الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثالثها ـ إن الرضاع فعل يتعلق به التحريم، فيستوي قليله وكثيره؛ لأن شأن الشارع إناطة الحكم بالحقيقة مجردة عن شرط التكرار والكثرة، وتتحقق جزئية الرضيع من المرضعة بالقليل والكثير.
ويعمل بهذا الرأي في مصر وليبيا، ويعمل في سورية بالرأي الأول، وهو الراجح، لما فيه من توسعة وتيسير على الناس.
المبحث الثالث ـ ما يثبت به الرضاع:
يثبت الإرضاع بأحد أمرين: الإقرار والبينة (1).
1 - أما الإقرار:
فهو عند الحنفية اعتراف الرجل والمرأة معاً أو أحدهما بوجود الرضاع المحرم بينهما.
فإذا أقر الرجل والمرأة بالرضاع قبل الزواج، بأن اعترفا بأنهما أخوان من الرضاع، فلا يحل لهما الإقدام على الزواج، وإن تزوجا كان العقد فاسداً، ولم يجب للمرأة شيء من المهر.
وإن كان الإقرار بعد الزواج وجب عليهما الافتراق، فإن لم يفترقا اختياراً، فرق القاضي بينهما جبراً؛ لأنه تبين فساد العقد، ويجب للمرأة الأقل من المسمى ومهر المثل.
ب ـ وإذا كان الإقرار من جانب الرجل وحده، كأن يقول: هي أختي أو أمي أو بنتي في الرضاع: فإن كان الإقرار قبل الزواج، فلا يحل له التزوج بها. وإن كان بعد الزواج، وجب عليه أن يفارق المرأة، فإن لم يفارقها اختياراً، وجب على
(1) البدائع: 14/ 4، القوانين الفقهية: ص 207، مغني المحتاج: 423/ 3 - 425، المغني: 558/ 7 - 562، الشرح الصغير: 725/ 2 - 727.
القاضي أن يفرق بينهما جبراً، ويكون للمرأة في التفريق قبل الدخول نصف المهر المسمى، وبعد الدخول يكون لها جميع المهر المسمى، ولها النفقة والسكنى في العدة؛ لأن الإقرار حجة قاصرة على المقر لايتعداه إلى غيره إلا إذا صدقه الغير، أو ثبتت بالبينة صحة الإقرار، ولكن لا يبطل حقها بالمهر والنفقة والسكنى.
جـ ـ وإذا كان الإقرار من جانب المرأة وحدها: فإن كان قبل الزواج، فلا يحل لها أن تتزوجه، ولكن يحل له أن يتزوجها إذا وقع في قلبه كذبها على المفتى به؛ لأن الطلاق له لا لها، والإقرار حجة قاصرة على المقر، ويحتمل أن يكون إقرارها لغرض خفي في نفسها.
وإن كان الإقرار منها بعد الزواج، فلا يؤثر الإقرار على صحة الزواج إلا إذا صدقها الزوج فيه.
ويجوز للمقر الرجوع عن إقراره مالم يشهد على إقراره، سواء قبل الزوج أم بعده، بأن يقول: كنت واهماً أو ناسياً، لاحتمال أنه أقر بناء على إخبار غيره، ثم تبين له كذبه. فإن أشهد على إقراره، لم يقبل منه الرجوع بعدئذ، لوجود التناقض بين إقراره ورجوعه.
ويثبت الرضاع عند المالكية بإقرار الزوجين معاً، أو باعتراف أبويهما، أوباعتراف الزوج المكلف وحده ولو بعد العقد؛ لأن المكلف يؤخذ بإقراره، أو باعتراف الزوجة فقط إذا كانت بالغاً قبل العقد عليها، لا إن أقرت بعده، ويفسخ الزواج بينهما في كل هذه الأحوال.
فإن حصل الفسخ قبل الدخول بها فلا شيء لها، إلا أن يقر الزوج فقط بعد العقد، فأنكرت، فلها نصف المهر (1).
(1) هذه إحدى المسائل الثلاث المستثنيات من قاعدة، كل عقد فسخ قبل الدخول، لا شيء فيه إلا نكاح الدرهمين، وفرقة المتلاعنين، وفسخ المتراضعين.
وإن حدث الفسخ بعد الدخول بها، فلها المهر المسمى جميعه، إلا إذا علمت المرأة بالرضاع قبل الدخول، ولم يعلم هو، فلها ربع دينار بالدخول. وليس لها نفقة ولا سكن.
ويقبل إقرار أحد أبوي صغير، بأن أقر أبوه أو أمه بالرضاع قبل العقد عليه فقط، فلا يصح العقد بعد الإقرار.
ولا يصح الرجوع عن الإقرار، سواء أصر المقر على إقراره أم لم يصر.
ويشترط لصحة الإقرار عند الشافعية رجلان، فلا يثبت بإقرار غيرهما، لاطلاع الرجال عليه غالباً.
ولو قال الرجل: هند بنتي أو أختي برضاع، أو قالت المرأة: هو أخي، حرم تناكحهما، لأنه يؤاخذ كل منهما بإقراره.
ولو قال زوجان: بيننا رضاع محرِّم، فرِّق بينهما، وسقط المهر المسمى، ووجب مهر المثل إن حدث الوطء.
وإن ادعى الزوج رضاعاً محرِّماً، فأنكرت زوجته ذلك؛ انفسخ النكاح وفرق بينهما، ولها إن وطئ المهر المسمى إن كان صحيحاً، وإلا فمهر المثل، لاستقراره بالدخول. فإن لم يطأ فلها نصف المهر، لورود الفرقة منه، ولا يقبل قوله عليها، وله تحليفها قبل الدخول، وكذا بعد الدخول إن كان المسمى أكثر من مهر المثل. وإن نكلت عن اليمين حلف الزوج ولزمه مهر المثل فقط بعد الوطء، ولا شيء لها عليه قبله.
وإن ادعت الزوجة الرضاع، فأنكر الزوج ذلك، صدق بيمينه إن زوِّجت برضاها، وإلا بأن زوجت بغيررضاها، فالأصح تصديقها بيمينها. ولها في الحالين مهر مثلها إن وطئت جاهلة بالرضاع.