الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَيْهِ إذَا أَشْبَهَتْ مِهْنَتَهُ دُونَ مَالِهِ وَلَفْظُ الشَّجَرِ تَتْبَعُهُ الْأَرْضُ وَاسْتِحْقَاقُ الْبِنَاءِ مَغْرُوسًا وَالثَّمَرَةُ غَيْرُ الْمُوَبَّرَةِ دُونَ الْمُوَبَّرَةِ، وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ لَا تَنْدَرِجُ الْأَرْضُ فِي لَفْظِ الشَّجَرِ وَوَافَقَنَا الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ فِي الثِّمَارِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هِيَ لِلْبَائِعِ مُطْلَقًا وَفِي الْمُوَطَّإِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُبْتَاعُ» ، وَمَفْهُومُهُ يَقْتَضِي أَنَّهَا إذَا لَمْ تُوَبَّرْ لِلْمُبْتَاعِ؛ لِأَنَّهُ عليه السلام إنَّمَا جَعَلَهَا لِلْبَائِعِ بِشَرْطِ الْإِبَارِ فَإِذَا انْتَفَى الشَّرْطُ انْتَفَى الْمَشْرُوطُ فَالْأَوَّلُ مَفْهُومُ الصِّفَةِ وَالثَّانِي مَفْهُومُ الشَّرْطِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ لَا يَرَوْنَ الْمَفْهُومَ حُجَّةً فَلَا يُحْتَجُّ عَلَيْهِمْ بِهِ، بَلْ نَقِيسُ الثَّمَرَةَ عَلَى الْجَنِينِ إذَا خَرَجَ لَمْ يَتْبَعْ وَإِلَّا اتَّبَعَ أَوْ نَقِيسُهَا عَلَى اللَّبَنِ قَبْلَ الْحِلَابِ، وَاسْتِتَارُ الثِّمَارِ فِي الْأَكْمَامِ كَاسْتِتَارِ الْأَجِنَّةِ فِي الْأَرْحَامِ وَاللَّبَنِ فِي الضُّرُوعِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
قِصَاصُ النَّفْسِ مِمَّا يَنْتَقِلُ لِلْوَارِثِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا لِلْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُورَثِ فَمِنْ هُنَا لَمَّا كَانَ اللِّعَانُ يَرْجِعُ إلَى أَمْرٍ يَعْنِي الْمَوْرُوثَ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ غَالِبًا وَالِاعْتِقَادَاتُ لَيْسَتْ مِنْ بَابِ الْمَالِ وَكَانَتْ الْفَيْئَةُ شَهْوَتَهُ وَالْعَوْدُ إرَادَتَهُ.
وَكَانَ اخْتِيَارُ نَحْوِ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ مُتَعَلِّقًا بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ النِّسْوَةَ إرَبُهُ وَمَيْلُهُ وَكَانَ قَضَاؤُهُ عَلَى الْمُتَبَايِعَيْنِ عَقْلَهُ وَفِكْرَتَهُ وَرَأْيَهُ، وَكَذَا سَائِرُ مَنَاصِبِهِ وَوِلَايَاتِهِ وَآرَائِهِ وَاجْتِهَادَاتِهِ وَكَانَتْ أَفْعَالُهُ الدِّينِيَّةُ هِيَ دِينُهُ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْحُقُوقِ وَإِنْ كَانَتْ لِلْمَوْرُوثِ بِمُنْتَقِلٍ لِوَارِثِهِ عِنْدَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ إذْ مِنْ حُقُوقِ الْإِنْسَانِ أَنْ يُلَاعِنَ عِنْدَ سَبَبِ اللِّعَانِ وَأَنْ يَفِيءَ بَعْدَ الْإِيلَاءِ وَأَنْ يَعُودَ بَعْدَ الظِّهَارِ وَأَنْ يَخْتَارَ مِنْ نِسْوَةٍ إذَا أَسْلَمَ عَلَيْهِنَّ وَهُنَّ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ وَأَنْ يَخْتَارَ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ إذَا أَسْلَمَ عَلَيْهِمَا وَمِنْ حَقِّهِ إذَا جَعَلَ الْمُتَبَايِعَانِ لَهُ الْخِيَارَ أَنْ يَمْلِكَ إمْضَاءَ الْبَيْعِ عَلَيْهِمَا وَفَسْخَهُ وَمِنْ حَقِّهِ مَا فُوِّضَ إلَيْهِ مِنْ الْوِلَايَاتِ وَالْمَنَاصِبِ كَالْقِصَاصِ وَالْإِمَامَةِ وَالْخَطَابَةِ وَالْإِفْتَاءِ وَغَيْرِهَا وَكَالْأَمَانَةِ وَالْوَكَالَةِ وَمِنْ حَقِّهِ جَمِيعُ أَفْعَالِهِ الدِّينِيَّةِ فَلَا يَنْتَقِلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِلْوَارِثِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِثْ مُسْتَنِدَهُ وَأَصْلَهُ، وَكَذَلِكَ خِيَارُ الْهِبَةِ فِي الْأَبِ لِلِابْنِ بِالِاعْتِصَارِ وَخِيَارِ الْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ وَالطَّلَاقِ بِأَنْ يَقُولَ طَلِّقْ امْرَأَتِي مَتَى شِئْت فَيَمُوتُ الْمَقُولُ لَهُ وَلَمَّا كَانَ نَحْوُ خِيَارِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَخِيَارِ تَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ وَحَقِّ الْقِصَاصِ وَحَقِّ الرَّهْنِ وَحَبْسِ الْمَبِيعِ وَخِيَارِ مَا وُجِدَ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْغَنِيمَةِ فَمَاتَ رَبُّهُ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ أَخْذَهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ مِنْ حُقُوقِ الْمَوْرُوثِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَالِ قَطْعًا كَانَ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ مِنْ الْحُقُوقِ الْمُنْتَقِلَةِ لِلْوَارِثِ قَطْعِيًّا وَلَمَّا كَانَ خِيَارُ الشَّرْطِ فِي الْمَبِيعَاتِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَتَرَدَّدُ بَيْنَ كَوْنِهِ صِفَةً لِلْعَقْدِ أَوْ صِفَةً لِلْعَاقِدِ اخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ فِي انْتِقَالِهِ لِلْوَارِثِ وَعَدَمِ انْتِقَالِهِ فَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رضي الله عنهما إلَى انْتِقَالِهِ لِأَنَّهُ صِفَةُ الْعَقْدِ وَأَثَرٌ مِنْ آثَارِهِ فَيَنْتَقِلُ مَعَهُ لِلْوَارِثِ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رضي الله عنهما إلَى عَدَمِ انْتِقَالِهِ لِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ
(الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) أَنَّهُ صِفَةٌ لِلْعَاقِدِ لِأَنَّهَا مَشِيئَتُهُ وَاخْتِيَارُهُ فَتَبْطُلُ بِمَوْتِهِ كَمَا تَبْطُلُ سَائِر صِفَاتِهِ وَجَوَابُهُ إنَّ اخْتِيَارَهُ وَإِنْ كَانَتْ صِفَتُهُ إلَّا أَنَّهَا صِفَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَالِ كَاخْتِيَارِهِ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ وَأَنْوَاعَ الِانْتِفَاعِ فِي الْمَالِ فَيَنْتَقِلُ كَمَا يَنْتَقِلُ جَمِيعُ ذَلِكَ تَبَعًا لِلْمَالِ
(الْوَجْهُ الثَّانِي) إنَّ الْأَجَلَ فِي الثَّمَنِ لَا يُورَثُ فَكَذَلِكَ فِي الْخِيَارِ وَجَوَابُهُ إنَّ الْأَجَلَ مَعْنَاهُ تَأْخِيرُ الْمُطَالَبَةِ وَتَأْخِيرُ الْمُطَالَبَةِ صِفَةً لِلدَّيْنِ فَلَا جَرَمَ أَنَّ الدَّيْنَ لَمَّا انْتَقَلَ لِلْوَارِثِ انْتَقَلَ مُؤَجَّلًا ضَرُورَةَ أَنَّ الصِّفَةَ تَنْتَقِلُ لِمَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ الْمَوْصُوفُ، وَكَذَلِكَ هَاهُنَا فَهَذَا لَنَا لَا عَلَيْنَا
(الْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّ الْبَائِعَ رَضِيَ بِخِيَارٍ وَاحِدٍ فَكَيْفَ تُثْبِتُونَهُ أَنْتُمْ لِجَمَاعَةٍ لَمْ يَرْضَ بِهِمْ وَهُمْ الْوَرَثَةُ مَعَ أَنَّ الْوَاجِبَ أَنْ لَا يَتَعَدَّى الْخِيَارُ مَنْ اُشْتُرِطَ لَهُ كَمَا لَا يَتَعَدَّى الْأَجَلُ مَنْ اُشْتُرِطَ لَهُ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِخِيَارِ التَّعْيِينِ وَبِشَرْطِ الْخِيَارِ لَلْأَجْنَبِيّ، وَقَدْ أَثْبَتُوهُ لِلْوَارِثِ وَبِمَا إذَا جَنَى فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى الْوَلِيِّ مَا لَمْ يُوصِ بِهِ الْبَائِعُ هَذَا تَهْذِيبُ مَا فِي الْأَصْلِ مِنْ تَلْخِيصِ هَذَا الْفَرْقِ بِبَيَانِ سِرِّهِ وَمَدَارِكِهِ وَالْخِلَافُ فِيهِ وَسَلَّمَهُ الْإِمَامُ ابْنُ الشَّاطِّ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ]
(الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالتِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ)
قَالَ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ يَتَحَصَّلُ فِي اشْتِرَاطِ قَبْضِ الْمَبِيعِ، وَمَنْعِ الْبَيْعِ قَبْلَ قَبْضِهِ سَبْعَةُ أَقْوَالٍ
(الْأَوَّلُ وَالثَّانِي) رِوَايَتَانِ عَنْ مَالِكٍ رضي الله عنه أَشْهَرُهُمَا اشْتِرَاطُهُ فِي الطَّعَامِ بِإِطْلَاقٍ فَيَمْتَنِعُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى اشْتِرَاطُهُ فِي الرِّبَوِيِّ فَقَطْ فَيَجُوزُ بَيْعُ غَيْرِ الرِّبَوِيِّ مِنْ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ
(الثَّالِثُ) لِأَحْمَدَ وَأَبِي ثَوْرٍ اشْتِرَاطُهُ فِي الطَّعَامِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ أَيْ وَالْمَعْدُودِ
(الرَّابِعُ) لِأَبِي حَنِيفَةَ اشْتِرَاطُهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ يُنْقَلُ أَمَّا الْمَبِيعَاتُ الَّتِي لَا تَنْتَقِلُ وَلَا تُحَوَّلُ وَهِيَ الدُّورُ وَالْعَقَارُ فَيَجُوزُ فِيهَا الْبَيْعُ قَبْلَ الْقَبْضِ
(الْخَامِسُ) لِلشَّافِعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ اشْتِرَاطُهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَلَوْ كَانَ مِمَّا لَا يُنْقَلُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَابْنِ عَبَّاسٍ.
(السَّادِسُ) لِأَبِي عُبَيْدٍ وَإِسْحَاقَ اشْتِرَاطُهُ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَكُلُّ شَيْءٍ لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ فَلَا بَأْسَ بِبَيْعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ
(السَّابِعُ) لِابْنِ حَبِيبٍ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَرَبِيعَةَ اشْتِرَاطُهُ
أَوْ نَقِيسُهَا عَلَى الْأَغْصَانِ وَالْوَرَقِ وَنَوَى التَّمْرِ.
وَهَذِهِ الْأَقْيِسَةُ أَقْوَى مِنْ قِيَاسِهِمْ بِكَثِيرٍ لِقُوَّةِ جَامِعِهَا، وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ غَيْرَ الْمُؤَبَّرِ عَلَى الْمُؤَبَّرِ فَفَارِقُهُ ظَاهِرٌ وَجَامِعُهُ ضَعِيفٌ وَلَفْظُ إطْلَاقِ الثِّمَارِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ يَقْتَضِي عِنْدَنَا التَّبْقِيَةَ بَعْدَ الزَّهْوِ.
وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقْتَضِي الْقَطْعَ كَسَائِرِ الْمَبِيعَاتِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْجَهَالَةِ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْعَقْدَ مُعَارَضٌ بِالْعَادَةِ وَمِثْلُ هَذِهِ الْجَهَالَةِ لَا تَقْدَحُ فِي الْعُقُودِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى طَعَامًا كَثِيرًا فَإِنَّهُ يُؤَخِّرُهُ زَمَانًا طَوِيلًا لِقَبْضِهِ وَتَحْوِيلِهِ وَيَبِيعُ الدَّارَ فِيهَا الْأَمْتِعَةُ الْكَثِيرَةُ لَا يُمْكِنُ خُلُوُّهَا إلَّا فِي زَمَانٍ طَوِيلٍ وَلَفْظُ الْمُرَابَحَةِ عِنْدَنَا يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ صَنْعَةٍ قَائِمَةٍ كَالصَّبْغِ وَالْخِيَاطَةِ وَالْكِمَادِ وَالطَّرْزِ وَالْفَتْلِ وَالْغَسْلِ يُحْسَبُ وَيُحْسَبُ لَهُ رِبْحٌ وَمَا لَيْسَ لَهُ عَيْنٌ قَائِمَةٌ وَلَا يُسَمَّى السِّلْعَةُ ذَاتًا وَلَا سُوقًا لَا يُحْسَبُ وَلَا يُحْسَبُ لَهُ رِبْحٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِلْ لِلْمُشْتَرِي وَلَا يُقَابَلُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ اهـ.
مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ نَعَمْ يُؤْخَذُ تَقْيِيدُ أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ بِمَا إذَا كَانَ فِي الطَّعَامِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ مِنْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدَدٍ مِنْ قَوْلِهِ بَعْدُ وَرَخَّصَ مَالِكٌ فِيمَا بِيعَ مِنْ الطَّعَامِ جُزَافًا أَنْ يُبَاعَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَأَجَازَهُ اهـ.
فَتَكُونُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَيْنَ الْقَوْلِ الثَّالِثِ لِابْنِ حَنْبَلٍ وَتَكُونُ الْأَقْوَالُ سِتَّةً لَا سَبْعَةً وَبِالتَّقْيِيدِ وَمُوَافَقَةُ قَوْلِ ابْنِ حَنْبَلٍ صَرَّحَ الْأَصْلُ حَيْثُ قَالَ قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ يَمْتَنِعُ أَيْ فِي مَشْهُورِ مَالِكٍ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ إذَا كَانَ فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ مِنْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدَدٍ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام فِي الصَّحِيحِ «مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ» فَلَا يَجُوزُ لِمَنْ صَارَ إلَيْهِ هَذَا الطَّعَامُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ.
وَأَمَّا مَا بِيعَ جُزَافًا فَيَجُوزُ أَيْ لِمُبْتَاعِهِ بَيْعُهُ قَبْلَ نَقْلِهِ إذَا خَلَّى الْبَائِعُ بَيْنَهُ لِحُصُولِ الِاسْتِيفَاءِ وَوَافَقَ مَشْهُورَ مَالِكٍ هَذَا ابْنِ حَنْبَلٍ رضي الله عنه وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنهما بَيْعَهُ قَبْلَ نَقْلِهِ وَاحْتَجَّا بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما «كُنَّا نَبْتَاعُ الطَّعَامَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيَبْعَثُ عَلَيْنَا مَنْ يَأْمُرُنَا بِنَقْلِهِ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي نَبْتَاعُهُ فِيهِ إلَى مَكَان سِوَاهُ» وَقَوْلُ عُمَرَ رضي الله عنه كُنَّا إذَا ابْتَعْنَا الطَّعَامَ جُزَافًا لَمْ نَبِعْهُ حَتَّى نُحَوِّلَهُ مِنْ مَكَانِهِ وَجَوَابُهُ وَأَنَّ مَالِكًا رَوَى حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ نَافِعٍ بِدُونِ ذِكْرِ الْجُزَافِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ فِي حِفْظِ حَدِيثِ نَافِعٍ عَلَى غَيْرِهِ فَرِوَايَةُ جَمَاعَةٍ وُجُودَ الْجُزَافِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ لَا تَرِدُ عَلَى مَذْهَبِهِ عَلَى أَنَّ الْجُزَافَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لَيْسَ فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ فَهُوَ عِنْدَهُمْ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي بِنَفْسِ الْعَقْدِ نَعَمْ هَذَا مِنْ قَبِيلِ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِالْقِيَاسِ الْمَظْنُونِ لِلْعِلَّةِ فَافْهَمْ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنهما يَمْتَنِعُ التَّصَرُّفُ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ مُطْلَقًا إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ اسْتَثْنَى الْعَقَارَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يُخْشَى انْفِسَاخُهُ بِهَلَاكِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَاحْتَجَّا أَوَّلًا بِأَرْبَعَةِ أَحَادِيثَ
(أَحَدُهَا) قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «وَلَا رِبْحَ مَا لَمْ يَضْمَنْ وَلَا بَيْعَ مَا لَيْسَ عِنْدَك»
(وَثَانِيهَا) حَدِيثُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَشْتَرِي بُيُوعًا فَمَا يَحِلُّ لِي مِنْهَا وَمَا يَحْرُمُ فَقَالَ يَا ابْنَ أَخِي إذَا اشْتَرَيْت بَيْعًا فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ» قَالَ أَبُو عُمَرَ وَحَدِيثُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ. رَوَاهُ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عِصْمَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ قَالَ وَيُوسُفُ بْنُ مَاهَكَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِصْمَةَ لَا أَعْرِفُ لَهُمَا جُرْحَةً إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ فَقَطْ وَذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ بِجُرْحَةٍ وَإِنْ كَرِهَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ
(وَثَالِثُهَا) مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ «نَهْيِهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ»
(وَرَابِعُهَا) مَا رُوِيَ مِنْ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «لَمَّا بَعَثَ عَتَّابَ بْنَ أَسِيدٍ أَمِيرًا عَلَى مَكَّةَ أَمَرَهُ أَنْ يَنْهَاهُمْ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يَقْبِضُوا أَوْ رِبْحِ مَا لَمْ يَضْمَنُوا»
(وَثَانِيًا) بِقِيَاسِ غَيْرِ الطَّعَامِ عَلَى الطَّعَامِ وَجَوَابُ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الْمُرَادُ بِهَا نَهْيُهُ عليه الصلاة والسلام عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَك فَيُنْهَى الْإِنْسَانُ عَنْ بَيْعِ مِلْكِ غَيْرِهِ وَيَضْمَنُ تَخْلِيصَهُ لِأَنَّهُ غَرَرٌ وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ وَالْغَلَّةُ لِلْمُشْتَرِي» .
فَيَكُونُ الضَّمَانُ مِنْهُ فَمَا بَاعَ إلَّا مَضْمُونًا فَلَمْ يَتَنَاوَلْ الْحَدِيثُ مَحَلَّ النِّزَاعِ وَجَوَابُ الثَّانِي أَنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ فَإِنَّ الطَّعَامَ أَشْرَفُ مِنْ غَيْرِهِ لِكَوْنِهِ سَبَبَ قِيَامِ الْبُنْيَةِ وَعِمَادَ الْحَيَاةِ فَشَدَّدَ فِيهِ النِّزَاعَ عَلَى عَادَتِهِ فِي تَكْثِيرِ الشُّرُوطِ فِيمَا عَظُمَ شَرَفُهُ كَاشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ وَالصَّدَاقِ وَالشُّهُودِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ دُونَ عَقْدِ الْبَيْعِ وَشَرْطِهِ فِي مَنْصِبِ الْقَضَاءِ مَا لَمْ يَشْتَرِطْهُ فِي مَنْصِبِ الشَّهَادَةِ قِيلَ وَيَتَأَكَّدُ مَا ذَكَرْنَاهُ مَعَاشِرَ الْمَالِكِيَّةِ بِمَفْهُومِ «نَهْيِهِ عليه الصلاة والسلام عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يُسْتَوْفَى» فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّ غَيْرَ الطَّعَامِ يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] لَكِنْ يُرَدُّ عَلَى تَأْكِيدِهِ بِمَفْهُومِ الْحَدِيثِ أَنَّ الْحَدِيثَ خَاصٌّ بِالطَّعَامِ وَالْأَحَادِيثُ الْأَرْبَعَةُ الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا الْخُصُومُ أَعْنِي الشَّافِعِيَّةَ وَالْأَحْنَافَ عَامَّةٌ فِي الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ وَالْقَاعِدَةُ الْأُصُولِيَّةُ أَنَّ اللَّفْظَ الْعَامَّ لَا يُخَصَّصُ بِذِكْرِ بَعْضِهِ إذْ مِنْ شَرْطِ الْمُخَصِّصِ أَنْ يَكُونَ مُنَافِيًا وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْجُزْءِ وَالْكُلِّ وَلَا يَسْتَقِيمُ الِاعْتِمَادُ فِي