الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَمَّا مَا تَتَأَخَّرُ عَنْهُ أَحْكَامُهُ فَكَبَيْعِ الْخِيَارِ يَتَأَخَّرُ فِيهِ نَقْلُ الْمِلْكِ عَنْ الْعَقْدِ إلَى الْإِمْضَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ وَكَالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ مَعَ الْبَيْنُونَةِ بِخِلَافِ تَحْرِيمِ الْوَطْءِ وَتَنْصِيصِ الْعِدَدِ فَإِنَّهَا تُقَارِنُ وَكَالْوَصِيَّةِ يَتَأَخَّرُ نَقْلُهَا لِلْمِلْكِ فِي الْمُوصَى بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَكَذَلِكَ السَّلَمُ وَالْبَيْعُ إلَى أَجَلٍ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ تَوَجُّهُ الْمُطَالَبَةِ إلَى انْقِضَاءِ الْأَجَلِ، وَأَمَّا مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ فَكَالْأَسْبَابِ الْقَوْلِيَّةِ نَحْوِ الْعِتْقِ وَالْبَيْعِ وَالْإِبْرَاءِ وَالطَّلَاقِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالشَّهَادَاتِ فَهَلْ تَقَعُ مُسَبَّبَاتُهَا مَعَ آخِرِ حَرْفٍ مِنْهَا وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ الْفُقَهَاءِ الْأَجِلَّةِ كَمَا كَانَ شَيْخُ الْمُتَكَلِّمِينَ هَذَا مَذْهَبُهُ فِي الْفِقْهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَوْ تَقَعُ مُسَبَّبَاتُهَا عَقِيبَ آخِرِ حَرْفٍ وَهُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ خِلَافٌ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (وَأَمَّا مَا تَتَأَخَّرُ عَنْهُ أَحْكَامُهُ فَكَبَيْعِ الْخِيَارِ يَتَأَخَّرُ فِيهِ نَقْلُ الْمِلْكِ عَنْ الْعَقْدِ إلَى الْإِمْضَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ) قُلْت إنَّمَا تَأَخَّرَ نَقْلُ الْمِلْكِ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا ثَبَتَ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ دُونَ الْآخَرِ فَهُوَ عَقْدٌ غَيْرُ تَامٍّ فَتَأَخَّرَ مُسَبَّبُهُ إلَى تَمَامِهِ.
قَالَ (وَكَالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ إلَى قَوْلِهِ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ تَوَجُّهُ الْمُطَالَبَةِ إلَى انْقِضَاءِ الْأَجَلِ) قُلْت جَمِيعُ مَا ذَكَرَهُ أَسْبَابٌ لَمْ تَتِمَّ فَلَمْ تَتَرَتَّبْ عَلَيْهَا مُسَبَّبَاتُهَا حَتَّى تَمُتْ وَاسْتَوْفَتْ شُرُوطَهَا فَلَمْ يَأْتِ بِمِثَالٍ صَحِيحٍ لِمَا يَتَأَخَّرُ عَنْ سَبَبِهِ قَالَ (وَأَمَّا مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ فَكَالْأَسْبَابِ الْقَوْلِيَّةِ نَحْوِ الْعِتْقِ وَالْبَيْعِ إلَى قَوْلِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ خِلَافٌ) قُلْت الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ الْخِلَافِ قَرِيبٌ وَلَا أَرَاهُ يَئُولُ إلَى طَائِلٍ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
رَجُلًا عَلَى حُفْرَتِهِ قَدْ تَخَلَّفَ عَنْ جَمَاعَتِهِمْ فَسَأَلَهُ عَنْ الْقَوْمِ إلَى أَيْنَ يُرِيدُونَ فَقَالَ إلَى رَحْمَةٍ جَاءَتْهُمْ يَقْتَسِمُونَهَا فَقَالَ لَهُ فَهَلَّا مَضَيْت مَعَهُمْ فَقَالَ إنِّي قَدْ قَنَعْت بِمَا يَأْتِينِي مِنْ وَلَدِي عَنْ أَنْ أُقَاسِمَ فِيمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقُلْت لَهُ وَمَا الَّذِي يَأْتِيك مِنْ وَلَدِك فَقَالَ يَقْرَأُ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] فِي كُلِّ يَوْمٍ عَشْرَ مَرَّاتٍ وَيُهْدِي إلَيَّ ثَوَابَهَا فَذَكَرَ الشَّيْخُ ابْنُ غَلْبُونٍ لِي أَنَّهُ مُنْذُ سَمِعَ هَذِهِ الْحِكَايَةَ كَانَ يَقْرَأُ عَنْ وَالِدَيْهِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] فِي كُلِّ يَوْمٍ عَشْرَ مَرَّاتٍ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَمْ يَزَلْ بِهَذِهِ الْحَالَةِ إلَى أَنْ مَاتَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْخَيَّاطُ فَجَعَلَ يَقْرَأُ عَنْهُ كُلَّ لَيْلَةٍ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] عَشْرَ مَرَّاتٍ وَيُهْدِي إلَيْهِ ثَوَابَهَا قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ غَلْبُونٍ فَمَكَثْت عَلَى هَذِهِ النِّيَّةِ مُدَّةً، ثُمَّ عَرَضَ لِي فُتُورٌ قَطَعَنِي عَنْ ذَلِكَ فَرَأَيْت أَبَا الْعَبَّاسِ فِي النَّوْمِ فَقَالَ لِي يَا أَبَا الطَّيِّبِ لِمَ قَطَعْت عَنَّا ذَلِكَ الشُّكْرَ الْخَالِصَ الَّذِي كُنْت تُوَجِّهُ بِهِ إلَيْنَا فَانْتَبَهْت مِنْ مَنَامِي وَقُلْت الْخَالِصُ كَلَامُ اللَّهِ عز وجل وَإِنَّمَا كُنْت أُوَجِّهُ إلَيْهِ ثَوَابَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] فَرَجَعْت أَقْرَؤُهَا عَنْهُ رحمه الله اهـ.
وَلَا يَخْفَاك أَنْ تَمَسُّكَ مِثْلَ الشَّيْخِ ابْنِ غَلْبُونٍ بِالرُّؤْيَا الَّتِي سَمِعَهَا مِنْ الرَّجُلِ الْمَعْرُوفِ بِالْخَيْرِ وَالْفَضْلِ وَبِرُؤْيَاهُ الَّتِي رَآهَا بَعْدُ إنَّمَا هُوَ عَلَى وَجْهِ التَّأْيِيدِ وَالِاسْتِئْنَاسِ لِلْأَدِلَّةِ الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا مَنْ قَالَ بِوُصُولِ ثَوَابِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ شَيْءٍ مِنْ الْقُرَبِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَمْوَاتِ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ مَا وَقَعَ لِابْنِ ذِكْرِيٍّ، بَلْ أَوْلَى مِنْ أَنَّهُ اعْتَرَضَ عَلَى قَوْلِ الْحَطَّابِ فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ خَلِيلٍ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي بَابِ الْحَجِّ وَتَطَوَّعَ وَلِيُّهُ عَنْهُ مَا نَصُّهُ وَجُلُّهُمْ أَيْ الْعُلَمَاءِ أَجَابَ بِالْمَنْعِ أَيْ مَنْعِ إهْدَاءِ ثَوَابِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ شَيْءٍ مِنْ الْقُرَبِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ أَثَرٌ وَلَا شَيْءٌ عَمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ مِنْ السَّلَفِ اُنْظُرْهُ بِأَنَّهُ وَرَدَ فِيهِ حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ الْمُتَقَدِّمُ اسْتَنَدَ إلَى مَا نَقَلَهُ عَنْ الْعُهُودِ الْمُحَمَّدِيَّةِ عَنْ أَبِي الْمَوَاهِبِ الشَّاذِلِيِّ مِنْ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَنَامِ عَنْ مَعْنَاهُ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ.
وَقَالَ وَلَفْظُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ لِكَلَامِ الْعُهُودِ فَهُوَ أَقْوَى وَأَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ الشَّيْخِ زَرُّوقٍ وَغَيْرِ وَاحِدٍ كَالْحَافِظِ الْمُنْذِرِيِّ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ إنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أُكْثِرُ الدُّعَاءَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَك مِنْ دُعَائِي صَلَاةً عَلَيْك إذْ لَوْ أُرِيدَ لَقِيلَ فَكَمْ أَصْرِفُ لَك مِنْ وَقْتِ دُعَائِي مَثَلًا قَالَ الشَّيْخُ كنون بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَهُ فِي بَابِ الْحَجِّ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَتَطَوَّعَ عَنْهُ وَلِيُّهُ مَا نَصُّهُ فَأَنْتَ تَرَاهُ إنَّمَا ذَكَرَ رُؤْيَا أَبِي الْمَوَاهِبِ وَغَيْرِهِ عَلَى وَجْهِ التَّأْيِيدِ وَالِاسْتِئْنَاسِ لِظَاهِرِ لَفْظِ الْحَدِيثِ لَا عَلَى وَجْهِ الِاحْتِجَاجِ حَتَّى يَرُدَّ عَلَيْهِ أَنَّ رُؤْيَتَهُ صلى الله عليه وسلم وَإِنْ كَانَتْ حَقًّا وَلَا سِيَّمَا مِنْ مِثْلِ أَبِي الْمَوَاهِبِ لَكِنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ لَا تَثْبُتُ بِالرُّؤْيَا فَلِذَلِكَ قَبِلَ كَلَامَهُ الْمَذْكُورَ تِلْمِيذُهُ جَسُّوسُ وَغَيْرُهُ فَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اُنْظُرْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُبْطِلُ التَّتَابُعَ فِي صَوْمِ الْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَبْطُلُ التَّتَابُعُ]
(الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُبْطِلُ التَّتَابُعَ فِي صَوْمِ الْكَفَّارَاتِ وَالنَّذْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُبْطِلُ التَّتَابُعَ)
وَذَلِكَ أَنَّ مَا يُبْطِلُهُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ
(الْأَوَّلُ) وَطْءُ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا عَلَى خِلَافٍ فِيهِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ فَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا حَصَلَ مِنْهُ ابْتَدَأَ الصَّوْمَ مُطْلَقًا لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا أَوَّلَ صَوْمِهِ أَوْ آخِرَهُ نَاسِيًا كَانَ لِظِهَارِهِ أَوْ عَامِدًا وَوَافَقَهُ فِي ذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ وَإِنْ أَصَابَ الْمُظَاهَرَ مِنْهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، وَلَوْ نَاسِيًا أَوْ مَعَ عُذْرٍ يُبِيحُ الْفِطْرَ أَيْ كَمَرَضٍ وَسَفَرٍ انْقَطَعَ أَيْ التَّتَابُعُ اهـ.
وَكَذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَّا أَنَّهُ اشْتَرَطَ فِي ذَلِكَ الْعَمْدَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَسْتَأْنِفُ عَلَى حَالٍ كَمَا فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِحَفِيدِ ابْنِ رُشْدٍ، وَسَبَبُ الْخِلَافِ
تَنْبِيهٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ أَعْطَيْتنِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَفَعَلَتْ طَلُقَتْ وَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَى أَصْلِهِ جِدًّا فَإِنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالْإِعْطَاءِ الْإِقْبَاضَ فَيَنْبَغِي أَنْ تَطْلُقَ، وَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا كَمَا لَوْ قَالَ إنْ أَقْبَضْتنِي وَإِنْ أَرَادَ بِالْإِعْطَاءِ التَّمْلِيكَ فَكَيْفَ يَصِحُّ التَّمْلِيكُ عَلَى أَصْلِهِ بِمُجَرَّدِ الْمُنَاوَلَةِ، وَقَاعِدَتُهُ أَنَّ الْمُعَاطَاةَ وَالْفِعْلَ وَالْمُنَاوَلَةَ لَا يُوجِبُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ انْتِقَالَ مِلْكٍ فَهَذِهِ الصُّورَةُ تَعْضُدُ الْمَالِكِيَّةَ فِي بَيْعِ الْمُعَاطَاةِ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهَا وَيَكُونُ نَقْضًا عَلَى أَصْلِهِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ اللَّفْظُ السَّابِقُ فِي التَّعْلِيقِ حَصَلَ بِهِ انْتِقَالُ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ التَّعْلِيقِ إنَّمَا اقْتَضَى رَبْطَ الطَّلَاقِ بِالْإِعْطَاءِ وَلَمْ يَقْتَضِ حُصُولَ الْمِلْكِ فِي الْمُعْطِي وَلَعَلَّهَا لَا تُعْطِيهِ شَيْئًا فَإِنَّ اللَّفْظَ الدَّالَّ عَلَى الْمِلْكِ لَمْ يُوجَدْ أَلْبَتَّةَ فَلَا يُمْكِنُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (تَنْبِيهٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه إلَى آخِرِ الْفَرْقِ) قُلْت الظَّاهِرُ أَنَّ مَا قَالَهُ وَأَلْزَمَهُ الشَّافِعِيُّ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
تَشْبِيهُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ بِكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالشَّرْطُ الَّذِي وَرَدَ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ أَعْنِي أَنْ تَكُونَ قَبْلَ الْمَسِيسِ فِي قَوْله تَعَالَى {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] فَإِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ افْعَلْ كَذَا قَبْلَ كَذَا أَنَّ التَّقَدُّمَ شَرْطٌ وَلِذَلِكَ يَصْدُقُ لَنَا اسْتَأْذِنْ الْمَرْأَةَ فِي النِّكَاحِ وَأَحْضِرْ الْوَلِيَّ قَبْلَ الْعَقْدِ أَنَّ هَذَيْنِ شَرْطَانِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُنَا اسْتَتِرْ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَتَطَهَّرْ وَانْوِ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ شُرُوطٌ فَمَنْ اعْتَبَرَ هَذَا الشَّرْطَ قَالَ يَسْتَأْنِفُ الصَّوْمَ إذْ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ أَنْ يَتَقَدَّمَ الصَّوْمُ وَطْءَ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا بَعْدَ الظِّهَارِ، وَمَنْ شَبَّهَهُ بِكَفَّارَةِ الْيَمِينِ قَالَ لَا يَسْتَأْنِفُ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ فِي الْيَمِينِ تَرْفَعُ الْحِنْثَ بَعْدَ وُقُوعِهِ بِاتِّفَاقٍ اهـ بِتَوْضِيحٍ
(النَّوْعُ الثَّانِي) الِاسْتِمْتَاعُ بِالْمُظَاهَرِ مِنْهَا بِمَا دُونَ الْوَطْءِ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ أَيْضًا قَالَ حَفِيدُ ابْن رُشْدٍ فِي بِدَايَتِهِ فَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّهُ كَمَا يَحْرُمُ الْجِمَاعُ يَحْرُمُ مَا دُونَهُ مِنْ الْوَطْءِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ وَاللَّمْسُ وَالتَّقْبِيلُ وَالنَّظَرُ لِلَّذَّةِ مَا عَدَا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا وَيَدَيْهَا مِنْ سَائِرِ بَدَنِهَا وَمَحَاسِنِهَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَّا أَنَّهُ إنَّمَا كُرِهَ النَّظَرُ لِلْفَرْجِ فَقَطْ قَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّمَا يَحْرُمُ الظِّهَارُ لِوَطْءٍ فِي الْفَرْجِ فَقَطْ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ لَا مَا عُدَّ بِذَلِكَ اهـ.
وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ مَا فِي الْإِقْنَاعِ وَشَرْحِهِ مِنْ أَنَّهُ إنْ لَمَسَ الْمُظَاهَرَ مِنْهَا أَوْ بَاشَرَهَا دُونَ الْفَرْجِ عَلَى وَجْهٍ يُفْطِرُ بِهِ بِأَنْ أَنْزَلَ قُطِعَ التَّتَابُعُ لِفَسَادِ صَوْمِهِ وَإِلَّا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهٍ يُفْطِرُ بِهِ بِأَنْ لَمْ يُنْزِلْ فَلَا يُقْطَعُ التَّتَابُعُ لِعَدَمِ فَسَادِ الصَّوْمِ اهـ قَالَ حَفِيدُ ابْنِ رُشْدٍ فِي بِدَايَتِهِ وَدَلِيلُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ ظَاهِرَ لَفْظِ التَّمَاسِّ فِي قَوْله تَعَالَى {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] يَقْتَضِي الْمُبَاشَرَةَ فَمَا فَوْقَهَا؛ وَلِأَنَّهُ أَيْ الظِّهَارُ لَفْظٌ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ بِهِ فَأَشْبَهَ لَفْظَ الطَّلَاقِ، وَدَلِيلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَوَّلًا أَنَّ الْمُبَاشَرَةَ وَإِنْ كَانَتْ تَدُلُّ عَلَى مَا فَوْقَ الْجِمَاعِ إلَّا أَنَّهَا دَلَالَةٌ مَجَازِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الْجِمَاعِ، فَيَكُونُ هُوَ الْحَقِيقَةُ الَّتِي تَنْتَفِي بِهَا الدَّلَالَةُ الْمَجَازِيَّةُ إذْ لَا يَدُلُّ لَفْظٌ وَاحِدٌ دَلَالَتَيْنِ حَقِيقَةً وَمَجَازًا نَعَمْ لَا يَبْعُدُ عِنْدَ مَنْ يَرَى أَنَّ اللَّفْظَ الْمُشْتَرَكَ لَهُ عُمُومٌ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ يَتَضَمَّنُ الْمَعْنَيَيْنِ جَمِيعًا أَعْنِي الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَجْرِ بِهِ عَادَةٌ لِلْعَرَبِ حَتَّى عُدَّ الْقَوْلُ بِهِ لِذَلِكَ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ لَكِنْ لَوْ عُلِمَ أَنَّ لِلشَّرْعِ فِيهِ تَصَرُّفًا لَجَازَ
وَثَانِيًا أَنَّ الظِّهَارَ مُشَبَّهٌ عِنْدَهُمْ بِالْإِيلَاءِ فَوَجَبَ أَنْ يَخْتَصَّ عِنْدَهُمْ بِالْفَرْجِ اهـ مُلَخَّصًا.
قُلْت وَدَلِيلُ قَوْلِ أَحْمَدَ أَنَّ الْجِمَاعَ يُطْلَقُ شَرْعًا عَلَى مُوجِبِ الْغُسْلِ وَفَسَادِ الصَّوْمِ فَتَأَمَّلْ بِإِمْعَانٍ
(النَّوْعُ الثَّالِثُ) وَطْءُ غَيْرِ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا وَالْأَكْلُ نَهَارًا عَلَى خِلَافٍ فِيهِ أَيْضًا فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا تَعَمَّدَ الْأَكْلَ فِي صَوْمِ الظِّهَارِ أَوْ الْقَتْلِ أَوْ النَّذْرِ الْمُتَتَابِعِ نَهَارًا أَوْ تَعَمَّدَ وَطْءَ غَيْرِ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا نَهَارًا ابْتَدَأَهُ اهـ بِالْمَعْنَى، وَقَالَ أَبُو الطَّاهِرِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَفِي إلْحَاقِ الْجَاهِلِ أَيْ بِالْعَامِدِ قَوْلَانِ وَفِي السَّهْوِ وَالْخَطَأِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ
ثَالِثُهَا التَّفْرِقَةُ بَيْنَ السَّهْوِ فَيُجْزِئُ وَالْخَطَأِ فَلَا يُجْزِئُ وَيَبْتَدِئُ؛ لِأَنَّ مَعَهُ تَمْيِيزَهُ بِخِلَافِ السَّهْوِ وَمِثْلُ مَا لِمَالِكٍ فِي الْجُمْلَةِ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْإِقْنَاعِ الْآتِي، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ الْفِطْرُ يُبْطِلُ التَّتَابُعَ مُطْلَقًا أَيْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا؛ لِأَنَّهُ بِاخْتِيَارِهِ بِخِلَافِ الْمَرَضِ فَقَطْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِخِلَافِ الْمَرَضِ وَنَحْوِهِ كَالْإِغْمَاءِ وَالْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ قَالَ الْأَصْلُ وَسَبَبُ الْخِلَافِ هَلْ التَّتَابُعُ مَأْمُورٌ بِهِ فَيَقْدَحُ فِيهِ النِّسْيَانُ أَوْ التَّفْرِيقُ مُحَرَّمٌ فَلَا تَضُرُّ مُلَابَسَتُهُ سَهْوًا فَإِنَّ الْمُحَرَّمَاتِ لَا يَأْثَمُ الْإِنْسَانُ بِمُلَابَسَتِهَا مَعَ عَدَمِ الْقَصْدِ كَشُرْبِ الْخَمْرَ سَاهِيًا أَوْ وَطِئَ أَجْنَبِيَّةً جَاهِلًا بِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ أَوَأَكَلَ طَعَامًا نَجِسًا أَوْ حَرَامًا مَغْصُوبًا غَيْرَ عَالِمٍ بِهِ فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا عَلَى عَدَمِ الْإِثْمِ اهـ.
مِنْهُ بِلَفْظِهِ يَعْنِي أَنَّ سَبَبَ الْخِلَافِ هَذَانِ الِاحْتِمَالَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ بَشِيرٍ وَسَيَأْتِي مَا فِي الِاحْتِمَالِ الثَّانِي فَتَرَقَّبْ (وَأَنَّ مَا لَا يُبْطِلُهُ) فَأَنْوَاعٌ أَيْضًا عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ فَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا أَكَلَ نَهَارًا فِي صَوْمِ الظِّهَارِ أَوْ الْقَتْلِ أَوْ النَّذْرِ الْمُتَتَابِعِ نَاسِيًا أَوْ مُجْتَهِدًا أَوْ مُكْرَهًا أَوْ وَطِئَ نَهَارًا غَيْرَ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا نَاسِيًا قَضَى يَوْمًا مُتَّصِلًا بِصَوْمِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ابْتَدَأَ الصَّوْمَ مِنْ أَوَّلِهِ.
اهـ فَأَوْلَى إذَا أَفْطَرَ لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ حِكَايَةُ الْخِلَافِ فِي الْجَهْلِ وَالسَّهْوِ وَالْخَطَأِ عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَمِثْلُ مَا لِمَالِكٍ فِي الْجُمْلَةِ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ وَإِنْ تَخَلَّلَ صَوْمَهُمَا أَيْ الشَّهْرَيْنِ صَوْمُ رَمَضَانَ أَوْ فِطْرٌ وَاجِبٌ كَفِطْرِ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَوْ الْحَيْضُ أَوْ نِفَاسٌ أَوْ جُنُونٌ أَوْ إغْمَاءٌ أَوْ مَرَضٌ، وَلَوْ غَيْرَ مَخُوفٍ أَوْ لِسَفَرٍ مُبِيحَانِ أَيْ الْمَرَضُ وَالسَّفَرُ الْفِطْرَ أَوْ فِطْرُ الْحَامِلِ أَوْ الْمُرْضِعِ