الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليها نفاذ الوصية وترتب آثارها، وتلك الشروط إما في الموصي أو في الموصى له، أو في الموصى به، أبحثها في مطالب ثلاثة:
المطلب الأول ـ شروط الموصي:
يشترط في الموصي شروط صحة وشرط نفاذ:
أما
شروط الصحة في الموصي
فهي ما يأتي (1):
1ً - أن يكون أهلاً للتبرع: وهو المكلف (البالغ العاقل)، الحر، رجلاً كان أو امرأة، مسلماً أو كافراً.
وقد اتفق على اشتراط العقل، فلا تصح وصية المجنون والمعتوه والمغمى عليه؛ لأن عبارتهم ملغاة لا يتعلق بها حكم. واتفقوا على اشتراط الحرية، فلا تصح وصية العبد؛ لأنها تبرع، وهو ليس من أهل التبرع، ولأنه لا يملك شيئاً حتى يملّكه لغيره.
واتفق الحنفية، والشافعية في أرجح القولين عندهم على اشتراط البلوغ، فلا تصح وصية الصبي المميز وغير المميز، ولو كان مميزاً مأذوناً له في التجارة؛ لأن الوصية من التصرفات الضارة ضرراً محضاً، إذ هي تبرع، كما أنها ليست من أعمال التجارة.
وأجاز المالكية والحنابلة وصية المميز وهو ابن عشر سنين فأقل مما يقاربها، دون غير المميز، إذ اعقل المميز القربة؛ لأنها تصرف تمحض نفعاً له، فصح منه
(1) البدائع: 334/ 7 ومابعدها، تبيين الحقائق: 185/ 6، تكملة فتح القدير: 429/ 8، 432، الدر المختار: 459/ 5، 463، القوانين الفقهية: ص 405، الشرح الصغير: 580/ 4، شرح الرسالة: 169/ 2، مغني المحتاج: 39/ 3، كشاف القناع: 371/ 4 وما بعدها، بداية المجتهد: 328/ 2.
كالإسلام والصلاة، كما أن الحنفية أجازوا وصية المميز (وهو من أتم السابعة) إذا كانت لتجهيزه وتكفينه ودفنه؛ لأن عمر رضي الله عنه أجاز وصية صبي من غسان له عشر سنين أوصى لأخواله، ولأنه لا ضرر على الصبي في جواز وصيته؛ لأن المال سيبقى على ملكه مدة حياته، وله الرجوع عن وصيته؛ كما سأبين.
وتجوز وصية المحجور عليه لسفه بالاتفاق، فقال الحنفية: تصح وصية المحجور عليه (1) إذا كانت بالقُرَب وأبواب الخير، من ثلث ماله؛ إذ ليس في تلك الوصية إضرار به، بل هي مفيدة له، لما يترتب عليها من الثواب. أما الوصية في غير القُرَب كالوصية لغني غير فاسق، فإنها لا تجوز.
وكذلك قال المالكية: تصح وصية المحجور عليه السفيه والصغير؛ لأن الحجر عليهما لحق أنفسهما، فلو منعا من الوصية، لكان الحجر عليهما لحق غيرهما.
والمذهب لدى الشافعية جواز وصية المحجور عليه بسفه، لصحة عبارته. وأما وصية المحجور عليه لفلس فموقوفة على إجازة الغرماء، فإن أمضوها جازت، وإن ردوها بطلت.
وقال الحنابلة: تصح وصية المحجور عليه لسفه بمال؛ لأنها تمحضت نفعاً له من غير ضرر، فصحت منه كعباداته، ولأنه كما قال الحنفية والمالكية إنما حجر عليه لحفظ ماله، وليس في الوصية إضاعة له؛ لأنه إن عاش، كان ماله له، وإن مات كان ثوابه له، وهو أحوج إليه من غيره. ولا تصح الوصية من المحجور عليه لسفه على أولاده؛ لأنه لا يملك أن يتصرف عليهم بنفسه، فوصيته أولى.
وتصح الوصية من المحجور عليه لفلس؛ لأن الحجر عليه لحظ الغرماء، ولا ضرر عليهم؛ لأنه إنما تنفذ وصيته في ثلث ماله بعد وفاء ديونه.
(1) الحجر على السفيه رأي الصاحبين، وبه يفتى، ولم يجز أبو حنيفة الحجر عليه.