الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَلِمَنْ حَازَهُ قَالَ مَالِكٌ وَالْحُصْرُ كَالدَّارِ إلَّا أَنْ يَعْرِفَ لِلزَّوْجَةِ وَقَالَ مَالِكٌ مَا يَصْلُحُ لِلرَّجُلِ أَخْذُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يَمِينَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا يَصْلُحُ لَهُ إنَّمَا الْيَمِينُ عَلَى الرَّجُلِ فِيمَا يَصْلُحُ لَهُمَا وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ وَقَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ لَا يُقْضَى لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشَيْءٍ إلَّا بَعْدَ يَمِينِهِ.
وَقَالَ الْمُغِيرَةُ مَا يَصْلُحُ لَهُمَا قُسِّمَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ اخْتَلَفَا قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ بَعْدَ خُلْعٍ أَوْ لِعَانٍ أَوْ فِرَاقٍ أَوْ إيلَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ مَاتَا أَوْ أَحَدُهُمَا وَاخْتَلَفَ الْوَرَثَةُ وَالزَّوْجَانِ حُرَّانِ أَوْ عَبْدَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا حُرٌّ وَالْآخَرُ عَبْدٌ كَانَتْ الزَّوْجَةُ ذِمِّيَّةً أَمْ لَا وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ كَانَتْ عَلَيْهِ يَدٌ مُشَاهَدَةٌ أَوْ حُكْمِيَّةٌ فَالْيَدُ الْمُشَاهَدَةُ أَنْ يَكُونَا قَابِضَيْنِ عَلَى الشَّيْءِ فَيَتَجَاذَبَانِهِ وَيَتَنَازَعَانِهِ وَالْحُكْمِيَّةُ أَنْ يَكُونَ فِي الدَّارِ الَّتِي يَسْكُنَانِهَا وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ الزَّوْجَانِ وَالْأَجْنَبِيَّانِ إذَا سَكَنَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فِي دَارٍ وَذَوَاتُ الْمَحَارِمِ الْكُلُّ سَوَاءٌ وَهَذَا أَصْلٌ لَا مُنَاقَضَةَ فِيهِ عَلَى الْمَذْهَبِ حَتَّى قَالَ أَئِمَّتُنَا لَوْ اخْتَلَفَ عَطَّارٌ وَدَبَّاغٌ فِي الْمِسْكِ وَالْجِلْدِ وَاخْتَلَفَ الْقَاضِي وَالْحَدَّادُ فِي الْقَلَنْسُوَةِ وَالْكِيرِ وَكَانَتْ لَهُمَا عَلَيْهِ يَدٌ حُكْمِيَّةٌ فِي دَارٍ يَسْكُنَانِهَا أَوْ مُشَاهَدَةً أَوْ تَنَازَعَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ رُمْحًا وَهُمَا يَتَجَاذَبَانِهِ فَالْقَوْلُ فِي هَذَا كُلِّهِ قَوْلُ مَنْ شَهِدَ لَهُ الْعُرْفُ وَالْعَادَةُ فَيُحْكَمُ لِلرَّجُلِ بِالرُّمْحِ مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ كَانَ دُمْلُجًا قُضِيَ بِهِ لِلْمَرْأَةِ مَعَ يَمِينِهَا وَيُقْضَى لِلْعَطَّارِ بِالْمِسْكِ مَعَ يَمِينِهِ وَأَمَّا إنْ كَانَ الزَّوْجَانِ فِي الْبَيْتِ فَجَازَ أَحَدُهُمَا فِي يَدِهِ وَقَبْضَتِهِ مَا يَصْلُحُ لِلْآخَرِ دُونَهُ قَالَ فَاَلَّذِي يَتَبَيَّنُ لِي فِيهِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ حَازَهُ دُونَ الْآخَرِ
(الْفَرْقُ الْحَادِي وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي الطَّلَاقِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِيهِ) اعْلَمْ أَنَّ لَفْظَ الصَّرِيحِ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ لَبَنٌ صَرِيحٌ إذَا لَمْ يُخَالِطْهُ شَيْءٌ وَنَسَبٌ صَرِيحٌ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَائِبَةٌ مِنْ غَيْرِهِ فَأَمَّا إذَا كَانَ اللَّفْظُ يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْبُعْدِ فَهُوَ صَرِيحٌ وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ لِلْقَاضِي أَبِي الْوَلِيدِ فِي الصَّرِيحِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فَعِنْدَ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ لَفْظُ الطَّلَاقِ وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي الطَّلَاقِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِيهِ)
قُلْت مَا قَالَهُ هُنَا ذِكْرُ اشْتِقَاقٍ وَحِكَايَةُ أَقْوَالٍ وَلَا كَلَامَ فِي ذَلِكَ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَى الدَّلِيلِ وَنَحْوُ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللَّهِ» إلَخْ مُقَيَّدٌ وَكَذَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ» إلَخْ فَيُحْمَلَانِ عَلَى الْمُطْلَقِ وَهُوَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِذِكْرِ اللَّهِ» إلَخْ عَلَى الْقَاعِدَةِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ مِنْ حَمْلِ الْمُقَيَّدَيْنِ عَلَى الْمُطْلَقِ الْوَاحِدِ لَا الْعَكْسُ لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّحَكُّمُ فَافْهَمْ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَلْحَقُ فِيهِ الْوَلَدُ بِالْوَطْءِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَلْحَقُ فِيهِ]
(الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَلْحَقُ فِيهِ الْوَلَدُ بِالْوَاطِئِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَلْحَقُ بِهِ)
فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ لِابْنِ الْعَرَبِيِّ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَقَلُّ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] ثُمَّ قَالَ تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] فَإِذَا أَسْقَطْت حَوْلَيْنِ مِنْ ثَلَاثِينَ شَهْرًا بَقِيَتْ مِنْهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَهِيَ مُدَّةُ الْحَمْلِ وَهَذَا مِنْ بَدِيعِ الِاسْتِنْبَاطِ اهـ.
فَمِنْ هُنَا أَطْلَقَ الْعُلَمَاءُ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَلْحَقُ بِالْوَاطِئِ إلَّا لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا وَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَكَلَامُهُمْ هَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الْآيَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] قَالَ وَلَا اعْتِبَارَ عِنْدِي بِمَا حَكَاهُ الشِّهَابُ عَنْ الْأَطِبَّاءِ حَيْثُ قَالَ ذَكَرَ ابْنُ جُمَيْعٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَطِبَّاءِ فِي التَّحَدُّثِ عَلَى الْأَجِنَّةِ أَنَّ الْجَنِينَ يَتَحَرَّكُ لِمِثْلِ مَا يُخْلَقُ فِيهِ وَيُوضَعُ لَمِثْلَيْ مَا تَحَرَّكَ فِيهِ قَالُوا وَتَخَلُّقُهُ فِي الْعَادَةِ تَارَةً يَكُونُ لِشَهْرٍ وَتَارَةً يَكُونُ لِشَهْرٍ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ وَتَارَةً يَكُونُ لِشَهْرٍ وَنِصْفٍ فَإِذَا تَخَلَّقَ فِي شَهْرٍ بِمَعْنَى تَصَوَّرَتْ أَعْضَاؤُهُ تَحَرَّكَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ فَيَتَحَرَّكُ فِي شَهْرَيْنِ وَيُوضَعُ لِمِثْلَيْ مَا تَحَرَّكَ فِيهِ وَمِثْلَا الشَّهْرَيْنِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَأَرْبَعَةٌ مَعَ شَهْرَيْنِ سِتَّةٌ فَيُوضَعُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَإِنْ تَخَلَّقَ لِشَهْرٍ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ تَحَرَّكَ فِي مِثْلَيْ ذَلِكَ وَهُوَ شَهْرَانِ وَعَشَرَةُ أَيَّامٍ وَمِثْلَا ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعِشْرُونَ يَوْمًا فَإِذَا أُضِيفَ ذَلِكَ لِمُدَّةِ التَّحَرُّكِ كَانَ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ فَيُوضَعُ الْوَلَدُ لِسَبْعَةِ أَشْهُرٍ وَإِنْ تَخَلَّقَ لِشَهْرٍ وَنِصْفٍ تَحَرَّكَ فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَيُوضَعُ لِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ عَلَى التَّقْدِيرِ الْمُتَقَدِّمِ فَلِذَلِكَ لَا يَحْصُلُ الْوَضْعُ الطَّبِيعِيُّ إلَّا لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ سَبْعَةٍ أَوْ تِسْعَةٍ قَالُوا وَلِهَذَا السَّبَبِ يَعِيشُ الْوَلَدُ الَّذِي يُوضَعُ لِسَبْعَةٍ وَلَا يَعِيشُ الَّذِي يُوضَعُ لِثَمَانِيَةٍ.
وَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ لِلْقُوَّةِ وَلِمُدَّةِ التِّسْعَةِ وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِي يُوضَعُ لِسَبْعَةٍ وُضِعَ مِنْ غَيْرِ آفَةٍ سَلِيمًا عَلَى قَاعِدَةِ الْوِلَادَةِ وَاَلَّذِي يُوضَعُ لِثَمَانِيَةٍ يَكُونُ بِهِ آفَةٌ مِنْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ قَدْ عَجَّلَتْهُ
وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ الصَّرِيحُ الطَّلَاقُ وَمَا اشْتَهَرَ مَعَهُ كَالْخَلِيَّةِ وَالْبَرِيَّةِ وَنَحْوِهِمَا، وَقِيلَ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ كَالطَّلَاقِ وَالسَّرَاحِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] وقَوْله تَعَالَى {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] وَالْفِرَاقِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء: 130] ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ وَبِمَاذَا يَلْزَمُ هَلْ بِالنِّيَّةِ فَقَطْ لِمَالِكٍ وَيُرِيدُ بِالنِّيَّةِ التَّطْلِيقَ بِالْكَلَامِ النَّفْسَانِيِّ، وَقِيلَ بِاللَّفْظِ فَقَطْ قَالَ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا هَذَا فِي الْفُتْيَا.
وَأَمَّا فِي الْقَضَاءِ فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ وَلَا يُصَدَّقُ اتِّفَاقًا وَالْكِنَايَةُ أَصْلُهَا مَا فِيهِ خَفَاءٌ وَمِنْهُ كَنَيْتَهُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ كَأَنَّك أَخْفَيْت الِاسْمَ بِالْكُنْيَةِ تَعْظِيمًا لَهُ وَمِنْهُ الْكِنُّ لِإِخْفَائِهِ الْأَجْسَامَ وَمَا يُوضَعُ فِيهِ فَالْكِنَايَةُ هِيَ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ مَوْضُوعِهِ لُغَةً وَفِي الصِّحَاحِ يُقَالُ كَنَيْت وَكَنَوْتُ وَكُنْيَةٌ بِضَمِّ الْكَافِ وَكَسْرِهَا وَضَابِطُ مَشْهُورِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ اللَّفْظَ إنْ دَلَّ بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ فَهُوَ صَرِيحٌ. وَهَذَا هُوَ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ لِإِزَالَةِ مُطْلَقِ الْقَيْدِ يُقَالُ لَفْظٌ مُطْلَقٌ وَوَجْهٌ طَلْقٌ وَحَلَالٌ طَلْقٌ وَانْطَلَقَتْ بَطْنُهُ وَأُطْلِقَ فُلَانٌ مِنْ السِّجْنِ قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ كَيْفَمَا تَصَرَّفَتْ هَذِهِ الصِّيغَةُ نَحْوَ أَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ مُطَلَّقَةٌ، وَقَدْ طَلَّقْتُك أَوْ الطَّلَاقُ لَازِمٌ أَوْ قَدْ أَوْقَعْت عَلَيْك الطَّلَاقَ وَأَنَا طَالِقٌ مِنْك وَالْكِنَايَةُ مَا لَيْسَ مَوْضُوعًا لَهُ لُغَةً لَكِنْ يَحْسُنُ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ مَجَازًا لِوُجُودِ الْعَلَاقَةِ الْقَرِيبَةِ بَيْنَهُمَا
قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْكِنَايَاتِ نَحْوَ أَنْتِ خَلِيَّةٌ أَوْ بَرِيَّةٌ أَوْ بَائِنٌ أَوْ بَتَّةٌ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (وَالْكِنَايَةُ أَصْلُهَا مَا فِيهِ خَفَاءٌ وَمِنْهُ الْكِنُّ لِإِخْفَائِهِ الْأَجْسَامَ وَمَا يُوضَعُ فِيهِ) ، قُلْت هَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ هُوَ الْمُسَمَّى عِنْدَ النُّحَاةِ بِالِاشْتِقَاقِ الْكَبِيرِ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ مُحَقِّقِيهِمْ وَمَا أَرَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تَصِحُّ عِنْدَ مَنْ صَحَّحَهُ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْكِنَايَةَ ثَالِثَ حُرُوفِهَا يَاءٌ أَوْ وَاوٌ وَالْكِنُّ ثَالِثُ حُرُوفِهِ نُونٌ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ إبْدَالَ النُّونِ وَفِي ذَلِكَ بُعْدٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ (فَالْكِنَايَةُ هِيَ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ مَوْضُوعِهِ لُغَةً إلَى قَوْلِهِ مِنْ السِّجْنِ) ، قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ فِي اللُّغَةِ لِإِزَالَةِ مُطْلَقِ الْقَيْدِ، بَلْ لِإِزَالَةِ قَيْدِ الْعِصْمَةِ خَاصَّةً وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ يُقَالُ لَفْظٌ مُطْلَقٌ وَوَجْهٌ طَلْقٌ إشَارَةٌ إلَى الِاشْتِقَاقِ الْكَبِيرِ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا سَبَقَ.
قَالَ (قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ كَيْفَمَا تَصَرَّفَتْ هَذِهِ الصِّيغَةُ إلَى قَوْلِهِ وَأَنَا طَالِقٌ مِنْك) ، قُلْت مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ صَحِيحٌ وَهُوَ الصَّرِيحُ وَمَا قَالَ شِهَابُ الدِّينِ بَعْدُ صَحِيحٌ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
تِلْكَ الْآفَةُ عَنْ التِّسْعَةِ أَوْ أَخَّرَتْهُ عَنْ السَّبْعَةِ وَاَلَّذِي بِهِ آفَةٌ لَا يَعِيشُ فَالْمَوْلُودُ لِثَمَانِيَةٍ لَا يَعِيشُ هَذَا هُوَ الْمَنْهَجُ الْعَامُّ وَالْعَادَةُ الْغَالِبَةُ قَالُوا وَقَدْ يَحْصُلُ عَارِضٌ إمَّا مِنْ جِهَةِ الْمَنِيِّ فِي مِزَاجِهِ وَبَرْدِهِ وَيَبَسِهِ وَإِمَّا مِنْ جِهَةِ الرَّحِمِ فِي بَرْدِهِ أَوْ هَيْئَةٍ فِيهِ تَمْنَعُ مِنْ جَرَيَانِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فَيَقْعُدُ الْوَلَدُ إلَى اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا وَقَالَ الْفُقَهَاءُ وَالْمُؤَرِّخُونَ هَذِهِ الْأَسْبَابُ الْعَارِضَةُ قَدْ تُؤَخِّرُ الْوَلَدَ إلَى سَنَتَيْنِ فَأَكْثَرَ وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ أَوْ إلَى أَرْبَعِ سِنِينَ وَهُوَ مَشْهُورُ قَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ أَوْ إلَى خَمْسِ سِنِينَ وَهُوَ مَشْهُورُ الْمَالِكِيَّةِ وَوَقَعَ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ رضي الله عنهما إلَى سَبْعَةٍ قَالَ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ وَلَدَتْ امْرَأَةٌ بِوَاسِطَ لِسَبْعِ سِنِينَ وَلَدًا لَهُ وَفْرَةٌ مِنْ الشَّعْرِ فَجَاءَ عِنْدَ الْوِلَادَةِ بِجَنْبِهِ طَائِرٌ فَقَالَ لَهُ كِشْ، وَقَالَ مَالِكٌ إنَّ امْرَأَةَ الْعَجْلَانِيِّ دَائِمًا لَا تَضَعُ إلَّا لِخَمْسِ سِنِينَ وَهَذَا مِنْ الْعَوَارِضِ النَّادِرَةِ الْغَرِيبَةِ فِي هَذِهِ الْمَحَالِّ وَالْغَالِبُ هُوَ الْأَوَّلُ. اهـ
كَلَامُ الشِّهَابِ وَوَجْهُ عَدَمِ اعْتِبَارِ مَا حَكَاهُ عَنْ الْأَطِبَّاءِ هُوَ أَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا عَلَى مُقْتَضَى الْحِسِّ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْآيَةِ وَمُقْتَضَى الشَّرْعِ مُقَدَّمٌ وَلَا تَضُرُّ مُخَالَفَتُهُ لِمُقْتَضَى الْحِسِّ عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ إبْطَالُ مَا ذَكَرَهُ الْأَطِبَّاءُ مِنْ ذَلِكَ لِمُخَالَفَتِهِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «يُجْمَعُ خَلْقُ أَحَدِكُمْ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا نُطْفَةً ثُمَّ أَرْبَعِينَ عَلَقَةً ثُمَّ أَرْبَعِينَ مُضْغَةً ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ» فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الْحَرَكَةَ فِي جَمِيعِ الْأَجِنَّةِ لِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَالْوَضْعَ لِاثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا وَهُوَ يَقْتَضِي تَكْذِيبَهُمْ فِيمَا قَالُوهُ وَلَا حَاجَةَ إلَى تَأْوِيلِهِ بِأَنْ يُقَالَ إنَّهُ إشَارَةٌ إلَى الْأَطْوَارِ الثَّلَاثَةِ تَقْرِيبًا فَإِنَّ الْأَرْبَعِينَ تَقْرُبُ مِنْ الثَّلَاثِينَ وَالْخَمْسَةِ وَالثَّلَاثِينَ وَالْخَمْسَةِ وَالْأَرْبَعِينَ وَهِيَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَطْوَارِ مُتَوَسِّطَةٌ تَكَادُ تَشْتَمِلُ عَلَى الْجَمِيعِ بِتَوَسُّطِهَا وَدَعْوَى أَنَّ كَوْنَ الْحَرَكَةِ فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَالْوَضْعِ فِي اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا وَإِنْ كَانَ صُورَةً وَاقِعَةً صَحِيحَةً غَيْرَ أَنَّهَا نَادِرَةٌ.
وَحَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى النَّادِرِ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْغَالِبِ نَظَرًا لِأَنَّ الْمُبَاشِرَ لِصُوَرِ التَّخْلِيقِ وَالتَّحَرُّكِ وَالْوَضْعِ الْمُتَقَدِّمِ تَقْدِيرُهُ مُشَرِّحُونَ كَانُوا يُشَرِّحُونَ الْحَبَالَى وَيَشُقُّونَ أَجْوَافَهُمْ فِيمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ وَيَطَّلِعُونَ عَلَى ذَلِكَ حِسًّا وَعِيَانًا وَالْحِسُّ يُؤَوَّلُ لِأَجْلِهِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ قَوْلَهُ عليه السلام يُجْمَعُ خَلْقُ أَحَدِكُمْ صِيغَةٌ مُطْلَقَةٌ لَا عُمُومَ فِيهَا فَيَتَأَدَّى بِصُورَةٍ وَقَدْ وَقَعَتْ فِي صُوَرٍ كَثِيرَةٍ وَحَصَلَ الْوَضْعُ فِي اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا فَحَصَلَ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ وَصَدَقَ الْخَبَرُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْعُدُولِ بِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ دَعْوَى غَيْرُ مَسْمُوعَةٍ فَإِنَّ
أَوْ بَتْلَةٌ أَوْ حَبْلُك عَلَى غَارِبِك أَوْ أَنْتِ حَرَامٌ أَوْ كَالْمَيِّتَةِ أَوْ الدَّمِ أَوْ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ أَوْ الْفِرَاقُ أَوْ السَّرَاحُ أَوْ اعْتَدِّي وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ كُلُّهَا مِنْ مَجَازِ التَّشْبِيهِ فَالْخَلِيَّةُ الْفَارِغَةُ وَالْفَرَاغُ حَقِيقَةٌ فِي خُلُوِّ جِسْمٍ مِنْ جِسْمِ فَشَبَّهَ بِهِ خُلُوَّ الْمَرْأَةِ مِنْ عِصْمَةِ النِّكَاحِ وَالْبَرِيَّةُ مِنْ الْبَرَاءَةِ وَهُوَ مُطْلَقُ السَّلْبِ كَيْفَ كَانَ الْمَسْلُوبُ وَالْبَائِنُ مِنْ الْبَيْنِ وَهُوَ الْبُعْدُ بَيْنَ الْأَجْسَامِ وَيُقَالُ فِي الْمَعَانِي بَوْنٌ لَا بَيْنٌ شَبَّهَ الْبُعْدَ مِنْ الْعِصْمَةِ بِالْبُعْدِ بَيْنَ الْجِسْمَيْنِ وَالْبَتُّ الْقَطْعُ فِي جِسْمٍ شَبَّهَ بِهِ قَطْعَ الْعِصْمَةِ، وَكَذَلِكَ الْبَتْلَةُ وَمِنْهُ فَاطِمَةُ الْبَتُولُ رضي الله عنها لِانْقِطَاعِهَا فِي الشَّرَفِ عَنْ النِّسَاءِ، وَقِيلَ لِانْقِطَاعِهَا عَنْ الْأَزْوَاجِ إلَّا عَلِيًّا رضي الله عنه وَمِنْهُ حَبْلُك عَلَى غَارِبِك؛ لِأَنَّ عَادَةَ الدَّابَّةِ فِي الرَّعْيِ إذَا أَمْسَكَ صَاحِبُهَا حَبْلَهَا لَا تَتَهَنَّى فِي الرَّعْيِ لِتَوَهُّمِهَا أَنَّهُ يَجُرُّهَا بِهِ.
وَإِذَا أَرَادَ تَهْنِئَتَهَا بِالرَّعْيِ أَلْقَى حَبْلَهَا عَلَى كَتِفِهَا وَهُوَ غَارِبُهَا فَتَطْمَئِنُّ حِينَئِذٍ فَشَبَّهَ بِهِ طَلَاقَ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهَا تَبْقَى مُخْلَاةً لِنَفْسِهَا، وَكَذَلِكَ الْبَوَاقِي وَمَا لَيْسَ فِي عَلَاقَةٍ قَرِيبَةٍ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ مَجَازًا وَيُسَمَّى مَجَازَ التَّعْقِيدِ إذَا اعْتَمَدَ فِيهِ عَلَى الْعَلَاقَةِ الْبَعِيدَةِ اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى مَنْعِهِ كَقَوْلِهِ تَزَوَّجْت بِنْتَ الْأَمِيرِ وَيُفَسِّرُ ذَلِكَ بِرُؤْيَتِهِ لِوَالِدِ عَاقِدِ الْأَنْكِحَةِ بِالْمَدِينَةِ مُعْتَمِدًا عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ مِنْ لَوَازِمِهِ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ مُبِيحُهُ؛ وَالْعَقْدُ مِنْ لَوَازِمِهِ الْعَاقِدُ لِأَنَّهُ فَاعِلُهُ؛ وَالْعَاقِدُ مِنْ لَوَازِمِهِ أَبُوهُ لِأَنَّهُ وَلَدُهُ فَهَذَا الْقِسْمُ وَمَا لَيْسَ فِيهِ عَلَاقَةُ الْبَتَّةِ لَا قَرِيبَةً وَلَا بَعِيدَةً هُوَ مَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ وَلَا كِنَايَةٍ قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ هَذَا نَحْوُ قَوْلِهِ اسْقِنِي الْمَاءَ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ الطَّلَاقَ فَالْمَشْهُورُ لُزُومُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي تَعْلِيلِهِ فَقِيلَ هُوَ الطَّلَاقُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّةِ اللَّفْظِ، وَقِيلَ، بَلْ بِاللَّفْظِ كَأَنَّ الْمُسْتَعْمِلَ وَضَعَهُ الْآنَ لِلطَّلَاقِ وَهُوَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ إنْشَاءَ الْوَضْعِ لَا نَجِدُهُ يَخْطِرُ بِبَالِ النَّاسِ فِي الْعَادَةِ عِنْدَ هَذَا الِاسْتِعْمَالِ، وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بِالنِّيَّةِ لَا يَلْزَمُ وَاللَّفْظَ لَا يَصْلُحُ وَتَحْتَاجُ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ إلَى قَاعِدَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ اللُّغَاتِ هَلْ هِيَ تَوْقِيفِيَّةٌ أَوْ اصْطِلَاحِيَّةٌ فَعَلَى الْقَوْلِ بِالتَّوْقِيفِ وَأَنَّ اللُّغَاتِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (وَتَحْتَاجُ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ إلَى قَاعِدَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ اللُّغَاتِ هَلْ هِيَ تَوْقِيفِيَّةٌ أَوْ اصْطِلَاحِيَّةٌ إلَى قَوْلِهِ قَالَا وَإِنْ فَرَّعْنَا عَلَى أَنَّ اللُّغَاتِ اصْطِلَاحِيَّةٌ جَازَ جَمِيعُ ذَلِكَ) ، قُلْت لَا أَدْرِي مَا دَلِيلُهُمَا عَلَى الْمَنْعِ مِنْ وَضْعِ لَفْظِ اسْقِنِي الْمَاءَ لِإِنْشَاءِ الطَّلَاقِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ لِاسْتِدْعَاءِ سَقْيِ الْمَاءِ بِوَضْعِ اللَّهِ تَعَالَى
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْمُشَرِّحِينَ الْمَذْكُورِينَ قَوْمٌ كُفَّارٌ لَا عِبْرَةَ بِقَوْلِهِمْ فِي الشَّرَائِعِ وَالْأَحْكَامِ فَلَا يَنْبَنِي عَلَى قَوْلِهِمْ لُحُوقُ الْوَلَدِ وَعَدَمُ لُحُوقِهِ حَتَّى يُقَالَ إنْ كَانَ الْوَلَدُ قَدْ وُلِدَ تَامًّا فَلَا يَتِمُّ بَعْدَ الْوَطْءِ إلَّا فِي سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْهَا أَمَّا أَقَلُّ فَلَا وَإِذَا لَمْ تَلِدْهُ تَامًّا نُظِرَتْ نِسْبَةُ تِلْكَ الْمُدَّةِ لِذَلِكَ التَّخَلُّقِ فَإِنْ كَانَتْ الْمُدَّةُ تَصْلُحُ لَهُ أَلْحَقَتْهُ بِالْوَاطِئِ.
وَإِنْ كَانَتْ لَا تَصْلُحُ لَهُ لَمْ يَلْحَقْ فَقَدْ يَلْحَقُ بِهِ لِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ مَثَلًا إذَا كَانَتْ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ تَصْلُحُ لِذَلِكَ التَّخَلُّقِ وَقَبُولُ قَوْلِ الْكَافِرِ فِي الْمَوَاطِنِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي فِي الْفَرْقِ الْأَوَّلِ مِنْ الْأُمُورِ الْغَائِبَةِ مِنْ الطِّبِّيَّاتِ وَالْجِرَاحَاتِ وَكُلِّ مَا هُوَ عِلْمُهُمْ وَدِرَايَتُهُمْ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا عَلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْخَبَرِ لَا الشَّهَادَةِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ فِي مَوَاطِنِ إلْجَاءِ الضَّرُورَةِ إلَى قَبُولِ قَوْلِهِمْ وَلَيْسَ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ أَمْرِ لُحُوقِ الْوَلَدِ مِنْ تِلْكَ الْمَوَاطِنِ لِأَنَّ الْآيَةَ يَقْتَضِي ظَاهِرُهَا تَعْيِينَ الْمُدَّةِ الَّتِي يَلْحَقُ فِيهَا الْوَلَدُ وَهِيَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَالْحَدِيثُ يَقْتَضِي ظَاهِرُهُ تَكْذِيبَهُمْ فِيمَا قَالُوهُ كَمَا عَلِمْت. اهـ
كَلَامَ ابْنِ الشَّاطِّ بِتَوْضِيحٍ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْعَلَّامَةُ ابْنُ الشَّاطِّ اعْتَبَرَ ظَاهِرَ الْآيَةِ وَظَاهِرَ الْحَدِيثِ وَبَنَى عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْوَلَدَ لَا يَلْحَقُ الْوَاطِئَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا وَلَمْ يُعْتَبَرْ مَا ذَكَرَهُ الْأَطِبَّاءُ لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ مُقْتَضَى الْحِسِّ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ لَا يُقَدَّمُ عَلَى مُقْتَضَى ظَاهِرِ الشَّرْعِ إذْ لَا تَضُرُّ مُخَالَفَةُ الشَّرْعِ لِمُقْتَضَى الْحِسِّ
(الثَّانِي) أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ أَمْرِ لُحُوقِ الْوَلَدِ لَيْسَ مِنْ مَوَاطِنِ إلْجَاءِ الضَّرُورَةِ إلَى قَبُولِ أَقْوَالِ الْكُفَّارِ حَتَّى يُقْبَلَ فِيهِ قَوْلُ الْمُشَرِّحِينَ مِنْ الْأَطِبَّاءِ الْكُفَّارِ وَالْعَلَّامَةُ الشِّهَابُ اعْتَبَرَ مَا ذَكَرَهُ الْأَطِبَّاءُ نَظَرًا لِكَوْنِهِمْ وَإِنْ كَانُوا كُفَّارًا قَدْ شَرَّحُوا مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ مِنْ الْحَبَالَى وَشَقُّوا أَجْوَافَهُمْ وَاطَّلَعُوا عَلَى ذَلِكَ حِسًّا وَعِيَانًا وَقَوْلُ الْفُقَهَاءِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْكُفَّارِ وَلَا شَهَادَتُهُمْ إنَّمَا هُوَ فِي الشَّهَادَةِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْأَمْوَالِ وَالدِّمَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ قَضَايَا الْحُكَّامِ أَمَّا مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الطِّبِّيَّاتِ وَالْجِرَاحَاتِ وَالْأُمُورِ الَّتِي هِيَ عِلْمُهُمْ وَدِرَايَتُهُمْ فَقَدْ لِمَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ قَوْلٌ عَلَى قَوْلِ الْكَافِرِ فِي ذَلِكَ وَيُثَرِّبُ عَلَيْهِ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ كَمَا مَرَّ فِي الْفَرْقِ الْأَوَّلِ وَبَنَى عَلَيْهِ أَنَّ الْوَلَدَ يَلْحَقُ الْوَاطِئَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ حَيْثُ لَمْ تَلِدْهُ تَامًّا فِي مُدَّةٍ تَصْلُحُ لِلتَّخَلُّقِ الَّذِي وُلِدَ عَلَيْهِ وَأَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ مَحْمُولٌ عَلَى صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ الْغَالِبَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْأَطِبَّاءُ وَأَمَّا ظَاهِرُ الْحَدِيثِ فَإِمَّا مَحْمُولٌ عَلَى صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ غَيْرِ الْغَالِبَةِ وَإِنْ كَانَتْ نَادِرَةً لِيَحْصُلَ مُقْتَضَاهُ وَتَصْدُقُ صِيغَةُ إطْلَاقِهِ بِصُورَةٍ مَا بِلَا احْتِيَاجٍ إلَى الْعُدُولِ بِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ إشَارَةً إلَى التَّوَسُّطِ بَيْنَ الْأَطْوَارِ كَمَا تَقَدَّمَ فَيَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى الْغَائِبِ لَا عَلَى النَّادِرِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَنُظِرَ فِي ذَلِكَ إلَى أَنَّ الْحِسَّ