الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقال
الحنفية
(1): قولهم «شرط الواقف كنص الشارع» (2) أي في الفهم والدلالة ووجوب العمل به، وقد يراد بذلك في المفهوم، أي لا يعتبر مفهومه كما لا يعتبر في نصوص الشارع، عملاً بما هو مقرر عندهم من أن مفهوم المخالفة المسمى دليل الخطاب غير معتبر في النصوص، وهو يشمل أقساماً خمسة: هي مفهوم الصفة، والشرط، والغاية، والعدد، واللقب، أي الاسم الجامد كثوب مثلاً.
والمراد بعدم اعتبار مفهوم المخالفة في النصوص: أن مثل قولك: أعط الرجل العالم، أو أعط زيداً إن سألك، أو أعطه إلى أن يرضى، أو أعطه عشرة، أو أعطه ثوباً، لا يدل على نفي الحكم عن المخالف للمنطوق، بمعنى أنه لا يكون منهياً عن إعطاء الرجل الجاهل، بل هو مسكوت عنه، وباق على العدم الأصلي، حتى يأتي دليل يدل على الأمر بإعطائه، أو النهي عنه. وكذا بقية المفاهيم.
لكن يعتبر المفهوم في روايات الكتب المعبر عنه بقولهم: «مفهوم التصنيف حجة» لأن الفقهاء يقصدون بذكر الحكم في المنطوق نفيه عن المفهوم غالباً، كقولهم: تجب الجمعة على كل ذكر حر، بالغ، عاقل، مقيم، فإنهم يريدون بهذه الصفات نفي الوجوب عن مخالفها، ويستدل به الفقيه على نفي الوجوب عن المرأة والعبد والصبي إلخ.
فعلى رأي الأصوليين من الحنفية في أصل المذهب: «لا يعتبر المفهوم في
(1) الدر المختار ورد المحتار: 426/ 3، 434، 456 ومابعدها، 47.
(2)
صرح الحنفية في الفتاوى الخيرية بأن الاعتبار في الشروط لما هو الواقع، لا لما كتب في مكتوب الوقف، فلو أقيمت بينة لما لم يوجد في كتاب الوقف، عمل بها، بلا ريب؛ لأن المكتوب خط مجرد، ولا عبرة به، لخروجه عن الحجج الشرعية.
الوقف» أي أن شرط الواقف لا يدل على نفي ما يخالفه، لكن المتأخرين من الحنفية قالوا: يعتبر المفهوم في غير النصوص الشرعية، عملاً بما هو معتبر في متفاهم الناس وعرفهم، فوجب اعتبار المفهوم في كلام الواقف؛ لأنه يتكلم على عرفه.
وبناء عليه: كما أن مفهوم التصنيف حجة، يعتبر المفهوم في عرف الناس والمعاملات والعقليات، ويكون التحقيق أن لفظ الواقف ولفظ الموصي والحالف والناذر وكل عاقد، يحمل على عادته في خطابه ولغته التي يتكلم بها، وافقت لغة العرب ولغة الشرع أم لا.
والخلاصة: أنه عند الأصوليين من الحنفية لا يعتبر المفهوم في الوقف، ولكن في رأي المتأخرين يحمل كلام الواقف على عرف زمانه. فلو قال: وقفت على أولادي الذكور يصرف إلى الذكور منهم بحكم المنطوق، وأما الإناث فلا يعطى لهن، لعدم ما يدل على الإعطاء، إلا إذا دل في كلامه دليل على إعطائهن، فيكون مثبتاً لإعطائهن ابتداء، لا بحكم المعارضة، وبهذا يكون رأي المتأخرين؛ يعتبر المفهوم في غير النصوص الشرعية مما هو في متفاهم الناس وعرفهم وفي المعاملات والعقليات.
ورتب الحنفية على هذه القاعدة: أن كل ما خالف شرط الواقف فهو مخالف للنص، والحكم به حكم بلا دليل، سواء أكان كلام الواقف نصاً أم ظاهراً؛ لأنه يجب اتباعه، عملاً بقول المشايخ: شرط الواقف كنص الشارع.
ويراعى شرط الواقف في إجارة الموقوف، فإذا شرط الواقف ألا يؤجر الموقوف أكثر من سنة، والناس لا يرغبون في استئجارها، وكانت إجارتها أكثر من سنة أنفع للفقراء، فليس للقيم الناظر أن يؤجرها أكثر من سنة، بل يرفع الأمر