الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما الحنابلة فقالوا: لو قصد الموصي الإنفاق على فرس زيد أو دابته، ولو لم يقبل الموصى له، تصح الوصية؛ لأن العبرة في العقود للمعاني والمقاصد. ويصرف الموصى به في علف الدابة، فإن مات الفرس قبل الإنفاق عليه، كان الباقي لورثة الموصي، ويتولى الوصي أو القاضي عند الحنابلة، لا صاحب الفرس الإنفاق عليه.
وبناء على هذا الشرط، قال أبو حنيفة: لو قال: أوصيت بثلث مالي لله تعالى، فالوصية باطلة. وقال محمد: جائزة، وعليه الفتوى، ويصرف في وجوه البر.
ولو أوصى للمسجد أو للمسجد الحرام أو للمدرسة ونحوها من جهات الوقف بشيء، لم يجز عند الحنفية، إلا أن يقول: ينفق على المسجد إنشاء وترميماً؛ لأنه قربة. وعند محمد والشافعية: يصح مطلقاً، سواء قال: ينفق أم لا، ويصرف على مصالحه، كالمثال السابق، تصحيحاً لكلامه.
وقال المالكية والحنابلة: تصح الوصية لمسجد ونحوه كرباط وثغر وسور على البلد، وتصرف في مصالحه ونفقاته التي يحتاجها من إضاءة وحصر وسجاد، وما زاد على ذلك، فيصرف على خدمته من إمام ومؤذن ونحوهما.
الوصية للقاتل:
ألا يكون الموصى له قاتلاً الموصي في رأي الحنفية والحنابلة: فإن قتله بأن أصابه بجرح فأوصى له، ثم مات، كانت الوصية باطلة. وإن أوصى له أولاً، ثم حدث القتل، كان مانعاً من استحقاق الوصية. فالقتل يمنع صحة الوصية ابتداء واستمراراً؛ لأن القتل يمنع الميراث، فيمنع الوصية، معاملة له بنقيض مقصوده، ولخبر «ليس لقاتل وصية» (1). والقتل مانع من صحة الوصية
(1) أخرجه الدارقطني والبيهقي عن علي رضي الله عنه، لكن فيه راو متروك يضع الحديث (نصب الراية: 402/ 4).
لحق الشرع، سواء أجاز الورثة أم لا، وهذا رأي أبي يوسف، وبه أخذ القانون. وقال أبو حنيفة ومحمد: إذا أجاز الورثة الوصية، أو لم يكن للموصي ورثة، كانت الوصية جائزة نافذة؛ لأن المنع لحق الورثة. والرأي الأول أرجح.
لكن اختلف الحنفية والحنابلة في نوع القتل المانع من الوصية والميراث: فقال الحنابلة في الأصح: القتل بغير حق، سواء أكان عمداً أم خطأ، مباشرة أم تسبباً، يمنع الميراث ويبطل الوصية، لأن الميراث آكد من الوصية، فتكون الوصية أولى.
وقال الحنفية: القتل المانع من الإرث والوصية: هو الصادر من البالغ العاقل، عدواناً بغير حق أو عذر شرعي، إذا كان مباشرة لا تسبباً، سواء أكان عمداً أم خطأ، فالقتل من المجنون والصبي، والقتل بحق كالقتل قصاصاً أو حداً أو بسبب البغي، أو بعذر كالدفاع عن النفس والعرض، والقتل بالتسبب، كما لو دل الموصى له الشخص القاتل على مكان الموصي ولم يشترك معه في القتل، كل ذلك لا يمنع الإرث والوصية. فالقتل بالتسبب عندهم لا يمنع إرثاً ولا وصية.
أما الشافعية فقالوا: الأظهر أن الوصية تصح للقاتل ولو تعدياً، فلو قتل الموصى له الموصي ولو تعدياً، استحق الموصى به؛ لأن الوصية تمليك بعقد، فأشبهت الهبة، وخالفت الإرث.
وأما المالكية: فعندهم تفصيل وهو أن الوصية تصح لقاتل، سواء أكان القتل عمداً أم خطأ إذا علم الموصي بمن قتله، ولم يغير وصيته، أو أوصى بعد الضرب، مع علمه بأن الموصى له هو الضارب؛ لأن المانع من صحة الوصية: هو استعجال الموصى له الشيء قبل أوانه، فيعاقب بالحرمان، لا يتحقق إلا إذا كان القتل لاحقاً للوصية. وإذا كان الموصي عالماً بالضرب، ثم أوصى له، دل على أنه عفا عنه وقصد الإحسان إليه.
وبه يتبين أنه لا يشترط عند المالكية ألا يكون الموصى له قاتلاً، بشرط أن تقع الوصية بعد الضربة وأن يعرف المقتول قاتله. فإن ضرب شخص غيره ضربة قاتلة عمداً أو خطأ، ثم أوصى له بعد الضربة بشيء، صحت الوصية. أما إذا أوصى له قبل أن يضربه، ثم ضربه فأماته، فإن الوصية تبطل، سواء عرف القاتل ولم يغير الوصية، أم لم يعرفه، على الراجح؛ لأن فيها شبهة استعجال الوصية كالميراث.
ففي هذه الحال الأخيرة يتفق مذهبهم مع الحنفية والحنابلة، وفي الحال الأولى أي وقوع الوصية بعد الضربة يكون مذهبهم كالشافعية، ويكون لدينا رأيان: رأي الحنفية والحنابلة: أن القتل يبطل الوصية، ورأي الشافعية والمالكية: أن القتل لا يبطل الوصية.
أما القانون المصري في المادة (17) والسوري في المادة (223) فقد أخذا برأي الحنفية والحنابلة في أن القتل مانع من استحقاق الوصية، وأخذاً برأي المالكية في تحديد نوع القتل المانع من الإرث والوصية وهو القتل قصداً أو عمداً (1)، سواء أكان القاتل فاعلاً أصلياً أم شريكاً، أم شاهد زور أدت شهادته إلى الحكم بالإعدام على الموصي ونفذ الحكم، إذا كان القتل بلا حق ولا عذر، وكان القاتل عاقلاً بالغاً من العمر خمس عشرة سنة عند الجمهور، واثنتي عشرة سنة عند الحنفية. وهذا يشمل القتل مباشرة وتسبباً عملاً بمذهب الشافعية، ويكون القاتل مستحقاً الوصية إذا كان مجنوناً أو معتوهاً ونحوهما، أو ولداً دون الخامسة عشرة، أو قاتلاً بحق أو بعذر كالقاتل دفاعاً عن النفس أو الشرف، والقاضي الذي يصدر حكم الإعدام، والجلاد الذي ينفذ الحكم.
(1) وتصح قانوناً الوصية للقاتل خطأ، عملاً بمذهب الإمام مالك.