الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَنْ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ وَاعْتَبَرَ مَا وُضِعَ فِي الْعُرْفِ لِإِزَالَةِ الْعِصْمَةِ وَإِلَيْهِ جَنَحَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه لَكِنْ يُرَدُّ عَلَى الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُرُودِ شَيْءٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَصِيرَ مَوْضُوعًا لِذَلِكَ الْمَعْنَى فِي الشَّرْعِ أَوْ الْعُرْفِ فَإِنَّ الْكِتَابَ الْعَزِيزَ يَرِدُ بِالْكِنَايَاتِ الْقَرِيبَةِ وَالْبَعِيدَةِ كَمَا يَرِدُ بِالْحَقَائِقِ وَالْمَجَازِ كَثِيرٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى جِدًّا وَيُعْتَمَدُ فِي حُكْمِهِ عَلَى الْقَرَائِنِ وَالتَّصْرِيحُ بِالْمُرَادِ وَحِينَئِذٍ لَا يَلِيقُ أَنْ يُجْعَلَ مَا وَرَدَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى كَيْفَ كَانَ مَوْضُوعًا لِذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي وَرَدَ فِيهِ وَلَا يَحْسُنُ الِاسْتِدْلَال بِمُجَرَّدِ الْوُرُودِ عَلَى الصَّرَاحَةِ وَالْوَضْعِ نَعَمْ يَحْسُنُ الِاسْتِدْلَال بِالْوُرُودِ عَلَى الْمَشْرُوعِيَّةِ.
أَمَّا الْوَضْعُ فَلَا فَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى أَنَّ الْمُدْرَكَ هُوَ الِاشْتِهَارُ الْعُرْفِيُّ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ الِانْطِلَاقُ صَرِيحًا.
وَإِنْ كَانَ فِيهِ الطَّاءُ وَاللَّامُ وَالْقَافُ وَفِيهِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
الشَّأْنُ فَإِنَّ اللَّفْظَ إذَا كَانَ مَوْضُوعًا فِي اللُّغَةِ لِمَعْنًى وَكَانَ لَفْظٌ آخَرُ فِيهَا مَوْضُوعًا فِيهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ الْمَعْنَى، ثُمَّ صَارَ فِي الْعُرْفِ مَنْقُولًا لَهُ فَلَا فَرْقَ فَإِنَّ النَّقْلَ الْعُرْفِيَّ كَالْوَضْعِ الْأَصْلِيِّ وَيَصِيرُ إذْ ذَاكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ اللَّفْظَيْنِ صَرِيحًا فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى وَإِنْ لَمْ يَصِرْ اللَّفْظُ الثَّانِي مَنْقُولًا لِذَلِكَ الْمَعْنَى وَلَكِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِيهِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ وَالتَّجَوُّزِ فَهَا هُنَا يَكُونُ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ فَرْقٌ يَكُونُ الْأَوَّلُ صَرِيحًا وَالثَّانِي كِنَايَةً فَيَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ الْمُعَيِّنَةِ لَهُ لِذَلِكَ الْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ (وَإِلَيْهِ جَنَحَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَكِنْ يَرُدُّ عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُرُودِ شَيْءٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَصِيرَ مَوْضُوعًا لِذَلِكَ الْمَعْنَى فِي الشَّرْعِ أَوْ الْعُرْفِ) ، قُلْت بَلْ إذَا وَرَدَ شَيْءٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَذَلِكَ فِي الشَّرْعِ أَوْ الْعُرْفِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَصْلُ.
قَالَ (فَإِنَّ الْكِتَابَ الْعَزِيزَ يَرِدُ بِالْكِنَايَاتِ إلَى قَوْلِهِ نَعَمْ يَحْصُلُ الِاسْتِدْلَال بِالْوُرُودِ عَلَى الْمَشْرُوعِيَّةِ أَمَّا الْوَضْعُ فَلَا) ، قُلْت لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ يَرِدُ بِالْكِنَايَاتِ وَالْمَجَازَاتِ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ اللَّفْظُ مَوْضُوعًا لِذَلِكَ الْمَعْنَى أَصْلًا أَوْ عُرْفًا، بَلْ مَجَازًا حَتَّى لَا يُسْتَدَلَّ بِوُرُودِهِ عَلَى أَنَّهُ كَذَلِكَ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ أَوْ عُرْفِهَا أَوْ عُرْفِ الشَّرْعِ فَإِنَّ الْكِتَابَ الْعَزِيزَ كَمَا يَرِدُ بِالْكِنَايَاتِ وَالْمَجَازَاتِ يَرِدُ أَيْضًا بِالْحَقَائِقِ وَهِيَ الْأَصْلُ حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى التَّجَوُّزِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (فَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى أَنَّ الْمُدْرَكَ هُوَ الِاشْتِهَارُ الْعُرْفِيُّ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ الِانْطِلَاقُ صَرِيحًا وَإِنْ كَانَ فِيهِ الطَّاءُ وَاللَّامُ وَالْقَافُ إلَى قَوْلِهِ انْطَلِقِي مِنِّي وَأَنْتِ مُنْطَلِقَةٌ)
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
حِكَايَاتٍ وَأُمُورًا كَثِيرَةً وَلَا يَقْضِي بِصِحَّتِهَا فَكَذَلِكَ هُنَا وَإِذَا كَانَ عليه السلام حَكَمَ بِالْوَحْيِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ حُجَّةً عَلَيْنَا هَاهُنَا فَإِنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ لَيْسَ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْوَحْيِ بَلْ ظَاهِرُ الْأَمْرِ خِلَافُهُ فَظَهَرَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ هَذَا مُدْرَكٌ صَحِيحٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ مِنْ بَابِ الْحَزْرِ الْبَاطِلِ كَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُنَّ مِنْ النِّسَاءِ وَقَاعِدَةُ مَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُنَّ]
(الْفَرْقُ الْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُنَّ مِنْ النِّسَاءِ وَقَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُنَّ)
فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِابْنِ رُشْدٍ الْحَفِيدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِعَقْدِ نِكَاحٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] وَكَذَلِكَ اتَّفَقُوا فِيمَا أَعْلَمُ عَلَى تَحْرِيمِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا لِثُبُوتِ ذَلِكَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَتَوَاتُرِهِ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام مِنْ أَنَّهُ قَالَ عليه الصلاة والسلام «لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا» وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْعَمَّةَ هَاهُنَا هِيَ كُلُّ أُنْثَى هِيَ أُخْتٌ لِذَكَرٍ لَهُ عَلَيْك وِلَادَةٌ إمَّا بِنَفْسِهِ وَإِمَّا بِوَاسِطَةِ ذَكَرٍ آخَرَ وَأَنَّ الْخَالَةَ هِيَ كُلُّ أُنْثَى هِيَ أُخْتٌ لِكُلِّ أُنْثَى لَهَا عَلَيْك وِلَادَةٌ إمَّا بِنَفْسِهَا وَإِمَّا بِتَوَسُّطِ أُنْثَى غَيْرِهَا وَهُنَّ الْحُرَّاتُ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ وَاخْتَلَفُوا أَوَّلًا فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَالْفُقَهَاءُ عَلَى مَنْعِهِ وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى إبَاحَةِ ذَلِكَ وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ أَنَّ عُمُومَ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] مُعَارِضٌ لِعُمُومِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي آخِرِ الْآيَةِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ لِجَمِيعِ مَا تَضَمَّنَتْهُ الْآيَةُ مِنْ التَّحْرِيمِ إلَّا مَا وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِيهِ أَيْ: مِنْ الْمُحَرَّمِ بِالْمُصَاهَرَةِ فَيَخْرُجُ مِنْ عُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] مِلْكُ الْيَمِينِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَعُودَ إلَّا إلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ فَيَبْقَى قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] عَلَى عُمُومِهِ وَلَا سِيَّمَا إنْ عَلَّلْنَا ذَلِكَ بِعِلَّةِ الْأُخُوَّةِ أَوْ بِسَبَبٍ مَوْجُودٍ فِيهِمَا وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِهَذَا الْقَوْلِ أَعْنِي مَنْعَ الْجَمْعِ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ وَبَقَاءِ {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] عَلَى عُمُومِهِ فِيمَا إذَا كَانَتْ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ بِنِكَاحٍ وَالْأُخْرَى بِمِلْكِ يَمِينِ فَمَنَعَهُ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَجَازَهُ الشَّافِعِيُّ.
وَاخْتَلَفُوا ثَانِيًا فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ هَلْ هُوَ خَاصٌّ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ فَقَطْ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَعَلَيْهِ فَالتَّحْرِيمُ لَا يَتَعَدَّى إلَى مَنْ نَصَّ عَلَيْهِ أَوْ هُوَ خَاصٌّ وَالْمُرَادُ بِهِ الْعُمُومُ وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِهَذَا فِي تَفْسِيرِ الْعُمُومِ فَقَالَ قَوْمٌ يُفَسَّرُ الْعُمُومُ بِالْجَمْعِ بَيْنَ كُلِّ امْرَأَتَيْنِ بَيْنَهُمَا رَحِمٌ مُحَرَّمَةٌ أَوْ غَيْرُ مُحَرَّمَةٍ فَعِنْدَ هَؤُلَاءِ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ ابْنَتِي عَمٍّ أَوْ عَمَّةٍ وَلَا بَيْنَ
مَعْنَى إزَالَةِ الْقَيْدِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَهِرَ هُوَ الطَّلَاقُ دُونَ الِانْطِلَاقِ، وَكَذَلِكَ أَطْلَقْتُك وَانْطَلَقْت مِنْك وَانْطَلِقِي مِنِّي وَأَنْتِ مُنْطَلِقَةٌ، وَقَدْ خَالَفْنَا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رضي الله عنهما فِي أَنَا طَالِقٌ مِنْك؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحْبُوسًا بِالنِّكَاحِ، بَلْ هِيَ الْمَحْبُوسَةُ وَقِيَاسًا عَلَى قَوْلِهِ أَنَا طَالِقٌ فَلَوْ كَانَ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ لَوَقَعَ كَالْمَرْأَةِ؛ وَلِأَنَّ الرَّجُلَ لَا يُوصَفُ بِهِ فَلَا يُقَالُ زَيْدٌ مُطَلَّقٌ وَنَقَلَ الْبَاجِيَّ فِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مِنَّا ذَلِكَ وَوَافَقَ الْمَشْهُورَ الشَّافِعِيُّ
(وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ) أَنَّهُ مَحْبُوسٌ عَنْ عَمَّتِهَا وَأُخْتِهَا وَالزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعِ وَالنَّفَقَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا هُوَ لَازِمٌ فَيَخْرُجُ عَنْ لُزُومِهِ
(وَعَنْ الثَّانِي) أَنَّ وَصْفَهُ بِطَالِقٍ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ عَنْ امْرَأَةٍ فَلَمْ يُعَيِّنْهَا اللَّفْظُ، وَإِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ عِصْمَتِهِ لِتَعَذُّرِ تَعَدُّدِ الْأَزْوَاجِ دُونَ الزَّوْجَاتِ
(وَعَنْ الثَّالِثِ) أَنَّ مُطَلَّقٌ اسْمُ مَفْعُولٍ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمُقْتَضِي لِطَلَاقِهِ غَيْرَهُ وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ أَنْتِ مُطْلَقَةٌ بِسُكُونِ الطَّاءِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا إلَّا بِالنِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِالنِّسَاءِ وَهُوَ مُتَّجَهٌ، وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنْتِ الطَّلَاقُ كِنَايَةٌ؛ لِأَنَّ التَّعْبِيرَ بِالْمَصْدَرِ عَنْ اسْمِ الْفَاعِلِ مَجَازٌ فَيَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ
(وَجَوَابُهُ) أَنَّهُ مَجَازٌ تَعَيَّنَ بِقَرِينَةٍ تَعَذَّرَ أَنَّهَا عَيْنُ الطَّلَاقِ، وَإِذَا تَعَيَّنَ لِاسْمِ الْفَاعِلِ اسْتَغْنَى بِذَلِكَ عَنْ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ مَانِعٌ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
، قُلْت فِيهِ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ الِاشْتِقَاقِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ رَدُّهُ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَكُونُ صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً صَحِيحٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الِانْطِلَاقَ لَيْسَ مِنْ الطَّلَاقِ وَإِنْ كَانَا مِنْ مَادَّةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ (وَقَدْ خَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فِي أَنَا طَالِقٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحْبُوسًا بِالنِّكَاحِ إلَى آخِرِ جَوَابِهِ الْأَوَّلِ) لَيْسَ مَعْنَى الطَّلَاقِ مَعْنَى الِانْطِلَاقِ حَتَّى يَلْزَمَ مَا جَاوَبَ بِهِ، بَلْ الطَّلَاقُ حِلُّ الْعِصْمَةِ فَقَطْ وَهُوَ أَمْرٌ يَصْدُرُ مِنْ الرَّجُلِ وَيَقَعُ بِالْمَرْأَةِ فَإِذَا قَالَ أَنَا طَالِقٌ مِنْك فَقَدْ عَكَسَ الْمَعْنَى فَالظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ (وَعَنْ الثَّانِي إلَى آخِرِهِ) ، قُلْت هُوَ جَوَابٌ ضَعِيفٌ فَإِنَّهُ لَا يَكَادُ يَخْطِرُ بِالْبَالِ قَالَ
(وَعَنْ الثَّالِثِ إلَى آخِرِهِ) ، قُلْت وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُتَعَذِّرًا حَقِيقَةً، فَلَيْسَ بِمُتَعَذِّرٍ مَجَازًا قَالَ (وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ أَنْتِ مُطْلَقَةٌ بِسُكُونِ الطَّاءِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا إلَّا بِالنِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِالنِّسَاءِ وَهُوَ مُتَّجَهٌ) ، قُلْت هُوَ كَمَا قَالَ، ثُمَّ قَالَ (وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنْتِ الطَّلَاقُ إلَى آخِرِ جَوَابِهِ) ، قُلْت الْأَظْهَرُ مَا قَالَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
ابْنَتَيْ خَالٍ أَوْ خَالَةٍ وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبِنْتِ عَمِّهَا أَوْ بِنْتِ عَمَّتِهَا وَلَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ بِنْتِ خَالَتِهَا وَقَالَ قَوْمٌ يُفَسَّرُ الْعُمُومُ بِالْجَمْعِ بَيْنَ كُلِّ امْرَأَتَيْنِ بَيْنَهُمَا قَرَابَةٌ مُحَرَّمَةٌ أَعْنِي لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذَكَرًا وَالْآخَرُ أُنْثَى لَمْ يَجُزْ لَهُمَا أَنْ يَتَنَاكَحَا وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِهَذَا الْمَعْنَى فَقِيلَ بِاعْتِبَارِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الطَّرَفَيْنِ جَمِيعًا بَلْ كَانَ مِنْ أَحَدِهِمَا فَقَطْ وَعَلَيْهِ فَيُمْنَعُ الْجَمْعُ بَيْنَ امْرَأَةِ الرَّجُلِ وَابْنَتِهِ مِنْ غَيْرِهَا الْمَعْنَى اخْتَارَهُ أَصْحَابُ مَالِكٍ أَنَّ الْمَعْنَى الْمَذْكُورَ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا إذَا كَانَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ جَمِيعًا بِحَيْثُ إنَّهُ إذَا جُعِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ذَكَرًا وَالْآخَرُ أُنْثَى لَمْ يَجُزْ لَهُمَا أَنْ يَتَنَاكَحَا فَيَجُوزُ عِنْدَهُمْ الْجَمْعُ بَيْنَ امْرَأَةِ الرَّجُلِ وَابْنَتِهِ مِنْ غَيْرِهَا لِأَنَّهُ إنْ وَضَعْنَا الْبِنْتَ ذَكَرًا لَمْ يَحِلَّ نِكَاحُ الْمَرْأَةِ مِنْهُ لِأَنَّهَا زَوْجُ أَبِيهِ وَإِنْ جَعَلْنَا الْمَرْأَةَ ذَكَرًا حَلَّ لَهَا نِكَاحُ ابْنَةِ الزَّوْجِ لِأَنَّهَا تَكُونُ ابْنَةَ الْأَجْنَبِيِّ. اهـ
بِتَصَرُّفٍ وَتَوْضِيحٍ وَقَالَ الْأَصْلُ لَا يَكُونُ ضَابِطُ مَا يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُنَّ مَانِعًا مِنْ انْدِرَاجِ مَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُنَّ كَالْمَرْأَةِ وَابْنَةِ زَوْجِهَا وَالْمَرْأَةِ وَأُمِّ زَوْجِهَا إلَّا إذَا قِيلَ كُلُّ امْرَأَتَيْنِ بَيْنَهُمَا مِنْ النَّسَبِ وَالرَّضَاعِ مَا يَمْنَعُ تَنَاكُحَهُمَا لَوْ قُدِّرَ إحْدَاهُمَا رَجُلًا وَالْأُخْرَى أُنْثَى لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الْوَطْءِ بِعَقْدٍ وَلَا مِلْكٍ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ حَنْبَلٍ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ - إذْ لَوْلَا قَيْدُ النَّسَبِ وَالرَّضَاعِ لَانْدَرَجَ فِيهِ الْمَرْأَةُ وَابْنَةُ زَوْجِهَا وَالْمَرْأَةُ وَأُمُّ زَوْجِهَا فَإِنَّهُ لَوْ فُرِضَ إحْدَاهُمَا رَجُلًا وَالْأُخْرَى امْرَأَةً لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِسَبَبِ أَنَّ الْمَرْأَةَ حِينَئِذٍ إمَّا أُمُّ امْرَأَةِ الرَّجُلِ أَوْ رَبِيبَتُهُ فَتَحْرُمُ عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ وَمَعَ ذَلِكَ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَيَكُونُ الضَّابِطُ بَاطِلًا فَإِذَا قُلْنَا مِنْ النَّسَبِ وَالرَّضَاعِ مَا يَمْنَعُ التَّنَاكُحَ خَرَجَا مِنْ الضَّابِطِ وَبَقِيَ جَيِّدًا. اهـ
قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَمَا عَلَّلَ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ بِسَبَبِ أَنَّ الْمَرْأَةَ حِينَئِذٍ إمَّا امْرَأَةُ الرَّجُلِ أَوْ رَبِيبَتُهُ فَبِاعْتِبَارِ قَوْلِهِ أَمَّا أُمُّ امْرَأَةِ الرَّجُلِ لَا يَصِحُّ إلَّا عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْمَرْأَةَ رَجُلٌ وَأَنَّ أُمَّ زَوْجِهَا زَوْجَتُهُ فَيَتَعَيَّنُ الْمُعَرَّفُ وَهُوَ الْمُضَافُ إلَيْهِ وَحَقُّهُ أَنْ لَا يَتَعَيَّنَ لِأَنَّهُ إذَا تَعَيَّنَ بِتَغَيُّرِ فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ قَوْلِهِ أَوْ رَبِيبَتُهُ فَيَصِحُّ نَظَرًا لِلِاشْتِرَاكِ فِي لَفْظِ رَبِيبَتِهِ فَإِنَّهُ يُقَالُ عَلَى زَوْجَةِ الْأَبِ فِي الْعُرْفِ الْجَارِي الْآنَ وَعَلَى بِنْتِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ. اهـ
قُلْت وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ تَقْدِيرَ أَحَدِ الطَّرْقِينَ أُنْثَى وَالْآخَرِ ذَكَرًا بِدُونِ تَعْيِينٍ لِذَلِكَ الْأَحَدِ كَمَا هُوَ الشَّرْطُ لَا يَتَأَتَّى فِي مَسْأَلَةِ الْمَرْأَةِ وَأُمِّ زَوْجِهَا وَإِنَّمَا يَتَأَتَّى فِي مَسْأَلَةِ الْمَرْأَةِ وَابْنَةِ زَوْجِهَا نَظَرًا لِلِاشْتِرَاكِ فِي لَفْظِ الرَّبِيبَةِ فِي الْعُرْفِ الْجَارِي الْآنَ وَقَدْ عَلِمْت مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الْحَفِيدِ عَدَمَ تَأَتِّي ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْمَرْأَةِ وَابْنَةِ زَوْجِهَا أَيْضًا ثُمَّ لَا يَخْفَاك أَنَّ قَيْدَيْ النَّسَبِ وَالرَّضَاعِ فِي الضَّابِطِ الَّذِي
مِنْ التَّرَدُّدِ، وَالنِّيَّةُ إنَّمَا تَصْلُحُ حَالَةَ التَّرَدُّدِ
(تَنْبِيهٌ) يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ مَا يَقْتَضِي طَلَاقَ الْمَرْأَةِ أَلْبَتَّةَ وَلَا لَفْظَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهَذَا شَيْءٌ لَا يَكَادُ يَخْطِرُ بِالْبَالِ وَبَيَانُهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا هَذَا أَعْظَمُ مَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ صَرِيحٌ لُغَةً، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هَذَا لَا يُوجِبُ طَلَاقًا أَلْبَتَّةَ بِسَبَبِ أَنَّ اللُّغَةَ إنَّمَا تَقْتَضِي أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ وَضَعَتْهَا الْعَرَبُ لِلْإِخْبَارِ، وَهَذَا هُوَ أَصْلُ الْوَضْعِ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا كَذِبًا لَا عِبْرَةَ بِهِ وَالطَّلَاقُ لَا يَلْزَمُ بِالْخَبَرِ الْكَذِبِ إجْمَاعًا وَمِنْ هَاهُنَا افْتَرَقَ النَّاسُ فَرِيقَيْنِ
(أَحَدُهُمَا) الْحَنَفِيَّةُ قَالَتْ هِيَ بَاقِيَةٌ إخْبَارَاتٍ عَلَى حَالِهَا وَإِنَّمَا الشَّرْعُ يُقَدِّرُ وُقُوعَ مُخْبَرِهَا قَبْلَ النُّطْقِ بِهَا بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ لِضَرُورَةِ تَصْدِيقِهِ، وَإِذَا صَارَ صَادِقًا لَزِمَهُ مَا نَطَقَ بِهِ مِنْ الطَّلَاقِ، وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي صِيَغِ الْعِتْقِ وَجَمِيعِ صِيَغِ الْعُقُودِ مِنْ بِعْت وَاشْتَرَيْت وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَالْفَرِيقُ الْآخَرُ) وَهُوَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ يَقُولُونَ هَذِهِ الصِّيَغُ انْتَقَلَتْ فِي الْعُرْفِ عَنْ الْخَبَرِ لِإِنْشَاءِ الطَّلَاقِ وَيَلْزَمُ الطَّلَاقُ بِالْإِنْشَاءِ وَمَتَى قُصِدَ الْخَبَرُ وَعُدِلَ عَنْ الْإِنْشَاءِ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ الْعُرْفُ لَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ فَهَذِهِ هِيَ الْمَذَاهِبُ الْوَاقِعَةُ فِي هَذِهِ الصِّيَغِ كُلِّهَا وَيَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي اللُّغَةِ لَفْظَةٌ وَاحِدَةٌ تَقْتَضِي وُقُوعَ الطَّلَاقِ مِنْ حَيْثُ هِيَ لُغَوِيَّةٌ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ التَّقْدِيرِ كَمَا قَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ أَوْ النَّقْلِ كَمَا قَالَهُ غَيْرُهُمْ.
وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَيَلْزَمُ عَلَى رَأْيِ الْحَنَفِيَّةِ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ الطَّلَاقِ صَرِيحًا مُسْتَغْنِيًا عَنْ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَدُلُّ لُغَةً عَلَى الْإِخْبَارِ عَنْ إزَالَةِ قَيْدِ النِّكَاحِ بِخُصُوصِهِ، بَلْ عَلَى إزَالَةِ قَيْدٍ كَيْفَ كَانَ قَيْدُ النِّكَاحِ أَوْ قَيْدُ الْحَدِيدِ أَوْ غَيْرُهُمَا فَلَا يَنْصَرِفُ لِقَيْدِ النِّكَاحِ إلَّا بِالنِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ إخْبَارًا عَنْهُ بِخُصُوصِهِ فَصَارَ كِنَايَةً وَصَارَتْ الْأَلْفَاظُ بِجُمْلَتِهَا كِنَايَةً
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ
(تَنْبِيهٌ إلَى قَوْلِهِ أَوْ النَّقْلُ كَمَا قَالَهُ غَيْرُهُمْ) ، قُلْت لَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الصِّيَغَ وَقَعَتْ فِي الِاسْتِعْمَالِ اللُّغَوِيِّ إخْبَارَاتٌ وَوَقَعَتْ فِيهِ إنْشَاءَاتٌ وَمَا قَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَلَكِنْ يَبْقَى النَّظَرُ فِي كَوْنِهَا مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْخَبَرِ وَالْإِنْشَاءِ أَوْ مَنْقُولَةً مِنْ الْخَبَرِ إلَى الْإِنْشَاءِ وَكِلَاهُمَا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّهَا مُشْتَرَكَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ (وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَيَلْزَمُ عَلَى رَأْيِ الْحَنَفِيَّةِ أَنْ لَا يَكُونَ لَفْظُ الطَّلَاقِ صَرِيحًا إلَى قَوْلِهِ لَمْ يَقْصِدْ الْإِخْبَارَ عَنْ زَوَالِ الْعِصْمَةِ) ، قُلْت إنْ قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ مِثْلَ قَوْلِهِ مِنْ أَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ لَا يَدُلُّ عَلَى زَوَالِ قَيْدِ الْعِصْمَةِ بِخُصُوصِهِ لَزِمَهُمْ مَا أَلْزَمَهُمْ وَإِلَّا فَلَا
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
قَالَهُ الْأَصْلُ يُغْنِي عَنْهُمَا فِي إخْرَاجِ الْمَسْأَلَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ قَوْلُهُ لَوْ قُدِّرَ أَحَدُهُمَا رَجُلًا إلَخْ حَيْثُ جُعِلَ مِنْ تَتِمَّةِ الضَّابِطِ عَلَى أَنَّهُ بِالْقَدْرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لَا يَمْنَعُ انْدِرَاجَ مَسْأَلَةٍ مَا إذَا كَانَتْ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ بِنِكَاحٍ وَالْأُخْرَى بِمِلْكِ يَمِينٍ مَعَ أَنَّهَا خَارِجَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ كَمَا عَلِمْت مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَالْأَصْلُ قَدْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ ضَابِطٌ لِمَا يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُنَّ فِي الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ بِإِنْصَافٍ هَذَا وَيَتَعَلَّقُ بِمَنْعِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ الَّذِي أَدْرَجَهُ الْأَصْلُ فِي ضَابِطِ مَا يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُنَّ فِي الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ مَسْأَلَتَانِ تَحْتَاجَانِ إلَى تَدْقِيقٍ فِي الْبَحْثِ قَالَ الْأَصْلُ: فَلِذَلِكَ أَفْرَدْتهمَا عَنْ سَائِرِ الْمَسَائِلِ الَّتِي فِي الْبَابِ
(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى)
اخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ فِيمَا إذَا أَبَانَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ هَلْ تَحِلُّ لَهُ فِي عِدَّتِهَا أُخْتُهَا وَالْخَامِسَةُ نَظَرًا لِانْقِطَاعِ الْعِصْمَةِ وَالْمَوَارِيثِ بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا الْعِدَّةُ لِحِفْظِ الْأَنْسَابِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رضي الله عنهما أَوْ لَا تَحِلُّ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ لِأَمْرَيْنِ
(أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْعِدَّةَ مِنْ آثَارِ النِّكَاحِ
(وَثَانِيهِمَا) قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَجْمَعْ مَاءَهُ فِي رَحِمِ أُخْتَيْنِ» وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ حَنْبَلٍ رضي الله عنهما
(وَأَجَابَ) الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَنْ الْأَمْرَيْنِ بِأَنَّ لُحُوقَ الْوَلَدِ بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ آثَارِ النِّكَاحِ وَلَا قَائِلَ بِالتَّحْرِيمِ إلَى تِلْكَ الْغَايَةِ وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ الِاخْتِصَاصُ بِالزَّوْجِ حَتَّى تَحْصُلَ الْقَطِيعَةُ بَيْنَ الْأَقَارِبِ بِسَبَبِ الْجَمْعِ وَهُوَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَنْفِيٌّ
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ عُثْمَانُ رضي الله عنه أَحَلَّتْ الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ آيَةٌ وَهِيَ قَوْله تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] وَذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْآيَتَيْنِ أَعَمُّ مِنْ الْأُخْرَى مِنْ وَجْهٍ وَأَخَصُّ مِنْ وَجْهٍ فَتَسْتَوِيَانِ لِتَنَاوُلِ الْأُولَى الْمَمْلُوكَتَيْنِ وَالْحُرَّتَيْنِ وَتَتَنَاوَلُ الثَّانِيَةُ الْأُخْتَيْنِ وَغَيْرَهُمَا وَلَكِنْ تَرْجِيحُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ التَّحْرِيمَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ
(أَحَدُهَا) أَنَّ الْأُولَى سِيقَتْ لِلتَّحْرِيمِ فَيُسْتَدَلُّ بِهَا فِيهِ وَالثَّانِيَةَ سِيقَتْ لِلْمَدْحِ بِحِفْظِ الْفُرُوجِ فَلَا يُسْتَدَلُّ بِهَا فِي التَّحْرِيمِ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْكَلَامَ إذَا سِيقَ لِمَعْنًى لَا يُسْتَدَلُّ بِهِ فِي غَيْرِهِ فَتَكُونُ آيَةُ التَّحْرِيمِ سَالِمَةً عَنْ الْمُعَارَضَةِ بِالْآيَةِ الثَّانِيَةِ فَتَقَدَّمَ وَقَدْ مَرَّ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الْحَفِيدِ مَا يَتَعَلَّقُ بِمُعَارَضَةِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي قَوْله تَعَالَى {إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] لِلْآيَةِ الْأُولَى فَلَا تَغْفُلْ
(وَثَانِيهِمَا) أَنَّ الْأُولَى لَمْ يُجْمَعْ عَلَى تَخْصِيصِهَا وَالثَّانِيَةَ أُجْمِعَ عَلَى تَخْصِيصِهَا مِمَّا لَا يَقْبَلُ الْوَطْءَ مِنْ الْمَمْلُوكَاتِ وَبِمَا يَقْبَلُهُ لَكِنَّهُ مُحَرَّمُ إجْمَاعًا كَالذُّكُورِ وَأَخَوَاتِ الرَّضَاعَةِ وَمَوْطُوءَاتِ الْآبَاءِ مِنْ الْإِمَاءِ