الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفَصْلُ الأوَّل: النَّسَب
يشتمل على تمهيد ومبحثين:
الأول ـ في أسباب ثبوت النسب، والثاني ـ في طرق إثبات النسب:
تمهيد ـ عناية الشرع بالنسب وتحريم التبني والإلحاق من طريق غير مشروع:
النسب أقوى الدعائم التي تقوم عليها الأسرة، ويرتبط به أفرادها برباط دائم من الصلة تقوم على أساس وحدة الدم والجزئية والبغيضة، فالولد جزء من أبيه، والأب بعض من ولده. ورابطة النسب هي نسيج الأسرة الذي لا تنفصم عراه، وهو نعمة عظمى أنعمها الله على الإنسان، إذ لولاها لتفككت أواصر الأسرة، وذابت الصلات بينها، ولما بقي أثر من حنان وعطف ورحمة بين أفرادها، لذا أمتن الله عز وجل على الإنسان بالنسب، فقال سبحانه:{وهو الذي خلق من الماء بشراً، فجعله نسباً وصهراً، وكان ربك قديراً} . [الفرقان:54/ 25]. ورعاية النسب أحد مقاصد الشريعة الخمسة.
ومنع الشرع الآباء من إنكار نسب الأولاد، وحرم على النساء نسبة ولد إلى غير أبيه الحقيقي، فقال صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم (1)،
(1) أي أنها أتت بولد زنا.
فليست من الله في شيء، ولن يدخلها الله جنته، وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه، احتجب الله تعالى منه، وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين يوم القيامة» (1).
ومنع الشرع أيضاً الأبناء من انتسابهم إلى غير آبائهم، فقال صلى الله عليه وسلم:«من ادعى إلي غير أبيه وهو يعلم، فالجنة عليه حرام (2)» وقال أيضاً: «من ادعى إلى غير أبيه، أو انتمى إلى غير مواليه، فعليه لعنة الله المتتابعة إلى يوم القيامة» (3).
وحرمت الشريعة نظام التبني وأبطلته بعد أن كان في الجاهلية وصدر الإسلام، وقد تبنى النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة قبل النبوة، وكان يدعى «زيد بن محمد» إلى أن نزل قوله تعالى:{وما جعل أدعياءكم أبناءكم، ذلكم قولكم بأفواهكم، والله يقول الحق، وهو يهدي السبيل. ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله، فإن لم تعلموا آباءهم، فإخوانكم في الدين ومواليكم} (4).ذكرالقرطبي في تفسيره: أنه أجمع أهل التفسيرعلىأن ههذه الآية ننزلت في زيد بن حارثة. وروىالأئمةأن ابن عمرقال: «ماكنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد، حتى نزلت: {ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله}» [الأحزاب:5/ 33] أي أعدل وأحق عند الله.
فالعدل يقضي والحق يوجب نسبة الابن إلى أبيه الحقيقي، لا لأبيه المزور، والإسلام دين الحق والعدل، والعنصر الغريب عن الأسرة ذكراً أو أنثى لا ينسجم معها قطعاً في خلق ولا دين، وقد تقع مفاسد ومنكرات عليه أو منه، لإحساسه
(1) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم عن أبي هريرة، وهو صحيح.
(2)
رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه عن سعد بن أبي وقاص وأبي بكرة، وهو صحيح.
(3)
رواه أبو داود عن أنس.
(4)
الأحزاب: 5،4.
بأنه أجنبي، فمن تبنى لقيطاً أو مجهول النسب دون أن يدعي أنه ولده، لم يكن ولده حقيقة، فلا يثبت التوارث بينهما، ولا تجري عليه أحكام التحريم بالقرابة. ومن كان له أب معروف نسب إلى أبيه، ومن جهل أبوه دعي مولىً وأخاً في الدين، منعاً من تغيير الحقائق، وحفظاً لحقوق الآباء والأولاد من الضياع أو الانتقاص، وتوفيراً لوحدة الانسجام في الأسرة، فكثيراً ما أساء الولد المتبنى للزوجين وأقاربهما في العرض والمال.
لكن لم يمنع الإسلام تربية ولد لقيط وتعليمه، ثم حجبه عن الأسرة بعد البلوغ أو قبله بقليل، وإنما فتح باب الإحسان إليه على أوسع نطاق، وعدّ ذلك اتفاقاً للنفس من الهلاك، وإحياء لنفس بشرية، ومن أحيا نفساً فكأنما أحيا الناس جميعاً.
ونسب الولد من أمه ثابت في كل حالات الولادة شرعية أو غيرشرعية، أم نسب الولد من أبيه، فلا يثبت إلا من طريق الزواج الصحيح أو الفاسد، أو الوطء بشبهة، أو الإقرار بالنسب، وأبطل الإسلام ما كان في الجاهلية من إلحاق الأولاد عن طريق الزنا، فقال صلى الله عليه وسلم:«الولد للفراش، وللعاهر الحجر» (1) ومعناه أن الولد يلحق الأب الذي له زوجية صحيحة، علماً بأن الفراش هو المرأة في رأي الأكثر، وقد يعبر به عن حالة الافتراش، وأما الزنا فلا يصلح سبباً لإثبات النسب، وإنما يستحق الزاني العاهر الرجم أو الطرد بالحجارة.
وقد دل ظاهر الحديث على أن الولد إنما يلحق بالأب بعد ثبوت الفراش، وهو لا يثبت إلا بعد إمكان الوطء في الزواج الصحيح أو الفاسد. وهو رأي
(1) رواه الجماعة إلا الترمذي، والجماعة: أحمد وأصحاب الكتب الستة (نيل الأوطار: 279/ 6).