الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ودليل اشتراط هذا الشرط حديث: «ابدأ بنفسك ثم بمن تعول» وحديث جابر المتقدم: «إذا كان أحدكم فقيراً فليبدأ بنفسه، فإن فضل فعلى عياله، فإن كان فضل فعلى قرابته» وحديث أبي هريرة عند أبي داود وغيره: «أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، عندي دينار؟ قال: تصدق به على نفسك، قال: عندي دينار آخر؟ قال: تصدق به على زوجتك، قال: عندي دينار آخر؟ قال: تصدق به على ولدك، قال: عندي دينار آخر؟ قال:
تصدق به على خادمك، قال: عندي دينار آخر؟ قال: أنت أبصر به» (1).
ثالثاً ـ أن يكون المنفق قريباً للمنفق عليه ذا رحم محرم منه، مستحقاً للإرث منه في مذهب الحنفية. أما في رأي الحنابلة فيشترط أن يكون المنفق وارثاً لقوله تعالى:{وعلى الوارث مثل ذلك} [البقرة:233/ 2]. وأما عند المالكية فأن يكون أباً أو ابناً، وعند الشافعية أن يكون من الأصول أو الفروع، كما أبنت في بحث المبدأ الثالث. وينفق الأب على ولده مادام يتعلم، ولو بعد البلوغ، كما سيأتي.
شرط اتحاد الدين:
اتفق الفقهاء على وجوب النفقة للزوجة مع اختلاف الدين ما لم تكن ناشزة أو مرتدة، واختلفوا في شرط اتحاد الدين للإنفاق على القريب (2):
فلم يشترط المالكية والشافعية اتفاق الدين في وجوب النفقة، بل ينفق المسلم على الكافر، والكافر على المسلم، لعموم الأدلة الموجبة للنفقة، وقياساً على نفقة
(1) انظر الأحاديث في نيل الأوطار: 321/ 6.
(2)
البدائع: 36/ 4، الكتاب مع اللباب: 104/ 3 وما بعدها، فتح القدير: 347/ 3 وما بعدها، 352، القوانين الفقهية: ص 223، مغني المحتاج: 447/ 3، المهذب: 160/ 2 وما بعدها، المغني: 585/ 7.
الزوجة، ولوجود الموجب وهو البعضية، أي كون القريب بعضاً من قريبه. وللحنابلة روايتان:
إحداهما ـ تجب النفقة مع اختلاف الدين كالرأي المتقدم.
والثانية وهي المعتمدة ـ لا تجب النفقة مع اختلاف الدين؛ لأنها مواساة على البر والصلة ولعدم الإرث، وتفارق نفقة الزوجات؛ لأنها عوض يجب مع الإعسار، فلم يمنعها اختلاف الدين كالصداق والأجرة.
ولم يشترط الحنفية اتحاد الدين في نفقة الأصول (وهم الآباء والأجداد وإن علوا) ونفقة الفروع (وهم الأولاد وأولاد الأولاد وإن نزلوا) ونفقة الزوجة، واشترطوا اتحاد الدين في غير هذه الفئات الثلاث، لعدم أهلية الإرث بين المسلم وغير المسلم.
فعلى الرجل أن ينفق على أبويه وأجداده وجداته إذا كانوا فقراء، وإن خالفوه في دينه، أما الأبوان فلقوله تعالى:{وصاحبهما في الدنيا معروفاً} [لقمان:15/ 31] وليس من المعروف أن يعيش الولد في نعم الله تعالى، ويترك والديه يموتان جوعاً. وأما الأجداد والجدات، فلأنهم من الآباء والأمهات، فيقوم الجد مقام الأب عند عدمه.
ولا تجب النفقة مع اختلاف الدين إلا للزوجة والأبوين والأجداد والجدات، والولد وولد الولد؛ لأن نفقة الزوجة واجبة في مقابل الاحتباس، وأما غيرها من نفقة الأصول والفروع فلثبوت الجزئية بين المنفق والمنفق عليه، وجزء المرء في معنى نفسه. فكما لا تمتنع نفقة نفسه بكفر لا تمتنع نفقة جزئه، إلا أنهم إذا كانوا حربيين لا تجب نفقتهم على المسلم، ولو كانوا مستأمنين؛ لأنا نهينا عن برّ من يقاتلنا في الدين.