الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما الزنديق: فهو الذي يظهر الإسلام، ويستسر بالكفر، وهو المنافق، كان يسمى في عصر النبي صلى الله عليه وسلم منافقاً، ويسمى اليوم زنديقاً، وهو يختلف عن المنافق في السعاية بالفساد والدعوة السرية لهدم الإسلام وتشكيك المسلمين بعقائدهم.
وحكمه عند الجمهور غير المالكية كالمرتد على الخلاف والتفصيل السابق، فمال الزنديق عند الشافعية والحنابلة في بيت المال.
وقال المالكية: يورث الزنديق خلافاً لسائر المرتدين، فيرثه ورثته المسلمون، إذا كان يظهر الإسلام.
والخلاصة: إن الردة في الجملة تمنع الإرث، وقد عدها بعضهم مانعاً خاصاً غير اختلاف الدين؛ لأن للارتداد أحكاماً خاصة. فالمرتد لا يرث أحداً غيره مطلقاً، ولا يورث عند الجمهور غير الحنفية، ويورث عند الصاحبين مطلقاً، ويورث فقط ماله الذي اكتسبه حال الإسلام عند أبي حنيفة.
المانع الرابع ـ اختلاف الدارين:
المراد بالدار: الوطن الذي له منعة خاصة وسلطان مستقل. والمراد باختلاف الدارين: أن يكون كل من الوارث والمورث تابعاً لدولة تخالف الأخرى في المَنَعة (القوة أو الجيش) والمُلْك (السلطة) مع انقطاع العصمة بينهما، كأن يكون أحدهما من الهند والآخر من السويد.
ويظهر هذا المانع بين دار الإسلام ودار الحرب أو بين أجزاء دار الحرب نفسها. أما دار الإسلام أو بلاد المسلمين، فتعتبر وطناً واحداً للمسلمين، فيرث المسلم في أي بلد آخر؛ لأن الإسلام صيَّر بلاد المسلمين وطناً واحداً، مهما تباعدت الديار، واختلفت الأنظمة وانقطعت الصلات. فلو مات مسلم في دار
الحرب ورثه ورثته في دار الإسلام. فهذا المانع خاص بغير المسلمين؛ لأن بلاد الإسلام وطن واحد.
وأما دار الحرب فتختلف أحكامها باختلاف دولها.
واختلاف الدار مانع للإرث عند الحنفية فقط إذا كان بين الكفار، دون المسلمين، لثبوت التوارث بين أهل البغي وأهل العدل، وإن اختلفت المنَعة والمُلْك، فيكون هذا المانع خاصاً بغير المسلمين. واختلاف الدار ثلاثة أنواع: حقيقي وحكمي معاً، وحكمي فقط، وحقيقي فقط.
أـ الاختلاف الحقيقي والحكمي معاً: يتحقق باختلاف التبعية والإقامة، كأن يكون الوارث حربياً في دار الحرب، والمورث ذمياً في دار الإسلام، فإذا مات الحربي في دار الحرب، وله أب أو ذمي في دار الإسلام، أو مات الذمي في دار الإسلام، وله أب أو ابن في دار الحرب، لم يرث أحدهما من الآخر؛ لأن الذمي من أهل دار الإسلام، والحربي من أهل دار الحرب، فهما وإن اتحدا ملة، لكن لتباين الدارين حقيقة تنقطع الولاية بينهما، فتنقطع الوراثة على الولاية؛ لأن الوارث خلف المورّث في ماله ملكاً ويداً وتصرفاً.
ب ـ الاختلاف الحكمي فقط: يتحقق باختلاف التبعية أو الجنسية فقط، كأن يكون الوارث ألمانياً والمورث إنجليزياً معاً في ألمانيا وإنجلترا، أو يكون أحدهما ذمياً والآخر مستأمناً يقيمان معاً في دار الإسلام؛ لأن المستأمن من أهل دار الحرب حكماً.
أو يكون كلاهما مستأمنين من دولتين مختلفتين، يقيمان معاً في دار الإسلام؛ لأن كلاً منهما حربي من دار مختلفة.
فلا توارث بين هؤلاء جميعاً، لاختلاف التبعية.
جـ ـ الاختلاف الحقيقي فقط: يتحقق باختلاف الإقامة مع اتحاد الرعوية أو التابعية. كألمانيين يقيم أحدهما في فرنسا، والآخر في أمريكا، مع الاحتفاظ بجنسيتهما، وكمستأمن في دارنا مع حربي في دار الحرب، كلاهما من دولة واحدة، يتوارثان، لاتحاد التبعية.
النوعان الأول والثاني مانعان من الإرث، لاختلاف التبعية، ومناط المنع من الإرث دائر على التبعية، ويكون الاختلاف الحكمي هو السبب وحده في منع الميراث.
أما النوع الثالث فغير مانع، للاتحاد في التبعية.
وبه يظهر أن الحربيين: إن كانا في دارين من دور الحرب مع اتحاد الجنسية كان الاختلاف في الدار حقيقياً غير مانع، وإن كان في دارنا، كان الاختلاف حكمياً، مانعاً من الإرث، فلا يتوارثان في دار الإسلام إلا إذا صارا ذميين.
واختلاف الدار لدى الشافعية ليس مانعاً من موانع الإرث، لكنهم قالوا: لاتوارث بين حربي ومعاهد، وهو يشمل الذمي والمستأمن، لانقطاع الموالاة بينهما، كما تقدم، فيوافقون الحنفية في النوع الأول.
وليس اختلاف الدار مطلقاً لدى المالكية والحنابلة مانعاً للميراث، فيرث أهل الحرب بعضهم بعضاً، سواء اتفقت ديارهم أو اختلفت.
أما القانون المصري في المادة (6) فقد نص على أن اختلاف الدار لا يمنع من الإرث بين المسلمين. ولا يمنع بين غير المسلمين إلا إذا كانت شريعة الدار الأجنبية تمنع من توريث الأجنبي عنها.