الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْحُكْمِ فِي الْفُتْيَا. التَّنْبِيهُ الثَّانِي أَنَّ قَوْلَهُ كَفَالَةُ اللَّهِ تَعَالَى كَفَالَةٌ مُضَافَةٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِضَافَةَ يَكْفِي فِيهَا أَدْنَى مُلَابَسَةِ حَقِيقَةٍ لُغَوِيَّةٍ كَقَوْلِ أَحَدِ حَامِلِي الْخَشَبَةِ شِلْ طَرَفَك وَقَوْلِنَا حِجُّ الْبَيْتِ وَصَوْمُ رَمَضَانَ وَهَذِهِ الْكَفَالَةُ الْمُضَافَةُ تَحْتَمِلُ ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ مِنْ الْكَفَالَةِ أَحَدُهَا الْكَلَامُ الْقَدِيمُ وَالْوَعْدُ الَّذِي هُوَ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ وَثَانِيهَا كَفَالَةُ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي هِيَ الْتِزَامُهُ اللَّفْظِيُّ الْمُنَزَّلُ فِي الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْكُتُبِ الدَّالُّ عَلَى الْكَلَامِ الْقَدِيمِ فَهُوَ كَفَالَةٌ حَادِثَةٌ دَالَّةٌ عَلَى تِلْكَ الْكَفَالَةِ الْقَدِيمَةِ كَمَا أَنَّ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّفْظِيَّ الَّذِي هُوَ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ دَلِيلُ أَمْرِهِ النَّفْسِيِّ الْقَائِمِ بِذَاتِهِ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَحْكَامِ وَالْأَخْبَارِ وَهَذِهِ الْكَفَالَةُ الْحَادِثَةُ لَا يُوجِبُ الْحَلِفُ بِهَا كَفَّارَةً وَثَالِثُهَا كَفَالَةُ خَلْقِهِ الَّتِي هِيَ ضَمَانُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ الَّتِي هِيَ مِنْ فِعْلِنَا وَقَوْلِنَا وَهِيَ مَنْدُوبَةٌ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الشَّرْعِ فَهِيَ تُضَافُ إلَيْهِ تَعَالَى إضَافَةَ الْمَشْرُوعِيَّةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ} [المائدة: 106] تَعَالَى أَيْ الَّتِي شَرَعَهَا وَأَوْجَبَ عَلَيْنَا أَدَاءَهَا فَأَضَافَهَا إلَيْهِ تَعَالَى إضَافَةَ الْمَشْرُوعِيَّةِ لِأَنَّهُ تَعَالَى شَاهِدٌ وَلَا شُهُودَ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ هَذِهِ الْكَفَالَةُ الْمَنْدُوبُ إلَيْهَا تَصِحُّ إضَافَتُهَا إلَيْهِ تَعَالَى إضَافَةَ الْمَشْرُوعِيَّةِ إذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ الَّتِي يُمْكِنُ إضَافَتُهَا إلَيْهِ تَعَالَى ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ مُتَبَايِنَةٍ قَدِيمَةٍ وَحَادِثَتَانِ.
وَمُطْلَقُ الْإِضَافَةِ هُوَ الْمَوْجُودُ وَهُوَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ وَالدَّالُّ عَلَى الْأَعَمِّ غَيْرُ دَالٍّ عَلَى الْأَخَصِّ فَلَا يَكُونُ لِقَوْلِ الْقَائِلِ عَلَيَّ كَفَالَةُ اللَّهِ إشْعَارٌ بِالْكَفَالَةِ الْقَدِيمَةِ أَلْبَتَّةَ لِأَنَّ نَوْعَهَا أَخَصُّ مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ مُطْلَقُ الْإِضَافَةِ فَلَا يَكُونُ هَذَا اللَّفْظُ مُوجِبًا لِلْكَفَّارَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ حَلَفَ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى أَلْبَتَّةَ بَلْ إمَّا بِجِهَةِ النَّذْرِ أَوْ بِجِهَةٍ أُخْرَى كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ إذَا لَمْ يَقُلْ عَلَيَّ كَفَالَةُ اللَّهِ، وَكَفَالَةِ اللَّهِ أَوْ أُقْسِمُ بِكَفَالَةِ اللَّهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صِيَغِ الْقَسَمِ اللُّغَوِيِّ الَّذِي هُوَ الْقَسَمُ بِوَضْعِهِ مُسْتَغْنٍ عَنْ النِّيَّةِ وَالْعُرْفِ وَالنَّقْلِ يَلْزَمُهُ بِهِ الْكَفَّارَةُ وَيَكُونُ أَصْرَحَ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ عَلَيَّ كَفَالَةُ اللَّهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ قَسَمٌ مُسْتَغْنٍ عَنْ نِيَّةِ الْمَجَازِ وَالنَّقْلِ الْعُرْفِيِّ وَإِنْ كَانَ احْتِمَالُ الْإِضَافَةِ لِلْحَادِثِ وَالْقَدِيمِ مَوْجُودًا فِيهِ غَيْرَ أَنَّهُ احْتِمَالٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ عَلَيَّ كَفَالَةُ اللَّهِ وَأُقْسِمُ بِكَفَالَةِ اللَّهِ التَّنْبِيهُ الرَّابِعُ أَنَّ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ السَّبْعِ يَنْبَغِي أَنْ تَسْتَوِيَ فِي لُزُومِ الْكَفَّارَةِ وَعَدَمِ لُزُومِهَا لِأَنَّهَا مُتَرَادِفَةٌ وَشَأْنُ أَحَدِ الْأَلْفَاظِ الْمُتَرَادِفَةِ أَنْ يَقُومَ مَقَامَ الْآخَرِ فِي لُزُومِ الْحُكْمِ وَسُقُوطِهِ فَلَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ عَلَيَّ كَفَالَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ أَذَانَتِهِ وَزَعَامَتِهِ وَضَمَانِهِ وَقَبَالَتِهِ وَجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ إذَا أَتَى بِصِيغَةِ الْقَسَمِ تَشْمَلُ جَمِيعَ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ وَيَكُونُ الْحُكْمُ فِي الْجَمِيعِ وَاحِدًا لِأَنَّهَا مُتَرَادِفَةٌ فَتَأَمَّلْ هَذِهِ التَّنْبِيهَاتِ فَهِيَ يُحْتَاجُ إلَيْهَا فِي هَذِهِ الْكَلِمَاتِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَفِي وَاجِدِ ثَمَنِ الرَّقَبَةِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ إمَّا تَنْزِيلُ وُجُودِ الثَّمَنِ الَّذِي هُوَ وَسِيلَةُ مِلْكِهَا مَنْزِلَتَهُ وَإِمَّا عَدَمُ تَنْزِيلِهِ مَنْزِلَتَهُ وَفِي الْقَادِرِ عَلَى التَّدَاوِي مِنْ السَّلَسِ أَوْ التَّزْوِيجِ إمَّا أَنْ تُنَزَّلَ قُدْرَتُهُ عَلَى ذَلِكَ الَّتِي هِيَ وَسِيلَةُ التَّدَاوِي بِالْفِعْلِ مَنْزِلَتَهُ أَمْ لَا أَوْ يُلَاحِظُ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ وَإِلَّا فِيهِ وَالْمُنَاسَبَاتُ الَّتِي اُشْتُهِرَ فِي الشَّرْعِ اعْتِبَارُهَا مِنْ حَيْثُ اشْتِمَالُهَا عَلَى مُوجِبِ الِاعْتِبَارِ لَا مَا لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ شَرْعًا مِمَّا لَا يَشْتَمِلُ عَلَى مُوجِبِ الِاعْتِبَارِ فَتُقَدَّمُ مُنَاسَبَتُهُ وَتَكْثُرُ النُّقُوضُ عَلَيْهِ وَيَكُونُ اعْتِبَارُهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ خِلَافَ الْمَعْلُومِ مِنْ نَمَطِ الشَّرِيعَةِ إلَّا أَنْ يُضَافَ إلَيْهِ مَا يُوجِبُ اشْتِمَالَهُ عَلَى مُوجِبِ الِاعْتِبَارِ مِنْ الْقُيُودِ الْمُوجِبَةِ لِلْمُنَاسَبَةِ فَتَظْهَرُ مُنَاسَبَتُهُ وَتَقِلُّ النُّقُوضُ عَلَيْهِ وَيَكُونُ اعْتِبَارُ مِثْلِهِ بِلَا ضَرُورَةٍ وَهُوَ الْمَعْلُومُ مِنْ نَمَطِ الشَّرِيعَةِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَدْ كَثُرَ بَيْنَ الْمُتَأَخِّرِينَ خُصُوصًا الشَّيْخَ الطَّاهِرَ بْنَ بُشَيْرٍ فَإِنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ الْمَعْرُوفِ بِالتَّنْبِيهِ كَثِيرًا وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الرِّيَاءِ فِي الْعِبَادَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ التَّشْرِيكِ فِي الْعِبَادَاتِ]
(الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الرِّيَاءِ فِي الْعِبَادَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ التَّشْرِيكِ فِي الْعِبَادَاتِ)
مِنْ حَيْثُ إنَّ التَّشْرِيكَ فِيهَا لَا يَحْرُمُ بِالْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ الرِّيَاءِ فِيهَا فَيَحْرُمُ هُوَ أَنَّ التَّشْرِيكَ فِيهَا لَمَّا كَانَ بِمَا جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمُكَلَّفِ فِي هَذِهِ الْعِبَادَةِ مِمَّا لَا يَرَى وَلَا يُبْصِرُ كَمَنْ جَاهَدَ لِيُحَصِّلَ طَاعَةَ اللَّهِ بِالْجِهَادِ وَلِيُحَصِّلَ السَّبَايَا وَالْكُرَاعَ وَالسِّلَاحَ مِنْ جِهَةِ أَمْوَالِ الْعَدُوِّ وَكَمَنْ حَجَّ وَشَرَّكَ فِي حَجِّهِ غَرَضَ الْمَتْجَرِ بِأَنْ يَكُونَ جُلُّ مَقْصُودِهِ أَوْ كُلُّهُ السَّفَرَ لِلتِّجَارَةِ خَاصَّةً وَيَكُونَ الْحَجُّ إمَّا مَقْصُودًا مَعَ ذَلِكَ أَوْ غَيْرَ مَقْصُودٍ وَإِنَّمَا يَقَعُ تَابِعًا اتِّفَاقًا وَكَمَنْ صَامَ لِيَصِحَّ جَسَدُهُ أَوْ لِيَحْصُلَ زَوَالُ مَرَضٍ مِنْ الْأَمْرَاضِ الَّتِي تُدَاوَى بِالصَّوْمِ بِحَيْثُ يَكُونُ التَّدَاوِي هُوَ مَقْصُودُهُ أَوْ بَعْضُ مَقْصُودِهِ وَالصَّوْمُ مَقْصُودٌ مَعَ ذَلِكَ وَكَمَنْ يَتَوَضَّأُ بِقَصْدِ التَّبَرُّدِ أَوْ التَّنْظِيفِ لَمْ يَضُرَّهُ فِي عِبَادَتِهِ وَلَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ جَمِيعَ هَذِهِ الْأَغْرَاضِ لَا يَدْخُلُ فِيهَا تَعْظِيمُ الْخَالِقِ بَلْ هِيَ تَشْرِيكُ أُمُورٍ مِنْ الْمَصَالِحِ لَيْسَ لَهَا إدْرَاكٌ وَلَا تَصْلُحُ لِلْإِدْرَاكِ وَلَا لِلتَّعْظِيمِ فَلَا تَقْدَحُ فِي الْعِبَادَاتِ إذْ كَيْفَ تَقْدَحُ وَصَاحِبُ الشَّرْعِ
اللَّفْظُ السَّادِسُ الْمِيثَاقُ قَالَ مَالِكٌ رحمه الله إذَا قَالَ عَلَيَّ مِيثَاقُ اللَّهِ تَعَالَى وَحَنِثَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَالْمِيثَاقُ مَأْخُوذٌ مِنْ التَّوَثُّقِ وَهُوَ التَّقْوِيَةُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَهْدِ وَالْيَمِينِ أَمَّا الْيَمِينُ فَهُوَ الْقَسَمُ وَأَمَّا الْعَهْدُ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ الِالْتِزَامُ وَالْمِيثَاقُ هُوَ الْعَهْدُ الْمُوَثَّقُ بِالْيَمِينِ فَيَكُونُ الْمِيثَاقُ مُرَكَّبًا مِنْ الْعَهْدِ وَالْيَمِينِ مَعًا كَذَا كَانَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ رحمه الله يَنْقُلُهُ عَنْ اللُّغَةِ وَإِذَا كَانَ هَذَا مَعْنَى الْمِيثَاقِ وَالْعَهْدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ وَالْقَسَمُ أَيْضًا يَرْجِعُ إلَى الْكَلَامِ لِأَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ تَعْظِيمِ الْمُقْسَمِ بِهِ وَإِذَا كَانَا مَعًا يَرْجِعَانِ إلَى مَعْنَى الْكَلَامِ فَالْمُرَكَّبُ مِنْهُمَا يَرْجِعُ إلَى مَعْنَى الْكَلَامِ قَطْعًا لِأَنَّ الْمَرْكَبَاتِ تَابِعَةٌ لِلْمُفْرَدَاتِ إذَا تَقَرَّرَ أَنَّ مَعْنَى الْمِيثَاقِ يَرْجِعُ إلَى مَعْنَى الْكَلَامِ وَرَدَ عَلَيْهِ الْإِشْكَالُ الْوَارِدُ مِنْ لَفْظِ عَلَيَّ وَكَيْفَ يَصِحُّ الْتِزَامُ مِيثَاقِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْعَهْدِ وَالْكَفَالَةِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّ إيجَابَ الْكَفَّارَةِ بِهِ لَيْسَ مِنْ بَابِ صَرِيحِ اللُّغَةِ بَلْ ذَلِكَ إمَّا بِالنِّيَّةِ أَوْ الْعُرْفِ أَوْ النَّقْلِ وَأَنَّ الْإِضَافَةَ مُحْتَمِلَةٌ لِمِيثَاقِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي هُوَ كَلَامٌ نَفْسِيٌّ وَمِيثَاقِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي هُوَ كَلَامٌ لَفْظِيٌّ لِسَانِيٌّ حَادِثٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن: 7] فَإِنَّ هَذَا الْتِزَامٌ لَفْظِيٌّ مُؤَكَّدٌ بِالْقَسَمِ بِقَوْلِهِ وَرَبِّي فَيَكُونُ مِيثَاقًا وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس: 1] إلَى قَوْلِهِ {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس: 9]{وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 10] الْتَزَمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ مَنْ زَكَّى نَفْسَهُ فَإِنَّهُ يَجِدُ عِنْدَهُ تَعَالَى فَلَاحًا وَأَنَّ مَنْ دَسَّاهَا أَيْ دَسَّهَا بِالْمَعَاصِي فَأُبْدِلَتْ إحْدَى السِّينَيْنِ أَلِفًا فَإِنَّهُ يَجِدُ عِنْدَهُ تَعَالَى خَيْبَةً.
وَأَكَّدَ هَذَا الِالْتِزَامَ بِالْقَسَمِ السَّابِقِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس: 1] إلَى قَوْلِهِ {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} [الشمس: 7] فَهَذَا كُلُّهُ قَسَمٌ مُؤَكِّدٌ لِذَلِكَ الِالْتِزَامِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ كَثِيرٌ مِنْ الِالْتِزَامَاتِ لِتَوَكُّدَةِ بِالْحَلِفِ وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا مِيثَاقُ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي شَرَعَهُ لَنَا فَقَدْ أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَنْ نَلْتَزِمَ الْحُقُوقَ الْوَاجِبَةَ عَلَيْنَا لِلْعِبَادِ وَأَنْ نُزِيلَ الرِّيبَةَ مِنْ صُدُورِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ هُمْ أَصْحَابُ تِلْكَ الْحُقُوقِ بِالْأَيْمَانِ وَالتَّأْكِيدِ فِي ذَلِكَ النَّافِي لِتِلْكَ الرِّيبَةِ فَهَذَا الْمِيثَاقُ يُضَافُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى إضَافَةَ الْمَشْرُوعِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْكَفَالَةِ وَالشَّهَادَةِ فِي {وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ} [المائدة: 106] .
وَإِذَا احْتَمَلَ الْمِيثَاقُ الْمُضَافُ إلَيْهِ تَعَالَى هَذِهِ الْمَوَاثِيقَ الثَّلَاثَةَ وَيَكُونُ اللَّفْظُ حَقِيقَةً فِي أَيْ ذَلِكَ وَقَعَ أَوْ كَانَ مُرَادًا صَارَ اللَّفْظُ دَائِرًا بَيْنَ مَا هُوَ مُوجِبٌ وَبَيْنَ مَا هُوَ لَيْسَ بِمُوجِبٍ وَهُمَا الْقِسْمَانِ الْآخَرَانِ الْحَادِثَانِ الْمِيثَاقُ اللَّفْظِيُّ الدَّالُّ عَلَى كَلَامِ اللَّهِ الْقَدِيمِ وَالْمِيثَاقُ الْمَشْرُوعُ فِي حَقِّنَا لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا حِينَئِذٍ لِأَنَّ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (اللَّفْظُ السَّادِسُ الْمِيثَاقُ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِيهِ) قُلْت مَا قَالَهُ صَحِيحٌ غَيْرُ قَوْلِهِ وَالْقَسَمُ أَيْضًا يَرْجِعُ إلَى الْكَلَامِ لِأَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ تَعْظِيمِ الْمُقْسَمِ بِهِ فَإِنَّ الْمُقْسِمَ لَيْسَ خَبَرًا عَنْ تَعْظِيمِ الْمُقْسَمِ بِهِ بَلْ هُوَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْإِنْشَاءِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
قَدْ أَمَرَ بِهَا فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» أَيْ قَاطِعٌ نَعَمْ إذَا تَجَرَّدَتْ الْعِبَادَةُ عَنْ هَذِهِ الْأَغْرَاضِ زَادَ الْأَجْرُ وَعَظُمَ الثَّوَابُ وَإِذَا لَمْ تُجَرَّدْ الْعِبَادَةُ عَنْهَا نَقَصَ الْأَجْرُ وَإِنْ كَانَ لَا سَبِيلَ إلَى الْإِثْمِ وَالْبُطْلَانِ.
وَأَمَّا الرِّيَاءُ فِيهَا فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ شِرْكًا وَتَشْرِيكًا مَعَ اللَّهِ تَعَالَى فِي طَاعَتِهِ لِمَنْ يَرَى وَيُبْصِرُ مِنْ الْخَلْقِ لِأَحَدِ أَغْرَاضٍ ثَلَاثَةٍ التَّعْظِيمُ وَجَلْبُ الْمَصَالِحِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَدَفْعُ الْمَضَارِّ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأَخِيرَانِ يَتَفَرَّعَانِ عَنْ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ إذَا عُظِّمَ انْجَلَبَتْ إلَيْهِ الْمَصَالِحُ وَانْدَفَعَتْ عَنْهُ الْمَفَاسِدُ فَهُوَ الْغَرَضُ الْكُلِّيُّ فِي الْحَقِيقَةِ فَيَقْتَضِي رُؤْيَةَ النَّفْعِ أَوْ الضُّرِّ لِغَيْرِهِ تَعَالَى فَيُنَافِي مَا أَشَارَ لَهُ سَيِّدِي عَلِيُّ وفا بِقَوْلِهِ (وَعِلْمُك أَنَّ كُلَّ الْأَمْرِ أَمْرِي هُوَ الْمَعْنَى الْمُسَمَّى بِاتِّحَادِي) قَالَ الْعَلَّامَةُ الْأَمِيرُ وَلَا بُدَّ عِنْدَ كُلِّ مُسْلِمٍ مِنْ حَظٍّ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَإِنْ تَفَاوَتُوا أَهُوَ ذَلِكَ إمَّا بِأَنْ يَعْمَلَ الْعَمَلَ الْمَأْمُورَ بِهِ وَالْمُتَقَرَّبَ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيَقْصِدَ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنْ يُعَظِّمَهُ النَّاسُ أَوْ يُعَظَّمَ فِي قُلُوبِهِمْ فَيَصِلَ إلَيْهِ نَفْعُهُمْ أَوْ يَنْدَفِعَ عَنْهُ ضَرَرُهُمْ فَيُسَمَّى رِيَاءَ الشِّرْكِ لِأَنَّهُ لِلْخَلْقِ وَلِلَّهِ تَعَالَى وَإِمَّا بِأَنْ يَعْمَلَ الْعَمَلَ لَا يُرِيدُ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى أَلْبَتَّةَ بَلْ النَّاسَ فَقَطْ فَيُسَمَّى رِيَاءَ الْإِخْلَاصِ لِأَنَّهُ لَا تَشْرِيَك فِيهِ بَلْ خَالِصٌ لِلْخَلْقِ كَانَ مُضِرًّا بِالْعِبَادَةِ وَمُحَرَّمًا عَلَى الْمُكَلَّفِ لِأَنَّهُ مُوجِبٌ لِلْمَعْصِيَةِ وَالْإِثْمِ وَالْبُطْلَانِ فِي تِلْكَ الْعِبَادَةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ الْمُحَاسِبِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُعَضِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ «أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ فَمَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي تَرَكْتُهُ لَهُ أَوْ تَرَكْتُهُ لِشَرِيكِي» وقَوْله تَعَالَى {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] فَإِنَّ الْحَدِيثَ ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِذَلِكَ الْعَمَلِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْمُخْلِصِينَ لِلَّهِ تَعَالَى لَيْسُوا مَأْمُورِينَ بِهِ وَمَا هُوَ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ لَا يُجْزِئُ عَنْ الْمَأْمُورِ بِهِ فَلَا يُعْتَدُّ بِهَذِهِ الْعِبَادَةِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَبِالْجُمْلَةِ فَفَرْقُ بَيْنَ مَنْ يُجَاهِدُ لِيَقُولَ النَّاسُ إنَّهُ شُجَاعٌ أَوْ لِيُعَظِّمَهُ الْإِمَامُ فَيُكْثِرَ عَطَاءَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَيَكُونَ رِيَاءً حَرَامًا وَبَيْنَ مَنْ يُجَاهِدُ لِيُحَصِّلَ السَّبَايَا وَالْكُرَاعَ وَالسِّلَاحَ مِنْ جِهَةِ أَمْوَالِ الْعَدُوِّ فَلَا يَضُرُّهُ وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ إجْمَاعًا