الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَجَابَ الشَّافِعِيَّةُ
(عَنْ الْأَوَّلِ) بِأَنَّ النَّقْدَيْنِ وَالْعُرُوضَ يُمْكِنُ أَنْ يَثْبُتَ فِي الذِّمَمِ فَوَقَعَ الِالْتِزَامُ بِنَاءً عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ لَا يَثْبُتَانِ فِي الذِّمَمِ وَالتَّصَرُّفُ يَعْتَمِدُ الْمَوْجُودَ الْمُعَيَّنَ أَوْ مَا فِي الذِّمَّةِ، وَإِذَا انْتَفَيَا مَعًا بَطَل التَّصَرُّفُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى مُعَيَّنٍ وَلَا فِي الذِّمَّةِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ كَذَلِكَ هَاهُنَا
(وَعَنْ الثَّانِي) أَنَّ قَوْله تَعَالَى {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] أَمْرٌ بِالْوَفَاءِ بِالْعُقُودِ وَالْأَوَامِرُ لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِمَعْدُومٍ مُسْتَقْبَلٍ وَالْعَقْدُ قَدْ وَقَعَ وَصَارَ مَاضِيًا فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَتَعَلَّقَ إلَّا بِالْوَفَاءِ بِهِ فَيَتَعَيَّنُ أَنَّ الْأَمْرَ مُتَعَلِّقٌ بِالْوَفَاءِ بِمُقْتَضَاهُ وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ أَوْفُوا بِمُقْتَضَيَاتِ الْعُقُودِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِمُوجِبِهِ وَيُوَفَّى بِمُقْتَضَاهُ وَلَكِنَّ النِّزَاعَ فِي مُقْتَضَاهُ مَا هُوَ هَلْ لُزُومُ الطَّلَاقِ أَمْ لَا فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنْ الْآيَةِ، وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ فَإِنَّ الْكَوْنَ عِنْدَ الشُّرُوطِ إنَّمَا هُوَ الْوَفَاءُ بِمُقْتَضَاهَا وَكَوْنَ الطَّلَاقِ مِنْ مُقْتَضَاهَا هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ وَلِلْمَالِكِيَّةِ أَنْ يُجِيبُوا عَنْ هَذَيْنِ الْجَوَابَيْنِ بِأَنَّ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَمُقْتَضَى الشَّرْطِ هُوَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ لُغَةً؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَاهُ إجْمَاعًا.
وَأَمَّا الْمُقْتَضَى الشَّرْعِيُّ فَهُوَ صُورَةُ النِّزَاعِ وَنَحْنُ إنَّمَا نَتَمَسَّكُ بِالْمُقْتَضَى اللُّغَوِيِّ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُقْتَضَى اللُّغَوِيَّ فِي الْعَقْدِ وَالشَّرْطِ هُوَ لُزُومُ الطَّلَاقِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقُ الْأَمْرِ فِي الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَلَوْ حُمِلَ عَلَى الْمُقْتَضَى الشَّرْعِيِّ لَكَانَ التَّقْدِيرُ أَوْفُوا بِمَا يَجِبُ عَلَيْكُمْ شَرْعًا الْوَفَاءُ بِهِ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ الْوُجُوبَ إلَّا مِنْ هَذَا الْأَمْرِ فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ لِتَوَقُّفِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ أَمَّا إذَا حُمِلَ عَلَى الْمُقْتَضَى اللُّغَوِيِّ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
بِإِنْكَاحِهِنَّ وَهُوَ أَيْضًا مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ إرْقَاقِ الرَّجُلِ وَلَدَهُ. اهـ
كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ الْحَفِيدِ مُلَخَّصًا قَالَ وَاخْتَلَفَ الَّذِينَ لَمْ يُجِيزُوا النِّكَاحَ إلَّا بِالشَّرْطَيْنِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِمَا فِي فَرَعَيْنَ مَشْهُورَيْنِ
(أَحَدُهُمَا) هَلْ الْحُرَّةُ إذَا كَانَتْ تَحْتَهُ طُولٌ أَوْ لَيْسَتْ بِطُولٍ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هِيَ طُولٌ وَقَالَ غَيْرُهُ لَيْسَتْ بِطُولٍ وَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ الْقَوْلَانِ
(وَالْفَرْعُ الثَّانِي) هَلْ يَجُوزُ لِمَنْ فِيهِ هَذَانِ الشَّرْطَانِ نِكَاحُ أَكْثَرَ مِنْ أَمَةٍ وَاحِدَةٍ وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ فِي الْفَرْعَيْنِ هُوَ أَنَّ خَوْفَ الْعَنَتِ هَلْ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا فِي الْعَزَبِ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ عَزَبًا بَلْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ أَوْ أَمَةٌ وَاحِدَةٌ لَمْ يَجُزْ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ لَوْ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ عَزَبًا أَوْ مُتَأَهِّلًا لِأَنَّهُ قَدْ لَا تَكُونُ الزَّوْجَةُ الْأُولَى حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً مَانِعَةً مِنْ الْعَنَتِ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى حُرَّةٍ تَمْنَعُهُ مِنْ الْعَنَتِ فَلَهُ أَنْ يَنْكِحَ عَلَى الْأُولَى وَلَوْ حُرَّةً أَمَةً لِأَنَّ مَعَ هَذِهِ الْحُرَّةِ فِي خَوْفِ الْعَنَتِ كَحَالِهِ قَبْلَهَا وَبِخَاصَّةِ إذَا خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْ الْأَمَةِ الَّتِي يُرِيدُ نِكَاحَهَا لَكِنْ اعْتِبَارُ خَوْفِ الْعَنَتِ مُطْلَقًا فِيهِ نَظَرٌ وَإِذَا قُلْنَا إنَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَى الْحُرَّةِ أَمَةً فَتَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا فَهَلْ لَهَا الْخِيَارُ فِي الْبَقَاءِ مَعَهُ أَوْ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ؟
قَوْلَانِ لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ إذَا وَجَدَ طَوْلًا بِحُرَّةٍ هَلْ يُفَارِقُ الْأَمَةَ أَمْ لَا وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِيمَا إذَا ارْتَفَعَ عَنْهُ خَوْفُ الْعَنَتِ أَنَّهُ لَا يُفَارِقُهَا. اهـ مُلَخَّصًا وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحَجْرِ عَلَى النِّسْوَانِ فِي الْإِبْضَاعِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْحَجْرِ عَلَيْهِمْ فِي الْأَمْوَالِ]
(الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحَجْرِ عَلَى النِّسْوَانِ فِي الْإِبْضَاعِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ عَدَمِ الْحَجْرِ عَلَيْهِنَّ فِي الْأَمْوَالِ)
قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ رضي الله عنهم لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَعْقِدَ لِنَفْسِهَا وَلَا لِغَيْرِهَا مِنْ النِّسَاءِ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا رَشِيدَةً فِي مَالِهَا أَوْ سَفِيهَةً دَنِيَّةً عَفِيفَةً أَوْ فَاجِرَةً أَذِنَ لَهَا الْوَلِيُّ أَوْ لَا وَيَجُوزُ لَهَا إنْ كَانَتْ رَشِيدَةً التَّصَرُّفُ فِي مَالِهَا وَلَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ وَإِنْ كَانَ أَبَاهَا الَّذِي لَهُ وِلَايَةُ الْجَبْرِ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهَا إلَّا إذَا كَانَتْ سَفِيهَةً قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ فِي بِدَايَتِهِ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ فَقَالَ بِاشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ فِي الْبِكْرِ وَعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ فِي الثَّيِّبِ مُحْتَجًّا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا» اهـ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه يَجُوزُ لِلرَّشِيدَةِ أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا مُحْتَجًّا عَلَى ذَلِكَ بِوُجُوهٍ خَمْسَةٍ
(الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَجْرِ عَلَى الْعَاقِلِ الْبَالِغِ وَهِيَ عَاقِلَةٌ بَالِغَةٌ فَيَزُولُ الْحَجْرُ عَنْهَا مُطْلَقًا فِي نَفْسِهَا
(الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ كَمَا يُكْتَفَى بِالرُّشْدِ فِي التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ كَذَلِكَ يُكْتَفَى بِهِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ بَلْ تَصَرُّفُهَا فِي نَفْسِهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا أَعْلَمُ بِأَغْرَاضِهَا مِنْ وَلِيِّهَا أَوْلَى مِنْ تَصَرُّفِهَا فِي مَالِهَا لِأَنَّ مَصْلَحَةَ الْمَالِ الَّتِي هِيَ التَّنْمِيَةُ مَعْلُومَةٌ لِلْوَلِيِّ كَمَا هِيَ مَعْلُومَةٌ لِلْمَرْأَةِ
(الْوَجْهُ الثَّالِثُ) قَوْله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 234] فَإِنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَصَرُّفِهَا فِي الْعَقْدِ عَلَى نَفْسِهَا
(الْوَجْهُ الرَّابِعُ) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَضَافَ إلَيْهِنَّ فِي غَيْرِ مَا آيَةٍ مِنْ الْكِتَابِ الْفِعْلَ فَقَالَ {أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232] وَقَالَ {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] وَلَمْ يُضِفْهُ إلَى الْوَلِيِّ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي إذْنِ الشَّرْعِ لَهُنَّ فِي الْمُبَاشَرَةِ
(الْوَجْهُ الْخَامِسُ) أَنَّ مَا رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَنْكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ بَاطِلٌ بَاطِلٌ وَإِذَا دَخَلَ بِهَا فَالْمَهْرُ لَهَا بِمَا أَصَابَ مِنْهَا فَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ فِيهِ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَإِنْ اسْتَدَلَّ بِهِ الْفُقَهَاءُ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ
لَا يَلْزَمُ الدَّوْرُ لِعَدَمِ تَوَقُّفِ اللُّغَةِ عَلَى الشَّرَائِعِ وَهَاهُنَا قَاعِدَةٌ يُشْكِلُ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ بِاعْتِبَارِهَا وَهُوَ أَنَّ كُلَّ سَبَبٍ شَرَّعَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِحِكْمَةٍ لَا يُشَرِّعُهُ عِنْدَ عَدَمِ تِلْكَ الْحِكْمَةِ كَمَا شَرَّعَ التَّعْزِيرَاتِ وَالْحُدُودَ لِلزَّجْرِ وَلَمْ يُشَرِّعْهَا فِي حَقِّ الْمَجَانِينِ وَإِنْ تَقَدَّمَتْ الْجِنَايَةُ مِنْهُمْ حَالَةَ التَّكْلِيفِ لِعَدَمِ شُعُورِهِمْ بِمَقَادِير انْخِرَاقِ الْحُرْمَةِ وَالذِّمَّةِ وَالْمَهَانَةِ فِي حَالَةِ الْغَفْلَةِ فَلَا يَحْصُلُ الزَّجْرُ وَشَرَّعَ الْبَيْعَ لِلِاخْتِصَاصِ بِالْمَنَافِعِ فِي الْغَرَضَيْنِ وَلَمْ يُشَرِّعْهُ فِيمَا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَلَا فِيمَا كَثُرَ غَرَرُهُ أَوْ جَهَالَتُهُ لِعَدَمِ انْضِبَاطِ الِانْتِفَاعِ مَعَ الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ الْمُخِلَّيْنِ بِالْأَرْبَاحِ وَحُصُولِ الْأَعْيَانِ وَشَرَّعَ اللِّعَانَ لِنَفْيِ النَّسَبِ وَلَمْ يُشَرِّعْهُ لِلْمَجْبُوبِ وَالْخَصِيِّ لِانْتِفَاءِ النَّسَبِ بِغَيْرِ لِعَانٍ وَذَلِكَ كَثِيرٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَضَابِطُهُ أَنَّ كُلَّ سَبَبٍ لَا يَحْصُلُ مَقْصُودُهُ لَا يُشَرَّعُ وَالنِّكَاحُ سَبَبٌ شُرِّعَ لِلتَّنَاسُلِ وَالْمُكَارَمَةِ وَالْمَوَدَّةِ فَمَنْ قَالَ بِشَرْعِيَّتِهِ فِي صُورَةِ التَّعْلِيقِ قَبْلَ الْمِلْكِ فَقَدْ الْتَزَمَ شَرْعِيَّتَهُ مَعَ انْتِفَاءِ حِكْمَتِهِ فَكَانَ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَصِحَّ عَلَيْهَا الْعَقْدُ أَلْبَتَّةَ لَكِنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ إجْمَاعًا فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى عَدَمِ لُزُومِ الطَّلَاقِ تَحْصِيلًا لِحِكْمَةِ الْعَقْدِ.
وَأَمَّا وُجُوبُ نِصْفِ الصَّدَاقِ وَتَبْعِيضُ الطَّلَاقِ وَغَيْرُهُمَا مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَى هَذَا الْعَقْدِ فَأُمُورٌ تَابِعَةٌ لِمَقْصُودِ الْعَقْدِ لَا أَنَّهَا مَقْصُودُ الْعَقْدِ فَلَا يُشَرَّعُ الْعَقْدُ لِأَجْلِهَا فَحَيْثُ أَجْمَعْنَا عَلَى شَرْعِيَّتِهِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى بَقَاءِ حِكْمَتِهِ وَهُوَ بَقَاءُ النِّكَاحِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى مَقَاصِدِهِ، وَهَذَا مَوْضِعٌ مُشْكِلٌ عَلَى أَصْحَابِنَا فَتَأَمَّلْهُ، وَقَدْ ظَهَرَ لَك أَيْضًا بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْبَحْثِ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا يَتَرَتَّبُ فِي الذِّمَمِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّ الْوَلِيَّ إذَا أَذِنَ لَهَا يَجُوزُ عَقْدُهَا وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى صِحَّةِ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ عَقْدَهَا عَلَى نَفْسِهَا إذَا صَحَّ مَعَ الْإِذْنِ صَحَّ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ
(وَالْجَوَابُ) عَنْ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَنَّ الدَّلِيلَ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ قَدْ دَلَّ عَلَى مُخَالَفَةِ ذَلِكَ الْأَصْلِ أَمَّا مِنْ الْكِتَابِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: 32] فَخَاطَبَ الْأَوْلِيَاءَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ الدَّالَّةِ عَلَى الْوُجُوبِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لِلْمَرْأَةِ لَتَعَذَّرَ ذَلِكَ كَمَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لِلْأَوْلِيَاءِ بِيعُوا أَمْوَالَ النِّسَاءِ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي الْأَمْوَالِ لَهُنَّ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ وَاحْتِمَالُ كَوْنِهِ خِطَابًا لِلْأَزْوَاجِ خِلَافُ الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ قَالَ أَنْكِحُوا بِالْهَمْزَةِ وَلَوْ أَرَادَ الْأَزْوَاجَ لَقَالَ ذَلِكَ بِغَيْرِ هَمْزَةٍ وَكَانَتْ الْأَلْفُ لِلْوَصْلِ وَإِنْ كَانَ بِالْهَمْزِ فِي الْأَزْوَاجِ لَهُ وَجْهٌ فَالظَّاهِرُ أَوْلَى فَلَا يُعْدَلُ إلَى غَيْرِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ. اهـ
قَوْله تَعَالَى {وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} [البقرة: 221] قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْأَحْكَامِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ النِّكَاحُ بِوَلِيٍّ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ قَرَأَ {وَلا تَنْكِحُوا} [البقرة: 221] إلَخْ بِضَمِّ التَّاءِ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ بَدِيعَةٌ وَدَلَالَةٌ صَحِيحَةٌ اهـ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ كَوْنَهُ خِطَابًا لِلْأَوْلِيَاءِ أَظْهَرُ مِنْ كَوْنِهِ خِطَابًا لِأُولِي الْأَمْرِ لِوَجْهَيْنِ
(الْأَوَّلُ) أَنَّ وَلِيَّ الْأَمْرِ مِنْ جُمْلَةِ الْأَوْلِيَاءِ إذْ السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ فَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِهِ
(الثَّانِي) أَنَّ الضَّرَرَ بِزَوَاجِ غَيْرِ الْأَكْفَاءِ إنَّمَا يَتَعَدَّى بِالْعَارِ وَالْفَضِيحَةِ الشَّنْعَاءِ لِلْأَوْلِيَاءِ لَا وَلِيِّ الْأَمْرِ مِنْهُمْ فَهُمْ أَحَقُّ بِخِطَابِ الْإِرْشَادِ مِنْهُ فَافْهَمْ وقَوْله تَعَالَى {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232] لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ نَهْيِ قَرَابَةِ الْمَرْأَةِ وَعَصَبَتِهَا مِنْ أَنْ يَمْنَعُوهَا النِّكَاحَ إلَّا أَنَّهُ يَقْتَضِيَ أَنَّ لَهُمْ حَقًّا فِي مَنْعِهَا مِنْ النِّكَاحِ عَلَى غَيْرِ الْأَكْفَاءِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِنَهْيِهِمْ مِنْ ذَلِكَ مَعْنًى وَثُبُوتُ حَقٍّ لَهُمْ فِي الْمَنْعِ الْمَذْكُورِ يَسْتَلْزِمُ اشْتِرَاطَ إذْنِهِمْ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ فَتَأَمَّلْ بِإِنْصَافٍ وَأَمَّا مِنْ السُّنَّةِ فَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «لَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ وَلَا الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا فَإِنَّ الزَّانِيَةَ هِيَ الَّتِي تُزَوِّجُ نَفْسَهَا» خَرَّجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ إنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
2 -
(وَعَنْ الْوَجْهِ الثَّانِي) بِأَنَّ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِبْضَاعِ وَقَاعِدَةِ الْأَمْوَالِ ثَلَاثَةَ فُرُوقٍ
(الْفَرْقُ الْأَوَّلُ) أَنَّ الْإِبْضَاعَ أَشَدُّ خَطَرًا وَأَعْظَمُ قَدْرًا فَنَاسَبَ أَنْ لَا تُفَوَّضَ إلَّا لِكَامِلِ الْعَقْلِ يَنْظُرُ فِي مَصَالِحِهَا وَالْأَمْوَالُ لَمَّا كَانَتْ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا خَسِيسَةً جَازَ أَنْ نُفَوِّضَ لِمَالِكِهَا إذْ الْأَصْلُ أَنْ لَا يَتَصَرَّفَ فِي الْمَالِ إلَى مَالِكُهُ
(وَالْفَرْقُ الثَّانِي) أَنَّ الْإِبْضَاعَ يَعْرِضُ لَهَا تَنْفِيذُ الْأَغْرَاضِ فِي تَحْصِيلِ الشَّهَوَاتِ الْقَوِيَّةِ الَّتِي يُبْذَلُ لِأَجْلِهَا عَظِيمُ الْمَالِ فَيُغَطِّي مِثْلُ هَذَا الْهَوَى عَلَى عَقْلِ الْمَرْأَةِ لِضَعْفِهِ وُجُوهَ الْمَصَالِحِ فَتُلْقِي نَفْسَهَا لِأَجْلِ هَوَاهَا فِيمَا يُرْدِيهَا فِي دُنْيَاهَا وَأُخْرَاهَا فَحُجِرَ عَلَيْهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ لِاحْتِمَالِ تَوَقُّعِ مِثْلِ هَذَا الْهَوَى الْمُفِيدِ وَلَا يَحْصُلُ فِي الْمَالِ مِثْلُ ذَلِكَ
(الْفَرْقُ الثَّالِثُ) أَنَّ الْمَفْسَدَةَ إذَا حَصَلَتْ فِي الْإِبْضَاعِ بِسَبَبِ زَوَاجِ غَيْرِ الْأَكْفَاءِ وَحَصَلَ الضَّرَرُ لِلْمَرْأَةِ تَعَدَّى مِنْهَا لِلْأَوْلِيَاءِ بِالْعَارِ وَالْفَضِيحَةِ الشَّنْعَاءِ وَإِذَا حَصَلَ الْفَسَادُ فِي الْأَمْوَالِ وَحَصَلَ الضَّرَرُ عَلَى الْمَرْأَةِ لَا يَكَادُ يَتَعَدَّاهَا وَلَيْسَ فِيهِ مِنْ الْعَارِ وَالْفَضِيحَةِ مَا فِي الْإِبْضَاعِ وَالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا مِنْ الْأَرَاذِلِ الْأَخِسَّاءِ فَهَذِهِ فُرُوقٌ عَظِيمَةٌ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ فَمِنْ هُنَا لَمَّا سُئِلَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَنْ الْمَرْأَةِ تُزَوِّجُ نَفْسَهَا قَالَ فِي الْجَوَابِ الْمَرْأَةُ مَحَلُّ الزَّلَلِ، وَالْعَارُ إذَا وَقَعَ لَمْ يَزُلْ، وَعَنْ
(الْوَجْهِ الثَّالِثِ) بِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 23] إلَخْ النَّهْيُ عَنْ التَّثْرِيبِ عَلَيْهِنَّ فِيمَا اسْتَبْدَدْنَ بِفِعْلِهِ دُونَ أَوْلِيَائِهِنَّ وَلَيْسَ هَاهُنَا شَيْءٌ يُمْكِنُ أَنْ تَسْتَبِدَّ بِهِ الْمَرْأَةُ دُونَ الْوَلِيِّ إلَّا عَقْدُ النِّكَاحِ فَظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ لَهَا أَنْ تَعْقِدَ النِّكَاحَ وَلِلْأَوْلِيَاءِ الْفَسْخَ إذَا لَمْ يَكُنْ بِالْمَعْرُوفِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الشَّرْعِ فَالِاحْتِجَاجُ بِهَا عَلَى أَنَّ لَهَا الْعَقْدَ وَلَيْسَ لِأَوْلِيَائِهَا فَسْخُهُ مُطْلَقًا احْتِجَاجٌ بِبَعْضِ ظَاهِرِ
وَبَيْنَ مَا لَا يَتَرَتَّبُ (وَأَمَّا) تَهْوِيلُ الشَّافِعِيَّةِ بِقَوْلِهِمْ الطَّلَاقُ حِلٌّ وَالنِّكَاحُ عَقْدٌ وَالْحِلُّ لَا يَكُونُ قَبْلَ الْعَقْدِ وَبِمَا يَرْوُونَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ «لَا نَذْرَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ وَلَا طَلَاقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ وَلَا عَتَاقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ» (فَالْجَوَابُ) أَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ نَقُلْ بِهِ فِي غَيْرِ عَقْدٍ؛ لِأَنَّا لَمْ نَقُلْ بِلُزُومِ الطَّلَاقِ إلَّا بَعْدَ حُصُولِ الْعَقْدِ لَا قَبْلَهُ فَمَا قُلْنَا بِالْحِلِّ إلَّا بَعْدَ الْعَقْدِ وَهُوَ الْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ فَإِنَّ طَلَاقَ ابْنِ آدَمَ وَعِتْقَهُ إنَّمَا وَقَعَا فِيمَا مَلَكَهُ وَإِنَّمَا تَقَدَّمَ التَّعْلِيقُ وَرَبْطُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِالْمِلْكِ لَا نَفْسُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ.
(الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِيجَابَاتِ الَّتِي يَتَقَدَّمُهَا سَبَبٌ تَامٌّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِيجَابَاتِ الَّتِي هِيَ أَجْزَاءُ الْأَسْبَابِ)
اعْلَمْ أَنَّ الْإِيجَابَاتِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ قِسْمٌ اُتُّفِقَ عَلَى أَنَّ السَّبَبَ التَّامَّ تَقَدَّمَهُ وَقِسْمٌ اُتُّفِقَ عَلَى أَنَّهُ جُزْءُ السَّبَبِ وَقِسْمٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ هَلْ هُوَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ أَوْ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا تَقَدَّمَهُ سَبَبٌ تَامٌّ فَيَجُوزُ تَأْخِيرُهُ إجْمَاعًا عَنْ السَّبَبِ كَالْخِيَارِ فِي عُيُوبِ النِّكَاحِ وَعُيُوبِ السِّلَعِ فِي الْبَيْعِ وَمَضَاءِ خِيَارِ الشَّرْطِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَخِيَارِ الْأَمَةِ إذَا أُعْتِقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي الَّذِي
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِيجَابَاتِ الَّتِي يَتَقَدَّمُهَا سَبَبٌ تَامٌّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِيجَابَاتِ الَّتِي هِيَ أَجْزَاءُ الْأَسْبَابِ)
قُلْت مَا قَالَهُ فِيهِ صَحِيحٌ وَمَا قَالَهُ فِي الْفَرْقِ بَعْدَهُ فِيهِ نَظَرٌ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْآيَةِ دُونَ بَعْضِهَا الْآخَرِ وَفِيهِ ضَعْفٌ وَلَيْسَ فِي إضَافَةِ النِّكَاحِ إلَيْهِنَّ اخْتِصَاصُهُنَّ نَعَمْ الْأَصْلُ الِاخْتِصَاصُ كَمَا فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ إلَّا أَنَّ الدَّلِيلَ الْمُتَقَدِّمَ وَهُوَ الْحَدِيثُ وَالْآيَاتُ السَّابِقَةُ قَدْ قَامَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ الْأَصْلِ فَلَا تَغْفُلْ
(وَعَنْ الْوَجْهِ الرَّابِعِ) بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ بَلْ إنَّمَا يَقُولُ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْوَطْءَ لَهَا دُونَ وَلِيِّهَا وَكَوْنُ الْفَاعِلِ لِذَلِكَ هُوَ الزَّوْجُ دُونَ الْمَرْأَةِ مُسَلَّمٌ إلَّا أَنَّ التَّمْكِينَ مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ لَهَا وَالْحَمْلُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مَجَازًا كَالْحَمْلِ عَلَى الْعَقْدِ إلَّا أَنَّهُ أَقْرَبُ لِلْحَقِيقَةِ مِنْ الْعَقْدِ وَالْأَقْرَبُ يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْحَقِيقَةِ وَيُوَضِّحُهُ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: 32] وَحَدِيثُ الدَّارَقُطْنِيِّ السَّابِقَانِ فَافْهَمْ
(وَعَنْ الْوَجْهِ الْخَامِسِ) أَنَّ الْقَاعِدَةَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهَا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ الْوَصْفَ إذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لَا يَكُونُ حُجَّةً إجْمَاعًا وَضَابِطُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ الْمَذْكُورُ غَالِبًا عَلَى وُقُوعِ ذَلِكَ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: 23] إلَخْ فَإِنَّ كَوْنَ بِنْتِ الزَّوْجَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا فِي حِجْرِ زَوْجِ الْأُمِّ غَالِبٌ عَلَى وُقُوعِ تَحْرِيمِهَا عَلَى زَوْجِ الْأُمِّ فَلَا تَكُونُ لَهُ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِهَا لَهُ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ فِي حِجْرِهِ فَافْهَمْ أَوْ غَالِبًا عَلَى تِلْكَ الْحَقِيقَةِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} [الإسراء: 31] فَإِنَّ الْقَتْلَ الْغَالِبُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَقَعَ فِي الْأَوْلَادِ إلَّا لِتَوَقُّعِ ضَرُورَةِ الْإِمْلَاقِ الَّذِي هُوَ الْفَقْرُ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْفَضِيحَةِ فَلَا تَكُونُ لَهُ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ الْقَتْلِ عِنْدَ عَدَمِ خَوْفِ الْإِمْلَاقِ وَمِنْ ذَلِكَ مَا هُنَا مِنْ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُقْدِمُ عَلَى زَوَاجِ نَفْسِهَا فِي الْغَالِبِ لَا خُفْيَةً عَنْ وَلِيِّهَا وَهُوَ غَيْرُ آذِنٍ لَهَا فِي ذَلِكَ وَالْعَادَةُ قَاضِيَةٌ بِذَلِكَ فَلَا يَكُونُ مَفْهُومُ قَيْدِ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فِي الْحَدِيثِ حُجَّةً إجْمَاعًا عَلَى أَنَّ الْوَلِيَّ إذَا أَذِنَ لَهَا يَجُوزُ عَقْدُهَا وَأَنَّهُ إذَا صَحَّ مَعَ الْإِذْنِ صَحَّ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ وَاحْتِجَاجُ دَاوُد بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ لِقَوْلِهِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الثَّيِّبِ وَالْبِكْرِ فِي الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ ظَاهِرِهِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّيِّبِ وَالْبِكْرِ يُسْتَأْذَنُ وَيَتَوَلَّى الْعَقْدَ عَلَيْهِمَا الْوَلِيُّ فَبِمَاذَا وَلَيْتَ شِعْرِي تَكُونُ الْأَيِّمُ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا لَكِنَّ احْتِجَاجَهُ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِهِ مِنْ الْتِزَامِ الظَّوَاهِرِ إمَّا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ لَا يَلْتَزِمُهَا فَلَا يَنْهَضُ حُجَّةً عَلَى ذَلِكَ إذْ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا فِي السُّكُوتِ وَالنُّطْقِ فَقَطْ وَيَكُونُ السُّكُوتُ كَافِيًا فِي الْعَقْدِ كَمَا فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِحَفِيدِ ابْنِ رُشْدٍ وَفِي الْمُنْتَقَى لِلْبَاجِيِّ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْأَيِّمُ أَحَقُّ إلَخْ الْأَيِّمُ هِيَ الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا قَطُّ إلَّا أَنَّ الْعُرْفَ خَصَّهُ بِالثَّيِّبِ وَالْأَظْهَرُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ لِوَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا) أَنَّ زِيَادَ بْنَ سَعْدٍ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ قَالَ «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا»
(وَثَانِيهِمَا) أَنَّ اللَّفْظَ عَلَيْهِ يُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهِ بِدُونِ تَخْصِيصٍ بِخِلَافِهِ عَلَى الْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ وَمَعْنَى كَوْنِهَا أَحَقَّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إجْبَارُهَا عَلَى النِّكَاحِ وَلَا إنْكَاحُهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِإِذْنِهِ مِمَّنْ تَرْضَاهُ وَلَيْسَ لَهَا هِيَ أَنْ تَعْقِدَ لِنَفْسِهَا نِكَاحًا وَلَا تُبَاشِرُهُ وَلَا أَنْ تَضَعَ نَفْسَهَا عِنْدَ غَيْرِ كُفْءٍ وَلَا أَنْ تُوَلِّيَ ذَلِكَ غَيْرَ وَلِيِّهَا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا حَقٌّ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ وَوَجْهُ كَوْنِهَا أَحَقَّ بِهِ أَنَّهَا إنْ كَرِهَتْ النِّكَاحَ لَمْ يَنْعَقِدْ بِوَجْهٍ وَإِنْ كَرِهَهُ الْوَلِيُّ وَرَغِبَتْهُ الْأَيِّمُ عُرِضَ عَلَى الْوَلِيِّ الْعَقْدُ فَإِنْ أَبَى عَقَدَهُ غَيْرُهُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ أَوْ السُّلْطَانُ فَهَذَا وَجْهُ كَوْنِهَا أَحَقَّ بِهِ مِنْ وَلِيِّهَا وَفِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ إلَخْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَعَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْمُرَادُ بِهَا الْبِكْرُ الَّتِي لَا أَبَ لَهَا لَا الَّتِي لَهَا أَبٌ وَإِنْ رَوَى زِيَادٌ هَذَا
هُوَ جُزْءُ السَّبَبِ فَهَذَا لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ كَالْقَبُولِ بَعْدَ الْإِيجَابِ فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْإِجَارَةِ فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ هَذَا الْقِسْمِ إلَى مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ مِنْهُمَا عَنْ الْعَقْدِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى التَّشَاجُرِ وَالْخُصُومَاتِ بِإِنْشَاءِ عَقْدٍ آخَرَ مَعَ شَخْصٍ آخَرَ وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ الْجَوَابُ فِي التَّمْلِيكِ اخْتَلَفَ فِيهِ هَلْ هُوَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَلَا يَقْدَحُ فِيهِ التَّأَخُّرُ أَوْ مِنْ الثَّانِي فَيَقْدَحُ رِوَايَتَانِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَأَرَى إمْهَالَ الْمَرْأَةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَالْمُصَرَّاةِ وَالشُّفْعَةِ لِمَا فِي الْفَرْقِ مِنْ الصُّعُوبَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ كَانَ مَالِكٌ يَقُولُ لِلْمُمَلَّكَةِ وَالْمُخَيَّرَةِ الْخِيَارُ فِي الْمَجْلِسِ فَقَطْ كَالْمُبَايَعَةِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَنَّ ذَلِكَ لَهَا وَإِنْ افْتَرَقَا لِاحْتِيَاجِهَا لِلْمُشَاوَرَةِ، وَهَذَا إذَا بَاشَرَهَا أَوْ وَكِيلُهُ فَإِنْ كَتَبَ إلَيْهَا أَوْ أَرْسَلَ رَسُولًا أَوْ عَلَّقَ عَلَى شَرْطٍ لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ فِي تَمَادِي ذَلِكَ مَا لَمْ يَطُلْ طُولًا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَى بِالْإِسْقَاطِ نَحْوَ أَكْثَرَ مِنْ شَهْرَيْنِ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الزَّوْجِ سُؤَالٌ يَتَّصِلُ بِهِ جَوَابُهُ وَجَوَابُهُ لِلرِّسَالَةِ مَعَ مُرْسِلِهِ.
(الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ خِيَارِ التَّمْلِيكِ فِي الزَّوْجَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَخْيِيرِ الْإِمَاءِ فِي الْعِتْقِ)
أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْأَوَّلِ أَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ لِامْرَأَتِهِ إذَا غِبْت عَنْك فَأَمْرُك بِيَدِك فَتَقُولُ الْمَرْأَةُ مَتَى غِبْت عَنِّي فَقَدْ اخْتَرْت نَفْسِي فَإِنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ بِخِلَافِ الْأَمَةِ يَحْلِفُ سَيِّدُهَا بِحُرِّيَّتِهَا فَتَقُولُ إنْ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْحَدِيثَ فَقَالَ فِيهِ وَالْبِكْرُ يَسْتَأْذِنُهَا أَبُوهَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ وُجُوهٌ
(الْأَوَّلُ) أَنَّ مَالِكًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ بِلَفْظِ «وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا» وَقَدْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إمَامٌ إذَا انْفَرَدَ وَقَوْلُهُ غُلِّبَ قَوْلُهُ عَلَى قَوْلِ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ فَكَيْفَ إذَا اتَّفَقَا عَلَى خِلَافِهِ (الثَّانِي) أَنَّ صَالِحَ بْنَ كَيْسَانَ رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ فَقَالَ فِيهِ: وَالْيَتِيمَةُ تُسْتَأْمَرُ وَهُوَ أَثْبَتُ مِنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ وَقَوْلُهُ أَيْضًا أَوْلَى مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ وَلَعَلَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْفَضْلِ لِعِلْمِهِ بِالْمُرَادِ بِهِ كَانَ مَرَّةً يَقُولُ «وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ» وَمَرَّةً يَقُولُ «وَالْيَتِيمَةُ تُسْتَأْمَرُ» وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ شُعْبَةُ عَنْ مَالِكٍ فَقَالَ فِيهِ «وَالْيَتِيمَةُ تُسْتَأْمَرُ» (الثَّالِث) أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ «وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ» بِمِثْلِ رِوَايَةِ مَالِكٍ
(الرَّابِعُ) أَنَّا لَوْ سَلَّمْنَا صِحَّةَ رِوَايَةِ زِيَادٍ لَحَمَلْنَا عَلَى الْبِكْرِ الْمُعْنِسِ وَيَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الِاسْتِئْذَانِ الْمَنْدُوبِ إلَيْهِ. اهـ مُلَخَّصًا وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
2 -
(وَصْلٌ) فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] مَسْأَلَتَانِ مِنْهَا فِقْهِيَّتَانِ الْأُولَى مِنْهُمَا هِيَ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْفَرْقِ دُونَ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةُ نَحْوِيَّةٌ
(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَوْله تَعَالَى {إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] أَيْ يَعْفُوَ النِّسَاءُ عَنْ النِّصْفِ الَّذِي وَجَبَ لَهُنَّ مِنْ الصَّدَاقِ الْمَفْرُوضِ لَهُنَّ فَيَسْقُطُ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنِ الْعُلَمَاءِ ثُمَّ قَالَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ فَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ فَقَالَ مَالِكٌ هُوَ الْأَبُ فِي ابْنَتِهِ الْبِكْرِ وَالسَّيِّدُ فِي أَمَتِهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ هُوَ الزَّوْجُ وَاحْتَجُّوا عَلَى ذَلِكَ بِوُجُوهٍ كَثِيرَةٍ لُبَابُهَا أَرْبَعَةٌ
(الْأَوَّلُ) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الصَّدَاقَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ذِكْرًا مُجْمَلًا مِنْ الزَّوْجَيْنِ فَحُمِلَ عَلَى الْمُعْسِرِ فِي غَيْرِهَا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4] فَأَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى لِلزَّوْجِ فِي قَبُولِ الصَّدَاقِ إذَا طَابَتْ نَفْسُ الْمَرْأَةِ بِتَرْكِهِ وَقَالَ أَيْضًا {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [النساء: 20] إلَى آخِرِهَا فَنَهَى اللَّهُ الزَّوْجَ أَنْ يَأْخُذَ مِمَّا آتَى الْمَرْأَةَ إنْ أَرَادَ طَلَاقَهَا
(الثَّانِي) أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ صَرِيحًا
(الثَّالِثُ) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة: 237] وَلَيْسَ لِأَحَدٍ فِي هِبَةِ مَالِ آخَرَ فَضْلٌ وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِيهَا يَهَبُهُ الْمُفَضَّلُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَالْأَصْلُ يَقْتَضِي عَدَمَ تَسَلُّطِ الْوَلِيِّ عَلَى مَالِ مُوَلِّيَتِهِ
(الرَّابِعُ) أَنَّ عَفَا كَمَا يُقَالُ بِمَعْنَى أَسْقَطَ كَذَلِكَ يُقَالُ بِمَعْنَى بَذَلَ وَاسْتِعْمَالُهُ فِي مَعْنَيَيْهِ أَبْلُغُ وَأَوْلَى مِنْ اسْتِعْمَالِهِ فِي إحْدَاهُمَا لِأَنَّ فِيهِ حِينَئِذٍ شَبَهَ اسْتِخْدَامٍ وَلِأَنَّ حِكْمَةَ ذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَسْقَطَتْ مَا وَجَبَ مِنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ إبْقَاءً لِلْمُرُوءَةِ وَاتِّقَاءً فِي الدِّيَانَةِ قَائِلَةً لَمْ يَنَلْ مِنِّي شَيْئًا وَلَا أَدْرَكَ مَا بَذَلَ فِيهِ هَذَا الْمَالَ كَانَ مِنْ الْمُنَاسِبِ أَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ أَنَا أَتْرُكُ الْمَالَ لَهَا لِأَنِّي قَدْ نِلْت الْحِلَّ وَابْتَذَلْتهَا بِالطَّلَاقِ فَتَرْكُهُ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَأَخْلَصُ مِنْ اللَّائِمَةِ
(وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ) أَنَّ جَعْلَ الْآيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ اسْتَشْهَدُوا بِهِمَا تَفْسِيرًا لِمُجْمَلِ هَذِهِ الْآيَةِ ضَعِيفٌ يُسْقِطُ حُكْمَ الْوَلِيِّ بِخِلَافِ جَعْلِ الْآيَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ لِبَيَانِ حُكْمِ الْأَزْوَاجِ وَهَذِهِ الْآيَةَ لِبَيَانِ حُكْمِ الْوَلِيِّ بِأَنْ يُقَالَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ أَنْ يُمَيِّزَ الْوَلِيَّ فِيهَا عَنْ الزَّوْجِ بِمَعْنَى يَخُصُّهُ فَكَنَّى عَنْهُ كِنَايَةً مُسْتَحْسَنَةً بِقَوْلِهِ تَعَالَى {الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] فَإِنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي الْفَصَاحَةِ وَأَتَمُّ فِي الْمَعْنَى وَأَجْمَعُ لِلْفَوَائِدِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي مَجِيءَ الْأَحْكَامِ كُلِّهَا مُبَيِّنَةً وَالْفَوَائِدُ الثَّلَاثَةُ مُعْتَبَرَةٌ
(وَعَنْ الثَّانِي) أَنَّهُ ضَعِيفٌ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ سَلَّمْنَا صِحَّتَهُ لَكِنْ
فَعَلْت فَقَدْ اخْتَرْت نَفْسِي فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ وَسَأَلَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ مَالِكًا عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ أَتَعْرِفُ دَارَ قُدَامَةَ وَدَارُ قُدَامَةَ يُلْعَبُ فِيهَا بِالْحَمَامِ بِالْمَدِينَةِ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الزَّوْجَ أَذِنَ لِلْحُرَّةِ فِي الْقَضَاءِ الْآنَ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ وَالْحَلِفُ بِحُرِّيَّةِ الْأَمَةِ لَمْ يَأْذَنْ وَإِنَّمَا قَصَدَ حَثَّ نَفْسِهِ بِالْيَمِينِ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ زَجْرَهَا عَنْهُ وَإِنَّمَا يَسْتَوِيَانِ إذَا قَالَتْ الْحُرَّةُ إنْ مَلَكْتنِي فَقَدْ اخْتَرْت نَفْسِي (وَيُرَدُّ عَلَيْهِ) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَذِنَ لِلْأَمَةِ فِي الْقَضَاءِ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ وَهُوَ الْعِتْقُ كَمَا أَذِنَ لِلزَّوْجِ
(وَجَوَابُهُ) إذْنُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى التَّقَادِيرِ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ صِحَّةُ التَّصَرُّفِ قَبْلَ وُجُودِ التَّقَادِيرِ بِدَلِيلِ إسْقَاطِ الشُّفْعَةِ قَبْلَ الْبَيْعِ وَالْإِذْنِ مِنْ الْوَارِثِ فِي التَّصَرُّفِ قَبْلَ مَرَضِ الْمَوْتِ وَصَرْفِ الزَّكَاةِ قَبْلَ مِلْكِ النِّصَابِ وَالتَّكْفِيرِ قَبْلَ الْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ فَإِنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ حِينَئِذٍ كُلُّهَا بَاطِلَةٌ وَإِنْ كَانَ الشَّارِعُ رَتَّبَهَا وَأَذِنَ فِيهَا عَلَى تِلْكَ التَّقَادِيرِ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ كُلَّ حُكْمٍ وَقَعَ قَبْلَ سَبَبِهِ وَشَرْطِهِ لَا يَنْعَقِدُ إجْمَاعًا وَبَعْدَهُمَا يَنْعَقِدُ إجْمَاعًا وَبَيْنَهُمَا فِي النُّفُوذِ قَوْلَانِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَبْسُوطَةً فَالْحُرَّةُ وُجِدَ فِي حَقِّهَا سَبَبٌ وَهُوَ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ إذْنِ الشَّرْعِ الْمُقَدَّرِ وَالْأَمَةُ انْفَرَدَ فِي حَقِّهَا الْإِذْنُ الْمُقَدَّرُ فَقَطْ؛ وَلِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَيْضًا أَنَّ حُقُوقَ الْعِبَادِ إنَّمَا تَسْقُطُ بِإِذْنِ الْعِبَادِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَتْ أَيْضًا هَذِهِ الْقَاعِدَةُ وَنُظِرَتْ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ إذَا هَلَكَتْ بِإِذْنِ رَبِّهَا لَا يَضْمَنُ وَبِإِذْنِ صَاحِبِ الشَّرْعِ يَضْمَنُ وَمَسَائِلَ مَعَهَا قَالَ اللَّخْمِيُّ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْآيَةِ بَلْ إخْبَارٌ عَنْ حَالِ الزَّوْجِ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ
(وَعَنْ الثَّالِثِ) أَنَّ قَاعِدَةَ الْوِلَايَةِ تَقْتَضِي تَصَرُّفَ الْوَلِيِّ بِمَا هُوَ أَحْسَنُ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ وَقَدْ يَكُونُ الْعَفْوُ أَحْسَنَ لِلْمَرْأَةِ لِاطِّلَاعِ الْوَلِيِّ عَلَى التَّرْغِيبِ فِيهَا لِهَذَا الزَّوْجِ أَوْ غَيْرِهِ وَأَنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى تَحْصِيلٍ إضْعَافِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ فَيَفْعَلُ ذَلِكَ لِتَحْصِيلِ الْمَصْلَحَةِ فَمَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ تَفْوِيتٌ لِمَصْلَحَةِ الْمَرْأَةِ لَا رِفْقٌ بِهَا وَالْإِفْضَالُ الَّذِي لَا يَكُونُ بِمَالِ أَحَدٍ إنَّمَا هُوَ بِمَعْنَى بَذْلِ مَا تَمْلِكُهُ يَدُهُ أَمَّا الْإِفْضَالُ بِمَعْنَى الْإِسْقَاطِ مَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ فَهَذَا نَافِذٌ لِأَنَّهُ نَظِيرُ تَفَضُّلِهِ عَلَى الزَّوْجِ بِأَنْ يُزَوِّجَهُ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى نُفُوذِهِ
(وَعَنْ الرَّابِعِ) بِأَنَّ مَجِيءَ الْعَفْوِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ مِنْ الْجِهَتَيْنِ أَبْلَغُ فِي الْفَصَاحَةِ وَأَوْفَى فِي الْمَعْنَى مِنْ مَجِيئِهِ بِمَعْنَيَيْنِ لِأَنَّ فِيهِ إسْقَاطَ أَحَدِ الْعَافِيَيْنِ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْمُسْتَفَادُ إذَا كَانَ الْعَفْوُ بِمَعْنَى الْإِسْقَاطِ وَأَمَّا نَدْبُ الزَّوْجِ إلَى إعْطَاءِ الصَّدَاقِ كُلِّهِ فِي الْآيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرُوا فَذَلِكَ مَعْلُومٌ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ فَإِنْ قُلْت قَدْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ فِي بِدَايَتِهِ مَا خُلَاصَتُهُ أَنَّ فِي قَوْله تَعَالَى {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] احْتِمَالَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ
(أَحَدُهُمَا) أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ عَلَى الزَّوْجِ فَيَكُونَ يَعْفُو بِمَعْنَى يَهَبُ
(وَثَانِيهِمَا) أَنْ يَعُودَ عَلَى الْوَلِيِّ وَيَكُونَ يَعْفُو بِمَعْنَى يُسْقِطُ لَكِنْ مَنْ جَعَلَهُ الزَّوْجَ فَلَمْ يُوجِبْ حُكْمًا زَائِدًا فِي الْآيَةِ أَيْ شَرْعًا زَائِدًا لِأَنَّ جَوَازَ ذَلِكَ مَعْلُومٌ مِنْ ضَرُورَةِ الشَّرْعِ وَمَنْ جَعَلَهُ الْوَلِيَّ فَقَدْ زَادَ شَرْعًا فَلِذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِدَلِيلٍ يُبَيِّنُ بِهِ أَنَّ الْآيَةَ أَظْهَرُ فِي الْوَلِيِّ مِنْهَا فِي الزَّوْجِ وَذَلِكَ شَيْءٌ يَعْسُرُ قُلْت قَالَ الْأَصْلُ الْآيَةُ تَدُلُّ لِمَا قُلْنَا مِنْ تِسْعَةِ أَوْجُهٍ
(الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَمِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ وَالْمُتَقَدِّمُ قَبْلَ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ إثْبَاتُ النِّصْفِ فَعَلَى رَأْيِنَا تَعْفُو الْمَرْأَةُ وَوَلِيُّهَا فَيَسْقُطُ فَتَطَّرِدُ الْقَاعِدَةُ وَعَلَى رَأْيِهِمْ يَعْفُو الزَّوْجُ فَيَثْبُتُ مَعَ هَذِهِ النِّصْفُ الَّذِي تَشَطَّرَ بِالطَّلَاقِ فَلَا تَطَّرِدُ الْقَاعِدَةُ بِوُقُوعِ الْإِثْبَاتِ بَعْدَ الْإِثْبَاتِ
(وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَطْفِ أَوْ التَّشْرِيكِ فِي الْمَعْنَى فَقَوْلُهُ تَعَالَى {إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] مَعْنَاهُ الْإِسْقَاطُ وقَوْله تَعَالَى {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] عَلَى رَأْيِنَا الْإِسْقَاطُ فَيَحْصُلُ التَّشْرِيكُ وَعَلَى رَأْيِهِمْ الْإِثْبَاتُ فَلَا يَحْصُلُ التَّشْرِيكُ فَيَكُونُ قَوْلُنَا أَرْجَحَ
(وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِنَا إلَّا أَنْ يَكُونَ كَذَا وَكَذَا تَنْوِيعٌ لِذَلِكَ الْكَائِنِ إلَى نَوْعَيْنِ وَالتَّنْوِيعُ فَرْعُ الِاشْتِرَاكِ فِي الْمَعْنَى وَلَا مُشْتَرَكَ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ وَالْإِسْقَاطِ وَالْإِعْطَاءِ حَتَّى يَحْسُنَ تَنْوِيعُهُ وَعَلَى رَأْيِنَا الْمُتَنَوِّعُ إلَى إسْقَاطِ الْمَرْأَةِ وَإِسْقَاطِ الْوَلِيِّ هُوَ مُطْلَقُ الْإِسْقَاطِ فَكَانَ قَوْلُنَا أَرْجَحَ
(وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ) أَنَّ الْعَفْوَ ظَاهِرٌ فِي الْإِسْقَاطِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ وَعَلَى رَأْيِهِمْ يَكُونُ مَعَ صَدَقَةٍ عَلَى الْتِزَامِ مَا وَجَبَ بِالطَّلَاقِ أَيْضًا صَادِقًا عَلَى الْتِزَامِ مَا سَقَطَ بِالطَّلَاقِ، وَالْتِزَامُ مَا لَمْ يَجِبْ لَا يُسَمَّى عَفْوًا
(وَالْوَجْهُ الْخَامِسُ) أَنَّ إقَامَةَ الظَّاهِرِ مَقَامَ الْمُضْمَرِ خِلَافُ الْأَصْلِ فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الزَّوْجَ لَقِيلَ إلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ عَمَّا اسْتَحَقَّ لَكُمْ لِأَنَّ الْخِطَابَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 237] كَانَ مَعَ الْأَزْوَاجِ فَلَمَّا عَدَلَ الظَّاهِرُ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ غَيْرُ الزَّوْجِ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا عَلَى طَرِيقِ الِالْتِفَاتِ إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ كَمَا عَلِمْت
(وَالْوَجْهُ السَّادِسُ) أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِنَا بِيَدِهِ كَذَا أَيْ يَتَصَرَّفُ فِيهِ وَالزَّوْجُ لَا يَتَصَرَّفُ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ بَلْ كَانَ يَتَصَرَّفُ فِي الْوَطْءِ بِالْحِلِّ وَالْوَلِيُّ الْآنَ هُوَ الْمُتَصَرِّفُ فِي الْعَقْدِ فَيَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ دُونَ الزَّوْجِ
(وَالْوَجْهُ السَّابِعُ) سَلَّمْنَا أَنَّ الزَّوْجَ
وَسَوَّى أَصْبَغُ الْإِمَاءَ بِالزَّوْجَاتِ وَسَوَّى أَشْهَبُ الزَّوْجَاتِ بِالْإِمَاءِ لِعَدَمِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْإِخْبَارُ.
(الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّمْلِيكِ وَقَاعِدَةِ التَّخْيِيرِ)
اعْلَمْ أَنَّ مَوْضُوعَ التَّمْلِيكِ عِنْدَ مَالِكٍ أَصْلُ الطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ إشْعَارٍ بِالْبَيْنُونَةِ وَلَا بِالْعَدَدِ فَلَهَا أَنْ تَقْضِيَ بِأَيِّ ذَلِكَ شَاءَتْ وَمَوْضُوعُ التَّخْيِيرِ عِنْدَنَا الثَّلَاثُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ وَمَقْصُودَهُ الْبَيْنُونَةُ فَلِذَلِكَ تُقْبَلُ نِيَّةُ الزَّوْجِ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ قَبْلَ الْبِنَاءِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْبَيْنُونَةُ بِالْوَاحِدَةِ حِينَئِذٍ دُونَ مَا بَعْدَ الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْبَيْنُونَةِ لَا يَقْبَلُ الْمَجَازَ كَالثَّلَاثِ إذَا نُطِقَ بِهَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي كِتَابِ التَّنْبِيهَاتِ فِي التَّخْيِيرِ سَبْعَةُ أَقْوَالٍ الْمَشْهُورُ هُوَ الثَّلَاثُ نَوَتْهَا الْمَرْأَةُ أَمْ لَا فَإِنْ قَضَتْ بِدُونِهَا فَهَلْ يَسْقُطُ خِيَارُهَا خِلَافٌ وَالثَّلَاثُ.
وَإِنْ نَوَتْ دُونَهَا قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَلِلزَّوْجِ الْمُنَاكَرَةُ فِي الثَّلَاثِ وَطَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ عِنْدَ ابْنِ الْجَهْمِ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ رضي الله عنهما وَثَلَاثٌ إنْ قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي وَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ إنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا أَوْ رَدَّتْ الْخِيَارَ عَلَيْهِ مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ وَطَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَأَسْقَطَ أَبُو حَنِيفَةَ حُكْمَهُ مُطْلَقًا وَاتَّفَقَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ حَنْبَلٍ عَلَى أَنَّهُ كِنَايَةٌ لَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالسِّتُّونَ بَعْدَ الْمِائَةِ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّمْلِيكِ وَقَاعِدَةِ التَّخْيِيرِ)
قُلْت أَكْثَرُ مَا قَالَهُ فِيهِ حِكَايَةُ خِلَافٍ وَتَوْجِيهٍ وَلَا كَلَامَ فِي ذَلِكَ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ مَالِكًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إنَّمَا بَنَى عَلَى عُرْفِ زَمَانِهِ هُوَ الظَّاهِرُ وَمَا قَالَهُ مِنْ لُزُومِ تَغَيُّرِ الْفَتْوَى عِنْدَ تَغَيُّرِ الْعُرْفِ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ لَكِنْ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ وَمَضَى فَهُوَ مَجَازٌ وَالْوَلِيُّ بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ الْآنَ فَهُوَ حَقِيقَةٌ وَالْحَقِيقَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمَجَازِ
(وَالْوَجْهُ الثَّامِنُ) أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ {إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] الرَّشِيدَاتُ إجْمَاعًا إذْ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِنَّ لَا يُنْفِذُ الشَّرْعُ تَصَرُّفَهُنَّ فَاَلَّذِي يُحْسِنُ مُقَابِلَتَهُنَّ بِالْمَحْجُورَاتِ عَلَى أَيْدِي الْأَوْلِيَاءِ إلَّا بِالْأَزْوَاجِ إذْ لَا مُنَاسَبَةَ فِيهِمْ لِلرَّشِيدَاتِ
(وَالْوَجْهُ التَّاسِعُ) أَنَّ وُجُوبَ الصَّدَاقِ أَوْ بَعْضِهِ قَبْلَ الْمَسِيسِ خِلَافُ الْأَصْلِ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ تَسْلِيمِ الْعِوَضِ يَقْتَضِي بَقَاءَ الْعِوَضِ قَابِلًا لِلتَّسْلِيمِ أَمَّا مَعَ تَعَذُّرِهِ فَلَا بِشَهَادَةِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ فَإِنَّهُ إذَا تَعَذَّرَ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ أَوْ الْمُتْعَةِ لَا يَجِبُ تَسْلِيمُ الْعِوَضِ فِي ذَلِكَ فَإِسْقَاطُ الْأَوْلِيَاءِ النِّصْفَ عَلَى وَفْقِ الْأَصْلِ وَتَكْمِيلُ الزَّوْجِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْأَبِ قَبْلَ الطَّلَاقِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَّا بِوَجْهِ نَظَرٍ مِنْ عُسْرِ الزَّوْجِ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا يُلْحَقُ الْوَصِيُّ بِالْأَبِ لِقُصُورِ نَظَرِهِ عَنْهُ وَفِي الْجَلَّابِ لَا يَجُوزُ لِلْأَبِ الْعَفْوُ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَلَا يُعَدُّ الدُّخُولُ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْفَرْقُ أَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ خِلَافُ الْأَصْلِ فَسُلِّطَ الْأَبُ عَلَيْهِ إذَا رَآهُ نَظَرًا بِخِلَافِ الدُّخُولِ لِتَعْيِينِ الِاسْتِحْقَاقِ فَغَلَبَ حَقُّ الزَّوْجِيَّةِ فَالْحُكْمُ هُنَا كَمَا خُصَّ عُمُومٌ فِي قَوْله تَعَالَى {إِلا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] عِنْدَ الْجُمْهُورِ بِالصَّغِيرَةِ وَالْمَحْجُورَةِ كَذَلِكَ خُصَّ عِنْدَنَا بِالْأَبِ فِي ابْنَتِهِ الْبِكْرِ وَالسَّيِّدِ فِي أَمَتِهِ لِكَمَالِ نَظَرِهِمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ فِي بِدَايَتِهِ وَالْجُمْهُورُ أَنَّ الْمَرْأَةَ الصَّغِيرَةَ وَالْمَحْجُورَةَ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَهَبَ مِنْ صَدَاقِهَا النِّصْفَ الْوَاجِبَ لَهَا وَشَذَّ قَوْمٌ فَقَالُوا يَجُوزُ أَنْ تَهَبَ مَعَهُ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] . اهـ
فَافْهَمْ هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي الْأَصْلِ وَأَحْكَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ مَعَ زِيَادَةٍ
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِهِ هَذِهِ الْآيَةُ حُجَّةٌ عَلَى صِحَّةِ هِبَةِ الْمُشَاعِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ لِلْمَرْأَةِ بِالطَّلَاقِ نِصْفَ الصَّدَاقِ فَعَفْوُهَا لِلرَّجُلِ عَنْ جَمِيعِهِ كَعَفْوِ الرَّجُلِ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ مُشَاعٍ وَمَقْسُومٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَصِحُّ هِبَةُ الْمُشَاعِ فَوَرَدَ عَلَيْهِ عُمُومُ الْآيَةِ وَأَرَادَ عُلَمَاءُ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ الِانْفِصَالَ عَنْهَا بِقَوْلِهِمْ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا بَيَّنَ تَكْمِيلًا ثَبَتَ بِنَفْسِ الْعَفْوِ دُونَ شَرْطِ قَبْضِ ذَلِكَ فِي عَفْوِ الْمَرْأَةِ فَأَمَّا الْعَيْنُ فَلَا يَكْمُلُ الْعَفْوُ فِيهِ إلَّا بِقَبْضٍ مُتَّصِلٍ بِهِ أَوْ قَبْضٍ قَائِمٍ يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الْهِبَةِ وَلَئِنْ حَمَلْنَا الْآيَةَ عَلَى عَقْدِ شَرْطِ زِيَادَةِ الْقَبْضِ فَنَحْنُ لَا نَشْتَرِطُ إلَّا تَمَامَهُ وَتَمَامُهُ بِالْقِسْمَةِ فَآلَ الِاخْتِلَافُ إلَى كَيْفِيَّةِ الْقَبْضِ لَكِنَّ هَذَا الِانْفِصَالَ إنَّمَا يَسْتَمِرُّ عَلَى أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ الَّذِينَ يَشْتَرِطُونَ فِي الْهِبَةِ الْقَبْضَ فَأَمَّا نَحْنُ فَلَا نَرَى ذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ لَهُمْ هَذَا الِانْفِصَالُ مَعَنَا فَإِنَّ نَفْسَ الْعَفْوِ مِمَّنْ عَفَا يَخْلُصُ مِلْكًا لِمَنْ عُفِيَ لَهُ وَأَمَّا أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فَلَا يَصِحُّ لَهُمْ هَذَا مَعَهُمْ إلَّا مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ الْآيَةَ بِمُطْلَقِهَا تُفِيدُ صِحَّةَ هِبَةِ الْمُشَاعِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مُشَاعًا، وَافْتِقَارُ الْهِبَةِ إلَى الْقَبْضِ نَظَرٌ آخَرُ يُؤْخَذُ مِنْ دَلِيلٍ يَخُصُّ تِلْكَ النَّازِلَةَ فَمُشْتَرِطُ الْقِسْمَةِ مُفْتَقِرٌ إلَى دَلِيلٍ وَلَمْ يَجِدُوهُ إلَّا مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى الْمَبْنِيِّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ وَنَحْنُ لَا نُسَلِّمُهُ وَلَيْسَ التَّمْيِيزُ مِنْ الْقَبْضِ أَصْلًا فِي وَرْدٍ وَلَا صَدْرٍ فَصَحَّ تَعَلُّقُنَا بِالْآيَةِ وَعُمُومِهَا وَسَلِمَتْ مِنْ تَشْغِيلِهِمْ اهـ بِتَصَرُّفٍ
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) ضَعَّفَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ قَوْله تَعَالَى فِي النِّسَاءِ {إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] بِالْوَاوِ بِقَوْلِهِ كَيْفَ يَجِيءُ ضَمِيرُ الْمُؤَنَّثِ بِالْوَاوِ وَلَيْسَ كَمَا خَطَرَ لَهُ إذْ الْوَاوُ هُنَا لَيْسَ ضَمِيرًا وَإِلَّا لَحَذَفَ النَّاصِبُ النُّونَ بَلْ الضَّمِيرُ النُّونُ، وَالْوَاوُ لَامُ الْفِعْلِ لِأَنَّهُ مِنْ عَفَا يَعْفُو بِالْوَاوِ وَشَأْنُ ضَمِيرِ الْمُؤَنَّثِ الَّذِي هُوَ النُّونُ وَكَذَا كُلُّ ضَمِيرٍ بَارِزٍ أَنْ يَلْحَقَ آخِرَ الْفِعْلِ عَلَى حَالِهِ الْأَصْلِيِّ أَيُّ