الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفَصْلُ الأوّل: تعريف الوقف ومشروعيَّته وصفته وركنه:
أولاً ـ تعريف الوقف:
الوقف والتحبيس والتسبيل بمعنى واحد، وهو لغة: الحبس عن التصرف. يقال: وقفت كذا: أي حبسته، ولا يقال: أوقفته إلا في لغة تميمية، وهي رديئة، وعليها العامة. ويقال: أحبس لا حبَس، عكس وقف، فالأولى فصيحة، والثانية رديئة. ومنه: الموقف لحبس الناس فيه للحساب. ثم اشتهر إطلاق كلمة الوقف على اسم المفعول وهوا لموقوف. ويعبر عن الوقف بالحبس، ويقال في المغرب: وزير الأحباس.
والوقف شرعاً له في المذاهب تعاريف ثلاثة:
التعريف الأول ـ لأبي حنيفة
(1): وهو حبس العين على حكم ملك الواقف، والتصدُّق بالمنفعة على جهة الخير. وبناء عليه لا يلزم زوال الموقوف عن ملك الواقف ويصح له الرجوع عنه، ويجوز بيعه؛ لأن الأصح عند أبي حنيفة أن الوقف جائز غير لازم كالعارية، فلا يلزم إلا بأحد أمور ثلاثة (2):
1ً - أن يحكم به الحاكم المولى لا المحكَّم، بأن يختصم الواقف مع الناظر، لأنه يريد أن يرجع بعلة عدم اللزوم، فيقضي الحاكم باللزوم، فيلزم؛ لأنه أمر مجتهد فيه، وحكم الحاكم يرفع الخلاف.
2ً - أو أن يعلقه الحاكم بموته: فيقول: إذا مت فقد وقفت داري مثلاً على كذا، فيلزم كالوصية من الثلث بالموت، لا قبله.
(1) فتح القدير: 37/ 5 - 40، 62، اللباب: 180/ 2، الدر المختار: 391/ 3.
(2)
ولكن الأصح المفتى به كما سيأتي هو قول الصاحبين.
3ً - أن يجعله وقفاً لمسجد، ويفرزه عن ملكه، ويأذن بالصلاة فيه: فإذا صلى فيه واحد، زال ملكه عن الواقف عند أبي حنيفة. أما الإفراز فلأنه لا يخلص لله تعالى إلا به، وأما الصلاة فيه، فلأنه لا بد من التسليم عنده وعند محمد، وتسليم الشيء بحسب نوعه، وهو في المسجد بالصلاة فيه.
وقد استدل أبو حنيفة على رأيه بدليلين:
1ً - قوله عليه الصلاة والسلام: «لا حبس عن فرائض الله» (1) فلو كان الوقف يخرج المال الموقوف عن ملك الواقف، لكان حبساً عن فرائض الله؛ لأنه يحول بين الورثة وبين أخذ نصيبهم المفروض.
لكن لا يدل هذا الحديث مع ضعفه على مقصود الإمام، لأن المراد به إبطال عادة الجاهلية بقصر الإرث على الذكور الكبار، دون الإناث والصغار.
2ً - ما روي عن القاضي شريح أنه قال: «جاء محمد صلى الله عليه وسلم ببيع الحبس» فإذا جاء الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك، فليس لنا أن نستحدث حبساً آخر، إذ الوقف تحبيس العين، فهو غير مشروع.
ولكن لا دلالة أيضاً في هذا القول على مطلوب الإمام؛ لأن الحبس الممنوع هو ماكان يحبس للأصنام والأوثان، وقد جاء الرسول صلى الله عليه وسلم ببيعه وإبطاله قضاء على الوثنية. أما الوقف فهو نظام إسلامي محض. قال الإمام الشافعي:«لم يحبس أهل الجاهلية فيما علمت، إنما حبس أهل الإسلام» .
(1) رواه الدارقطني عن ابن عباس، وفيه ابن لهيعة أخوه عيسى ضعيفان.