْقَى النَّظَرُ فِي لِبَاسِهَا تِلْكَ الثِّيَابَ وَامْتِهَانِهَا فَهَلْ تَسْتَحِقُّهَا بِذَلِكَ أَمْ لَا إلَخْ نَظَرٌ ظَاهِرٌ وَإِنْ سَكَتَ عَنْهُ الْإِمَامَانِ أَبُو الْعَبَّاسِ الْوَنْشَرِيسِيُّ وَسَيِّدِي عَبْدُ الْقَادِرِ الْفَاسِيُّ.
وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِأَنَّهُ إنَّمَا اعْتَمَدَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرَهُ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ الطَّلَاقِ الَّتِي جَعَلَهَا أَصْلًا لِهَذِهِ مُبَايِنَةٌ لِهَذِهِ أَشَدَّ الْمُبَايَنَةِ لِأَنَّ مَسْأَلَتَنَا هَذِهِ قَدْ سَلَّمَ هُوَ نَفْسُهُ أَنَّ دَفْعَ الزَّوْجِ لِمَا ذُكِرَ هُوَ عَلَى وَجْهِ الْعَارِيَّةِ وَعَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ وَهَبَهَا مَثَلًا وَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ بَلْ وَلَا خَارِجَهُ فِيمَا أَعْلَمُ أَنَّ الْعَارِيَّةَ لَا تُمْلَكُ بِطُولِ الِانْتِفَاعِ بِهَا وَلَا بِامْتِهَانِ الْمُعَارِ إيَّاهَا وَدَفْعُ الزَّوْجِ الْكِسْوَةَ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ كَانَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ أَدَاءً لِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي مُقَابَلَةِ الِاسْتِمْتَاعِ فَرَّقُوا بَيْنَ أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ عَنْ قُرْبٍ فَتَرْجِعُ لَهُ أَوْ بُعْدٍ فَلَا وَحَدُّوا الْبُعْدَ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ كَمَا أَشَارَ لَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا يَأْتِي بِقَوْلِهِ لَا الْكِسْوَةَ بَعْدَ أَشْهُرٍ فَيَلْزَمُ عَلَى قِيَاسِهِ هَذَا أَنَّهَا مَهْمَا أَقَامَتْ بِيَدِهَا الْعَارِيَّةُ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ فَهُوَ لَهَا وَالنُّصُوصُ مُصَرِّحَةٌ بِرَدِّ ذَلِكَ فَرَاجِعْهَا مُتَأَمِّلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَتَأَمَّلْهُ بِإِنْصَافٍ.
وَعَكْسُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِثْلُهَا وَهِيَ أَنْ تَكْسُوَ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا فَفِي الْفَائِقِ مَا نَصُّهُ كَتَبَ إلَى الْقَاضِي أَبِي الْوَلِيدِ بْنِ رُشْدٍ رحمه الله مَا تَقُولُ فِيمَا تُخْرِجُهُ الْمَرْأَةُ أَوْ وَلِيُّهَا فِي شُورَتِهَا بِاسْمِ الزَّوْجِ كَالْغِفَارَةِ وَالْمَحْشُوِّ وَالْقَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلَاتِ وَرُبَّمَا لَبِسَ ذَلِكَ الزَّوْجُ بَعْدَ بِنَائِهِ بِالْأَيَّامِ الْيَسِيرَةِ أَوْ الْكَثِيرَةِ وَرُبَّمَا لَمْ يَلْبَسْهَا ثُمَّ تَذْهَبُ الزَّوْجَةُ وَوَلِيُّهَا إلَى أَخْذِ الثِّيَابِ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهَا كَانَتْ عَارِيَّةً وَأَنَّهَا جَعَلَتْ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ التَّزَيُّنِ لَا عَلَى طَرِيقِ الْعَطِيَّةِ فَهَلْ تَرَى ذَلِكَ لِلزَّوْجِ أَمْ لَا فَأَجَابَ إنْ كَانَ فِي هَذِهِ الثِّيَابِ الْمُخْرَجَةِ فِي الشُّورَةِ عُرْفُ الْبَلَدِ قَدْ جَرَى بِهِ الْأَمْرُ وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهِ الْعَمَلُ حُكِمَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ عُرْفٌ مَعْلُومٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ أَوْ وَلِيُّهَا فِيمَا يَدَّعِيَانِ مِنْ أَنَّهَا عَارِيَّةٌ أَوْ عَلَى سَبِيلِ التَّزْيِينِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ لَا رَبَّ سِوَاهُ. اهـ
وَنَحْوُهُ فِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ وَنَسَبَهُ لِمُخْتَصَرِ الْخُدَيْرِيَّةِ وَنَحْوُهُ فِي الدُّرِّ النَّثِيرِ وَنَسَبَهُ لِمُخْتَصَرِ الْخُدَيْرِيَّةِ وَأَشَارَ إلَيْهِ الْمَوَّاقُ