الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث ـ أحكام الوصية:
للحكم إطلاقات ثلاثة: يطلق الحكم، ويراد به إما الحكم التكليفي المتعلق بالفعل وجوباً وإباحة وغيرهما، أو حكم الشرع على الشيء بعد وجوده، أي الصفة الشرعية له صحة وبطلاناً، ونفاذاً ولزوماً وغيره، أو الأثر الشرعي المترتب على الشيء من حيث نقل الملكية وغيره. وقد بحثت حكم الوصية بالمعنى الأول، وأبحث هنا أحكامها بالمعنيين الأخيرين.
المطلب الأول ـ صفة الوصية شرعاً والرجوع عنها:
تكون الوصية صحيحة إذا استوفت شروط صحتها، وباطلة إذا تخلف منها شرط، كالوصية من عديم الأهلية مثل المجنون والمعتوه، والوصية لجهة معصية، والوصية بخمر أو خنزير لمسلم، وتكون نافذة إذا توافر فيها شروط النفاذ، وموقوفة على إجازة صاحب الحق، كالوصية لوارث أو بزائد عن الثلث لأجنبي.
واتفق الفقهاء (1) على أن الوصية عقد غير لازم، وأنه يجوز للموصي في حال حياته الرجوع عنها كلها أو بعضها، سواء وقع منه الإيصاء في حال صحته أو مرضه؛ لقول عمر رضي الله عنه:«يغير الرجل ما شاء في وصيته» (2) ولأنها عطية أو تبرع لم يتم، ينجز بالموت، فجاز الرجوع عنها قبل تنجيزها، ولأن القبول يتوقف على الموت، والإيجاب يصح إبطاله قبل القبول كما في البيع.
(1) اللباب: 178/ 4 وما بعدها، تكملة فتح القدير: 438/ 8 - 441، الدر المختار: 465/ 5 وما بعدها، القوانين الفقهية: ص 406، الشرح الصغير: 587/ 4، مغني المحتاج: 71/ 3 - 72، المغني: 67/ 6 - 68، المهذب: 461/ 1 وما بعدها، كشاف القناع: 386/ 4 - 389، تبيين الحقائق مع حاشية الشلبي على الزيلعي: 186/ 6 وما بعدها.
(2)
رواه البيهقي.
واتفقوا أيضاً على أن الرجوع عن الوصية يكون إما بالقول الصريح، أو بالدلالة أو ما يجري مجرى الصريح قولاً أو فعلاً.
ومن أمثلة الرجوع الصريح: أن يقول الموصي: نقضت الوصية أو أبطلتها أو رجعت فيه، أو فسختها أو أزلتها، ونحوها من الصرائح.
ومن أمثلة مايجري مجرى الصريح أن يقول: هو حرام على الموصى له، أو هذا لوارثي. أو يقوم بتصرف في الموصى به يدل على رجوعه كالبيع والإصداق، والهبةوالرهن مع قبض أم لا، واستهلاك الشيء كذبح الشاة الموصى بها أو كلها، وخلط الموصى به بغيره خلطاً يعسر تمييزه، وطحن حنطة وعجن دقيق وغزل قطن ونسج غزل، وقطع ثوب قميصاً، وصوغ معدن من ذهب أو فضة، وبناء وغراس في ساحة ..
إلا أن المالكية لا يعتبرون الفعل أو التصرف رجوعاً إلا إذا ذهب بجوهر الموصى به وحقيقته أو كان استهلاكاً له، أو دل دليل على أن الموصي قصد به الرجوع عن الوصية، فهم يوافقون الجمهور في الرجوع بصريح القول، وبالفعل الاستهلاكي من أكل وذبح وإحراق، ولكنهم لا يعتبرون رجوعاً: خلط الشيء بغيره خلطاً يعسر تمييزه، وزيادة الموصى به زيادة متصلة، وحصد الزرع الموصى به ودرسه بدون تذرية على المعتمد؛ لأنه لم يزل عنه اسم الزرع. فالخلط المذكور وزيادة الموصى به لا تعد رجوعاً عند المالكية خلافاً لغيرهم.
ويعتبر عند الحنفية رجوعاً في الأصح المفتى به كما في الذخيرة والمبسوط وهو قول أبي يوسف: جحود الوصية أي إنكارها بأن قال الموصي: لم أوص؛ لأن