الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالتَّحْرِيمُ وَالنَّدْبُ وَالْكَرَاهَةُ وَالْإِبَاحَةُ كَمَا، قُلْته فِي الْمِلْكِ إنَّهُ مِنْ بَابِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْإِذْنِ وَالْإِبَاحَةِ عِنْدَ أَسْبَابٍ خَاصَّةٍ وَإِبَاحَةٍ خَاصَّةٍ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي ذَلِكَ.
قُلْت الَّذِي يَظْهَرُ لِي وَأَجْزِمُ بِهِ أَنَّ الذِّمَّةَ وَأَهْلِيَّةَ التَّصَرُّفِ مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ دُونَ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَأَنَّهُمَا يَرْجِعَانِ إلَى التَّقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالتَّقَادِيرُ الشَّرْعِيَّةُ هِيَ إعْطَاءُ الْمَوْجُودِ حُكْمَ الْمَعْدُومِ وَالْمَعْدُومِ حُكْمَ الْمَوْجُودِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُهَا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْخِطَابَيْنِ وَالذِّمَّةُ وَأَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ إعْطَاءُ الْمَعْدُومِ حُكْمَ الْمَوْجُودِ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ فِي الْمَحَلِّ مِنْ الصِّفَاتِ الْمَوْجُودَةِ كَالْأَلْوَانِ وَالطُّعُومِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الصِّفَاتِ الْمَوْجُودَةِ وَإِنَّمَا هُوَ نِسْبَةٌ خَاصَّةٌ يُقَدِّرُهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ عِنْدَ سَبَبِهَا مَوْجُودَةً وَهِيَ لَا وُجُودَ لَهَا، بَلْ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ التَّقْدِيرِ فَقَطْ كَمَا يُقَدَّرُ الْمِلْكُ فِي الْعِتْقِ وَهُوَ مَعْدُومٌ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
بِدُونِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ وَالثَّانِي التَّقْيِيدُ فِي قَوْلِهِ عَنْ تَصَرُّفِ غَيْرِهِ فِيهِ بِأَنْ يُقَالَ بِدُونِ اسْتِنَابَتِهِ فَتَأَمَّلْ، وَقَالَ عَقِبَ الْحَدِّ الْمَذْكُورِ فَالشَّيْءُ يَكُونُ مَمْلُوكًا وَلَا يَكُونُ مَرْفُوقًا، وَلَكِنْ لَا يَكُونُ مَرْفُوقًا إلَّا وَيَكُونُ مَمْلُوكًا اهـ يُرِيدُ أَنَّ الْمَمْلُوكَ أَعَمُّ مُطْلَقًا مِنْ الْمَرْفُوقِ، وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ الْحَدُّ وَالْمِلْكُ فِي إصْلَاحِ الْمُتَكَلِّمِينَ حَالَةٌ تَعْرِضُ لِلشَّيْءِ بِسَبَبِ مَا يُحِيطُ بِهِ وَيَنْتَقِلُ بِانْتِقَالِهِ كَالتَّعْمِيمِ وَالتَّقَمُّصِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حَالَةٌ لِشَيْءٍ بِسَبَبِ إحَاطَةِ الْعِمَامَةِ بِرَأْسِهِ وَالْقَمِيصِ بِبَدَنِهِ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَسْبَابِ الْعَقْلِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ]
الْفَرْقُ الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَسْبَابِ الْعَقْلِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ نَحْوُ بِعْت وَاشْتَرَيْت وَأَنْتِ طَالِقٌ وَأَعْتَقْت وَنَحْوَهُ مِنْ الْأَسْبَابِ)
وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى طَرِيقَةِ غَيْرِ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ مِنْ إبْطَالِ الشَّبَهِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ تَقْدِيرُ مُسَبَّبَاتِ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ إلَّا عَقِيبَ آخِرِ حَرْفٍ وَإِنْ عُدِمَتْ جُمْلَةُ الصِّيغَةِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عَادَةً حِينَئِذٍ بِخِلَافِ الْأَسْبَابِ الْعَقْلِيَّةِ فَإِنَّ الْعِلَلَ الْعَقْلِيَّةَ لَا تُوجِبُ مَعْلُولَهَا إلَّا حَالَةَ وُجُودِهَا، وَإِذَا عُدِمَتْ لَا يُوجَدُ مَعْلُولُهَا كَالْعِلْمِ مَعَ الْعَالَمِيَّةِ وَالْإِرَادَةِ مَعَ الْمُرِيدِيَّةِ مِنْ الْعَقْلِيَّاتِ وَالنَّارِ مَعَ الْإِحْرَاقِ وَالْمَاءِ مَعَ الْإِرْوَاءِ مِنْ الْعَادِيَّاتِ.
وَأَمَّا عَلَى طَرِيقَةِ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ رحمه الله مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ حُصُولِ الشَّبَهِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ وَأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ تُوجَدَ الْأَسْبَابُ الشَّرْعِيَّةُ حُكْمًا إذَا عُدِمَ آخِرُ جُزْءٍ مِنْهَا حَتَّى عُدِمَتْ جُمْلَتُهَا، بَلْ تُقَدَّرُ مُسَبَّبَاتُ هَذِهِ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ مَعَ آخِرِ حُرُوفِهَا حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْمُسَبَّبُ حَالَةَ وُجُودِ سَبَبِهِ لَا حَالَةَ عَدَمِهِ؛ لِأَنَّ وُجُودَ آخِرِ حَرْفٍ هُوَ الْوُجُودُ الْمُمْكِنُ فِي الصِّيَغِ؛ لِأَنَّهَا مَصَادِرُ سَيَّالَةٌ يَسْتَحِيلُ وُجُودُهَا بِجُمْلَتِهَا فَيُكْتَفَى بِوُجُودِ آخِرِ حَرْفٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ الْقَدْرُ الْمُمْكِنُ فِيهَا فَيَحْصُلُ بِهِ الشَّبَهُ بَيْنَ الْعَقْلِيَّاتِ وَالشَّرْعِيَّاتِ فَلَا يَكُونُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ فَرْقٌ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا لَا طَائِلَ وَرَاءَهُ وَالْكَلَامُ فِيهِ تَعَمُّقٌ فِي الدِّينِ وَتَكَلُّفٌ وَلَا يُتَوَصَّلُ فِيهِ إلَى الْيَقِينِ نَعَمْ يَحْصُلُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ الْأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّةَ تَنْقَسِمُ
أَوَّلًا إلَى مَا يُوجِبُ مُسَبَّبُهُ إنْشَاءً نَحْوَ عِتْقِ الْإِنْسَانِ عَنْ نَفْسِهِ وَالْبَيْعِ النَّاجِزِ وَالطَّلَاقِ النَّاجِزِ وَإِلَى مَا يُوجِبُ اسْتِلْزَامًا كَالْعِتْقِ أَوْ الْوَطْءِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَإِنَّ الْمِلْكَ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ حِينَئِذٍ بِسَبَبِ عِتْقِهِ أَوْ وَطْئِهِ الْأَمَةَ الْتِزَامًا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ عَلَى الْأَصَحِّ وَالْأَشْهَرُ حَتَّى يَنْتَقِلَ بِالتَّصْرِيحِ مِنْ الْمُشْتَرِي بِنَحْوِ قَوْلِهِ قَبِلْت أَوْ اخْتَرْت الْإِمْضَاءَ مِمَّا يَقْتَضِي الْمِلْكَ مُطَابَقَةً أَوْ يُعْتِقُ أَوْ يَطَأُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِي الْمِلْكَ الْتِزَامًا وَفِي كَوْنِ الْمِلْكِ فِي هَذَا يُقَدَّرُ ثُبُوتُهُ قَبْلَ الْعِتْقِ حَتَّى يَقَعَ الْعِتْقُ عَنْ الْغَيْرِ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ أَوْ يَثْبُتُ مَعَهُ؛ لِأَنَّ التَّقَدُّمَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ خِلَافٌ بَيْنَ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَفْظِيٌّ لَا حَقِيقِيٌّ.
وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْعِتْقِ عَلَى الْأَوَّلِ دُخُولُ الْحُرِّيَّةِ فِي الرَّقِيقِ لَا إنْشَاءُ الصِّيغَةِ؛ لِأَنَّ إنْشَاءَ الصِّيغَةِ بِعَيْنِهِ هُوَ الْمُسْتَلْزِمُ لِإِمْضَاءِ الْبَيْعِ الَّذِي بِهِ يَحْصُلُ الْمِلْكُ إذْ لَمْ يَصْدُرْ مِنْ الْمُشْتَرِي غَيْرُ ذَلِكَ فَالْمِلْكُ لَا يَحْصُلُ قَبْلَ ذَلِكَ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَا مُوجِبَ لِحُصُولِهِ وَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ عَلَى الثَّانِي نَفْسَ إنْشَاءِ الصِّيغَةِ لَا دُخُولَ الْحُرِّيَّةِ فِي الرَّقِيقِ؛ لِأَنَّهُ مُضَادُّ الْمِلْكِ وَاجْتِمَاعُ الضِّدَّيْنِ مُحَالٌ فَعَلَيْك بِتَأَمُّلِ الْمُنَصَّفِ
وَثَانِيًا إلَى مَا يَقْتَضِي ثُبُوتًا كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَإِلَى مَا يَقْتَضِي إبْطَالًا لِمُسَبِّبِ سَبَبٍ آخَرَ كَفَوَاتِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَقْتَضِي إبْطَالَ مُسَبِّبِ السَّبَبِ السَّابِقِ وَهُوَ الْبَيْعُ وَكَالطَّلَاقِ يَقْتَضِي إبْطَالَ الْعِصْمَةِ السَّابِقَةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى النِّكَاحِ وَكَالْعَتَاقِ يَقْتَضِي إبْطَالَ الْمِلْكِ الْمُتَرَتِّبِ فِي الرَّقِيقِ عَلَى سَبَبِهِ، وَإِذَا قُلْنَا بِأَنَّ الْفَوَاتَ يُوجِبُ الْفَسْخَ فَهَلْ يَقْتَضِيهِ مَعَهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّقَدُّمِ عَلَى السَّبَبِ أَوْ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الِانْقِلَابَ وَالْفَسْخَ يَقْتَضِي تَحَقُّقَ مَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَالْعِلَلُ الْعَقْلِيَّةُ لَا تَنْقَسِمُ كَذَلِكَ فَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَتَقَدَّمُ مُسَبَّبُهُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ مُسَبَّبُهُ]
الْفَرْقُ الثَّانِي وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَتَقَدَّمُ مُسَبَّبُهُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ مُسَبَّبُهُ)
وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا لِلْأَصْلِ مِنْ وُقُوعِ مَا يَتَقَدَّمُ مُسَبَّبُهُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ وَتَمْثِيلُهُ بِمِثَالَيْنِ
(الْمِثَالُ الْأَوَّلُ) إتْلَافُ الْمَبِيعِ قَبْلَ
وَكَذَلِكَ هَذِهِ التَّقَادِيرُ تَذْهَبُ عِنْدَ ذَهَابِ أَسْبَابِهَا وَتَثْبُتُ عِنْدَ تَثْبِيتِ أَسْبَابِهَا كَمُتَعَلِّقَاتِ الْخِطَابِ فِي التَّحْرِيمِ وَالْإِبَاحَةِ وَغَيْرِهِمَا وَالتَّعَلُّقَاتُ أُمُورٌ عَدَمِيَّةٌ تُقَدَّرُ فِي الْمَحَالِّ مَوْجُودَةً فَهَذَا هُوَ تَلْخِيصُ مَعْنَى الذِّمَّةِ وَأَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فَتَأَمَّلْهُ.
(الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَقْبَلُ الْمِلْكَ مِنْ الْأَعْيَانِ وَالْمَنَافِعِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَقْبَلُهُ) اعْلَمْ أَنَّ الْأَعْيَانَ مِنْهَا مَا لَا يَقْبَلُ الْمِلْكَ إمَّا لِعَدَمِ اشْتِمَالِهِ عَلَى مَنْفَعَةٍ كَالْخُشَاشِ أَوْ مَنْفَعَةٍ مُحَرَّمَةٍ كَالْخَمْرِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَقْبَلُ الْمَالِكُ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَقْبَلُهُ) قُلْت مَا قَالَهُ صَحِيحٌ عَلَى مَا فِي قَوْلِهِ مِنْ الْأَعْيَانِ مِنْ الْمُسَامَحَةِ عَلَى مَا سَبَقَ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْقَبْضِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُوجِبُ الْفَسْخَ قَبْلَهُ بِأَنْ تُقَدِّرَ الِانْفِسَاخَ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ تَلَفِهِ لِيَكُونَ الْمَحَلُّ قَابِلًا لِلِانْفِسَاخِ؛ لِأَنَّ الْمَعْدُومَ الصَّرْفُ لَا يَقْبَلُ انْقِلَابَهُ لِمِلْكِ الْبَائِعِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْفَرْقِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْفَرْقِ
(وَالْمِثَالُ الثَّانِي) الْقَتْلُ خَطَأً بِالنِّسْبَةِ لِوُجُوبِ الدِّيَةِ لَا لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ إنَّمَا تَجِبُ بِالزُّهُوقِ لَا بِإِنْفَاذِ الْمَقَاتِلِ وَأَنَّ الزُّهُوقَ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِهَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا مَوْرُوثَةً وَالْإِرْثُ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا تَقَدَّمَ فِيهِ مِلْكُ الْمَيِّتِ فَتَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَى أَنْ يُقَدِّرَ تَقْدِيرَ مِلْكِهِ لَهَا فِي حَالَةٍ تَقْبَلُ الْمِلْكَ وَهِيَ حَالَةُ حَيَاتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَقْبَلُهُ وَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُو لِتَقْدِيمِ لُزُومِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْقَتْلِ الْخَطَأِ وَأَنَّ مَا لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ مُسَبَّبُهُ مِنْ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا سَبَبٌ فِعْلِيٌّ تَامٌّ فَيُقَارِنُهُ مُسَبَّبُهُ كَالْأَسْبَابِ فِي حِيَازَةِ الْمُبَاحِ كَالْحَشِيشِ وَالصَّيْدِ وَالسَّلَبِ فِي الْجِهَادِ حَيْثُ سَوَّغْنَاهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ عَلَى رَأَيْنَا أَوْ مُطْلَقًا عَلَى رَأْيِ الشَّافِعِيَّةِ وَكَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالزِّنَى وَالسَّرِقَةِ لِلْحُدُودِ وَكَالتَّعَالِيقِ اللُّغَوِيَّةِ فَإِنَّهَا كُلُّهَا أَسْبَابٌ شَرْعِيَّةٌ فَإِذَا عُلِّقَ عَلَى شَرْطِ الطَّلَاقِ أَوْ غَيْرِهِ قَارَنَ لُزُومُ الْمُعَلَّقِ وُقُوعَ ذَلِكَ الشَّرْطِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ أَعْطَيْتنِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَفَعَلَتْ طَلُقَتْ لَكِنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ تُشْكِلُ جِدًّا عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ وَقَاعِدَتُهُ مِنْ أَنَّ الْمُعْطَاةَ وَالْفِعْلَ وَالْمُنَاوَلَةَ لَا يُوجِبُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ انْتِقَالَ مِلْكٍ فَإِنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالْإِعْطَاءِ الْإِقْبَاضَ فَيَنْبَغِي أَنْ تَطْلُقَ وَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا كَمَا لَوْ قَالَ إنْ أَقَبَضْتنِي وَهُوَ بَعِيدٌ وَإِنْ أَرَادَ بِالْإِعْطَاءِ التَّمْلِيكَ وَهُوَ الظَّاهِرُ كَانَ تَمْلِيكًا بِمُجَرَّدِ الْمُنَاوَلَةِ فَيُعَضِّدُ الْمَالِكِيَّةُ فِي بَيْعِ الْمُعَاطَاةِ بِالْقِيَاسِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ وَيَكُونُ نَقْضًا عَلَى أَصْلِهِ.
وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ اللَّفْظُ السَّابِقُ فِي التَّعْلِيقِ حَصَلَ بِهِ انْتِقَالُ الْمِلْكِ لِأَنَّ لَفْظَ التَّعْلِيقِ إنَّمَا اقْتَضَى رَبْطَ الطَّلَاقِ بِالْإِعْطَاءِ وَلَمْ يَقْتَضِ حُصُولَ الْمِلْكِ فِي الْمُعْطِي وَلَعَلَّهَا لَا تُعْطِيهِ شَيْئًا فَإِنَّ اللَّفْظَ الدَّالَّ عَلَى الْمِلْكِ لَمْ يُوجَدْ أَلْبَتَّةَ فَلَا يُمْكِنُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ فَفَعَلَتْ أَيْ مَلَّكَتْهُ الْأَلْفَ بِشَرْطِ التَّمْلِيكِ الَّذِي هُوَ التَّلَفُّظُ بِمَا يَقْتَضِيهِ فَيَنْدَفِعُ الْإِلْزَامُ عَنْهُ.
وَأَمَّا سَبَبٌ فِعْلِيٌّ غَيْرُ تَامٍّ فَيَتَأَخَّرُ مُسَبَّبُهُ إلَى تَمَامِهِ كَبَيْعِ الْخِيَارِ يَتَأَخَّرُ فِيهِ نَقْلُ الْمِلْكِ عَنْ الْعَقْدِ إلَى الْإِمْضَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا ثَبَتَ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ دُونَ الْآخَرِ فَهُوَ عَقْدٌ غَيْرُ تَامٍّ فَتَأَخَّرَ مُسَبَّبُهُ إلَى تَمَامِهِ وَكَالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ مَعَ الْبَيْنُونَةِ فَإِنَّهَا تَتَأَخَّرُ إلَى خُرُوجِ الْمُطَلَّقَةِ مِنْ الْعِدَّةِ وَكَالْوَصِيَّةِ يَتَأَخَّرُ نَقْلُ الْمِلْكِ فِي الْمُوصَى بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَكَالسَّلَمِ وَالْبَيْعِ إلَى أَجَلٍ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ بِوَجْهِ الْمُطَالَبَةِ إلَى انْقِضَاءِ الْأَجَلِ.
وَأَمَّا سَبَبٌ قَوْلِيٌّ تَامٌّ كَالْعِتْقِ وَالْبَيْعِ وَالْإِبْرَاءِ وَتَحْرِيمِ الْوَطْءِ وَتَنْصِيصِ الْعَدَدِ فِي الطَّلَاقِ وَكَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالشَّهَادَاتِ فَيَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ بَيْنَ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الإِسْفِرايِينِي وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ هَلْ تَقَعُ مُسَبَّبَاتُهُ مَعَ آخِرِ حَرْفٍ مِنْهُ أَوْ عَقِيبَ آخِرِ حَرْفٍ مِنْهُ وَذَهَبَ إلَى الْأَوَّلِ أَيْضًا الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ الْفُقَهَاءِ الْأَجِلَّةِ كَمَا كَانَ شَيْخُ الْمُتَكَلِّمِينَ هَذَا خُلَاصَةُ كَلَامِ الْأَصْلِ مَعَ تَنْقِيحٍ وَزِيَادَةٍ وَكَتَبَ عَلَيْهِ ابْنُ الشَّاطِّ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الصَّحِيحَ فِي الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُطَّرِدِ فِيهَا أَنْ تَعْقُبَهَا مُسَبَّبَاتُهَا أَوْ تُقَارِنَهَا فَلَا يَصِحُّ تَقْدِيرُ الِانْفِسَاخِ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ تَلَفِهِ وَلَا تَقْدِيرَ مِلْكِ الدِّيَةِ قَبْلَ الْمَوْتِ عَلَى أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى تَقْدِيرِ الِانْفِسَاخِ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ تَلَفِهِ؛ لِأَنَّ انْقِلَابَ الْمَبِيعِ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ لَا حَاجَةَ؛ لِأَنَّ الدَّاعِيَ إلَى ادِّعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى انْقِلَابِهِ إلَى مِلْكِهِ إنَّمَا هُوَ كَوْنُ ضَمَانِهِ مِنْهُ وَكَوْنُ ضَمَانِهِ مِنْهُ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ عَلَى مِلْكِهِ لِلُزُومِ الضَّمَانِ بِدُونِ الْمِلْكِ كَمَا فِي الْمُتَعَدِّي.
وَإِنَّمَا كَانَ ضَمَانُهُ مِنْ الْبَائِعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ فِيهِ حَقُّ التَّوْفِيَةِ وَلَا إلَى تَقْدِيمِ مِلْكِ الدِّيَةِ، بَلْ هُوَ مُحَقَّقٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْإِنْفَاذُ لَا الزُّهُوقُ فَلَا ضَرُورَةَ لِتَقْدِيمِهَا كَمَا لَا ضَرُورَةَ لِتَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ قَالَ وَالْأَمْرُ فِي الْخِلَافِ فِي الْأَسْبَابِ الْقَوْلِيَّةِ قَرِيبٌ وَلَا أَرَاهُ يَئُولُ إلَى طَائِلٍ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.