الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 - ألا يختلف الدين
في رأي الحنابلة وحدهم: فلا تجب النفقة في عمودي النسب مع اختلاف الدين، في الرواية المعتمدة لديهم؛ لأنها مواساة على البر والصلة، فلم تجب مع اختلاف الدين كنفقة غير عمودي النسب، ولأنهما غير متوارثين، فلم يجب لأحدهما على الآخر نفقته بالقرابة، ومن الشروط عندهم أن يكون المنفق وارثاً، لقوله تعالى:{وعلى الوارث مثل ذلك} [البقرة:233/ 2]، فيجب أن تختص النفقة بمن تجب صلته وبمن كان وارثاً، فإن لم يكن وارثاً فلا نفقة له، لعدم القرابة.
ولم يشترط الجمهور غيرا لحنابلة اتحاد الدين لنفقة الأولاد، لقوله تعالى:{وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن} [البقرة:233/ 2] وهو يدل على أن الولادة سبب لإيجاب نفقة الأولاد على أبيهم، والولادة ثابتة، سواء مع اتحاد الدين أواختلافه، ولأن النفقة وسيلة الحياة، والحياة مطلوبة ولو مع الكفر؛ لأن المال لا أهمية له في الحقيقة، والله تعالى يرزق المؤمن والكافر على السواء.
المطلب الثالث ـ من تجب عليه نفقة الأولاد:
اتفق الفقهاء (1) على أنه إذا كان الأب موجوداً وموسراً أو قادراً على الكسب في رأي الجمهور، فعليه وحده نفقة أولاده، لا يشاركه فيها أحد، لقوله تعالى:{وعلى المولود له .. } [البقرة:233/ 2] الذي يفيد حصر النفقة فيه، ولأنهم جزء منه، فنفقتهم وإحياؤهم كنفقة نفسه.
أما إذا لم يكن الأب موجوداً، أو كان فقيراً عاجزاً عن الكسب لمرض أو كبر
(1) فتح القدير: 346/ 3، حاشية ابن عابدين على الدر المختار: 926/ 2، 935، الشرح الصغير: 753/ 2، القوانين الفقهية: ص 223، المهذب: 166/ 2، المغني: 589/ 7 - 592، المغني: 589/ 7 - 592، مغني المحتاج: 450/ 3 وما بعدها.
سن أو نحو ذلك، كانت نفقتهم في رأي الحنفية على الموجود من الأصول ذكراً كان أو أنثى إذا كان موسراً، فتجب على الجد وحده إذا كان موسراً، أو على الأم وحدها إذا كانت موسرة. وللجد أو الأم إذا كان الأب موجوداً معسراً غير مريض مرضاً مزمناً الرجوع على الأب في حال يساره، ويكون ما أنفقه ديناً على والدهم. كما يجوز الرجوع عليه إذا أمر القاضي بالإنفاق.
وإذا وجد الجد مع الأم فعليهما النفقة بنسبة ميراثهما، فيكون على الأم الثلث وعلى الجد الثلثان. وإذا كان الجد مع الجدتين: أم الأم وأم الأب، فعلى الجدتين السدس مناصفة بينهما، وعلى الجد الباقي، بمقدار ميراثهما.
وإن كان أقارب الولد غير وارثين، بأن كانوا من ذوي الأرحام، فالنفقة على أقربهم درجة. وإن اتحدت درجتهم، كانت النفقة عليهم بالسوية.
وإن كان بعض الأقارب وارثاً، والآخر غير وارث، كانت النفقة على الأقرب، وإن لم يكن وارثاً، فإن تساووا في درجة القرابة، وجبت النفقة على الوارث دون غيره.
ورأى المالكية: أنه تجب النفقة على الأب وحده دون غيره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل سأله، عندي دينار؟ قال:«أنفقه على نفسك، قال: عندي آخر؟ قال: أنفقه على أهلك، قال: عندي آخر؟ قال: أنفقه على ولدك، قال: عندي آخر؟ قال: أنفقه على خادمك، قال: عندي آخر؟ قال: أنت أعلم به» ولم يأمره بإنفاقه على غير هؤلاء.
وذهب الشافعية: إلى أنه إذا لم يوجد الأب أو كان عاجزاً، وجبت النفقة على الأم، لقوله تعالى:{لا تضارّ والدة بولدها} [البقرة:233/ 2] ولأنه إذا وجبت النفقة على الأب وولادته من جهة الظاهر، فلأن تجب على الأم، وولادتها
مقطوع بها، أولى. وتجب عليها نفقة ولد الولد؛ لأن الجدة كالأم، والجد كالأب في أحكام الولادة.
وإذا استوت درجة القرابة واستحقاق الإرث وجبت النفقة على المتساوين؛ لأن علة إيجاب النفقة تشملهما. وإن تفاوتت درجة القرابة فالأصح أن أقربهما تجب النفقة عليه، وارثاً كان أو غيره، وإن استوى قربهما، يقدم الوارث في الأصح. فإن كان هناك أم وجد أبو أب، فالنفقة كلها على الجد في الأصح، لأنه ينفرد بالتعصيب، فأشبه الأب. وإن كان للفرع أجداد وجدات يدلي بعضهم ببعض فالنفقة على الأقرب منهم. وإن لم يُدْل بعضهم ببعض فتلزم النفقة بالقرب.
وقال الحنابلة في ظاهر المذهب: إذا لم يكن للولد الصغير أب، وجبت نفقته على كل وارث على قدر ميراثه، لقوله تعالى:{وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} [البقرة:233/ 2] ثم قال: {وعلى الوارث مثل ذلك} [البقرة:233/ 2] فأوجب على الأب نفقة الرضاع، ثم عطف الوارث عليه، فأوجب على الوارث مثل ما أوجب على الوالد. وسأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من أبر؟ قال: أمك وأباك وأختك وأخاك» وفي لفظ: «ومولاك الذي هو أدناك حقاً واجباً، ورحماً موصولاً» (1) وهذا نص في المطلوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ألزمه الصلة والبر، وكون النفقة من الصلة جعلها حقاً واجباً. فإن كان للولد وارثان فالنفقة عليهما على قدر إرثهما منه، وإن كانوا ثلاثة أو أكثر، فالنفقة بينهم على قدر إرثهم منه:
(1) رواه أبو داود عن كُلَيب بن مَنْفعة عن جده بلفظ «
…
ومولاك الذي يلي ذاك، حق واجب، ورحم موصولة» (نيل الأوطار: 327/ 6).