الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الدَّائِرِ بَيْنَ النَّادِرِ وَالْغَالِبِ يُلْحَقُ بِالْغَالِبِ مِنْ جِنْسِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ إلْحَاقِ الْأَوْلَادِ بِالْأَزْوَاجِ إلَى خَمْسِ سِنِينَ) وَقِيلَ إلَى أَرْبَعٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله، وَقِيلَ إلَى سَبْعِ سِنِينَ وَكُلُّهَا رِوَايَاتٌ عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه إلَى سَنَتَيْنِ فَإِنَّ هَذَا الْحَمْلَ الْآتِي بَعْدَ خَمْسِ سِنِينَ دَائِرٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْوَطْءِ السَّابِقِ مِنْ الزَّوْجِ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ الزِّنَى وَوُقُوعُ الزِّنَى فِي الْوُجُودِ أَكْثَرُ وَأَغْلَبُ مِنْ تَأَخُّرِ الْحَمْلِ هَذِهِ الْمُدَّةَ فَقَدَّمَ الشَّارِعُ هَا هُنَا النَّادِرَ عَلَى الْغَالِبِ وَكَانَ مُقْتَضَى تِلْكَ الْقَاعِدَةِ أَنْ يُجْعَلَ زِنًى لَا يَلْحَقُ بِالزَّوْجِ عَمَلًا بِالْغَالِبِ لَكِنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى شَرَّعَ لُحُوقَهُ بِالزَّوْجِ لُطْفًا بِعِبَادِهِ وَسِتْرًا عَلَيْهِمْ وَحِفْظًا لِلْأَنْسَابِ وَسَدًّا لِبَابِ ثُبُوتِ الزِّنَى كَمَا اشْتَرَطَ تَعَالَى فِي ثُبُوتِهِ أَرْبَعَةً مُجْتَمِعِينَ سَدًّا لِبَابِهِ حَتَّى يَبْعُدَ ثُبُوتُهُ وَأُمِرْنَا أَنْ لَا نَتَعَرَّضَ لِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ فَبِهِ، وَإِذَا تَحَمَّلْنَاهَا أُمِرْنَا بِأَنْ لَا نُؤَدِّيَ بِهَا وَأَنْ نُبَالِغَ فِي السِّتْرِ عَلَى الزَّانِي مَا اسْتَطَعْنَا بِخِلَافِ جَمِيعِ الْحُقُوقِ كُلُّ ذَلِكَ شُرِعَ طَلَبًا لِلسِّتْرِ عَلَى الْعِبَادِ وَمِنَّةً عَلَيْهِمْ فَهَذَا هُوَ سَبَبُ اسْتِثْنَاءِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مِنْ تِلْكَ الْقَوَاعِدِ وَإِلَّا فَهِيَ عَلَى خِلَافِ الْإِلْحَاقِ بِالْغَالِبِ دُونَ النَّادِرِ فَاعْلَمْ ذَلِكَ وَاعْلَمْ الْفَرْقَ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ وَهُوَ طَلَبُ السَّتْرِ وَمَا تَقَدَّمَ مَعَهُ.
(الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْعَدَدِ وَقَاعِدَةِ الِاسْتِبْرَاءِ) إنَّ الْعِدَّةَ تَجِبُ وَإِنْ عُلِمَتْ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ كَمَنْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا غَائِبًا عَنْهَا بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ، وَكَذَلِكَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْجِنْسِ دُونَ اسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ فَلِذَا كَانَ الْحَالِفُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا الْمَاهِيَّةُ الْمُشْتَرَكَةُ فَلَا تَزِيدُ اللَّامُ لَهُ عَلَى الْوَاحِدِ اهـ مَحَلُّ الْحَاجَةِ قَالَ الشِّرْبِينِيُّ لَكِنَّهُمْ قَالُوا إنَّ الَّذِي يَتْبَعُ الْعُرْفَ مُطْلَقًا هُوَ الْحَلِفُ بِغَيْرِ الطَّلَاقِ أَمَّا بِهِ فَيَتْبَعُ اللُّغَةَ مَتَى اشْتَهَرَتْ وَإِنْ اشْتَهَرَ الْعُرْفُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ هُنَا غَيْرُ مَشْهُورٍ اهـ وَلَعَلَّ مُرَادَهُ فُقَهَاءُ الشَّافِعِيَّةِ وَإِلَّا فَالْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْحَلِفَ مُطْلَقًا يَتْبَعُ الْعُرْفَ مُطْلَقًا وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الذَّوَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الصِّفَاتِ]
الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الذَّوَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الصِّفَاتِ)
وَذَلِكَ أَنَّ الْبَابَيْنِ وَإِنْ اسْتَوَيَا فِي صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ إلَّا أَنَّهُمَا افْتَرَقَا فِي أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الذَّوَاتِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْتَى فِيهِ بِلَفْظٍ دَالٍّ عَلَى اسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ بِأَنْ يَسْتَغْرِقَ الْمُسْتَثْنَى لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الصِّفَاتِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُؤْتَى فِيهِ بِلَفْظٍ دَالٍّ عَلَى اسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ فِي الظَّاهِرِ وَذَلِكَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الصِّفَاتِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَقَعَ فِي جُمْلَةِ الصِّفَةِ كَأَنْ تَقُولَ مَرَرْت بِالسَّاكِنِ إلَّا السَّاكِنَ أَوْ مَرَرْت بِالْمُتَحَرِّكِ إلَّا الْمُتَحَرِّكَ فَتَسْتَثْنِي الصِّفَةَ مِنْ الصِّفَةِ وَهُوَ السُّكُونُ فَقَطْ فِي الْأَوَّلِ وَالْحَرَكَةُ فَقَطْ فِي الثَّانِي وَتَتْرُكُ الْمَوْصُوفَ فَتَتَعَيَّنُ لَهُ الْحَرَكَةُ فِي الْأَوَّلِ، فَيَكُونُ مُرُورُك بِالْمُتَحَرِّكِ وَيَتَعَيَّنُ السُّكُونُ فِي الثَّانِي، فَيَكُونُ مُرُورُك بِالسَّاكِنِ وَإِمَّا أَنْ يَقَعَ أَيْ الِاسْتِثْنَاءُ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِ الصِّفَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ - إِلا مَوْتَتَنَا الأُولَى} [الصافات: 58 - 59] فَقَوْلُهُ بِمَيِّتِينَ لَفْظٌ يَشْمَلُهُمْ بِصِفَةِ الْمَوْتِ وَلَمْ يَسْتَثْنُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ أَحَدًا، بَلْ بَعْضَ أَنْوَاعِ الصِّفَةِ.
وَإِمَّا أَنْ يَقَعَ أَيْ الِاسْتِثْنَاءُ فِي بَعْضِ مُتَعَلِّقَاتِ الصِّفَةِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
قَاتَلَ ابْنَ الْبَتُولِ إلَّا عَلِيًّا
فَمَعْنَاهُ كَمَا قَالَ الْأُدَبَاءُ قَاتَلَ ابْنَ فَاطِمَة الْبَتُول أَيْ الْمُنْقَطِعَةِ عَنْ الْأَزْوَاجِ إلَّا عَنْ عَلِيٍّ فَاسْتَثْنَى مِنْ صِفَتِهَا وَلَمْ يَسْتَثْنِهَا غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ جُمْلَةَ الصِّفَةِ وَلَا نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِهَا، بَلْ اسْتَثْنَى مُتَعَلِّقًا مِنْ مُتَعَلِّقَاتِهَا فَإِنَّ التَّبَتُّلَ الَّذِي هُوَ الِانْقِطَاعُ قَالَ تَعَالَى {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلا} [المزمل: 8] أَيْ انْقَطِعْ عَلَيْهَا انْقِطَاعًا لَمَّا كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَنْ الْأَزْوَاجِ كُلِّهَا اسْتَثْنَى مِنْ مُتَعَلِّقِ التَّبَتُّلِ عَلِيًّا رضي الله عنه وَمِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مَا قَالَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ مِنْ أَنَّ الْقَائِلَ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً فَإِنْ كَانَ مُسْتَفْتِيًا، وَقَالَ نَوَيْت ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ وَفِي مَوْضِعٍ لَوْ سَكَتَ لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ بِغَيْرِ نِيَّةٍ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَيُخْتَلَفُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ آتٍ بِمَا لَا يُشْبِهُ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ شَاءَ هَذَا الْحَجَرُ وَيَخْتَلِفُ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ إلَّا وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُسْتَثْنِيًا لِلْأَوَّلِ وَإِنْ قَالَ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً وَأَعَادَ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى الْوَاحِدَةِ يَقَعُ عَلَيْهِ اثْنَانِ.
وَإِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً لَزِمَهُ طَلْقَتَانِ أَيْضًا إنْ أَعَادَهُ عَلَى طَلْقَةٍ وَثَلَاثٌ إنْ أَعَادَهُ عَلَى الْوَاحِدَةِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ مُشْكِلَاتِ الْمَسَائِلِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَتَقْرِيرُهَا وَإِيضَاحُهَا أَنْ تَقُولَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً مَعْنَاهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَالطَّلَاقُ مَصْدَرٌ قَدْ وَصَفَهُ بِالْوَحْدَةِ فَصَارَ فِي كَلَامِهِ حِينَئِذٍ صِفَةٌ وَمَوْصُوفٌ فَإِذَا عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ إلَّا وَاحِدَةً كَانَ ذَلِكَ مُحْتَمِلًا سِتَّ حَالَاتٍ
(الْحَالَةُ الْأُولَى) أَنْ يَقْصِدَ بِقَوْلِهِ وَاحِدَةً الصِّفَةَ وَالْمَوْصُوفَ مَعًا، ثُمَّ يَقْصِدَ رَفْعَ الصِّفَةِ دُونَ الْمَوْصُوفِ، فَيَكُونُ قَدْ رَفَعَ مَصْدَرَ الطَّلَاقِ الْوَحْدَةِ فَيَتَعَيَّنُ ضِدُّهَا وَهُوَ الْكَثْرَةُ إذْ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا وَالْقَاعِدَةُ الْعَقْلِيَّةُ أَنَّ كُلَّ ضِدَّيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا إذَا رُفِعَ أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ ثُبُوتُ الْآخَرِ أَلَا تَرَى أَنَّكَ تَقُولُ هَذَا الْعَدَدُ لَيْسَ بِزَوْجٍ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ فَرْدًا أَوْ لَيْسَ
إذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا وَالِاسْتِبْرَاءُ لَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ لَا يَجْرِي الِاسْتِبْرَاءُ قَبْلَ الْبَيْعِ إلَّا فِيمَنْ كَانَتْ تَحْتَ يَدِهِ لِلِاسْتِبْرَاءِ أَوْ وَدِيعَةً وَسَيِّدُهَا لَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا أَوْ اشْتَرَاهَا مِنْ امْرَأَتِهِ أَوْ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ الَّذِي فِي عِيَالِهِ وَسَكَنِهِ أَوْ اشْتَرَاهَا مِنْ سَيِّدِهَا عِنْدَ قُدُومِهِ مِنْ الْغَيْبَةِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ إلَيْهِ أَوْ خَرَجَتْ حَائِضًا أَوْ الشَّرِيكُ يَشْتَرِي مِنْ شَرِيكِهِ وَهِيَ تَحْتَ يَدَيْ الْمُشْتَرِي.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ كُلُّ مَنْ أُمِنَ عَلَيْهَا الْحَمْلُ فَلَا اسْتِبْرَاءَ فِيهَا، وَمَنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ حَمْلُهَا أَوْ شُكَّ فِيهَا اُسْتُبْرِئَتْ وَإِنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ بَرَاءَتُهَا مَعَ جَوَازِ الْحَمْلِ فَقَوْلَانِ كَالصَّغِيرَةِ وَالْآيِسَةِ تُسْتَبْرَآنِ لِسُوءِ الظَّنِّ وَالْوَخْشِ مِنْ الرَّقِيقِ، وَمَنْ بَاعَهَا مَجْبُوبٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا وَالْمَشْهُورُ إيجَابُهُ وَأَشْهَبُ يَنْفِيهِ وَيَجُوزُ اتِّفَاقُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي عَلَى اسْتِبْرَاءٍ وَاحِدٍ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ فَهَذِهِ فُرُوعٌ فِي الِاسْتِبْرَاءِ لَا يَجُوزُ فِي الْعِدَدِ مِثْلُهَا فَلَوْ عُلِمَتْ بَرَاءَةُ الْمُعْتَدَّةِ قَبْلَ الْإِطْلَاقِ أَوْ الْوَفَاءِ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ الْعِدَّةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ أَنَّ الْعِدَّةَ يَغْلِبُ عَلَيْهَا شَائِبَةُ التَّعَبُّدِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَإِنْ كَانَتْ مَعْقُولَةَ الْمَعْنَى مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَعَدَمِ اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ هِيَ مَعْقُولَةُ الْمَعْنَى وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ الْعِدَّةَ تَجِبُ فِي الْوَفَاةِ عَلَى بِنْتِ الْمَهْدِ وَتَجِبُ فِي الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ عَلَى الْكَبِيرَةِ الْمَعْلُومِ بَرَاءَتُهَا بِسَبَبِ الْغَيْبَةِ وَغَيْرِهَا هَذِهِ شَائِبَةُ التَّعَبُّدِ، فَلَمَّا كَانَ فِي الْعِدَّةِ شَائِبَةُ التَّعَبُّدِ وَجَبَ فِعْلُهَا بَعْدَ سَبَبِهَا مُطْلَقًا فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ عُلِمَتْ الْبَرَاءَةُ أَمْ لَا تَوْفِيَةً لِشَائِبَةِ التَّعَبُّدِ وَالِاسْتِبْرَاءِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
بِفَرْدٍ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ زَوْجًا؛ لِأَنَّهُ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْفَرْدِ وَأَقَلُّ مَرَاتِبِ الْكَثْرَةِ اثْنَانِ فَيَلْزَمُهُ طَلْقَتَانِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْ الزَّائِدِ
(الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ يَقْصِدَ بِقَوْلِهِ وَاحِدَةً قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ الصِّفَةَ وَحْدَهَا، ثُمَّ يَسْتَثْنِيهَا فَاسْتِثْنَاؤُهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ رَفَعَ جُمْلَةَ مَا وَضَعَهُ أَوَّلًا
(الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ) أَنْ يَقْصِدَ بِقَوْلِهِ وَاحِدَةً نَفْسَ الطَّلَاقِ مِنْ حَيْثُ هُوَ طَلَاقٌ وَلَا يَأْخُذُهُ بِقَيْدِ الْوَحْدَةِ وَلَا بِقَيْدِ الْكَثْرَةِ، ثُمَّ يُورِدَ الِاسْتِثْنَاءَ أَيْضًا عَلَى هَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ فَلَا يَنْفَعُهُ الِاسْتِثْنَاءُ؛ لِأَنَّهُ رَفَعَ عَيْنَ مَا وَضَعَهُ
(الْحَالَةُ الرَّابِعَةُ) أَنْ يَقْصِدَ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا الْمَصْدَرَ الْمَوْصُوفَ بِالْوَحْدَةِ وَيَقْصِدَ بِقَوْلِهِ إلَّا وَاحِدَةً الطَّلَاقَ الْمَوْصُوفَ بِالْوَحْدَةِ فَلَا يَنْفَعُهُ أَيْضًا اسْتِثْنَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ رَفَعَ جُمْلَةَ مَا وَضَعَهُ
(الْحَالَةُ الْخَامِسَةُ) أَنْ يُرِيدَ بِلَفْظِ الْأَوَّلِ الطَّلَاقَ الْمَوْصُوفَ بِالْوَحْدَةِ وَيَقْصِدَ بِالِاسْتِثْنَاءِ الْمَوْصُوفَ وَهُوَ مَفْهُومُ الطَّلَاقِ دُونَ الْوَحْدَةِ فَهَذَا مُسْتَثْنًى لِبَعْضِ مَا نَطَقَ بِهِ مُطَابَقَةً غَيْرَ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ أَصْلِ الطَّلَاقِ نَفْيُ صِفَاتِهِ مِنْ الْوَحْدَةِ وَالْكَثْرَةِ فَتَنْتَفِي الصِّفَةُ أَيْضًا مَعَ الْمَوْصُوفِ فَيَبْطُلُ اسْتِثْنَاؤُهُ وَيَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ بِالْمُطَابَقَةِ وَالِالْتِزَامِ
(الْحَالَةُ السَّادِسَةُ) أَنْ يَسْتَعْمِلَ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فِي الطَّلَاقِ بِوَصْفِ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ إطْلَاقُ الْجِنْسِ وَإِرَادَةُ عَدَدٍ مُعَيَّنٍ مِنْهُ فَإِذَا قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا وَاحِدَةً يُرِيدُ بِهَا بَعْضَ ذَلِكَ الْعَدَدِ الَّذِي كَانَ يَقْصِدُهُ لَزِمَهُ طَلْقَتَانِ وَهُمَا اللَّتَانِ بَقِيَتَا مِنْ الثَّلَاثِ الَّتِي أَرَادَهَا بِقَوْلِهِ الْأَوَّلِ بَعْدَ إخْرَاجِ وَاحِدَةٍ مِنْهَا بِالِاسْتِثْنَاءِ فَظَهَرَ بِهَذَا التَّقْرِيرِ كَيْفَ تَلْزَمُهُ اثْنَتَانِ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً إنْ أَرَادَ بِالِاسْتِثْنَاءِ إحْدَى هَذِهِ الثَّلَاثِ لَزِمَهُ اثْنَتَانِ وَإِنْ أَرَادَ اسْتِثْنَاءَ الصِّفَةِ وَهِيَ الْوَحْدَةُ عَنْ طَلْقَةٍ مِنْ هَذِهِ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَلْزَمَهُ أَرْبَعُ تَطْلِيقَاتٍ؛ لِأَنَّهُ رَفَعَ صِفَةَ الْوَحْدَةِ عَنْ طَلْقَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ فَيَقَعُ فِيهَا الْكَثْرَةُ فَتَصِيرُ تِلْكَ الطَّلْقَةُ طَلْقَتَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ سَبِيلٌ إلَى لُزُومِ أَرْبَعٍ بِالْإِجْمَاعِ اقْتَصَرْنَا عَلَى ثَلَاثٍ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَرْبَعَ تَطْلِيقَاتٍ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ كَذَا قَالَ الْأَصْلُ قَالَ، وَقَدْ بَسَطْت هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي كِتَابِ الِاسْتِغْنَاءِ فِي أَحْكَامِ الِاسْتِثْنَاءِ وَهُوَ مُجَلَّدٌ كَبِيرٌ أَحَدٌ وَخَمْسُونَ بَابًا وَأَرْبَعُمِائَةِ مَسْأَلَةٍ لَيْسَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إلَّا الِاسْتِثْنَاءُ وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الصِّفَةِ مِنْ أَغْرَبِ أَبْوَابِهِ، وَقَدْ بَسَطْته لَك هَا هُنَا بِهَذِهِ الْمَسَائِلِ وَظَهَرَ لَك مَعْنَى هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي الطَّلَاقِ بِسَبَبِهِ، وَلَوْلَاهُ لَمْ يُفْهَمْ أَصْلًا أَلْبَتَّةَ فَنَفَائِسُ الْقَوَاعِدِ لِنَوَادِرِ الْمَسَائِلِ وَجَمِيعُ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ هَدَانَا اللَّهُ سَوَاءَ السَّبِيلِ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ اهـ بِلَفْظِهِ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ هَذَا الْفَرْقُ يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ اهـ بِلَفْظِهِ.
وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ مَسْأَلَةَ الطَّلَاقِ الَّتِي بَنَى هَذَا الْفَرْقَ عَلَيْهَا نَظِيرُ مَا نَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ عَنْ الْمَدْخَلِ لِابْنِ طَلْحَةَ الْمَالِكِيِّ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ كَمَا فِي مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ فِي اعْتِبَارِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُسْتَغْرِقِ، وَقَدْ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَنَقَلَ هَذَا الْقَوْلَ الْقَرَافِيُّ وَأَنْكَرَهُ فَقَالَ الْأَقْرَبُ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ مَسْبُوقٌ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الْعَطَّارِ عَلَى مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ يَعْنِي الْإِجْمَاعَ الَّذِي حَكَاهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَالْآمِدِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ كَالْقَرَافِيِّ عَلَى أَنَّهُ لَا أَثَرَ فِي الْحُكْمِ لِلِاسْتِثْنَاءِ الْمُسْتَغْرِقِ مُطْلَقًا كَانَ فِي الصِّفَاتِ أَوْ فِي الذَّوَاتِ فَلَوْ قَالَ لَهُ عَشَرَةٌ إلَّا عَشَرَةً لَزِمَهُ عَشَرَةٌ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ إلَّا أَنْ