الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جِهَةِ مُسَمَّى الْكَذِبِ لُغَةً لَا مِنْ جِهَةِ الْإِثْمِ وَالنَّهْيِ الشَّرْعِيِّ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ خَبَرَ الْوَعْدِ خَبَرٌ وَلَوْ خَالَفَهُ لَمْ يَكُنْ آثِمًا فَلَوْ قَالَ لِزَيْدٍ: غَدًا أُعْطِيك دِرْهَمًا وَلَمْ يُعْطِهِ غَدًا شَيْئًا لَمْ يَكُنْ آثِمًا وَلَوْ كَانَ آثِمًا لَوَجَبَ الْوَفَاءُ بِكُلِّ وَعْدٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَقَوْلُهُ عليه السلام «عِدَةُ الْمُؤْمِنِ دَيْنٌ» أَيْ مِثْلُ الدَّيْنِ وَلِذَلِكَ قَيَّدَ الْحُكْمَ بِوَصْفِ الْإِيمَانِ الْحَاثِّ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَلَوْ كَانَ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ مُطْلَقًا وَاجِبًا لَقَالَ عليه السلام الْوَعْدُ دَيْنٌ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْإِخْبَارَاتِ فِي الْوَعْدِ وَالْحَلِفِ لَيْسَ بِكَذِبٍ مُحَرَّمٍ قَوْلُهُ عليه السلام «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ» .
وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْخَيْرُ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ لَمَا جَازَ تَرْكُهُ لِمُجَرَّدِ الْخَيْرِيَّةِ الَّتِي يَكْفِي فِيهَا مُطْلَقُ الْمَصْلَحَةِ بَلْ إنْ كَانَتْ الْمُخَالَفَةُ تَتَوَقَّفُ عَلَى مَصْلَحَةٍ عَظِيمَةٍ تُسَاوِي مَفْسَدَةَ التَّحْرِيمِ كَفَوَاتِ أَمْرٍ وَاجِبٍ عَظِيمٍ فَإِنَّ الْمُحَرَّمَ لَا يُعَارَضُ إلَّا بِالْوَاجِبِ وَلَا يُعَارَضُ بِمُطْلَقِ الْخَيْرِيَّةِ الَّتِي هِيَ تَصْدُقُ بِأَدْنَى مَرَاتِبَ النَّدْبِ فَلَيْسَ الْحِنْثُ حِينَئِذٍ بِمُحَرَّمٍ وَيُؤَكِّدُهُ أَنَّهُ عليه السلام حَلَفَ لِأُولَئِكَ النَّفَرِ لَا يَحْمِلُهُمْ ثُمَّ حَمَلَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّك حَلَفَتْ فَقَالَ وَاَللَّهِ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرهَا خَيْرًا مِنْهَا إلَّا كَفَّرْت وَأَتَيْت الَّذِي هُوَ خَيْرٌ فَلَوْ كَانَ هَذَا كَذِبًا مُحَرَّمًا لَمَا أَقْدَمَ عليه السلام عَلَيْهِ فَإِنَّ مَنْصِبَهُ عليه السلام يَأْبَى ذَلِكَ إبَاءً شَدِيدًا فَيَقْطَعُ الْفَقِيهُ حِينَئِذٍ بِأَنَّ هَذِهِ الْمُخَالَفَةَ فِي الْأَيْمَانِ لَيْسَتْ كَذِبًا مُحَرَّمًا بَلْ يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ لِلْكَذِبِ وَلَا يَكُونُ مُحَرَّمًا كَمَا أَنَّ الْكَذِبَ الَّذِي يَقَعُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ كَمَنْ أَخْبَرَ بِالشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ مُعْتَقِدًا مَا أَخْبَرَ بِهِ وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ وَإِنْ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ كَذِبٌ لُغَةً خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي اشْتِرَاطِهِمْ الْقَصْدَ فِي حَقِيقَةِ الْكَذِبِ وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَذْهَبِ أَهْلِ السَّنَةِ قَوْلُهُ عليه السلام «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا إنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ» فَجَعَلَهُ عليه السلام كَذِبًا مَعَ أَنَّهُ يَعْتَقِدُ صِدْقَ مَا سَمِعَهُ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عليه السلام «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَذِبَ قَدْ يَقَعُ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْعَمْدِ فَظَهَرَ أَنَّ الْكَذِبَ قَدْ يَكُونُ لَا مَعَ الْإِثْمِ وَمُخَالَفَةُ الْأَيْمَانِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مُخَالَفَةِ النَّوَاهِي وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مُخَالَفَةِ الْأَيْمَانِ إذَا تَقَرَّرَ أَنَّ قَاعِدَةَ الْإِيمَان عَدَمُ التَّكْرَارِ فَقَدْ وَقَعَتْ صُوَرٌ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي بَعْضِهَا أَوْ فِي كُلِّهَا وَهِيَ إذَا خَالَفَ مُقْتَضَى الْيَمِينِ حَالَةَ النِّسْيَانِ أَوْ حَالَةَ الْجَهْلِ أَوْ حَالَةَ الْإِكْرَاهِ فَمَذْهَبُ مَالِكٍ اعْتِبَارُ الْحِنْثِ حَالَةَ النِّسْيَانِ وَالْجَهْلِ دُونَ الْإِكْرَاهِ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْحِنْثِ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ وَوَافَقَنَا الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَلَى الْإِكْرَاهِ عَلَى الْيَمِينِ وَخَالَفَنَا أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الْحِنْثِ وَوَافَقَنَا فِي النِّسْيَانِ وَالْجَهْلِ، وَتَلْخِيصُ مُدْرَكِ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْحَالَاتِ أَنَّ مُقْتَضَى اللُّغَةِ حُصُولُ الْحِنْثِ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
هُوَ مَوْضُوعٌ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ أَسْمَاءِ الذَّوَاتِ فَلَا يَتَنَاوَل إلَّا لَفْظًا هُوَ اسْمٌ أَوْ وُضِعَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْمُسَمَّيَاتِ فَلَا يَتَنَاوَلُ إلَّا مُسَمَّى قَالَ وَهَذَا هُوَ تَحْقِيقُ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّ الِاسْمَ هُوَ الْمُسَمَّى أَمْ لَا وَأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي لَفْظِ اسْمٍ خَاصَّةً الَّذِي هُوَ أَلْفٌ سِينٌ مِيمٌ وَأَمَّا لَفْظُ نَارٍ وَذَهَبٍ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ عَاقِلٌ إنَّ لَفْظَ نَارٍ هُوَ عَيْنُ النَّارِ حَتَّى يَحْتَرِقَ فَمُ مَنْ نَطَقَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَلَا لَفْظَ ذَهَبٍ هُوَ عَيْنُ الذَّهَبِ الْمَعْدِنِيِّ حَتَّى يَحْصُلَ الذَّهَبُ الْمَعْدِنِيُّ فِي فَمِ مَنْ نَطَقَ بِلَفْظِ الذَّهَبِ اهـ إلَّا أَنَّ فِيهِ عُرْفًا بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ.
نَعَمْ فِي حَاشِيَةِ الْعَلَّامَةِ الْأَمِيرِ عَلَى عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى الْجَوْهَرَةِ أَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا صَدَقَاتِ الِاسْمِ وَلَفْظُ اسْمٍ مِنْهَا فَإِنَّهُ اسْمٌ مِنْ الْأَسْمَاءِ وَلَا يَلْزَمُ انْدِرَاجَ الشَّيْءِ تَحْتَ نَفْسِهِ وَهُوَ تَنَاقُضٌ فِي الْجُزْئِيَّةِ وَالْكُلِّيَّةِ بَلْ انْدِرَاجَ اللَّفْظِ تَحْتَ مَعْنَاهُ وَهُوَ كَثِيرٌ كَمَوْجُودِ وَشَيْءٍ وَمُفْرَدٍ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ مِنْ الِاسْمِ اللَّفْظُ فَهُوَ غَيْرُ مُسَمَّاهُ قَطْعًا أَوْ أُرِيدَ بِهِ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ فَهُوَ عَيْنُ الْمُسَمَّى وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ جَامِدٍ وَمُشْتَقٍّ فِيمَا يَقْضِي بِهِ التَّأَمُّلُ اهـ وَوُجُودُ الْمُسَمَّى فِيمَا يُفْهَمُ مِنْ الِاسْمِ ظِلِّيٌّ كَالصُّورَةِ فِي الْمِرْآةِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ عَيْنَهُ احْتِرَاقُ فَمِ مَنْ يَقُولُ نَارًا وَلَا أَنَّ الذَّهَبَ الْمَعْدِنِيَّ يَحْصُلُ فِي فَمِ مَنْ يَنْطِقُ بِلَفْظِ ذَهَبٍ فَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ اللَّخْمِيُّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ هَا اللَّهِ يَمِينٌ تُوجِبُ الْكَفَّارَةَ مِثْلُ قَوْلِهِ تَاللَّهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ حَذْفُ حَرْفِ الْقَسَمِ وَإِقَامَةِ هَا التَّنْبِيهِ مَقَامَهُ وَقَدْ نَصَّ النُّحَاةُ عَلَى ذَلِكَ
(فَائِدَةٌ) الْأَلْفُ وَاللَّامُ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْكَمَالِ قَالَ سِيبَوَيْهِ تَكُونُ لَامُ التَّعْرِيفِ لِلْكَمَالِ تَقُولُ زَيْدٌ الرَّجُلُ تُرِيدُ الْكَامِلَ فِي الرُّجُولِيَّةِ وَكَذَلِكَ هِيَ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِذَا قُلْت الرَّحْمَنُ أَيْ الْكَامِلُ فِي مَعْنَى الرَّحْمَةِ أَوْ الْعَلِيمُ أَيْ الْكَامِلُ فِي مَعْنَى الْعِلْمِ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْأَسْمَاءِ فَهِيَ لَا لِلْعُمُومِ وَلَا لِلْعَهْدِ وَلَكِنْ لِلْكَمَالِ اهـ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَدْخُلُهُ الْمَجَازُ فِي الْأَيْمَانِ وَالتَّخْصِيصُ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَدْخُلُهُ الْمَجَازُ وَالتَّخْصِيصُ]
(الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُدْخِلُهُ الْمَجَازُ وَالتَّخْصِيصُ فِي الْأَيْمَانِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُدْخِلُهُ الْمَجَازُ وَالتَّخْصِيصُ)
الْأَلْفَاظُ عَلَى قِسْمَيْنِ نُصُوصٌ وَهِيَ الَّتِي لَا تَقْبَلُ الْمَجَازَ وَلَا التَّخْصِيصَ وَظَوَاهِرُ وَهِيَ الَّتِي تَقْبَلُهُمَا وَالنُّصُوصُ نَوْعَانِ
(النَّوْعُ الْأَوَّلُ) مَا كَانَ الِامْتِنَاعُ فِيهِ مِنْ الْمَجَازِ
الثَّلَاثَةِ لِحُصُولِ مُسَمَّى الْمُخَالَفَةِ بِمُقْتَضَى مَا أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ فِي الِاسْتِقْبَالِ لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ الْيَمِينُ إنَّمَا يَقْصِدُ بِهَا النَّاسُ حَثَّهُمْ عَلَى الْإِقْدَامِ أَوْ الْإِحْجَامِ، وَالْحَثُّ إنَّمَا يَقَعُ فِي الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَحُثُّ نَفْسَهُ عَلَى مَا هُوَ مِنْ اخْتِيَارِهِ وَصُنْعِهِ وَأَمَّا الْمَعْجُوزُ عَنْهُ فَلَا يَلِيقُ بِالْعَاقِلِ حَثُّ نَفْسِهِ عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَحُثُّ نَفْسَهُ عَلَى الصُّعُودِ إلَى السَّمَاءِ وَلَا عَلَى أَنْ يَعْمَلَ لِنَفْسِهِ يَدًا زَائِدَةً أَوْ عَيْنًا زَائِدَةً وَلَا يَحُثُّ نَفْسَهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ آدَمِيًّا أَوْ مُنْتَصِبَ الْقَامَةِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُتَعَذِّرٌ عَلَيْهِ وَالثَّانِي وَاقِعٌ بِغَيْرِ صُنْعِهِ وَيَحُثُّ نَفْسَهُ عَلَى الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ لِأَنَّهُمَا مِنْ صُنْعِهِ فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْحَثَّ إنَّمَا يَقَعُ مِنْ الْإِنْسَانِ فِيمَا هُوَ مِنْ صُنْعِهِ وَاخْتِيَارِهِ اتَّضَحَ بِذَلِكَ خُرُوجُ حَالَةِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْحَثِّ لِأَنَّ الدَّاعِيَةَ حَالَةَ الْإِكْرَاهِ لَيْسَتْ لِلْفَاعِلِ عَلَى الْحَقِيقَةِ بَلْ نَشَأَتْ عَنْ أَسْبَابِ الْإِكْرَاهِ فَهِيَ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ فِي الْمَعْنَى.
فَلَا جَرَمَ لَمْ تَنْدَرِجْ هَذِهِ الْحَالَةُ فِي الْيَمِينِ وَأَمَّا الْجَهْلُ وَالنِّسْيَانُ فَالْإِنْسَانُ فِي الْجَهْلِ يَفْعَلُ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ جَاهِلًا بِأَنَّهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ كَمَنْ يَحْلِفُ أَنْ لَا يَلْبَسَ ثَوْبًا فَيَلْتَبِسُ ذَلِكَ الثَّوْبُ عَلَيْهِ بِغَيْرِهِ فَيَلْبَسُهُ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلْيَمِينِ جَاهِلٌ بِعَيْنِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَأَمَّا فِي النِّسْيَانِ فَهُوَ عَلَى الْعَكْسِ مِنْ الْجَهْلِ يَفْعَلُ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ عَالِمًا بِحَقِيقَتِهِ نَاسِيًا لِلْيَمِينِ وَفِي الْإِكْرَاهِ قَدْ يَكُونُ ذَاكِرًا لَهُمَا فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْحَقَائِقِ الثَّلَاثِ فَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ إنَّ الْحَثَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْيَمِينِ إنَّمَا يَكُونُ مَعَ ذِكْرِ الْيَمِينِ وَالْمَعْرِفَةَ بِعَيْنِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِأَنْ يَقْصِدَ التَّرْكَ بِالْيَمِينِ لِأَجْلِ الْيَمِينِ وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا مَعَ الْقَصْدِ إلَيْهِمَا وَالْمَعْرِفَةِ بِهِمَا أَعْنِي الْيَمِينَ وَالْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ.
فَإِذَا جُهِلَ الْيَمِينُ فِي صُورَةِ النِّسْيَانِ أَوْ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِي صُورَةِ الْجَهْلِ فَلَمْ يُوجَدَا فِي نَفْسِهِ مَعًا فَمَا وُجِدَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْيَمِينِ وَهُوَ التَّرْكُ لِأَجْلِ الْيَمِينِ فَهَاتَانِ الْحَالَتَانِ لَا يَقْصِدُهُمَا النَّاسُ بِالْأَيْمَانِ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ فَخَرَجَا عَنْ الْيَمِينِ وَالْخَارِجُ عَنْ الْيَمِينِ لَا يَقَعُ فِيهِ حِنْثٌ فَخَرَجَتْ الْأَحْوَالُ الثَّلَاثَةُ عِنْدَ الْإِكْرَاهِ وَالنِّسْيَانِ وَالْجَهْلِ فَإِذَا خَالَفَ الْيَمِينَ فِي حَالَةٍ مِنْ هَذِهِ الْحَالَاتِ لَا يَلْزَمُ بِذَلِكَ كَفَّارَةٌ وَلَا بُدَّ مِنْ الْمُخَالَفَةِ مَرَّةً أُخْرَى فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ وَاسْتِحْضَارِ الْيَمِينِ وَالْعِلْمِ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَاشْتَرَطَ التَّكَرُّرَ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ وَأَمَّا مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَقَالَ الْحَلِفُ وَقَعَ عَلَى الْفِعْل الْمُخْتَارِ الْمُكْتَسِبِ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَخْرُجَ الْإِكْرَاهُ وَحْدَهُ وَيَبْقَى النِّسْيَانُ وَالْجَهْلُ لِأَنَّ النَّاسِيَ لِلْيَمِينِ مُخْتَارٌ لِلْفِعْلِ غَيْرَ أَنَّهُ نَسِيَ الْيَمِينَ وَالْجَاهِلُ مُخْتَارٌ لِلْفِعْلِ غَيْرُ أَنَّهُ جَهِلَ أَنَّ هَذَا عَيْنُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَإِذَا وُجِدَ الِاخْتِيَارُ وَالْفِعْلُ الْمُكْتَسَبَ فَقَدْ وُجِدَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَوُجِدَتْ حَقِيقَةُ الْمُخَالَفَةِ فَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ فَإِذَا وَقَعَ الْفِعْلُ فِي حَالَةِ النِّسْيَانِ أَوْ الْجَهْلِ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ وَلَزِمَتْ الْكَفَّارَةُ وَلَا يُشْتَرَطُ التَّكَرُّرُ مَرَّةً أُخْرَى وَالظَّاهِرُ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ عِنْدَنَا بِسَبَبِ أَنَّ الْبَاعِثَ لِلْحَالِفِ عَلَى الْحَلِفِ إنَّمَا
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَالتَّخْصِيصِ لُغَوِيًّا وَهِيَ أَسْمَاءُ الْأَعْدَادِ الَّتِي أَوَّلُهَا الِاثْنَانِ وَآخِرُهَا الْأَلْفُ وَلَمْ تَضَعْ الْعَرَبُ بَعْدَ ذَلِكَ لَفْظًا لِلْعَدَدِ بَلْ عَادَتْ إلَى رُتَبِ الْأَعْدَادِ فَقَالَتْ أَلْفَانِ بِالتَّثْنِيَةِ وَمَرَاتِبُ الْأَعْدَادِ أَرْبَعَةٌ وَهِيَ الْآحَادُ إلَى الْعَشَرَةِ وَالْعَشَرَاتُ إلَى الْمِائَةِ وَالْمِئَاتُ إلَى الْأَلْفِ وَالْأُلُوفُ فَالْآحَادُ وَالْعَشَرَاتُ وَالْمِئَاتُ وَالْأُلُوفُ هِيَ رُتَبُ الْأَعْدَادِ الْأَرْبَعَةِ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ تُكَرِّرُهَا الْعَرَبُ فِي مَرَاتِبِ الْأَعْدَادِ إلَى غَيْرِ النِّهَايَةِ مُكْتَفِيَةً بِهَا مِنْ غَيْرِ النِّهَايَةِ فَنَحْوُ الْخَمْسَةِ وَالْعَشَرَةِ مِنْ أَلْفَاظِ الْعَدَدِ عِنْدَ الْعَرَبِ نُصُوصٌ لَا يَدْخُلُهَا الْمَجَازُ وَلَا التَّخْصِيصُ، وَالتَّخْصِيصُ أَنْ تُرِيدَ بِالْعَشَرَةِ بَعْضَهَا وَالْمَجَازُ أَنْ تُرِيدَ بِالْعَشَرَةِ مُسَمَّى الْعُشْرِ أَوْ بِالْخَمْسَةِ مُسَمَّى الْخُمُسِ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ نِسْبَةٌ الْعُشْرِ لِأَنَّهَا عُشْرُ الْمِائَةِ وَالْخَمْسَةُ نِسْبَةُ الْخُمُسِ لِأَنَّهَا خُمُسُ الْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ فَهَذَا أَجْنَبِيٌّ عَنْهَا بِالْكُلِّيَّةِ فَإِنَّ التَّخْصِيصَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي بَعْضِ مَعْنَاهُ مَجَازٌ الْقَرِينَةِ وَالْمَجَازُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَعْنَاهُ لِعَلَاقَةٍ وَقَرِينَةٍ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ هُوَ بَعْضُ الْمَعْنَى أَوْ غَيْرُهُ مِمَّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَعْنَى مُنَاسَبَةٌ خَاصَّةٌ فَالْمَجَازُ أَعَمُّ مِنْ التَّخْصِيصِ فَكُلُّ تَخْصِيصٍ مَجَازٌ وَلَيْسَ كُلُّ مَجَازٍ تَخْصِيصًا
(النَّوْعُ الثَّانِي) مَا كَانَ الِامْتِنَاعُ فِيهِ مِنْ الْمَجَازِ وَالتَّخْصِيصِ شَرْعِيًّا لَا لُغَوِيًّا مِثْلُ لَفْظِ الْجَلَالَةِ اللَّهُ وَلَفْظِ الرَّحْمَنِ مِمَّا هُوَ مُخْتَصٌّ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُمَا فِي غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَمَا عَدَا هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ مِنْ الْعُمُومَاتِ نَحْوُ الْمُشْرِكِينَ وَأَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ مِنْ الْجَمَادِ وَالنَّبَاتِ أَوْ الْحَيَوَانِ نَحْوُ الْأَسَدِ أَوْ مِنْ قَبِيلِ الْأَعْرَاضِ نَحْوُ الْعِلْمِ وَالظَّنِّ وَالْأَلْوَانِ وَالطُّعُومِ وَالرَّوَائِحِ فَهِيَ الظَّوَاهِرُ فَيَجُوزُ إطْلَاقُ الْعِلْمِ وَيُرَادُ بِهِ الظَّنُّ مَجَازًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [الممتحنة: 10] أَيْ ظَنَنْتُمُوهُنَّ فَإِنَّ الْإِيمَانَ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يُعْلَمُ وَلَكِنْ تَدُلُّ عَلَيْهِ ظَوَاهِرُ الْأَحْوَالِ فَيُظَنُّ، وَإِطْلَاقُ الظَّنِّ وَيُرَادُ بِهِ الْعِلْمُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا} [الكهف: 53] أَيْ قَطَعُوا وَعَلِمُوا هَذَا هُوَ الْمُقَرَّرُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَفِي أَبْوَابِ الْأَيْمَانِ وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَعَلَيْهِ سُؤَالٌ وَهُوَ أَنَّ الْعَرَبَ قَدْ تَسْتَعْمِلُ اسْمَ الْعَدَدِ مَجَازًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} [التوبة: 80] قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُرَادُ الْكَثْرَةُ كَيْفَ كَانَتْ وقَوْله تَعَالَى {سَبْعُونَ ذِرَاعًا} [الحاقة: 32] أَيْ طَوِيلَةٌ جِدًّا فَالْمُرَادُ الْكَثْرَةُ جِدًّا
هُوَ أَنْ تَكُونَ الْيَمِينُ حَاثَّةً لَهُ عَلَى التَّرْكِ وَإِلَّا كَانَ يَكْفِيهِ الْعَزْمُ عَلَى عَدَمِ الْفِعْلِ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ وَكَانَ يَسْتَرِيحُ مِنْ لُزُومِ الْكَفَّارَةِ وَإِنَّمَا أَقْدَمَ عَلَى الْيَمِينِ لِيَكُونَ اسْتِحْضَارُهَا فِي نَفْسِهِ مَانِعًا لَهُ مِنْ الْإِقْدَامِ أَوْ الْإِحْجَامِ فَإِذَا نَسِيَهَا لَمْ يَقْصِدْ بِهَذِهِ الْحَالَةِ حَالَةَ الْحَلِفِ بَلْ مَقْصُودُهُ مَحْصُورٌ فِي حَالَةِ حُضُورِهَا فِي نَفْسِهِ حَتَّى تَمْنَعَهُ.
وَكَذَلِكَ الْعِلْمُ بِعَيْنِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ شَرْطٌ فِي الْحِنْثِ بِهِ فَإِذَا جَهِلَهُ اسْتَحَالَ مَعَ الْجَهْلِ الْحَثُّ عَلَى مَا لَمْ يَعْلَمْهُ فَهَذِهِ الْحَالَةُ يُعْلَمُ خُرُوجُهَا عَنْ الْيَمِينِ بِقَصْدِ الْحَالِفِينَ فَلَا يَلْزَمُ فِيهَا حِنْثٌ وَيُشْتَرَطُ التَّكْرَارُ وَأَمَّا الْإِكْرَاهُ عَلَى الْيَمِينِ فَلِقَوْلِهِ عليه السلام «لَا طَلَاقَ فِي إغْلَاقٍ» أَيْ فِي إكْرَاهٍ فَيُقَاسُ عَلَى الطَّلَاقِ غَيْرُهُ فَلَا يَلْزَمُ وَرَأَى أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الْحِنْثِ لَا يُؤَثِّرُ كَمَا قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْحِنْثِ حَالَةَ النِّسْيَانِ وَالْجَهْلِ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ مَقَاصِدِ النَّاسِ فِي أَيْمَانِهِمْ، تَنْبِيهٌ إذَا قُلْنَا بِأَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الْحِنْثِ يَمْنَعُ مِنْ لُزُومِ مُوجَبِ الْيَمِينِ فَأُكْرِهَ عَلَى أَوَّلِ مَرَّةٍ مِنْ الْفِعْلِ ثُمَّ فَعَلَهُ مُخْتَارًا حَنِثَ قَالَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَهُوَ مُقْتَضَى الْفِقْهِ بِسَبَبِ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَمْ يَنْدَرِجْ فِي الْيَمِينِ فَالْوَاقِعُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالِاخْتِيَارِ هُوَ أَوَّلُ مَرَّةٍ صَدَرَتْ مُخَالِفَةً لِلْيَمِينِ وَالْأُولَى لَا عِبْرَةَ بِهَا وَتَقَعُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي الْفَتَاوَى كَثِيرًا وَيَقَعُ الْغَلَطُ فِيهَا لِلْمُفْتِيَيْنِ فَيَقُولُ السَّائِلُ حَلَفْت بِالطَّلَاقِ لَا أَخْدُمَ الْأَمِيرَ الْفُلَانِيَّ فِي إقْطَاعِهِ وَقَدْ أُكْرِهَتْ بِالضَّرْبِ الشَّدِيدِ عَلَى خِدْمَتِهِ فَيَقُولُ لَهُ الْمُفْتِي لَا حِنْثَ عَلَيْك مَعَ أَنَّ ذَلِكَ الْحَالِفَ مُسْتَمِرٌّ عَلَى الْخِدْمَةِ مَعَ زَوَالِ سَبَبِ الْإِكْرَاهِ وَإِمْكَانِ الْهُرُوبِ مِنْهُ وَالتَّغَيُّبِ عَنْ ذَلِكَ الْأَمِيرِ وَهَذَا يَحْنَثُ بِسَبَبِ أَنَّهُ إذَا مَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُهُ التَّغَيُّبُ عَنْ خِدْمَةِ ذَلِكَ الْأَمِيرِ وَلَمْ يَتَغَيَّبْ فَقَدْ خَدَمَهُ مُخْتَارًا فَيَحْنَثُ وَلَا يُقَالُ إنَّ الْخِدْمَةَ السَّابِقَةَ حَصَلَ بِهَا مُخَالَفَةُ الْيَمِينِ وَالْمُخَالَفَةُ لَا تَتَكَرَّرُ فَلَا يَحْنَثُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّا نَقُولُ الْحَالَةُ السَّابِقَةُ لَمْ تَنْدَرِجْ فِي الْيَمِينِ لِأَجْلِ الْإِكْرَاهِ وَالْمَرَّةُ الْأَخِيرَةُ الَّتِي هِيَ أَوَّلُ الْفِعْلِ الِاخْتِيَارِيِّ هِيَ أَوَّلُ مُخَالَفَاتِ الْيَمِينِ فَهِيَ الْمُعْتَبَرَةُ دُونَ مَا قَبْلَهَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَمِثْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا فَخَالَعَ امْرَأَتَهُ وَكَلَّمَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ بِهَذَا الْكَلَامِ طَلَاقٌ فَلَوْ رَدَّ امْرَأَتَهُ وَكَلَّمَهُ حَنِثَ عِنْدَ مَالِكٍ رحمه الله بِسَبَبِ أَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ يَحُثَّهُ الطَّلَاقُ عَلَى عَدَمِ كَلَامِهِ بِسَبَبِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ حِينَئِذٍ فَمَا حَلَفَ إلَّا عَلَى نَفْيِ كَلَامٍ يَلْزَمُهُ بِهِ الطَّلَاقُ وَالْكَلَامُ حَالَةُ الْخُلْعِ لَمْ يَلْزَمْهُ بِهِ طَلَاقٌ لِعَدَمِ قَبُولِ الْمَحَلِّ لَهُ فَلَا يَكُونُ مِنْ الْكَلَامِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَأَوَّلُ كَلَامٍ يَقَعُ بَعْدَ رَدِّ امْرَأَتِهِ هُوَ أَوَّلُ مُخَالَفَةِ الْيَمِينِ فِيهِ فَيَلْزَمُ الطَّلَاقُ بِهِ لَا بِمَا قَبْلَهُ لِمَا قُلْنَاهُ فِي الْإِكْرَاهِ حَرْفًا بِحَرْفٍ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَهَذِهِ الصُّوَرُ الثَّلَاثَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ يَحْصُلُ فِيهَا التَّكَرُّرُ فِي صُورَةِ الْمُخَالَفَةِ لَا فِي الْمُخَالَفَةِ الْمُعْتَبَرَةِ بِسَبَبِ مَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
لَا خُصُوصُ السَّبْعِينَ. وَقَوْلُ أَهْلِ الْعُرْفِ سَأَلْتُك أَلْفَ مَرَّةٍ فَمَا قَضَيْت لِي حَاجَةً وَقَوْلُهُمْ زُرْتُك مِائَةَ مَرَّةٍ فَلَمْ تَرْعَ لِي ذَلِكَ لَا يُرِيدُونَ خُصُوصَ الْأَلْفِ وَالْمِائَةِ بَلْ الْكَثْرَةَ فَهَذَا مَجَازٌ قَدْ دَخَلَ فِي السَّبْعِينَ وَالْمِائَةِ وَالْأَلْفِ مِنْ أَلْفَاظِ الْعَدَدِ وَكَذَا دَخَلَ فِيمَا هُوَ بِمَعْنَى أَسْمَاءِ الْعَدَدِ كَلَفْظِ كَرَّتَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} [الملك: 4] قَالَ الْمُفَسِّرُونَ الْمُرَادُ بِكْرَتَيْنِ الْمُرَاجَعَةُ الْكَثِيرَةُ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ فَعَبَّرَ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ عَنْ أَصْلِ الْكَثْرَةِ مَجَازًا وَإِذَا انْفَتَحَ الْبَابُ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الْعَدَدِ وَنَحْوِهَا انْخَرَمَ الْجَزْمُ فِي بَقِيَّتِهَا فَلَمْ يَبْقَ لَنَا نُصُوصٌ أَلْبَتَّةَ فِي أَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ غَيْرَ أَنَّ الْفُقَهَاءَ مُطْبِقُونَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَالْوَاقِعُ كَمَا تَرَى فَتَأَمَّلْهُ وَعَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ صِحَّةِ الْقَاعِدَتَيْنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا تَتَخَرَّجُ أَرْبَعُ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى)
إذَا حَلَفَ لِيُعْتِقَنَّ ثَلَاثَةَ عَبِيدٍ الْيَوْمَ فَأَعْتَقَ عَبْدَيْنِ وَقَالَ أَرَدْت بِلَفْظِ ثَلَاثَةٍ الِاثْنَيْنِ حَنِثَ إنْ خَرَجَ الْيَوْمُ وَلَمْ يُعْتِقْ الثَّالِثَ وَلَمْ تُفِدْهُ نِيَّتُهُ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ لَفْظِ الثَّلَاثَةِ فِي الِاثْنَيْنِ مَجَازٌ فِي لَفْظٍ مِنْ أَسْمَاءِ الْعَدَدِ وَهُوَ لَا يَدْخُلُ فِي أَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ فَلَا تُفِيدُ فِيهَا النِّيَّةُ لَا فِي الْأَيْمَانِ وَلَا فِي الطَّلَاقِ وَلَا فِي غَيْرِهِمَا (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ)
إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَأُعْتِقَنَّ عَبِيدِي وَقَالَ أَرَدْت بَعْضَهُمْ عَلَى سَبِيلِ التَّخْصِيصِ أَوْ أَرَدْت بِعَبِيدِي دَوَابِّي وَبِالْعِتْقِ بَيْعَهَا أَفَادَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ لَفْظَ الْعَبِيدِ وَلَفْظَ الْعِتْقِ مِنْ الظَّوَاهِرِ فَيَدْخُلُهَا الْمَجَازُ وَتُفِيدُ فِيهَا النِّيَّةُ وَعَلَاقَةُ اسْتِعْمَالِ الْعَبِيدِ فِي الْبَعْضِ إطْلَاقُ الْعَامِّ وَإِرَادَةُ الْخَاصِّ وَفِي الدَّوَابِّ الْمُجَاوَرَةُ فِي الْمِلْكِ وَعَلَاقَةُ اسْتِعْمَالِ الْعِتْقِ فِي الْبَيْعِ الْمُشَابَهَةُ فِي بُطْلَانِ الْمِلْكِ بِكُلٍّ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ)
إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَأُعْتِقَنَّ ثَلَاثَةَ عَبِيدٍ وَنَوَى أَنَّهُ يَبِيعُ ثَلَاثَ دَوَابَّ مِنْ دَوَابِّهِ صَحَّ وَأَفَادَتْهُ نِيَّتُهُ لِأَنَّ لَفْظَ ثَلَاثَةٍ لَمْ يَدْخُلْهُ مَجَازٌ وَإِنَّمَا دَخَلَ الْمَجَازُ فِي لَفْظَيْ الْعَبِيدِ وَالْعِتْقِ لِكَوْنِهِمَا مِنْ الظَّوَاهِرِ كَمَا تَقَدَّمَ
(تَنْبِيهٌ) إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ أَرَدْت اثْنَتَيْنِ أَوْ وَاحِدَةً لَا يُفِيدُهُ ذَلِكَ وَأَمَّا إنْ قَالَ أَرَدْت أَنَّك طَلُقَتْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ يُفِيدُهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَلْزَمْهُ طَلَاقٌ لَا فِي الْفُتْيَا وَلَا فِي الْقَضَاءِ حَيْثُ كَانَ هُنَاكَ مِنْ الْقَرَائِنِ مَا يُعَضِّدُهُ وَلَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَإِلَّا لَزِمَهُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ فِي الْقَضَاءِ دُونَ الْفُتْيَا وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّغْيِيرَ وَالْمَجَازَ لَمْ يَدْخُلْ