الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأن الحكم للأغلب، ولأنه بالخلط يزول الاسم والمعنى المراد به، وهو التغذي، فلا يثبت به الحرمة. ولافرق عند المالكية بين الخلط بالمائع أو بالطعام.
واعتبر الشافعية في الأظهر والحنابلة في الراجح اللبن المشوب (المختلط بغيره) كاللبن الخالص الذي لا يخالطه سواه، سواء شيب بطعام أوشراب أو غيره، لوصول اللبن إلى الجوف، وحصوله في بطنه.
ورأى أبو حنيفة خلافاً للصاحبين أن اللبن المخلوط بالطعام لا يحرم عنده بحال سواء أكان غالباً أم مغلوباً؛ لأن الطعام وإن كان أقل من اللبن، فإنه يسلب قوة اللبن ويضعفه، فلا تقع الكفاية به في تغذية الصبي، فكان اللبن مغلوباً معنى، وإن كان غالباً صورة.
وإذا خلط لبن امرأة بلبن امرأة أخرى: فالحكم للغالب عند أبي حنيفة وأبي يوسف، فإن تساويا ثبت التحريم من المرأتين جميعاً للاختلاط.
وقال المالكية ومحمد وزفر: يثبت التحريم من المرأتين جميعاً، سواء تساوى مقدار اللبنين أوغلب أحدهما الآخر، وهذا هو الراجح لدي؛ لأن اللبنين من جنس واحد، والجنس لا يغلب الجنس.
5 - أن يكون الرضاع في حال الصغر
باتفاق المذاهب الأربعة: فلا يحرم رضاع الكبير: وهو من تجاوز السنتين.
وقال داود الظاهري: إن رضاع الكبير يحرم، وكانت عائشة ترى أن رضاعة الكبير تحرم، لما روي أن سهلة بنت سهيل قالت: «يا رسول الله، إنا كنا نرى سالماً ولداً، فكان يأوي معي، ومع أبي حذيفة في بيت واحد، ويراني فُضْلى (1)، وقد
(1) فضْلى وفضلاً: أي متبذلة في ثياب مهنتي.
أنزل الله فيهم ما قد علمت، فكيف ترى فيه؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أرضعيه حتى يدخل عليه» (1)، فأرضعته خمس رضعات فكان بمنزلة ولدها، وبناء عليه كانت عائشة تأمر بنات أخواتها وبنات إخوتها يرضعن من أحبت عائشة أن يراها، ويدخل عليها، وإن كان كبيراً خمس رضعات (2).
واستدل الجمهور على اشتراط كون الرضاع في حال الصغر بما يأتي:
أولاً ـ بقوله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة} [البقرة:233/ 2] فإنه تعالى جعل تمام الرضاعة في الحولين، فأفهم أن الحكم بعد الحولين بخلافه. وقال تعالى:{وفصاله في عامين} [لقمان:14/ 31] أي فطامه، فدل على أن أكثر مدة الرضاع المعتبرة شرعاً سنتان.
ثانياً ـ بخبر: «لا رضاع إلا ماكان في الحولين» (3) وخبر: «لا يحرِّم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء في الثدي، وكان قبل الفطام» (4) وخبر «لا رضاع بعد فصال، ولا يُتْم بعد احتلام» (5). وقال الشافعي رضي الله عنه عن حديث سهلة: إنه رخصة خاصة بسالم، وكذلك قال الحنابلة وغيرهم، جمعاً بين الأدلة.
ثبت عن عائشة أنها قالت: «دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي رجل، فقال: من هذا؟ قلت: أخي من الرضاعة، قال: يا عائشة، انظُرن من إخوانكُنّ، فإنما
(1) رواه أحمد ومسلم عن زينب بنت أم سلمة (نيل الأوطار: 313/ 6).
(2)
قيل: إن هذا رخصة لسهلة، وما روي عن عائشة لا يتفق مع نزاهتها ومكانتها الدينية التي تأبى عليها أساليب الاحتيال، أو أنها تحلب الحليب من ثديها ثم تعطيه له.
(3)
رواه الدارقطني عن ابن عباس (نيل الأوطار: 315/ 6).
(4)
رواه الترمذي وصححه عن أم سلمة (المرجع السابق).
(5)
رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن جابر (المرجع السابق).
الرضاعة من المجاعة» (1) وعن ابن مسعود: «لا رضاع إلا ما أنشز العظم، وأنبت اللحم» (2).
والتزم الشافعية والحنابلة وأبو يوسف ومحمد بظاهر هذه الأدلة، فشرطوا أن يكون الرضاع في مدة الحولين الأولين من العمر، بالأشهر القمرية، ولو بعد الفطام؛ لأن حديث «فإنما الرضاعة من المجاعة» يراد به الرضاع الذي يكون في سن المجاعة، كيفما كان الطفل، وهو سن الرضاع، فلو ارتضع الطفل بعدهما بلحظة، ولو بعد فطامه، لم يثبت التحريم؛ لأن شرطه وهو كونه في الحولين لم يوجد، وإن حصل الرضاع في أثناء الحولين، ولو بعد الفطام، ثبت به التحريم؛ لأن الرضاع في وقته عرف محرِّماً في الشرع. ويكون انتهاء الحولين من تمام انفصال الرضيع، فإن ارتضع قبل تمامه لم يؤثر. هذا الرأي هو الراجح لقوة الأدلة التي استندوا إليها.
وأضاف الإمام مالك مدة شهرين على الحولين؛ لأن الطفل قد يحتاج إلى هذه المدة لتحويل غذائه إلى الطعام. لكن إن فطم الولد عن اللبن، واستغنى بالطعام استغناء بيِّناً ولو في الحولين، أو لم يوجد له مرضع في الحولين، فاستغنى بالطعام أكثر من يومين وما أشبههما، فأرضعته امرأة، فلا يحرم، لأن مفهوم الحديث:«فإنما الرضاعة من المجاعة» يدل على أن الطفل غير مفطوم، فإن فطم في بعض الحولين، لم يكن رضاعاً من المجاعة.
وأضاف الإمام أبو حنيفة أيضاً مدة نصف سنة على الحولين، فتكون مدة الرضاعة عنده ثلاثين شهراً، لاحتياج الطفل إلى هذه المدة للتدرج من اللبن إلى الطعام المعتاد، لكن إن استغنى بالفطام عن اللبن استغناء تاماً، لم يكن ذلك
(1) رواه الجماعة إلا الترمذي عن عائشة (المرجع السابق: ص 316).
(2)
نيل الأوطار: 316/ 6، سبل السلام: 214/ 3.