الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واتفق الإمام أبو حنيفة وصاحباه على أنه إذا كان هناك حبل ظاهر، أو اعتراف من الزوج بالولد أو الحبل، أو كان الزوج قائماً، فيثبت النسب من الزوج بلا شهادة، والقول قول المرأة في الولادة بيمينها.
وأما
الاختلاف بين الزوجين في تعيين المولود:
فهو أن يعترف الزوج بالولادة، ولكنه ينكر شخص المولود، بأن يقول: إنها ولدت بنتاً، وهذا الولد غلام. فيتعين المولود بشهادة امرأة واحدة باتفاق الحنفية وهو رأي الحنابلة أيضاً، لما رواه الدارقطني عن حذيفة «أن النبي صلى الله عليه وسلم أجازشهادة القابلة» ، ولما رواه ابن أبي شيبة وعد الرزاق عن الزهري قال:«مضت السنة أن تجوز شهادة النساء فيما لا يطلع عليه غيرهن من ولادات النساء وعيوبهن» (1).
وقال المالكية: تعيين المولود كالولادة لا يثبت إلا بشهادة امرأتين.
ورأى الشافعية: أن أمور النساء لا يكفي فيها أقل من أربع نسوة، لأن الله عز وجل جعل مكان الرجل الواحد شهادة امرأتين.
إثبات نسب الولد بالقيافة:
إذا تزوجت المعتدة بزوج آخر في أثناء عدتها من زوج سابق، وأت بولد يمكن أن يكون منهما، فمن الذي يلحق به؟
وإذا ادعى رجلان أو ثلاثة لقيطاً، فمن الذي يحكم له به؟ هل يمكن إثبات نسب الولد في هاتين الحالتين بالقيافة أو بالقافة؟ والقيافة: تتبع الأثر، والقافة عند العرب: هم قوم كانت عندهم معرفة بفصول تشابه الناس.
(1) نصب الراية: 264/ 3.
اختلف الفقهاء على رأيين في الاعتماد على القافة (1):
فرأى الحنفية: أن الأصل ألا يحكم لأحد المتنازعين في الولد، إلا أن يكون هناك فراش (2)، لقوله عليه الصلاة والسلام:«الولد للفراش» فإن عدم الفراش أو اشتركا في الفراش، كان الولد بينهما، ولا يعمل بقول القائف، بل يحكم بالولد الذي ادعاه اثنان لهما جميعاً.
ورأي الجمهور وهم (مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور والأوزاعي): أنه يحكم بالقيافة، بدليل قول عائشة:«إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليَّ مسروراً، تبرُق أسارير وجهه، فقال: ألم تري أن مُجَزِّزاً (3) نظر إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد، فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض» (4) ففيه دليل على ثبوت العمل بالقافة.
وأثبت عمر بن الخطاب وابن عباس وأنس بن مالك الحكم بالقافة، فكان عمر يليط (5) أولاد الجاهلية بمن استلاطهم ـ أي بمن ادعاهم في الإسلام ـ فأتى رجلان كلاهما يدعي ولد امرأة، فدعا قائفاً، فنظر إليه، فقال القائف: لقد اشتركا فيها، فضربه عمر بالدِّرة، ثم دعا المرأة، فقال: أخبريني بخبرك، فقالت: كان هذا لأحد الرجلين، يأتي في إبل لأهلها، فلا يفارقها حتى يُظن، ونظن أنه قد استمر
(1) بداية المجتهد: 352/ 2 وما بعدها، المغني: 483/ 7، نيل الأوطار: 282/ 6 وما بعدها.
(2)
اختلف في معنى الفراش، فذهب الأكثر إلى أنه اسم للمرأة، وقد يعبر به عن حالة الافتراش، وقيل: إنه اسم للزوج، وفي القاموس: إن الفراش زوجة الرجل.
(3)
تبرق أسارير وجهه: أطلق على ما يظهر على وجه من سره، وسمي هذ الرجل القائف مجززاً لأنه جزّ نواصي قوم، وهو مُجَزز المدلجي.
(4)
رواه الجماعة عن عائشة (نيل الأوطار: 282/ 6).
(5)
ألاط فلاناً بفلان: ألحقه به.