الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذَلِكَ وَلَا جَرَمَ مَنْ لَا يَكُونُ هَذَا الْمَعْنَى مُقَدَّرًا فِي حَقِّهِ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّهِ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ فَلَا يَنْعَقِدُ فِي حَقِّهِ سَلَمٌ وَلَا ثَمَنٌ إلَى أَجَلٍ وَلَا حَوَالَةٌ وَلَا حَمَالَةٌ وَلَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَهَذَا هُوَ حَقِيقَةُ الذِّمَّةِ وَبَسَطَهَا وَالْعِبَارَةُ الْكَاشِفَةُ عَنْهَا وَالسَّبَبُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي يُقَدِّرُ الشَّرْعُ عِنْدَهُ الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ الذِّمَّةُ، وَأَمَّا أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ فَحَقِيقَتُهَا عِنْدَنَا قَبُولٌ يُقَدِّرُهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ فِي الْمَحَلِّ وَسَبَبُ هَذَا الْقَبُولِ الْمُقَدَّرِ التَّمْيِيزُ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ التَّمَيُّزُ مَعَ التَّكْلِيفِ.
وَهَذَا الْقَبُولُ الَّذِي هُوَ أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ عِنْدَنَا الْإِبَاحَةُ فَإِنَّ الْفُضُولِيَّ عِنْدَنَا لَهُ أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ وَتَصَرُّفُهُ حَرَامٌ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (وَأَمَّا أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ إلَى قَوْلِهِ فَهَذَا هُوَ نَفْسُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مَعَ أَنَّ كِلَيْهِمَا مَعْنًى مُقَدَّرٌ فِي الْمَحَلِّ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ ظَاهِرٌ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْحَرْبِيَّ وَفِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا مُعَامَلَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَوْلَى لِوَجْهَيْنِ
(الْأَوَّلُ) أَنَّهُمْ لَيْسُوا مُخَاطَبِينَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ فَلَا يَكُونُ مَا أَخَذَهُ الرِّبَا مُحَرَّمًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ فَإِنَّهُ مُخَاطَبٌ بِفَرْعِ الشَّرِيعَةِ قَوْلًا وَاحِدًا فَكَانَتْ مُعَامَلَتُهُ إذَا كَانَ يَتَعَاطَى الرِّبَا وَهُوَ غَيْرُ مُتَحَذِّرٍ أَشَدَّ مِنْ الذِّمِّيِّ
الْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْكَافِرَ إذَا أَسْلَمَ ثَبَتَ مِلْكُهُ عَلَى مَا اكْتَسَبَهُ بِالرِّبَا وَالْغَصْبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَإِذَا تَابَ الْمُسْلِمُ لَا يَثْبُتُ مِلْكُهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} [البقرة: 279] وَمَا هُوَ بِصَدَدِ الثُّبُوتِ الْمُسْتَمِرِّ وَقَابِلٌ لِلثُّبُوتِ أَوْلَى مِمَّا لَا يَقْبَلُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ عَلَيْهِ بِحَالٍ وَلِمُلَاحَظَةِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ وَهُمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ اعْتَمَدَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَوَرِّعِينَ عَلَى مُعَامَلَةِ أَهْلِ الْكُفْرِ أَكْثَرَ وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ الرِّبَا مَعَ الْحَرْبِيِّ أَيْ مُطْلَقًا ظَهَرَ الرِّبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَمْ لَا لِقَوْلِهِ عليه السلام «لَا رِبَا بَيْنَ مُسْلِمٍ وَحَرْبِيٍّ لَا رِبَا إلَّا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ» وَالْحَرْبِيُّ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمِلْكِ وَقَاعِدَةِ التَّصَرُّفِ]
الْفَرْقُ الثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمِلْكِ وَقَاعِدَةِ التَّصَرُّفِ)
الْمِلْكُ سَبَبٌ عَامٌّ يَتَرَتَّبُ عَلَى أَسْبَابٍ مُخْتَلِفَةٍ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْإِرْثِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ غَيْرُهَا وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّصَرُّفِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ بِحَيْثُ يَجْتَمِعَانِ فِي صُورَةٍ وَيَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنَفْسِهِ فِي صُورَةٍ كَالْحَيَوَانِ وَالْأَبْيَضِ فَيَجْتَمِعَانِ فِي الْبَالِغَيْنِ الرَّاشِدَيْنِ النَّافِذَيْنِ لِلْكَلِمَةِ الْكَامِلَيْنِ الْأَوْصَافِ وَيَنْفَرِدُ الْمِلْكُ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُمْ يَمْلِكُونَ وَلَا يَتَصَرَّفُونَ وَيَنْفَرِدُ التَّصَرُّفُ عَنْ الْمِلْكِ فِي الْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ وَالْحَاكِمِ وَغَيْرِهِمْ فَإِنَّهُمْ يَتَصَرَّفُونَ وَلَا مِلْكَ لَهُمْ وَاخْتُلِفَ فِي أَنَّ الْمِلْكَ صِفَةٌ لِلْمَمْلُوكِ أَوْ صِفَةٌ لِلْمَالِكِ وَفِي أَنَّهُ مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ أَوْ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ فَذَهَبَ إلَى الْأَوَّلِ مِنْهُمَا الْأَصْلُ وَإِلَى الثَّانِي مِنْهُمَا ابْنُ الشَّاطِّ وَخُلَاصَةُ كَلَامِ الْأَصْلِ أَنَّ الْمِلْكَ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ مُقَدَّرٌ فِي الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ يَقْتَضِي تَمْكِينَ مَنْ يُضَافُ إلَيْهِ مِنْ انْتِفَاعِهِ بِالْمَمْلُوكِ وَالْعِوَضُ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ وَأَنَّ دَلِيلَ كَوْنِهِ حُكْمًا شَرْعِيًّا أَمْرَانِ
(أَحَدُهُمَا) الْإِجْمَاعُ
(وَثَانِيهِمَا) أَنَّهُ يَتْبَعُ الْأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّةَ وَكُلُّ مَا يَتْبَعُهَا فَهُوَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ قَالَ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ مِنْ أَحَدِ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ وَهُوَ الْإِبَاحَةُ الْخَاصَّةُ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْخَاصَّةِ وَأَخْذُ الْعِوَضِ عَنْ ذَلِكَ الْمَمْلُوكِ عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ كَمَا تَقَرَّرَتْ قَوَاعِدُ الْمُعَاوَضَاتِ فِي الشَّرِيعَةِ وَشُرُوطِهَا وَأَرْكَانِهَا وَخُصُوصِيَّاتُ هَذِهِ الْأَيَّامِ هِيَ الْمُوجِبَةُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْمِلْكِ وَغَيْرِهِ مِنْ جَمِيعِ الْحَقَائِقِ، وَأَمَّا إنَّهُ مُقَدَّرٌ فَلِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى تَعَلُّقِ إذْنِ الشَّرْعِ الَّذِي هُوَ الْإِبَاحَةُ وَالتَّعَلُّقُ عَدَمِيٌّ مِنْ بَابِ النَّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ الَّتِي لَا وُجُودَ لَهَا فِي الْأَعْيَانِ، بَلْ فِي الْأَذْهَانِ فَهِيَ أَمْرٌ يَفْرِضُهُ الْعَقْلُ كَسَائِرِ النَّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ كَالْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ وَالتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ لَنَا أَنْ نُغَيِّرَ عِبَارَةَ الْحَدِّ فَنَقُولُ إنَّ الْمِلْكَ إبَاحَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِي عَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ تَقْتَضِي تَمَكُّنَ صَاحِبِهَا مِنْ الِانْتِفَاعِ بِذَلِكَ الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ أَوْ أَخْذِ الْعِوَضِ عَنْهُمَا مِنْ حَيْثُ هِيَ كَذَلِكَ وَيَسْتَقِيمُ الْحَدُّ بِهَذَا اللَّفْظِ أَيْضًا وَيَكُونُ الْمِلْكُ مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ؛ لِأَنَّ الِاصْطِلَاحَ إنَّ خِطَابَ التَّكْلِيفِ هُوَ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ الْمَشْهُورَةُ وَخِطَابَ الْوَضْعِ هُوَ نَصْبُ الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ وَالْمَوَانِعِ وَالتَّقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْهَا، بَلْ هُوَ إبَاحَةٌ خَاصَّةٌ وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ إنَّهُ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ الِانْتِفَاعِ بَعِيدٌ ضَرُورَةً أَنَّ كُلَّ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ سَبَبٌ لِمُسَبَّبَاتٍ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ مَثُوبَاتٍ وَتَعْزِيرَاتٍ وَمُؤَاخَذَاتٍ وَكَفَّارَاتٍ وَغَيْرِهَا.
وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِخِطَابِ الْوَضْعِ مُطْلَقُ التَّرْتِيبِ أَلَا تَرَى أَنَّ وُجُوبَ الظُّهْرِ مَعَ كَوْنِهِ مُسَبَّبًا عَلَى الزَّوَالِ هُوَ سَبَبٌ لَأَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ سَبَبُ الثَّوَابِ وَتَرْكُهُ سَبَبُ الْعِقَابِ وَوُجُوبُهُ سَبَبًا لِتَقْدِيمِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ وَمَعَ ذَلِكَ وَهُوَ لَا يُسَمَّى سَبَبًا وَلَا يُقَالُ إنَّهُ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ، بَلْ الضَّابِطُ لِلْبَابَيْنِ أَنَّ الْخِطَابَ
وَلِلْمَالِكِ عِنْدَنَا إمْضَاءُ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ عَقْدٍ آخَرَ يَنْفُذُ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ الْمُتَقَدِّمَ قَابِلٌ لِلِاعْتِبَارِ وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ آدَمِيٍّ كَتَصَرُّفِ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، ثُمَّ إنَّ أَهْلِيَّةَ التَّصَرُّفِ قَدْ تُوجَدُ فِي النِّكَاحِ الَّذِي لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَمِ كَتَصَرُّفِ الْأَوْلِيَاءِ فِي الْمُوَلَّيَاتِ لَهُ وَتُوجَدُ فِي الْأَحْكَامِ فِيمَا لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَمِ، وَأَنْوَاعُ التَّصَرُّفَاتِ كَثِيرٌ فِيمَا لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ فَأَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفَاتِ أَهْلِيَّةٌ وَقَبُولٌ خَاصٌّ كَمَا تَقَدَّمَ لَيْسَ فِيهِ إلْزَامٌ وَلَا الْتِزَامٌ وَالذِّمَّةُ مَعْنًى مُقَدَّرٌ فِي الْمَحَلِّ قَابِلٌ لَهُمَا فَهَذَا هُوَ نَفْسُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مَعَ أَنَّ كِلَيْهِمَا مَعْنًى مُقَدَّرٌ فِي الْمَحَلِّ وَوَقَعَ الْفَرْقُ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ السَّبَبُ فَإِنَّ الذِّمَّةَ يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّكْلِيفُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ أَعْلَمُهُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (وَوَقَعَ الْفَرْقُ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ السَّبَبُ فَإِنَّ الذِّمَّةَ يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّكْلِيفُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ أَعْلَمُهُ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
مَتَى كَانَ مُتَعَلِّقًا بِفِعْلِ مُكَلَّفٍ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ أَوْ التَّخْيِيرِ فَهُوَ مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَمَتَى لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَهُوَ مِنْ أَحَدِ الْأُمُورِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَهُوَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ، وَقَدْ يَجْتَمِعُ خِطَابُ الْوَضْعِ وَخِطَابُ التَّكْلِيفِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُ ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْفُرُوقِ وَإِنَّ مَعْنَى قَوْلِنَا فِي الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ فِي مَنَافِعِ الْعَيْنِ مَعَ عَدَمِ رَدِّ الْعَيْنِ أَوْ فِي الْمَنْفَعَةِ مَعَ رَدِّ الْعَيْنِ لِمَا قَالَهُ الْمَازِرِيُّ رحمه الله فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ مِنْ أَنَّ تَحْقِيقَ الْمِلْكِ أَنَّهُ إنْ وَرَدَ عَلَى الْمَنَافِعِ مَعَ عَدَمِ رَدِّ الْعَيْنِ، بَلْ يَبْذُلُهَا لِغَيْرِهِ بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَهُوَ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ وَإِنْ وَرَدَ عَلَى الْمَنَافِعِ مَعَ رَدِّ الْعَيْنِ فَهُوَ الْإِجَارَةُ وَفُرُوعُهَا مِنْ الْمُسَاقَاتِ وَالْمُجَاعَلَةِ وَالْقِرَاضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالْعَقْدُ فِي الْجَمِيعِ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْمَنْفَعَةَ دُونَ الْأَعْيَانِ لِأَنَّهَا لَا يَمْلِكُهَا إلَّا اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِيجَادِ وَالْإِعْدَامِ وَالْإِمَاتَةِ وَالْإِحْيَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَتَصَرُّفُ الْخَلْقِ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَنَافِعِ فَقَطْ بِأَفْعَالِهِمْ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْمُحَاوَلَاتِ وَالْحَرَكَاتِ وَالسَّكَتَاتِ اهـ. مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ وَإِنْ قُيِّدَ يَقْتَضِي انْتِفَاعَهُ بِالْمَمْلُوكِ لِإِخْرَاجِ التَّصَرُّفِ بِالْوَصِيَّةِ وَالْوَكَالَةِ وَتَصَرُّف الْقُضَاةِ فِي أَمْوَالِ الْغَائِبِينَ وَالْمَجَانِينِ فَإِنَّ هَذِهِ الطَّوَائِفَ لَهُمْ التَّصَرُّفُ بِغَيْرِ مِلْكٍ وَقَيْدٍ وَالْعِوَضُ عَنْهُ لِإِخْرَاجِ الْإِبَاحَاتِ فِي الضِّيَافَاتِ فَإِنَّ الضِّيَافَةَ مَأْذُونٌ فِيهَا.
وَلَيْسَتْ مَمْلُوكَةً عَلَى الصَّحِيحِ وَلِإِخْرَاجِ الِاخْتِصَاصَاتِ بِالْمَسَاجِدِ وَالرُّبُطِ وَالْخَوَانِقِ وَمَوَاضِعِ الْمَطَافِ وَالسِّكَكِ وَمَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَا مِلْكَ فِيهَا مَعَ الْمُكْنَةِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَذِهِ الْأُمُورِ وَقُيِّدَ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ لِإِدْخَالِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُمْ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ الْمِلْكُ، وَلَيْسَ لَهُمْ الْمُكْنَةُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي تِلْكَ الْأَعْيَانِ الْمَمْلُوكَةِ إلَّا أَنَّ الْأَمْلَاكَ فِي تِلْكَ الصُّوَرِ بِالنَّظَرِ لِذَاتِهَا وَقَطْعُ النَّظَرِ عَمَّا عُرِضَ لَهَا مِنْ الْأَسْبَابِ الْخَارِجَةِ عَنْهَا تَقْتَضِي مُكْنَةَ التَّصَرُّفِ الْمَذْكُورِ وَلَا تَنَافِي بَيْنَ الْقَبُولِ الذَّاتِيِّ وَالِاسْتِحَالَةِ لِأَمْرٍ خَارِجِيٍّ أَلَا تَرَى أَنَّ جَمِيعَ أَجْزَاءِ الْعَالَمِ لَهَا الْقَبُولُ لِلْوُجُودِ وَالْعَدَمُ بِالنَّظَرِ إلَى ذَوَاتِهَا مَعَ أَنَّهَا إنْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى وُجُودَهَا كَانَتْ وَاجِبَةً لِغَيْرِهَا وَإِنْ عَلِمَ اللَّهُ عَدَمَهَا كَانَتْ مُسْتَحِيلَةً لِغَيْرِهَا، وَكَذَلِكَ لِإِدْخَالِ الْأَوْقَافِ إذَا قُلْنَا إنَّهَا عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِينَ فَإِنَّهُمْ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ لَهُمْ الْبَيْعُ وَمِلْكُ الْعِوَضِ عَنْهَا بِسَبَبِ مَا عَرَضَ مِنْ الْوَقْفِ الَّذِي هُوَ كَالْحَجْرِ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْبَيْعِ إلَّا أَنَّ مِلْكَهُمْ بِالنَّظَرِ لِذَاتِهِ وَقَطْعُ النَّظَرِ عَنْ ذَلِكَ الْمَانِعِ يَجُوزُ لَهُمْ الْبَيْعُ وَمِلْكُ الْعِوَضِ عَنْهَا فَقَدْ انْطَبَقَ هَذَا الْحَدُّ عَلَى جَمِيعِ أَفْرَادِ الْمِلْكِ وَمُنِعَ غَيْرُهَا وَالْحَقُّ أَنَّ الضِّيَافَاتِ لَيْسَتْ بِتَمْلِيكَاتٍ لَا بِالْمَضْغِ وَلَا بِالْبَلْعِ وَلَا بِغَيْرِ ذَلِكَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ.
بَلْ هِيَ إبَاحَاتٌ كَمَا أَبَاحَ اللَّهُ السَّمَكَ فِي الْمَاءِ وَالطَّيْرَ فِي الْهَوَاءِ وَالْحَشِيشَ وَالصَّيْدَ فِي الْفَلَاةِ لِمَنْ أَرَادَ تَنَاوُلَهُ فَكَمَا لَا يُقَالُ إنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ مَمْلُوكَةٌ لِلنَّاسِ كَذَلِكَ لَا يُقَالُ إنَّ الضِّيَافَاتِ مَمْلُوكَةٌ لِلضُّيُوفِ وَإِنَّمَا الضَّيْفُ أُبِيحَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا إنْ أَرَادَ أَوْ يَتْرُكَ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَمْلِكُ لَا سِيَّمَا بَعْدَ الْبَلْعِ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الْمِلْكَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ سُلْطَانِ التَّصَرُّفِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَبَعْدُ إنْ بَلَعَ الطَّعَامَ كَيْفَ يَبْقَى سُلْطَانٌ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِتِلْكَ الْأَعْيَانِ لِأَنَّهَا فَسَدَتْ عَادَةً وَلَمْ تَبْقَ مَقْصُودَةَ التَّصَرُّفِ أَلْبَتَّةَ وَقَوْل الْمَالِكِيَّةِ مَنْ مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَ هَلْ يُعَدُّ مَالِكًا أَمْ لَا قَوْلَانِ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا عِبَارَةٌ رَدِيئَةٌ جِدًّا أَوْ أَنَّهَا لَا حَقِيقَةَ لَهَا فَلَا يَصِحُّ إيرَادُ النَّقْضِ بِهَا عَلَى الْحَدِّ بِأَنَّهُ كَيْفَ يَصِحُّ تَصْرِيحُهُمْ بِحَقِيقَةِ مِلْكِ مَنْ مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَلَا أَخْذِ الْعِوَضِ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ الَّذِي مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَهُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّا نَمْنَعُ الْحُكْمَ فِيهَا وَالْمِلْكُ فِي قَوْلِ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ بُيُوتَ الْمَدَارِسِ وَالْأَوْقَافَ وَالرُّبُط وَنَحْوَهَا يَمْلِكُ مَنْ قَامَ بِهِ شَرْطٌ وَاقِفِيهَا الِانْتِفَاعَ دُونَ الْمَنْفَعَةِ وَيَرْجِعُ إلَى الْإِذْنِ وَالْإِبَاحَةِ كَمَا فِي الضِّيَافَةِ فَتِلْكَ الْمَسَاكِنُ مَأْذُونٌ فِيهَا لِمَنْ قَامَ بِهِ شَرْطُ الْوَاقِفِ لَا إنَّهَا فِيهَا لِغَيْرِ الْوَاقِفِ بِخِلَافِ مَا يُطْلَقُ مِنْ الْجَامَكِيَّاتِ فَإِنَّ الْمِلْكَ فِيهَا يَحْصُلُ لِمَنْ حَصَلَ لَهُ شَرْطُ الْوَاقِفِ فَلَا جَرَمَ صَحَّ أَخْذُ الْعِوَضِ بِهَا أَوْ عَنْهَا اهـ. وَخُلَاصَةُ كَلَامِ ابْنِ الشَّاطِّ أَنَّ حَدَّ الْأَصْلِ فَاسِدٌ مِنْ وُجُوهٍ
(أَحَدُهَا) أَنَّ الْمِلْكَ مِنْ أَوْصَافِ الْمَالِكِ لَا الْمَمْلُوكِ لَكِنَّهُ وَصْفٌ مُتَعَلِّقٌ وَالْمَمْلُوكُ هُوَ مُتَعَلِّقُهُ
(وَثَانِيهَا) أَنَّ الْمِلْكَ وَإِنْ صَحَّ أَنَّهُ أَمْرٌ شَرْعِيٌّ عَلَى الْجُمْلَةِ لَا يَصِحُّ أَنَّهُ الْإِبَاحَةُ الَّتِي هِيَ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى إلَخْ كَمَا هُوَ مَعْنَى سَائِرِ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ
بِخِلَافِ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ فَقَدْ وَضَحَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ قُلْت هَلْ هُمَا مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ الَّذِي هُوَ وَضْعُ الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ وَالْمَوَانِعِ وَالتَّقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ أَوْ مِنْ بَابِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ الَّذِي هُوَ الْوُجُوبُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
بِخِلَافِ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ فَقَدْ وُضِعَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا) قُلْت إذَا صَحَّ الِاتِّفَاقُ عَلَى اشْتِرَاطِ التَّكْلِيفِ فِي الذِّمَّةِ فَلَا ذِمَّةَ لِلصَّبِيِّ وَيَتَعَيَّنُ حَدُّ الذِّمَّةِ أَوْ رَسْمُهَا بِأَنَّهَا قَبُولُ الْإِنْسَانِ شَرْعًا لِلُزُومِ الْحُقُوقِ دُونَ الْتِزَامِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ (فَإِنْ قُلْت هَلْ هُمَا مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُمَا مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ هُوَ الظَّاهِرُ، وَكَذَلِكَ الْمِلْكُ عِنْدِي بِخِلَافِ قَوْلِهِ فِيهِ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهَا مِنْ التَّقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ فِيهِ نَظَرٌ، وَكَذَلِكَ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ النَّسَبَ أُمُورٌ سَلْبِيَّةٌ فِيهِ نَظَرٌ، وَقَوْلُهُ كَمَا تَقَدَّرَ الْمِلْكُ فِي الْعِتْقِ وَهُوَ مَعْدُومٌ إنْ كَانَ يُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى الْعِتْقِ عَنْ الْغَيْرِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الصَّحِيحَ خِلَافُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ خِطَابُ اللَّهِ تَعَالَى وَخِطَابُهُ كَلَامُهُ فَكَيْفَ يَكُونُ الْمِلْكُ الَّذِي هُوَ صِفَةُ الْمَالِكِ عَلَى مَا ارْتَضَيْته أَوْ صِفَةُ الْمَمْلُوكِ عَلَى مَا ارْتَضَاهُ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى هَذَا مَا لَا يَصِحُّ بِوَجْهٍ أَصْلًا فَالصَّحِيحُ أَنَّ مُسَبِّبَ الْإِبَاحَةِ هُوَ التَّمَكُّنُ وَالْإِبَاحَةُ هِيَ التَّمْكِينُ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَالِانْتِفَاعُ مُتَعَلِّقُ الْمِلْكِ وَالْمِلْكُ سَبَبُ الْإِبَاحَةِ فَهُوَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ لَا مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ
(وَثَالِثُهَا) إنَّ فِي قَوْلِهِ مُقَدَّرٌ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى تَعَلُّقِ إذْنِ الشَّرْعِ وَالتَّعَلُّقُ عَدَمِيٌّ إلَخْ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّ النَّسَبَ وَالْإِضَافَاتِ السَّبْعَ وَهِيَ مَا عَدَا الْجَوْهَرَ وَالْكَمَّ وَالْكَيْفَ مِنْ الْمَقُولَاتِ الْعَشَرِ أُمُورٌ عَدَمِيَّةٌ نَظَرًا يُرِيدُ أَنَّ وَجْهَهُ هُوَ أَنَّ مَسَائِلَ التَّعَارِيفِ اصْطِلَاحٌ لِلْفَلَاسِفَةِ لَا لِلْمُتَكَلِّمِينَ فَالْوَاجِبُ بِنَاؤُهَا عَلَى قَوْلِ الْفَلَاسِفَةِ أَنَّ النَّسَبَ وَالْإِضَافَاتِ السَّبْعَ الْمَذْكُورَةَ أَعْرَاضٌ مَوْجُودَةٌ فَافْهَمْ
(وَرَابِعُهَا) أَنَّهُ لَيْسَ مُقْتَضِيًا لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ، بَلْ الْمُقْتَضِي لِذَلِكَ كَلَامُ الشَّارِعِ
(وَخَامِسُهَا) أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي الِانْتِفَاعَ بِالْمَمْلُوكِ وَبِالْعِوَضِ، بَلْ بِأَحَدِهِمَا
(وَسَادِسُهَا) أَنَّ الْمَمْلُوكَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْمِلْكِ فَلَا يُعْرَفُ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ أَيْ؛ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ وَمَعْرِفَةُ الْمُشْتَقِّ فَرْعُ مَعْرِفَةِ مَا مِنْهُ الِاشْتِقَاقُ وَهُوَ الْمَصْدَرُ عَلَى الصَّحِيحِ فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ أَيْ تَوَقُّفُ الْمِلْكِ عَلَى الْمَمْلُوكِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَجْزَاءِ تَعْرِيفِهِ وَبِالْعَكْسِ لِمَا ذُكِرَ نَعَمْ قَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ بِالْمَمْلُوكِ الذَّاتُ فَافْهَمْ وَالصَّحِيحُ فِي حَدِّ الْمِلْكِ أَنَّهُ تَمَكُّنُ الْإِنْسَانِ شَرْعًا بِنَفْسِهِ أَوْ بِنِيَابَتِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ وَمِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ عَنْ الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ هَذَا إنْ قُلْنَا إنَّ الضِّيَافَةَ وَنَحْوَهَا مِنْ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ وَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَالْحَشِيشِ وَالصَّيْدِ فِي الْفَلَاةِ وَبُيُوتِ الْمَدَارِسِ وَالْأَوْقَافِ وَالرُّبُطِ وَكُلِّ مَا فِيهِ الْإِذْنُ بِالِانْتِفَاعِ فَقَطْ لَا يَمْلِكُهَا مَنْ سُوِّغَتْ لَهُ.
وَأَمَّا إنْ قُلْنَا إنَّهُ يَمْلِكُهَا بِالتَّنَاوُلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ إبَاحَةَ التَّنَاوُلِ هُوَ تَمَكُّنُهُ شَرْعًا مِنْ التَّنَاوُلِ فَهُوَ سَبَبُ مِلْكِهَا إذْ الْمِلْكُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ سُلْطَانِ الِانْتِفَاعِ لَا التَّصَرُّفِ وَالسُّلْطَانُ هُوَ التَّمَكُّنُ بِعَيْنِهِ فَإِذَا تَنَاوَلَ الضَّيْفَ مَثَلًا لُقْمَةً مِنْ الضِّيَافَةِ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ انْتِزَاعُهَا مِنْ يَدِهِ فَإِنْ ابْتَلَعَهَا فَقَدْ كَانَ سَبَقَ مِلْكُهُ لَهَا قَبْلَ الْبَلْعِ وَإِنْ لَمْ يَبْتَلِعْهَا وَنَبَذَهَا مِنْ يَدِهِ فَقَدْ عَادَتْ إلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا وَجَازَ لِغَيْرِهِ تَنَاوُلُهَا لِأَنَّ صَاحِبَهَا لَمْ يُمَكِّنْهُ مِنْهَا إلَّا لِيَأْكُلَهَا، فَلَمَّا لَمْ يَأْكُلْهَا بَقِيَتْ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا وَالِانْتِفَاعُ الْمَوْقُوفُ فِيهِ الْمِلْكُ لِغَيْرِ الْوَاقِفِ وَهُوَ مَنْ تَوَفَّرَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْوَقْفِ.
وَأَمَّا عَيْنُ الْمَوْقُوفِ فَلَا مِلْكَ عَلَيْهِ إلَّا لِلْوَاقِفِ وَلَا لِغَيْرِهِ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ أَحَدٌ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِتِلْكَ الْعَيْنِ وَلَا مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهَا وَلَا مِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ عَنْهَا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَلَا مِلْكَ إذْ لَا مَعْنَى لِلْمِلْكِ إلَّا التَّمَكُّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَمِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ نَعَمْ إنَّ أَوْ مِنْ الِانْتِفَاعِ خَاصَّةً مَنْ كَانَ مُقْتَضَى الْوَقْفِ سُكْنَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الْمَوْضِعَ الْمَوْقُوفَ فَلَا يَتَعَدَّى الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ السُّكْنَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَوَّغْ لَهُ غَيْرُهُ وَإِنْ كَانَ الِاسْتِغْلَالُ فَالْعِلَّةُ مُسَوِّغَةٌ بِعَيْنِهَا فَيَصِحُّ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهَا فَافْهَمْ فَإِنَّا حِينَئِذٍ نَزِيدُ فِي الْحَدِّ وَنَقُولُ أَنَّهُ يُمْكِنُ الْإِنْسَانُ شَرْعًا بِنَفْسِهِ أَوْ بِنِيَابَتِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ وَمِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ أَوْ تَمَكُّنُهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ خَاصَّةً وَلَا حَاجَةَ بِنَا إلَى بَيَانِ صِحَّةِ هَذَا الْحَدِّ فَإِنَّهُ لَا يَخْفَى ذَلِكَ عَلَى الْمُتَأَمِّلِ الْمُنْصِفِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ مَنْ مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَ هَلْ يُعَدُّ مَالِكًا أَوْ لَا قَوْلَانِ فَلَا تَغْفُلْ وَبِالْجُمْلَةِ فَمُوجِبُ الْمِلْكِ الِانْتِفَاعُ وَالِانْتِفَاعُ يَكُونُ بِوَجْهَيْنِ انْتِفَاعٌ يَتَوَلَّاهُ الْمَالِكُ بِنَفْسِهِ وَانْتِفَاعٌ يَتَوَلَّاهُ النَّائِبُ عَنْهُ وَالنَّائِبُ قَدْ يَكُونُ بِاسْتِنَابَةِ الْمَالِكِ، وَقَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ اسْتِنَابَتِهِ فَغَيْرُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ يَتَوَصَّلُ إلَى الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ بِنَفْسِهِ وَنِيَابَتِهِ وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ إلَّا بِنِيَابَتِهِ وَنَائِبِهِ لَا يَكُونُ إلَّا بِاسْتِنَابَتِهِ وَالِانْتِفَاعُ إمَّا مَعَ أَخْذِ الْعِوَضِ أَوْ بِدُونِهِ وَإِمَّا مَعَ رَدِّ الْعَيْنِ أَوْ بِدُونِهِ اهـ وَالسَّيِّدُ الْجُرْجَانِيُّ قُدِّسَ سِرُّهُ جَعَلَ الْمِلْكَ صِفَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْمَالِكِ وَالْمَمْلُوكِ فَقَالَ فِي تَعْرِيفَاتِهِ وَالْمِلْكُ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ اتِّصَالٌ شَرْعِيٌّ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَبَيْنَ شَيْءٍ يَكُونُ مُطْلَقًا لِيَتَصَرَّفَهُ فِيهِ وَحَاجِزًا عَنْ تَصَرُّفِ غَيْرِهِ فِيهِ اهـ.
وَلَكِنَّ هَذَا الْحَدَّ لَا يَكُونُ جَامِعًا إلَّا بِأَمْرَيْنِ الْأَوَّلُ النَّعِيمُ فِي قَوْلِهِ لِتَصَرُّفِهِ فِيهِ بِأَنْ يُقَالَ بِالِانْتِفَاعِ أَمَّا مَعَ أَخْذِ الْعِوَضِ أَوْ بِدُونِهِ وَأَمَّا مَعَ رَدِّ الْعَيْنِ أَوْ