الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي الْجَوَاهِرِ وَالْأَجْسَامِ أَمْ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي الْمَنَافِعِ خَاصَّةً.
(قُلْت) قَالَ الْمَازِرِيُّ رحمه الله فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ الْمِلْكُ فِي الْمَبِيعِ يَحْصُلُ فِي الْأَعْيَانِ وَفِي الْإِجَارَاتِ يَحْصُلُ فِي الْمَنَافِعِ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ، بَلْ الْأَعْيَانُ لَا يَمْلِكُهَا إلَّا اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ هُوَ التَّصَرُّفُ وَلَا يَتَصَرَّفُ فِي الْأَعْيَانِ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِيجَادِ وَالْإِعْدَامِ وَالْأَمَانَةِ وَالْإِحْيَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَتَصَرُّفُ الْخَلْقِ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَنَافِعِ فَقَطْ بِأَفْعَالِهِمْ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْمُحَاوَلَاتِ وَالْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ قَالَ وَتَحْقِيقُ الْمِلْكِ أَنَّهُ إنْ وَرَدَ عَلَى الْمَنَافِعِ مَعَ رَدِّ الْعَيْنِ فَهُوَ الْإِجَارَةُ وَفُرُوعُهَا مِنْ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُجَاعَلَةِ وَالْقِرَاضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَإِنْ وَرَدَ عَلَى الْمَنَافِعِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَرِدُ الْعَيْنُ، بَلْ يَبْذُلُهَا لِغَيْرِهِ بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَهُوَ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ وَالْعَقْدُ فِي الْجَمِيعِ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْمَنْفَعَةَ فَقَدْ ظَهَرَ بِهَذِهِ الْمَبَاحِثِ وَهَذِهِ الْأَسْئِلَةُ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّصَرُّفَاتِ وَمَا يُتَوَهَّمُ الْتِبَاسُهُ بِهِ.
(الْفَرْقُ الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَسْبَابِ الْعَقْلِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ نَحْوُ بِعْت وَاشْتَرَيْت وَأَنْتِ طَالِقٌ وَأَعْتَقْت وَنَحْوُهُ مِنْ الْأَسْبَابِ) قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ رحمه الله يَثْبُتُ مُسَبِّبُ هَذَا الْقِسْمِ مَعَ آخِرِ حَرْفٍ مِنْهُ تَشْبِيهًا
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَسْبَابِ الْعَقْلِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ إلَى قَوْلِهِ فَالْفَرْقُ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ) قُلْت هُوَ فَرْقٌ لَا طَائِلَ وَرَاءَهُ وَالْكَلَامُ فِيهِ تَعَمُّقٌ فِي
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
اللَّهِ وَحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْإِسْلَامَ وَنَحْوَ الْعِبَادَاتِ لَمَّا كَانَا حَقَّيْنِ لِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ جِهَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَكَانَ الْإِسْلَامُ أَصْلًا لِلْعِبَادَاتِ وَنَحْوِهَا بِحَيْثُ تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهَا عَلَيْهِ نَاسَبَ أَنْ يُقَدَّمَ عَلَيْهَا بِالتَّرْغِيبِ فِيهِ بِإِسْقَاطِهَا نَظَرًا لِكَوْنِهِ حَقًّا حَاصِلًا لِجِهَةِ الْحَقِّ السَّاقِطِ فَتُقَدَّمُ مَصْلَحَتُهُ عَلَى مَصْلَحَةِ مَا اتَّحَدَ مَعَهُ فِي الْجِهَةِ لِأَصَالَتِهِ لَا عَلَى مَا خَالَفَهُ فِيهَا كَحَقِّ الْآدَمِيِّينَ إذْ الْمُنَاسِبُ أَنْ لَا يَسْقُطَ حَقُّهُمْ بِتَحْصِيلِ حَقِّ غَيْرِهِمْ
(وَثَانِيهِمَا) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَرِيمٌ جَوَادٌ تُنَاسِبُ رَحْمَتُهُ الْمُسَامَحَةَ وَسُقُوطَ حُقُوقِهِ مُطْلَقًا، بِخِلَافِ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ بَخِيلٌ ضَعِيفٌ يُنَاسِبُ التَّمَسُّكَ بِحَقِّهِ مُطْلَقًا إلَّا أَنَّهُ جَرَى فِيهِ التَّفْصِيلُ الْآتِي لِمَا سَتَعْرِفُهُ.
وَأَمَّا مَا لَمْ يَرْضَ الْحَرْبِيُّ حَالَةَ كُفْرِهِ بِدَفْعِهِ لِمُسْتَحِقِّهِ مِنْ الْعِبَادِ كَالْغُصُوبِ وَالنُّهُوبِ وَالْغَارَاتِ وَنَحْوِهَا مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ الَّتِي دَخَلَ إلَخْ فَلِأَنَّ فِي إلْزَامِهِ مَا لَمْ يَعْتَقِدْ لُزُومَهُ تَنْفِيرًا لَهُ عَنْ الْإِسْلَامِ فَقُدِّمَتْ مَصْلَحَةُ الْإِسْلَامِ عَلَى مَصْلَحَةِ ذَوِي الْحُقُوقِ، وَأَمَّا حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ الَّتِي رَضِيَ حَالَةَ كُفْرِهِ بِدَفْعِهَا لِمُسْتَحِقِّهَا مِنْ الْعِبَادِ وَاطْمَأَنَّتْ نَفْسُهُ بِذَلِكَ فَهَذَا يَلْزَمُ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ إلْزَامَهُ إيَّاهُ لَيْسَ مُنَفِّرًا لَهُ عَنْ الْإِسْلَامِ لِرِضَاهُ بِهِ لَكِنْ هَذَا يَخْتَلِفُ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَرْبِيِّ وَالذِّمِّيِّ فَالذِّمِّيُّ كَمَا يَلْزَمُهُ ثَمَنُ الْبِيَاعَاتِ وَأَجْرُ الْإِجَارَاتِ وَدَفْعُ الدُّيُونِ الَّتِي اقْتَرَضَهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ كَذَلِكَ يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْمَظَالِمِ وَرَدُّهَا كَالْغُصُوبِ وَالنُّهُوبِ وَالْغَارَاتِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ الذِّمَّةَ وَهُوَ رَاضٍ بِمُقْتَضَى عَقْدِ الذِّمَّةِ وَالْحَرْبِيُّ إنَّمَا يَلْزَمُهُ ثَمَنُ الْبِيَاعَاتِ وَأَجْرُ الْإِجَارَاتِ وَدَفْعُ الدُّيُونِ الَّتِي اقْتَرَضَهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا رَضِيَ بِهِ حَالَةَ كُفْرِهِ وَاطْمَأَنَّتْ نَفْسُهُ بِهِ، وَأَمَّا الْغُصُوبُ وَالنُّهُوبُ وَالْغَارَاتُ وَنَحْوُهَا مِمَّا لَمْ يَرْضَ بِهِ حَالَةَ كُفْرِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ، بَلْ يَسْقُطُ عَنْهُ بِإِسْلَامِهِ لِمَا عَلِمْت أَفَادَهُ الْأَصْلُ، وَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ إنَّهُ صَحِيحٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُجْزِئُ فِيهِ فِعْلُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ عَنْهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُجْزِئُ فِيهِ فِعْلُ الْغَيْرِ عَنْهُ]
الْفَرْقُ الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُجْزِئُ فِيهِ فِعْلُ غَيْرِ مُكَلَّفٍ عَنْهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُجْزِئُ فِيهِ فِعْلُ الْغَيْرِ عَنْهُ)
قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الشَّاطِّ الْفَرْقُ الْعَاشِرُ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَصِحُّ فِيهِ النِّيَابَةُ وَقَاعِدَةِ مَا لَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْأَصْلُ قَبْلَ هَذَا الْفَرْقِ هُوَ هَذَا الْفَرْقُ بِعَيْنِهِ غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ هُنَا مَسَائِلَ لَمْ يَذْكُرْهَا هُنَاكَ اهـ فَلْنَقْتَصِرْ هُنَا عَلَى الْمَسَائِلِ الَّتِي لَمْ يَذْكُرْهَا هُنَاكَ لِتَكُونَ تَوْضِيحًا لِلْفَرْقِ السَّابِقِ وَنَخْلُصَ مِنْ وَصْمَةِ التَّكْرَارِ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى)
الزَّكَاةُ إنْ أَخْرَجَهَا أَحَدٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ مَنْ هِيَ عَلَيْهِ أَوْ غَيْرِ إذْنِهِ فِي ذَلِكَ فَعَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهَا تَمَسُّكًا بِقِيَاسِهَا عَلَى الدُّيُونِ وَيَأْخُذُ الْإِمَامُ لَهَا كُرْهًا وَالْإِكْرَاهُ مَعَ النِّيَّةِ مُتَنَافِيَانِ يَنْبَغِي أَنْ يُجْزِئَ فِعْلُ الْغَيْرِ فِيهَا مُطْلَقًا كَالدَّيْنِ الْوَدِيعَةِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا تَقَدَّمَ فِي الْقِسْمِ الْمُجْمَعِ عَلَى صِحَّةِ فِعْلِ غَيْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ عَنْ الْمَأْمُورِ وَعَلَى مَا قَالَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رضي الله عنهم مِنْ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهَا لِمَا فِيهَا مِنْ شَائِبَةِ التَّعَبُّدِ مِنْ جِهَةِ مَقَادِيرِهَا فِي نَصْبِهَا وَالْوَاجِبِ فِيهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الْمُخْرِجُ غَيْرَ الْإِمَامِ فَمُقْتَضَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا فِي الْأُضْحِيَّةِ يَذْبَحُهَا غَيْرُ رَبِّهَا بِغَيْرِ عِلْمِهِ وَإِذْنِهِ أَنَّهَا تُجْزِئُهُ إنْ كَانَ الْفَاعِلُ لِذَلِكَ صَدِيقَهُ وَمِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ لَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ نَفْسِهِ عِنْدَهُ لِتَمَكُّنِ الصَّدَاقَةِ بَيْنَهُمَا أَنْ يَجْرِيَ مِثْلُهُ هُنَا فَيُقَالُ إنَّ الزَّكَاةَ تُجْزِئُهُ إنْ كَانَ مَخْرَجُهَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ ضَرُورَةَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِبَادَةٌ مَأْمُورٌ بِهَا مُفْتَقِرَةٌ لِلنِّيَّةِ وَإِنْ كَانَ الْفَاعِلُ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ لَا يُجْزِئُ عَنْ رَبِّهَا
لِلْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ بِالْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْعِلَلَ الْعَقْلِيَّةَ لَا تُوجِبُ مَعْلُولَهَا إلَّا حَالَةَ وُجُودِهَا.
وَإِذَا عُدِمَتْ لَا يُوجَدُ مَعْلُولُهَا كَالْعِلْمِ مَعَ الْعَالَمِيَّةِ وَالْإِرَادَةِ مَعَ الْمُرِيدِيَّةِ مِنْ الْعَقْلِيَّاتِ وَالنَّارِ مَعَ الْإِحْرَاقِ وَالْمَاءِ مَعَ الْإِرْوَاءِ مِنْ الْعَادِيَّاتِ فَكَذَلِكَ هَذِهِ الْأَسْبَابُ الشَّرْعِيَّاتُ إذَا عُدِمَ آخِرُ جُزْءٍ مِنْهَا عُدِمَتْ جُمْلَتُهَا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُوجِبَ حِينَئِذٍ حُكْمًا، بَلْ تُقَدَّرُ مُسَبَّبَاتُ هَذِهِ الْأَسْبَابِ مَعَ آخِرِ حُرُوفِهَا حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْمُسَبَّبُ حَالَةَ وُجُودِ سَبَبِهِ لَا حَالَةَ عَدَمِهِ؛ لِأَنَّ وُجُودَ آخِرِ حَرْفٍ هُوَ الْوُجُودُ الْمُمْكِنُ فِي الصِّيَغِ؛ لِأَنَّهَا مَصَادِرُ سَيَّالَةٌ يَسْتَحِيلُ وُجُودُهَا بِجُمْلَتِهَا فَيُكْتَفَى بِوُجُودِ آخِرِ حَرْفٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ الْقُدْرَةُ الْمُمْكِنُ فِيهَا فَيَحْصُلُ بِهِ الشَّبَهُ بَيْنَ الْعَقْلِيَّاتِ وَالشَّرْعِيَّاتِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ تَقْدِيرُ مُسَبَّبَاتِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ إلَّا عَقِيبَ حَرْفٍ وَإِنْ عُدِمَتْ جُمْلَةُ الصِّيغَةِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عَادَةً حِينَئِذٍ فَالْفَرْقُ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ يَحْصُلُ الْفَرْقُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّةَ تَنْقَسِمُ إلَى مَا يُوجِبُ مُسَبِّبُهُ إنْشَاءً نَحْوُ عِتْقِ الْإِنْسَانِ عَنْ نَفْسِهِ وَالْبَيْعِ النَّاجِزِ وَالطَّلَاقِ النَّاجِزِ وَإِلَى مَا يُوجِبُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
الدِّينِ وَتَكَلُّفٌ وَلَا يُتَوَصَّلُ فِيهِ إلَى الْيَقِينِ قَالَ (وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ يَحْصُلُ الْفَرْقُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّةَ تَنْقَسِمُ إلَى مَا يُوجِبُ مُسَبِّبُهُ إنْشَاءً إلَى قَوْلِهِ وَلِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ مِنْ الْكَفَّارَاتِ الْمُعْتَقِ عَنْهَا) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ تَقْدِيرِ الْمِلْكِ قَبْلَ النُّطْقِ بِالصِّيغَةِ بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، بَلْ الدَّلِيلُ عَلَى خِلَافِهِ وَهُوَ صِحَّةُ الْعِتْقِ عَنْ الْمَيِّتِ وَهُوَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَمْلِكَ، ثُمَّ إنَّ الْعِتْقَ عَنْ غَيْرِهِ لَمْ يَقْصِدْ إلَى
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
لِافْتِقَارِهَا لِلنِّيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.
وَإِنْ أَخَذَهَا الْإِمَامُ كُرْهًا وَهُوَ عَدْلٌ أَجْزَأَتْ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى اعْتِمَادًا عَلَى فِعْلِ الصِّدِّيقِ وَتَمَسُّكًا بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} [التوبة: 103] فَإِنَّ ظَاهِرَ الْأَمْرِ الْوُجُوبُ الَّذِي أَقَلُّ مَرَاتِبِهِ الْإِذْنُ وَالْإِجْزَاءُ؛ وَلِأَنَّ الْإِمَامَ وَكِيلُ الْفُقَرَاءِ فَلَهُ أَخْذُ حَقِّهِمْ قَهْرًا كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَأْخُذُهَا الْإِمَامُ كُرْهًا لَكِنْ يُلْجِئُهُ إلَى دَفْعِهَا بِالْحَبْسِ وَغَيْرِهِ لِافْتِقَارِهَا لِلنِّيَّةِ وَالْإِكْرَاهُ مَعَ النِّيَّةِ مُتَنَافِيَانِ
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) الصَّوْمُ عَنْ الْمَيِّتِ إذَا فَرَّطَ فِيهِ جَوَّزَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَرَوَى الشَّافِعِيَّةُ ذَلِكَ فِي مَذْهَبِهِمْ أَيْضًا لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ لَمْ يَصُمْ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» وَلَمْ يُجَوِّزْهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39] وَقِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ وَمِنْ هَذَا الْبَابِ الْحَجُّ عَنْ الْمَيِّتِ أَيْضًا وَسَيَأْتِي زِيَادَةُ تَحْقِيقٍ لِهَذَا فَتَرَقَّبْ
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ فِي الْعِتْقِ عَنْ الْغَيْرِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْإِجْزَاءُ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَعَدَمُ الْإِجْزَاءِ لِأَشْهَبَ، وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ إنْ أَذِنَ فِي الْعِتْقِ أَجْزَأَ عَنْهُ وَإِلَّا فَلَا، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه اهـ.
وَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَنْ ظِهَارِ غَيْرِهِ عَلَى جُعْلٍ جَعَلَهُ لَهُ فَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ وَعَلَيْهِ الْجُعْلُ وَلَا يُجْزِئُهُ أَيْ عَنْ ظِهَارِهِ كَالْمُشْتَرِي بِشَرْطِ الْعِتْقِ أَيْ فِي عَدَمِ إجْزَاءِ عِتْقِهِ عَنْ الظِّهَارِ قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْجُعْلِ وَضِيعَةٌ عَنْ الثَّمَنِ جَازَ أَيْ عِتْقُهُ عَنْ الظِّهَارِ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ هِبَتُهُ أَيْ هِبَةُ مَنْ يُعْتَقُ فِي الظِّهَارِ فَبَيْعُهُ أَوْلَى، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ يُجْزِئُ الْعِتْقُ عَنْ ظِهَارِ الْغَيْرِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَإِنْ كَانَ أَبًا لِلْمُعْتَقِ وَفَرَّقَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ بَيْنَ عِتْقِ الْإِنْسَانِ عَنْ غَيْرِهِ وَبَيْنَ دَفْعِ الزَّكَاةِ عَنْهُ فَلَا يُجْزِئُ فِي الثَّانِي؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَيْسَتْ فِي الذِّمَّةِ وَيُجْزِئُ فِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ فِي الذِّمَّةِ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَالْحَقُّ الْإِجْزَاءُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا كَالدَّيْنِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَائِرَةٌ بَيْنَ أَرْبَعِ قَوَاعِدَ
(الْقَاعِدَةُ الْأُولَى) قَاعِدَةُ التَّقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي خِطَابِ الْوَضْعِ وَهِيَ إمَّا إعْطَاءُ الْمَوْجُودِ حُكْمَ الْمَعْدُومِ كَالْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ إذَا قَلَّا أَوْ تَعَذَّرَ الِاحْتِرَازُ عَنْهُمَا كَأَسَاسِ الدَّارِ وَقُطْنِ الْجُبَّةِ وَرَدَاءَةِ بَوَاطِنِ الْفَوَاكِهِ وَدَمِ الْبَرَاغِيثِ وَنَجَاسَةِ ثَوْبِ الْمُرْضِعِ، وَالْوَارِثُ الْكَافِرُ أَوْ الْعَبْدُ يُقَدَّرُ عِتْقُهُ فَلَا يُحْجَبُ، وَأَمَّا إعْطَاءُ الْمَعْدُومِ حُكْمَ الْمَوْجُودِ كَتَقْدِيرِ الْإِيمَانِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ النَّائِمِ وَالْغَافِلِ حَتَّى يَنْعَصِمَ الدَّمُ وَالْمَالُ وَتَقْدِيرِ الْكُفْرِ فِي الْكَافِرِ النَّائِمِ وَالْغَافِلِ حَتَّى تَصِحَّ إبَاحَةُ الدَّمِ وَالْمَالِ وَالذُّرِّيَّةِ
(الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ) أَنَّ الْكَفَّارَاتِ عِبَادَةٌ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا النِّيَّةُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَنَا، وَقِيلَ لَا تَجِبُ فِيهَا النِّيَّةُ
(الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ) أَنَّ الْهِبَةَ إذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهَا قَبْضٌ بَطَلَتْ
(الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ) قَاعِدَةُ مَذْهَبِ مَالِكٍ الَّتِي نَصَّ عَلَيْهَا ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ وَصَاحِبُ الْجَوَاهِرِ فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ وَهِيَ أَنَّ كُلَّ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَوْ أَوْصَلَ نَفْعًا لِغَيْرِهِ مِنْ مَالٍ أَوْ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ نَفَذَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ مُتَبَرِّعًا لَمْ يَرْجِعْ بِهِ أَوْ غَيْرَ مُتَبَرِّعٍ وَهُوَ مَنْفَعَةٌ فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ أَوْ مَالٌ فَلَهُ أَخْذُهُ مِمَّنْ دَفَعَهُ عَنْهُ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَجِبُ عَلَى الْمَدْفُوعِ عَنْهُ كَالدَّيْنِ أَوْ مِمَّا لَا يَجِبُ كَغُسْلِ الثَّوْبِ وَخِيَاطَتِهِ وَرَمْيِ التُّرَابِ مِنْ الدَّارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ فِي عَدَمِ التَّبَرُّعِ، لَكِنَّ شَرْطَ الْغُرْمِ أَنْ يَكُونَ الْمَعْمُولُ لَهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ عَمَلِهِ بِالِاسْتِئْجَارِ أَوْ إنْفَاقِ الْمَالِ أَمَّا إنْ كَانَ شَأْنُهُ فِعْلَهُ إيَّاهُ بِغَيْرِ اسْتِئْجَارٍ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغُلَامِهِ وَتَحْصُلُ تِلْكَ الْمَصْلَحَةُ بِغَيْرِ مَالٍ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ فَمَالِكٌ يَجْعَلُ لِسَانَ الْحَالِ قَائِمًا مَقَامَ لِسَانِ الْمَقَالِ فَكَأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ بِلِسَانِ مَقَالِهِ وَخَالَفَنَا الشَّافِعِيُّ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَجَعَلَ
اسْتِلْزَامًا كَالْعِتْقِ عَنْ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْمِلْكَ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ بِطَرِيقِ الِالْتِزَامِ بِأَنْ يُقَدَّرَ الْمِلْكُ قَبْلَ النُّطْقِ بِالصِّيغَةِ بِالزَّمَنِ مِنْ الْفَرْدِ لِضَرُورَةِ ثُبُوتِ الْوَلَاءِ لَهُ وَلِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ مِنْ الْكَفَّارَةِ الْمُعْتَقِ عَنْهَا وَمِثْلُهُ الْعِتْقُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَإِنَّ الْمِلْكَ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ حِينَئِذٍ بِسَبَبِ عِتْقِهِ الْتِزَامًا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ عَلَى الْأَصَحِّ وَالْأَشْهَرِ حَتَّى يَنْتَقِلَ بِالتَّصْرِيحِ مِنْ الْمُشْتَرِي نَحْوُ قَوْلُهُ قَبِلْت أَوْ اخْتَرْت الْإِمْضَاءَ فَهَذِهِ مُطَابَقَةٌ أَوْ يُعْتِقُ أَوْ يَطَأُ الْأَمَةَ أَوْ نَحْوُهُ بِمَا يَقْتَضِي الْتِزَامَ الْمِلْكِ وَنَقَلَهُ لَهُ فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ يُقَدَّرُ ثُبُوتُ الْمِلْكِ قَبْلَ الْعِتْقِ حَتَّى يَقَعَ الْعِتْقُ عَنْ الْغَيْرِ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
ذَلِكَ الْمُقَدَّرَ، وَلَوْ قَصَدَ إلَيْهِ لَمَا صَحَّ عِتْقُهُ إيَّاهُ لِأَنَّهُ كَأَنْ يَكُونَ حِينَئِذٍ مُعْتِقًا مِلْكَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ.
وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ وَمَا ذَكَرَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ فِي ذَلِكَ مِنْ تَقَدُّمِ تَوْكِيلِ الْمُعْتَقِ عَنْهُ إنَّمَا يُتَّجَهُ إذَا كَانَ الْعِتْقُ بِإِذْنِهِ أَمَّا إذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَا يُتَّجَهُ وَبِالْجُمْلَةِ الْقَوْلُ بِتِلْكَ التَّقْدِيرَاتِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَا يَصِحُّ.
قَالَ (وَمِثْلُهُ الْعِتْقُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ إلَى قَوْلِهِ مِمَّا يَقْتَضِي الْتِزَامَ الْمِلْكِ وَنَقْلَهُ لَهُ) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ اسْتِلْزَامِ الْعِتْقِ وَالْوَطْءِ إمْضَاءُ الْبَيْعِ الْمُحَصِّلِ لِلْمِلْكِ صَحِيحٌ وَحُصُولُ الْمِلْكِ هُنَا مُحَقَّقٌ لَا مُقَدَّرٌ قَالَ (فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ يُقَدَّرُ ثُبُوتُ الْمِلْكِ قَبْلَ الْعِتْقِ حَتَّى يَقَعَ الْعِتْقُ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ) قُلْت إنْ أَرَادُوا بِالْعِتْقِ إنْشَاءَ الصِّيغَةِ الَّتِي هِيَ سَبَبُ حُصُولِ الْعِتْقِ فَقَوْلُهُمْ غَيْرُ صَحِيحٍ وَإِنْ أَرَادُوا بِهِ حُصُولَ الْعِتْقِ بِنَفْسِهِ فَقَوْلُهُمْ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ إنْشَاءَ الصِّيغَةِ بِعَيْنِهِ هُوَ الْمُسْتَلْزِمُ لِإِمْضَاءِ الْبَيْعِ الَّذِي بِهِ يَحْصُلُ الْمِلْكُ إذَا لَمْ يَصْدُرْ مِنْ الْمُشْتَرِي غَيْرُ ذَلِكَ فَالْمِلْكُ لَا يَحْصُلُ قَبْلَ ذَلِكَ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَا مُوجِبَ لِحُصُولِهِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْأَصْلَ فِي فِعْلِ الْغَيْرِ التَّبَرُّعَ وَأَنَّهُ لَا يُرْجَعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ إذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْمَدْفُوعُ عَنْهُ بِلِسَانِ الْمَقَالِ فَمَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ لَمَّا لَاحَظَا هَذِهِ الْقَاعِدَةَ قَالَا الْمُعْتَقُ قَامَ عَنْ الْمُعْتَقِ عَنْهُ بِوَاجِبٍ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَفْعَلَهُ إمَّا بِنَاءً عَلَى قَاعِدَةِ صِحَّةِ النِّيَابَةِ فِي الْأُمُورِ الْمَالِيَّةِ عِبَادَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا فَلَا يَحْتَاجُ فِيهَا حِينَئِذٍ إلَى الْإِذْنِ وَلَا إلَى تَقْدِيرِ الْمِلْكِ وَالْوَكَالَةِ وَلَا يَكُونُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَا فِيمَا نَصَّ عَلَيْهِ عَبْدُ الْحَقِّ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ الْعِتْقُ عَنْ الْغَيْرِ تَطَوُّعًا بِغَيْرِ إذْنِهِ إشْكَالٌ أَصْلًا كَمَا قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الرَّهُونِيِّ وَالصَّوَابُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ مَسْأَلَتَيْ الْمُدَوَّنَةِ يَعْنِي قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَالِكٍ الْمُتَقَدِّمَيْنِ مَا قَالَهُ أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيَّ فِي الْمُنْتَقَى وَنَصُّهُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّهُ مَعْنًى يَجُوزُ فِيهِ النِّيَابَةُ؛ لِأَنَّ طَرِيقَهُ الْمَالُ وَلِذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يُعْتَقَ عَنْ الْمَيِّتِ وَسَلَّمَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنُ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ مِنْهُ عَلَى أَنْ يَعْتِقَهُ هُوَ لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ.
وَلَوْ وَهَبَهُ إيَّاهُ عَلَى أَنْ يُعْتِقَهُ عَنْ ظِهَارِهِ لَمْ يُجْزِهِ فَكَذَلِكَ إذَا أَعْتَقَهُ عَنْهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَدْ مَلَكَ الْوَاهِبُ أَوْ الْبَائِعُ الْعِتْقَ فِي ذَلِكَ الْعَبْدِ قَبْلَ وُقُوعِهِ وَلَزِمَ الْمُوهَبَ لَهُ إيقَاعُهُ بِالشَّرْطِ فَلِذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ مِنْ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ بِشَرْطِ عِتْقِهِ عَنْهُ أَوْ وَهَبَهُمْ إيَّاهَا بِذَلِكَ الشَّرْطِ لَمْ يُجْزِهِ الَّذِي أَنْفَذَ عِتْقَهُ عَنْ الْمُعْتَقِ عَنْهُ أَعْتَقَهُ وَلِذَلِكَ أَنْ يُعْتِقَهُ عَنْ الْمَيِّتِ، وَقَدْ رَوَى فِي الْعُتْبِيَّةِ أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَرْأَةِ تُعْطِي زَوْجَهَا الرَّقَبَةَ يُعْتِقُهَا عَنْ ظِهَارِهِ أَوْ عَنْ الْوَجْهِ إنْ كَانَ بِشَرْطِ الْعِتْقِ لَمْ يُجْزِهِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ شَرْطٍ أَجْزَاهُ وَذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَرَوَاهُ فِي الْمَدِينَةِ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ اهـ مِنْهُ بِلَفْظِهِ وَهُوَ حَسَنٌ، وَقَدْ أَغْفَلَهُ الْجَمُّ الْغَفِيرُ وَالتَّوْفِيقُ بِيَدِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ اهـ مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ بِلَفْظِهِ، وَإِمَّا بِنَاءً عَلَى قَاعِدَةِ التَّقَادِيرِ فَيُقَدَّرُ انْتِقَالُ مِلْكِهِ عَنْهُ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ قَبْلَ صُدُورِ الْعِتْقِ بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ حَتَّى يَثْبُتَ الْوَلَاءُ وَتَبْرَأَ ذِمَّتُهُ مِنْ الْكَفَّارَةِ فَيُرَدُّ الْإِشْكَالُ بِقَاعِدَةِ النِّيَّةِ فَإِنَّ مَالِكًا وَابْنَ الْقَاسِمِ يَشْتَرِطَانِهَا.
وَهِيَ مُتَعَذِّرَةٌ مَعَ الْغَفْلَةِ وَلَا يَدْفَعُهُ الْجَوَابُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْعِتْقِ عَنْ الْمَيِّتِ لِلْفَرْقِ بِأَنَّ الْحَيَّ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْعِتْقِ عَنْ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ قَدْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ بَابُ التَّقَرُّبِ فَنَاسَبَ أَنْ يُوَسِّعَ الشَّرْعُ لَهُ فِي ذَلِكَ وَلَا بِالْقِيَاسِ عَلَى أَخْذِ الزَّكَاةِ كُرْهًا مَعَ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهَا لِلْفَرْقِ أَيْضًا بِأَنَّهَا حَالَةُ ضَرُورَةٍ لِأَجْلِ امْتِنَاعِ الْمَالِكِ وَهَا هُنَا الْمُعْتَقُ عَنْهُ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ وَبِأَنَّ مَصْلَحَةَ الزَّكَاةِ عَامَّةٌ فَيُوَسَّعُ فِيهَا لِعُمُومِ الضَّرُورَةِ بِخِلَافِ الْكَفَّارَاتِ فَإِنَّهَا قَلِيلَةٌ وَهِيَ خَاصَّةٌ فَلَا يُخَالِفُ فِيهَا قَاعِدَةَ النِّيَّةِ فَتَبْقَى الْمَسْأَلَةُ مُشْكِلَةً عَلَى قَوْلِهِمَا لَا عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ قَاعِدَةَ النِّيَّةِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ حَالَةَ عَدَمِ الْإِذْنِ وَلَا عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ الْإِذْنُ مِنْ بَابِ الْكَلَامِ وَالْإِبَاحَةُ وَالنِّيَّةُ مِنْ بَابِ الْمَقَاصِدِ وَالْإِرَادَةِ فَلَا يَقُومُ أَحَدُهُمَا مَقَامَ الْآخَرِ وَلَا يَسْتَقِيمُ قَصْدُ الْإِنْسَانِ لِعِتْقِ مِلْكِ غَيْرِهِ وَلَا عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ إنْ دَفَعَ لَهُ جُعْلًا أَجْزَأَ وَإِلَّا فَلَا لِلْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ فَتَخْرُجُ بِالْجُعْلِ عَنْ الْهِبَةِ فَلَا تَحْتَاجُ إلَى قَصْدٍ وَأَشْكَلَ مِنْهَا عَلَى قَوْلِهِمَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ عَبْدُ الْحَقِّ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ الْعِتْقُ عَنْ الْغَيْرِ تَطَوُّعًا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ دَلَالَةُ الْحَالِ دُونَ الْمَقَالِ وَهَا هُنَا لَا دَلَالَةَ حَالٍ وَلَا مَقَالٍ فَلَا يُتَّجَهُ وَيَكُونُ أَبْعَدَ مِنْ الْعِتْقِ عَنْ الْوَاجِبِ، وَمَنْ يَشْتَرِطُ الْإِذْنَ يَقُولُ الْإِذْنُ تَضَمَّنَ الْوَكَالَةَ فِي نَقْلِ مِلْكِهِ لِلْآذِنِ وَعَتَقَ عَنْهُ بَعْدَ انْتِقَالِ الْمِلْكِ وَيَكُونُ الْمَأْذُونُ لَهُ وَكِيلًا فِي الْأَمْرَيْنِ وَمُتَوَلِّيًا لِطَرَفَيْ الْعَقْدِ كَمَا قَالَ الْأَصْلُ قَالَ وَالْمُوجِبُ بِهَذِهِ التَّقَادِيرِ كُلِّهَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ هَذَا التَّصَرُّفُ